الصفحة 333

وقال الفضـل(1):

في الروايات المشهورة أنّها في بيت النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولا يبعد أنّ بيت النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) والوليّ يكون متّحداً.

ولا بأس بهذه الروايـة، فإنّ كلّ هذه تدلّ على الفضائل المتّـفق عليها، ولا دلالة فيها على النصّ، وهو المدّعى.


*    *    *

____________

(1) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ 3 / 443.


الصفحة 334

وأقـول:

حكاه في " الدرّ المنثور "، عن ابن أبي حاتم، عن ابن سيرين(1).

وما ذكره الفضل أنّها في دار النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) مرويّ أيضاً، ومقتضى الجمع أنّ دارهما واحدة، كما ورد من طرقنا تصريح النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بـه بعد أن قال مرّةً: " إنّ طوبى شجرة في الجنّة، أصلُها في داري وفروعها في دور أهل الجنّـة ".

وقال مرّةً: " أصلُها في دار عليّ (عليه السلام) "(2).

ودلالتها على إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) من وجهين:

الأوّل: إنّها أبانت أنّ عليّـاً (عليه السلام) من أهل الجنّة ; وقد سبق مراراً أنّ إعلامه بشخصه بأنّه من أهل الجنّة يستدعي عصمته، أو فضله على غيره.

الثاني: إنّ اتّحاد دار النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) والوليّ دليل على أنّهما كنفس واحدة، وبمنزلة متّحدة، فيكون عليّ (عليه السلام) أفضل الناس وخيرهم حتّى الأنبياء، فيكون إمام الأُمّـة ألبتّـة.


*    *    *

____________

(1) الدرّ المنثور 4 / 644.

(2) شواهد التنزيل 1 / 304 ـ 306 ح 417 ـ 421، تفسير القرطبي 9 / 208، مجمع البيان 6 / 35.


الصفحة 335

71 ـ آيـة: (فإنّـا منهم منتقمون)

قال المصنّـف ـ شرّف الله قدره ـ(1):

الحادية والسـبعون: (فإمّا نذهبنّ بك فإنّـا منهم منتقمون)(2).

قال ابن عبّـاس: بعليّ (عليه السلام)(3).


*    *    *

____________

(1) نهج الحقّ: 205.

(2) سورة الزخرف 43: 41.

(3) مـا نـزل مـن القـرآن فـي عليّ ـ لأبـي نـعيـم ـ: 216، منـاقـب الإمـام عليّ (عليه السلام)ـ لابن المغازلي ـ: 238 ـ 239 ح 321، شواهد التنزيل 2 / 152 ـ 155 ح 851 ـ 854، فردوس الأخبار 2 / 110 ح 4272، ينابيع المودّة 2 / 238 ح 667.


الصفحة 336

وقال الفضـل(1):

لا يظهر ربطه بعليّ ; إذ المراد من الّذين ينتقم منهم: هم الكفّار، وعليٌّ لم يحارب الكـفّار بعد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم).

وإنْ أراد البغاة، فالآية ليست نازلة في شأنهم، كما يدلّ السابق واللاحق من الآية على أنّها نزلت في شأن الكفّار ; وإنْ صحّ فلا يدلّ على المـدّعى.


*    *    *

____________

(1) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ 3 / 445.


الصفحة 337

وأقـول:

هذا ممّا نقله في " كشف الغمّة "، عن ابن مردويه، عن ابن عبّـاس(1).

ونقله أيضاً في " ينابيع المودّة "، في الباب السادس والعشرين، عن أبي نعيم، عن حذيفة بن اليمـان(2).

وقال السيوطي في " الدرّ المنثور ": أخرج ابن مردويه، عن جابر، عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذه الآية: " نزلت في عليّ بن أبي طالب، أنّه ينتقم من الناكثين والقاسطين بعدي "(3).

فهذه الرواية صريحة في نزول الآية بانتقام عليّ (عليه السلام) من البُغاة، كما هو مقتضى الأخبار الأُخر.

وأمّا ما زعمه الفضل من أنّ المراد من الّذين ينتقم منهم: هم الكفّار، بدعوى دلالة ما سبق على الآية وما لحقها على ذلك، فممنوع ; لشمول هذه الآيات للكافرين والمنافقين، قال تعالى في سورة " الزخرف ": (ومن يَعْشُ عن ذِكر الرحمن نُقـيّض له شيطاناً فهو له قرين * وإنّهم ليصـدّونهم عن السـبيل ويحسبون أنّهم مهتدون * حتّى إذا جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بُعد المشرقين فبئس القرين * ولن ينفعكم اليوم إذ

____________

(1) كشف الغمّـة 1 / 323.

(2) ينابيع المودّة 1 / 293 ح 1، وانظر: ما نزل من القرآن في عليّ ـ لأبي نعيم ـ: 216.

(3) الدرّ المنثور 7 / 380.


الصفحة 338
ظلمتم أنّـكم في العذاب مشتركون * أفأنت تُسمعُ الصمّ أو تهدي العُمي ومن كان في ضلال مبين * فإمّا نذهبنّ بك فإنّا منهم منتقمون * أو نرينّـك الذي وعدناهم فإنّـا عليهم مقـتدرون)(1).

فإذا كان لفظ الآيات شاملا للكافرين والمنافقين، وكان صالحاً لتخصيصه بالمنافقين لدليل خاصّ كسائر العمومات، فقد صحّ لتلك الأخبار أن يُراد بالآيات الخصوص، وأن يكون المراد بضمير الغَيبة في قوله تعالى: (فإنّـا منهم منتقمون) هو: المنافقون، لا سيّما مع التصريح ـ في رواية جابر المذكورة ـ بالانتقام من الناكثين والقاسطين، فإنّهم وسائرَ البغاة على عليّ (عليه السلام) أعداءٌ مُبغضون له، وقد استفاضت الأخبار كما مرّ مراراً أنّ بغضه علامة النفاق(2).

فإذا كان عليّ (عليه السلام) هو الذي وعد الله سبحانه بالانتقام به بعد النبيّ بمقتضى تلك الأخبار، كان هو الإمام ; لأنّ قيامه مقام النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في ما هو أنسـب بعمل الخلفاء والأئمّـة ظاهـرٌ في إمامته بعـده.

ولو سُلّم أنّ الآيات نازلة بالكافرين، فالبغاة على أمير المؤمنين (عليه السلام)منهم ; لإنكارهم لإمامته، والإمامة من أُصول الدين كما هو الحقّ..

ولقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): " حربك حربي "(3)..

وقوله سبحانه: (من يرتدّ منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبّهم ويحبّونه...)(4) الآية، فإنّها نازلة بعليّ (عليه السلام) ومن حاربه، كما

____________

(1) سورة الزخرف 43: 36 ـ 42.

(2) راجع ج 1 / 15 هـ 3 من هذا الكتاب.

(3) انظر: كنز العمّال 12 / 97 ح 34164، وقد تقـدّم مؤدّاه في ج 4 / 358 هـ 4 من هذا الكتاب، وسـيأتي ذِكره مفصّـلا.

(4) سورة المائدة 5: 54.


الصفحة 339
سـبق(1).

.. إلى غير ذلك من الأدلّـة الدالّـة على كفرهم، ولو حكماً في الجملـة.


*    *    *

____________

(1) راجع ص 79 وما بعدها من هذا الجزء.


الصفحة 340

72 ـ آيـة: (هل يسـتوي هو ومَن يأمر بالعدل)

قال المصنّـف ـ أعلى الله درجته ـ(1):

الثانية والسـبعون: (هل يسـتوي هو ومَن يأمر بالعدل وهو على صراط مسـتقيم)(2).

عن ابن عبّـاس: إنّه عليّ (عليه السلام)(3).


*    *    *

____________

(1) نهج الحقّ: 205.

(2) سورة النحل 16: 76.

(3) ذكره الحافظ أبو بكر بن مردويه في " المناقب "، كما في كشف الغمّة 1 / 324.


الصفحة 341

وقال الفضـل(1):

لا شكّ أنّ عليّـاً كان يأمر بالعـدل وهـو على صـراط مسـتقيم، لكن لا يدلّ هذا على النصّ على إمامتـه.


*    *    *

____________

(1) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ 3 / 448.


الصفحة 342

وأقـول:

هذا ممّا حكاه في " كشف الغمّة "، عن ابن مردويـه(1).

وأوّل الآية: (وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كَلٌّ على مولاه أينما يُوجّهه لا يأتِ بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مسـتقيم)(2).

وهذا المثل ـ كما تدلّ عليه الآيات السابقة على هذه الآية ـ قد ضربه الله سبحانه لنفسه وللأصنام، فمثّلها بالأبكم العاجز، ومثّل نفسه المقدّسة بعليّ (عليه السلام)، وقال سـبحانه: (لله المثلُ الأعلى)(3).

فيكون عليٌّ (عليه السلام) أعلى وأفضلَ من سائر الأُمّـة وإمامَـها..

وأيضاً: قد دلّ على أنّه على الصراط المسـتقيم، فيكون معصوماً..

وعلى أنّه يأمر بالعدل أيضاً، فيكون أفضلَ وأَوْلى بالإمامة ممّن قال: " أمَا والله ما أنا بخيركم، أفتظنّون أنّي أعمل فيكم بسُـنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)إذاً لا أقوم بها، إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يُعصم بالوحي، وكان معه ملَك، وإنّ لي شيطاناً يعتريني، فإذا غضبت فاجتنبوني، أن لا أُؤثّر في أشعاركم وأبشاركم "(4).

____________

(1) كشف الغمّـة 1 / 324.

(2) سورة النحل 16: 76.

(3) سورة النحل 16: 60.

(4) الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ 3 / 159، الإمامة والسياسة 1 / 34، تاريخ الطبري 2 / 244 ـ 245، تاريخ دمشق 30 / 303 و 304، صفوة الصفوة 1 / 110، شرح نهج البلاغة 6 / 20، البداية والنهاية 5 / 188 و 189، مجمع الزوائد 5 / 183 ـ 184، تاريخ الخلفاء: 84.


الصفحة 343

الصفحة 344

73 ـ آيـة: (سلامٌ على إل يـاسـين)

قال المصنّـف ـ قـدّس الله روحـه ـ(1):

الثالثة والسـبعون: (سلامٌ على إل ياسـين)(2).

عن ابن عبّـاس: آل محمّـد (صلى الله عليه وآله وسلم)(3).


*    *    *

____________

(1) نهج الحقّ: 205.

(2) سورة الصافّات 37: 130.

(3) المعجم الكبير 11 / 56 ح 11064، الكامل في الضعفاء 6 / 350 رقم 1832، تفسير الثعلبي 8 / 169، تفسير الماوردي 5 / 65، شواهد التنزيل 2 / 109 ـ 112 ح 791 ـ 797، تفسير البغوي 4 / 35، زاد المسير 6 / 320، تفسير الفخر الرازي 26 / 163، تفسير القرطبي 15 / 79، تفسير ابن كثير 4 / 21، مجمع الزوائد 9 / 174، الدرّ المنثور 7 / 120، جواهر العقدين: 228، الصواعق المحرقة: 228، فتح القدير 4 / 359.


الصفحة 345

وقال الفضـل(1):

صحَّ هذا، وآل يس آل محمّـد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وعليٌّ منهم، والسـلام عليهم.

ولكن أين هو دليـل المـدّعى؟!


*    *    *

____________

(1) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ 3 / 450.


الصفحة 346

وأقـول:

فضّل الله سبحانه في هذه السورة، أي سورة الصافّات، جماعة مخصوصة من الأنبياء، فقال تعالى: (وتركنا عليه في الآخِرين * سلامٌ على نُوح في العالمين)(1)..

وقال تعـالى: (سلامٌ على إبراهيم)(2)..

وقال سـبحانه: (سلامٌ على موسى وهارون)(3).

ثمّ ختم السورة بالتعميم لجميع المرسلين.

وخصّ أيضاً في أثناء ذلك آل محمّـد بالسلام، فقال: (سلامٌ على إل ياسين)(4)، وهو دليل على شرف منزلتهم، وأنّهم في قرن الأنبياء والمرسلين ; فيكون دليلا على فضلهم وإمامتهم للأُمّـة.

قال الرازي في ما حكاه عنه ابن حجر في " الصواعق "(5): " إنّ أهل بـيته (صلى الله عليه وآله وسلم) يساوونه في خمسة أشياء:

في السلام، قال: السلام عليك أيّها النبيّ، وقال: (سلام على إل ياسـين)..

وفي الصلاة عليه وعليهم في التشـهّد..

____________

(1) سورة الصافّات 37: 78 و 79.

(2) سورة الصافّات 37: 109.

(3) سورة الصافّات 37: 120.

(4) سورة الصافّات 37: 130.

(5) في الآية الثالثـة من الآيات النازلـة في أهل البيت، وهي الآية التي نحن فيها. منـه (قدس سره).


الصفحة 347
وفي الطهارة، قال تعالى: (طـه)(1) أي: يا طاهر، وقال: (ويُطـهّركم تطهيـراً)(2)..

وفي تحريم الصدقـة..

وفي المحبّـة، قال تعـالى: (فاتّبعوني يُحْبِـبكم الله)(3)، وقال: (لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القربى)(4) "(5).

وأقـول:

لقد ترك عُمدة ما يساوونه فيه، وهو أنّهم حجج الله مثله(6) ; لكونهم خلفاءَه الاثني عشر من قريش، ونسي المباهلة بهم معه وعصمتهم، وكثيراً من الفضائل التي يشاركونه بها دون الأُمّـة، كالعلم بما في الكتاب ونحوه.


*    *    *

____________

(1) سورة طه 20: 1.

(2) سورة الأحزاب 33: 33.

(3) سورة آل عمران 3: 31.

(4) سورة الشورى 42: 23.

(5) الصواعق المحرقـة: 229، وانظر مؤدّاه في: تفسير الفخر الرازي 22 / 4 تفسير سورة طه، و ج 25 / 210 تفسير آية التطهير، و ج 27 / 167 تفسير آية المودّة، جواهر العقدين: 229 ـ 230.

(6) تاريخ دمشق 42 / 308 و 309، تاريخ بغداد 2 / 88 رقم 474، مناقب الإمـام عليّ (عليه السلام) ـ لابن المغازلي ـ: 93 ح 67، ميزان الاعتدال 6 / 446 رقم 8596، الكامل في الضعفاء 6 / 397 رقم 1883، الرياض النضرة 3 / 159، كشف الغمّة 1 / 94 و 161 نقلا عن العزّ الحنبلي والحافظ اللفتواني في كتاب " الأربعيـن ".


الصفحة 348

74 ـ آيـة: (فأمّا من أُوتي كتابه بيمينه)

قال المصنّـف ـ طاب مرقده ـ(1):

الرابعة والسـبعون: (ومَن عنده عِلم الكتاب)(2)..

و (أمّـا من أُوتي كتابه بيمينه)(3).

قال ابن عبّـاس: هو عليٌّ(4).


*    *    *

____________

(1) نهج الحقّ: 206.

(2) سورة الرعد 13: 43، وراجع بخصوص هذه الآية: ص 117 ـ 119 من هذا الجـزء.

(3) سورة الحاقّـة 69: 19.

(4) أرجح المطالب: 85.


الصفحة 349

وقال الفضـل(1):

قد علمت أنّ آية: (ومَن عندَه عِلمُ الكتاب)، نزلت في عبـد الله ابن سلاّم(2).

وأمّا آية: (مَن أُوتي كتابه بيمينه)، فالظاهر أنّ المراد: سائر المؤمنين من أصحاب اليمين، وإنْ خُصّ فلا دلالة له على المدّعى.


*    *    *

____________

(1) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ 3 / 452.

(2) انظر الصفحة 116 من هذا الجزء.


الصفحة 350

وأقـول:

قد علمت ممّا سبق كذب دعوى نزولها في ابن سلاّم، وأنّ الحقّ نزولها في عديل القرآن وقرينه، وباب مدينة علم سيّد المرسلين، وأوضحنا دلالتها على إمامته هناك في الآية السابعة والعشرين(1).

وأمّا الآية االثانية، فتعرف دلالتها على إمامته (عليه السلام) ممّا سبق في الآية الثانية والثلاثين(2) وغيرها ; لبشارتها له وإعلامها له بأنّه يؤتى كتابه بيمينه، وأنّه في عيشة راضية في جنّـة عالية.

وإنّما أعاد المصنّف (رحمه الله) ذِكر الآية الأُولى من هاتين الآيتين ; لأنّه إنّما رواها سابقاً من طريق الثعلبي عن عبـد الله بن سلاّم، ومن طريق أبي نعيم، عن محمّـد بن الحنفيّـة(3).

وأمّا روايتها هنا فمن طريق ابن مردويه، عن ابن عبّـاس، فإنّه روى نزول الآيتين معاً في رواية واحدة، كما في " كشف الغمّة "، فحسن لذلك إعادتها بتبـع أُختها(4).


*    *    *

____________

(1) راجع الصفحات 117 ـ 119 من هذا الجزء.

(2) راجع الصفحات 142 ـ 147 من هذا الجزء.

(3) راجع الصفحة 115 من هذا الجزء.

(4) كشف الغمّة 1 / 324.


الصفحة 351

75 ـ آيـة: (إخواناً على سُرُر مُتقابلين)

قال المصنّـف ـ أعلى الله درجته ـ(1):

الخامسة والسـبعون: (ونزعنا ما في صدورهم من غلّ إخواناً على سُـرُر متـقابليـن)(2).

عن أبي هريرة، قال: " قال عليّ بن أبي طالب: يا رسول الله! أيّما أحبُّ إليك، أنا أم فاطمة؟

قال: فاطمة أحبُّ إليَّ منك، وأنت أعزُّ عليَّ منها، وكأنّي بك وأنت على حوضي تذود عنه الناس، وأنّ عليه الأباريق مثل عدد نجوم السماء، [ وإنّي ] وأنت والحسن والحسين وفاطمة وعقيل وجعفر في الجنّة إخواناً على سُرُر متقابلين، أنت معي وشـيعتك في الجنّـة.

ثمّ قرأ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (إخواناً على سُرُر متقابلين)، لا ينظر أحدُهم في قفا صاحبه "(3).


*    *    *

____________

(1) نهج الحقّ: 206.

(2) سورة الحجر 15: 47.

(3) انظر: المعجم الأوسط 7 / 392 ـ 393 ح 7675، مجمع الزوائد 9 / 173.

وانظر صدر الحديث في: أُسد الغابة 6 / 224 رقم 7175، الجامع الصغير 2 / 360 ح 5836، فيض القدير 4 / 556 ح 5836، كنز العمّال 12 / 109 ح 34225.


الصفحة 352

وقال الفضـل(1):

إنْ صحّ هذا فهو من فضائله وذِكر درجاته العُلى في الجنّة، ولا ريب لمؤمن في هذا ; والبحث في وجود النصّ، فأيُّ نفع لذاكر هذه الفضائل في ذِكرهـا؟!


*    *    *

____________

(1) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ 3 / 455.


الصفحة 353

وأقـول:

سبق ذِكر هذه الآية، وهي الآية الثانية والثلاثون، وإنّما أعادها المصنّف (رحمه الله) ; لأنّه نقلها سابقاً، عن " مسند أحمد "، وذكرنا هناك تمام حديثه وبيّـنّا وجوه دلالته(1).

وأمّا ذِكرُها هنا ; فلأنّ الحديث المذكور في المقام من أحاديث ابن مردويه(2)، وهو مشتمل على خصوصيّات أُخر تقتضي الإمامة أيضاً..

منها: إنّ عليّـاً (عليه السلام) هو الساقي على حوض النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، يذود عنه الناس، وهو بظاهره يقتضي الامتياز والفضل على جميع الناس، ولا أقلّ من دلالته على الفضل على هذه الأُمّـة، فيكون إمامَـها.

ومنها: إنّ شيعته في الجنّة، فيكون ما يعتقدونه من إمامته دون غيره حـقّ.

ومنها: بشارته بشخصه بالجنّة، وهو كما سبق(3) دليل على عصمته، أو فضله على مثل المشايخ الثلاثة ممّن لا يصحّ تبشيره بهذه البشارة، فيتعيّن دونهم للإمامـة.

فإن قلت: على هذا يكون عقيل مساوياً لعليّ (عليه السلام) بالعصمة أو الفضل على غيره ; لبشارته بشخصه أيضاً في الجنّة، فيلزم جواز إمامته وأنتم لا تقولونه!

____________

(1) راجع الصفحة 140 من هذا الجزء.

(2) انظر: كشف الغمّـة 1 / 325 عن ابن مردويه.

(3) راجع الصفحة 144 من هذا الجزء.


الصفحة 354
قلـت: قد اعتبرنا في الدلالة على العصمة أو الفضل عِلم الشخص بدخـوله الجنّـة، وليـس في الحـديث ما يدلّ على عِلم عقيـل، وليـس هو ـ أيضاً ـ كعليّ (عليه السلام) عنـده عِلم الكـتاب، والعلم بكلّ آيـة في مَن نزلت، فلا يلزم علوّ رتبته كعليّ (عليه السلام).

على أنّ عقيلا ليس بمعصوم، فلا تجوز إمامته، وإنْ فُرض جواز بشارته وإعلامه بدخول الجنّـة.

هـذا، ونقل نحو هذا الحديث في الباب الرابع والأربعين من " ينابيع المودّة " عن أبي نعيم، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعليّ: " أنت يا عليّ على حوضي، تذود عنه المنافقين، وأنّ أباريقه عدد نجوم السماء، وأنت والحسن والحسين وحمزة وجعفر في الجنّة، إخواناً على سُرُر متقابلين، وأنت وأتباعك معي "، ثمّ قرأ: (ونزعنا ما في صدورهم من غلّ إخواناً على سُرُر متقابلين)(1).


*    *    *

____________

(1) ينابيع المودّة 1 / 395 ح 10.


الصفحة 355

76 ـ آيـة: (يُعجب الـزُّرّاع)

قال المصنّـف ـ قـدّس سرّه ـ(1):

السادسة والسـبعون: (يُعجبُ الزرّاعَ ليغيظَ بهم الكـفّار)(2).

هو: عليٌّ (عليه السلام)(3).


*    *    *

____________

(1) نهج الحقّ: 207.

(2) سورة الفتح 48: 29.

(3) تاريخ بغداد 11 / 172 رقم 5871 و ج 13 / 153 رقم 7131، شواهد التنزيل 2 / 185 ح 891، تاريخ دمشق 39 / 178.


الصفحة 356

وقال الفضـل(1):

قد سـبق ما ذكر في شـأن نزول هذه الآيـة(2)، وهو من الفضـائل، ولا يدلّ على النصّ.


*    *    *

____________

(1) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ 3 / 456.

(2) في مبحث الآية رقم 40، راجع الصفحات 194 ـ 197 من هذا الجزء.


الصفحة 357

وأقـول:

هذا ممّا حكاه في " كشف الغمّة "، عن ابن مردويـه(1).

ويؤيّـده ما ورد من نـزول أبعـاض أُخـرَ مـن الآيـة في أميـر المؤمنيـن (عليه السلام)، كما عرفـته في الآية الأربعين، والرابعة والسـتّين(2).

والظاهر نزولها جميعاً في النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين ; لتصريح صدرها بالنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، وورود نزول جملة من أبعاضها في عليّ (عليه السلام).

قال تعالى: (محمّـد رسول الله والّذين معه) ـ يعني: عليّـاً ـ (أشدّاءُ على الكفّار رحماء بينهم تراهم ركّعاً سجّداً يبتغون فضلا من الله ورضواناً سـيماهم في وجوههم من أثر السجود)(3).

ثمّ بيّن سبحانه مَثَلَ النبيّ وعليّ لمؤازرته له في دعوته بالزرع الذي (أخرج شـطأه) أي: فراخـه وصغاره(4)، وذلك بلحاظ ابتداء دعوة النبيّ، (فآزره) من حيث مؤازرة عليّ (عليه السلام) لـه (صلى الله عليه وآله وسلم)، (فاسـتغلظ)بهما، (فاسـتوى على سـوقه) باسـتمرار دعوة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وسـيف عليّ (عليه السلام)، (يُعجب الزرّاع ليغيظ بهم الكفّار) أي: بالنبيّ وعليّ.

ولا ريب أنّ من امتاز بكونه غيظاً للكافرين، لا بُـدّ أن يكون أقوى

____________

(1) كشف الغمّـة 1 / 325.

(2) راجع الصفحة 194 وما بعدها، والصفحة 291 وما بعدها، من هذا الجزء.

(3) سورة الفتح 48: 29.

(4) انظر: تفسير الطبري 11 / 372، لسان العرب 7 / 114 مادّة " شطأ ".


الصفحة 358
المسلمين عزيمة، وأشدّهم شكيمة، وأعلاهم حُجّة وأثراً، وأفضلهم فهماً وعلماً، وليس ذلك إلاّ النبيّ والإمـام.


*    *    *


الصفحة 359

77 ـ آيـة: (أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله)

قال المصنّـف ـ نـوّر الله ضريحـه ـ(1):

السابعة والسـبعون: (أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضـله)(2).

قال الباقـر (عليه السلام): نحن النـاس(3).


*    *    *

____________

(1) نهج الحقّ: 207.

(2) سورة النساء 4: 54.

(3) مناقب الإمام عليّ (عليه السلام) ـ لابن المغازلي ـ: 234 ح 314، وانظر: شواهد التنزيل 1 / 143 ـ 145 ح 195 ـ 198، وفي الحديث 195: عن جعفر بن محمّـد (عليه السلام)، قال: " نحن المحسودون " ; وفي حديث آخر، عنه (عليه السلام)، قال: " نحن والله هم، نحن والله المحسودون "، ثمّ ذكر الحمويني أبيات خزيمة بن ثابت التالية:


رأوا نعمـة لله ليسـت عليـهمعليك وفضلا بارعاً لا تنازعه
من الدين والدنيا جميعاً لك المنىوفوق المنى أخلاقه وطبايعه
فعضّوا من الغيظ الطويل أكفّهمعليك ومن لم يرض فالله خادعه

وانظر أيضاً: جواهر العقدين: 245، رشفة الصادي: 63.