الصفحة 176

وأمّا ما احتجّ به الفضل لإرادتهما، بأنّهما كانا يناصحانهما، فغير نافع ; لأنّ الله سبحانه أراد بالآية تهديد المرأتين، فأيّ دخل للمناصحة بـه؟!

كما أنّ حمله لنصرة جبرئيل على مجرّد الإخبار، باطل ; فإنّ المراد بها ما فوق الإخبار ; لقوله تعالى: (والملائكة بعد ذلك ظهير)(1)!

فيا لله ما أشدَّ إيذائهما لسيّد النبيّين (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأعظمَ مكرهما، حتّى يحتاج ردعهما إلى التهديد بنصرة الله تعالى، وجبرئيل، وأمير المؤمنين، الذي لا تأخذه في نصرة رسول الله لومة لائم!! فلو اتّـكلتا على حلمهم فكلّ الملائكة بعد ذلك ظهيـر!

والإنسان لا يأمن عقوبة هذا الجمّ الغفير!

وما أكبرَ خيانتهما لنبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم) حتّى ضرب لهما مثلا بامرأتي نوح ولـوط(2)!!

فتدبّـر واعجـب!!


*    *    *

____________

(1) سورة التحريم 66: 4.

(2) في قوله تعالى: (ضربَ اللهُ مثلا للّذين كفرُوا امرأةَ نُوح وامرأةَ لُوط كانَتَا تحتَ عبدَينِ مِن عِبادِنا صالِحَينِ فَخَانَتَاهما فَلَم يُغنِـيا عنهُما مِن اللهِ شيئاً وقيلَ ادخُلا النارَ معَ الدّاخلينَ)سورة التحريم 66: 10.


الصفحة 177

35 ـ آيـة: (اليوم أكملتُ لكم دينَـكم)

قال المصنّـف ـ رفع الله درجتـه ـ(1):

الخامسة والثلاثون: قوله تعالى: (اليوم أكملتُ لكم دينكم وأتممتُ عليكم نعمتي)(2).. الآية.

روى الجمهور، عن أبي سعيد الخدري، أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) دعا الناس إلى عليّ (عليه السلام) في يوم غدير خُمّ، وأمر بما تحت الشجرة من الشوك فَقُمَّ(3)، فدعا عليّـاً فأخذ بضَبْعَيه(4)، فرفعهما حتّى نظر الناس إلى بياض إبطي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعليّ (عليه السلام)، ثمّ لم يتفرّقوا حتّى نزلت هذه الآية: (اليوم أكملتُ لكم دينَـكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينـاً).

فقال رسول الله: " الله أكبر على إكمال الدين، وإتمام النعمة، ورضى الربّ برسالتي، والولاية لعليِّ بن أبي طالب من بعدي ".

____________

(1) نهج الحقّ: 192.

(2) سورة المائدة 5: 3.

(3) قَـمَّ الشيء قَمّاً: كنسه ; انظر: الصحاح 5 / 2015، لسان العرب 11 / 308 مادّة " قمم ".

(4) الـضَّـبْـعُ ـ والجمع أَضْباع ـ: وَسَطُ العَضُد بلحمه، يكون للإنسان وغيره، وقيل: العضد كلها، وقيل: ما بين الإبط إلى نصف العضد من أعلاه ; انظر: لسان العرب 8 / 16 مادّة " ضبع ".


الصفحة 178
ثمّ قال: " من كنت مولاه فعليٌّ مولاه، اللّهمّ والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله "(1).


*    *    *

____________

(1) انظر: ما نزل من القرآن في عليّ ـ لأبي نعيم ـ: 56، تاريخ بغداد 8 / 290 رقم 4392، مناقب الإمام عليّ (عليه السلام) ـ لابن المغازلي ـ: 69 ح 24، شواهد التنزيل 1 / 157 ـ 158 ح 211 ـ 212، تاريخ دمشق 42 / 233 و 234 و 237، مناقب الإمام عليّ (عليه السلام) ـ للخوارزمي ـ: 135 ح 152، تذكرة الخواصّ: 36، فرائد السمطين 1 / 74 ح 40.


الصفحة 179

وقال الفضـل(1):

في صحيح البخاري ومسلم: إنّ هذه الآية نزلت في حجّة الوداع، ليلة عرفة، حين قام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الموقف(2) ; ولا خلاف في هذا، والذي ذكره من مفتريات الشـيعة.

وإنْ صحّ، فقد ذكرنا قبل هذا أنّ وصيّة غدير خُمّ لم تكن نصّاً، بل توصيةً لأهله وأقاربه، وتعريف عليّ بين العرب، وليتّخذوه سيّد بني هاشـم(3).


*    *    *

____________

(1) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ 3 / 327.

(2) صحيح البخاري 6 / 99 ـ 100 ح 128، صحيح مسلم 8 / 238 كتاب التفسير، كلاهما عن عمر.

(3) راجع ج 4 / 315 ـ 316 من هذا الكتاب.


الصفحة 180

وأقـول:

حكاه المصنّف (رحمه الله) في " منهاج الكرامة "، عن أبي نعيم(1).

وقال السيوطي في " الدرّ المنثور ": " أخرج ابن مردويه، وابن عساكر، عن أبي سعيد الخدري، قال: لمّا نصب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عليّـاً يوم الغدير فنادى له بالولاية، هبط جبرئيل بهذه الآية: (اليوم أكملتُ لكم دينَـكم)(2).

وقال أيضاً: " أخرج ابن مردويه، والخطيب، وابن عساكر، عن أبي هريرة، قال: لمّا كان يوم غدير خُمّ، وهو يوم ثماني عشرَ ذي الحجّة، قال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه، فأنزل الله: (اليوم أكملت لكم دينَـكم)(3).

ونقل السيّد السعيد (رحمه الله) مثل ذلك عن ابن جرير الطبري، وابن عقدة، في ما جمعاه من طرق حديث الغدير(4).

وعن الثعلبي، وابن المغازلي، والحافظ محمّـد الجزري الشافعي في رسالته المسمّاة بـ " أسنى المطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب "(5).

فظهر أنّ الذي ذكره المصنّف (رحمه الله) من روايات القوم، وهي كثيرة

____________

(1) منهاج الكرامة: 118 ـ 119، وانظر: ما نزل من القرآن في عليّ: 56.

(2) الدرّ المنثور 3 / 19، تاريخ دمشق 42 / 237.

(3) الدرّ المنثور 3 / 19، تاريخ دمشق 42 / 233 ـ 234، تاريخ بغداد 8 / 290 رقم 4392.

(4 و 5) إحقاق الحقّ 3 / 328، وانظر: منـاقب الإمام عليّ (عليه السلام) ـ لابن المغازلي ـ: 69 ح 24.


الصفحة 181
متعاضـدة، فهي حجّة عليهم.

وأمّا ما نقله الفضل عن الصحيحين، فهو من رواية عمر، الذي هو أساس نقض عهد الغدير، فكيف تُعتبر روايته؟!

على أنّ رواية الفضل لا تقوم حجّةً على خصمه، فكيف يحتجّ علينا بهذه الرواية، التي نعتقد أنّها من موضوعات عمر أو أوليائه؟!

ثمّ إنّ قوله تعالى: (وأتممت عليكم نعمتي)(1)، أدلُّ دليل على نصب إمام ; حيث إنّه أعظم النعم على الأُمّة، وبدونه لن تتمّ النعمة.

وكذا إكمال الدين ; فإنّه إنّما يحصل بنصب الإمام، بناءً على أنّ الإمامة من أُصول الدين، كما نقوله، وسـبق دليله(2).

وبالضـرورة والإجمـاع إنْ كان ثمّـة إمام منصـوب، فهو أمير المؤمنيـن (عليه السلام).

وأمّا قوله: " فقد ذكرنا قبل هذا... " إلى آخره، فقد عرفت ما فيـه(3).

ومن المضحك قوله: " وتعريف عليّ بين العرب "، فإنّ عليّـاً (عليه السلام)أغنى الناس عن التعريف، شخصاً وشأناً، فإن كان هناك تعريف فليس هو إلاّ بالإمامـة.

ولا أعرف وجهاً للتخصيص بـبني هاشـم في قولـه: " وليتّـخذوه سـيّد بني هاشـم "، إلاّ دفـع سـيادة أميـر المؤمنيـن لخلفائهم، خلافاً لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ يقول: " من كنت مولاه فعليٌّ مولاه ".

____________

(1) سورة المائدة 5: 3.

(2) انظر: ج 4 / 211 وما بعدها من هذا الكتاب.

(3) انظر: ج 4 / 317 وما بعدها من هذا الكتاب.


الصفحة 182
فإنّ " المولى " هو: السيّد الأَوْلى بالتصرّف بالمولّى عليه من نفسه، كما يشهد له فهم الفضل لسيادته من الحديث، وإن خصّها ببني هاشم.

والعجب منه حيث لم يقرَّ بما أقرّ به إمامه عمر ; إذ قال لعليّ (عليه السلام): " بخ بخ! أصبحتَ مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة "(1).

وفي رواية قال له الشيخان ذلك، كما سـبق(2).

ثمّ لا أدري أيُّ عاقل يتصوّر أن تكون غاية النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في ما فعله بغدير خمّ مجرّد جعلِ عليّ (عليه السلام) سـيّداً لبني هاشم؟!

وما الفائدة في اتّخاذ العرب له سـيّداً لبني هاشم؟!

فانظر إلى هؤلاء كيف خالفوا الضرورة لجحد فضل سيّد المسلمين!!


*    *    *

____________

(1) مسند أحمد 4 / 281، تاريخ بغداد 8 / 290 رقم 4392، زين الفتى 2 / 265 ح 474، مناقب الإمام عليّ (عليه السلام) ـ لابن المغازلي ـ: 69 ح 24، شواهد التنزيل 1 / 157 ح 210 و ص 158 ح 213، سرّ العالمين: 453 باب في ترتيب الخلافة والمملكة، مناقب الإمام عليّ (عليه السلام) ـ للخوارزمي ـ: 156 ح 184، تاريخ دمشق 42 / 233 و 234، الرياض النضرة 3 / 126 ـ 127، البداية والنهاية 7 / 279.

(2) تقـدّم في ج1 / 19 هـ 1 و ج 4 / 336، وانظر: زين الفتى 2 / 263 ح 472، فيض القدير بشرح الجامع الصغير 6 / 282 ضمن ح 9000، الصواعق المحرقة: 67، الفتوحات الإسلامية 2 / 428.


الصفحة 183

36 ـ سـورة النجم

قال المصنّـف ـ طاب مرقـده ـ(1):

السادسة والثلاثون: قوله تعالى: (والنجم إذا هوى)(2).

روى الجمهور، عن ابن عبّـاس، قال: " كنت جالساً مع فئة(3) من بني هاشم عند النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ انقضّ كوكب، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " مَن انقضّ هذا النجم في منزله فهو الوصيّ من بعدي ".

فقام فئة(4) من بني هاشم فنظروا، فإذا الكوكب قد انقضّ في منزل عليّ بن أبي طالب، فقالوا: يا رسول الله! لقد غَويت في حبّ عليّ.

فأنزل الله: (والنجم إذا هوى * ما ضلّ صاحبُـكم وما غـوى)(5)(6).


*    *    *

____________

(1) نهج الحقّ: 192.

(2) سورة النجم 53: 1.

(3 و4) في المصدر: فتية.

(5) سورة النجم 53: 1 و 2.

(6) مناقب الإمام عليّ (عليه السلام) ـ لابن المغازلي ـ: 233 ـ 234 ح 313 و ص 259 ـ 260 ح 353، تاريخ دمشق 42 / 392، شواهد التنزيل 2 / 203 ـ 204 ح 912، كفاية الطالب: 261.


الصفحة 184

وقال الفضـل(1):

آثار الوضع والافتراء على هذا النقل ظاهر لا خفاء به، فإنّ هذه السورة نزلت في أوائل بعثة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، وابن عبّـاس لم يولد، فكيف روى هذا الحديث؟!

ثمّ نسـبتُه الغوايـةَ إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في حبّ عليّ، وربط الآية بها، في غاية الركاكة، ولا يخفى هذا.

ولو صحّ، دلّ على وصايته، والوصاية غير الخلافة.


*    *    *

____________

(1) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ 3 / 336.


الصفحة 185

وأقـول:

نقله المصنّف (رحمه الله) في " منهاج الكرامة "، عن ابن المغازلي الشافعي، عن ابن عبّـاس(1).

ونقله السـيّد السـعيد (رحمه الله)، عن أبي حامـد الشافعي(2)(3).

وذكر ابن تيميّة روايتين أيضاً، إحداهما عن ابن عبّـاس، والأُخرى عن أنـس(4)، زعم أبو الفرج أنّهما من الموضوعات ; لضعف سنديهما، وكون الأُولى مرويّةً عن ابن عبّـاس، وهي مصرّحة بانقضاض النجم بأثر المعراج، وابن عبّـاس حينئذ ابن سـنتين، فكيف يشهد تلك الحالة ـ أي حالة الانقضاض ـ ويرويها؟!

____________

(1) منهاج الكرامة: 119، وانظر: مناقب الإمام عليّ (عليه السلام) ـ لابن المغازلي ـ: 259 ـ 260 ح 353.

(2) هو: أبو سعد عبـد الملك بن أبي عثمان محمّـد بن إبراهيم بن يعقوب الواعظ النيسابوري الخَـرْكُوشي، نسـبة إلى " خَـرْكُوش " سكّة بنيسابور، من فقهاء الشافعية، سمع بنيسابور وحدّث بها، حدّث عنه الحاكم وهو أكبر منه، وحدّث ببغـداد ودمشق ومصر، ودخل مكّة حاجّاً وأقام بها مجاوراً عدّة سـنين، ثمّ انصرف إلى نيسابور، وبنى فيها داراً للمرضى، وتوفّي بها سـنة 406 هـ ; من مصنّفاته: تفسـير كبير، شرف المصطفى، دلائل النبوّة، سـير العبّـاد والزهّـاد.

انظر: تاريخ بغداد 10 / 432 رقم 5594، تاريخ دمشق 37 / 90 رقم 4250، الأنساب ـ للسمعاني ـ 2 / 350 (الخركوشي)، المنتظم 9 / 146، معجم البلدان 2 / 412 رقم 4213، سـير أعلام النبلاء 17 / 256 رقم 153، طبقات الشافعية الكبرى ـ للسبكي ـ 5 / 222 رقم 478.

(3) إحقاق الحقّ 3 / 340 ـ 341، وفيه: في نسخة: " أبو سعد " بدل " أبو حامد ".

(4) منهاج السُـنّة 7 / 63 و 65.


الصفحة 186
وكون الثانية عن أنس، وهو إنّما خدم النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بالمدينة، والمعراج قبل الهجرة بسـنة(1).

وفـيـه ـ مع ما عرفت مراراً من أنّ ضعف سند الرواية عندهم في فضل أمير المؤمنين (عليه السلام)، ولا سيّما المتعلّقة بخلافته، غير ضائر في صحّـتها(2) ـ:

إنّ الرواية إذا تعدّدت أسانيدها قويَ اعتبارها، ولا سيّما مع موافقتها للأخبار الكثيرة المصرّحة بخلافة عليّ (عليه السلام) ووصايته.

وأمّا قوله: " إنّ ابن عبّـاس كان حين المعراج ابن سنتين "، فغير مُسلّم..

ذكر في " الاستيعاب " بترجمة ابن عبّـاس، من طريق عبـد الله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه، بسنده عن سعيد بن جُبير، عن ابن عبّـاس، قال: " توفّي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنا ابن خمس عشرة سنة "..

قال عبـد الله: قال أبي: وهذا هو الصواب "(3).

فيكون ابن عبّـاس حين الهجرة ابن خمس سنين، كما قال ابن تيميّة: " له نحو خمس سنين "(4)، وقال به كثير منهم(5).

وحينئذ: فله عند المعراج أربع سنين، ولا شكّ أنّ مثله في معرفته وذكائه يلتفت إلى مثل ذلك.

____________

(1) الموضوعات 1 / 372 ـ 374.

(2) انظر: ج 1 / 25 من هذا الكتاب.

(3) الاستيعاب 3 / 934 رقم 1588.

(4) منهاج السُـنّة 7 / 66.

(5) انظر: أُسد الغابة 3 / 190 رقم 3035، تهذيب الكمال 10 / 255 رقم 3340، سير أعلام النبلاء 3 / 335 رقم 51، تهذيب التهذيب 4 / 357 رقم 3498.


الصفحة 187
وكيف لا؟! وقد روى الروايات الكثيرة عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) المتعلّقة بالأُمور الخفـيّة وهو صبيّ!

فكيف لا يحسن أن يروي وهو ابن أربع سنين ما شاهده من الأمر الغريب، الذي يلتفت إليه سائر الصبيان؟!

وأمّا أنس، فيمكن أن يكون جاء بصحبة أحد إلى مكّة قبل الهجرة بسـنة فشاهد ما شاهد.

وأمّا ما زعمه الفضل وابن تيميّة، من أنّ سورة النجم نزلت في أوائل البعثة(1)، فممنـوع..

نعم، قيل: إنّها مكّـيّة(2)، وهو لا يقتضي ما زعماه.

وقد ذكر ابن تيميّة هنا ما لا يستحقّ الجواب(3)، وإن تكلّفنا بردّ بعضه في طيّ الكلام الآتي.

وأمّا ما زعمه الفضل من الركاكة في نسبة الغواية إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)وربط الآية بها..

ففيـه: إنّ الكافرين والمنافقين إذا لم ينسبوا الغواية له في حبّ عليّ، فمن ينسبها إليه؟! وليسـت هي بأعظم من نسـبة الهجر له.

كما إنّ تلك النسبة ليست بغريبة من بني هاشم، فإنّهم ليسوا بأعظم من أولاد يعقوب الّذين صاروا بزعم القوم أنبياء، وقد نسبوا إلى أبيهم الضلال في حبّ يوسف (عليه السلام).

____________

(1) منهاج السُنّة 7 / 66.

(2) تفسير البغوي 4 / 223، تفسير الفخر الرازي 28 / 278، البحر المحيط 8 / 153، الدرّ المنثور 7 / 639، روح المعاني 27 / 68.

(3) انظر: منهاج السُـنّة 7 / 67.


الصفحة 188
وأمّا ربط الآية بنسبة الغواية إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في هوى عليّ (عليه السلام)وبيان وصيّته، فأوضح حالا من تجاهل الفضل.

وأمّـا قوله: " إنّ الوصايـة غير الخلافـة "، فباطـلٌ ; لأنّ غير الخلافـة لا يحتاج إلى هذا البرهان العظيم، ولا يُوجب نسبة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الغواية، مع أنّ روايتَي ابن تيميّة مصرّحتان بالخلافة..

فإنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قال في إحداهما: " في دار من وقع هذا النجم، فهو خليفتي من بعدي "(1)..

وفي الأُخرى: " من انقضّ في داره فهو الخليفة بعدي "(2).

ثمّ إنّ النجم الذي هوى يحتمل أن يكون من نجوم السماء، أنزله الله تعالى بجرم صغير في دار عليّ (عليه السلام) معجزةً ; ليجعله آيةً ظاهرةً لإمامة أمير المؤمنين (عليه السلام)، كما شقّ القمر وأنزله بجرم صغير إلى الأرض معجزةً لرسالة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم).

ويُحتمل أن يكون من غيرها، فإنّ الآيات الإلهيّـة لا يُستبعد فيها شيء ممكن، كما لا يُستبعد بيان خلافة أمير المؤمنين (عليه السلام) بمكّة، لتتضافر الحجج عليهم، فإنّه يعلم عاقبة قريش مع عليّ (عليه السلام)، كما لا يمنع من بيانها صغر سـنّه ; ولذا نصّ له بالخلافة في أوّل رسالته عندما أنزل الله سبحانه: (وأنذر عشيرتك الأقربين)(3)، وجمع بني هاشم، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

ثمّ إنّه لا ينافي وجه النزول ـ الذي ذكرته تلك الروايات ـ ما حكاه

____________

(1) منهاج السُـنّة 7 / 63.

(2) منهاج السُـنّة 7 / 65.

(3) سورة الشعراء 26: 214.


الصفحة 189
السيوطي في " الدرّ المنثور "، عن ابن مردويه، أنّه أخرج عن أبي الحمراء، وحبّة العرني، قالا:

" أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن تُسدّ الأبوابُ التي في المسجد، فشقّ عليهم... إلى أن قالا: فقال رجل: ما يألو يرفع ابنَ عمّه، [ قال: ] فعلم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قد شقّ عليهم، فدعا بالصلاة جامعة، فلمّا اجتمعوا صعد المنبر، فلم يُسمع لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خطبة قطُّ كان أبلغ منها تمجيداً وتوحيـداً.

فلمّا فرغ قال: " أيّها النـاس! ما أنا سـددتُها، ولا أنا فتحتُـها، ولا أنا أخرجتُـكم وأسـكـنـتُه "، ثمّ قرأ: (والنجم إذا هوى * ما ضلّ صاحبُكم وما غوى * وما ينطق عن الهوى * إنْ هو إلاّ وحيٌ يُوحى)(1) "(2).

وإنّما قلنـا: إنّه لا ينافيـه ; لأنّ هذه الرواية لا تقتضي إلاّ اسـتشهاد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بالآيات، إذ لم يهوِ نجم حينئذ، فلا تُنافي نزولها سابقاً في أمر خلافة أمير المؤمنين (عليه السلام).


*    *    *

____________

(1) سورة النجم 53: 1 ـ 4.

(2) الدرّ المنثور 7 / 642.


الصفحة 190

37 ـ سـورة العاديات

قال المصنّـف ـ قـدّس الله روحه ـ(1):

السابعة والثلاثون: أقسم الله تعالى بخيل جهاده في " غزوة السلسلة "(2) لمّا جاء جماعة من العرب واجتمعوا على وادي الرملة لـيُبـيّـتوا(3) النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بالمدينة، فقال النبيّ لأصحابه: مَن لهؤلاء؟

فقام جماعة من أهل الصُـفّـة(4)، فقالوا: نحـن ; فوَلِّ علينا مَن شـئت!

فأقرع بينهم، فخرجت القرعة على ثمانين رجلا منهم ومن غيرهم.

____________

(1) نهج الحقّ: 193.

(2) غزوة السلسلة: هي الغزوة التي حدثت في السنة الثامنة للهجرة، والتي جرت بين المسلمين وبين جماعة من قضاعة أرادوا التآمر على الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد سمّيت بـ " غزوة السلاسل " نسبة إلى الموضع الذي وقعت فيه، وهو ماء بأرض جذام، يقال له: سلاسل، وهو على بعد عشرة أيّام من المدينة، وتقع وراء وادي القرى.

انظر: تاريخ الطبري 2 / 146، الكامل في التاريخ 2 / 110، المنتظم 2 / 390.

(3) بَـيَّـتَ الأمرَ: عمِلَه أو دبّره ليلا، وكلُّ ما فُـكِّـرَ فيه من سوء، أو خِيضَ فيه، أو قُـدِّرَ بليل، فقد بُـيِّـتَ ; انظر: تاج العـروس 3 / 24 مادّة " بيت ".

(4) أهل الصُفّة: هم فقراء المهاجرين، ومن لم يكن له منهم منزل يسكنه، فكانوا يأوون إلى موضع مُظلّل في مسجد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) يسكنونه.

انظر مادّة " صفف " في: النهاية في غريب الحديث 3 / 37، لسان العرب 7 / 364.


الصفحة 191
فأمر أبا بكر بأخذ اللواء والمضيّ إلى بني سُليم(1)، وهم ببطن الوادي، فهزموهم وقتلوا جمعاً من المسلمين، وانهزم أبو بكر.

وعقد لعُمر وبعثه، فهزموه، فساءَ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم).

فقال عمرو بن العاص: ابعثني يا رسول الله! فأنفذه، فهزموه وقتلوا جماعة من أصحابه.

وبقي النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أيّاماً يدعو عليهم.

ثمّ طلب أمير المؤمنين (عليه السلام) وبعثه إليهم، ودعا له وشيّعه إلى مسجد الأحزاب، وأنفذ معه جماعة، منهم: أبو بكر، وعمر، وعمرو بن العاص.

فسار الليل وكمن النهار حتّى استقبل الوادي من فمه، فلم يشكَّ عمرو بن العاص أنّه يأخذهم، فقال لأبي بكر: هذه أرض سباع وذئاب وهي أشدّ علينا من بني سُليم، والمصلحة أن نعلوَ الوادي ; وأراد إفساد الحال وقال: قل ذلك لأمير المؤمنين ; فقال له أبو بكر، فلم يلتفت إليه.

ثمّ قال لعمر، فلم يجبه أمير المؤمنين (عليه السلام).

وكبس على القوم الفجر، فأخذهم، فأنزل الله تعالى: (والعاديات ضبحـاً...)(2) السورة.

واستقبله النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فنزل أمير المؤمنين، وقال له النبيّ:

____________

(1) بنو سُليم: قبيلة عظيمة من قيس بن عيلان، من العدنانية، تنتسب إلى سُليم بن منصور بن عكرمة، تتفرّع إلى عدّة عشائر وبطون، وكانت لهم عدّة منازل منها: عليّة نجد بالقرب من خيبر، وحرّة سليم، وغيرها، قاتلهم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في عدّة مواطن.

انظر: معجم قبائل العرب 2 / 543 ـ 546.

(2) سورة العاديات 100: 1 ـ 11.


الصفحة 192
" لولا أن أُشفق أن يقول فيك طوائف من أُمّتي ما قالت النصارى في المسيح، لقلت فيك اليوم مقالا لا تمرُّ بملأ منهم إلاّ أخذوا التراب من تحت قدميك، اركب فإنّ الله ورسوله عنك راضيان "(1).


*    *    *

____________

(1) انظر: الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد 1 / 162 ـ 165، تفسير القمّي 2 / 435 ـ 439، تفسير فرات 2 / 591 ـ 603 ح 758 ـ 761، الخرائج والجرائح 1 / 167 ح 257.


الصفحة 193

وقال الفضـل(1):

قصّة غزوة ذات السلاسل منقولة في الصحاح، وأنّها تصدّاها عمرو ابن العاص بتأمير رسول الله إيّاه، وكان الفتح بيده(2).

وأمّا ما ذكره، فليس بمنقول في الصحاح، بل اشتمل على المناكير، فإنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) كيف يجوز أن يدّعي ألوهيّـة عليّ؟!

والمفهوم من هذا الخبر أنّ النبيّ كان يُريد أن يقول بألوهيّة عليّ، ولكنّه خاف أن يعبده الناس.

وهذا كلام غُلاة الرافضة، ولا ينبغي نقلُ هذا لمسلم فضلا عن فاضـل(3).


*    *    *

____________

(1) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ 3 / 345.

(2) نعم، بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عمرو بن العاص في هذه الغزوة، ولكن لم يذكر أحد أنّ الفتح كان على يديه، بل اختلف هو وأبو عبيـدة حول الإمرة!!

انظر: صحيح البخاري 5 / 329 ح 355، صحيح مسلم 7 / 109، كنز العمّال 10 / 564 ح 30253 و ص 598 ح 30294.

(3) ليس هذا من كلام غلاة الرافضة ; بل رواه جمع من الأئمّة والحفّاظ الأثبات، منهم: أبو عبـد الله أحمد بن حنبل في " المسند " كما في شرح نهج البلاغة 9 / 168، والطبراني في المعجم الكبير 1 / 320 ح 951، وابن أبي حاتم في العلل 1 / 314 ح 941، وابن المغازلي في مناقب الإمام عليّ (عليه السلام): 216 ح 285، والخـوارزمي في منـاقـب الإمـام عليّ (عليه السلام): 128 ـ 129 ح 143 و ص 158 ح 188 و ص 311 ح 310، والكنجي في كفاية الطالب: 264، والهيثمي في مجمع الزوائد 9 / 131.


الصفحة 194

وأقـول:

لم يذكر البخاري ولا غيره ممّن اطّلعت على ذِكره لهذه الغزوة كالطبري، وابن الأثير، أنّ الفتح على يد عمرو(1)، فلا يبعد أنّه من وضع الفضـل.

وأمّا نفيه لوجود ما حكاه المصنّف (رحمه الله) في صحاحهم، فلا يدلّ على عدم صحّته ; إذ ليس كلّ ما لم يكن فيها غير صحيح عندهم.

وأمّا قوله: " والمفهوم من هذا الخبر، أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يريد... " إلى آخره..

فمنشأُه اعوجاج فهمه، أو تغيير الكَلِمِ عن مواضعه ; فإنّ صريح الخبر أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أشفق من قولهم بإلهيّـة عليّ (عليه السلام)، التي لا يقولها إلاّ مبطل، كإلهيّـة المسـيح..

وهو حقٌّ ; فإنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) لو ذكر فضله الواقعي، وأنّ الله أقدره على خوارق العادات، حيث إنّه أظهر مصاديق قوله تعالى في الحديث القدسي: " عبـدي أطعني تكن مَثَلي، تقول للشيء: كنْ، فيكون "(2)، أو بيّن فضائله الفاضلة، التي يفوق بها الأنبياء السابقين، ويمتاز بها عن الأُمّة أجمعين، لخاف (صلى الله عليه وآله وسلم) من طوائف من أُمّته أن يقولوا بربوبيّته، كما وقع لكثير منهم لمّا رأوا منه بعض خوارق العادة.

____________

(1) صحيح البخاري 5 / 329 ح 355، تاريخ الطبري 2 / 146 ـ 147، الكامل في التاريخ 2 / 110.

(2) انظر: الجواهر السَنيّة في الأحاديث القدسية: 361.


الصفحة 195
وقد ورد مضمون هذا الخبر في جملة من أخبار القوم فضلا عن أخبارنا(1)، فقد حكاه في " ينابيع المودّة " عن أحمد في مسنده من طريقين(2)، وكذا عن موفّق بن أحمد(3).

وقال الشافعي في ما نُسـب إليه [ من الوافر ]:


لَوَ انّ المرتضى أبدى محلَّهلصارَ الخَلقُ طُرّاً سُجّداً لَـهْ
كفى في فضلِ مولانا عليّوقوعُ الشـكِّ فيـهِ أنّه اللهْ(4)


*    *    *

____________

(1) انظر: الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد 1 / 165، إعلام الورى 1 / 366.

(2) ينابيع المودّة 1 / 393 ح 5، وانظر: المعجم الكبير 1 / 320 ح 951، مجمع الزوائد 9 / 131، كفاية الطالب: 264، مناقب الإمام عليّ (عليه السلام) ـ لابن المغازلي ـ: 216 ح 285.

(3) ينابيع المودّة 1 / 199 ـ 200 ضمـن ح 2 و ص 391 ح 4 ـ 6، وانظر: مناقب الإمام عليّ (عليه السلام) ـ للخوارزمي ـ: 129 ح 143 و ص 311 ح 310.

(4) انظر: كتاب الأربعين ـ لمحمّد طاهر الشيرازي ـ: 380.


الصفحة 196

38 ـ آيـة: (أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً)

قال المصنّـف ـ أعلى الله درجتـه ـ(1):

الثامنة والثلاثون: قوله تعالى: (أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يسـتوون)(2).

المؤمن: عليٌّ (عليه السلام)، الفاسق: الوليد(3) ; نقله الجمهور(4).

____________

(1) نهج الحقّ: 194.

(2) سورة السجدة: 32: 18.

(3) هو: الوليد بن عُقبة بن أبي معيط الأُموي، أخو عثمان بن عفّان لأُمّه، قُتل أبوه بأمر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد معركة بدر، فقد كان شديد الأذى للرسول والمسلمين ; ولاّه عمر بن الخطّاب صدقات بني تغلب، وكان والياً لعثمان على الكوفة سنة 28 هـ، وعرف بإدمانه على الخمر، وقد أَمّ الناس وهو سكران، وأُقيم عليه الحدّ، واشتُهر بفسقه حتّى أنزل الله فيه هذه الآية ; لم يُعرف متى وُلد، وقيل: توفّي في زمن معاويـة.

انظر: الاستيعاب 4 / 1552 رقم 2721، تهذيب الكمال 19 / 435 رقم 7317، سير أعلام النبلاء 3 / 412 رقم 67، الإصابة 6 / 614 رقم 9153، تهذيب التهذيب 9 / 159 ـ 160 رقم 7723.

(4) انظر: فضائل الصحابة ـ لأحمد بن حنبل ـ 2 / 756 ح 1043، أنساب الأشراف 2 / 380 ـ 381، تفسير الطبري 10 / 244 ـ 245 ح 28262، الأغاني 5 / 153، الكامل في الضعفاء 6 / 118 رقم 1626، تفسير الثعلبي 7 / 333، تاريخ بغداد 13 / 321 رقم 7291، أسـباب النزول ـ للواحدي ـ: 195، مناقب الإمام عليّ (عليه السلام)ـ لابن المغازلي ـ: 268 ح 370 و 371، شواهد التنزيل 1 / 445 ـ 453 ح 610 ـ 623، تفسير البغوي 3 / 433، الكشّاف 3 / 245 ـ 246، أحكام القرآن ـ لابن العربي ـ 3 / 535، تاريخ دمشق 63 / 235، زاد المسير 6 / 182، مطالب السؤول: 93 ـ 94، كفاية الطالب: 140 ـ 141، تفسير القرطبي 14 / 70، تفسير ابن كثير 3 / 445، تفسير البحر المحيط 7 / 203، الدرّ المنثور 6 / 553، فتح القدير 4 / 255.

وقد نظم حسان بن ثابت الواقعة في الأبيات التالية، فانظرها في " كفاية الطالب ":


أنزل الله والكتاب عزيزُفي عليّ وفي الوليد قرآنا
فتبوّأ الوليدُ مِن ذاك فُسقاًوعليٌّ مبوّأٌ إيمانا
ليس مَن كان مؤمناً عرفَ اللهَكمن كان فاسقاً خَوّانا
فعليٌّ يُجزى هناك نعيماًووليدٌ يُجزى هناك هَوانا
سوف يُجزى الوليدُ خِزياً وناراًوعليٌّ لا شكّ يُجزى جِنانا


الصفحة 197

الصفحة 198

وقال الفضـل(1):

جاء هذا في تفاسير أهل السُـنّة، والآية نازلةٌ في عليّ، وهو من فضائله التي لا تُحصر.


*    *    *

____________

(1) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ 3 / 352.