الصفحة 277

56 ـ آيـة: (وبشِّـر المُخبِتين)

قال المصنّـف ـ أعلى الله مقامه ـ(1):

السادسة والخمسون: قوله تعالى: (وبشّر المُخبتين) إلى قوله تعالى: (وممّا رزقناهم ينفقون)(2)، عليٌّ منهم(3).


*    *    *

____________

(1) نهج الحقّ: 200.

(2) سورة الحجّ 22: 34 و 35.

(3) تفسير القرطبي 12 / 40، تفسير الكلبي 3 / 41، شواهد التنزيل 1 / 397 ح 550، وانظر: كشف الغمّة 1 / 320 عن ابن مردويه.


الصفحة 278

وقال الفضـل(1):

هذا مسلّم لا نزاع فيه، ولكن لا يدلّ على المدّعى.


*    *    *

____________

(1) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ 3 / 389.


الصفحة 279

وأقـول:

بل يدلّ عليه ; لأنّ البشارة بكرامة الآخرة لشخص معيّن لا تصحّ إلاّ مع عصمته أو نحوها، وليس الخلفاء الثلاثة كذلك، كما سبق في الآية الثانية والثلاثين، وبيّـنّا فيها لزوم إمامته (عليه السلام) دون الثلاثة، بل ودون غيرهم ; لأنّـه أفضل المخبتين(1).


*    *    *

____________

(1) انظر الصفحة 142 وما بعدها من هذا الجزء.


الصفحة 280

57 ـ آيـة: (إنّ الّذين سـبقت لهم منّا الحسنى)

قال المصنّـف ـ طاب ثراه ـ(1):

السابعة والخمسون: قوله تعالى: (إنّ الّذين سبقت لهم منّا الحسـنى)(2)، عليٌّ منهم(3).


*    *    *

____________

(1) نهج الحقّ: 200.

(2) سورة الأنبياء 21: 101.

(3) شواهد التنزيل 1 / 384 ـ 385 ح 528 ـ 531، الكشّاف 2 / 584، زاد المسير 5 / 289، تفسير ابن كثير 3 / 192، تفسير البيضاوي 2 / 79، الدرّ المنثور 5 / 681، روح المعاني 17 / 145.


الصفحة 281

وقال الفضـل(1):

هذا مسلّم لا نزاع فيه، ولكن لا يدلّ على المدّعى.


*    *    *

____________

(1) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ 3 / 390.


الصفحة 282

وأقـول:

تمام الآية وما بعدها: (أُولئك عنها مبعَدون * لا يسمعون حسيسها وهم فيما اشتهت أنفسهم خالدون * لا يَحزنُهم الفزعُ الأكبرُ وتتلقّاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم تُوعدون)(1).

وتُعرف دلالتها ممّا أشرنا إليه في الآية السابقة(2)..

وأوضحناه في الآية الثانية والثلاثين من أنّ بشارة شخص معيّن بنيل الموعود، والأمن من الوعيد، تقتضي ـ مع علمه بالبشارة ـ عصمته، أو قريبـاً منها، وأوضحنا أنّ المشايخ الثلاثة وأشباههم ليسوا كذلك، فيكون أمير المؤمنين (عليه السلام) هو المعصوم، أو الفاضل على غيره، ويكون هو الإمـام(3).

وما رواه بعض القوم(4) من تفسير مَن سبقت لهم الحسنى بما يشمل غير أمير المؤمنين (عليه السلام)، غير صحيح، ولا حجّة لهم علينا في ما يروونه بحـقّ غيره.

أترى أنّ الله سبحانه يُبشّر مثلهم بالجنّة، ويؤمّنهم من النار، ليهون عليهم تغيير الأحكام، وغصب حقوق الأطهار، وسفك دماء المسلمين،

____________

(1) سورة الأنبياء 21: 101 ـ 103.

(2) راجع الصفحة 262.

(3) انظر الصفحة 142 وما بعدها من هذا الجزء.

(4) انظر ما مرّ من المصادر المدرجة في الهامش 3 من الصفحة 263.


الصفحة 283
والاسـتئثار ببيت المال، والخروج على إمام الزمان، ومحاربة الله ورسوله، بحـربـه؟!


*    *    *


الصفحة 284

58 ـ آيـة: (مَن جاء بالحسـنة).

قال المصنّـف ـ رفع الله درجته ـ(1):

الثامنة والخمسون: قوله تعالى: (من جاء بالحسـنة)(2).

قال عليّ (عليه السلام): " الحسـنة حبُّنا أهل البيت، والسـيّـئة بغضنا، مَن جاء بها أكـبّه الله على وجهه في النار "(3).


*    *    *

____________

(1) نهج الحقّ: 200.

(2) سورة الأنعام 6: 160، سورة النمل 27: 89، سورة القصص 28: 84.

(3) تفسير الحبري: 294 ح 47، تفسير الثعلبي 7 / 230، شواهد التنزيل 1 / 425 ـ 426 ح 581 و 582 و 587.


الصفحة 285

وقال الفضـل(1):

لا شكّ أنّ حبّ أهل بيت محمّـد من الحسنات، ولكن لا يُثبت النصّ.


*    *    *

____________

(1) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ 3 / 392.


الصفحة 286

وأقـول:

نقل في " كشف الغمّة " عن ابن مردويه ما ذكره المصنّف (رحمه الله) بلفظه كلّه مرّة، وإلى قوله: " والسـيّـئة بغضنا " مرّة أُخرى، وذلك في تفسير آيتيـن:

الأُولى: قوله تعالى في أواخر سورة الأنعام: (من جاء بالحسـنة فلـه عَشـرُ أمثـالهـا ومَـن جـاء بالسـيّـئة فـلا يُـجـزى إلاّ مثلهـا وهُـم لا يُظلمـون)(1).

الثانية: قوله تعالى في أواخر سورة النمل: (من جاء بالحسـنة فله خيرٌ منها وهم من فزع يومئذ آمنون * ومن جاء بالسـيّئة فكُـبّت وجوههم في النار هل تُجزون إلاّ ما كنتم تعملون)(2)(3).

ونقل في " ينابيع المودّة "، عن أبي نعيم والثعلبي والحمويني، في تفسير الثانية، عن عليّ (عليه السلام)، قال: " الحسـنة حبّنا، والسـيّئة بغضنا "(4).

ويشهد لصحّة هذه الروايات، ما عرفته من الأخبار في الآية الرابعة، والآية الثانية عشرة، كما عرفت هناك أيضاً وجه الدلالة على إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) ; فراجـع(5).

____________

(1) سورة الأنعام 6: 160.

(2) سورة النمل 27: 89 و 90.

(3) كشف الغمّة 1 / 321 و 324.

(4) ينابيع المودّة 1 / 291 ح 1، وانظر: تفسير الثعلبي 7 / 230، فرائد السمطين 2 / 297 ـ 299 ح 554 و 555.

(5) راجع ج 4 / 383 وما بعدها، و ص 14 وما بعدها من هذا الجزء.


الصفحة 287
ويؤيّـد دلالتها عليها ما رواه الحاكم في " المستدرك "(1) وصحّحه، عن عمّار [ بن ياسر (رضي الله عنه) ]، قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول لعليّ: " طوبى لمن أحبّك وصدّق فيك، وويل لمن أبغضك وكـذّب فيـك " ; لأنّ المراد ـ ظاهراً ـ هو التصديـق والتكذيب بإمامته، أو فضله الموجب لهـا.

وما نقله في " كنز العمّال "(2)، عن الطبراني، عن ابن عبّـاس، أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لعليّ (عليه السلام): " ألا مَن أحبّك حُفّ بالأمن والإيمان، ومَن أبغضك أماته الله ميتة الجاهلية ".

ونقل بعده بقليل عن الطبراني، عن ابن عمر، مثل ذلك(3).

فإنّ الإيمان إنّما يتمّ بالإقرار بالإمام الحقّ المستلزم لحبّه ; لِما سبق من أنّ الإمامة أصل من أُصول الدين، كما أنّ ميتة الجاهلية إنّما هي بالإخلال بهذا الأصل الناشئ من البغض عادة(4).

ويؤيّد المطلوب أيضاً ما دلّ على الملازمة بين حبّ عليّ وحبّ الله ورسوله، والتلازم بين بغضه وبغضهم ; كالذي نقله في " الكنز " أيضاً عن الطبراني وابن عسـاكر، عن عمّـار، عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّـه قال: " من أحبّـه ـ يعني عليّـاً ـ فقد أحبّني، ومن أحبّني فقد أحبّ الله تعالى، ومن

____________

(1) ص 135 من الجزء الثالث [ 3 / 145 ح 4657 ]. منـه (قدس سره).

(2) ص 154 من الجزء السادس [ 11 / 607 ح 32935 ]. منـه (قدس سره).

وانظر: المعجم الكبير 11 / 62 ـ 63 ح 11092، المعجم الأوسط 8 / 73 ـ 74 ح 7894.

(3) كنز العمّال 11 / 610 ح 32955، وانظر: المعجم الكبير 12 / 321 ح 13549.

(4) راجع ج 4 / 204 وما بعدها.


الصفحة 288
أبغضه فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض الله تعالى "(1).

وكيف لا يُراد بذلك بيان إمامة عليّ (عليه السلام) وقد اهتمّ الكتاب العزيز ببيان وجوب حبّه وحرمة بغضه، حتّى نزل فيه مكرّراً، وعبّر عن حبّه بالحسـنة، وعن بغضه بالسـيّـئة، وكذلك اسـتفاضت وتواترت بهما السُـنّة النبويّـة؟!


*    *    *

____________

(1) كنز العمّال 11 / 610 ح 32953، وانظر: المعجم الكبير 23 / 380 ح 901 بسند آخر عن أُمّ سلمة، تاريخ دمشق 42 / 240، مجمع الزوائد 9 / 109.


الصفحة 289

59 ـ آيـة: (فأذّنَ موذّنٌ بـينهم).

قال المصنّـف ـ أجزل الله ثوابه ـ(1):

التاسعة والخمسون: قال تعالى: (فأذّن مؤذّنٌ بينهم)(2).

هو: عليٌّ (عليه السلام)(3).


*    *    *

____________

(1) نهج الحقّ: 201.

(2) سورة الأعراف 7: 44.

(3) انظر: شواهد التنزيل 1 / 202 ـ 203 ح 261 ـ 265، تفسير الآلوسي 8 / 182، ينابيع المودّة 1 / 301 ـ 302 ح 2 ـ 5.


الصفحة 290

وقال الفضـل(1):

هذا لم يثبت في الصحاح والتفاسـير، وإنْ صحّ لا يدلّ على النصّ.


*    *    *

____________

(1) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ 3 / 393.


الصفحة 291

وأقـول:

نقله في " كشف الغمّة " عن ابن مردويـه(1).

وقال في " ينابيع المودّة ": أخرج الحاكم الحسكاني، عن محمّـد بن الحنفيّـة، عن أبيه عليّ، قال: " أنا ذلك المؤذّن "(2).

وقال أيضاً: أخرج الحاكم، عن ابن عبّـاس، قال عليٌّ: " في كتاب الله أسماء لي لا يعرفها الناس، منها: (فأذّن موذّنٌ بينهم) يقول: ألا (لعنـةُ الله على الظالمين)(3)، أي: الّذين كذّبوا بولايتي، واسـتخفّوا بحقّي "(4).

ونقل أيضاً نحوه، عن " المناقب "، عن الباقـر (عليه السلام)(5).

وهذه الآية ظاهرة الدلالة على المطلوب ; لأنّ المراد بالظالمين:

إمّـا مطلـق العصـاة، فحينـئذ لا بُـدّ أن يكـون المـؤذّن معصـوماً ; إذ لا يصـحّ أن يكون عاصيـاً وهو ينادي بلعنـة العصـاة ; وإذا كان معصومـاً ولا معصـوم غيـره، كان هو الإمـام ; لأنّ العصمـة شرط الإمامـة ـ كمـا

____________

(1) كشف الغمّـة 1 / 321.

(2) ينابيع المودّة 1 / 301 ـ 302 ح 2، وانظر: شواهد التنزيل 1 / 202 ح 261، مجمع البيان 4 / 242.

(3) سورة الأعراف 7: 44.

(4) ينابيع المودّة 1 / 302 ح 3، وانظر: شواهد التنزيل 1 / 202 ح 262، مجمع البيان 4 / 242.

(5) ينابيع المودّة 1 / 302 ح 4.


الصفحة 292
سـبق ـ(1) ; ولكن يبعد النداء بلعن كلّ عاص.

وإمّـا أن يراد بالظالمين: العصاة بالكبائر، لا سـيّما الكفر والنفاق، الذي منه بغض عليّ (عليه السلام)، كما مـرّ(2).

ولا شكّ أنّ مَن يسـتحقّ الناسُ اللعنة لبغضه، مع النداء بها على رؤوس الخلائق يوم الحساب، هو الإمام الحقّ، بل كونه هو المنادي دليل على فضله على الأُمّـة ; والأفضل هو الإمام.

ويشهد لدلالة الآية على الإمامة، الخبرُ الأخير، فإنّ المراد فيه بالولاية: الإمامة ; لأنّ التكذيب إنّما يتعلّق بها لا بالحبّ.

وبمقتضى إطلاق الولاية في الحديث، لا يفترق الحال بين مَن كذّب بإمامته مطلقاً أو في وقت خاصّ.


*    *    *

____________

(1) انظر: ج 4 / 241 من هذا الكتاب.

(2) راجع الصفحات 269 ـ 271 من هذا الجزء.


الصفحة 293

60 ـ آيـة: (إذا دعاكم لِما يحييكم).

قال المصنّـف ـ أعلى الله درجته ـ(1):

السـتّون: قال تعالى: (إذا دعاكم لِما يحييكم)(2).

دعاكم لولاية عليّ بن أبي طالب(3).


*    *    *

____________

(1) نهج الحقّ: 201.

(2) سورة الأنفال 8: 24.

(3) أخرجه الكشفي الترمذي في المناقب: 56 عن ابن مردويه.


الصفحة 294

وقال الفضـل(1):

ليـس هذا في التفاسـير، وإنْ صحّ لا يدلّ على المقصود.


*    *    *

____________

(1) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ 3 / 395.


الصفحة 295

وأقـول:

نقله أيضاً في " كشف الغمّة " عن ابن مردويه(1).

والمراد فيه بالولاية: إمّا الإمامة، كما هو المنصـرف في مثل المقام ; أو الحبّ ; وعلى الاحتمالين يتمّ المدّعى.

أمّا على الأوّل، فغنيّ عن البيان..

وأمّا على الثاني ; فلأنّ دعوة الله ورسوله إلى محبّة عليّ بخصوصه، وجعلها حياةً للناس، دليل على أنّ له منزلة فوق منازل الناس، وهي إمّا الإمامة، وهي عين المطلوب، أو الأفضليّة، وهي تسـتلزمها.


*    *    *

____________

(1) كشف الغمّـة 1 / 321.


الصفحة 296

61 ـ آيـة: (في مقعد صـدق)

قال المصنّـف ـ أعلى الله درجته ـ(1):

الحادية والسـتّون: قوله تعالى: (في مقعدِ صدق عند مليك مقـتدِر)(2).

عليٌّ (عليه السلام)(3).


*    *    *

____________

(1) نهج الحقّ: 201.

(2) سورة القمر 54: 55.

(3) أرجح المطالب: 82 عن ابن مردويـه.


الصفحة 297

وأقـول:

لم يتعرّض الفضل للجواب عن هذه الآية الكريمة ; لسقوطها عن نسـخته، وقال: " لم يذكر هنا الأوّل، وكأنّه في الحساب أيضاً غالطاً "(1).

والأَوْلى بالغلط من ينصب خبر " كأنّ "، ويطلِق الأوّل، ويريد: " الحادي " بلا نكـتة تقتضيه.

ووجه الدلالة في ذلك على إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام)، أنّه سبحانه عبّر عنه بصيغة الجمع فقال: (إنّ المتّقين في جنات ونهر * في مقعدِ صدق عند مليك مُقتدر)(2)، فدلّ على أنّه (عليه السلام) بمنزلة جميع المتّقين ; لأنّه قوام التقوى وأساسها، فهو أعظم الأُمّـة وأفضلها ; فيكون هو الإمام.

وأيضاً: فقد بشّرت الآية عليّـاً (عليه السلام) بشخصه بالجنّة، وهو عالم بذلك ; لأنّ عنده علم الكتاب، وقد سبق أن هذا يقتضي عصمته أو أفضليّته على غيره ; فيكون هو الإمـام(3).

وقد نقل في " كشف الغمّة " عن ابن مردويه خبراً آخر، رواه عن جابر، عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال في آخره: " أبشِرْ يا عليّ! ما من عبد ينتحل مودّتنا إلاّ بعثه الله معنا يوم القيامة " ثمّ قرأ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (في مقعدِ صدق عند مليك مقتدر)(4).

____________

(1) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ 3 / 397.

(2) سورة القمر 54: 54 و 55.

(3) انظر: ج 4 / 183.

(4) كشف الغمّـة 1 / 321.


الصفحة 298
ونقل أيضاً عن موفّق بن أحمد الخوارزمي، عن جابر، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " يا عليّ! من أحبّك وتولاّك أسكنه الله معنا ".

ثمّ تلا رسول الله: (إنّ المتّقين في جنّات ونهر * في مقعدِ صدق عند مليك مقتدر)(1).

ويسـتفاد من أوّل هذين الحديثين، أنّ مودّتَي النبيّ وعليّ عليهما الصلاة والسلام متلازمتان ; ومن الحديثين، أنّ مودّة عليّ توجب دخول الجنّـة.

وذلك دليل الفضل على سائر الأُمّة، فيكون عليّ (عليه السلام) إمامها، لا سيّما مع إعلامه بأنّه من أهل الجنّة، وأنّه السـبب في دخولها.


*    *    *

____________

(1) كشف الغمّة 1 / 305، وانظر: مناقب الإمام عليّ (عليه السلام) ـ للخوارزمي ـ: 276 ح 259.


الصفحة 299

62 ـ آيـة: (ولمّا ضُرب ابنُ مريمَ مثلا)

قال المصنّـف ـ أعلى الله مقامه ـ(1):

الثانية والسـتّون: قوله تعالى: (ولمّا ضُرب ابنُ مريمَ مثلا إذا قومك منه يصدّون)(2).

قال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لعليّ: " إنّ فيك مثلا من عيسى، أحبّه قوم فهلكوا فيه، وأبغضه قوم فهلكوا فيه ".

فقال المنافقون: أما يرى له مثلا إلاّ عيسى؟! فنزلت الآية(3).


*    *    *

____________

(1) نهج الحقّ: 202.

(2) سورة الزخرف 43: 57.

(3) انـظر: شـواهد التنـزيل 2 / 159 ـ 167 ح 859 ـ 871، وراجع: السـنن الكبرى ـ للنسائي ـ 5 / 137 ح 8488، فضائل الصحابة ـ لأحمد بن حنبل ـ 2 / 793 ـ 794 ح 1087 و ص 888 ح 1221 و 1222، زوائد عبـد الله على المسند: 411 ـ 412 ح 195 و 196، التاريخ الكبير ـ للبخاري 1 / 281 ـ 282 رقم 966 ترجمة ربيعة بن ناجذ الأسدي، مسند البزّار 3 / 11 ـ 12 ح 758، مسند أبي يعلى 1 / 406 ـ 407 ح 534، العقد الفريد 3 / 313، المستدرك على الصحيحين 3 / 133 ح 4622، فضائل الخلفاء ـ لأبي نعيم ـ: 68 ح 54، الاستيعاب 3 / 1130، مناقب الإمام عليّ (عليه السلام) ـ لابن المغازلي ـ: 109 ـ 110 ح 104، تاريخ دمشق 42 / 293 ـ 296، مجمع الزوائد 9 / 133.


الصفحة 300

وقال الفضـل(1):

نزلت في عبـد الله بن الزِّبَعْرى(2)، حين نزل: (إنّـكم وما تعبدون من دون الله حصب حهنّم)(3)، فقال ابن الزبعرى: عيسى عُبِد، فهو يدخل جهنّم!

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ما أجهلك بلغة قومك! فإنّ " ما " لا يراد به ذوو العقول، وعيسى من ذوي العقول.

فأنزل الله تعالى: (ولمّا ضُرب ابنُ مريمَ مثلا إذا قومك منه يصـدّون)(4).

وإنْ صحّ، فهو في حكم أخواتها.


*    *    *

____________

(1) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ 3 / 402.

(2) هو: عبـد الله بن الزبعرى بن قيس بن عديّ السهمي، يصل نسـبه إلى مضر بن نزار، وهو أحد شعراء قريش المعدودين، كان شاعراً مفلّقاً خبيثاً، وكان مؤذياً لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، يهجو المسلمين، ويحرّض عليهم كفّار قريش في شعره، ثمّ أسلم بعد ذلك، فقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إسلامه، وأمّنه يوم الفتح، قيل: توفّي سـنة 15 هـ.

انظر: الأغاني 15 / 174 رقم 13، المؤتلف والمختلف ـ للآمدي ـ: 194.

(3) سورة الأنبياء 21: 98.

(4) تفسير الفخر الرازي 27 / 222، تفسير البغوي 4 / 128، تفسير القرطبي 16 / 69، الكشّاف 3 / 493، زاد المسير 7 / 141، روح المعاني 25 / 142.


الصفحة 301

وأقـول:

هذا ممّا رواه ابن مردويه كما في " كشف الغمّة "(1)، ورواه أئمّتنا الأطهار عن أمير المؤمنين(2).

ونقل نحوه في " ينابيع المودّة "، في الباب الرابع والأربعين، عن " المناقب "(3).

وقد استفاض ضرب المثل لعليّ بعيسى في أخبارهم حتّى روي في " مسند أحمد " من طريقين(4)، ورواه النسائي في " خصائصه "(5)، والحاكم في " المسـتدرك " وصحّـحه(6).

ونقله في " الصواعق "، في الحديث العشرين من الأحاديث الواردة في فضل أمير المؤمنين (عليه السلام)، عن البزّار وأبي يعلى(7).

ونقله في " كنز العمّال "(8)، عن أبي نعيم وغيره.

____________

(1) كشف الغمّة 1 / 321.

(2) انظر: تفسير فرات 2 / 403 ـ 404 ح 538 ـ 539، تفسير القمّي 2 / 259.

(3) ينابيع المودّة 1 / 393 ح 6.

(4) ص 160 من الجزء الأوّل، وهي آخر صحيفة من مسـند عليّ (عليه السلام). منـه (قدس سره).

(5) خصائص الإمام عليّ: 84 ـ 85 ح 98.

(6) ص 123 من الجزء الثالث [ 3 / 132 ـ 133 ح 4622 ]. منـه (قدس سره).

(7) الصواعق المحرقة: 190 ـ 191، وانظر: مسند البزّار 3 / 11 ـ 12 ح 758، مسند أبي يعلى 1 / 406 ـ 407 ح 534.

(8) ص 158 من الجزء السادس [ 11 / 623 ح 33032 ]. منـه (قدس سره).

وانظر: فضائل الخلفاء ـ لأبي نعيم ـ: 68 ح 54، وراجع ما مرّ في الصفحة 282 هـ 3.


الصفحة 302
ولا ريب في صحّة ذلك ـ حتّى لو لم تَرِد به رواية ـ ; لشهادة الوجدان به، فإنّ الغلاة بأمير المؤمنين (عليه السلام) كثيرون، وكذلك النصّاب له الّذين هلكوا ببغضه، كالخوارج وبني أُمّية وأشـياعهم، وأشـباه الفضل، ممّن ألزموا أنفسهم من دون برهان بتأخيره رتبةً وفضلا عمّن لا يُقاس به علماً وعمـلا.

ولا يمكن أن تكون الإماميّة ممّن هلك بحبّه ; لأنّ الروايات المشار إليها جعلت الهالكين بحبّه من نحو الهالكين بحبّ عيسـى، ومن المعلوم أنّ من هلك بحبّ عيسى إنّما هو من قال بإلهـيّته، فكذا من هلك بحبّ عليّ.

وأمّا ما ذكره الفضل من قصّة ابن الزبعرى ; فلا مناسبة لها بجعل عيسى مثلا ; لأنّ ابن الزبعرى صيّر عيسى نقضاً للآية لا مثـلا.

على أنّ المفهوم من الآية أنّ الضارب للمثل بعيسى هو النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)لا قومه، وإنّما هم صادّون عنه.

وممّا ذُكر يُعلم وجه الدلالة على إمامة أميـر المؤمنين (عليه السلام) ; فإنّ ضرب المثل له بعيسى دالٌّ على أنّه مِثله في الفضل عند الله تعالى، بحيث كان بغضه هلاكاً ; فهو شـبيه عيسى بالعظمة، وفوق الأُمّة، وإمامها ; ولذا قال المنافقون: " لا يرى له مَـثلا إلاّ عيسى "..

مضافاً إلى أنّ الداعي للغلوّ فيه كالداعي للغلوّ بعيسى، وهو ما صدر عنه من المعجزات والكرامات الباهرة، ولا شكّ أنّ صدروها من شخص دون غيره دليلٌ على كرامته عند الله وفضله على قومه، والأفضل محلُّ الإمامة، ودليلٌ على أنّ إمامته من الله تعالى ; لاقتران معجزته بدعوى الإمامـة.


الصفحة 303
ويكفيك من معجزاته إخبارُه بالمغيّبات(1)، وردّ الشمس له في حياة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وبعده(2)، ومخاطبة الثعبان له(3)، وغيرها من كراماته الباهرة.

وسيأتي إن شاء الله تعالى في الحديث الخامس عشر وجهٌ آخرُ لبيان إمامتـه من الآية وهذا الحديث.

____________

(1) انظر: تاريخ الطبري 3 / 125، جواهر المطالب 1 / 263، شرح نهج البلاغة 2 / 290 ـ 294 و ج 10 / 13 ـ 15.

(2) وقد رُدّت الشمس لأمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) مرّتين:

أُولاهما في زمن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، بالصهباء من أرض خيبر أيّام غزاتها، وقد أخرج حديث ردّ الشمس هذا جمع كبير من الحفّاظ والمحدّثين، يربو عددهم على الأربعين، وقد أخرجوه بأسانيد متعدّدة وطرق كثيرة، وقد نصَّ بعضهم على أنّ منها طرقاً صحيحة ثابتة، فانظر:

الذرّيّة الطاهرة ـ للدولابي ـ: 129 ح 156، مشكل الآثار 2 / 7 ح 1207، 1208 و ج 4 / 268 ح 3850 و 3851، المعـجـم الكبـيـر 24 / 144 ـ 145 ح 382 و ص 147 ـ 152 ح 390 و 391، أعلام النبوّة ـ للماوردي ـ: 149، مناقب الإمام عليّ (عليه السلام) ـ لابن المغازلي ـ: 126 ـ 127 ح 140 و 141، زيـن الفتى 2 / 50 ـ 52 ح 331، الشفا ـ للقاضي عياض ـ 1 / 284، مناقب الإمام عليّ (عليه السلام) ـ للخوارزمي ـ: 306 ـ 307 ح 301 و 302، تاريخ دمشق 70 / 36 رقم 9409، كفاية الطالب: 383 ـ 384، المقاصد الحسـنة: 270 ح 519.

كما أفرده بعضهم بالتأليف، فأوردوا أحاديثه وجمعوا طرقه، كأبي عبـد الله الجُعل المعتزلي الحنفي، والحاكم الحسكاني، والنقيب العبيـدلي، وأخطب خوارزم، والسـيوطي، وشمس الدين الدمشقي ; فانظر:

الغدير 3 / 183 ـ 203 و 537، أهل البيت (عليهم السلام) في المكتبة العربية: 110 ـ 114 رقم 208 ومواضع أُخر، كشف الرمس عن حديث ردّ الشمس: 9 ـ 77.

وأمّا ثانيتهما، فقد ردّت الشـمس بعد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) عليه (عليه السلام) ببابل، وقد ورد ذلك في عدّة مصادر، منها:

وقعة صفّين: 135 ـ 136، مناقب الإمام عليّ (عليه السلام) ـ للخوارزمي ـ: 329 ـ 330 ح 349، ينابيع المودّة 1 / 418 ـ 419.

(3) انظر: الكافي 1 / 449 ـ 450 ح 6 كتاب الحجّة، بصائر الدرجات: 117 ح 7.