الصفحة 129

ويؤيّده الأخبار الكثيرة الآتية في الآية التاسعة والثلاثين، الواردة في تفسير الشاهد بقوله تعالى: (أفمن كان على بيّنة مِن ربّه ويتلوه شاهد منـه)(1) ; إذ فسّرته بعليّ(2)، فإنّها تؤيّد أن يكون الذي عنده عِلم الكتاب، المجعول شهيداً مع الله تعالى في قوله عزّ وجلّ: (كفى بالله شهيداً... ومَن عندَه عِلم الكتاب)(3)، هو أمير المؤمنين.

ويشهد لإرادة عليّ (عليه السلام) في الآية، التعبير عنه بـ (مَن عندَه عِلم الكتاب)، الدالّ على إحاطة علمه بما في الكتاب ـ أعني القرآن ـ كما هو المنصرف ; إذ لا يحيط به علماً غيرُ قرينه الذي أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)بالتمسّـك به معـه.

كما يشهد لعدم إرادة ابن سلاّم، ما في " الدرّ المنثور "، عن سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وغيرهم، أنّهم أخرجوا عن سعيد بن جبير، أنّه سُئل عن قوله تعالى: (ومَن عندَه عِلمُ الكتاب) أهو عبـد الله ابن سلاّم؟

قال: وكيف؟! وهذه السورة مكّـيّـة!!(4).

وفي " الدرّ المنثور " أيضاً: عن ابن المنذر، أنّه أخرج عن الشعبي، قال: ما نزل في عبـد الله بن سلاّم شيء من القرآن(5).

____________

(1) سورة هود 11: 17.

(2) تأتي في الصفحة 188 من هذا الجزء.

(3) سورة الرعد 13: 43.

(4) الدرّ المنثور 4 / 669، وانظر: الإتقان في علوم القرآن 1 / 36، تفسير الثعلبي 5 / 302، تفسير القرطبي 9 / 220، ينابيع المودّة 1 / 308 ح 10 وزاد فيه: " وعبـد الله بن سلاّم أسلم في المدينة بعد الهجرة ".

(5) الدرّ المنثور 4 / 669.


الصفحة 130
وأمّا ما حكاه من قول بعضهم: إنّ المراد به هو الله سبحانه(1)، فغير متّجه ; لأنّ ظاهر العطف التعدّد، مع أنّه يبعد التعبير عن الله سبحانه بـ (مَن عندَه عِلمُ الكـتاب)، ولا سيّما مع عطفه على لفظ الجـلالة، فإنّـه لا يحسـن أو لا يصحّ عطف الصفة على الموصوف.

ولا إشكال بدلالة الآية الكريمة على إمامة أمير المؤمنين ; لاقتضائها فضله الظاهر على غيره، وعصمته ; لجعل الله سبحانه شهادته كافية في ثبوت نبوّة نبيّنا (صلى الله عليه وآله وسلم)، من حيث ظهور فضله ومعرفته وفهمه وكماله وعصمته، واجتـنابه الكذب والنقائص، حتّى عدّت شهادته بِقَرْنِ(2) شهادة الله تعالى، فلا بُـدّ أن يكون هو الإمام، ولا سـيّما أنّ عنده عِلمَ الكتاب.


*    *    *

____________

(1) تقـدّم تخريجـه في الصفحة 116 هـ 3.

(2) الـقَـرْنُ: لِدَةُ الرَّجُلِ، ومِثلُه في السِّـنِّ، ويقال: هو على قَـرْني، أي على سِـنّي وعُمْري، كالقَرِين، فهما إذاً متّحدان ; انظر: تاج العروس 18 / 443 مادّة " قرن ".

والمعنى هنا على المجاز: إنّ شهادة الإمام عليّ (عليه السلام) لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هي بدرجة شهادة الله تعالى له، ومساوقة لها في الأثر.


الصفحة 131

28 ـ آيـة: (يوم لا يُخزي اللهُ النبيَّ...)

قال المصنّـف ـ نـوّر الله ضريحـه ـ(1):

الثامنة والعشرون: قوله تعالى: (يوم لا يُخزي اللهُ النبيَّ والّذين آمنـوا معـه)(2).

قال ابن عبّـاس: عليٌّ وأصحابـه(3).


*    *    *

____________

(1) نهج الحقّ: 189.

(2) سورة التحريم 66: 8.

(3) ما نزل من القرآن في عليّ ـ لأبي نعيم ـ: 262.


الصفحة 132

وقال الفضـل(1):

ظاهر الآية يدلّ على أنّها في جماعة يكونون مع النبيّ في الآخرة، وعليٌّ من جملتهم ; لأنّ عدم الخَـزَيان(2) في القيامة لا يختـصّ بالنبيّ وعليّ، بل خواصّ أصحابه داخلون في عدم الخزيان ; وإنْ سُلّم، لا يثبت النصّ المطلوب.


*    *    *

____________

(1) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ 3 / 285.

(2) الخَـزَيانُ ـ كَـهَـذَيان، وزناً ـ: الذلّ والهوان والفضيحة ; انظر: تاج العروس 19 / 372 مادّة " خزي ".


الصفحة 133

وأقـول:

قال المصنّف في " منهاج الكرامة ": روى أبو نعيم مرفوعاً إلى ابن عبّـاس، قال: أوّل من يكسى من حُلل الجنّة إبراهيم بخلّته، ومحمّـد ; لأنّه صفـوة الله، ثمّ عليٌّ، يُزفُّ بينهما إلى الجِنان.

ثمّ قرأ ابن عبّـاس: (يوم لا يُخزي الله النبيّ والّذين آمنوا معه)، قال: عليٌّ وأصحـابه(1).

وحكاه في " كشف الغمّة " عن ابن مردويه عن ابن عبّـاس، وحكى أيضاً عن العـزّ الحنبلي نزول الآية بعليّ وأصحابـه(2).

فالمراد بـ (الّذين آمنوا) فيها: عليٌّ وأصحابه ; والمراد بأصحابه: أتباعُـه ـ كما هو المنصرف ـ ; ولذا ذُكر باسمه الشريف، وهم بالصحبة، فـلا يدخل فيهم الخلفاء الثلاثة ; لأنّهم ـ على ما يزعم القوم ـ أئمّةٌ لعليّ، ومتبوعون له، فلا تشملهم الآية!

فيتعـيّن عليٌّ للفضل والإمامة ; إذ لا أقلّ من دلالة الرواية على أنّه رأس المؤمنين ورئيسـهم.

وأمّا قوله: " ظاهر الآية يدلّ على أنّها في جماعة... " إلى آخره..

فصحيحٌ ; وهو صريح الرواية، فتشمل الآية النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وعليّـاً (عليه السلام)وأصحابَـه ; وهم شـيعته من خواصّ الصحابة وغيرهم.

____________

(1) منهاج الكرامة: 140، وانظر: مناقب الإمام عليّ (عليه السلام) ـ للخوارزمي ـ: 309 ح 305، الصراط المستقيم 1 / 295 عن أبي نعيم.

(2) كشف الغمّة 1 / 314 و 316.


الصفحة 134
ولا ينافي صحّة رواية أبي نعيم تصريحُها بزفاف عليّ بين الرسولين الكريمين، فإنّه لا يقتضي فضله على نبيّنا (صلى الله عليه وآله وسلم)، بل هو لخصوصية، كتقديم إبراهيم والنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) معاً بالكسوة، لخصوصية الخلّة، لا للمساواة بينهما.

ويُعرفُ ذلك مِن جَعْلِ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في الحديث صفوة الله، فإنّه ينفي احتمال مساواته لإبراهيم، وفضل عليّ (عليه السلام) على النبيّ(1).


*    *    *

____________

(1) ويؤيّـد هـذا ما روي عن أنس، قـال: كـان النبـيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا أراد أن يشـهر عليّـاً في موطـن أو مشـهد عـلا عـلى راحلتـه وأمـر الناس أن ينخفضوا دونه ; وإنّ رسـول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) شهر عليّـاً يوم خيبر فقال:

" أيّها الناس! من أحبّ أن ينظر إلى آدم في خلقه، وأنا في خُلُقي، وإلى إبراهيم في خُلّته، وإلى موسى في مناجاته، وإلى يحيى في زهده، وإلى عيسى في سُـنّته، فلينظر إلى عليّ بن أبي طالب... " الحديث.

انظر: تاريخ دمشق 42 / 288 و 313، مناقب الإمام عليّ (عليه السلام) ـ للخوارزمي ـ: 83 ح 70، فرائد السمطين 1 / 170 ح 131، ينابيع المودّة 1 / 363 ح 1 و ج 2 / 183 ح 527 و 528 و ص 306 ح 874.


الصفحة 135

29 ـ آيـة: (أُولـئـكَ هُم خَيرُ البَـرِيّـة)

قال المصنّـف ـ أعلى الله درجتـه ـ(1):

التاسعة والعشرون: قوله تعالى: (إنّ الّذين آمنوا وعملوا الصالحات أُولئك هم خير البريّـة)(2).

روى الجمهور، عن ابن عبّـاس، قال: لمّا نزلت هذه الآية قال رسـول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " هم أنت يا عليّ وشيعتك، تأتي أنت وشيعتك راضين مرضيّـين، ويأتي أعداؤك غِضاباً مُـقْـمَحِـين(3) "(4).


*    *    *

____________

(1) نهج الحقّ: 189.

(2) سورة البيّـنة 98: 7.

(3) الـمُـقْـمَـحُ: الذليل الذي لا يرفع بصره، وكذا: الرافعُ رأسَه لا يكاد يضعه مع غضّ البصر ; فهو من الأضداد ; انظر: لسان العرب 11 / 297 ـ 298 مادّة " قمح ".

والمعنى هنا: أذلاّء خاشعين خاضعين.

(4) انظر: تفسير الطبري 12 / 657 ح 37731، المعجم الأوسط 4 / 364 ح 3934، تفسير الحبري: 328 ح 71، ما نزل من القرآن في عليّ ـ لأبي نعيم ـ: 274، شـواهـد الـتـنـزيـل 2 / 356 ـ 366 ح 1125 ـ 1148، مـنــاقـب الإمـام عليّ (عليه السلام)ـ للخوارزمي ـ: 265 ـ 266 ح 247، تاريخ دمشق 42 / 371، النهاية في غريب الحديث والأثر 4 / 106، كفاية الطالب: 246، مجمع الزوائد 9 / 131، جواهر العقدين: 295 ـ 296.


الصفحة 136

وقال الفضـل(1):

هـذا غيـر مذكـور في التفاسـير(2)، بل الظاهر العمـوم ; وإنْ سُـلّم فـلا نـصّ.


*    *    *

____________

(1) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ 3 / 293.

(2) بل ذُكر في التفاسـير وغيرها كما تقدّم في الصفحة السابقة هـ 4، وانظر كذلك: فتح القدير 5 / 477، روح المعاني 16 / 370 ; وسـيأتي مزيد تفصيل في ردّ الشيخ المظـفّر (قدس سره).


الصفحة 137

وأقـول:

نقل السيوطي في " الدرّ المنثور " نحو الحديث المذكور، عن ابن عديّ، عن ابن عبّـاس(1).

ونقل مثله أيضاً ابن حجر في " الصواعق "، في الآية الحادية عشرة، وهي الآية المذكورة عن الحافظ جمال الدين الزرندي، عن ابن عبّـاس أيضـاً(2).

كما نقله المصنّف (رحمه الله) في " منهاج الكرامة "، عن أبي نعيم، عن ابن عبّـاس(3).

ونقل السيوطي أيضاً، عن ابن مردويه، أنّه أخرج عن عليّ (عليه السلام)، قال: " قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ألم تسمع قول الله تعالى: (إنّ الّذين آمنوا وعملوا الصالحات أُولئك هم خير البريّة)، أنت وشيعتك موعدي وموعدكم الحوض، إذا جثت الأُمم للحساب تُدعَون غُرّاً محجّلين "(4).

ونقل السيوطي أيضاً، عن ابن عساكر، أنّه أخرج عن جابر بن عبـد الله، قال: " كنّا عند النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فأقبل عليّ (عليه السلام)، فقال النبيّ: " والذي نفسي بيده! إنّ هذا وشـيعته لهم الفائزون يوم القيامة "، ونزلت: (إنّ

____________

(1) الدرّ المنثور 8 / 589.

(2) الصواعق المحرقة: 246 ـ 247، نظم درر السمطين: 92.

(3) منهاج الكرامة: 141، وانظر: ما نزل من القرآن في عليّ: 274.

(4) الدرّ المنثور 8 / 589.


الصفحة 138
الّذين آمنوا وعملوا الصالحات أُولئك هم خير البريّة)، فكان أصحاب النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا أقبل عليّ (عليه السلام) قالوا: جاء خير البريّة "(1).

ونقل أيضاً، عن ابن عديّ، وابن عساكر، عن أبي سعيد مرفوعاً: " عليّ خير البريّـة "(2).

.. إلى غير ذلك من الأخبار المعتبرة، ولو لاعتضاد بعضها ببعض، مع موافقتها لأخبارنا الدالّة على نزول الآية بعليّ وشـيعته خاصّة(3).

فقول الفضل: " بل الظاهرُ العموم ".. لا وجه له، ولا سيّما أنّ غير عليّ وشيعته هم مخالفوه وأعداؤه، وهم شرّ البريّة ; لِما استفاض من أنّ مَن عاداه عادى الله ورسوله.

ومن الغريب دعوى ابن حجر: " أنّ السُـنّة شـيعته "(4)! فإنّها ـ مع مخالفتـها لِما يُتبادر من لفظ الشيعة ـ مكابرةٌ ; لِما أكـنّـته ضمائرهم من الميل عنـه.

وكيف يكونون من شـيعته، وهم لا يَـرْوُون نصّـاً في إمامته ولا منقبة توجب أفضليّته، إلاّ واحتالوا لردّها بكلّ حيلة وتشكيك، وإنْ خالفوا العدل والإنصاف؟!

____________

(1) الدرّ المنثور 8 / 589، وانظر: جزء ابن الغطريف: 82 ح 35، تاريخ دمشق 42 / 371، كفاية الطالب: 244 ـ 245.

(2) الدرّ المنثور 8 / 589، وانظر: الكامل في ضعفاء الرجال 1 / 170 ذيل رقم 6، تاريخ دمشق 42 / 371، مناقب الإمام عليّ (عليه السلام) ـ للخوارزمي ـ: 111 ح 119، تذكـرة الخواصّ: 27، فرائد السمطين 1 / 154 ـ 155 ح 117.

(3) انظر مثلا: مناقب آل أبي طالب 3 / 84، المحاسـن ـ للبرقي ـ 1 / 275 ح 537، الأمالي ـ للطوسي ـ: 251 ح 448.

(4) الصواعق المحرقة: 236.


الصفحة 139
واسـتـشهد لدعوى أنّهم شـيعته بأخبارهم، وهو كما ترى!

على أنّه لا ريب أنّ المراد بشـيعة عليّ (عليه السلام): أتباعُـه..

فإنْ كان الخلفاء الثلاثة أتباعه، تمّ مطلوبنا.

وإنْ لم يكونوا أتباعه، بل أئمّته ـ كما يزعم القوم ـ، فلا يكونون شـيعته، ومن خير البريّة!

فلا يعقل أن يكونوا أئـمّـته!

فالآيـة الشريفة تدلّ على إمامته أحسـن دلالـة!

هـذا، وقد أعرب ابن تيميّة هنا عمّا في ضميره، وسوّد وجه صحيفتين(1)، يُغني في ردّ ما قد يحتاج منهما إلى الردّ ما ذكرناه، ويكفي في فساد الباقي مجـرّد النظر فيه!


*    *    *

____________

(1) انظر: منهاج السُـنّة 7 / 259 ـ 263.


الصفحة 140

30 ـ آيـة: (هو الذي خَلقَ من الماء بَشَراً)

قال المصنّـف ـ أجزل الله ثوابـه ـ(1):

الثلاثون: قوله تعالى: (هو الذي خَلقَ من الماءِ بشَرَاً فجَعلهُ نَسَباً وصِـهراً)(2).

قال ابن سيرين: نزلت في النبيّ وعليّ ; زَوّجَ فاطمـةَ عليّـاً(3).


*    *    *

____________

(1) نهج الحقّ: 190.

(2) الفرقان 25: 54.

(3) تفسير الثعلبي 7 / 142، شواهد التنزيل 1 / 414 ـ 415 ح 573 و 574، تفسير القرطبي 13 / 41، فرائد السمطين 1 / 370 ح 301، تفسير البحر المحيط 6 / 507، نور الأبصار: 124.


الصفحة 141

وقال الفضـل(1):

ليس هذا من تفاسير أهل السُـنّة ; وإنْ صحّ دلّ على فضيلته، وهي مسلّمة، ولا تثبت النصّ.


*    *    *

____________

(1) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ 3 / 296.


الصفحة 142

وأقـول:

نقله المصنّف (رحمه الله) في " منهاج الكرامة " عن الثعلبي(1).

ونقله غيره عن ابن مردويه(2).

وقال في " ينابيع المودّة ": أبو نعيم الحافظ، وابن المغازلي، أخرجا بسنديهما عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّـاس، قال: " نزلت هذه الآية في الخمسة أهل العبـا ".

ثمّ قال ـ أي ابن عبّـاس ـ: " المراد من الماء: نور النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي كان قبل خلق الخلق، ثمّ أودعه في صلب آدم، ثمّ نقله من صلب إلى صلب إلى أن وصل إلى صلب عبـد المطّلب، فصار جزءين: جزء إلى صلب عبـد الله، فولد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، وجزء إلى صلب أبي طالب، فولد عليّـاً، ثمّ ألّف(3) النكاح، فزوّج عليّـاً بفاطمة، فولد حسـناً وحُسـيناً ".

أيضاً: الثعلبي، وموفق بن أحمد الخوارزمي، عن أبي صالح، عن ابن عبّـاس.

أيضاً: ابن مسعود، وجابر، والبراء، وأنس، وأُمّ سلمة، قالوا: " نزلت في الخمسة أهل العبـا ".

انتهى ما في " الينابيـع "(4).

____________

(1) منهاج الكرامة: 142.

(2) انظر: كشف الغمّة 1 / 322.

(3) أَلّفتُ الشيء تأليفاً: إذا وصلتُ بعضه ببعض ; انظر: لسان العرب 1 / 180 مادّة " ألف ".

(4) ينابيع المودّة 1 / 355 ـ 356 ح 8 و 9.


الصفحة 143
ويؤيّد هذه الأخبار ما سيأتي في أوّل الأخبار من السُـنّة، من أنّ نور محمّـد وعليّ خُلِقَ قبل خَلْقِ آدم، ثمّ أُودع في صلبه.

وعلى ذلك: فحاصل معنى الآية الكريمة، أنّه سبحانه خلق بشراً من الماء، أي ما صار ماءً، وكان نوراً مودَعاً في صلب آدم، فجعل البشر نسباً، وهو: محمّـد ; لأنّه نسب لفاطمة والحسـنين، وجعله صهراً، وهو: عليّ.

وحينئذ، فدلالة الآية الشريفة على إمامة أمير المؤمنين ظاهرة ; لأنّ اتّحاد نورهما الذي سبق آدم دليلٌ على امتياز عليّ بالفضل حتّى على الأنبياء، ومن كان كذلك يتعيّن للإمامة، لا سيّما وفي بعض أخبار النور الآتية أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: " فأخرَجني نبيّـاً، وأخرج عليّـاً وصيّـاً "(1).

وفي بعضـها: " فـفيَّ النبـوّة، وفي عليّ الإمامـة "(2).

ولو سُلّم أنّ المرادَ بالماء في الآية غيرُ النور، فلا ريب أنّ جَعْلَ الآية الشريفة محمّـداً وعليّـاً خاصّة بشراً واحداً، بأيّ جهة من جهات الوحدة، منقسماً في الخارج إلى نسـب وصهر، دليـلُ على فضل عليّ، وأنّه نفس النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ونظيره، فيكون أفضل الخلق وأحقّهم بالإمامـة(3).


*    *    *

____________

(1) مناقب الإمام عليّ (عليه السلام) ـ لابن المغازلي ـ: 121 ـ 122 ذ ح 132.

(2) مناقب الإمام عليّ (عليه السلام) ـ لابن المغازلي ـ: ذ ح 130 وفيه: " الخلافة " بدل " الإمامة " ; وانظر: ينابيع المودّة 1 / 47 ذ ح 8.

(3) انظر: فرائد السمطين 1 / 41 ح 5.


الصفحة 144

31 ـ آيـة: (وكونوا مع الصادقين)

قال المصنّـف ـ أعلى الله درجته ـ(1):

الحادية والثلاثون: قوله تعالى: (وكونُوا مع الصّادقين)(2).

روى الجمهور، أنّها نزلت في عليّ(3)..

وكذا قوله تعالى: (واركعوا مع الراكعين)(4)، أنّها نزلت في رسـول الله وعليّ(5).


*    *    *

____________

(1) نهج الحقّ: 190.

(2) سورة التوبة 9: 119.

(3) تفسير الحبري: 275 ح 35، تفسير الثعلبي 5 / 108 ـ 109، ما نزل من القرآن في عليّ ـ لأبي نعيم ـ: 102، شواهد التنزيل 1 / 259 ـ 260 ح 351، مناقب الإمام عليّ (عليه السلام) ـ للخوارزمي ـ: 280 ح 273، تاريخ دمشق 42 / 361، كفاية الطالب: 236، فرائد السمطين 1 / 369 ـ 370 ح 299، فتح القدير 2 / 414، روح المعاني 7 / 65.

(4) سورة البقرة 2: 43.

(5) تفسير الحبري: 237 ح 5، ما نزل من القرآن في عليّ: 40، شواهد التنزيل 1 / 85 ح 124، مناقب الإمام عليّ (عليه السلام) ـ للخوارزمي ـ: 280 ح 274، تذكرة الخواصّ: 23.


الصفحة 145

وقال الفضـل(1):

نزلت(2) قوله تعالى: (وكونوا مع الصادقيـن) في الثلاثة الّذين تخلّفوا في غزوة تبوك(3)، وأنّهم صدقوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأنجاهم الله، وكذب المنافقون فهلكوا، فأنزل الله تعالى: (كونوا مع الصادقين)، وخاطب المؤمنين حتّى لا يهلكوا بالكذب كالمنافقين ; وإنْ صحّ دلّ على الفضيلة لا على النصّ، كسائر أخواته.


*    *    *

____________

(1) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ 3 / 300.

(2) كذا في الأصل ; وهو غير غريب من الفضل!

(3) الدرّ المنثور 4 / 316، فتح القدير 2 / 414.


الصفحة 146

وأقـول:

حكى المصنّف (رحمه الله) في " منهاج الكرامة " ما ذكره هنا في شأن نزول الآيتين، عن أبي نعيم، عن ابن عبّـاس(1).

ونقل السيوطي في " الدرّ المنثور " عن ابن مردويه، أنّه أخرج عن ابن عبّـاس، في قوله تعالى: (وكونوا مع الصادقين)، قال: مع عليّ بن أبي طالب(2).

ونقل مثله عن ابن عساكر، بسـنده إلى أبي جعفـر الباقـر (عليه السلام)(3).

والمراد بالكون معه ; ليس هو الحضور الخارجي بالضرورة ; بل المراد اتّباعه في كلّ ما يراد به الاتّباع والعمل شرعاً ; لاقتضاء الإطلاق له، لا سـيّما مع عطفه على الأمر بالتقوى، قال تعالى: (يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا الله وكونوا مع الصادقين).

فتدلّ الآية على عصمة أمير المؤمنين (عليه السلام) ; لوصفها له بالصدق ـ أي في الأعمال والأقوال ـ كما يقتضيه الإطلاق، ولقبح الأمر باتّباع من لا تؤمن عليه مخالفة أحكام الله عمداً أو خطأً، وللزوم اجتماع الضدّين: وجوب الاتّباع(4) وحرمته لو فعل المعصية(5).

____________

(1) منهاج الكرامة: 142، وانظر: ما نزل من القرآن في عليّ: 102.

(2) الدرّ المنثور 4 / 316.

(3) الدرّ المنثور 4 / 316، وانظر: تاريخ دمشق 42 / 361.

(4) لِما تقـدّم من أنّ معنى الكون معه: اتّبـاعه.

(5) أي: لا بُـدّ من أن يكون معصوماً لئـلاّ يلزم اجتماع الضـدّين.


الصفحة 147
فإذا أفادت الآية عصمة أمير المؤمنين (عليه السلام)، ثبتت إمامته ; لأنّ العصمة شرط الإمامة ـ كما سـبق(1) ـ، ولا عصمة لغيره من الصحابة بالإجماع، مع أنّ الأمر باتّباع الأُمّـة لشخص على الإطلاق، ظاهر في إمامته لهم.

وممّا ذكرنا يُعلم بطلان حمل (الصادقين) على مطلق المهاجرين والأنصار، أو خصوص الثلاثة الّذين تخلّفوا في غزوة تبوك، كما ذهب إلى كلّ منهما بعض المفسّرين(2) ; وذلك لعدم عصمة هؤلاء.

هـذا، والظاهر أنّ المخاطب بالاتّباع في قوله تعالى: (يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا الله وكونوا مع الصّادقين)(3)، هو جميع المؤمنين بكلّ زمان، لا خصوص الصحابة ; فيدلّ على وجود معصوم واجب الاتّباع بكلّ وقت، فكان هو محمّـداً (صلى الله عليه وآله وسلم) في وقته، وعليّـاً في وقته، والأئمّة الطاهرين من آلهما بعدهما، كما يقتضيه ـ أيضاً ـ كونُ (الصادقين) صيغةَ جمع.

وإنّما خصّت الروايات السابقة عليّـاً (عليه السلام) ; للفراغ عن وجوب اتّباع النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولأنّ عليّـاً (عليه السلام) أوّل الأئمّة وأصلهم، فوجوب اتّباعهم فرع وجوب اتّباعـه.

ويشهد لذلك ما في " ينابيع المودّة "، عن موفّق بن أحمد بسنده، عن ابن عبّـاس، قال: " الصادقون [ في هذه الآية ]: محمّـد وأهل بيتـه "(4).

وفيها نحوه، عن أبي نعيم، عن الصـادق (عليه السلام)(5).

____________

(1) راجع ج 4 / 183 من هذا الكتاب.

(2) انظر: تفسير الطبري 6 / 503 ـ 504 ح 17447 ـ 17456، تفسير القرطبي 8 / 179، الدرّ المنثور 4 / 310 و 316.

(3) سورة التوبة 9: 119.

(4) ينابيع المودّة 1 / 358 ح 15.

(5) ينابيع المودّة 1 / 358 ذ ح 15.


الصفحة 148
وفيها، عن أبي نعيم وصاحب " المناقب "، عن الباقر والرضا عليهما السلام، قالا: " الصادقون هم الأئمّة من أهل البيت (عليهم السلام) "(1).

وقد تنبّه الرازي لدلالة الآية الكريمة على وجود المعصوم بكلّ وقت، إلاّ أنّه زعم أنّ المعصوم هو مجموع الأُمّة(2) ـ أي مجموع علمائها وأهل الحلّ والعقد ـ، فتدلّ الآية على حجّـيّة الإجماع.

وفـيـه ـ مع عدم تيسّر تحصيل الإجماع في كلّ وقت، أو امتـناعه فـلا يوجد حتّى يأمر باتّباعه ـ:

إنّ المجموع بما هو مجموع لا يوصف بالصادق ; ولو سُلّم، فالمجموع من حيث هو مجموع ليس ممّن يعقل، فلا يُجمع وصفه جمع المذكّر السالم ; ولو سُـلّم جوازه ـ ولو مسـامحة، بلحاظ أنّ أجزاء المجموع، وهي الأفراد، ممّن يعقل ـ فلا ريب أنّ إرادة المجموعات خلاف الظاهر ; فإنّ المنصرف من (الصادقيـن) هو الأفراد لا المجموعات، فتدلّ الآية على وجوب الكون مع الأفراد الصادقين المعصومين واتّباعهم في كلّ وقت، وهو المطلوب.

ونحن متّبعون لإمام زماننا، بالإقرار بإمامته، والأخذ بأحكامه، وإنْ لم نجتمع معه ونسـعد بطلعته.

وقد أشكل الرازي على إرادة أئمّتنا من (الصادقين) بقوله: " إنّه تعالى أوجب على كلّ واحد من المؤمنين أن يكون مع الصادقين، وإنّما يمكنه ذلك لو كان عالماً بأنّ ذلك الصادق من هو، لا الجاهل بأنّه من هو، فلو كان مأموراً بالكون معه كان ذلك تكليف ما لا يطاق، وأنّه لا يجوز ;

____________

(1) ينابيع المودّة 1 / 358 ح 16.

(2) انظر: تفسير الفخر الرازي 16 / 227.


الصفحة 149
لأنّـا(1) لا نعلم إنساناً معيّناً موصوفاً بوصف العصمة "(2).

وفـيـه: إنّه يمكن معرفته، فيجب البحث عنه مقدّمةً لاتّباعه، وقد أوضح الله سبحانه السبيل إلى معرفته بقيام الأدلّة الكثيرة الواضحة، ولم يجهلها إلاّ معاند، كما عرفت(3) ويأتي.

ثمّ إنّ ابن تيميّة قد سرد هنا من الخرافات والأغاليط ما يقبح بكلّ أحد نقله والتعرّض لردّه، ولا أدري كيف يفوه بها وهو قد صوّر نفسه بصورة الفضلاء، وقرن نفسه بالعلماء(4)؟!

واعلم أنّ الفضل لم يتعرّض للجواب عن قوله تعالى: (واركعوا مع الراكعين)(5)، ولا يبعد أنّه اكتفى عنه بما ذكره في أخواته من أنّه إنْ صحّ لا يدلّ على النصّ..

وفـيـه: إنّ الآية لمّا ساوت بين النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وعليّ في الأمر باتّباعهما، فقد دلّت على أنّ عليّـاً بمنزلة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في وجوب اتّباعه، فيكون أفضل من غيره، ويكون هو الإمام.

على أنّ الآية لمّا عبّرت عن وجوب اتّباعهما بإيجاب الركوع مع الراكعين، فقد دلّت على أنّهما أسبق من غيرهما في العبادة لله تعالى، كما تقتضيه التبعيّة، وصرّحت به الرواية..

فإنّها ـ كما ذكرها المصنّف (رحمه الله) في " منهاج الكرامة " ـ هكذا من طريق أبي نعيم، عن ابن عبّـاس: " أنّها نزلت في رسول الله وعليّ خاصّة، وهما

____________

(1) في المصدر: لكـنّا.

(2) تفسير الفخر الرازي 16 / 227.

(3) راجع الجزء الرابع / مبحث الإمامة.

(4) انظر: منهاج السُـنّة 7 / 266 ـ 273.

(5) سورة البقرة 2: 43.


الصفحة 150
أوّل من صلّى وركـع "(1).

ومن المعلوم أنّ السـبق إلى العبادة والطاعة فرع الفضل، والفضل يسـتدعي الإمامـة.


*    *    *

____________

(1) منهاج الكرامة: 143.


الصفحة 151

32 ـ آيـة: (إخواناً على سُرُر متقابلِـين)

قال المصنّـف ـ قُـدّس سـرّه ـ(1):

الثانية والثلاثون: قوله تعالى: (إخواناً على سُرُر متقابلين)(2).

في مسند أحمد بن حنبل، أنّها نزلت في عليّ(3).


*    *    *

____________

(1) نهج الحقّ: 191.

(2) سورة الحجر 15: 47.

(3) رواه عن أحمد في مسنده صاحب ينابيع المودّة 1 / 354 ح 3، وانظر: فضائل الصحابة ـ لأحمد ـ 2 / 739 ـ 740 ح 1018، المعجم الأوسط 7 / 393 ح 7675، شواهد التنزيل 1 / 200 ـ 201 ح 259 ـ 260 و ص 317 ح 436 و ص 321 ح 444، مقتل الحسين ـ للخوارزمي ـ 1 / 111 ح 47، فتح القدير 3 / 136.


الصفحة 152

وقال الفضـل(1):

صحّ الرواية عندنا أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد وقعة الجمل كان يقول:

وأنا أرجو أن أكون أنا وطلحة والزبير كما يقول الله تعالى: (ونزعنا ما في صدورهم من غلّ إخواناً على سُرر متقابلين)(2)(3).

هكذا صـحّ، وإنْ صـحّ ما رواه فهو من الفضائل المسلّمة، ولا دليل به على النصّ.


*    *    *

____________

(1) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ 3 / 252.

(2) سورة الحجر 15: 47.

(3) فضائل الصحابة 2 / 933 ـ 935 ح 1298 ـ 1300.