الصفحة 417

وهي تدلّ على أفضلـيّتهم، وعصمتهم، وأنّـهم صفوة الله سـبحانه ; إذ لو لم يكونوا كذلك لم تجب مودّتهم دون غيرهم، ولم تكن مودّتهم بتلك المنزلة التي ما مثلها منزلة ; لكونها أجراً للتبليغ والرسالة الذي لا أجر ولا حقّ يشـبهه..

ولذا لم يجعل الله المودّة لأقارب نوح وهود أجراً لتبليغهما، بل قال لنوح: ( ويا قوم لا أسألكم عليه مالا إنْ أجري إلاّ على الله )(1).

وقال لهود: ( يا قوم لا أسألكم عليه أجراً إنْ أجري إلاّ على الذي فطرني أفلا تعقلون )(2)..

فتنحصر الإمامة بقربى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ; إذ لا تصحّ إمامة المفضول مع وجود الفاضل، لا سـيّما بهذا الفضل الباهر..

مضافاً إلى ما ذكره المصنّف (رحمه الله) من أنّ وجوب المودّة مطلقاً يستلزم وجوب الطاعة مطلقاً ; ضرورة أنّ العصيان ينافي الودّ المطلق..

ووجوب الطاعة مطلقـاً يسـتلزم العصمـة التي هي شـرط الإمامـة، ولا معصوم غيرهم بالإجماع، فتنحصر الإمامة بهم، ولا سيّما مع وجوب طاعتهم على جميع الأُمّـة.

وقد فهم دلالةَ الآية على الإمامة الصحابةُ، ولذا اتَّهم النبيَّ (صلى الله عليه وآله وسلم)بعضُهم فقالوا: " ما يريد إلاّ أن يحثّنا على قرابته بعده "، كما سمعته في بعض الروايات السابقة(3).

وكلّ ذي فهم يعرفها من الآية الشريفة، إلاّ أنّ القوم أبوا أن يقـرّوا

____________

(1) سورة هود 11: 29.

(2) سورة هود 11: 51.

(3) تقـدّم في الصفحة 386 من هذا الجزء.


الصفحة 418
بالحقّ ويؤدّوا أجر الرسالة، فإذا صدرت من أحدهم كلمة طيّبة لم تدعه العصبيّـة حتّى يناقضها!..

ولذا لمّا نطق الرازي بما حكيناه عنه سابقاً عقّبه بقوله:

" المسألة الثالثة: قوله تعالى: ( إلاّ المودّة في القربى ) فيه منصب عظيم للصحابة ; لأنّه تعالى قال: ( والسابقون السابقون * أُولئك المقرّبون )(1)، فكلّ من أطاع الله كان مقرّباً عند الله، فدخل تحت قوله تعالى: ( إلاّ المودّة في القربى ).

والحاصل: إنّ هذه الآية تدلّ على وجوب حبّ آل رسول الله وحبّ أصحابـه "(2).

فانظر إلى هذه الكلمات الهزلية، بل لا يتصوّر لكلامه معنىً إلاّ أن يُراد بالقربى المقـرَّبون، وهو ليس من معاني القربى.

ولو سُلّم، فاللازم وجوب ودّ كلّ من أطاع الله بلا خصوصيّة للصحابة، فكيف تدلّ الآية على عظيم منصب للصحابة؟!

ثـمّ إنّ بعـض القـوم أورد عـلى نـزول الآيـة بعليّ وفاطمـة والحسـنين (عليهم السلام) بأنّ سورة الشورى مكّـيّة وعليٌّ حينئذ لم يتزوّج بفاطمة، فضلا عن ولادة الحسـنين عليهما السلام(3).

وفيـه: إنّ أخبار نزول الآية الشريفة بالأربعة الطاهرين حجّة قطعيّة وكثيرة معتبرة، فلا يُعتنى بدعوى كون السورة مكّية.. على أنّه جاء في

____________

(1) سورة الواقعة 56: 10 و 11.

(2) تفسير الفخر الرازي 27 / 167 ـ 168.

(3) كابن تيميّة في منهاج السُـنّة 4 / 27 و 562 و ج 7 / 99، وابن كثير في تفسيره 4 / 114، والقسطلاني في إرشاد الساري 11 / 50.


الصفحة 419
بعض أخبارهم أنّها مدنيّة.

ولو سُلّم، فكون السورة مكّية إنّما هو بلحاظ أكثرها، فلا يُنافي نزول آية منها بالمدينة(1).


*    *    *

____________

(1) لم نعثر على أحد من أهل الفنّ قال بأنّ آية المودّة مكّية، فضلا عن إطلاق القول بأنّ سورة الشورى مكّية، فكثير من السور نزلت في مكّة ولم يكتمل نزولها إلاّ في المدينة، ومنها سورة الشورى التي منها آية المودّة، فقد صرّح القرطبي عن ابن عبّـاس وقتادة بأنّ السورة مكّية إلاّ أربع آيات نزلت بالمدينة، منها آية المودّة، كما في تفسيره 16 / 3، ومثل ذلك في تفسير الخازن 4 / 89، فذكر أنّها مكّية إلاّ أربع آيات نزلت بالمدينة أوّلها آية المودّة، وذكر ذلك أبو حيّان في تفسيره النهر المادّ 5 / 105، والسيوطي في الإتقان 1 / 46 من قوله تعالى: (أم يقولون افترى) إلى قوله: (بصير)، والشوكاني في تفسيره فتح القدير 4 / 524، والآلوسي في روح المعاني 25 / 16.

يضاف إلى ذلك أنّ ما رواه الطبراني في المعجم الكبير 12 / 26 ـ 27 ح 12384، وفي المعجم الأوسط 6 / 103 ـ 104 ح 5758، ما يؤكّـد نزول آية المـودّة وبعدها أربع آيات في المدينة.

وراجع ما كتبه السـيّد عليّ الحسيني الميلاني في ما يتعلّق بآية المودّة من مباحث علمية في كتابه: تشـييد المراجَعات وتفنيد المكابَرات 1 / 231 ـ 341.


الصفحة 420

5 ـ آيـة: (من يشري نفسه)

قال المصنّـف ـ أعلى الله درجته ـ(1):

الخامسة: قوله تعالى: ( ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله )(2).

قال الثعلبي: ورواه ابن عبّـاس: أنّها نزلت في عليّ (عليه السلام) لمّا هرب النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) من المشركين إلى الغار، خلّفه لقضاء دينه وردّ ودائعه، فبات على فراشه، وأحاط المشركون بالدار..

فأوحى الله إلى جبرئيل وميكائيل: إنّي قد آخيت بينكما، وجعلت عُمرَ أحدكما أطولَ من الآخر، فأيّـكما يؤثر صاحبه بالحياة؟

فاختار كلٌّ منهما الحياة، فأوحى الله إليهما: ألا كنتما مثل عليّ بن أبي طالب؟! آخيتُ بينه وبين محمّـد، فبات على فراشه يفديه بنفسه ويؤثره بالحياة، اهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدوّه!

فنزلا، فكان جبرئيل عند رأسه، وميكائيل عند رجليه، فقال جبرئيل: بخ بخ! مَن مثلك يا بن أبي طالب يُباهي الله بك الملائكة(3)؟!

____________

(1) نهج الحقّ: 176.

(2) سورة البقرة 2: 207.

(3) انظر: تفسير الثعلبي 2 / 125 ـ 126.

وانظر: مسند أحمد 1 / 331، فضائل الصحابة ـ له ـ 2 / 851 ح 1168، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ 5 / 113 ح 8409، المعجم الكبير 12 / 77 ح 12593، المعجم الأوسط 3 / 241 ـ 242 ح 2836، السُـنّة ـ لابن أبي عاصم ـ: 589 ح 1351، المستدرك على الصحيحين 3 / 143 ح 4652، تلخيص المتشابه 1 / 414 رقم 689، شواهد التنزيل 1 / 96 ـ 102 ح 133 ـ 142، إحياء علوم الدين 4 / 37، مناقب الإمام عليّ (عليه السلام) ـ للخوارزمي ـ: 126 ح 140 و 141، تاريـخ دمشـق 42 / 99 ـ 102، تفسير الفخر الرازي 5 / 222، تفسير القرطبي 3 / 16، مجمع الزوائد 9 / 119 ـ 120.


الصفحة 421

الصفحة 422

الصفحة 423

وقال الفضـل(1):

اختلف المفسّرون أنّ الآية نزلت في مَنْ؟..

قال كثير منهم: نزلت في صهيب الرومي، وأنّه كان غريباً بمكّة، فلمّا هاجر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قصد الهجرة، فمنعه قريـش من الهجـرة، فقال: يـا معشر قريش! إنّـكم تعلمون أنّي كثير المال، وإنّي تركت لكم أموالي، فدعوني أُهاجر في سبيل الله ولكم مالي.

فلمّا هاجر، وترك الأموال، أنزل الله هذه الآية.

فلمّا دخل صهيب على رسـول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قرأ عليه الآية وقال له: ربح البيـع(2).

وأكثرُ المفسّرين على أنّها نزلت في الزبير بن العوّام، ومقداد بن الأسود لمّا بعثهما رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لينزلوا خُبيب بن عديّ من خشبته التي صُلب عليها، فكان صُلب بمكّة، وحوله أربعون من المشركين، ففديا أنفسهما حتّى أنزلاه، فأنزل الله الآية(3).

ولو كان نازلا في شأن أمير المؤمنين عليّ، فهو يدلّ على فضله واجتهاده في طاعة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، وبذل الروح له.

وكلّ هذه مسلّمة لا كلام لأحد فيه، ولكن ليس هو بنصّ في إمامته كما لا يخفى.

____________

(1) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ 3 / 38.

(2) الكشّاف 1 / 353، تفسير الفخر الرازي 5 / 222، تفسير القرطبي 3 / 15 ـ 16، الدرّ المنثور 1 / 575.

(3) تفسير البغوي 1 / 132، روح المعاني 2 / 146.


الصفحة 424

وأقـول:

إنّ اسـتدلالنا بشيء لا يتوقّف على انحصار أقوالهم وأخبارهم فيه، بـل يكفينا وجوده في رواياتهم لنـتّخذه حجّة عليهم، من دون أن يعارضه ما يخالفه من أقوالهم ورواياتهم ; لأنّها ليست حجّة علينا، وحينئذ يكفينا روايتهم نزول الآية في أمير المؤمنين (عليه السلام)، كما نقله المصنّف (رحمه الله) عن الثعلبي..

ونقله في " ينابيع المودّة " أيضاً، عنه، وعن ابن عقبة في ملحمته، وأبي السعادات في " فضائل العترة الطاهرة "، والغزّالي في " الإحياء " عن ابن عبّـاس، وأبي رافع، وهند بن أبي هالة ربيب النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)(1).

ورواه الرازي في تفسـيره بمثل ما عن الثعلبي(2).

وروى الحاكم ما يدلّ على ذلك في " المستدرك "(3)، وصحّحه هو والذهبي، عن ابن عبّـاس، من حديث قال فيه: " شرى عليٌّ نفسه، ولبس ثوب النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثمّ نام مكانه ".

ومثله في مسـند أحمد(4).

وروى الحاكم بعد الحديث المذكور عن عليّ بن الحسين، قال:

____________

(1) ينابيع المودّة 1 / 274 ح 3، وانظر: إحياء علوم الدين 4 / 37 في بيان الإيثار وفضله.

(2) تفسير الفخر الرازي 5 / 222.

(3) ص 4 من الجزء الثالث [3 / 5 ح 4263] . منـه (قدس سره).

وانظر: المستدرك على الصحيحين 3 / 143 ح 4652 وصحّحه هو والذهبي.

(4) ص 331 من الجزء الأوّل. منـه (قدس سره).


الصفحة 425
" أوّل من شرى نفسه ابتغاء مرضاة الله عليّ بن أبي طالب.. وذكر شعراً لأمير المؤمنين في مبيته على فراش النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) "(1).

ونقل في " ينابيع المودّة " نزولها في أمير المؤمنين (عليه السلام)، عن أبي نُعيم بسنده عن ابن عبّـاس.. إلى غير ذلك ممّا في " الينابيع " وغيرها(2).

ولو ضممت إليه أخبارنا كان متواتراً(3)..

فكيف يُعتنى برواية الفضل في نزولها بصهيب(4)؟!

وأمّا ما ذكره من قول أكثر المفسّرين بنزولها في الزبير والمقداد، فكـذب صريح..

كيف؟! ولم يذكره الرازي في تفسيره، وهو قد جمع فيه جميع أقوالهم!..

ولا ذكره الزمخشري أيضاً، ولا تعرّض السيوطي في " الدرّ المنثور " لرواية تتعلّـق به، مع أنّه قد جمع فيه عامّة أخبارهم، ولا سـيّما إذا كانت في فضل مثل الزبيـر(5)!

____________

(1) المستدرك على الصحيحين 3 / 5 ح 4264.

(2) ينابيع المودّة 1 / 274 ح 2، وانظر: الصفحة 393 هـ 3 من هذا الجزء.

(3) انظر: مجمع البيان 2 / 57 و 58، تفسير فرات 1 / 65 ح 31 ـ 33، كشف الغمّة في معرفة الأئمّة 1 / 310، مناقب آل أبي طالب 2 / 76 ـ 77، تفسير الصافي 1 / 241 رقم 207، بحار الأنوار 36 / 40 وما بعدها.

(4) لا سـيّما ونحن نعرفه بعداوة آل محمّـد (صلى الله عليه وآله وسلم) وصداقة أعدائهم ; ولذا أوصى عمر إليه بالصلاة في الناس أيّـام الشورى، وقال في حقّـه: " نِعم العبد صهيب، لو لم يخف الله لم يعصه "!! ومن المعلوم أنّ كلّ عـدوّ لآل محمّـد منافـقٌ لا فضل له ولا كرامـة. منـه (قدس سره).

(5) راجع: تفسير الكشّاف 1 / 352 ـ 353، تفسير الفخر الرازي 5 / 222 ـ 223، الدرّ المنثور 1 / 575 ـ 578.


الصفحة 426
وذكر في " الاستيعاب " بترجمة خُبيب، أنّ الذي أرسله النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)لإنزاله هو عمرو بن أُميّة الضمري، وما ذكرَ الزبير، ولا المقداد(1)!

هـذا في نزول الآيـة..

وأمّا دلالتها على إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) ; فلأنّ نزولها فيه كاشفٌ عن أفضلـيّته وامتيازه بالمعرفة والإخلاص ; لأنّ كثيراً من المسلمين غيره قد بذلوا أنفسهم في الجهاد، وحفظ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ونشر الدعوة ولم ينالوا ما ناله أمير المؤمنين (عليه السلام) من شهادة الله له، بأنّه شرى نفسه ابتغاء مرضاته حتّى باهى به سادة ملائكـته، وذكره بالأُخـوّة لسـيّد أنبـيائه، وقال له جبرئيل: " مَن مثلك؟! "(2) الدالّ على عدم المماثل له.. والأفضل هو الإمـام!


*    *    *

____________

(1) الاستيعاب 2 / 442 رقم 632.

(2) كما في رواية الثعلبي المتقدّمـة آنفاً في الصفحة 393.


الصفحة 427

6 ـ آيـة المباهلـة

قال المصنّـف ـ قـدّس سرّه ـ(1):

السادسة: آية المباهلة(2)، أجمع المفسّرون على أنّ ( أبناءنا )إشارة إلى الحسن والحسين، و ( نساءَنا ) إشارة إلى فاطمة، و ( أنفسنا )إشارة إلى عليّ (عليه السلام)(3).

____________

(1) نهج الحقّ: 177.

(2) وهي قوله تعالى: (فمن حاجّـك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندعُ أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثمّ نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبيـن) سورة آل عمران 3: 61.

(3) انظر: تفسير السدّي: 179، تفسير الحبري: 247 ـ 248 ح 12 ـ 13، تفسير الطبري 3 / 298 ـ 299 ح 7178 و 7179 و 7186، أحكام القرآن ـ للجصّاص ـ 2 / 23، تفسير الثعلبي 3 / 85، تفسـير الماوردي 1 / 398 ـ 399، أسـباب النزول ـ للواحدي ـ: 57، شواهد التنزيل 1 / 120 ـ 128 ح 168 ـ 176، تفسير البغوي 1 / 240، تفسير الكشّاف 1 / 434، أحكام القرآن ـ لابن عربي ـ 1 / 360، زاد المسير 1 / 324، تفسير الفخر الرازي 8 / 89 ـ 90، تفسير القرطبي 4 / 67، تفسير النسفي 1 / 161، البحر المحيط 2 / 479 ـ 480، تفسير القرآن العظيم ـ لابن كثير ـ 1 / 350، الدرّ المنثور 2 / 231 ـ 233، تفسير أبي السعود 1 / 373، فتح القدير 1 / 347 ـ 348، روح المعاني 3 / 303.

وانظر: صحيح مسلم 7 / 120 ـ 121، سنن الترمذي 5 / 210 ح 2999 و ص 596 ح 3724، مسند أحمد 1 / 185، فضائل الصحابة ـ له ـ 2 / 974 ـ 975 ح 1374، مسند سعد ـ للدورقي ـ: 51 ح 19، تاريخ المدينة ـ لابن شبّة ـ 2 / 583، المستدرك على الصحيحين 3 / 163 ح 4719، معرفة علوم الحديث: 50، المغني ـ للقاضي عبـد الجبّار ـ ج 20 ق 1 / 142، دلائل النبوّة ـ لأبي نعيم ـ 2 / 353 ـ 355 ح 244 ـ 245، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ 7 / 63، مناقب الإمام عليّ (عليه السلام) ـ لابن المغازلي ـ: 231 ـ 232 ح 310، مصابيح السُـنّة 4 / 183 ح 4795، الشفا ـ للقاضي عياض ـ 2 / 48، جواهر العقدين: 278 عن الدارقطني، كنز العمّال 2 / 379 ـ 380 ح 4307.


الصفحة 428

الصفحة 429
فجعله الله نفسَ محمّـد (صلى الله عليه وآله وسلم)، والمراد المساواة، ومساوي الأكمل الأَوْلى بالتصرّف، أَكمل وأَوْلى بالتصـرّف.

وهذه الآية أدلُّ دليل على علوِّ مرتبة مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) ; لأنّه تعالى حكم بالمساواة لنفس الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأنّه تعالى عيّنه في استعانة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في الدعاء.

وأيّ فضيلة أعظم من أن يأمر الله نبيّه بأن يسـتعين به على الدعاء إليه، والتوسّـل به؟!

ولمن حصلت هذه المرتبـة؟!


*    *    *


الصفحة 430

وقال الفضـل(1):

كان عادة أرباب المباهلة أن يجمعوا: أهل بيتهم وقراباتهم ; ليشمل البَـهْـلَـةُ(2) سائر أصحابهم، فجمع رسول الله أولاده، ونساءه.

والمراد بالأنفس ها هنا: الرجال، كأنّه أُمر بأن يجمع نساءه وأولاده ورجال أهل بيته.

فكان النساء: فاطمـة، والأولاد: الحسـن والحسـين، والرجال: رسول الله وعليّ.

وأمّا دعوى المساواة التي ذكرها، فهي باطلة قطعاً، وبطلانها من ضروريات الدين ; لأنّ غير النبيّ من الأُمّة لا يساوي النبيّ أصلا، ومن ادّعى هذا فهو خارج عن الدين.

وكيف يمكن المساواة، والنبيُّ نبيٌّ مرسلٌ خاتم الأنبياء، وأفضل أُولي العزم، وهذه الصفات كلُّها مفقودة في عليّ؟!

نعم، لأمير المؤمنين عليّ في هذه الآية فضيلة عظيمة، وهي مسلّمة، ولكن لا تصير دالّـة على النصّ بإمامته.


*    *    *

____________

(1) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ 3 / 62.

(2) الابتهال: التضـرُّع، والاجتهاد في الدعاء وإخلاصه لله عزّ وجلّ.

والـبَـهْـلُ: اللعن، والمباهلة: الملاعنة.

انظر مادّة " بهل " في: الصحاح 4 / 1642، لسان العرب 1 / 522.


الصفحة 431

وأقـول:

دعوى العادة كاذبة! ولا أدري متى اعتيد أصل المباهلة حتّى يعتاد فيها جمع الأهل والأقارب؟!

ولو كانت هناك عادة بذلك لاعترض النصارى على النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)بمخالفتها، حيث لم يجمع من أهله وأقاربه إلاّ القليل!

ولو سُلّم، فمخالفة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) للعادة دليل على أنّ محلّ العناية الإلهيّة، والكرامة النبويّة، هو مَن جمعهم النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بأمر الله سبحانه، دون بقيّـة أقاربه كالعبّـاس وبنيه، وسائر بني هاشم وبناتـهم، وبنات الزهـراء (عليها السلام)، ودون زوجاته، مع أنّهنّ من نسائه، ومن أهل بيت سكناه.

وقد عرف أنّهم محلّ عناية الله والشرف عنده، ومحلّ الخطر والعظمـة لديه، أسقفُ نجرانَ حيث قال ـ كما عن ابن إسحاق، ورواه في " الكشّاف " ـ: " إنّي لأرى وجوهاً لو شاء الله أن يُزيل جبلا من مكانه لأزاله بهـا "(1).

وفي تفسيري الرازي والبيضاوي: " لو سألوا الله أن يُزيل جبلا من مكانه لأزاله بها "(2).

ثمّ قال الرازي: " واعلم أنّ هذه الرواية كالمتّفق على صحّتها بين أهل التفسـير والحديث "(3).

____________

(1) تفسير الكشّاف 1 / 434.

(2) تفسير الفخر الرازي 8 / 90، تفسير البيضاوي 1 / 163.

(3) تفسير الفخر الرازي 8 / 90.


الصفحة 432
فيا عجباً قد عرف ذلك لهم النصارى وأنكره من يدّعي الإسلام، كالفضل وأمثاله! حتّى جعلوا جمعهم من العاديّات، لا لكرامتهم وفضلهم عند الله تعالى وعزّتهم على الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).

وما اكتفى الفضل بمشاركة سائر أقارب النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ونسائه لهم حتّى أضاف إليهم أصحابه، فقال: " لتشمل البَهلَة سائر أصحابهم "، وهو ضروري البطلان ; لأنّ شمولها لهم إن كان باعتبار التبعيّة، فلا حاجة إلى إحضار الأربعة الأطيبين ; لأنّ الكلّ أتباعه..

وإن كان لأجل المباشرة، فالأصحاب كبقيّة الأقارب غير مباشرين.

ولو شملت البهلة غير الأربعة لأحضر النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) من غيرهم، ولو واحداً من أفاضل الأقارب والأصحاب!

فلا بُـدّ أن يكون تخصيص الله والرسول للأربعة الطاهرين ; لعنايـة الله بهم، وبيانه لفضلهم وكرامتهم عند النبيّ، وعزّتهم عليه، واستعانته بدعائهم، كما قال سبحانه: ( ثمّ نبتـهل فنجعل لعنـة الله على الكاذبين ).. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " إذا دعوت فأمّنوا "، كما رواه الزمخشري والرازي والبيضاوي وغيرهم(1)..

إذ كلّما كثر محلُّ العناية ومَـنْـجَـعُ(2) الاستجابة، كان أدخل بالإجابة ; لأنّ الاسـتكثار منهم أظهر في إعظام الله والرغبة إليه، ولذا يُسـتحبُّ في الأدعية كثرة تعظيم الله بأسمائه المقدّسة، وشدّة إظهار الخضوع لجلاله.

____________

(1) الكشّاف 1 / 434، تفسير الفخر الرازي 8 / 90، تفسير البيضاوي 1 / 163، وانظر: دلائل النبوّة ـ لأبي نعيم ـ 2 / 355 ح 245، الدرّ المنثور 2 / 232.

(2) الـمَـنْـجَـعُ ـ والجمع: مَناجع ـ: محالّ ومواضع حصول التأثير والنفع والفائدة ; انظر مادّة " نجع " في: لسان العرب 14 / 55، تاج العروس 11 / 469 ـ 470.


الصفحة 433
وبذلك يُعلـم أفضليّـة الحسـن والحسـين، فضـلا عـن أميـر المؤمنيـن (عليه السلام) والزهراء (عليها السلام)، على جميع الصحابة وأقارب النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم).

فإنّ اسـتعانة سـيّد النبـيّـيـن بهما في الدعاء بأمر الله سـبحانه مع صغرهما، ووجود ذوي السنّ من أقاربه، وأصحابه، لأعظم دليل على امتيازهما بالشرف عند الله، وتميّزهما مع صغرهما بالمعرفة والفضل، ولذا قال: ( ثمّ نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين )، فجعل الحسـنين ممّن تشمله اللعنة لو كانا من الكاذبين، وأشركهما في تحقيق دعوة الإسلام، وتأيـيد دين الله..

فكانا شريكَي رسول الله، وأمير المؤمنين، والزهراء في ذلك، ممتازَين على الأُمّة كما امتاز عيسى وهو صبيٌّ على غيره.

فظهر دلالة الآية الكريمة على أفضلية الأربعة الأطهار، ولا سيّما أمير المؤمنين (عليه السلام) ; لأنّها جعلته نفس النبيّ، وعبّرت عنه بالأنفس بصيغة الجمع، كما عبّرت عن فاطمة بالنساء للإعلام من وجه آخر بعظمهم.

وقول الفضل: " والمراد بالأنفس ها هنا الرجال "، باطل لوجهين:

الأوّل: إنّ أمر الشخص نفسه ودعوته لها مستهجن ومخالف لِما ذكره الأُصوليّون من أنّ المتكلّم لا يشمله خطابُه، فإذا قال: يا أيّها الناس اتّقوا الله ; لا يكون من المخاطَبين، وإذا دعا الجماعة لا يكون من المدعوّيـن(1).

الثاني: ما نقله ابن حجر في (صواعقه) عند ذِكر الآية، وهي الآية التاسعة من الآيات النازلة في أهل البيت (عليهم السلام)، عن الدارقطني: " إنّ عليّـاً

____________

(1) انظر مثلا: التبصرة في أُصول الفقه: 73، إرشاد الفحول: 225 ـ 226.


الصفحة 434
يوم الشورى احتـجّ على أهلها فقال لهم: أُنشدكم بالله هل فيكم أحد أقرب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الرحم منّي، ومنْ جعَله نفسه، وأبناءه أبناءه، ونساءه نساءه، غيري؟!

قالوا: اللّهمّ لا "(1).

ونقل الواحدي وغيره، عن الشعبي، أنّه قال: ( أبناءَنا ) الحسن والحسـين، و ( نساءَنا ) فاطمـة، و ( أنفسَـنا ) عليُّ بن أبي طالب(2).

وأمّا ما ذكره الفضل من أنّ دعوى المساواة خروج عن الدين، فخروج عن سنن الحقّ المبين ; لأنّ مقصود المصنّف (رحمه الله) هو المساواة في الخصائص والكمال الذاتي، عدا خاصّة أوجبت نبـوّته وميّزته عنه، وهو مفاد ما حكاه في " كنز العمّال " في فضائل عليّ (عليه السلام)(3)، عن ابن أبي عاصم، وابن جرير، قال: وصحّحه، وعن الطبراني في " الأوسط "، وابن شاهين في " السُـنّة "، أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لعليّ: " ما سألتُ الله لي شيئاً إلاّ سألتُ لك مثله، ولا سألتُ الله شيئاً إلاّ أعطانيه، غير أنّه قيل لي: إنّه لا نبيّ بعدك "(4).

____________

(1) الصواعق المحرقة: 239.

(2) أسباب النزول: 57، وانظر: دلائل النبوّة ـ لأبي نعيم ـ 2 / 353 ـ 354 ح 244.

(3) ص 407 من الجزء السادس [13 / 113 ح 36368 و ص 151 ح 36474 و ص 170 ح 36513] . منـه (قدس سره).

(4) انظر: السُـنّة ـ لابن أبي عاصم ـ: 582 ح 1313، المعجم الأوسط 8 / 82 ح 7917، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ 5 / 151 ح 8532 و 8533، أنساب الأشراف 2 / 357، مناقب الإمام عليّ (عليه السلام) ـ لابن المغازلي ـ: 150 ح 178، مناقب الإمام عليّ (عليه السلام) ـ للخـوارزمي ـ: 110 ح 117 و ص 143 ح 164، تاريـخ دمشـق 42 / 310 ـ 311، ذخائر العقبى: 115، فرائد السـمطيـن 1 / 220 ـ 221 ح 171 و 172، مجمع الزوائد 9 / 110.


الصفحة 435
ويدلّ عليه ما روي مستفيضاً عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): " إنّ عليّـاً منّي وأنا منـه "(1).

فتـدلّ الآية الشريفة على إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) ; لأنّ مسـاواته للنبـيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في خصائصه عدا مزية النبوّة تستوجب أن يكون مثله أَوْلى بالمؤمنين من أنفسهم، وأفضل من غيره بكلّ الجهات، وأن يمتنع صيرورته رعـيّتةً ومأموراً لغيره، كالنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم).

بل يكفي في الدلالة على إمامتـه مجرّد دلالتها على أفضلـيّـته من جميع الأُمّـة(2).

____________

(1) انظر: صحيح البخاري 4 / 22 ح 9 و ج 5 / 87، سنن ابن ماجة 1 / 44 ح 119، سـنـن الـتـرمـذي 5 / 590 ـ 591 ح 3712 و ص 593 ح 3716، السـنـن الكـبـرى ـ للنسائي ـ 5 / 45 ح 8146 و 8147 و ص 126 ـ 127 ح 8453 ـ 3455 و ص 128 ح 8459 و ص 132 ـ 133 ح 8474، مسند أحمد 4 / 164 و 165 و 437 ـ 438 و ج 5 / 356، مسند الطيالسي: 111 ح 829، مصنّف عبـد الرزّاق 11 / 227 ح 20394، مصنّف ابن أبي شيبة 7 / 495 ح 8 و ص 499 ح 27 و ص 504 ح 58، السُـنّة ـ لابن أبي عاصم ـ: 550 ح 1187 و ص 584 ح 1320، مسند أبي يعلى 1 / 293 ح 355، مسند الروياني 1 / 62 ح 119، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان 9 / 41 ـ 42 ح 6890، المعجم الكبير 18 / 128 ح 265، المستدرك على الصحيـحيـن 3 / 119 ح 4579، حليـة الأوليـاء 6 / 294، مناقـب الإمـام عليّ (عليه السلام)ـ لابن المغـازلي ـ: 206 ـ 211 ح 267 ـ 276، مصابيـح السُـنّة 4 / 172 ح 4765 و 4766 و 4768.

(2) كما يمكن الاسـتدلال بآية المباهلة على إمامة أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) بضميمة تفسـير قوله تعالى: (ما كان لأهل المدينة ومَن حولهم مِن الأعراب أن يتخلّـفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسِه) سورة التوبة 9: 120..

و (نفسِه) هنا هو عليٌّ (عليه السلام)، ولو كان الضميـر يعـود إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)لقال: " ولا يرغبوا بأنفسـهم عنـه " كما هو مقـتضى البلاغـة.. وخـصوص المورد لا يخصّـصـه.

انظر: العبقات العنبرية في الطبقات الجعفرية: 339 ـ 340.


الصفحة 436
ويُسـتفاد من الرازي في تفسـير الآية تسليمُ دلالتها على أفضلـيّـته من الصحابة ; لأنّه نُقل عن الشـيخ محمود بن الحسن الحمصي(1) أنّه اسـتدلّ بجعل عليّ (عليه السلام) نفس النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) على كونه أفضل من جميع الأنبياء سوى محمّـد (صلى الله عليه وآله وسلم) ; لأنّ النبيّ أفضل منهم وعليٌّ نفسُه.

ونُقل عن الشـيعة قديماً وحديثاً الاسـتدلال بذلك على فضل عليّ على جميع الصحابة.

وما أجاب الرازي إلاّ عن الأوّل، بدعوى الإجماع على أنّ الأنبياء أفضل من غيرهم قبل ظهور الشـيخ محمـود(2).

وفيه: إنّ الإجماع إنّما هو على فضل صنف الأنبياء على غيره من الأصناف، وفضل كلّ نبيّ على جميع أُمّته، لا فضل كلّ شخص من الأنبياء على كلّ مَن عداهم حتّى لو كان من أُمم غيرهم.

فذلك نظير تفضيل صنف الرجال على صنف النساء، حيث إنّه لم ينافِ فضل بعض النساء على كثير من الرجال.

ولم يختصّ تفضيل أمير المؤمنين على مَن عدا محمّـد من الأنبياء

____________

(1) هو: تاج الدين محمود بن علي بن الحسن الحمصي الرازي، المعروف بتاج الرازي أو سديد الدين، فقيه أُصولي، ورع ثقة، متكلّم، من علماء الإمامية الأعلام، له تصانيف كثيرة منها: التعليق الكبير، التعليق الصغير، المنقذ من التقليد والمرشد إلى التوحيد، التبيين والتنقيح في التحسين والتقبيح، بداية الهداية، نقض الموجـز، وغيرها ; توفّي في أوائل المئة السابعة.

انظر: فهرسـت أسماء علماء الشيعة ومصنّفيهم: 164 رقم 389، رياض العلماء 5 / 202 ـ 203، هديّة العارفين 6 / 408، طبقات أعلام الشيعة / الثقات العيون في سادس القرون: 277، معجم المؤلّفين 3 / 820 رقم 16654.

(2) تفسير الفخر الرازي 8 / 91.


الصفحة 437
بالشيخ محمود، حتّى ينافي ما ادّعاه الرازي من الإجماع(1)..

بل قال به الشيعة قبل وجود الشيخ محمود وبعده، مستدلّين بالآية الكريمة، وغيرها من الآيات والأخبار المتضافرة، التي ليس المقام محلّ ذِكرها، وسـتعرف بعضها(2).

____________

(1) كما أجاب السيّد عليّ الحسيني الميلاني عن هذا الإجماع المدّعى، في مبحث آية المباهلة من كتابه: تشـييد المراجعات وتفنيد المكابرات 1 / 461 ـ 466 ; فراجـع!

(2) ومن المضحك الدالّ على إرادة القوم إطفاء أنوار آل محمّـد (صلى الله عليه وآله وسلم)، ما نقله السيوطي [الدرّ المنثور 2 / 233] في تفسير الآية، عن ابن عساكر [تاريخ دمشق 39 / 177] ، أنّه أخرج عن جعفر بن محمّـد، عن أبيه عليهما السلام، في هذه الآية، أنّه قال: " فجاء بأبي بكر ووُلده، وبعمر ووُلده، وبعثمان ووُلده، وبعليّ ووُلـده "!!..

إذ لو صحّ هذا لملأ القومُ به الطوامير، ولَما خفي أمره عليهم حتّى يظهره الإمام جعفر بن محمّـد عليهما السلام، ولكانت رواية عائشة له أقرب إلى فخرها من ذِكر تقبيل النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) إيّاها، ومسابقته معها، ولعبها بالبنات في بيته، وغناء الجواري لها بحضرته، ووضع خدّها على خدّه بمنظر الأجانب وهي تنظر إلى لعب الحبشة.. إلى غير ذلك من مفاخرها!!

وما أدري أيّ وُلد خلفائهم يصلح للمباهلة به؟!

أعبـد الرحمن بن أبي بكر، أم عبـيد الله بن عمر، الذي قتل نفساً بغير نفس، وحارب الله ورسوله بحرب أمير المؤمنين بصِفّين؟!

أم مَن تظاهرتا على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، والتي حاربت إمام زمانها، ولم تقـرّ في بيتها، وشـتّـتت أمر المسلمين، وقتلت الآلاف العديدة منهم؟!

أم غيرهم مِن أولادهم، كعبـد الرحمن وعاصم ابنَي عمر بن الخطّاب، اللذَين شربا الخمر، كما ذكره في العقد الفريد، في أواخر الجزء السادس [5 / 283] ، تحت عنوان: " مَن حُـدَّ مِن الأشراف في الخمر وشُـهِّـرَ بها "، وذكر معهما أخاهما عبيـد الله؟!

ويا عجباً ما اكـتفى هذا الراوي بالكذب حتّى نسـبه إلى جعفر الصادق وأبيه، اللذَين قد علم منهما الخلاف، وتضافرت الأخبار عنهما باختصاص الآية بأهل الكسـاء!!

وليت شعري ألَم يسـتحِ القوم من ذِكر هذه الرواية المضحكـة؟!!

منـه (قدس سره).

نـقول: وقد اسـتوفى السيّد عليّ الحسيني الميلاني البحث حول سند الحديث الموضوع، المشار إليه آنفاً في كلام الشيخ المظفّر (قدس سره) ـ، في كتابه: الرسائل العشر: الرسالة 7 ـ رسالة في الأحاديث المقلوبة في مناقب الصحابة / الحديث الثاني ـ حديث المباهلة / ص 13 ـ 18، وكذا في مبحث آية المباهلة من كتابه: تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات 1 / 416 ـ 420 ; فراجـع!


الصفحة 438

الصفحة 439
وكيف كان، فقد استفاضت الأخبار بنزول الآية بأهل الكساء، حتّى روى مسلم والترمذي ـ كلاهما في باب فضائل عليّ (عليه السلام) ـ عن سعد بن أبي وقّـاص، قال: " لمّا نزلت هذه الآية: ( قل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم ) دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عليّـاً وفاطمة وحسناً وحسيناً، فقال: اللّهـمّ هؤلاء أهلي "(1).

ونقله السيوطي أيضاً عن ابن المنذر، والحاكم، والبيهقي في سـننه(2).

ولا يخفى ما في قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): " هؤلاء أهلي " من اختصاص أهل النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في الأربعة الأطهار، كما يدلّ عليه أيضاً حديث الكساء، وغيـره.

ونـقـل السـيوطي أيضـاً، عـن البـيهـقـي فـي " الـدلائـل "، أنّ رسـول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كتب إلى أهل نجران.. وذكر خبراً طويلا قال في آخره:

" فلمّا أصبح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أقبل مشتملا على الحسن والحسين،

____________

(1) صحيح مسلم 7 / 120 ـ 121، سنن الترمذي 5 / 596 ح 3724.

(2) الدرّ المنثور 2 / 232 ـ 233، وانظر: المستدرك على الصحيحين 3 / 163 ح 4719، السـنن الكبرى ـ للبيهقي ـ 7 / 63.


الصفحة 440
وفاطمة تمشي خلف ظهره، للملاعنة، وله يومئذ عدّة نسوة... "(1)الحـديث.

وقد أشار بقوله: " وله عدّة نسوة " إلى أنّ أزواجه لَسْنَ من أهل المباهلة، ولا من محلّ العناية!

.. إلى غير ذلك من الأخبار المستفيضة، أو المتواترة، التي تقدّمت الإشارة إلى بعضها في كلام الرازي وغيره.


*    *    *

____________

(1) الدرّ المنثور 2 / 229 ـ 230، وانظر: دلائل النبوّة 5 / 385 ـ 388.