الصفحة 199

وأقـول:

المراد بالفاسق في الآية: الكافر، ولو في وقت سابق، بقرينة المقابلة مع المؤمن.

وإنّما قلنا: ولو في وقت سابق ; لأنّ الوليد كان حين نزول الآية مسلماً، فإذا دلّت الآية على عدم استواء الكافر ولو في وقت ما مع المؤمن في جميع أوقاته، على وجه تُفيد قاعدة كلّـيّة، كما هو ظاهرها، وإن نزلت في مورد خاصّ، فقد دلّت على عدم استواء الخلفاء الثلاثة مع أمير المؤمنين (عليه السلام) ; لثبوت الكفر في وقت، فيتعيّن للإمامـة.

فإن قلت: لعلّ المراد بالفاسق، هو المسلم الذي لم يدخل الإيمان في قلبه، بقرينة المقابلة مع المؤمن، وهو الذي دخل الإيمان في قلبه، قال تعالى: (قالت الأعراب آمنّا قل لم تُؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولمّا يدخل الإيمانُ في قلوبكم)(1)، وحينئذ فلا يقتضي عدم خلافة الثلاثة ; لأنّـهم ليسـوا كالوليد.

قلـت: لو سُلّم جميع ذلك، أو قلنا: إنّ الوليد من المنافقين، يُظهر الإيمان ويُبطن الكفر، كما تدلّ على كفره الآيات اللاحقة لهذه الآية، حيث أثبتت له التكذيب بعذاب النار، كما سـتسمعها، فقد لزم عدم صحّة خلافة عثمان ; لأنّه قد ولّى هذا الفاسق على المسلمين، وكان يُعظّمه كثيراً ـ بعدما خالف النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في ردّه ـ، حتّى كان لا يُجْلِس معه على سريره غيرَه

____________

(1) سورة الحجرات 49: 14.


الصفحة 200
وغيرَ العبّـاس وأبي سفيان والحكم(1)، كما رواه القوم، وستعرفه إنّ شاء الله تعالى.

اللّهمّ إلاّ أنْ يُدّعى علمه بإيمان الوليد بعد فسقه، وهو باطل ; فإنّ الله سـبحانه لا يفضح على طول الدهر من يعلم بحسن عاقبته.

بل الآيات صريحة بأنّ الوليد مستمرّ على تكذيبه، وأنّه من أهل النـار..

قال السيوطي في " الدرّ المنثور " أخرج ابن إسحاق، وابن جرير عن عطاء بن يسار قال: " نزلت بالمدينة في عليّ، والوليد بن عُقبة، كان بين الوليد وبين عليّ كلام..

فقال الوليد: أنا أبسط منك لساناً، وأحدُّ منك سناناً، وأردّ منك للكتيبة.

فقال عليٌّ: أُسكت! فإنّك فاسق ; فأنزل تعالى: (أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يسـتوون)(2)(3).. الآيات كلّها.

ويعني بالآيات قوله تعالى:

(أمّا الّذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنّات المأوى نُزلا بما

____________

(1) هو: الحكم بن أبي العاص بن أُميّة الأُموي، عمّ عثمان بن عفّان، أسلم بعد الفتح، وقد طرده الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الطائف ; لأنّه كان يفشي أسرار الرسول، ويحاكيه في حركاته، وهو الذي قال فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " ويل لأُمّتي ممّا في صلب هذا " ; أعاده عثمان إلى المدينة وآواه ووصله بمئة ألف، إلى أن توفّي بها على عهده.

انظر: الاستيعاب 1 / 359 رقم 529، الجرح والتعديل 3 / 120 رقم 555، الإصابة 2 / 104 1783، سير أعلام النبلاء 2 / 107 رقم 14.

(2) سورة السجدة 32: 18.

(3) الدرّ المنثور 6 / 553، وانظر: تفسـير الطري 10 / 245 ح 28262.


الصفحة 201
كانوا يعملون * وأمّا الّذين فسقوا فمأواهم النار كلّما أرادوا أن يخرجوا منها أُعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذابَ النار الذي كنتم به تكـذّبون)(1).

وإذا بطلت إمامة عثمان، بطلت إمامة صاحبيه ; لأنّها من باب واحد، واختصّت بعليّ (عليه السلام)، لا سـيّما وقد بُشّر بجنّـة المأوى.

وقد سـبق في الآية الثانية والثلاثين أنّ بشارة شخص بالجنّة وإعلامه بأنّه من أهلها يسـتدعي تفضيله وإمامته(2).


*    *    *

____________

(1) سورة السجدة 32: 19 و 20.

(2) راجع الصفحة 144 ـ 145 من هذا الجزء.


الصفحة 202

39 ـ آيـة: (ويتـلوه شاهدٌ منـه)

قال المصنّـف ـ طاب ثراه ـ(1):

التاسعة والثلاثون: قوله تعالى: (أفمن كان على بيّنة من ربّه ويتلوه شاهدٌ منه)(2).

روى الـجـمـهـور، أنّ (مَـن كـان عـلى بيّـنـة مِـن ربّـه): رسـول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، والشاهد: عليٌّ (عليه السلام)(3).


*    *    *

____________

(1) نهج الحقّ: 195.

(2) سورة هود 11: 17.

(3) تـفـسـير الحبـري: 279 ـ 280 ح 36 ـ 37، تـفسـير الطبـري 7 / 17 ح 18061 و 18062، تفسير الثعلبي 5 / 162، معرفة الصحابة ـ لأبي نعيم ـ 1 / 88 ح 346، ما نزل من القرآن في عليّ ـ لأبي نعيم ـ: 106، مناقب الإمام عليّ (عليه السلام) ـ لابن المغازلي ـ: 236 ح 318، شواهد التنزيل 1 / 275 ـ 282 ح 372 ـ 387، تفسير البغوي 2 / 318، مناقب الإمام عليّ (عليه السلام) ـ للخوارزمي ـ: 278 ح 267، تاريخ دمشق 42 / 360، زاد المسير 4 / 66، تفسير الفخر الرازي 17 / 209، تذكرة الخواصّ: 25، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ 6 / 137، كفاية الطالب: 235، تفسير القرطبي 9 / 13، الدرّ المنثور 4 / 409 ـ 410.


الصفحة 203

وقال الفضـل(1):

ليـس هذا من تفاسـير أهل السُـنّة(2)، وإن صحّ كان سهلا.


*    *    *

____________

(1) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ 3 / 357.

(2) انظر: الهامش 3 من الصفحة السابقة، وما سـيأتي من ردّ الشـيخ المظفّر (قدس سره)، حتّى يتّضح الحـقّ.


الصفحة 204

وأقـول:

قال الرازي: ذكروا في تفسير " الشاهد " وجوهاً ـ إلى أن قال ـ:

" ثالثها: إنّ المراد: عليُّ بن أبي طالب، والمعنى: أنّه يتلو تلك البيّنة.

وقوله: (منـه)، أي هذا الشاهد من محمّـد وبعضٌ منه، والمراد منه تشريف هذا الشاهد بأنّه بعضٌ من محمّـد (صلى الله عليه وآله وسلم) "(1).

وقال السيوطي في " الدرّ المنثور ": " أخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه، وأبو نعيم في (المعرفة)، عن عليّ بن أبي طالب، قال: ما من رجل من قريش إلاّ نزل فيه طائفة من القرآن.

فقال له رجلٌ: ما نزل فيك؟

قال: أَمَا تقرأ سورة هود: (أفمن كان على بيّنة من ربّه ويتلوه شـاهد منه)(2)؟! رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): على بيّنة من ربّه، وأنا: شاهدٌ منـه "(3).

ونحوه في تفسـير الطبري(4).

وقال السيوطي أيضاً: أخرج ابن مردويه، وابن عساكر، عن عليّ، قال: " رسول الله: (على بيّنة من ربّه)، وأنا: (شاهدٌ منه) "(5).

____________

(1) تفسير الفخر الرازي 17 / 209.

(2) سورة هود 11: 17.

(3) الدرّ المنثور 4 / 409 ـ 410، وانظر: معرفة الصحابة 1 / 88 ح 346.

(4) تفسير الطبري 7 / 17 ح 18062.

(5) الدرّ المنثور 4 / 410، وانظر: تاريخ دمشق 42 / 360 ح 8952.


الصفحة 205
وقال أيضاً: أخرج ابن مردويه من وجه آخر، عن عليّ، قال: " قال رسول الله: (أفمن كان على بيّنة من ربّه ويتلوه شاهدٌ منه)، قال: عليٌّ "(1).

.. إلى غير ذلك ممّا حكي عن الثعلبي وجماعة(2).

وحينئذ، فالآية دالّـة على إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) من وجوه:

  • الأوّل: إنّها جعلت عليّـاً (عليه السلام) شاهداً، والمراد به: الشاهد على الأُمّة، بقرينة جعله تالياً لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو يُعطي الولاية على أُمورهم، كما قال تعالى: (إنّا أرسلناك شاهداً ومبشّراً ونذيراً)(3)..

    وقال تعالى: (ويوم نبعث في كلّ أُمّة شهيداً عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيداً على هؤلاء)(4).

  • الثـاني: إنّها جعـلت عليّـاً بعضـاً من رسـول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، كمـا قـال (صلى الله عليه وآله وسلم): " عليٌّ منّي، وأنا من عليّ "(5)..

    وهو دليل المشاركة في العصمة، والفضل، وسائر الصفات الحميدة، فيكون الأحـقّ بخلافتـه.

  • الثالث: إنّها جعلت عليّـاً تالياً للنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ; فإنّ ضمير المفعول في (يتلوه) مذكّر، وهو على الظاهر عائد إلى (من كان على بيّنة من

    ____________

    (1) الدرّ المنثور 4 / 410.

    (2) انظر: تفسير الثعلبي 5 / 162، تذكرة الخواصّ، ينابيع المودّة 1 / 294 ح 3، فرائد السمطين 1 / 338 ـ 341 ح 260 ـ 263.

    (3) سورة الفتح 48: 8.

    (4) سورة النحل 16: 89.

    (5) تقـدّم عن البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجـة وأحمـد، وغيـرهم ; فانظـر: ج 4 / 307 هـ 1 وص 406 هـ 1 من هذا الكتاب ; فراجـع!


    الصفحة 206
    ربّه)، لا إلى " البيّنة "، وإنِ احتمل بعيداً رجوعه إليها باعتبار أنّها بمعنى البرهان.

    والمـراد مِن تُلـوّه له: تعقّبه إيّاه، إمّا في القيام مقامه بصيرورته خليفـة لـه..

    أو في كونه مثله على بيّـنة من ربّـه..

    أو في كونه ظهيراً له على دعوته، كما ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه دعا ربّه أن يشُدّ أزرَه بعليّ، ويُشرِكه في أمره، فكان منه بمنزلة هارون من موسى(1).

    وعلى جميع الاحتمالات، فالآيـة تدلُّ على المطلوب..

    أمّا على الأوّل ; فظاهـر..

    وأمّا على الثاني ; فلأنّ المراد بكون النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) على بيّنة من ربّه:

    إمّا كونه ذا برهان على ما يدّعيه ; لثبوت المعجزة له من الله تعالى..

    أو كونه عالماً بأنّ منزلته بِـجَعْـل من الله تعالى.

    وعلى الوجهين: فالتالي له ـ أي المماثل له في ذلك ـ لا بُـدّ أن يكون هو الإمام من عند الله تعالى ; لأنّ من يحتاج إلى البيّنة والإعجاز هو النبيّ أو الإمام من الله تعالى، ومن يُعلم بأنّ منزلته من الله سبحانه لا بُـدّ أن يكون منصوصـاً عليه.

    وأمّا على الثالث ; فلأنّ عليّـاً إذا كان هو الظهير لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في نشر دعوته كهارون من موسى، كان أَوْلى الناس بخلافتـه.

    ____________

    (1) انظر: فضائل الصحابة ـ لأحمد بن حنبل ـ 2 / 843 ـ 844 ح 1158، شواهد التنزيل 1 / 368 ـ 371 ح 510 ـ 513، تاريخ دمشق 42 / 52، تفسير الفخر الرازي 12 / 28، الدرّ المنثور 5 / 566.


    الصفحة 207
    ثمّ إنّه على تقدير رجوع ضمير المفعول في (يتلوه) إلى البيّنة، بلحـاظ معناهـا ـ وهو البرهان ـ، فالدلالة على إمامة الشاهد ـ وهو عليٌّ أيضاً ـ واضحة ; لأنّ تلـوّه للبرهان بالشهادة للنبيّ بالنبوّة ظاهر في أنّه معتبر الشهادة بها، كالمعجزات، فهو من علائم النبوّة وشواهدها، وكفاه بذلك فضلا على الأُمّـة ; فيكون إمامَـها.

    فالآية ـ على هذا ـ نظير قوله تعالى: (كفى بالله شهيداً... ومن عنده علم الكتاب)(1).

    وقد أوضحنا دلالته على إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام)، في ما سـبق(2).


    *    *    *

    ____________

    (1) سورة الرعد 13: 43.

    (2) انظر الصفحة 117 وما بعدها من هذا الجزء.


    الصفحة 208

    40 ـ آيـة: (فاسـتوى على سُـوقه)

    قال المصنّـف ـ قـدّس الله روحه ـ(1):

    الأربعون: قوله تعالى: (فاسـتوى على سوقه)(2).

    قال الحسن البصري: اسـتوى(3) الإسلام بسـيف عليّ (عليه السلام)(4).


    *    *    *

    ____________

    (1) نهج الحقّ: 195.

    (2) سورة الفتح 48: 29.

    (3) استوى الشيء: اعتدل ; انظر: لسان العرب 6 / 447 مادّة " سوا ".

    (4) انظر: تفسير الحسن البصري 2 / 293، تنوير المقباس من تفسير ابن عبّاس: 546 وقال فيه: " (فاسـتوى على سوقه) فقام على إظهار أمره في قريش بعليّ بن أبي طالب "، وانظر: تفسير البغوي 4 / 186.


    الصفحة 209

    وقال الفضـل(1):

    جاء في التفسير، أنّ هذه نزلت في الخلفاء الأربع: (كزرع): رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، (أخرج شطأه): أبو بكر، (فآزره): عمر، (فاسـتغلظ): عثمان، (فاسـتوى على سوقه): عليٌّ(2).

    وهو من فضائله الكبيرة، ولا يدلّ على النصّ.


    *    *    *

    ____________

    (1) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ 3 / 359.

    (2) تفسير البغوي 4 / 186، الكشّاف 3 / 551، زاد المسير 7 / 216 ـ 217، شواهد التنزيل 2 / 184 ـ 185 ح 890 و 891، الدرّ المنثور 7 / 544.


    الصفحة 210

    وأقـول:

    نعم، قاله بعض مفسّريهم برأيه، وذكر بعضهم قريباً منه(1).

    ولعلّه أيضاً مذكور في ما حكاه المصنّف (رحمه الله) عن الحسن، وإنْ خَلا عنه ما نقله في " كشف الغمّة " عن ابن مردويه عن الحسـن(2).

    لكن لعلمِ المصنّـف (رحمه الله) بخطـئه في حـقّ الخلفاء الثلاثة ترك ذِكره، لا سـيّما مع عدم مناسبته للترتيب والعطف بالفاء بالآية ; لأنّ الإسلام لم يكن اسـتغلاظه بأيّام عثمان، بل قبله، خصوصاً في أيّام عمر، فلو قال: فاستغلظ: في أيّام عمر، فآزره: عثمان ; كان له وجه، لكنّه لا يناسب ترتيب الآية والعطف بالفاء.

    كما أنّ الإسلام قد استوى بسيف عليّ في أيّام النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكذا الاسـتغلاظ وغيره.

    وبالجملـة: ما ذكره الحسـن وغيره، من اسـتواء الإسلام بسـيف عليّ (عليه السلام)، حجّةٌ عليهم بإقرارهم، كما هو ضروريٌّ، وهو دالٌّ على كبير جهاد أمير المؤمنين دون غيره.

    ومَن كثرَ جهادُه، وفاقَ غيرَه، حتّى استوى الإسلام بسيفه، كان

    ____________

    (1) راجع الصفحة السابقة هـ 2، وانظر: روح المعاني 26 / 194 وقال بعد إيراده جملة من هذه الأخبار: " وكلّ هذه الأخبار لم تصحّ في ما أرى، ولا ينبغي تخريج ما في الآية عليها ".

    (2) كشف الغمّـة 1 / 316.


    الصفحة 211
    الأفضلَ عند الله تعالى، والأحـقَّ بالإمامة ; لفضله، ولكونه لمّا استوى الإسلام بسيفه أوّلا، كان أَوْلى بنصره أخيراً، وأرعى له فروعاً وأُصولا.


    *    *    *


    الصفحة 212

    41 ـ آيـة: (يُسـقى بمـاء واحـد)

    قال المصنّـف ـ طاب ثراه ـ(1):

    الحادية والأربعون: قوله تعالى: (يُسقى بماء واحد)(2).

    قال جابر الأنصاري: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: " الناسُ من شجر شـتّى، وأنا وأنت يا عليُّ من شجرة واحدة "(3).


    *    *    *

    ____________

    (1) نهج الحقّ: 195.

    (2) سورة الرعد 13: 4.

    (3) المعجم الأوسط 4 / 443 ح 4150، المستدرك على الصحيحين 2 / 263 ح 2949، تفسير الثعلبي 5 / 270، موضّح أوهام الجمع والتفريق 1 / 49، فردوس الأخبار 1 / 43 ح 112 عن ابن عبّـاس و ج 2 / 376 ح 7139 عن ابن عمر، مناقب الإمام عليّ (عليه السلام) ـ للخوارزمي: 143 ح 165، تاريخ دمشق 42 / 64 و 65، مجمع الزوائد 9 / 100، كنز العمّال 11 / 608 ح 32943 و 32944.


    الصفحة 213

    وقال الفضـل(1):

    قوله: (يُسقى بماء واحد) نزل في بيان أنّ الفواكه تختلف طعومها، مع أنّها تُسقى بماء واحد، هذا من غرائب صُنع الله، وما ذكره من الحديث لا ربط له بالآية.

    والعجب أنّ كلام هذا الرجل في غاية التشويش، وكأنّه يزعُم أنّ أحداً لا ينظر في كتابه، أو كان ضعيفَ الرأي لا يعرف ربط الدليل بالمدّعى.


    *    *    *

    ____________

    (1) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ 3 / 361.


    الصفحة 214

    وأقـول:

    قال السيوطي في " الدرّ المنثور ": أخرج الحاكم وصحّحه، وابن مردويه، عن جابر: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: " يا عليّ! الناس من شجر شتّى، وأنا وأنت من شجرة واحدة "، ثمّ قرأ النبيّ: (وجنّاتٌ من أعناب وزرعٌ ونخيلٌ صِنوانٌ وغير صنوان)(1)(2).

    وفي " كنز العمّال "(3)، عن الديلمي، عن جابر، نحـوه.

    والآية وإنِ استفيد من ظاهرها بيان قدرة الله تعالى حيث أخرج من الأرض بماء واحد أشجاراً وزروعاً مختلفة، وفضّل بعضها على بعض في الأُكل، لكن لا ينافي أنّ الله سبحانه ضرب بها مثلا لفضل النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)وأميـر المؤمنين (عليه السلام) على الناس، مع اتّفاقهم بأصل واحـد.

    أو أنّ للآية باطناً، كما ورد أنّ للكتاب الشريف ظهراً وبطناً(4) ; ولذا كان فيه بيان كلّ شيء لا يعلمه إلاّ الله والراسخون في العلم.

    وكيف كان، فالمراد أنّ النبيّ وعليّـاً مخلوقان من نور واحد، متّفقان بالصفات الفاضلة والمنافع، ومخالفان للناس، كما أنّ الناس مختلفون في ما بينهم، فهما صنوان، أي كنخلتين أو نخيل على أصل واحد، ومَن

    ____________

    (1) سورة الرعد 13: 4.

    (2) الدرّ المنثور 4 / 605، وانظر: المستدرك على الصحيحين 2 / 263 ح 2949.

    (3) ص 154 من الجزء السادس [ 11 / 608 ح 32943 ]. منـه (قدس سره).

    وانظر: فردوس الأخبار 1 / 43 ح 112 عن ابن عبّـاس و ج 2 / 376 ح 7139 عن ابن عمر.

    (4) حلية الأولياء 1 / 65.


    الصفحة 215
    عداهم غير صنوان.

    وليت شعري! إذا لم يرض الفضل بهذا، بحجّة عدم ارتباطه بظاهر الآية، فما باله رضي بتفسير الآية السابقة بالنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) والخلفاء، مع أنّه مثله في مخالفة الظاهر؟!

    بل يفترقان بأنّ تفسير الآية السابقة، تفسير بالرأي من ذوي الأهواء، وتفسير هذه الآية من النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو أعلم بمعناها!

    نعم، هذا مختصٌّ بفضل أمير المؤمنين، فاسـتحقّ جحد الفضل ; وذاك يعمُّ غيره، فاسـتوجب القبول!

    وأمّا ربط هذا الدليل بالمدّعى، فغير خفيّ على عارف ; لأنّه إذا دلّ على مشاركة عليّ (عليه السلام) للنبيّ في الفضل، والامتياز على الناس، فقد صار الأفضل، وأحقّ الناس بخلافته ومنصبه، وأَوْلاهم بالإمامة بعده، كما هو المـدّعى.


    *    *    *


    الصفحة 216

    42 ـ آيـة: (من المؤمنين رجالٌ صدقوا)

    قال المصنّـف ـ أجزل الله ثوابه ـ(1):

    الثانية والأربعون: قوله تعالى: (من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليـه)(2).

    نزلت في عليّ (عليه السلام)(3).


    *    *    *

    ____________

    (1) نهج الحقّ: 196.

    (2) سورة الأحزاب 33: 23.

    (3) انـظـر: شـواهـد الـتـنـزيـل 2 / 1 ـ 2 ح 627 و 628، مـنـاقـب الإمـام عليّ (عليه السلام)ـ للخوارزمي ـ: 279 ح 270، كفاية الطالب: 249، الفصول المهمّة: 131، سمط النجوم العوالي 3 / 19، ينابيع المودّة 1 / 285 ح 10، نور الأبصار: 119.


    الصفحة 217

    وقال الفضـل(1):

    هذه الآية نزلت في قتلى أُحد حين قُتلوا، ووقف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)على مُصعب بن عُمير ـ وهو ممّن قتل بأُحد ـ فقرأ عليه هذه الآية(2).

    وإنْ صحّ نزوله في عليّ، فهو من فضائله، ولا يدلّ على النصّ المقصـود.


    *    *    *

    ____________

    (1) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ 3 / 364.

    (2) انظر: الكشّاف 3 / 256، تفسير القرطبي 14 / 105، الدرّ المنثور 6 / 587، فتح القدير 4 / 272، روح المعاني 21 / 257.


    الصفحة 218

    وأقـول:

    قال ابن حجر في " الصواعق "، في الفصل الأخير من الباب التاسع:

    سُئل أمير المؤمنين (عليه السلام) ـ وهو على المنبر بالكوفة ـ عن قوله تعالى: (رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلا)(1).

    قال: " اللّهمّ غفراً! هذه الآية نزلت فيَّ، وفي عمّي حمزة، وفي ابن عمّي عبيـدة بن الحارث(2)، فأمّا عبيـدة فقضى نحبه شهيداً يوم بدر، وحمزة قضى نحبه شهيداً يوم أُحد، وأمّا أنا فأنتظر أشقاها، يُخضّب هذه من هذا ; وأشار بيـده إلى لحيته ورأسـه "(3).

    ونحوه في " ينابيع المودّة "، عن أبي نعيم، عن ابن عبّـاس وإمامنا

    ____________

    (1) سورة الأحزاب 33: 23.

    (2) هو: عبيـدة بن الحارث بن [ عبـد ] المطّلب بن عبـد مناف، ابن عمّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكان من السابقين الأوّلين في الإسلام، وهو أسنّ من الرسول بعشرة سنوات، وهو أوّل من عقد له الرسول لواءً في الإسلام.

    هاجر إلى المدينة، وكان ذا قدر ومنزلة عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو أحد الثلاثة المبارزين يوم بدر، هو والإمام عليّ (عليه السلام) وسـيّد الشهداء حمزة رضوان الله عليه، حين دعاهم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لمبارزة ثلاثة من المشركين، فبارز حمزةُ شيبةَ بن ربيعة ابن عبـد شمس، وبارز عليٌّ (عليه السلام) الوليدَ بن عتبة بن ربيعة، وبارز عبيـدةُ عتبةَ بن ربيعة وقطعت رجله فيها، وتوفّي بالصفراء في ناحية المدينة قرب بدر وهو ابن ثلاث وسـتّين.

    انظر: الاستيعاب 3 / 1020 رقم 1748، أُسد الغابة 3 / 449 رقم 3528، سير أعلام النبلاء 1 / 256 رقم 45، البداية والنهاية 3 / 184.

    (3) الصواعق المحرقة: 207.


    الصفحة 219
    الصادق (عليه السلام)، عن أمير المؤمنين (عليه السلام)(1).

    وهو دالٌّ على إمامته ; لأنّ مقتضى مفهوم وصف الرجال بأنّهم صدقوا، أنّ غيرهم لم يعاهد الله سبحانه أو لم يصدق العهد ; فهُم خواصّ المؤمنين وخيرتُهم ; لانفرادهم بهذه الفضيلة الكاشفة عن زيادة المعرفة والتفاني في ذات الله تعالى.

    ولا شكّ أنّ عليّـاً (عليه السلام) خاصّة الخاصّة، فيكون أحقَّ الناس بالإمامة ; لأفضلـيّته، ولا سيّما أنّ صدق العهد في وقته بعد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) مختصٌّ به، فلا يصلح للإمامـة سواه.

    وأمّا ما زعمه من نزول الآية في قتلى أُحد، فيبطله أنّه سبحانه قسّم صادقي العهد إلى مَن قضى نحبه ومَن ينتظر، فلا يختصّ بالقتلى.

    اللّهمّ إلاّ أنّ يريد نزولها في بعض قتلى أُحد وبعض الأحياء، فهو مُسلّم، وهو الذي نقوله، وبيّنته الرواية السابقة، وقال به صاحب " الكشّاف "، لكنّه عدّ جماعة زعم أنّهم من صادقي العهد، حمله على ذِكرهم حسنُ الظنّ بهم(2) ; ونحن لا نعترف لهم بذلك.


    *    *    *

    ____________

    (1) ينابيع المودّة 1 / 285 ح 10 وانظر: ج 2 / 421 ح 162.

    (2) الكشّاف 3 / 256.


    الصفحة 220

    43 ـ آيـة: (ثمّ أورثنا الكتابَ)

    قال المصنّـف ـ قـدّس سرّه ـ(1):

    الثالثة والأربعون: قوله تعالى: (ثمّ أورثنا الكتابَ الّذين اصطفينا مِن عبادنا)(2).

    وهو عليٌّ (عليه السلام)(3).


    *    *    *

    ____________

    (1) نهج الحقّ: 196.

    (2) سورة فاطر 35: 32.

    (3) كشف الغمّة 1 / 316 ـ 317 عن ابن مردويه، وانظر مؤدّاه في: شواهد التنزيل 2 / 104 ح 782 و 783.


    الصفحة 221

    وقال الفضـل(1):

    عليٌّ من جملة ورثة الكتاب ; لأنّه عالم بحقائق الكتاب، فهذا يدلّ على علمه ووفور توغّله في معرفة الكتاب، ولا يدلّ على النصّ.


    *    *    *

    ____________

    (1) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ 3 / 367.


    الصفحة 222

    وأقـول:

    سـبق في الآية السابعة والعشرين، أنّ المراد بـ (مَن عنده علم الكتاب)(1) هو: عليٌّ (عليه السلام)(2) ; فيتعيّن أن يكون هو المراد بمن أورثه الله الكتاب، واصطفاه، فإنّ الكتاب فيهما واحد، وهو: القرآن، كما هو المنصـرف.

    ويدلّ عليه الآيةُ التي قبل الآية التي نحن فيها، وهي قوله تعالى: (والذي أوحينا إليك من الكتاب)(3) ; فإنّ إعادة المعرّف بـ (اللام) تُفيد الوحـدة.

    ويشهد أيضاً لإرادة عليّ بمن أورثه الكتاب واصطفاه، الأخبار المسـتفيضة الدالّة على أنّ عليّـاً مع القرآن والقرآن معه(4)، فإنّ المعيّة تسـتدعي أن يكون علم القرآن عنده، وإنّه وارثه.

    فإذا أفادت الرواية التي أشار إليها المصنّف (رحمه الله)، وحكاها السـيّد السعيد (رحمه الله) عن ابن مردويه، أنّ المراد بمن أورثه الكتاب هو عليّ (عليه السلام)(5)،

    ____________

    (1) سورة الرعد 13: 43.

    (2) انظر الصفحة 118 وما بعدها من هذا الجزء.

    (3) سورة فاطر 35: 31.

    (4) المعجم الأوسط 5 / 242 ح 4880، المعجم الصغير 1 / 255، المستدرك على الصحيحين 3 / 134 ح 4628 وصحّحه ووافقه الذهبي في " التلخيص "، مناقب الإمام عليّ (عليه السلام) ـ للخوارزمي ـ: 176 ـ 177 ح 214، فرائد السمطين 1 / 177 ح 140، مجمع الزوائد 9 / 134، الجامع الصغير ـ للسيوطي ـ: 346 ح 5594، الصواعق المحرقة: 191، كنز العمّال 11 / 603 ح 32912.

    (5) إحقاق الحقّ 3 / 367.


    الصفحة 223
    كانت مؤكّـدة لغيرها.

    وحينـئذ، فلا معنى لقول الفضل: " عليٌّ من جملة ورثة الكتاب "، ولا سيّما أنّه قد أراد أن يُشرك معه من لا يعرف الأبّ والكلالة ومن كانت المخـدّرات أفـقه منـه(1).

    هـذا كلّه مضافاً إلى أنّ اصطفاء الشخص لميراث الكتاب يدلّ على أنّه حافظ له، غير مضيّع لِما فيه عمداً وسهواً، فيكون معصوماً، وغير عليّ من الصحابة غير معصوم بالإجماع، فيتعيّن أن يكون هو المراد بالآية وحده، أو معه أبناؤه المعصومون بشهادة حديث الثقلين، وإنّما تركت الرواية ذِكرهم ; لأنّهم غير موجودين في وقته، أو لأنّ ذِكره أهمُّ، وهو الأصل وهم فرعه، فإذا ثبت ثبتوا جميعـاً.

    فإن قلت: لا يمكن أن يُراد وحده أو مع الأئمّة خاصّة ; لأنّهم معصومون عندكم، والآية قسّمت مَن أورثه الله الكتاب واصطفاه إلى الظالم لنفسه، والمقتصد، والسابق بالخيرات، فيتعيّن أن يُراد بالآية مطلق المؤمنين.

    قلـت: التقسيم راجع إلى العباد، والضمير في قوله تعالى: (فمنهم ظالمٌ لنفسه ومنهم مقتصدٌ ومنهم سابقٌ بالخيرات)(2) عائد إلى قوله تعالى: (عِبادنا)، لا لمن أورثه الكتاب واصطفاه منهم ; إذ لا يصحّ تقسيم من اصطفاه إلى الظالم وغيره، ولا شمول من أورثه الكتاب لكلّ مؤمن عالم وجاهل، فهي نظير قوله تعالى في سورة الحديد: (ولقد أرسلنا نوحاً وإبراهيم وجعلنا في ذرّيّتهما النبوّة والكتاب فمنهم مهتد

    ____________

    (1) انظر الصفحة 115 هـ 1 و 2 من هذا الجزء.

    (2) سورة فاطر 35: 32.


    الصفحة 224
    وكثيرٌ منهم فاسقون)(1).

    وأمّا قول آدم (عليه السلام): (ربّنا ظلمنا أنفسنا)(2)، مع أنّه من المصطفَين، فمتأوّل بإرادة فعل المكروه ; للأدلّة العقليّة والنقليّة بخلاف ذلـك(3).

    نعـم، يمكن أن يكون التقسيم راجعاً إلى مَن أورثه الكتاب واصطفاه، على أن تكون الوراثة والاصطفاء بلحاظ اشتماله على البعض الوارث المصطفى، فيصحّ تقسيم الجنس إلى هذه الأقسام الثلاثة، لكنّ المراد بالبعض الوارث المصطفى هو: عليٌّ وحده في وقته، أو مع أبنائه بلحاظ جميـع الأوقات ; للأدلّة السابقة ونحوها، كما وردت بذلك الرواية عندنـا(4) ; وحينئذ، فتدلّ الآية على إمامته ; لدلالتها على العصمة، التي هي شرط الإمامة، ولا معصوم غيره من الصحابة بالضرورة والإجماع..

    ولأنّ وراثة الكتاب بالاصطفاء شأن خلفاء الأنبياء ; فيكون هو الخليفة والإمـام.


    *    *    *

    ____________

    (1) سورة الحديد 57: 26.

    (2) سورة الأعراف 7: 23.

    (3) انظر: تنزيه الأنبياء ـ للشريف المرتضى ـ: 27، أوائل المقالات: 62 القول في عصمة الأنبـياء.

    (4) انظر: أُصول الكافي 1 / 240 ـ 241 ح 558 ـ 561.