( لا ظلم اليوم )(1)..
( ولا يُظلمون فتيلا )(2)(3).
____________
(1) سورة غافر 40: 17.
(2) سورة النساء 4: 49.
(3) محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين: 284، ولم ترد فيه آية (ثمّ هدى).
وقال الفضـل(1):
مذهب جميع الملّـيّين أنّ أفعال الله تعالى منزّهة عن أن تكون مثل أفعال المخلوقين، فإنّ أفعال المخلوقين مشتملة على التفاوت [والاختلاف] والظلم، وأفعال الله تعالى منزّهة عن هذه الأشياء.
فالآيات الدالّة على هذا المعنى دليل جميع الملّـيّين، ولا يلزم الأشاعرة شيء منها; لأنّهم لا يقولون: إنّ أفعال العباد أفعال الله تعالى حتّى يلزم المحذور، بل إنّهم يقولون: أفعال العباد مخلوقة لله تعالى مكسوبة للعبـد.
وهذا التفاوت والاختلاف والظلم بواسطة الكسب والمباشرة، فالتفاوت والاختلاف واقع في أفعال العباد كما في سائر الأشياء، كالإنسان وغيره من المخلوقات، فإنّ الاختلاف والتفاوت واقعان فيها لا محالة.
فهذا التفاوت والاختلاف في تلك الأشياء; بماذا ينسب؟ وبأيّ شيء ينسب؟ فينسـب إليه تعالى اختلاف أفعال العباد!
وأمّا الاستدلال بقوله: ( أحسن كلّ شيء خلقه )(2) على أنّ الكفر ليس خلقه، فباطل; لأنّ الكفر مخلوق لا خلق، ولو كان كلّ مخلوق حسناً لوجب أن لا يكون في الوجود قبيح، وهو باطل; لكثرة المؤذيات والقبائح المتحقّقة بخلق الله تعالى على ما سـيجيء.
____________
(1) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ 2 / 41.
(2) سورة السجدة 32: 7.
ولو كان المعنى: وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلاّ بكون كلّ مخلوق حقّـاً، لأفاد أنّ الكفر حقّ، وأنّى يُفهم هذا المعنى من هذا الكلام؟!
نعم، ربّما فهم ذلك الأعرابي الجاف، الحلّي الوطن، ذلك المعنى من كلام الله تعالى!
____________
(1) سورة الحجر 15: 85.
(2) سورة الدخان 44: 38 و 39.
وأقـول:
من العجب أنّ الخصم وأصحابه يطلقون أفعال الله تعالى على مخلوقاته، فإذا جاءوا إلى أفعال العباد ـ التي هي مخلوقة لله بزعمهم ـ سمّوها أفعال المخلوقين.. أيزعمون أنّ الخروج عن عهدة الإشكال بمجرّد الاصطلاح والتسمية؟!
على أنّ صريح الآية الأُولى عدم التفاوت في خلق الله، ومنه أفعال العباد عندهم، فلا يضرّنا عدم تسميتها أفعالا لله تعالى.
وأمّا ما زعمه من التفاوت بواسطة الكسب والمباشرة..
فـفيه: إنّهم يزعمون أنّ الله تعالى خالق الأشياء كلّها، فكلّ شيء جعلوا فيه التفاوت، سواء كان هو الكسب أم غيره، فهو من خلق الله تعالى، فيكون التفاوت في خلقه، وقد نفته الآية، فلا ينفعهم الفرار إلى الكسب والمباشرة.
وهو أيضاً تكذيب لله تعالى في قوله: ( ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت )(1).. ومنشأُه الجهل بمعنى الآية، إذ ليس المراد بالتفاوت في الآية الاختلاف بالصورة والمادّة، أو الحسن والأحسنية، أو نحو ذلك، حتّى تُـكذَّب الآية، بل المراد به الاختلاف بالحسن والقبح ووقوع الخلل وعدم الإتقان في بعضها، ولكنّ الخصم لا يرضى بهذا; لأنّه يزعم أنّ خلق الله متفاوت بالحسن والقبح.
____________
(1) سورة الملك 67: 3.
قلـت: مع أنّه لا إشعار لكلامه به; لو كان كذلك لَما احتاج إلى دعوى كون التفاوت بواسطة الكسب، على أنّ تعليق الرؤية المنفية بالخلق يدلّ على إرادة المخلوق منه، مع أنّ القول بوقوع التفاوت في المخلوقات يستوجب نفي الإتقان وثبوت النقص في الله سبحانه بالعجز أو الجهل، وهو كـفر!
وأمّا ما أجاب به عن قوله تعالى: ( أحسن كلّ شيء خَلَقَه )(1).. حيث قال: إنّ الكفر مخلوق لا خَلْق، فغلطٌ واضح، بناءً على قراءة الأكثر بفتح (لام) ( خَلَقَه )، ليكون فعلا، فإنّ الآية حينئذ تكون صريحة في أنّه تعالى أحسن كلّ شيء مخلوق له.
وكذا بناءً على قراءته بتسكين (اللام)، ليكون مصدراً وبدل اشتمال من ( كلّ شيء ); وذلك لأنّ إحسان الخلق إنّما هو باعتبار إحسان المخلوق، أو يسـتلزمه، كما تشهد له القراءة الأُولى.
وكيف يمكن أن يقال: إنّ الله سبحانه لم يحسن مخلوقاته، وهو ينفي الإتقان ويثبت العجز أو الجهل له سبحانه؟!
____________
(1) سورة السجدة 32: 7.
وأمّا جوابه عن الآية الثالثة، بأنّ معناها: إنّا ما خلقنا السماوات والأرض إلاّ متلبّسـين بالحقّ..
فـفيه: إنّ هذا هو مراد المصنّف، وهو بالضرورة يقتضي أن تكون مخلوقاته تعالى كلّها حقّـاً، وإلاّ فكيف يكون متلبّسـاً بالحقّ ومخلوقاته ومصنوعاته من الباطل؟!
كما إنّه لا يكون منزّهاً عن اللعب والعبث إذا كان بعض مخلوقاته لعباً وعبثاً!
قال المصنّـف ـ قـدّس الله روحه ـ(1):
الرابـع: الآيات الدالّة على ذمّ العباد على الكفر والمعاصي، كقوله تعالى: ( كيف تكفرون بالله )(2)، والإنكار والتوبيخ مع العجز عنه محال، ومن مذهبهم أنّ الله خلق الكفر في الكافر وأراده منه، وهو لا يقدر على غيره، فكيف يوبّخه عليه؟!
وقال تعالى: ( وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءَهمُ الهُدى )(3)، وهو إنكار بلفظ الاستفهام.
ومن المعلوم أنّ رجلا لو حبس آخر في بيت بحيث لا يمكنه الخروج عنه ثمّ يقول: ما منعك من التصرّف في حوائجي؟! قبح منه ذلك.
وكذا قوله تعالى: ( وماذا عَليهم لو آمنُوا )(4)..
( ما منعك أنْ تسـجدَ )(5)..
وقوله تعالى: ( ما منعكَ إذ رأيتَـهُم ضَلُّوا )(6)..
( فما لـهُم عن التذكرة معرضين )(7)..
____________
(1) نهج الحقّ: 107.
(2) سورة البقرة 2: 28.
(3) سورة الإسراء 17: 94.
(4) سورة النساء 4: 39.
(5) سورة ص 38: 75.
(6) سورة طـه 20: 92.
(7) سورة المدّثّر 74: 49.
( عفا اللهُ عنكَ لِـمَ أذِنتَ لـهُم )(2)..
( لِـمَ تُحرّمُ ما أحلَّ اللهُ لكَ )(3)..
وكيف يجوز أن يقول: لِـمَ تفعل، مع أنّه ما فعله.!
وقوله: ( لِـمَ تلبسُون الحقّ بالباطل )(4)..
( لِـمَ تصُـدّونَ عن سـبيلِ اللهِ )(5)..
قال الصاحب بن عبّاد(6): كيف يأمر بالإيمان ولم يُرِدْه، وينهى عن المنكر وقد أراده، ويعاقب على الباطل وقدّره؟!(7).
وكيف يصرفه عن الإيمان ويقول: ( أنّى تُصرَفُون )(8)؟!..
ويخلق فيهم الكفر ثمّ يقول: ( كيفَ تكـفُرون )(9)؟!..
ويخلق فيهم لبس الباطل ثمّ يقول: ( لِـمَ تَلبسُون الحقَّ بالباطل )(10)؟!..
وصدّهم عن سواء السبيل، ثمّ يقول: ( لِـمَ تصُدّونَ عن سبيلِ
____________
(1) سورة الانشقاق 84: 20.
(2) سورة التوبة 9: 43.
(3) سورة التحريم 66: 1.
(4) سورة آل عمران 3: 71.
(5) سورة آل عمران 3: 99.
(6) تقدّمت ترجمته في ج 2 / 358 هـ 3.
(7) انظر مؤدّاه شعراً في ديوانه: 41 ـ 42 الأبيات 23 ـ 25، وفي شرح قصيدة الصاحب بن عبّاد في أُصول الدين ـ للقاضي جعفر البهلولي المعتزلي ـ: 60 ـ 64.
(8) سورة يونس 10: 32، سورة الزمر 39: 6.
(9) سورة البقرة 2: 28، سورة آل عمران 3: 101.
(10) سورة آل عمران 3: 71.
وحال بينهم وبين الإيمان، ثمّ قال: ( وماذا عليهم لو آمنوا بالله )(2)؟!..
وذهب بهم عن الرشد، ثمّ قال: ( أينَ تَذهبُون )(3)؟!..
وأضلّهم عن الدِين حتّى أعرضوا، ثمّ قال: ( فما لـهُم عن التذكرة مُعرِضين )(4)؟!(5).
____________
(1) سورة آل عمران 3: 99.
(2) سورة النساء 4: 39.
(3) سورة التكوير 81: 26.
(4) سورة المدّثّر 74: 49.
(5) محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين: 284.
وقال الفضـل(1):
قد سبق أنّ ذمّ العباد على الكفر; لكونهم محلّ الكفر والكاسبين المباشرين له.
والإنكار والتوبيخ في قوله تعالى: ( كيف تكفرون بالله )(2); لكسبهم الكفر، وهم غير عاجزين عن الكسب; لوجود القدرة على الكسب، وإن كانوا عاجزين عن دفع الكفر عنهم بحسب الإيجاد والخلق.
والأوّل كاف في ترتّب التوبيخ على فعلهم.
وأمّا ما ذكر من أنّ مذهبهم أنّ الله تعالى خلق الكفر في الكافر وأراده منه، وهو لا يقدر على غيره، فكيف يوبّخه عليه؟!
فقد ذكرنا جوابه في ما سبق أنّ التوبـيخ باعتبار الكسـب والمحلّـيّة، لا باعتبار التأثير والخالقـيّـة(3).
وقد ذكرنا في ما سبق أنّ هذا يلزمهم في العلم بعينه(4).
وكذا حكم باقي ما ذكر من الآيات المشتملة على توبيخ الله تعالى عباده بالشرك والمعاصي، فإنّ كلّ هذه التوبيخات متوجّهة إلى العباد باعتبار المحلّـيّـة والكسـب، لا باعتبار الخلق.
____________
(1) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ 2 / 47.
(2) سورة البقرة 2: 28.
(3) راجع الصفحتين 131 و 155.
(4) راجع الصفحة 137.
كلامك يا هذا كبندق فارغ | خليُّ عن المعنى ولكن يقرقِـرُ |
وأقـول:
بعد قولهم: " إنّ الله تعالى خالق كلّ شيء " يكون الكسب أيضاً من مخلوقاته كما سبق(1)، ويكون العبد عاجزاً عنه كأصل الفعل، فلا يصحّ توبيخ العبد عليه أيضاً.
وما زعمه من وجود القدرة على الكسب، إنْ أراد بها القدرة المؤثّرة فيه، فقد خرج عن مذهبه حيث يقول: لا مؤثّر إلاّ الله تعالى وكلّ شيء مخلوق له..
وإنْ أراد بها غير المؤثّر، فهي لا تصحّح التوبيخ، مع أنّ مثلها عندهم متعلّق بأصل الفعل، فلا داعي للفرار إلى الكسب.
وأمّا ما زعمه من أنّ هذا يلزمنا في العلم، فقد مرّ مراراً ما فيه(2).
وأمّا كون الصاحب (رحمه الله) وزيراً متشـدّقاً في الإنشاء، فلا ينافي علـوّ مكانته في العلم، كما هو معلوم لكلّ أحد، وتشهد به رصانة معاني كلامه المذكور..
وما زعمـه أنّه كان معتزلياً، فهو كما زعمه الذهبي أنّ السـيّد المرتـضى (رحمه الله) كان معتزلياً(3)..
____________
(1) راجع الصفحة 167.
(2) انظر الصفحة 138 ـ 139 من هذا الجزء، و ج 2 / 353 من هذا الكتاب.
(3) انظر: سير أعلام النبلاء 17 / 588 رقم 394.
ولينظر المنصف أنّ الخالي عن المعنى هو كلام الصاحب أو كلام الخصم!!
____________
(1) انظر: عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1 / 12، لسان الميزان 1 / 413 ـ 416 رقم 1295، أمل الآمل 2 / 34 رقم 96، أعيان الشيعة 3 / 328.
قال المصنّـف ـ رفع الله في الخلد أعلامه ـ(1):
الخامس: الآيات التي ذكر الله تعالى فيها تخيير العباد في أفعالهم وتعلّقها بمشـيئتهم:
قال تعالى: ( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر )(2)..
( اعملوا ما شـئتم )(3)..
( فسـيرى الله عملكم )(4)..
( لمن شاء منكم أن يتقدّم أو يتأخّر )(5)..
( فمن شاء ذكَره )(6)..
( فمن شاء اتّخذ إلى ربّه سـبيلا )(7)..
( فمن شاء اتّخذ إلى ربّه مآباً )(8).
وقد أنكر الله تعالى على من نفى المشيئة عن نفسه وأضافها إلى الله
____________
(1) نهج الحقّ: 109.
(2) سورة الكهف 18: 29.
(3) سورة فصّلت 41: 40.
(4) سورة التوبة 9: 105.
(5) سورة المدّثّر 74: 37.
(6) سورة المدّثّر 74: 55، سورة عبس 80: 12.
(7) سورة المزّمّل 73: 19، سورة الإنسان 76: 29.
(8) سورة النبأ 78: 39.
( وقالوا لو شاء الرحمن ما عبـدناهم )(2)(3).
____________
(1) سورة الأنعام 6: 148.
(2) سورة الزخرف 43: 20.
(3) محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين: 285.
وقال الفضـل(1):
هـذه الآيـات تـدلّ على أنّ للعبـد مشـيئة، وهذا شيء لا ريب فيه ولا خلاف لنا فيه، بل النزاع في أنّ هذه المشيئة التي للعبد، هل هي مؤثّرة في الفعل موجِدةٌ إيّاه؟ أو هي موجبة للمباشرة والكسب؟
فإقامة الدليل على وجود المشـيئة في العبد غير نافعة له.
وأمّا قوله: " قد أنكر الله تعالى على من نفى المشيئة عن نفسه وأضافها إلى الله تعالى بقوله: ( سيقول الّذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا )(2).
فنقول: هذا الإنكار بواسطة إحالة الذنب على مشيئة الله تعالى عناداً وتعنّتاً، فأنكر الله عليهم عنادهم وجعل المشيئة الإلهيّة علّة للذنب، وهذا باطل.
ألا ترى إلى قوله: ( ولو شاء الله ما أشركوا وما جعلناك عليهم حفيظاً )(3) كيف نسب عدم الإشراك إلى المشيئة؟! ولولا أنّ الإنكار في الآية الأُولى لجعل المشيئة علّة للذنب، وفي الثانية لتعميم حكم المشيئة الموجبة للخلق، لم يكن فرق بين الأُولى والثانية، والحال أنّ الأُولى واردة للإنكار على ذلك الكلام، وهو منقول عنهم، والثانية من الله تعالى من غير إنكار، فليتأمّل المتأمّل ليظهر عليه الحقّ.
____________
(1) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ 2 / 50.
(2) سورة الأنعام 6: 148.
(3) سورة الأنعام 6: 107.
وأقـول:
صريـح الآيات إرجاع الإيمـان والكفر ونحوهما إلى مشـيئة العبد، ولا معنى للإرجاع إليها بدون تأثيرها.
ثمّ إنّ إيجاب المشـيئة للكسب ـ كما زعم ـ إنْ كان بمعنى تأثيرها فيه، فهو خلاف مذهبهم، وإلاّ فلا يصحّ الإرجاع إليها.
وأمّا ما ذكره من أنّ هذا الإنكار بواسطة إحالة الذنب إلى مشيئة الله تعالى... إلى آخره..
ففيـه: إنّ صريح الآية إحالتهم أصل الشرك إلى مشـيئة الله تعالى، ولا يفهم من الآية أنّهم يَعدّون الشرك ذنباً، فضلا عن إحالتهم جهة الذنب إلى مشـيئة الله تعالى.
وأمّا ما زعمه من أنّه لولا الجمع الذي ذكره لم يكن فرق بين الأُولى والثانية..
ففيـه: إنّ الفرق واضح; لأنّ الأُولى في مقام الإنكار على من نفى المشيئة المؤثّرة فعلا عن نفسه وأضافها إلى الله تعالى، والثانية في مقام فرض مشـيئته تعالى، وأنّه لو فرض تعلّقها بعدم الشرك لَما أشركوا.
قال المصنّـف ـ أعلى الله مقامه ـ(1):
السادس: الآيات التي فيها أمر العباد بالأفعال والمسارعة إليها قبل فواتها.
كقوله تعالى: ( وسارعوا إلى مغفرة من ربّـكم )(2)..
( أجيبوا داعيَ الله وآمِنوا به )(3)..
( اسـتجيبوا لله وللرسول )(4)..
( يا أيّها الّذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبـدوا ربّـكم )(5)..
( فآمِنوا خيراً لكم )(6)..
( واتّبعوا أحسنَ ما أُنزل إليكم )(7)..
( وأنيـبوا إلى ربّـكم )(8).
وكيف يصحّ الأمر بالطاعة والمسارعة إليها مع كون المأمور ممنوعاً عاجزاً عن الإتيان؟!
وكما يستحيل أن يقال للمقعد الزمن: قم، ولمن يرمى من شاهق جبل: احفظ نفسك(9).. فكذا ها هنا.
____________
(1) نهج الحقّ: 109.
(2) سورة آل عمران 3: 133.
(3) سورة الأحقاف 46: 31.
(4) سورة الأنفال 8: 24.
(5) سورة الحجّ 22: 77.
(6) سورة النساء 4: 170.
(7) سورة الزمر 39: 55.
(8) سورة الزمر 39: 54.
(9) محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين: 285.
وقال الفضـل(1):
أمر العباد بالمسارعة في الخيرات من باب التكليف، وقد سبق فائدة التكليف(2).. وأنّه ربّما يصير داعياً إلى إقبال العبد إلى الله تعالى.
وخلق الثواب والعقاب عقيب التكليف والبعثة وعمل العباد، كخلق الإحراق عقيب النار.
فكما لا يحسن أن يقال: لِـمَ خلق الله الإحراق عقيب النار؟
كذلك لا يحسن أن يقال: لِـمَ خلق الثواب والعقاب عقيب الطاعة والمعصية؟ فإنّه تعالى مالك على الإطلاق، ويحكم ما يُريد.
وأمّا قوله: كيف يصحّ الأمر بالطاعة والمأمور عاجز؟!..
فالجواب: ما سبق أنّه ليس بعاجز عن الكسب والمباشرة; والكلام في الخلق والتأثير لا في الكسب والمباشرة(3)!
____________
(1) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ 2 / 53.
(2) تـقدّم في الصفحة 136.
(3) انظر الصفحة 155.
وأقـول:
قد عرفت أنّ هذا كلّه من الهذيان أو التمويه(1)، فلا يحسن بنا إضاعة القرطاس لأجله مرّةً أُخرى!
____________
(1) راجع الصفحتين 148 و 169.
قال المصنّـف ـ طاب ثراه ـ(1):
السابع: الآيات التي حثّ الله تعالى فيها على الاستعانة به.
كقوله تعالى: ( إيّـاك نعبد وإيّـاك نسـتعين )(2)..
( فاسـتعذ بالله من الشيطان الرجيم )(3)..
( اسـتعينوا بالله )(4).
فإذا كان الله تعالى خلق الكفر والمعاصي، كيف يستعان ويستعاذ بـه؟!
وأيضاً: يلزم بطلان الألطاف والدواعي; لأنّه تعالى إذا كان هو الخالق لأفعال العباد، فأيّ نفع يحصل للعبد من اللطف الذي يفعله الله تعالى؟!
ولكنّ الألطاف حاصلة.. كقوله تعالى: ( أَوَلا يرون أنّهم يُفتنون في كلّ عام مرّةً أو مرّتين )(5)..
( ولولا أن يكون الناس أُمّـة واحدة )(6)..
( ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض )(7)..
____________
(1) نهج الحقّ: 110.
(2) سورة الفاتحة 1: 5.
(3) سورة النحل: 16: 98.
(4) سورة الأعراف 7: 128، ووردت في المصدر بدلا عن هذه آية: (اسـتعينوا بالصبر) سورة البقرة 2: 153.
(5) سورة التوبة 9: 126.
(6) سورة الزخرف 43: 33.
(7) سورة الشورى 42: 27.
( إنّ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنـكَر )(2)(3).
____________
(1) سورة آل عمران 3: 159.
(2) سورة العنكبوت 29: 45.
(3) محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين: 285.