فقلت: أُنبئت أنّه: ( اقرأ باسم ربّك الذي خلق )(1).
فقال: لا أُخبرك إلاّ بما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)..
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): كنت في حِراء، فلمّا قضيت جواري هبطت فاستبطنت الوادي، فنوديت، فنظرت أمامي وخلفي وعن يميني وعن شمالي، فإذا هو جالس على عرش بين السماء والأرض، فأتيت خديجة فقلت: دثّروني وصبّوا علَيَّ ماءً بارداً، وأُنزل [علَيَّ] : ( يا أيّها المدّثّر * قُم فأنذر * وربّك فكبّر )(2)(3).
فإنّه صريح في تكذيب الحديث السابق المبنيّ على أنّ أوّل آية نزلت قوله تعالى: ( اقرأ باسم ربّك ) وقد يقال: إنّ الحديثيـن متكاذبان فيُلغيان، وهما باللغو متشابهان!
[2 ـ حديث تأبـير النخل]
ومن الأخبار التي نسبوا الأنبياء فيها إلى ما لا يليق، ما رواه مسلم في كتاب الفضائل، في باب وجوب امتثال ما قاله شرعاً دون ما ذكره من معايش الدنيا على سبيل الرأي(4).
ورواه أحمد(5)، عن عائشة، قالت: " إنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) سمع أصواتاً
____________
(1) سورة العلق 96: 1.
(2) سورة المدّثّر 74: 1 ـ 3.
(3) صحيح البخاري 6 / 283 ح 417، وانظر: صحيح مسلم 1 / 99، مسند أحمد 3 / 306 و 392.
(4) صحيح مسلم 7 / 95.
(5) مسند أحمد 6 / 123. منه (قدس سره).
وانظر: سنن ابن ماجة 2 / 825 ح 2471.
قالوا: النخل يؤبّرونه(1).
فقال: لو لم يفعلوا لصلح ـ وفي رواية: كان خيراً ـ!
فلم يؤبِّروا عامئذ، فصار شِـيصاً(2)، فذكروا ذلك للنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال: إذا كان شيئاً من أمر دنياكم فشأنكم به، وإذا كان شيئاً من أمر دينكم فإليَّ ".
فليت شعري كيف لا يعلم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّ النخل لا يصلح بغير تأبير وهو في محلّ النخل فعلا، وفي قربه سابقاً، وقد قارب عمره الستّين أو تجاوز؟!
ولو فرض أنّه لا يعلم، فكيف يقول: " لو لم يؤبّروا لصلح ـ أو: كان خيراً ـ "؟! فيكذب ـ حاشاه ـ من غير رويّة، ويرسل من غير سدد!
وهل يوثَق به بعد هذا أو يسترشد برأيه في الأُمور العامة ومصادر الزعامة؟!
ولو نُسب هذا إلى أحد لكان مسخرة لمن سمع، وأُعجوبة لمن عقل، فكيف يُنسب إلى سيّد النبيّين، العالم بأسرار الأشياء، المعلَّم من ربّ الأرض والسماء، الذي لا ينطق إلاّ عن وحي، ولم يعط مثله أحدٌ جوامع الكلم؟!
____________
(1) أَبَـرَ وأَبَّـرَ النخلَ: لـقّحه، ونخلة مُـؤَبَّـرة ومأْبُورة ; انظر: لسان العرب 1 / 42 مادّة " أبر ".
(2) الشِّـيصُ: رديء التمر، والتمر الذي لا يشتدّ نواه ويَـقوَى وقد لا يكون له نوىً أصلا، وإنما يُـشَـيِّصُ إذا لم يُـلْـقَحْ ; انظر: لسان العرب 7 / 256 مادّة " شيص ".
[3 ـ حديث إسقاط النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) آيات من القرآن]
ومنها: ما رواه البخاري في كتاب الدعوات، في باب قول الله تعالى: ( وصلِّ عليهم... )(1)، عن عائشة، قالت: " سمع النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) رجلا يقرأ في المسجد، فقال: رحمه الله! لقد أذكرني كذا وكذا آية أسقطتها في سورة كذا وكذا "(2).
ورواه مسلم بهذا اللفظ، وبلفظ " أُنسيتُها " بدل " أسقطتُها " في باب الأمر بتعهّد القرآن، من أبواب فضائل القـرآن(3).
ورواه أبو داود، في أوّل كتاب الحروف والقراءة، من سننه، عن عائشة أيضاً، بلفظ: " كأيّن من آية أذكَرنيها الليلة كنت قد أسقطتُها "(4).
وهـذا مـن أكـذب الأحـاديـث ; لـقـولـه سـبحانـه: ( سـنقرئـك فـلا تنسى )(5)، ولأنّه أبلغ الأُمور نقصاً بالنبيّ ; لأنّ من ينسى ما أُرسل بـه، ومـا هـو معجـزة لـه، لم يكن محـلّ الوثوق والاعتـماد في التبليـغ، فلا يصلح للرسالة.
____________
(1) سورة التوبة 9: 103.
(2) صحيح البخاري 8 / 132 ح 31، وانظر: ج 3 / 339 ح 21 و ج 6 / 334 ح 63، مسند أحمد 6 / 62 و 138، مسـند أبي عـوانة 2 / 459 ح 3828، السـنن الكبـرى ـ للبيهقي ـ 3 / 12، الجمع بين الصحيحين 4 / 98 ح 3212، شرح السُنّة 3 / 272.
(3) صحيح مسلم 2 / 190، وانظر: صحيح البخاري 6 / 332 ـ 333 ح 57 ـ 59، مسند أبي عوانة 2 / 459 ح 3827.
(4) سنن أبي داود 4 / 30 ح 3970، وانظر: ج 2 / 38 ح 1331، مصنّف عبـد الرزّاق 3 / 361 ح 5975، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ 3 / 12.
(5) سورة الأعلى 87: 6.
فكيف يذمّ غيره على ذلك وهو يتّصف به؟!
[4 ـ حديث نوم النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) عن صلاة الصبح]
ومنها: ما رواه مسلم في باب قضاء الصلاة، آخر كتاب المساجد، من الأخبار الكثيرة المتضمّنة لنوم النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) عن صلاة الصبح حتّى أيقظه وأصحابه حرُّ الشمس، وفي بعضها كان أبو بكر أوّل من استيقظ، ثمّ استيقظ عمر، فقام عند نبيّ الله فجعل يكبّر ويرفع صوته بالتكبير حتّى استيقظ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)(2)!
وروى البخاري نحو ذلك في كتاب التيمّم، في باب الصعيد الطيّب وضوء المسلم، وفي كتاب الصلاة، في باب الأذان بعد ذهاب الوقت(3).
فما أدري أَأُصدّق نومَ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) عن عبادة ربّه الواجبة، وقد كان
____________
(1) صحيح مسلم 2 / 191، وانظر: صحيح البخاري 6 / 331 ح 51 و ص 333 ح 60، سنن الترمذي 5 / 177 ح 2942، سنن النسائي 2 / 154 ـ 155، سنن الـدارمـي 2 / 297 ح 3342، مسـند أحمـد 1 / 417 و 423 و 429 و 438 و 449 و 463، الإحسـان بترتيب صحيح ابن حبّان 2 / 70 ح 759 و 760، السـنن الكبرى ـ للبيهقي ـ 2 / 395، شرح السُـنّة 3 / 271 ح 1222.
(2) صحيح مسلم 2 / 138 ـ 142.
(3) صحيح البخاري 1 / 152 ح 10 و ص 244 ح 71، وانظر: سـنن أبي داود 1 / 116 ـ 117 ح 435 ـ 437، سنن ابن ماجة 1 / 227 ـ 228 ح 697، سنن النسائي 1 / 297 ـ 299، مسند أحمد 4 / 434 و 441، صحيح ابن خزيمة 2 / 94 ح 987، مسند أبي عوانة 1 / 563 ـ 566 ح 2098 ـ 2101.
وروى البخاري في أثناء أبواب التقصير، في باب إذا نام ولم يصلّ بال الشيطان في أُذنه، وفي كتاب بدء الخلق، في باب صفة إبليس وجنوده، أنّه ذُكر عند النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) رجل نام ليله حتّى أصبح، فقال: " ذلك رجل بال الشيطان في أُذنه "(1).
ورواه مسلم في باب الحثّ على صلاة الوقت، من كتاب صلاة المسافرين(2).
فهل يجوز عند القوم أن يفعل الشيطان ذلك بنبـيّهم؟! قبّح الله آراءهم!
[5 ـ حديث ترك النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) صلاة العصر]
ومنها: ما رواه البخاري في بابين من أواخر كتاب المواقيت، وفي باب قول الرجل: ما صلّينا، من كتاب الأذان، وفي أواخر كتاب الجمعة:
" إنّ عمر بن الخطّاب جاء يوم الخندق بعدما غربت الشمس فجعل يسبّ كفّار قريش، قال: يا رسول الله! ما كدت أُصلّي العصر حتّى كادت الشمس تغرب.
____________
(1) صحيح البخاري 2 / 121 ح 174 و ج 4 / 249 ح 79.
(2) صحيح مسلم 2 / 187، وانظر، سنن النسائي 3 / 204، سنن ابن ماجة 1 / 422 ح 1330، مسند أحمد 1 / 375 و 427 و ج 2 / 260 و 427، مصنّف ابن أبي شيبة 2 / 173 ب 100 ح 7، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ 3 / 15.
فقمنا إلى ضَجَنان(1) فتوضّأ للصلاة وتوضّـأنا لها، فصلّى العصر بعدما غربت، ثمّ صلّى بعدها المغرب "(2).
ورواه مسلم في باب الدليل لمن قال: الصلاة الوسطى هي صلاة العصر، من كتاب المساجد(3).
وهذا الحديث أسوأ من الحديث الذي قبله ; لأنّ ترك الصلاة في اليقظة أعظم من تركها للنوم!
فلو فرض صدق هذا الخبر كان النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) مصداقاً لقوله تعالى: ( ويلٌ للمصلّين * الّذين هم عن صلاتهم ساهون )(4)!..
وكذلك المسلمون جميعاً سوى عمر! وكان النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) مخالفاً لأمر الله بالسبق إلى الخيرات والمسارعة إلى المغفرة، ولِما حثّ عليه هو بنفسه من الصلاة في أوّل وقتها!
____________
(1) كذا في الأصل، والظاهر أنّه تصحيف، والصواب كما في المصدر وفتح الباري 2 / 87 ـ 88 ح 596: " بطحان " ; إذ إنّ وقعة الخندق كانت في المدينة، وبُـطْحـان ـ أو: بَطِحان ـ: واد في المدينـة، وهو أحد أوديتها الثلاثة، وهي: العقيـق وبطحان وقناة ; انظر: معجم البلدان 1 / 529 رقم 1966.
أمّا ضَجَنان: فهو جبل بناحية تهامة، وقيل: جُبيل على بريدة من مكّة، وقيل: بينه وبين مكّـة 25 ميلا، وقيل غير ذلك ; انظر: معجم البلدان 3 / 514 رقم 7739.
(2) صحيح البخاري 1 / 245 ح 72 و ص 261 ح 37 و ج 2 / 52 ح 68 و ج 5 / 241 ح 148.
(3) صحيح مسلم 2 / 113، وانظر: سنن الترمذي 1 / 338 ح 180، سنن النسائي 3 / 84 ـ 85، صحيح ابن خزيمة 2 / 98 ح 995، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ 2 / 219، شرح السُـنّة 2 / 51 ح 396.
(4) سورة الماعون 107: 4 و 5.
ولا أدري كيف عمّ النسيان المسلمين جميعاً غير عمر؟!
فلا ريب أنّ اسـتثناء عمر هو الداعي لوضع هذا الحديث وتوهين مقام الرسالة.. كما أنّ ذِكره وذِكر صاحبه بطرفِ فضيلة هو الداعي لوضع الحديث الذي قبله.
[6 ـ حديث إذا لعن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أحداً فهو له زكاة]
ومنها: ما رواه مسلم في كتاب البرّ والصلة والآداب، في باب من لعنه النبيّ أو سبّه أو دعا عليه وليس هو أهلا لذلك كان له زكاة وأجراً ورحمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " اللّهمّ إنّما أنا بشرٌ، فأيّما رجل من المسلمين سببته أو لعنته أو جلدته، فاجعلها له زكاة ورحمة "(1).
وفي رواية: " اللّهمّ إنّما محمّـد بشر يغضب كما يغضب البشر "(2).
وروى نحو ذلك عن عائشة وغيرها(3).
وكذا رواه البخاري في باب قول النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): " من آذيته فاجعل ذلك له قربة إليك "، من كتاب الدعوات(4).
____________
(1) صحيح مسلم 8 / 25.
(2) صحيح مسلم 8 / 26.
(3) صحيح مسلم 8 / 24.
(4) صحيح البخاري 8 / 139 ح 54.
وهـو كـذب صريـح، ونـقص في النبـيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) كبيـر ; لأنّـه مسـتلزم ـ وحاشا النبيّ ـ لفسقه، لِما رواه البخاري ومسلم في كتاب الإيمان، أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: " سـباب المسلم فسوق، وقتاله كفر "(2).
وكيـف يلعن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) مسلماً وهو يقول: " لعنُ المؤمن كقتله " كما رواه مسلم في باب غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه، من كتاب الإيمـان(3).
ويقول: " لا يكون اللعّانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة "..
ويقول: " لا ينبغي لصدّيق أن يكون لعّاناً "..
كما رواهما مسلم، في باب النهي عن لعن الدوابّ، من كتاب البرّ والصلـة(4).
____________
(1) مسند أحمد 2 / 243. منـه (قدس سره).
وانظر: مسند أحمد 2 / 488 و ج 3 / 400 و ج 5 / 454، مسند أبي يعلى 4 / 184 ـ 185 ح 2271، المعجم الأوسط 3 / 65 ح 2330، مصنّف ابن أبي شيبة 7 / 89 ب 62 ح 3 و 4.
(2) صحيح البخاري 1 / 33 ح 47 و ج 8 / 27 ح 72 و ج 9 / 90 ح 25، صحيح مسلم 1 / 58، وانظر: سنن الترمذي 4 / 311 ح 1983 و ج 5 / 22 ح 2635، سنن النسائي 7 / 121، سنن ابن ماجة 1 / 27 ح 69 و ج 2 / 1299 ـ 1300 ح 3939 ـ 3941، مسند أحمد 1 / 176 و 178 و 385 و 411 و 433 و 439 و 454.
(3) صحيح مسلم 1 / 73، وانظر: صحيح البخاري 8 / 27 ـ 28 ح 75، مسند أحمد 4 / 33، المعجم الكبير 2 / 72 ح 1326، مسند أبي عوانة 1 / 50 ح 129.
(4) صحيح مسلم 8 / 23 ـ 24، وانظر: سنن الترمذي 4 / 326 ح 2019، سنن أبي داود 4 / 279 ح 4907، مسند أحمد 2 / 337 و 366 و ج 6 / 448، الأدب المفرد: 100 ح 319 و 320، المستدرك على الصحيحين 1 / 111 ح 149، حلية الأولياء 3 / 259، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ 10 / 193، شرح السُـنّة 7 / 365 ح 3554.
وروى فيه أيضاً: " أنّه سمع النبيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في بعض أسـفاره امرأةً لعنت ناقتها، فقال: خذوا ما عليها ودعوها، فإنّها ملعونة(2).
وفي رواية: " لا تصاحبنا ناقة عليها لعنة "(3).
مع أنّ ذلك ليس من أخلاقه (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقد كان كما وصفه الله تعالى: ( إنّك لعلى خلق عظيم )(4)، فكيف يكون سـيّئ الخلق لعّاناً؟!
وروى البخاري في كـتاب الآداب، في بـاب لم يكن النبيّ فاحشـاً ولا متفحّشاً، عن أنس، قال: " لم يكن [النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)] سبّاباً، ولا فحّاشاً، ولا لعّاناً، كان يقول لأحدنا عند المعتبة ما له تَرِب جبـينه "(5).
وروى في الباب عن عائشة: " أنّ يهوداً أتوا النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالوا: السام عليكم.
____________
(1) صحيح مسلم 8 / 24، وانظر: الأدب المفرد 101 ب 149 ح 324، مسند أبي يعلى 11 / 35 ح 6174، مصابيح السُـنّة 4 / 56 ح 4531.
(2) صحيح مسلم 8 / 23، وانظر: سنن أبي داود 3 / 26 ح 2561، سنن الدارمي 2 / 199 ح 2673، مسند أحمد 4 / 429 و 431، المعجم الكبير 18 / 190 ح 452، مصنّف ابن أبي شيبة 6 / 162 ب 97 ح 1.
(3) صحيح مسلم 8 / 23، وانظر: مسند أحمد 4 / 420، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ 5 / 254.
(4) سورة القلم 68: 4.
(5) صحيح البخاري 8 / 23 ح 59 و ص 27 ح 74، وانظر: الأدب المفرد: 127 ح 435، مسند أحمد 3 / 126 و 144 و 158، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ 10 / 193.
قال: مهلا يا عائشة! عليك بالرفق، وإيّاك والعنف والفحش "(1).. الحديث.
فكيف يكون سـبّاباً للمؤمنين كأقلّ البشر؟!
أو كيف يجلد أحداً جَوراً وهو يقول: " المسلم من سلم الناس من يده ولسانه " كما في أوائل صحيح البخاري(2)؟!
نعـم، ربّمـا يلعـنُ بعضَ المنافقيـن وفراعنـة الأُمّـة، الّذين ينزون على منبـره نـزو القـردة(3) ; لكـشف حقائـقهم، إذ يعلـم بابتـلاء الأُمّـة بهـم، كبنـي أُميّة، الشـجرة الملعـونة في القـرآن(4)، لكـنّ أتبـاعهم
____________
(1) صحيح البخاري 8 / 22 ح 58، وانظر: ج 4 / 117 ح 146 و ج 8 / 21 ح 53 و ص 103 ح 29، صحيح مسلم 7 / 4 ـ 5، سنن الترمذي 5 / 57 ـ 58 ح 2701، مسند أحمد 6 / 37 و 134 ـ 135 و 199، مسند أبي يعلى 7 / 394 ح 4421.
(2) صحيح البخاري 1 / 16 ح 9، وانظر: ج 8 / 183 ح 71، صحيح مسلم 1 / 48، سنن أبي داود 3 / 4 ح 2481، سنن الترمذي 5 / 18 ح 2627، سنن النسائي 8 / 105 و 107، سـنن الـدارمي 2 / 207 ح 2712، مسـند أحمـد 2 / 163 و 192 و 205 و 209.
(3) إشارة إلى ما روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه رأى في المنام أنّ بني أُميّة ينزون على منبره نزو القردة ; انظر:
مسند أبي يعلى 11 / 348 ح 6461، تفسير الطبري 8 / 103 ح 22433، المستدرك على الصحيحين 4 / 527 ح 8481 وصحّحه على شرط الشيخين وأقرّه الذهبي في " التلخيص " على شرط مسلم، دلائل النبوّة ـ للبيهقي ـ 6 / 511، تاريخ بغداد 9 / 44، تفسير القرطبي 10 / 183 ـ 184، مجمع الزوائد 5 / 243 ـ 244 وقال: " رواه أبو يعلى، ورجاله رجال الصحيح غير مصعب بن عبـد الله بن الزبير وهو ثقة "، الدرّ المنثور 5 / 309 ـ 310، كنز العمّال 11 / 167 ح 31064 و ص 358 ح 31736.
(4) تقدّم تخريج ذلك عن أُمّهات مصادر القوم في ج 1 / 168 هـ 4، فراجـع.
[7 ـ حديث نفي النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) عذاب القبر]
ومنها: ما رواه أحمد(2)، عن عائشة، أنّ يهودية قالت لها: " وقاكِ اللهُ عذابَ القبر.
قالت: فدخل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) علَيَّ، فقلت: هل للقبر عذاب قبل يوم القيامة؟
قال: لا، وعمّ ذلك؟!
قالت: هذه يهودية قالت: وقاكِ الله عذاب القبر.
قال: كذبت يهود، وهم على الله أكذب، لا عذاب دون يوم القيامة.
ثمّ مكث بعد ذلك ما شاء الله أن يمكث، فخرج ذات يوم نصف النهار مشتملا بثوبه، محمرّة عيناه، وهو ينادي بأعلى صوته: أيّها الناس! استعيذوا بالله من عذاب القبر، فإنّ عذاب القبر حقّ ".
وروى أيضاً عن عائشة(3)، قالت: " سألَتها امرأةٌ يهودية فأعطتها، فقالت لها: أعاذك الله من عذاب القبر ; فأنكرت عائشة ذلك، فلمّا رأت النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قالت له، فقال: لا.
____________
(1) انظر: أنساب الأشراف 5 / 133 ـ 134، الجمع بين الصحيحين ـ للحميدي ـ 2 / 135 ح 1240 ; وراجع ج 1 / 10 ـ 11 هـ 1 فقد فصّلنا تخريج الحديث هناك.
(2) مسند أحمد 6 / 81. منـه (قدس سره).
(3) مسند أحمد 6 / 238. منـه (قدس سره).
فهذا الحديث لو صدق لاقتضى أن يكون نفي النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لعذاب القبر كذباً وقولا بغير علم! بل تقوُّلا على الله تعالى ; لأنّه يخبر بما هو نبيّ، والله سبحانه يقول: ( ولو تقوّل علينا بعض الأقاويل * لأخذنا منه باليمين * ثمّ لقطعنا منه الوتين )(1).
واقتضى أن يكون قوله: " كذبت يهود " ظلماً لهم وحيفاً عليـهم، حمله عليه الهوى، والله سبحانه يقول: ( وما ينطق عن الهوى * إنْ هو إلاّ وحي يوحى )(2).
فكيف جاز لهؤلاء القوم أن ينسـبوا ذلك إلى سـيّد النبيّـيـن؟!
[8 ـ حديث حبّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لعائشة]
ومنهـا: مـا رواه أحمد(3)، عن عائشة، قالت: " أرسـلت أزواج النبـيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فاطمة [بنت النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)] فاستأذنت والنبيّ مع عائشة في مِرْطِـها(4)، فأذن لها، فدخلت عليه فقالت: يا رسول الله! إنّ أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة.
فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): أي بُـنـيّـة! ألسـتِ تحبّيـن ما أُحبّ؟!
____________
(1) سورة الحاقّة 69: 44 ـ 46.
(2) سورة النجم 53: 3 و 4.
(3) مسند أحمد 6 / 88. منـه (قدس سره).
(4) المِرْطُ، وجمعه مُـرُوط: كساء من خَـزّ أو صوف أو كـتّان ; انظر: لسان العرب 13 / 83 مادّة " مرط ".
فقال: أحبّي هذه لعائشة.
فقامت فاطمة وخرجت، فجاءت أزواج النبيّ فحدّثتهنّ بما قالت وبما قال لها..
فقلن لها: ما أغنيت عنّا من شيء، فارجعي إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم).
فقالت فاطمة: والله لا أُكلّمه فيها أبداً.
فأرسل أزواج النبيّ زينب بنت جحش، فاستأذنت، فأذن لها، فدخلت فقالت: يا رسول الله! أرسلنني إليك أزواجك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة.
قالت [عائشة] : ثمّ وقعت بيَ زينب ".. الحديث.
وروى أيضاً نحوه(1).
ورواه مسلم في باب فضل عائشة(2).
وهو دالٌّ على أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يعدل بين أزواجه، وكان يقدّم عائشة عليهنّ حبّاً لها، وهو خلاف ما أمر الله تعالى به، مع أنّه قد روى أحمد(3)، عن أبي هريرة، أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: " من كانت له امرأتان يميل لإحداهما على الأُخرى، جاء يوم القيامة وأحد شقّيه ساقط ".
ومثله في مسند أحمد(4).
ونحوه في سنن أبي داود، في باب القسم بين النساء، من كتاب
____________
(1) مسند أحمد 6 / 150. منه (قدس سره).
(2) صحيح مسلم 7 / 135، وانظر: صحيح البخاري 3 / 310 ح 16، سنن النسائي 7 / 65 ـ 67.
(3) مسند أحمد 2 / 347. منه (قدس سره).
(4) مسند أحمد 2 / 471. منه (قدس سره).
وروى البغوي في باب القسم، من كتاب النكاح، من (مصابيحه)، من الحسـان: " إنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: إذا كانت عند الرجل امرأتان فلم يعـدل بينهما، جاء يوم القيامة وشـقّه ساقط "(2).
وليت شعري إذا عجز عدل رسول الله عن المساواة بين أزواجه اتّباعاً لهواه في عائشة، فكيف يعدل بين الناس والدواعي لخلاف العدل فيهم أكثر وأعظم؟!
وما باله لم يتّبع أمر الله تعالى ـ حاشاه ـ إذ يقول: ( فإنْ خفـتم ألاّ تعدلوا فواحدة )(3)، فلا يتزوّج غير عائشة، أو يطلّق مَن عداها ويقيم معها في مرطها؟!
ولست أعجب من عائشة في رواية مثل ذلك، وهي لا تبالي بنقص النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لإظهار حبّه لها! ولكنّ العجب ممّن يروي عنها ذلك ونحوه ولا يرعى حرمة سـيّد الرسل!!
فكم رووا عنها من خرافات كثيرة متشدّقين بها، مثل ما رواه أحمد(4)، عن عائشة، قالت: " كانت عندنا أُمّ سلمة، فجاء النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)
____________
(1) سنن أبي داود 2 / 249 ح 2133.
(2) مصابيح السُـنّة 2 / 441 ح 2414، وانظر: سـنن الترمذي 3 / 447 ح 1141، سنن النسائي 7 / 63، سنن ابن ماجة 1 / 633 ح 1969، سنن الدارمي 2 / 100 ح 2202، الإحسـان بترتيـب صحيـح ابـن حبّـان 6 / 204 ح 4194، السـنن الكبـرى ـ للبيهقي ـ 7 / 297.
(3) سورة النساء 4: 3.
(4) مسند أحمد 6 / 130. منه (قدس سره).
وانظر: سنن أبي داود 4 / 276 ح 4898 وفيه: " زينب بنت جحش " بدل " أُمّ سلمة ".
قالت أُمّ سلمة: أهكذا [الآن] ؟! أَما كانت واحدة منّا عندك إلاّ في خِلابَة(1) كما أرى، ـ وسـبّت عائشة ـ!
وجعل النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ينهاها فتأبى، فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): سبّيها! فسببتها [حتّى غلبتها] .
فانطلقت أُمّ سلمة إلى عليّ وفاطمة، فقالت: إنّ عائشة سبّتها، وقالت لكم وقالت لكم.
فقال عليّ لفاطمة: إذهبي فقولي: إنّ عائشة قالت لنا وقالت لنا.
[فأتته] فذكرت ذلك له، فقال لها النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): إنّها حِبّة(2) أبيك وربّ الكعبة.
فرجعت إلى عليّ فذكرت له الذي قال لها.
فقال: أَما كفاك إلاّ أن قالت لنا عائشة وقالت لنا حتّى أتتك فاطمة فقلت لها: إنّها حبّة أبيك وربّ الكعبة ".
فأنت ترى أنّ عائشة قد رمت أُمّ سلمة الطاهرة بأنّها سبّتها ظلماً، ولم تنتهِ بنهي النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم تراعِ حرمته، وأنّها أرادت الفتنة بينها وبين أمير المؤمنين والزهراء عليهما السلام، وأنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يُجب بضعته إلاّ بأنّ عائشة حبّـته!
____________
(1) الخِـلاَبَـةُ: المُخادَعة، وقيل: الخديعة باللسان ; انظر: لسان العرب 4 / 165 مادّة " خلب ".
(2) الحِبُّ ـ والأُنثى بالهاء ـ: الحبيب والمحبوب ; انظر: لسان العرب 3 / 7 ـ 8 مادّة " حبب ".
وإنْ كانت كاذبة، فلِـمَ لم يطيّب قلبيهما بتكذيب أُمّ سلمة؟!
فهل أغفله عشقه لعائشة عن ذلك كما أغفله عن العدل بين نسائه وطاعة الله تعالى، وعن فعل ما لا يليق بشرفه وشأنه؟!
وليس هذا الخبر إلاّ من وضع القصّاصين المخنّثين.. فإنّا لله وإنّا إليه راجعـون.
وروى البخاري في باب قبول الهدية، من كتاب الهبة، عن عائشة: " إنّ النـاس كانـوا يتحـرّون بهداياهم يوم عائشة يـبتـغون بذلك مرضـاة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) "(1).
ورواه مسلم عن عائشة، في باب فضلها(2).
وهو أشبه بالخرافات، إذ كيف يجمل برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ترك الإنصاف بين أزواجه ـ تبعاً لهواه ـ حتّى أظهره للناس وعرّفه العامّة فطلبوا مرضاته في مراعاة جانب عائشة؟! فأشبه العشّاق الوالهين لا رسل الله ربّ العالمين!!
فاللهُ حسـيب مَن ينسـب إليه هذه الأباطيـل الكاذبـة!
وروى أحمد(3)، عن عائشة: " قالت: خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلمّا كنّا بالحرّ انصرفنا وأنا على جمل، وكان آخر العهد منهم وأنا أسمع صوت
____________
(1) صحيح البخاري 3 / 308 ح 9.
(2) صحيح مسلم 7 / 135.
(3) مسند أحمد 6 / 248. منه (قدس سره).
وانظر: مجمع الزوائد 9 / 228، مسند عائشة: 268 ح 712.
وروى عنها أيضاً(1)، قالت: " خرجت مع النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في بعض أسفاره وأنا جارية لم أحمل اللحم ولم أبدن، فقال للناس: تقدّموا! فتقدّموا.
ثمّ قال لي: تعالي حتّى أُسابقك ; فسابقته، فسبقته.
فسكت عنّي حتّى إذا حملت اللحم وبدنت، ونسـيت، خرجت معه في بعض أسفاره، فقال للناس: تقـدّموا! فتـقدّموا.
ثمّ قال: تعالي أُسابقك ; فسابقته، فسبقني.
فجعل يضحك وهو يقول: هذه بتلك ".
فيا عجباً كيف يصنع رسول الله ذلك وهو الوقور الذي ضحكه التبسّم، وهو الحييّ الذي كان أشد حياءً من العذراء في خدرها؟!
فهلاّ غلبه الحياء أو خاف أن يستخفّه الناس إذ يأمرهم بالتقدّم وهو أميرهم، وينفرد بزوجته، ثمّ يسابقها ولا يخشى من ناظر ينظر؟!
وأعظم من ذلك ما رواه أحمد عنها(2)، قالت في حديث تزويجها بالنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): " ثمّ دخلَتْ بي [أُمّي] (3) فإذا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جالس على
____________
(1) مسند أحمد 6 / 264. منـه (قدس سره).
وانظر: السنن الكبرى ـ للنسائي ـ 5 / 303 ـ 305 ح 8942 ـ 8945، مصنّف ابن أبي شيبة 7 / 719 ب 169 ح 1، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ 10 / 18.
(2) مسند أحمد 6 / 211. منه (قدس سره).
وانظر: مجمع الزوائد 9 / 225 ـ 227 عن الطبراني وأحمد، أزواج النبيّ: 81 ـ 83 عن الطبراني وأحمد والبيهقي.
(3) إضافة توضيحه منه (قدس سره).