الصفحة 28

وأقـول:

إعلم أنّ ما ذكره في نقل الإجماع والأقوال إنّما هو من كلام " المواقف " وشرحها(1)، وقد ذكره بلفظه، سوى إنّه حذف بعض ما يضرّه كما سـننـبّه عليه إن شاء الله تعالى.

فبحثنا حقيقة مع صاحب " المواقف " وشارحها، فنقول: يرِد عليهما أُمـور:

[الأمر] الأوّل: إنّ ما زعماه من إجماع أهل الملل على عصمة الأنبياء عن تعمد الكذّب في ما دلّ المعجز القاطع على صدقهم فيه، كدعوى الرسالة... إلى آخره، خطأ ظاهر ; لجهات:

[الجهـة] الأُولى: إنّ الإجماع المذكور ممنوع لِما حكاه ابن حزم عن بعض الكـرّامية: إنّهم يجوّزون على الأنبياء الكذب في التبليغ(2) كما ستعرفه في كلامه الآتي إن شاء الله تعالى.

الجهة الثانية: إنّ ما ذكراه من الكذب في دعوى الرسالة، إنْ أرادا به الكذب في دعواها حين الرسالة، فهو غير معقول ; لأنّه بعد فرض الرسالة لا يتصوّر الكذب فيها حتّى يعصم عنه.

وإنْ أرادا به الكذب في دعوى الرسالة قبل الرسالة، فغير صحيح ; لأنّ المعجزة اللاحقة لا تدلّ على عصمتهم عنه حينئذ، إذ لا يلزم من وقوع الكذب ـ في ذلك منهم قبل الرسالة ـ إبطال دلالة المعجزة على ثبوت

____________

(1) انظر: المواقف: 358، شرح المواقف 8 / 263.

(2) الفصل في الملل والأهواء والنحل 2 / 284.


الصفحة 29
الرسالة في وقتها، اللّهمّ إلاّ أنْ يريدا العصمة حين الرسالة عن الكذب في دعوى عدمها، فله وجه لكـنّه خلاف ظاهر كلامهما.

الجهة الثالثة: إنّ دعوى أنّ المعجزة تدلّ عقلا على عصمتهم عن الكذب في ما يبلّغونه عن الله تعالى ممنوعة على مذهبهم، إذ يجوز عقلا بناءً على قولهم: " لا يجب على الله شيء، ولا يقبح منه شيء "(1)، أنْ يرسل رسولا بالافتراء عليه، مضافاً إلى أنّه يمكن عقلا أن يظهر الله المعجزة على يد الكاذب في دعوى الرسالة، فلا محالية عقلا في إبطال دلالة المعجزة على الرسالة.

ودعوى القطع العادي(2) بعدم ظهورها على يد الكاذب، وبعدم إرسال رسول بالافتراء على الله تعالى، غير نافعة ; لأنّ الكلام في تجويز العقـل!

على أنّك عرفت أنّ هذه العادة غيبٌ لا يمكن العلم بها، إذ لعلّ كلّ من أظهر المعجزة كاذب في دعوى الرسالة، أو أنّه مرسَل بالافتراء، فما لم نقل بأنّ ذلك قبيح على الله تعالى لم يمكن القطع بنبوّة صاحب المعجزة وبعدم كونه مرسَلا بالافتراء.

واعلم أنّه قد وقع الخلاف بين الأشاعرة في جواز الكذب سهواً على الأنبياء في دعوى الرسالة والتبليغ.

فجـوّزه القاضي أبو بكر، الذي هو من أعاظـم الأشاعرة(3)، كما

____________

(1) اللمع في الردّ على أهل الزيغ والبدع: 116، محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين: 295، المواقف: 328، شرح المقاصد 4 / 294، شرح المواقف 8 / 195.

(2) أي قولهم: " جرت عادة الله... ".

(3) انظر: التقريب والإرشاد 1 / 438.


الصفحة 30
صرّح بنسـبته إليه في " المواقف "(1)، لكنّ الخصم أسقط ذِكره ستراً على قومـه!!

الأمر الثاني: إنّ ما زعماه من إجماع الأُمّة على عصمة الأنبياء عن الكفر قبل النبوّة وبعدها خطأ، لِما ذكراه بأنفسهما من أنّ الأزارقة(2) أجازوا على الأنبياء الذنب، وكلّ ذنب عندهم كفر(3).

وقال الشارح: ويحكى عنهم أنّهم قالوا بجواز بعثة نبيّ عَلِمَ الله أنّه يكفر بعد نبوّته(4)!

ولو فرض أنّ مرادهما بالكفر الذي ادّعيا الإجماع على العصمة عنه هو الشرك ونحوه، لا ما يعمّ كلّ ذنب على قول من يجعله كفراً، فكثير من أهل السُـنّة قالوا بعدم عصمة الأنبياء عن هذا الكفر الخاصّ..

منهم: الغزّالي، في بحث أفعال الرسول من كتابه الموسوم بـ

____________

(1) المواقف: 358، وانظر: شرح المواقف 8 / 263، حاشية الدواني على العقائد العضدية: 203.

(2) الأزارقة: ويقال لهم: الأزارقة النافعية، وهم جماعة من الخوارج، من أصحاب أبي راشد نافع بن الأزرق الحروري، من رؤوس الخوارج، الّذين خرجوا مع نافـع من البصرة إلى الأهواز، فغلبوا عليها وعلى كورها وما ورائها من بلدان فارس وكرمان في أواخر دولة يزيد بن معاوية، أيّام عبـد الله بن الزبير، وقتلوا عمّاله بهذه النواحي.. وكان نافع أوّل من أحدث الخلاف بين الخوارج ; وذلك أنّـه أظهر البراءة من القعدة عن اللحوق بعسكره وإن كان موافقاً له على دينه، وأكفر من لم يهاجر إليه! وكان يعترض الناس حتّى النساء والأطفال بما يحيّر العقول، واشتدّت شوكته إلى أن كان قتله في جمادى الآخرة سنة خمس وسـتّين من الهجـرة.

انظر: الملل والنحل 1 / 111، الأنساب ـ للسمعاني ـ 1 / 122 (الأزرقي)، لسان الميزان 6 / 144 رقم 506.

(3) الملل والنحل 1 / 115 البدعة السابعة، المواقف: 358.

(4) شرح المواقف 8 / 264.


الصفحة 31
" المنخول في الأُصول "(1)، على ما نقله عنه السـيّد السعيد(2).

قال الغزّالي: " والمختار ما ذكره القاضي، وهو: إنّه لا يجب عقلا عصمتهم، إذ لا يستبان استحالة وقوعه بضرورة العقل ولا بنظره، وليس هو مناقضاً لمدلول المعجزة، فإنّ مدلولها صدق اللهجة في ما يخبر عن الله تعالى [فلا جرم لا يجوز وقوع الكذب في ما يخبر به عن الربّ تعالى] (3)لا عمداً ولا سهواً، ومعنى التنفير باطل، فإنّـا نجوّز أن ينـبّـئ الله تعالى كافراً ويؤيّـده بالمعجزة "(4).

ومنهم: ابن تيميّة، كما ستعرفه إن شاء الله تعالى في الآية الثامنة من الآيات التي استدلّ بها المصنّف على إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام)(5).

ومنهم: قوم من الحشوية(6)، والكـرّامية(7)، وابن فُـوْرَك(8)،

____________

(1) المنخول من تعليقات الأُصول: 224.

(2) انظر: إحقاق الحقّ 2 / 210.

(3) أضافة من المصدر.

(4) المنخول من تعليقات الأُصول: 224، وانظر مؤدّاه في التـقريب والإرشاد 1 / 438 ـ 439.

(5) وانظر: منهاج السُـنّة 7 / 135.

(6) سمّيت الحشوية حشوية لأنّهم يحشون الأحاديث التي لا أصل لها في الأحاديث المروية عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).. وجميع الحشوية يقولون بالجبر والتجسـيم والتشبيه وقِدَم ما بين الدفّتين من القرآن، وأنكرت ردّ المتشابه إلى المُحـكَم، وقالوا: إنّ كلّ حديث يأتي به الثقة من العلماء فهو حجّة أيّـاً كانت الواسـطة.

انظر: المنية والأمل في شرح الملل والنحل: 114، موسوعة مصطلحات علم الكلام الإسلامي 1 / 490، معجم الألفاظ التاريخية: 62.

(7) مرّت ترجمتهم في ج 2 / 183 هـ 2.

(8) ابن فُورَك ـ بضمّ الفاء وفتح الراء ـ، هو: محمّـد بن الحسن بن فُورك الأصبهاني، أبو بكر الأنصاري الأشعري الشافعي، أقام بالعراق مدّة يدرّس، ثمّ توجّه إلى الريّ، فسمعت به المبتدعة فراسله أهل نيسابور والتمسوا منه التوجّه إليهم، ففعل وورد نيسابور، ثمّ دُعي إلى مدينة غزنة في الهند وجرت له مناظرات، فلمّا رجع إلى نيسابور سُمّ في الطريق، فمات سنه 406 هـ.

ونُـقل عن ابن حزم أنّ السـلطان محمـود بن سـبكـتـكين قـتله لقـوله: " إنّ نبـيّـنا (صلى الله عليه وآله وسلم) ليس هو رسول الله اليوم، لكنّه كان رسول الله "! ومن تصانيفه: تفسير القرآن، دقائق الإسراء، طبقات المتكلّمين.

انظر: طبقات الشافعية ـ للأسنوي ـ 2 / 126 رقم 879، وفيات الأعيان 4 / 272 رقم 610، شذرات الذهب 3 / 181، هديّة العارفين 6 / 60، تبيين كذب المفتري: 230.


الصفحة 32

الصفحة 33
والباقلاّني، وبرغوث(1)، والسُـدّي(2)..

قال ابن حزم في أوّل الجزء الرابع من الملل والنحل: " اختلف الناس هل تعصي الأنبياء أم لا؟

فذهب طائفة إلى أنّ رسل الله يعصون الله في جميع الكبائر والصغائر [عمداً] ، حاشا الكذب في التبليغ فقط، وهذا قول الكـرّامية من المرجئـة،

____________

(1) هو: أبو عبـد الله محمّـد بن عيسى الجهمي الكاتب، الملقّب بـ: برغوث، وهو رأس الفرقة التي تنسب إليه، وكان على مذهب الحسين بن محمّـد النجّار، صاحب نظرية الكسب ـ التي تبنّاها أبو الحسن الأشعري وأتباعه ـ في أكثر ما ذهب إليه، وخالفه في تسمية المكتسب فاعلا فامتنع منه، وخالفه أيضاً في المتوالدات فزعم أنّها فِعل لله تعالى بإيجاب الطبع لا بالاختيار، وهو ممّن كان يناظر أحمد بن حنبل أيّام ما يسمّى بمحنة القول بخلق القرآن، له عدّة كتب، منها: الاستطاعة، المقالات، المضاهاة، وغيرها ; توفّي سنة 240 أو 241 هـ.

انـظر: الـفَرق بين الفِـرق: 197، الفصـل في الملـل والأهـواء والنـحل 2 / 54 و 86، الملل والنحل ـ للشهرستاني ـ 1 / 75 و 77، سير أعلام النبلاء 10 / 554 رقم 189.

(2) السُـدّي ـ بضمّ السين وتشديد الدال المهملتين ـ، هو: إسماعيل بن عبـد الرحمن ابن أبي ذؤيب السُدّي الأعور، مولى زينب بنت قيس بن مخرمة، حجازي الأصل، سكن الكوفة، ومات فيها سنة 127 هـ، من تصانيفه: تفسير القرآن.

انظر: مشاهير علماء الأمصار: 178 رقم 846، هديّة العارفين 5 / 206.


الصفحة 34
وقول ابن(1) الطـيّب الباقـلاّني من الأشعرية ومن اتّبعه، وهو قول اليهود والنصـارى.

وسمعت من يحكي عن بعض الكـرّامية أنّهم يجوّزون على الرسل الكذب في التبليغ أيضاً.

وأمّا هذا الباقلاّني، فإنّا رأينا في كتاب صاحبه أبي جعفر السِّمَـنَاني قاضي الموصل(2)، أنّه كان يقول: إنّ كلّ ذنب، دقّ أو جلّ، فإنّه جائز على الرسل، حاشا الكذب في التبليغ فقط!

قال: وجائز عليهم أن يكفروا!

قال: وإذا نهى النبيّ عن شيء ثمّ فعله، فليس دليلا على أنّ ذلك النهي قد نسخ ; لأنّه قد يفعله عاصياً لله تعالى!.. قال: وليس لأصحابه أن ينكروا عليه!

وجـوّز أن يكـون في أُمّـة محمّـد (صلى الله عليه وآله وسلم) مـن هـو أفضـل مـن محمّـد (صلى الله عليه وآله وسلم) مذ بُعث إلى أن مات "(3).

____________

(1) كان في الأصل: " أبي "، وهو تصحيف، والصحيح ما أثبتـناه من المصدر.

(2) هو: أبو جعفر محمّـد بن أحمد بن محمّـد بن أحمد السمناني الحنفي الأشعري، قاضي الموصل، وُلد سنة 361 هـ، لازم الباقلاّني حتّى برع في علم الكلام، وصار من أكبر أصحابه، ومقدّم الأشعرية في وقته، وذُكر عنه تجويز الردّة على الرسول بعد أداء الرسالة! له عدّة مصنّفات، منها: البيان عن أُصول الإيمان، الكشف عن تمويهات أهل الطغيان في العقائد ; توفّي بالموصل سنة 444 هـ.

انظر: تاريخ بغداد 1 / 355 رقم 284، الأنساب ـ للسمعاني ـ 3 / 306 (السِّـمَناني)، سير أعلام النبلاء 17 / 651 رقم 441، هديّة العارفين 6 / 69، معجم المؤلّفين 3 / 97 رقم 11962.

(3) الفصل في الملل والأهواء والنحل 2 / 284.


الصفحة 35
وقال ابن أبي الحديد(1): " وقال قوم من الخوارج: يجوز أنْ يبعث الله تعالى من كان كافراً قبل الرسالة، وهو قول ابن فُورك من الأشاعرة، لكنّه زعم أنّ هذا الجائز لم يقع.

وقال قوم من الحَشوية: قد كان محمّـد (صلى الله عليه وآله وسلم) كافراً قبل البعثة، واحتجّوا بقوله تعالى: ( ووجدك ضالاًّ فهدى )(2).

وقـال برغـوث المتـكـلّم ـ وهـو أحـد النجّـارية(3) ـ: لـم يكـن النبـيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) مؤمناً بالله تعالى قبل أن يبعثه ; لأنّه تعالى قال له: ( ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان )(4).

وروي عن السُدّي في قوله تعالى: ( ووضعنا عنك وزرك * الذي أنقض ظهرك )(5)، قال وزره: الشرك، فإنّه كان على دين قومه أربعين سـنة.

وقال بعض الكرّامية في قوله تعالى حكاية عن إبراهيم: ( قال

____________

(1) شرح النهج ج 2 ص 162. منه (قدس سره).

(2) سورة الضحى 93: 7.

(3) النجّـاريّة: جماعة بالريّ ينتسبون إلى الحسين بن محمّـد بن عبـد الله البغدادي الرازي، المعروف بالنجّار، من متكلّمي المجبّرة، ومن أهل المناظرة.

كان حائكاً في طراز العبّـاس بن محمّـد الهاشمي، من جلّـة المجبّرة ومتكلّميهم، وقد قيل: إنّه كان يعمل الموازين من أهل قُم، وقيل: إنّ سبب وفاته أنّه حدثت مناظرة بينه وبين إبراهيم النظّام حول " خلق الله " فرفسه إبراهيم وقال له: قُم أخزى الله من ينسبك إلى شيء من العلم والفهم، وانصرف محموماً، وكان ذلك سبب علّته التي مات فيها، وتوفّي في حدود سنة 220 هـ، له تصانيف.

انظر: الفهرست ـ للنديم ـ: 313، الملل والنحل ـ للشهرستاني ـ 1 / 75، الأنساب ـ للسمعاني ـ 5 / 460، هديّـة العارفين 5 / 303.

(4) سورة الشورى 42: 52.

(5) سورة الشرح 94: 2 و 3.


الصفحة 36
أسلمتُ )(1)، أنّه أسلم يومئذ ولم يكن قبل ذلك مسلماً.

ومثل ذلك قال اليمان بن رباب(2) متكلّم الخوارج "(3).

والظاهر أنّ كلّ من قال بعدم عصمتهم عن الكبائر عقلا فقط، أو عقلا وسمعاً، قائل بعدم عصمتهم عن الكفر، فإنّه من الكبائر وأظهرها، ويشهد لهذا أمران:

الأوّل: تعبير القائل بعدم عصمتهم عن الكبائر عقلا بأنّ العصمة في ما وراء التبليغ غير واجبة عقلا، كما نقله نفس صاحب " المواقف " وشارحها، في كلامهما المذكور عن القاضي ومحقّـقي الأشاعرة(4).

الثاني: استدلال من قال بعدم عصمتهم عن الكبائر بما يوجب كفر الأنبياء، كرواية الغرانيق..

وقصّة يونس حيث ظنّ أنْ لن يقدر عليه الله، والشكّ في قدرة الله كـفر(5)..

وقول إبراهيم: ( هذا ربّي )(6) لمّا رأى الشمس والقمر بازغين..

وقوله: ( ربِّ أرني كيف تُحيي الموتى )(7) حيث شكّ في قدرة

____________

(1) سورة البقرة 2: 131.

(2) قيل فيه: ضعيف، يرى رأي الخوارج.

انظر: الضعفاء والمتروكين ـ للدارقطني ـ: 183 رقم 611، الضعفاء والمتروكين ـ لابن الجوزي ـ 3 / 218 رقم 3837، ميزان الاعتدال 7 / 289 رقم 9855، لسان الميزان 6 / 316 رقم 1134، وفي المصادر الثلاثة الأُوَل: " رِئاب " بدل " رباب ".

(3) شرح نهج البلاغة 7 / 9 و 10.

(4) المواقف: 358 ـ 359، شرح المواقف 8 / 264.

(5) شرح المواقف 8 / 276.

(6) سورة الأنعام 6: 78.

(7) سورة البقرة 2: 260.


الصفحة 37
الله تعالى(1).

بل يلزم جميع الجمهور القول بعدم عصمة الأنبياء عن الكفر ; لِما رووه في صحاحهم أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: " لو كان نبيّ بعدي لكان عمر "(2)، فإنّ مقتضى هذا الخبر صلوح عمر للنبوّة وقد كان كافراً في أكثر عمره!

وفي رواية أُخرى لهم: " لو لم أُبعث فيكم لبُعث فيكم عمر "(3).

ومن الغريب أنّ صاحب " المواقف " وشارحها، مع قولهما بعصمة الأنبياء عن الكفر قبل النبوّة وبعدها أجابا عن الاستدلال بقول إبراهيم: ( هذا ربّي )(4)، بقولهما: " إنّه صدر عنه قبل تمام النظر في معرفة الله تعالى، وكم بينه وبين النبوّة، فلا إشكال إذ يختار أنّه لم يعتقده فيكون كذباً صادراً قبل البعثة "(5)!!

فإنّ هذا الكلام يقتضي أنّه كان شاكّـاً في ربّه ; لأنّه قال: ( هذا ربّي ) قبل تمام النظر، ومن المعلوم أنّ الشكّ في الله كفر.

وليت شعري مع هذا كيف يقولان بعصمة الأنبياء عن الكفر قبل

____________

(1) شرح المواقف 8 / 271.

(2) انظر مثلا: سنن الترمذي 5 / 578 ح 3686، مسند أحمد 4 / 154، فضائل الصحابة ـ لأحمد بن حنبل ـ 1 / 424 ح 498 و ص 436 ح 519 و ص 533 ح 694، مسند الروياني 1 / 95 ح 214، المعجم الكبير 17 / 180 ح 475 و ص 298 ح 822 و ص 310 ح 857، الكامل في الضعفاء 3 / 155 و 216، المسـتدرك على الصحيحيـن 3 / 92 ح 4495.

(3) الكامل في الضعفاء 3 / 155 و 216، إحياء علوم الدين 3 / 313، فـردوس الأخبـار 2 / 202 ح 5167، تاريخ دمشق 44 / 114.

(4) سورة الأنعام 6: 78.

(5) المواقف: 362، شرح المواقف 8 / 270.


الصفحة 38
النبوّة؟!

وكيف يدّعيان الإجماع على هذه العصمة حتّى غـرّا الخصم بدعوى الإجماع عليها، إذ جاء بكلامهما بعينه؟!

وهذا كلّـه ممّا يدلّ على أنّ كلامهم لم يصدر عن يقيـن في النقل، ولا اعتـقاد للحـقّ ; ولذا ناقضا نفسـيهما في عصمـة الأنبـياء عن الكبائـر بعد النبوّة، فإنّهما قالا بها أوّلا، ثمّ بعد ذلك في مقام نفي أهليّة أبي بكر للخـلافة ; لأنّـه منـع فاطمـة إرثهـا وقـد ادّعتـه، وهي معصـومة لـقول النبيّ: " فاطمـة بضعة مـنّي "(1)، قالا: " وأيضاً عصمة النبيّ قد تقدّم ما فيـهـا "(2).

الأمر الثالث: إنّ ما نسباه إلى الشيعة من جواز إظهار الكفر تقية(3)، كذب صريح، فإنّـا لم نسمع ذاهباً منهم إلى ذلك، وهذه كتبهم بين أيدينا فليروِه أصحابهم عن أحدها، ولعلّهما أخذاه من قول الشيعة بجواز التقية لأتباع الأنبياء، فقاسوا عليه جوازها في إظهار الكفر من الأنبيـاء ; وهو باطـل.

____________

(1) صحيح البخاري 5 / 92 ح 209 و ص 105 ح 255 و ج 7 / 65 ح 159، صحيح مسلم 7 / 141، سنن أبي داود 2 / 233 ح 2071، سنن الترمذي 5 / 655 ـ 656 ح 3867 و 3869، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ 5 / 147 ـ 148 ح 8519 و 8520، مصنّف ابن أبي شيبة 7 / 526 ب 33 ح 1، مسند أحمد 4 / 5 و 323 و 328، فضائل الصحابة ـ لأحمد بن حنبل ـ 2 / 946 ح 1327 و ص 950 ح 1333، المعجم الكبير 22 / 404 ح 1010 ـ 1012، المستدرك على الصحيحين 3 / 172 ـ 173 ح 4747 و 4751، حليـة الأولياء 2 / 40، السـنن الكبرى ـ للبيهقي ـ 7 / 64 و ج 10 / 201، مصابيح السُـنّة 4 / 185 ح 4799.

(2) المواقف: 402، شرح المواقف 8 / 356.

(3) المواقف: 359، شرح المواقف 8 / 264.


الصفحة 39
نعم، هو مذهب بعض أهل السُـنّة كما هو صريح ابن حزم(1) عند كلامه على الآيات المنافية لعصمة إبراهيم (عليه السلام)، قال: " وأُبيح الكذب في إظهار الكفر في التقية "(2).

ولا ريب أنّ من يروي خبر الغرانيق حقيق بهذا الاعتقاد ; لأنّ إظهار الكفر للتقية أهون من إظهاره لهوى قومه.

وكذا من يروي سائر الروايات المكـفّرة ويحمل الآيات على الكفر أحقّ بهذا الاعتقاد.

واعلـم أنّ ما ذكـراه بالنسـبة إلى صـدور الكبـائر عـن الأنبـياء عمـداً ـ حيث قالا: " فمنعه الجمهور من المحقّقين "(3) ـ إنّما هو مخصوص بحال النبـوّة ; ولذا قالا بعد ذلك: " هذا كلّه بعد الوحي والاتّصاف بالنبوّة، وأمّا قبله فقال الجمهور: لا يمتنع أن يصدر عنهم كبيرة "(4)، فاللازم على الخصم التقيـيـد!

كما إنّهما بالنسبة إلى صدورها سهواً قالا: " وأمّا صدورها عنهم سهواً أو على سبيل الخطأ في التأويل فجوّزه الأكثرون "(5)..

وقال الشارح: " والمختار خلافه "(6)..

فترك الخصم نسبة التجويز إلى الأكثر ليخفي كذبه بقوله: " ودليل الأشاعرة على وجوب عصمة الأنبياء من الكبائر سهواً وعمداً "، وليروّج

____________

(1) الملل والنحل 4 / 6. منه (قدس سره).

(2) الفصل في الملل والأهواء والنحل 2 / 290.

(3) المواقف: 359، شرح المواقف 8 / 264.

(4) المواقف: 359، شرح المواقف 8 / 265.

(5) المواقف: 359، شرح المواقف 8 / 265.

(6) شرح المواقف 8 / 265.


الصفحة 40
كذبه بدعوى الموافقة لنا في قوله: " لا للاحتجاج على الخصم ; لأنّه موافق ".

ثمّ اعلم أنّ قولهما: " فمنعه الجمهور من المحقّقين " وقول الشارح: " قبل ظهور المخالفين "(1) دليل على وجود القائل منهم بعدم عصمة الأنبياء عن الكبائر عمداً حال النبوّة.

كما صرّح الشارح بنسبة الخلاف إلى الحشوية..

وصرّح ابن حزم في كلامه السابق بنسبته إلى الكرّامية والباقلاّني وأتباعه(2)..

واختاره الغـزّالي في كلامه المتقـدّم تبعاً للقاضي(3)..

فعلم أنّ كثيراً من أهل السُـنّة قائلون بعدم عصمة الأنبياء حال النبوّة عن الكبائر عمداً، فضلا عن السهو وعمّا قبل النبوّة، فلا معنى لنسبة الخصم الأدلّة التي ذكرها إلى الأشاعرة على الإطلاق مع دعوى أنّهم استدلّوا بها على وجوب عصمة الأنبياء عن الكبائر سهواً وعمداً، ولا سيّما وقد ذكرها في " المواقف " وشرحها إلى تمام تسعة أدلّة، نسبها الشارح إلى الرازي(4).

ثمّ أوردا عليها بقولهما: " وأنت تعلم أنّ دلالتها في محلّ النزاع، وهي عصمة الأنبياء عن الكبيرة سهواً، وعن الصغيرة عمداً، ليست

____________

(1) شرح المواقف 8 / 264.

(2) الفصل في الملل والأهواء والنحل 2 / 284.

(3) تقدّم في الصفحة 30 ـ 31 عن المنخول من تعليقات الأُصول: 224.

(4) المواقف: 359، شرح المواقف 8 / 265 ـ 267، وانظر: الأربعين في أُصول الدين ـ للفخر الرازي ـ 2 / 117 ـ 122.


الصفحة 41
بالقويّـة "(1).

فظهر أنّه لا وفاق بيننا وبين الأشاعرة في عصمة الأنبياء ; لأنّا نقول بعصمتهم عن الذنوب مطلقاً، صغيرة وكبيرة، عمداً وسهواً، قبل النبوّة وبعدها ; وجمهورهم لا يثبتون لهم عصمة عن الذنوب مطلقاً قبل النبوّة، وعن الصغائر مطلقاً والكبائر سهواً بعد النبوّة، وبعضهم لا يثبت لهم عصمة عن الكبائر عمداً بعد النبوّة!

بل عرفت أنّ بعضهم أجاز عليهم الكفر حتّى بعد النبوّة(2)، فكيف يكون بيننا وبينهم وفاق، لا سيّما والقائل منهم بعصمة الأنبياء في الجملة إنّما يقول بها سمعاً لا عقلا، كما عرفته في الكلام الذي أخذه الخصم من " المواقف " وشرحها(3).

وسيأتي إن شاء الله تعالى تحقيق هذه الأدلّة وغيرها عند ذِكر المصنّـف لها.

وقد أقـرّ الخصم باقتضاء ما عدا الدليل الثاني لعصمتهم عن كلّ الذنوب حتّى الصغائر، لكنّه أراد مطابقة مذهبه فزعم وجود دليل آخر على عدم عصمتهم عن الصغائر، وهو كما يستفاد من كلامه أُمور:

الأوّل: العفو عن الصغائر عند اجتناب الكبائر.

الثاني: إنّ الأنبياء بشر، والبشرُ بمقتضى طباعهم عدمُ خلوّهم من الذنوب.

الثالث: إنّ الصغائر لا تخالف مَلَـكَة العصمة، فلا مؤاخذة فيها.

____________

(1) المواقف: 361، شرح المواقف 8 / 267.

(2) انظر الصفحتين 30 و 33 من هذا الجزء.

(3) راجع: الصفحة 35، وانظر: المواقف: 358 ـ 359، شرح المواقف 8 / 264.


الصفحة 42
ويردّ على الأوّلَين: إنّه لا شيء منهما يستوجب تخصيص تلك الأدلّة الموجبة لعصمتهم عن جميع الذنوب..

أمّا الأوّل: فلأنّ العفو عن الصغيرة لا يخرجها عن كونها ذنباً يحرّم الاتّباع فيه ويجب النهي عنه، ولا يمنع العفو عنها أيضاً من دخول النبيّ لو فعلها تحت اللوم والمذمّة بنحو قوله تعالى: ( لِـمَ تقولون ما لا تفعلون )(1)!

وأمّا الثاني: فالأمر فيه أظهر ; لأنّ البشرية لا تستوجب الوقوع في الذنب حتّى يلزم تخصيص أدلّة العصمة(2)، وإلاّ لَما تمّت عصمتهم عن الكبائر أيضاً!

وقوله: " وفي الآية إشارة إلى أنّ الإنسان لمّا خلق من الأرض... " إلى آخره..

إنْ أراد به أنّ خلق الإنسان من الأرض علّـة تامّة لصدور الذنب عنهم(3)، فهو باطل، إذ لم يقل أحد بوجوب عدم العصمة حتّى عن الصغائر(4)، على أنّه يُلزم عدم الفرق بين الصغيرة والكبيرة!

وإنْ أراد به أنّه مقتض، ففيه: إنّه لو سُلّمت الإشارة في الآية إليه لم يصلح لتخصيص الأدلّة الموجبة لعصمتهم عن الذنوب مطلقاً، وإلاّ انتفت عصمتهم حتّى عن الكبائر.

وأمّا الثالث: ففساده أظهر من الأوّلَين، ضرورة أنّ دعوى عدم

____________

(1) سورة الصفّ 61: 2.

(2) بناءً على القول بأنّ الصغائر لا تخالف ملَـكة العصمة.

(3) لِما في تراب الأرض من كدورات وما شابه.

(4) لأنّهم قائلون بجواز ارتكاب الصغيرة، والعلّة التامّة تسـتلزم وجوب عدم العصمة، ولم يقل به أحد.


الصفحة 43
مخالفة الصغيرة لملَـكة العصمة إنْ كانت ناشئة من جهة صغر المعصية، فهي خالية عن دليل، فلا بُـدّ من الأخذ بعموم الأدلّة المانعة من صدور كلّ ذنب عنهم حتّى الصغائر!

وإنْ كانت ناشئة من وقوعها نادراً، فالكبيرة مساوية لها لو ندرت، فلا تلزم عصمتهم عن الكبيرة النادرة أيضاً ولا خصوصية للصغيرة!

هـذا، وقد خلط الخصم هنا بأُمور:

منها: قوله: " والغرض أنّ كلّ ما ذكره هذا الرجل ممّا يترتّب على ذنوب الأنبياء من إبطال حجّة الله تعالى... " إلى آخره.

فإنّ المصنّف لم يرتّب إبطال حجّة الله سبحانه على ذنوب الأنبياء، بل على رواية الغرانيق المستلزمة للشرك والدعوة إلى عبادة الأصنام، اللّهمّ إلاّ أن يريد الخصم بذنوب الأنبياء ما يعمّ ذلك.

ومنها: إنّه في ذيل كلامه في معنى العصمة عندهم قال: " ولمّا لم يكن خلاف ملَـكة العصمة فلا مؤاخذة به "..

فإنّ هذا لا ربط له بتفسيرهم للعصمة بأنْ لا يخلق الله فيهم ذنباً ; لأنّ هذا التفسير مقابل للقول بالملَـكة.

ومنها: قوله: " فإنّ الصفات النفسانية تكون في ابتداء حصولها أحوالا "..

فإنّه ظاهر في إرادة أنّ صدور الصغائر عن الأنبياء إنّما هو حين كون الصفة حالا لا ملَـكة، وهو خارج عن محلّ كلامه في صدور الذنب عنهم حين الملَـكة، على أنّ فرض كون صفات الأنبياء في أوّل حصولها أحوالا لا يجامع القول بثبوت ملَـكة العصمة من أوّل النبوّة، ولكنّ المؤاخذ بهذا الخلط هو صاحب " المواقف " وشارحها ; لأنّ الخصم أخذ منهما قوله:


الصفحة 44
" وأمّا العصمة عند الحكماء... ـ إلى قوله: ـ فإنّ الصفات النفسانية "(1).

كما إنّه أخذ منهما قوله: " إنّ الأنبياء مكلّفون بترك الذنوب... ـ إلى قوله: ـ فلا يمتنع صدور الذنب عنهم كما في سائر البشر "(2).

وقد ذكرا هذا الكلام ردّاً على من زعم أنّ العصمة خاصّية في نفس الشخص أو في بدنه، يمتنع بسببها صدور الذنب عنهم، لكنّ الخصم سرق هذا الكلام ووضعه في غير محلّه ; لأنّا لا ندّعي امتناع صدور الذنب عن الأنبياء، بل ندّعي أنّهم لا يذنبون أصلا مع وجود القدرة لهم على الذنب.

وأمّا ما ذكره من أنّ قصّة سورة النجم لم تذكر في الصحاح، فلا يبعد صدقه فيه، لكنّهم صحّحوا طريقين أو ثلاثة لها(3)، واستفاضت طرقهم لها، وذكرها عامّة مفسّريهم ومؤرّخيهم، واعتبرها الكثير من علمائهم(4)..

قال السيوطي في " لباب النقول " عند قوله تعالى: ( وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبيّ ) الآية من سورة الحجّ(5):

" أخرج ابن أبي حاتم، وابن جرير، وابن المنذر، من طريق بسند صحيح، عن سعيد بن جبير، قال: قرأ النبيّ بمكّة النجم، فلمّا بلغ ( أفرأيتم اللات والعزّى * ومناة الثالثة الأُخرى )(6) ألقى الشيطان على

____________

(1) المواقف: 366، شرح المواقف 8 / 281.

(2) المواقف: 366، شرح المواقف 8 / 281.

(3) رواه البزّار والطبراني، ورجالهما رجال الصحيح، قاله الهيثمي في مجمع الزوائد 7 / 115، وأخرجه ابن مردويه والضياء في " المختارة " بسند رجاله ثقات، كما في الدرّ المنـثور 6 / 65 وصحّـح ثـلاث طـرق أُخرى من ص 65 ـ 68.

(4) راجع في ذلك الصفحة 18 هـ 2 من هذا الجزء.

(5) سورة الحجّ 22: 52.

(6) سورة النجم 53: 19 و 20.


الصفحة 45
لسانه: " تلك الغرانيق العُلى * وإنّ شفاعتهنّ لترتجى "، فقال المشركون: ما ذكر آلهتنا بخير قبل اليوم، فسجد وسجدوا، فنزلت: ( وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبيّ ) الآية.

وأخرجه البزّار وابن مردويه من وجه آخر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّـاس في ما أحسـبه.

وقال البزّار: لا يروى متّصلا إلاّ بهذا الإسناد.

وتفرّد بوصله أُميّة بن خالد(1)، وهو ثقة مشهور.

وأخرجه البخاري عن ابن عبّـاس بسـند فيه الواقدي(2)..

وابن مردويه من طريق الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عبّـاس..

وأورده ابن إسحاق في " السيرة " عن محمّـد بن كعب وموسى بن عقبة، عن ابن شهاب(3)..

وابن جرير، عن محمّـد بن كعب، ومحمّـد بن قيـس، وابن أبي حاتم، عن السُـدّي.

كلّهم بمعنىً واحد، وكلّها [إمّا] ضعيفة أو منقطعة، سوى طريق سعيد بن جبير الأُولى.

قال الحافظ ابن حجر(4): لكن كثرة الطرق تدلّ على أنّ للقصّة

____________

(1) كان في الأصل: " خلاد "، وهو تصحيف، والصواب ما أثبتـناه من المصدر، وهو: أُميّة بن خالد بن الأسود بن هُدْبَة الأزدي الثَّوْباني القيسي البصري ; انظر: الضعفاء الكبير ـ للعقيلي ـ 1 / 128 رقم 158، الثقات 8 / 123، ميزان الاعتدال 1 / 442 رقم 1031، تهذيب التهذيب 1 / 383 رقم 594.

(2) لم نجده في " صحيح البخاري " المطبوع الموجود بين أيدينا!

(3) لم نجده في " السيرة " لابن إسحاق، المطبوع الموجود بين أيدينا!

(4) انظر: فتح الباري 8 / 561 تفسير سورة الحجّ.


الصفحة 46
أصـلا، مع أنّ لها طريقين صحيحين مرسَلَين أخرجهما ابن جرير:

أحدهما: من طريق الزهري، عن أبي بكر بن عبـد الرحمن بن الحارث بن هشام..

والآخر: من طريق داود بن [أبي] (1) هند، عن أبي العالية..

ولا عبرة بقول ابن العربي وعياض: إنّ هذه الروايات باطلة لا أصل لها "(2).

ونقل السيّد السعيد نحوه(3) عن شهاب الدين أحمد بن محمّـد القسطلاني، في كتابه الموسوم بـ " المواهب اللدُنّـيّة "، وقال في آخر كلامه: " إنّ الطرق إذا كثرت وتباينت مخارجها دلّ ذلك على أنّ لها أصلا، وقد ذكرنا أنّ ثلاثة أسانيد منها على شرط الصحيح مراسيل، يحتجّ بمثلها من يحتجّ بالمرسَل، وكذا من لا يحتجّ به ; لاعتضاد بعضها ببعض "(4).

وأمّا ما نسبه إلى الأشاعرة من الجواب بأنّه من إلقاء الشيطان، أو أنّه قرآن منسوخ، والإشارة بتلك الغرانيق إلى الملائكة، فمن أوّله إلى قوله:

____________

(1) أضفناه من تهذيب الكمال 6 / 53 رقم 1773، سير أعلام النبلاء 6 / 376 رقم 158، تهذيب التهذيب 3 / 25 رقم 1879، فتح الباري 8 / 561.

(2) لباب النقول في أسباب النزول: 150 نقلا عن ابن أبي حاتم، وابن جرير، وابن المنذر، والبزّار، وابن مردويه، والبخاري، وابن إسحاق.

وانظر: الدرّ المنثور 6 / 66 ـ 69 نقلا عن عبـد بن حُميد، وابن جرير، وابن مردويه، والبيهقي في " الدلائل "، والطبري، وسعيد بن منصور، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.

وراجع ما تقـدّم في الصفحة 18 هـ 2 من هذا الجزء.

(3) إحقاق الحقّ 2 / 214 ـ 223.

(4) شرح الزرقاني على المواهب اللدُنّـيّة 2 / 26.