الصفحة 167
سرير في بيتنا وعنده رجال ونساء من الأنصار، فأجلستني في حجره... فوثب الرجال والنساء [فخرجوا] وبنى بي ".. الحديث.

وهذا من أعجب الأحاديث وأفظعها! إذ كيف لا يستنكر النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)هذا الفعل الخاسر الوحشي ولا تحمله الغيرة على إباء هذا الفعل الشنيع؟!

لعَمر سيّد المرسلين لو كان له عند القوم حرمة وشأن لَما استمعوا إلى عائشة في نقل هذه الأُمور وتناقلتها أفواههم وأقلامهم!

ولا يسع المقام استيفاء هذه الكذبات والشناعات، وربّما تسمع بعضها في ما يأتي إن شاء الله تعالى.

[9 ـ حديث فرار الحجر من النبيّ موسى (عليه السلام)]

ومن أخبارهم التي ذكرت في الأنبياء ما لا يليق، ما رواه البخاري في باب من اغتسل عرياناً وحده، من كتاب الغُسـل، عن أبي هريرة، عـن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال: " كانت بنو إسرائيل يغتسلون عُراة ينظر بعضهم إلى بعض، وكان موسى يغتسل وحده، فقالوا: والله ما يمنع موسى أن يغتسل معنا إلاّ أنّه آدَر(1).

فذهب مرّة يغتسل، فوضع ثوبه على حجر، ففرّ الحجر بثوبه، فخرج موسى في أثره يقول: ثوبي يا حجر! ثوبي يا حجر! حتّى نظرت بنو إسرائيل إلى موسى، فقالوا: والله ما بموسى من بأس.

وأخذ ثوبه، فطفق بالحجر ضرباً!

____________

(1) الأُدْرَةُ: نفخة في الخصية، ويقال: رجل آدَرُ ; انظر: لسان العرب 1 / 94 مادّة " أدر ".


الصفحة 168
فقال أبو هريرة: والله إنّه لندب بالحجر سـتّة أو سبعة ضرب بالحجر "(1).

وروى نحوه أيضاً في كتاب بدء الخلق، بعد حديث الخضر مع موسى(2).

وروى نحوه مسلم، في فضائل موسى، وفي باب تحريم النظر إلى العورات، وقال فيه: " حتّى نظرت بنو إسرائيل إلى سوأة موسى "(3).

ولا أدري من أيّ شيء أعجب؟!..

أمن هتـك الله نبيّه المقرّب وإيذائه إيّاه لمجرّد دفع وَهـمِ الجاهلين في ما لا يضرّ؟!

أم من انحصار طرق التبرئـة على الله بإخراجه إلى الملأ عارياً عادِيـاً؟!

أم من خروج موسى لقومه بادي العورة وارتكابه الحرام؟!

أم من تأديبه لِما لا يعقل؟!

أم من عدم تصوّر موسى (عليه السلام) أنّ عدْوَ الحجر إنّما هو من أمر الله وفعله فلا يسـتحقّ الضرب؟!

انظر وتبصّر! ولا أعدّ هذه الخرافة من مختصّات أبي هريرة، بل

____________

(1) صحيح البخاري 1 / 129 ح 30.

(2) صحيح البخاري 4 / 305 ح 204.

(3) صحيح مسلم 1 / 183 و ج 7 / 99، وانظر: سنن الترمذي 5 / 335 ح 3221، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ 6 / 437 ح 11424، مسند أحمد 2 / 315، تفسير الطبري 10 / 337 ح 28673 ـ 28675، تفسير البغوي 3 / 470، تفسير القرطبي 14 / 161.


الصفحة 169
يشاركه فيها كلُّ راو لها ومصدِّق بها!

[10 ـ حديث طواف النبيّ سليمان (عليه السلام) بمئة امرأة]

ومنها: ما رواه البخاري في باب طلب الولد للجهاد، من كتاب الجهاد والسير، عن أبي هريرة، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال: " قال سليمان ابن داود: لأطوفنّ الليلة على مئـة امرأة أو تسع وتسعين، كلّهنّ يأتي بفارس مجاهد في سـبيل الله.

فقال له صاحبه: قل إن شاء الله.

فلم يقل (إن شاء الله)، فلم يحمل منهنّ إلاّ امرأة واحدة جاءت بشـقّ رجـل "(1).. الحديث.

وروى أيضاً نحوه في آخر ورقة من كتاب النكاح(2).

وفي كتاب بدء الخلق، في باب قول الله: ( ووهبنا لداود سليمان نِعم العبد إنّـه أوّاب )(3)(4).

وفي كتاب الأيمان والنذور، في باب الاسـتثناء في الأيمان(5).

وروى نحوه مسلم أيضاً، في باب الاسـتثناء، من كتاب النذور(6).

____________

(1) صحيح البخاري 4 / 79 ح 35.

(2) صحيح البخاري 7 / 69 ح 171.

(3) سورة ص 38: 30.

(4) صحيح البخاري 4 / 314 ح 223.

(5) صحيح البخاري 8 / 262 ح 13، وانظر: ج 9 / 247 ح 95.

(6) صحيح مسلم 5 / 87.


الصفحة 170
وأحمد في مسـنده(1).

وهو من أسخف الحكايات! فإنّ من يقول هذا القول ينبغي أن يكون قد اغترّ بكثرة الأولاد، وأنّه وُلد له قبل ذلك آلاف من البنين، وهو غير واقع.

وكيف يحلف نبيّ الله على فعل الله وحده، أو يتهاون بقول " إن شاء الله "، لا سيّما بعد تنبيه صاحبه له، المعبّر عنه بالملَك في بعض هذه الأحاديث، وهو من أعظم الدعاة إلى الله، الموصوف في الكتاب العزيز: بـ: ( نِعم العبد إنّه أوّاب )؟!

وكيف يستطيع بشر أن يواقع في ليلة واحدة مئـة امرأة، أو تسعاً وتسعين، أو تسعين، أو سبعين، على اختلاف أقوال أبي هريرة أو أشباهه من الرواة عنه؟!

[11 ـ حديث حرق نبيّ قرية للنمل]

ومنها: ما رواه البخاري في أواخر كتاب الجهاد، عن أبي هريرة، قال: " سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: قرصت نملة نبيّـاً من الأنبياء، فأمر بقرية النمل فأُحرقت، فأوحى الله إليه: أفي(2) إنْ قرصتـك نملةٌ أحرقت

____________

(1) مسند أحمد 2 / 229 و 275. منه (قدس سره).

وانظر: سنن الترمذي 4 / 92 ح 1532، سنن النسائي 7 / 25، مسند أبي عوانة 4 / 52 ـ 53 ح 5999 ـ 6001، مشكل الآثار 2 / 258 ح 2058، حلية الأولياء 2 / 279، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ 10 / 44، مصابيح السُـنّة 4 / 27 ح 4448.

(2) كذا في الأصل وصحيح مسلم، وفي سنن أبي داود: " في "، ولم ترد في صحيح البخاري.


الصفحة 171
أُمّة من الأُمم تسـبّح الله؟! "(1).

ورواه ونحوه مسلم، في باب النهي عن قتل النمل، من كتاب قتل الحيّات(2).

ليت شعري كيف يصحّ أن ينسب مثل ذلك إلى نبيّ من الأنبياء؟!

.. إلى غير ذلك من أخبارهم المعتبـرة عندهم التي نسـبت الأنبياء إلى ما لا يليق!

وليتـهم اكتفوا بها ولم يمسّوا قدس جلال الله تعالى بخرافاتهم..

[12 ـ حديث وضع الربّ رجله في جهنّم]

فمنها: ما رواه البخاري في تفسير سورة " ق "، عن أبي هريرة: " يقال لجهنّم: هل امتلأت، وتقول: هل من مزيد، فيضع الربّ تبارك وتعالى قدمه عليها فتقول: قَـطْ قَـطْ "(3).

وفي رواية أُخرى: " فأمّا النار فلا تمتلئ حتّى يضع رجله، فتقول: قطْ قطْ، فهنالك تمتلئ ويُزوى بعضها إلى بعض، ولا يظلم الله من خلقه أحـداً "(4).

____________

(1) صحيح البخاري 4 / 148 ح 222.

(2) صحيح مسلم 7 / 43، وانظر: سنن أبي داود 4 / 368 ح 5266، سنن النسائي 7 / 210 ـ 211، سنن ابن ماجة 2 / 1075 ح 3225، مسـند أحمد 2 / 403، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ 5 / 213.

(3) صحيح البخاري 6 / 245 ـ 246 ح 343.

(4) صحيح البخاري 6 / 246 ح 344.


الصفحة 172
وروى نحو ذلك، عن أنس، في كتاب التوحيد، في باب قول الله تعالى، وهو العزيز الحكيم: ( سبحان ربّك ربّ العزّة عمّا يصفون )(1)، قال: حتّى يضع فيها ربّ العالمين قدمه، فـيُزوى بعضها إلى بعض، ثمّ تقول: قَـدْ قَـدْ بعزّتك وكرمك "(2).

وكذا عن أبي هريرة، في باب ما جاء في قول الله تعالى: ( إنّ رحمة الله قريب من المحسنين )(3) من الكتاب المذكور، قال: " فتقول: هل من مزيد ; ثلاثاً، حتّى يضع فيها قدمه فتمتلئ، ويُـرَدّ بعضها إلى بعض وتقول: قطْ قطْ قطْ "(4).

وروى أيضاً نحو ذلك عن أنس، في باب الحلف بعزّة الله وصفاته، من كتاب الأيمان والنذور، وقال: " لا تزال تقول: هل من مزيد، حتّى يضع ربّ العزّة فيها قدمه، فتقول: قطْ قطْ وعزّتك "(5).

وروى مسلم أخباراً كثيرة من هذا النحو، في باب النار يدخلها الجبّـارون والجنّة يدخلها الضعفاء، من كتاب الجنّة وصفة نعيمها وأهلهـا(6).

____________

(1) سورة الصافّات 37: 180.

(2) صحيح البخاري 9 / 209 ح 13.

(3) سورة الأعراف 7: 56.

(4) صحيح البخاري 9 / 239 ـ 240 ح 75.

(5) صحيح البخاري 8 / 241 ـ 242 ح 37.

(6) صحيح مسلم 8 / 151 ـ 152.

وانظر: سـنن الترمذي 5 / 364 ح 3272، مسند أحمد 2 / 276 و 314 و 507 و ج 3 / 134 و 141 و 230 و 234، سنن الدارمي 2 / 233 ح 2844، السُـنّة ـ لابن أبي عاصم ـ: 231 ـ 236 ح 525 ـ 535، التوحيد ـ لابن خزيمة ـ: 97 ـ 98، الأسماء والصفات ـ للبيهقي ـ 2 / 84 ـ 86.


الصفحة 173
وهي كما ترى كفر صريح ; لاقتضائها الجسمية والحلول بالمكان، وفيها تكذيب لله سبحانه حيث يقول في سورة الأعراف: ( اخرج منها مذموماً مدحوراً لمن تبعك منهم لأملأنّ جهنّم منكم أجمعين )(1).

وقال تعالى في سورة ص: ( لأملأنّ جهنّم منك وممّن تبعك )(2).

وقال تعالى في سورة ألم السجدة: ( ولكن حقَّ القولُ منّي لأملأنّ جهنّم من الجِنّة والناس أجمعين )(3).

فإنّ هذه الآيات الشريفة صريحة في أنّها تمتلئ بإبليس وأتباعه، فكيف يقال: لا تمتلئ حتّى يضع قدمه؟!

ولعلّ الذي أوهم أبا هريرة وأنساً، أو الرواة عنهما، هو قوله تعالى: ( يوم نقول لجهنّم هل امتلأت وتقول هل من مزيد )(4)، حيث تخيّلوا منه أنّها لا تزال تقول: " هل من مزيد " ولم تمتلئ بالعصاة أصلا، لا في حين سؤال الله تعالى لها عن امتلائها!

وغفلوا عن بقية الآيات المذكورة، فأحدثوا رواية خيالية، وكذبوا على حسب ما تقتضيه عقولهم، وأخذ عنهم الخرافيّون والقصصيّون من دون معرفة أيضاً.

ولا يخفى أن قول أبي هريرة: " ولا يظلم الله من خلقه أحداً "(5) دالٌّ على أنّه سبحانه لو ألقى فيها أحد غير مَن فيها كان ظالماً له، وهو خلاف

____________

(1) سورة الأعراف 7: 18. منه (قدس سره).

(2) سورة ص 38: 85. منه (قدس سره).

(3) سورة السجدة 32: 13. منه (قدس سره).

(4) سورة ق 50: 30.

(5) صحيح البخاري 6 / 246 ح 344 و ج 9 / 239 ـ 240 ح 75.


الصفحة 174
مذهب الأشاعرة(1)!

كما لايخفى سخافة هذا ; لأنّ معناه أنّ الله سبحانه يعذّب نفسه إجابة لطلب النار ولا يظلم من خلقه أحداً!

ولا أدري أتحترق رِجل ربّهم المُدّعى فتطلب من الله المزيد، أم تبقى تحت آلام النار بالتخليد؟!!

[13 ـ حديث خلق الله آدم على صورته]

ومنها: ما رواه مسلم، في باب النهي عن ضرب الوجه، من كتاب البـرّ والصلـة والآداب، عـن أبي هريرة، قـال: " قـال رسـول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إذا قاتل أحدكم(2) أخاه فليجتـنب الوجه، فإنّ الله خلق آدم على صـورته "(3).

ونحوه في مسـند أحمد(4).

____________

(1) إذ يقولون: إنّه لا يقبح من الله شيء، ولا يجب عليه شيء، وله أن يعذّب المؤمنين بالنار، ويدخل الكافرين الجنّة، وله أن يؤلم الأطفال في الآخرة، وكلّ هذا عدل منه، لأنّه في ملكه، ولا يُسأل عمّا يفعل وهم يُسألون.

انظر: اللمع في الردّ على أهل الزيغ والبدع: 115 ـ 116، المسائل الخمسون: 61، تفسير الفخر الرازي 7 / 144، شرح المواقف 8 / 200.

(2) كان في الأصل: " أحدهم "، وما أثبتـناه من المصدر.

(3) صحيح مسلم 8 / 32.

(4) مسند أحمد 2 / 244 و 463. منه (قدس سره).

وانظر: مصنّف عبـد الرزّاق 9 / 444 ح 17950، مسند الحميدي 2 / 476 ح 1121، مسند عبـد بن حميد: 283 ح 900، السُـنّة ـ لابن أبي عاصم ـ: 228 ح 516، التوحيـد ـ لابن خزيمـة ـ: 36 ـ 37، الشـريعة ـ للآجـري ـ: 319 ح 734 و 736، الأسماء والصفات ـ للبيهقي ـ 2 / 17.


الصفحة 175
وروى فيه(1)، عن أبي هريرة أيضاً، عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): " إذا ضرب أحدكم فليجتنب الوجه، ولا يقل: قبّح الله وجهك، ووجه من أشبه وجهك، فإنّ الله خلق آدم على صورته ".

فهذه الأخبار قد أثبتت لله صورة مثل صورة الإنسان، وشبّهته بخلقه، وهو تجسيم وكفر ولا يمكن تأويلها، فقبّح الله وجه من زوّرها! وكم لهم مثلها!

روى البخاري في تفسير سورة ( ن * والقلم )، أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)قال: " يكشف ربّـنا عن ساقه، فيسجد له كلّ مؤمن ومؤمنة "(2).

وروى أيضـاً فـي تفسـيـر سـورة الزمـر: " إنّ حبـراً جـاء إلـى رسـول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا محمّـد! إنّا نجد أنّ الله يجعل السموات على إصبع، والأرضين على إصبع، والشجر [على إصبع] ، والماء [والثرى] على إصبع، وسائر الخلائق على إصبع، فيقول: أنـا الملِك.

فضحك النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) حتّى بدت نواجذه تصديقاً لقول الحبر، ثمّ قرأ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ( وما قدروا الله حقّ قدره )(3) "(4).

____________

(1) مسند أحمد 2 / 251 و 434. منـه (قدس سره).

وانظر: مصنّف عبـد الرزّاق 9 / 445 ح 17952، مسند الحميدي 2 / 476 ح 1120، الأدب المفرد: 67 ح 173، السُـنّة ـ لابن أبي عاصم ـ: 229 ـ 230 ح 519 و 520، التوحيد ـ لابن خزيمة ـ: 36، الشريعة ـ للآجري ـ: 319 ح 737، الأسماء والصفات ـ للبيهقي ـ 2 / 17.

(2) صحيح البخاري 6 / 279 ح 412، وانظر: مسند أبي عوانة 1 / 146 ح 433، مصابيح السُـنّة 3 / 529 ح 4294، مشكاة المصابيح 3 / 200 ح 5542 وقال: " متّـفق عليه ".

(3) سورة الأنعام 6: 91.

(4) صحيح البخاري 6 / 225 ح 306.


الصفحة 176
وروى نحوه في آخر صحيحه، في كتاب التوحيد، في باب قوله: ( إنّ الله يمسك السموات والأرض أن تزولا )(1)(2).

وفي باب كلام الربّ يوم القيامة مع الأنبياء وغيرهم(3).

وروى مسلم نحو ذلك في باب صفة القيامة والجنّة والنار، من كتاب صفات المنافقين وأحكامهم(4).

وروى فيه أيضاً: " إنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) [قال:] يأخذ الله سماواته وأرضيه بيده فيقول: أنا الله ; ويقبض أصابعه ويبسطها ويقول: أنا الملِك "(5).

وروى البخاري، في باب قول الله: ( وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربّها ناظرة )(6)، من كتاب التوحيد، في حديث طويل عن أبي هريرة، عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قال فيه: " وتبقى هذه الأُمّـة...، فيأتيهم الله في صورته التي يعرفون، فيقول: أنا ربّـكم.

فيقولون: أنت ربّنا ; فيتبعونه ـ إلى أن قال: ـ ثمّ يفرغ الله من القضاء

____________

(1) سورة فاطر 35: 41.

(2) صحيح البخاري 9 / 240 ح 77.

(3) صحيح البخاري 9 / 264 ح 139.

(4) صحيـح مسلم 8 / 125 ـ 126، وانظر: سـنن الترمذي 5 / 345 ـ 346 ح 3238 و 3239، مسـند أحمد 1 / 429 و 457، مسند أبي يعلى 9 / 93 ح 5160، السُـنّة ـ لابن أبي عاصم ـ: 238 ـ 239 ح 541 ـ 543، تفسير الطبري 11 / 25 ح 30217 ـ 30222، التوحيد ـ لابن خزيمة ـ: 76 ـ 77، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان 9 / 213 ح 7281 و 7282، الشريعة ـ للآجري ـ: 324 ـ 325 ح 750 ـ 753، الأسماء والصفات ـ للبيهقي ـ 2 / 67 ـ 69، مصابيح السُـنّة 3 / 523 ح 4279.

(5) صحيح مسلم 8 / 126 ـ 127، وراجع الهامش السابق.

(6) سورة القيامة 75: 22 و 23.


الصفحة 177
بين العباد ويبقى رجل مقبل بوجهه على النار، هو آخر أهل النار دخولا إلى الجنّة، فيقول: أي ربّ! اصرف وجهي عن النار؟ فيدعو بما يشاء أن يدعوه، ثمّ يقول الله: هل عسيت إن أُعطيتَ ذلك أن تسألني غيره.

فيقول: لا وعزّتك، لا أسألك غيره ; ويعطي ربّه من عهود ومواثيـق ما شاء، فيصرف الله وجهه عن النار ".

ثمّ ذكر ما حاصله: " إنّه يسأل أيضاً القرب من الجنّة، فيقول الله: ما أغدرك! فيدعو الله ويعطيه المواثيق أن لا يسأله غيره، فيقدّمه إلى باب الجنّة، ثمّ يقول: أي ربّ! أدخلني الجنّة؟

فيقول الله: ألست قد أعطيت عهودك ومواثيقك أن لا تسأل غير ما أُعطيت. ويقول: يابن آدم! ما أغدرك!

فلا يزال يدعو حتّى يضحك الله منه، فإذا ضحك منه قال له: ادخل الجنّـة "(1).

وروى مسلم نحوه في باب رؤية المؤمنين في الآخرة لربّهم، من كتاب الإيمان، وقال فيه: " فيأتيهم الله في صورة غير صورته التي يعرفون فيقول: أنا ربّـكم.

فيقولون: نعوذ بالله منك، هذا مكاننا حتّى يأتينا ربّنا، فإذا جاء ربّنا عرفناه ; فيأتيهم الله في صورته التي يعرفون "(2).

____________

(1) صحيـح البخاري 9 / 228 ـ 231 ح 65، وانظر: ج 2 / 2 ـ 4 ح 193 و ج 8 / 211 ـ 214 ح 156.

(2) صحيح مسلم 1 / 113، وانظر: مسند أحمد 1 / 391 ـ 392 و 410 ـ 411 و ج 2 / 293 ـ 294، المعجم الكبير 10 / 9 ـ 10 ح 9775، السُنّة ـ لابن أبي عاصم ـ: 206 ـ 209 ح 475 ـ 479، التوحيد ـ لابن خزيمة ـ: 323 ـ 324، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان 9 / 258 ـ 261 ح 7386 ـ 7388، الشريعة ـ للآجري ـ: 288 ـ 289 ح 658، الإيمان ـ لابن مندة ـ 2 / 784 ـ 790 ح 803 ـ 807، الأسماء والصفات ـ للبيهقي ـ 2 / 222 ـ 223، مصابيح السُـنّة 3 / 544 ـ 547 ح 4324 ـ 4326.


الصفحة 178

الصفحة 179
.. إلى غير ذلك من خرافاتهم التي ينكر القلم نشرها لولا إرادة التـنبـيه على سقطاتهم، ولولا نسبتها إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لَما ضرّنا روايتهم لها، وإنّـا لنعلم أنّ الخرافـيّـيـن والقصّاصين منهم، كأبي هريرة وأضرابه، إنّمـا أخذوا رواية خلق آدم على صورته ـ ونحوها من الهزلـيّات ـ عن اليهود والنصارى(1)، فلولا نسـبتها إلى النبيّ لهان أمرها!


*    *    *

____________

(1) الكتاب المقدّس: سفر التكوين / الأصحاح 5 الفقرة 1.


الصفحة 180

لزوم المحالات من إنكار عصمة الأنبياء

قال المصنّـف ـ طـيّب الله ثراه ـ(1):

فيلزمهم من ذلك محالات:

منها: جواز الطعن على الشرائع وعدم الوثوق بها، فإنّ المبلّغ إذا جوّزوا عليه الكذب وسائر المعاصي جاز أن يكذب عمداً أو نسياناً، أو يترك شيئاً ممّا أُوحي إليه، أو يأمر من عنده، فكيف يبقى اعتماد على أقـواله؟!


*    *    *

____________

(1) نهج الحقّ: 157.


الصفحة 181

وقال الفضـل(1):

قد علمت في ما سبق مذهب الأشاعرة، وأنّهم لا يجوّزون الكذب عمداً على الأنبياء ولا سهواً(2)، وهذا مذهبهم.

وأمّا السهو في غير الكذب فيجوّزونه ولا بأس فيه ; لأنّ الله هو الذي يوقع عليه السهو ليجعله سـبباً للتشريـع(3).


*    *    *

____________

(1) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ 2 / 269.

(2) انظر الصفحة 20 من هذا الجزء.

(3) التبصرة في أُصول الفقه: 524، الأربعين في أُصول الدين ـ للفخر الرازي ـ 2 / 116 ـ 117، شرح المقاصد 5 / 49 ـ 51، شرح المواقف 8 / 263 و 265.


الصفحة 182

وأقـول:

لا وجه لإنكار تجويزهم الكذب على الأنبياء سهواً، فإنّ الخصم نفسه قد نقل سابقاً عنهم الخلاف في تجويز الكذب في التبليغ سهواً(1).

ونحن نقلنا عن " المواقف " أنّ أكثرهم أجازوا صدور الكبائر عنهم سهواً ومنها الكذب في غير التبليغ(2).

ومعلوم أنّه يكفي في لزوم المحال تجويزهم الكذب سهواً في التبليغ وغيره فضلا عن العمد، فيجوز أن يكذب النبيّ ويأمر من عنده سهواً، بل يترك للسهو شيئاً ممّا أُوحي إليه، إذ ليس هو من موارد العصمة ولا يقتضيها مذهبهم، ولذا رووا ـ كما سبق ـ أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) نسي بعض آيات الكتاب العزيـز(3)، بل عرفت أنّ كثيراً منهم قالوا بعدم عصمتهم عن الكبائر عمداً(4)، فيجوز أن يترك ما أُوحي إليه عمداً، ويكذب في غير التبليغ عمداً وقصداً، بل وفي التبليغ كما تقتضيه رواية الغرانيق(5)، بل مقتضى هـذه الروايـة وقوع الكـفر عنهـم عمـداً كما تسـاعد عليه رواية شـكّ إبراهيم (عليه السلام) ونحـوها(6).

ومن نظر إلى الأدلّة التي استدلّ بها بعضهم على ذنوب الأنبياء كما في

____________

(1) انظر الصفحة 20 من هذا الجزء.

(2) راجع الصفحة 28 من هذا الجزء، وانظر: المواقف: 358.

(3) انظر الصفحة 144 ـ 145 من هذا الجزء.

(4) انظر الصفحتين 32 و 33 من هذا الجزء.

(5) انظر الصفحات 18 و 25 و 35 فما بعدها من هذا الجزء.

(6) انظر الصفحة 103 من هذا الجزء.


الصفحة 183
" المواقف "(1)، عرف أنّهم أجازوا عليهم كلّ ذنب، وهو الذي تقتضيه الروايات التي ذكرها المصنّف وغيرها، فمع هذا كيف يعتمد على الأنبياء، إذ لا أقلّ من احتمال السهو فيهم والنسـيان؟!

وأمّـا ما ذكره من التشـريع فقد عرفت ما فيـه(2).


*    *    *

____________

(1) المواقف: 361 ـ 365.

(2) انظر الصفحة 55 وما بعدها من هذا الجزء.


الصفحة 184

قال المصنّـف ـ ضاعف الله أجره ـ(1):

ومنها: إنّه إذا فعل المعصية فإمّا أن يجب علينا اتّباعه فيها، فيكون قد وجب علينا فعل ما وجب تركه واجتمع الضدّان، وإن لم يجب انتفت فائدة البعثـة.


*    *    *

____________

(1) نهج الحقّ: 157.


الصفحة 185

وقال الفضـل(1):

قد ذكرنا هذا الدليل في ما مضى من قبل الأشاعرة(2)، وهو حجّة على من يجوّز المعاصي على الأنبياء، وهذا ليس مذهب الأشاعرة، والصغائر التي يجوّزونها ما يقع على سبيل الندرة، ولا يقدح هذا في ملَـكة العصمة كما قدّمنا(3)، ويجب أن يكون في محلّ يعلم أنّها واقعة منهم على سبيل الندرة، والنبيّ يبيّـن أنّ هذا ليس محلّ المتابعة.

وبالجملة: قد قدّمنا أنّ تجويز المعصية على الأنبياء مطلقاً محلّ تأمّل(4) ; لهذا البرهان، والله أعلم.


*    *    *

____________

(1) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ 2 / 270.

(2) انظر الصفحتين 21 و 22 من هذا الجزء.

(3) انظر الصفحة 23 ـ 25 من هذا الجزء.

(4) لا محلّ لهذا التأمّل، إذ لا يمكن الفصل بين مفردات المعصية ; للملازمة بينها بناءً على وحدة الملاك.


الصفحة 186

وأقـول:

هـذا الدليـل جـار في الصغائر والكـبائر بلا فرق، فالتفصيـل بينـهما لا وجه له وإنْ وقعت الصغيرة على وجه الندرة، كما لا فرق في جريانه بين العمد والسهو، لكنّ الأشاعرة أجازوا الكبائر عليهم سهواً وأجازها بعضهم عمداً كما سـبق(1).

وأيضاً: لم يقيّدوا وقوع الصغيرة بالندرة، وبيان أنّها ليست محلّ الاتّباع كما زعمه الخصم لضيق الخناق، على أنّه لا نفع فيه، إذ لو بيّن النبيّ أنّ ذلك ليس محلّ الاتّباع لم يُعتمد عليه، لأنّه في محلّ المعصية والإقرار بها فتنتفي فائدة البعثة، ولعلّه في هذا البيان كان ساهياً أو موهماً وليس ذلك بمحال عندهم!

ولو سُـلّم، فهو مصحّح أيضاً لوقوع الكبيرة، والخصم لا يقول به.

وأجاب القوشجي عن الدليل بأنّه لا يجب الاتّباع إلاّ في ما يتعلّق بالشريعة وتبليغ الأحكام، لا في ما يصدر عن بِـذْلَة وطَـبَع(2).

وفيـه: إنّ فعل النبيّ كلّه ممّا يتعلّق بالشريعة، ولذا عدّوا فعله من

____________

(1) انظر الصفحة 28 وما بعدها من هذا الجزء.

(2) شرح التجريد: 464.

والبِذْلَةُ: الثوبُ الخَلَقُ، وكلُّ ما لا يُصان من الثياب، على الاستعارة هنا تشبيهاً للفعل الخسـيس الساقط به ; انظر: تاج العروس 14 / 48 مادّة " بذل ".

والـطَّـبَـعُ: الوسخُ الشديد من الصدأ، ومجازاً: هو الشَـين والعيب في دين أو دنيا ; انظر: تاج العروس 11 / 318 مادّة " طبع ".

والمراد منهما هنا: هو الكلام الصادر على عواهنه من غير رويّة وحساب دقيق.


الصفحة 187
السُـنّة كقوله وتقريره، ولو لم يجب اتّباع فعله لَما صحّ الاستدلال بالأخبار الناقلة له، وهو خلاف الضرورة، وكلّ عاقل إذا رأى المشرّع فاعلا لشيء يسـتدلّ به على جوازه.

فظهر أنّ ذِكرهم لهذا الدليل قول بلا عمل، بل بلا قول في الكبائر سهواً والصغائر مطلقاً، وهو إنّما ذكره بعضهم تبعاً للإمامية، ولذا لم يلتزموا بلوازمه.


*    *    *