ومثله في محلّ آخر عن أُمّ سلمة(1).
وأراد (صلى الله عليه وآله وسلم) بقوله: " وأنت " إنّك أيضاً إلى الله لا إلى النار، لا أنّها من أهل بيته، لقوله: " تنحّي عن أهل بيتي ".
ويدلّ أيضاً على خروج الأزواج عن مسمّى أهل البيت ما رواه أحمد(2)، عن أُمّ سلمة أيضاً: " أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لفاطمة: ائتيني بزوجك وابنيك.
فجاءت بهم، فألقى عليهم كساءً فدكياً، ثمّ وضع يده عليهم، ثمّ قال: اللّهمّ إنّ هؤلاء آل محمّـد، فاجعل صلواتك وبركاتك على محمّـد وآل محمّـد، إنّك حميدٌ مجيد ".
قالت أُمّ سلمة: " فرفعت الكساء لأدخل معهم، فجذبه من يدي وقال: إنّـك على خير ".
ومثله في " الدرّ المنثور "، عن الطبراني(3).
وإنّما لم نجعل هذه الأحاديث في طيّ الأخبار السابقة ; لأنّها لم تتعرّض لنزول الآية، وإنّما دلّت على خروج الأزواج من أهل البيت، وإن كان الظاهر تعلّقها في قصّة نزول الآية بقرينة الأخبار السابقة.
وبالجملـة: لا ريب بأنّ الآية الكريمـة مختصّة بالخمسـة الأطهار، ولا تشمل الأزواج، ولا بقيّة أقارب النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ; لاختصاص أخبار النزول بالخمسة الأطهار، ولكون غيرهم غير مطـهّرين من الرجس.
ولا يعارض تلك الأخبار ما رواه ابن حجر في " الصواعق "، من أنّ
____________
(1) ص 304 من الجزء المذكور. منـه (قدس سره).
(2) ص 323 من الجزء المذكور. منـه (قدس سره).
(3) الدرّ المنثور 6 / 604، وانظر: المعجم الكبير 3 / 53 ح 2664.
وذلك لأنّ هذا الحديث لا يدلّ على نزول الآية بالعبّـاس وبنيه، وإنّما يدلّ على صدق أهل البيت عليهم فقط.
على أنّه ضعيف السند، واضحُ الكذب، ظاهر التصنّع، رعايةً لملوك العبّـاسـيّين! وإلاّ فما هذا الاهتمام بالعبّـاس وبنيه حتّى تؤمّن أسكفّةُ الباب وحيطانُ البيت ثلاثاً مع النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)؟!
هـذا، وقد استدلّ من زعم نزول الآية بالأزواج بمناسبة نظم القرآن كما بيّنه الفضل، وفيه:
أوّلا: إنّ مناسبة النظم لا تُعارض ما تواتر بنزولها في الخمسة الطاهرين، أو الأربعة خاصّة.
وثانياً: إنّـا نمنع المناسبة ; لتذكير الضمير بعد التأنيث، ولتعدّد الخطاب والمخاطَب.
وإنّما جعل سبحانه هذه الآية في أثناء ذِكر الأزواج وخطابهنّ للتنبيه على أنّه سبحانه إنّما أمرهنّ ونهاهنّ وأدّبهنّ إكراماً لأهل البيت، وتنزيهاً لهم عن أن تنالهم بسـببهنّ وصمة، وصوناً لهم عن أن يلحقهم من أجلهنّ عيبٌ، ورفعاً لهم عن أن يتّصل بهم أهل المعاصي، ولذا استهلّ سبحانه
____________
(1) الأُسكُـفّة والأُسكوفة: عَتَبة الباب التي يُوطَـأُ عليها ; انظر: لسان العرب 6 / 308 مادّة " سكف ".
(2) الصواعق المحرقة: 222.
ضرورة أنّ هذا التمييز إنّما هو للاتّصال بالنبيّ وآله، لا لذواتهنّ، فهنّ في محلّ، وأهل البيت في محلّ آخر.
فليسـت الآية الكريمة إلاّ كقول القائل: يا زوجة فلان! لستِ كأزواج سائر الناس، فتعفّفي، وتسـتّري، وأطيعي الله تعالى، إنّما زوجُك من بيت أطهار يُريد الله حفظهم من الأدناس، وصونهم عن النقائص.
وقد يُسـتدلّ أيضاً للقائـل بنـزولها في الأزواج بمـا رواه الواحـدي في " أسباب النزول "، عن ابن عبّـاس، قال: " أُنزلت هذه الآية في نساء النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) "(2).
وفيه ـ مع ضعفه بجماعة متروكين، منهم صالح بن موسى، الذي سـبق بعض ترجمته في مقدّمة الكتاب(3) ـ:
إنّه معارض بما مرّ عن ابن عبّـاس نفسه، من أنّ المراد بأهل البيت: البيت من القبيلة(4)، وبالأخبار السابقة الصحيحة المستفيضة الدالّة على نزولها في الخمسة أو الأربعة خاصّة.
وقد روى القوم أيضاً نزولها فيهنّ، عن ابن عبّـاس، من طريق عكرمة ; وقد عرفت حاله، وأنّه كـذّاب خارجي(5).
____________
(1) سورة الأحزاب 33: 32.
(2) أسباب النزول: 198.
(3) انظر: ج 1 / 146 رقم 145 من هذا الكتاب.
(4) راجع الصفحة 369 من هذا الجزء.
(5) انظر: ج 1 / 191 رقم 224 من هذا الكتاب.
على أنّ رأيَ عروة وغيره لا يزاحم تلك الأخبار المتواترة، الحاكية لفِعل النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقوله المأخوذ عن جبرئيل عن الله تعالى.
واسـتدلّ من زعم نزول الآية بالأزواج وعشيرة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، بما رواه ابن حجر في " الصواعق "، من أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ضمّ إلى الأربعـة الأطهار بقيّة بناته وأقاربه وأزواجه(3).
وأثر الوضع على هذه الرواية ظاهرٌ، فإنّـا لم نعهد وجود كساء يسع مقدار بني هاشم وأزواج النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، الّذين يبلغ عددهم في ذلك الوقت
____________
(1) ورد أنّ الرعدة كانت تأخذ عروة إذا ذُكر عليٌّ (عليه السلام)، فيسـبّه ويضرب بإحدى يديه على الأُخرى، وكان يعيب على عليّ وينال منه، وكان منحرفاً عنه (عليه السلام) ; انظر: شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ 4 / 69 و 102.
(2) الدرّ المنثور 6 / 603.
نـقـول: أمّا سند الحديث إليه كما أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى 8 / 160 فهو: محمّـد بن عمر، عن مصعب بن ثابت، عن أبي الأسود، عن عروة.
ومحمّـد بن عمر، هو الواقدي، فقد ضعّفه يحيى بن معين وقال فيه: ضعيف، ليس بثقة، وقال أحمد بن حنبل: كذّاب، وقال البخاري ومسلم: متروك الحديث، وقال النسائي: ليس بثقة ; انظر: تهذيب الكمال 17 / 97 ـ 104 رقم 6090.
وأمّا مصعب، فقد ضعّفه يحيى بن معين كذلك، وقال أحمد بن حنبل: أراه ضعيف الحديث، وقال أبو حاتم والنسائي: ليس بالقوي ; انظر: تهذيب الكمال 18 / 120 رقم 6572.
وأمّا أبو الأسود، فهو: محمّـد بن عبـد الرحمن بن نوفل القرشي الأسدي، يتيم عروة ; انظر: تهذيب الكمال 16 / 507 رقم 6000.
(3) الصواعق المحرقة: 222.
ولو كان من الخمسة الأطهار غيرهم لاشتهر وذاع وافتخر به مفتخرهم ; لأنّه يتنافس به المتنافسـون!
أترى أنّ حفصة تترك ذِكره، وعائشة ترويه للخمسة وتدع نفسها؟!
وهل يغفل حسّاد أمير المؤمنين (عليه السلام) عنه؟!
هذا كلّه مع الإعراض عمّا في سند الحديث، ومعارضته بتلك الأخبار المتواترة.
واستدلّوا أيضاً بما رواه بعضهم عن واثلة، أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لمّا جمع الأربعة الطـيّبين وتلا الآية، قال واثلة: " وأنا من أهلك؟ قال: وأنت من أهلي "(1).
فإنّه إذا كان واثلة من أهل النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، فأقاربه وأزواجه أَوْلى.
وفيه: إنّه لو صحّ السـند، فدخول واثلة مبنيٌّ على ضرب من التجـوّز، فلا تلزم الأولويّـة(2).
على أنّ هذه الرواية معارضة بالرواية السابقة عن واثلة، الدالّة على خروجه، وهي أشهر وأصحّ، مع اعتضادها بالأخبار المتواترة(3).
____________
(1) تفسير الطبري 10 / 297 ح 28494، الصواعق المحرقة: 221.
(2) ثمّ يقال: ما وجه دخول واثلة بن الأسقع، وهو ليثي كناني، في بني هاشم وأهل البيت؟! وما الذي أتى بواثلة وأدخله إلى بيت النبيّ، وقد كان وقت نزول الآية كافراً؟! لأنّه أسلم والنبيّ يتجهّز إلى تبوك سنة 9 هـ ـ كما في الاستيعاب 4 / 1564 رقم 2738 ـ والآية نزلت قبل ذلك بكثير!!
(3) المستدرك على الصحيحين 2 / 451 ح 3559 و ج 3 / 159 ح 4706، الدرّ المنثور 6 / 605.
قالت: قلت: يا رسول الله! ألسـتُ من أهلك؟!
قال: بلى، فادخلي في الكساء.
قالت: فدخلتُ في الكساء بعدما قضى دعاءه لابن عمّه وابنيه وابنته فاطمـة.
وفيـه ـ مع ضعف سنده بجماعة، منهم: شهر بن حوشب، الذي سـبق بعض ترجمته في المقـدّمة(2) ـ:
إنّ المراد: أنّها من أهله دون أن تشملها آية التطهير، ولذا جذب الكساء من تحتها وخصّهم بدعائه، فهي من أهله بوجه التجوّز ; لأنّها من المطيعات لله تعالى، وله، أو من أهل بيتِ سُـكناه.
فاتّضح أنّ الآية الكريمة مختصّة بالخمسة الطاهرين، أو الأربعة، وقد كان هذا معروفاً في الصدر الأوّل.
وإنّما حدث الخلاف من عكرمة الكذّاب الخارجي(3) وأشباهه، كما يشـهد له ما في " الدرّ المنثور "، عن ابن جرير وابن مردويه، عن عكرمة، ـ في الآية ـ، قال: ليس بالذي تذهبون إليه، إنّما هو نساء النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)(4).
____________
(1) ص 298 من الجزء السادس. منـه (قدس سره).
(2) انظر: ج 1 / 143 رقم 140 من هذا الكتاب.
(3) راجع ترجمته في ج 1 / 191 رقم 224 من هذا الكتاب.
(4) الدرّ المنثور 6 / 603.
واحتاج إلى أن يقول: " من شاء باهلته أنّها في أزواج النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) " كما في " الدرّ المنثور "(2).
وقد اجتهد في إطفاء أنوار آل محمّـد (صلى الله عليه وآله وسلم).. ( ويأبى الله إلاّ أن يُـتمَّ نوره ولو كره الكافرون )(3).
ثمّ إنّه لا ريب بدلالة الآية الكريمة على عصمتهم عن جميع الذنوب مطلقاً ; لإطلاق الرجـس فيها مع معونة بعض الأخبار السابقة، حيث قال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فيه: "فأنا وأهل بيتي مطـهّرون من الذنوب "(4)..
فإنّ الذنوب جمع محلّىً باللام، وهو يفيد العموم، ولأنّ الآية الشـريفة دالّـةٌ على مدحهـم والعنايـة العظمى بشـأنهم، ولا يحسـن مثـله، ـ بحيث أنزل الله تعالى به قرآناً يُتلى إلى آخر الدهر ـ إلاّ بعصمتهم وطهارتهم عن كلّ ذنب، لا عن خصوص الشرك وكبائر الفواحش كما زعمه الفضل، ولا سـيّما وهو ممّا يشاركهم فيه كثير من المؤمنين!.. فكيف يخصّهم بالثناء ويأتي بما يفيد الحصر؟!
وأمّا ما استند إليه الفضل من سبق قوله تعالى: ( فيطمع الذي في
____________
(1) الصواعق المحرقة: 221.
(2) الدرّ المنثور 6 / 603.
(3) سورة التوبة 9: 32.
(4) الدرّ المنثور 6 / 605 ـ 606.
والفضـل لا يقول بها، ولا يمكن أن يدّعيها للأزواج ; لِما يعلمه هو وغيره من أنّ عائشة لم تقرّ في بيتها، وعصت الله ورسوله بحرب إمام زمانها، وشقّت عصا المسلمين وشـتّـتت أمرهم، وتظاهرت هي وحفصة على النبيّ، وعصتا ربّهما، كما يدلّ عليه قوله تعالى: ( إنْ تتوبا إلى الله فقد صغتْ قلوبُـكما )(2).. إلى غير ذلك ممّا سـتعرفه في المطاعن.
فإذا ثبت نزول الآية في الخمسة الأطهار، ودلّت على عصمتهم من الذنوب، ثبتت إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) دون مَن تقدّمه في الخلافة ; لِما سـبق من أنّ العصمة شرط الإمامة(3)، وغير عليّ ليـس معصوماً بالإجماع والضـرورة..
ولأنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) ادّعى الإمامة لنفسه، وأنّها حقّه ـ وإنْ لم يتمكّن مِن حرب مَن تقـدّم عليه كما سـبق(4) ـ، فيكون صادقاً ; لأنّ الكذب ـ ولا سـيّما في مثل دعوى الإمامة ـ من أعظم الرجـس.
وقوله: " لا نُسلّم أنّ عليّـاً ادّعى الإمامة لنفسه "(5)، مكابرة ظاهرة كما
____________
(1) سورة الأحزاب 33: 32.
(2) سورة التحريم 66: 4.
(3) انظر الصفحة 205 وما بعدها من هذا الجزء.
(4) انظر الصفحة 280 من هذا الجزء.
(5) مرّ في الصفحة 355 من هذا الجزء.
وإلاّ فما الموجب لتأخّره عن بيعتهم إلى أن قهروه عليها، وبقي يتظلّم منهم مدّة حياته، وجرّد الزبير سـيفه لأجله.. إلى غير ذلك ممّا سـبق(2)؟!
____________
(1) تقدّم في الصفحة 280 وما بعدها من هذا الجزء.
(2) انظر الصفحة 277 وما بعدها من هذا الجزء.
4 ـ آيـة المودّة في القربى
قال المصنّـف ـ قـدّس الله روحه ـ(1):
الرابعة: قوله تعالى: ( قُل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القربى )(2).
روى الجمهور في الصحيحين، وأحمد بن حنبل في مسنده، والثعلبي في تفسيره، عن ابن عبّـاس، قال:
لمّا نزل: ( قُل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القربى )قالوا: يا رسول الله! من قرابتك الّذين وجبت علينا مودّتهم؟
قال: عليٌّ وفاطمة وابناهما(3).
ووجوب المودّة يسـتلزم وجوب الطاعة.
____________
(1) نهج الحقّ: 175.
(2) سورة الشورى 42: 23.
(3) فضـائل الصحابة ـ لأحمد بن حنبل ـ 2 / 832 ـ 833 ح 1141، المعجـم الكبيـر ـ للطبراني ـ 3 / 47 ح 2641 و ج 11 / 351 ح 12259، تفسير الثعلبي 8 / 310، مناقب الإمام عليّ (عليه السلام) ـ لابن المغازلي ـ: 258 ـ 259 ح 352، شواهد التنزيل 2 / 130 ـ 134 ح 822 ـ 828، الكشّاف 3 / 467، تفسير الفخر الرازي 27 / 167، الجامع لأحكام القرآن 16 / 16، فرائد السمطين 2 / 13 ح 359، مجمع الزوائد 9 / 168، تفسير ابن كثير 4 / 114 ـ 115.
وقال الفضـل(1):
اختلفوا في معنى الآية، فقال بعضهم: الاستثناء منقطع(2)، والمعنى: لا أسألكم على تبليغ الرسالة أجراً، لكن المودّة فى القربى حاصلة بيني وبينكم، فلهذا أسعى وأجتهد في هدايتكم وتبليغ الرسالة إليكم(3).
وقال بعضهم: الاسـتثناء متّصل(4)، والمعنى: لا أسألكم عليه أجراً من الأُجور إلاّ مودّتكم في قرابتي(5).
وظاهر الآية على هذا المعنى شامل لجميع قرابات النبيّ، ولو خصّصناه بمن ذكر لا يدلّ على خلافة عليّ، بل يدلّ على وجوب مودّته.
ونحن نقول: إنّ مودّته واجبة على كلّ المسلمين، والمودّة تكون مع الطاعة، ولا كلّ مطاع يجب أن يكون صاحب الزعامة الكبرى.
والعجب من هذا الرجل أنّه يستدلّ على المطلوب، وكلامه في غاية البعد عنه وهو لا يفهم هذا.
____________
(1) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ 3 / 19.
(2) الاسـتثناء المنقطع: هو أن لا يكون المسـتثنى بعضاً ممّا قبله، ولذا صحَّ وضع " لكنْ " في مكان " إلاّ "، مثل: ما حضر الأساتذة إلاّ طلبتهم ; انظر: شرح ابن عقيل 2 / 472.
(3) تفسير الطبري 11 / 145 ذ ح 30686، تفسير الفخر الرازي 27 / 166، تفسير القرطبي 16 / 15، الكشّاف 3 / 466، روح المعاني 25 / 48.
(4) الاستثناء المتّصل: هو أن يكون المستثنى بعضاً ممّا قبله، مثل: سقيت الأشجار إلاّ شجرة ; انظر: شرح ابن عقيل 2 / 472.
(5) تفسير الكشّاف 3 / 466، تفسير القرطبي 16 / 16، روح المعاني 25 / 48.
وأقـول:
ينبغي قبل الكلام في الآية ذِكر بعض الأخبار التي رواها القوم، الدالّة على أنّ المراد بالقربى آل محمّـد (صلى الله عليه وآله وسلم)..
فمنها: الحديث الذي ذكره المصنّف (رحمه الله)، وقد رواه الزمخشري في تفسير الآية، واسـتدلّ لصحّته بأخبار كثيرة تسـتلزم معناه(1).
ونقله السيوطي في " الدرّ المنثور "، عن ابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويـه(2).
ونقله في " ينابيع المودّة " عند ذِكر الآية، عن أحمد، والثعلبي، والحاكم في " المناقب "، والواحدي في " الوسيط "، وأبي نعيم في " الحلية "، والحمويني في " فرائد السمطين "(3).
ونقله في " الصواعق " في الآية الرابعة عشرة من الآيات الواردة في أهل البيت، عن أحمد، والطبراني، وابن أبي حاتم، والحاكم(4).
ومنها: ما نقله الحاكم في " المستدرك "، في تفسير حم عسق، من كـتاب التفسـير(5)، عن البخاري ومسلم، قال: [هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرّجاه، إنّما] اتّـفقا في تفسـير هذه الآية ـ أي آية المودّة ـ
____________
(1) تفسير الكشّاف 3 / 467.
(2) الدرّ المنثور 7 / 348.
(3) ينابيع المودّة 1 / 315 ب 32 ح 1.
(4) الصواعق المحرقة: 258 ـ 259.
(5) ص 444 من الجزء الثاني [2 / 482 ذ ح 3659] . منـه (قدس سره).
ولعلّ هذا هو الذي أراده المصنّف بما عن البخاري ومسلم.
ومنها: ما في " الدرّ المنثور " أيضاً، قال: أخرج ابن جرير، عن أبي الدَيلَم: " لمّا جيء بعليّ بن الحسين (عليه السلام) فأُقيم على دَرَجِ دمشق، قام رجل من أهل الشام فقال: الحمد لله الذي قتلكم واستأصلكم.
فقال له عليُّ بن الحسـين (عليه السلام): أقرأتَ القرآن؟!
قال: نعم.
قال: أما قرأت: ( قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القربى )؟!
قال: فإنّـكم لأَنتم هم؟!
قال: نعم "(1).
ونحوه في " الصواعق "، عن الطبراني(2).
ومنهـا: ما في " الصواعـق "، قال: " روى أبو الشـيخ وغيـره، عن عليّ (عليه السلام): فينا الـ ( حم )(3) آية، لا يحفظ مودّتنا إلاّ كلُّ مؤمن.
ثمّ قرأ: ( قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القربى )(4).
____________
(1) الدرّ المنثور 7 / 348، وانظر: تفسير الطبري 11 / 144 ح 30677.
(2) الصواعق المحرقة: 259، وانظر: المعجم الكبير 3 / 47 ح 2641 و ج 11 / 351 ح 12259.
(3) سورة الشورى 42: 1.
(4) الصواعق المحرقة: 259، جواهر العقدين: 317.
من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بنُ محمّـد.
ثمّ تلا: ( واتّبعْتُ ملّـةَ آبائي إبراهيم... )(1) الآية.
ثمّ قال: أنا ابن البشـير، أنا ابن النـذير.
ثمّ قال: وأنا من أهل البيت الّذين افترض اللهُ عزّ وجلّ مودّتهم وموالاتهم، فقال في ما أنزل على محمّـد (صلى الله عليه وآله وسلم): ( قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القُربى ).
قال: وفي رواية: الّذين افترض الله مودّتهم على كلّ مسلم، وأنزل فيهم: ( قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القُربى ومن يقتَرف حسنةً نَّزد لهُ فيها حُسناً )(2)، واقتراف الحسنات مودّتـنا أهل البيـت "(3).
وروى الحاكم هذه الخطبة في فضائل الحسن (عليه السلام) من " المسـتدرك "(4)، قال الحسـن (عليه السلام) في آخرها:
" وأنا من أهل البيت الّذين افترض الله مودّتهم على كلّ مسلم، فقال تبارك وتعالى لنبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم): ( قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودّة
____________
(1) سورة يوسف 12: 38.
(2) سورة الشورى 42: 23.
(3) الصواعق المحرقة: 259، وانظر: المعجم الأوسط 2 / 401 ـ 402 ح 2176، مجمع الزوائد 9 / 146 عن البزّار وغيره.
(4) ص 172 من الجزء الثالث [3 / 188 ـ 189 ح 4802] . منـه (قدس سره).
وانظر: الذرّية الطاهرة: 109 ـ 111 ح 114 ـ 115.
ومنها: ما في " الصواعق " أيضاً، عن الثعلبي والبغوي، عن ابن عبّـاس، أنّه لمّا نزل قوله تعالى: ( قل لا أسألكم علية أجراً إلاّ المودّة في القربى ) قال قوم في نفوسهم: ما يريد إلاّ أن يحثّنا على قرابته من بعده، فأخبر جبرئيل النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّهم اتّهموه، فأنزل: ( أم يقولون افترى على الله كذباً )(1) الآية.
فقال القوم: يا رسول الله! إنّـك لصـادق..
فأنزل الله: ( وهو الذي يقبل التوبة عن عباده )(2)(3).
.. إلى غير ذلك من الأخبـار.
ويؤيّدها الأخبار المسـتفيضة الدالّة على وجوب حُبِّ أهل البيت، وأنّه مسؤول عنه يوم القيامة(4).
وذكر في " الكشّاف " أخباراً أُخر جعلها دليلا لإرادة عليّ وفاطمة والحسـنين من القربى(5).
وكذا يؤيّدها الأخبار المفسّرة للحسنة في تتمّة الآية بحبِّ أهل
____________
(1) سورة الشورى 42: 24.
(2) سورة الشورى 42: 25.
(3) الصواعق المحرقة: 259 ـ 260، وانظر: تفسير الثعلبي 8 / 315، تفسير البغوي 4 / 112.
(4) انظر: المعجم الكبير 11 / 83 ـ 84 ح 11177، المعجم الأوسـط 3 / 9 ح 2212 و ص 26 ح 2251 و ج 9 / 264 ـ 265 ح 9406، مجمع الزوائد 9 / 172 و ج 10 / 346، ذخائر العقبى: 63، جواهر العقدين: 326 و 327.
(5) تفسير الكشّاف 3 / 467.
وقال ابن حجر عند كلامه في الآية: أخرج أحمد، عن ابن عبّـاس: ( ومن يقترف حسنةً نَّزد له فيها حُسناً )، قال: المودّة لآل محمّـد(2).
ومثله في " الدرّ المنثور "، عن ابن أبي حاتم، عن ابن عبّـاس(3).
وقال في " الكشّاف ": ( ومن يقترف حسنةً )، عن السدّي أنّها المودّة في آل رسـول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)(4).
ولكن يا للأسف! ما هان على القوم رواية تلك الأخبار حتّى رووا عن ابن عبّـاس ما يُنافي رواياته السابقة، فنسـبوا إليه مخالفة النبيّ والوحي!!..
روى البخاري في كتاب " التفسير " من صحيحه، في تفسير الآية: " أنّه سئل ابن عبّـاس عنها، فقال سعيد بن جبير: قربى آل محمّـد.
فقال ابن عبّـاس: عَجِلْتَ ; لم يكن بطن في قريش إلاّ كان له فيهم قرابة، فقال: إلاّ أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة "(5).
والمعنى على حسب ظاهر هذا التفسير: لا أسألكم على التبليغ أجراً إلاّ صلتكم لي لِما بيني وبينكم من القرابة، حيث إنّ له قرابة في بطون قريـش كلّها.
____________
(1) مرّت في الصفحة السابقة.
(2) الصواعق المحرقة: 259.
(3) الدرّ المنثور 7 / 348، وانظر: تفسير القرطبي 16 / 17، جواهر العقدين: 319.
(4) الكشّاف 3 / 468، وانظر: مناقب الإمام عليّ (عليه السلام) ـ لابن المغازلي ـ: 263 ح 360.
(5) صحيح البخاري 6 / 231 ح 314.
أقـول: وفي جعل معنى ( لا أسألكم عليه أجراً ): " إنْ أبيتم تصديقي " نظـرٌ ظاهر.
ومثل هذا المحكيّ عن ابن عبّـاس في البطلان، ما ذكره الفضل من المعنى على الاسـتثناء المنقطع، فإنّ المنقطع عبارة عن إخراج ما لولا إخراجه لتوهّم دخوله في حكم المسـتثنى منه نظير الاسـتدراك.
وأنت تعلم أنّ المستثنى الذي ذكره الفضل أجنبيٌّ عمّا قبله بكلّ وجه، فلا يتوهّم دخوله في حكمه حتّى يُستثنى منه.
وأعظم من هذين التفسيرين في البطلان، ما رواه بعض القوم عن ابن عبّـاس، من أنّ المعنى: " لا أسألكم أجراً على التبليغ إلاّ مودّة الله بالتقرّب إليـه "(2)، فإنّ القربى لم تأت بمعنى التقرّب، مع أنّه مناف للأخبار السابقة المعتبرة عن ابن عبّـاس(3).
والحقّ أنّ هذه التفاسير من تحريف الكلم عن مواضعه، الذي يدعو إليه العناد والتعصّب، فلا ريب لكلّ منصف في أنّ المراد بالقربى: القرابة، وأنّ المقصود: عليٌّ وفاطمـة والحسـنان، كما نطقت به الأخبار.
وقول الفضـل: " وظاهر الآية على هذا المعنى شامل لجميع قرابات
____________
(1) الكـشّاف 3 / 467.
(2) انظر: تفسير القرطبي 16 / 16 ـ 17، جواهر العقدين: 323.
(3) راجع الصفحات 381 و 383 و 387 من هذا الجزء.
فلا بُـدّ أن يكون المراد مودّة من يكمل الإيمان بمودّته، وتحصل السعادة الأبديّـة بموالاته، ولذا قال سبحانه في آية أُخرى: ( قل ما سألتُـكم من أجر فهو لكم )(1).
بل بلحاظ شأن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) إنّما يُعدُّ قرابة له من هو منه، لا مَن بان عنه معنىً ومنزلـةً، ولذا قال تعالى لنوح: ( إنّه ليس من أهلك إنّه عمل غير صالح )(2).
وقال الرازي في تفسير آية المودّة التي نحن فيها: " آل محمّـد (صلى الله عليه وآله وسلم)هم الّذين يؤول أمرهم إليه، فكلّ من كان مآل أمرهم إليه أشدّ وأكمل كانوا هم الآل.
ولا شكّ أنّ فاطمـة وعليّـاً والحسـن والحسـين كان التعلّق بينهم وبين رسـول الله أشدّ التعلّقات.
وهذا كالمعلوم بالنقل المتواتر، فوجب أن يكونوا هم الآل "(3).
أقـول: ونحو هذا آت في لفظ " القربى "، فيتعيّن أن يكون المراد بالآية الأربعة الأطهار.
____________
(1) سورة سبأ 34: 47.
(2) سورة هود 11: 46.
(3) تفسير الفخر الرازي 27 / 167.