الصفحة 360

وقال الفضـل(1):

هذا أيضاً إنْ صحّ فهو من الفضائل، ولا ثبوت للمدّعى.


*    *    *

____________

(1) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ 3 / 458.


الصفحة 361

وأقـول:

قال ابن حجر في " الصواعق "(1): أخرج أبو الحسن المغازلي، عن الباقـر (عليه السلام)، أنّه قال في هذه الآية: " نحن الناس والله "(2).

ونحوه في " ينابيـع المودّة "(3).

وزاد روايةً أُخرى عن ابن المغازلي، عن ابن عبّـاس، قال: " هذه الآية في النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وفي عليّ (عليه السلام) "(4).

ووجه الدلالة على المطلوب ظاهر ; فإنّ المراد بـ: (ما آتاهم الله من فضله) هو العلم والهدى والفهم والحكمة، ونحوها من الصفات والفضائل التي هي شأنّ محمّـد (صلى الله عليه وآله وسلم) وعليّ (عليه السلام)، لا أُمور الدنيا الدنـيّـة.

ومن المعلوم: أنّ إيتاء هذا الفضل لعليّ (عليه السلام) الذي حسده الناس عليه يسـتدعي الأفضليّة والإمامة، وإلاّ لَما حسدوه عليه.

كما أنّ مشاركته (عليه السلام) للنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في الفضل ـ على الرواية الثانية ـ، دليلٌ على أنّ فضله من نوع فضل النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، فيكون الأفضلَ والأحقَّ بخلافـته.


*    *    *

____________

(1) في الآية السادسة من الآيات الواردة في أهل البيت، وهي هذه الآية. منـه (قدس سره).

(2) الصواعق المحرقة: 233 ; وانظر: مناقب الإمام عليّ (عليه السلام) ـ لابن المغازلي ـ: 234 ح 314.

(3) في الباب 39 [ 1 / 362 ح 30 ]. منـه (قدس سره).

وانظر: ينابيع المودّة 2 / 369 ح 52.

(4) ينابيع المودّة 1 / 362 ح 29.


الصفحة 362

78 ـ آيـة: (كمشكاة فيها مصباح)

قال المصنّـف ـ رفع الله درجتـه ـ(1):

الثامنة والسـبعون: (كمشكاة فيها مصباح)(2).

عن الحسن البصري، قال: " المشكاة: فاطمة، والمصباح: الحسن والحسـين.

و (الزجاجة كأنّها كوكبٌ)، قال: كانت فاطمة كوكباً دُرّيّاً بين نسـاء العالمين.

(يوقد من شجرة مباركة)، قال: الشجرة المباركة: إبراهيم.

(لا شرقيّـة ولا غربيّـة)، لا يهوديّـة ولا نصرانيّـة.

(يكاد زيتها يضيء)، قال: يكاد العلم يَـنْـطُـفُ(3) منها.

(ولو لم تمسـسه نارٌ نورٌ على نور)، قال فيها: إمام بعد إمام.

(يهدي الله لنوره من يشاء)(4)، قال: يهدي الله لولائهم(5) من يشاء "(6).

____________

(1) نهج الحقّ: 207.

(2) سورة النور 24: 35.

(3) ينطف: يقـطُر ; انظر: لسان العرب 14 / 188 مادّة "نطف ".

(4) سورة النور 24: 35.

(5) في المصدر: " لولايتنا ".

(6) مناقب الإمام عليّ (عليه السلام) ـ لابن المغازلي ـ: 263 ـ 264 ح 361، جواهر العقدين: 244، رشفة الصادي: 64.


الصفحة 363

وقال الفضـل(1):

ليس هذا من تفاسير أهل السُـنّة، وإنْ صحّ فدلّ على فضائل أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو متّفق عليه، ولو ذكر أضعاف هذا فلا ينازع منـازع.


*    *    *

____________

(1) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ 3 / 459.


الصفحة 364

وأقـول:

هذا من روايات ابن المغازلي على ما حكاه السـيّد السعيد عنه(1).

ويشهد لصحّته ما نقله السيوطي في " الدرّ المنثور "، في تفسير ما بعد هذه الآية، وهو قوله تعالى: (في بيوت أَذِن الله أن تُرفع)(2)، عن ابن مردويه، أنّه أخرج عن أنـس بن مالك وبريدة، قال:

قرأ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هذه الآية: (في بيوت أَذِن الله أن تُرفع).

فقام إليه رجل، فقال: أيّ بيوت هذه يا رسول الله؟

قال: بيوت الأنبـياء.

فقام إليه أبو بكر، فقال: يا رسول الله! هذا البيت منها؟ لِـبيت عليّ وفاطمـة.

قال: نعم، من أفاضلها "(3).

ونقل المصنّف (رحمه الله) نحوه في" منهاج الكرامة "، عن الثعلبي، عن أنس وبريـدة(4).

فإنّ قوله تعالى: (في بيوت) مرتبط بقوله: (كمشكاة) كما هو

____________

(1) إحقاق الحقّ 3 / 460 ; وانظر: مناقب الإمام عليّ (عليه السلام) ـ لابن المغازلي ـ: 263 ـ 264 ح 361.

(2) سورة النور 24: 36.

(3) الدرّ المنثور 6 / 203، وانظر: شواهد التنزيل 1 / 409 ـ 410 ح 566 ـ 568، مجمع البـيان 7 / 226.

(4) منهاج الكرامة: 121، وانظر: تفسير الثعلبي 7 / 107.


الصفحة 365
الظاهر، ووافق عليه الأكـثر(1).

ومن المعلوم أنّ تقييد " المشكاة " بكونها في بيوت الأنبياء، لا دخل له بظاهر الآية من إرادة تعظيم المشكاة بزيادة النور الظاهري، فينبغي أن يُراد بالمشكاة: فاطمة، كما في رواية ابن المغازلي ; ليكون التقييد بكونها في بيوت الأنبياء مفيداً، لزيادة تعظيمها ونورها المعنوي.

فيكون حاصل المعنى: أنّ مَثلَ نوره تعالى كفاطمة العالمة، المنيرة بمصباح نور الحسن والحسين، المتضاعف نورها بأنوار الأئمّة من وُلدها.

وهذا أدلُّ دليـل على إمامة عليّ ووُلده الأطهار ; فإنّه ذكر أنّ من فاطمـة (عليها السلام) الأئمّـة، إماماً بعد إمام.

ولا ريـب ـ على القول بإمامتـهم ـ أنّ إمامتهـم فرع إمامة أمير المؤمنيـن (عليه السلام)، فتثبت إمامتـه، كما هو المطلوب.

مضافاً إلى أنّ الله سبحانه أظهر لفاطمة ووُلدها ـ بضرب المثل بهم لنوره ـ فضلا لا يوازى، وفخراً لا يماثل.

ولا شكّ أنّ فضلهم من فضل عليّ (عليه السلام) ودونه، فيكون أفضلَ الأُمّة، والأفضل هو الإمـام.

هـذا، وقد روي عندنا، عن إمامنا أبي جعفر الباقر (عليه السلام) ما هو أظهر في المطلوب، وأقرب إلى معنى الآية..

قال (عليه السلام) ما حاصله: إنّ (المشكاة): صدر النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)..

و (المصبـاح): نور علمه..

و (الزجاجـة): صدر أمير المؤمنين (عليه السلام)..

____________

(1) انظر: الكشّاف 3 / 68، زاد المسير 5 / 385، تفسير الفخر الرازي 24 / 3.


الصفحة 366
(توقد من شجرة مباركة)، أي: من نور علم النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ; لأنّ علمه صار إلى عليّ (عليه السلام)..

(لا شرقية ولا غربية): لا يهودية ولا نصرانيـة..

(يكاد زيتها يُضيء ولو لم تمسـسه نار)، قال: يكاد العالِم من آل محمّـد (صلى الله عليه وآله وسلم) يتكلّم قبل أن يُسأل..

(نورٌ على نور)، أي: إمام مؤيّـد بنور العلم والحكمة في إثر إمام من آل محمّـد (صلى الله عليه وآله وسلم)(1).


*    *    *

____________

(1) انظر: التوحيـد ـ للصدوق ـ: 158 ح 4، مجمع البيان 7 / 225.


الصفحة 367

79 ـ آيـة: (ولا تـقتلوا أنفسكم)

قال المصنّـف ـ طاب ثراه ـ(1):

التاسعة والسـبعون: (ولا تقتلوا أنفسكم إنّ الله كان بكم رحيمـاً)(2).

قال ابن عبّـاس: لا تقتلوا أهل بيت نبيّـكم (صلى الله عليه وآله وسلم)(3).


*    *    *

____________

(1) نهج الحقّ: 208.

(2) سورة النساء 4: 29.

(3) انظر: مناقب الإمام عليّ (عليه السلام) ـ لابن المغازلي ـ: 264 ح 362، شواهد التنزيل 1 / 141 ـ 142 ح 193 و 194.


الصفحة 368

وقال الفضـل(1):

ليس هذا من تفاسير أهل السُـنّة ; وترك قتال أهل بيت النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)هل يحتاج إلى الاستدلال بالنصّ، وهو على إقامة الدليل على إثبات نصّ الإمامة، ويسـتدلّ بالقرآن على عدم جواز قتلهم؟!

وهذا من غرائب أطواره في البحث!


*    *    *

____________

(1) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ 3 / 461.


الصفحة 369

وأقـول:

النظر في الاستدلال إنّما هو إلى جعل قتل الناس لهم كقتل الناس لأنفسهم ; لأنّ حسم مادّة الفتن وحفظ الأنفس على الوجه الشرعي موقوف على أئمّة معصومين، فتكون الآية دليلا على إمامتهم وعصمتهم.

ويعضدها قوله تعالى في الآية السـتّين: (إذا دعاكم لِما يحييكم)(1)، أي دعاكم إلى ولاية عليّ (عليه السلام).

فالمراد بالأنفس في الآية معناها الحقيقي، ولكن كنّى بالنهي عن قتلها عن النهي عن قتل أهل البيت (عليهم السلام) ; لتوقّف حفظ النفوس عليهم.

ويحتمل أن يكون تجوّزاً في نسبة القتل إلى الأنفس عن نسبته إلى أهل البيت (عليهم السلام).

____________

(1) سورة الأنفال 8: 24 ; وانظر الصفحة 276 من هذا الجزء.


الصفحة 370
كما يُحتمل أن يُراد التجوّز في المفرد، بأن يكون قد أطلق الأنفس على أهل البيت مجازاً ; إشارة إلى أنّهم بمنزلة الأنفس في وجوب حفظها ورعايتها على الناس كلّهم ; لأنّ حياتهم حياةُ الأنفس من كلّ وجه..

أمّا في الآخرة ; فلأنّهم الهداة، وبهم النجاة.. وأمّا في الدنيا ; فلحفظ النفوس بهم، وبهم السعادة والبركات، ولذا قال سلمان الفارسي (رضي الله عنه): " لو أطعتم عليّـاً لأكلتم من فوق رؤوسكم ومن تحت أرجلكم "(1).

ويحتمل أن يكون تجوّزاً في المفرد، على أن يُراد بالأنفس: أهل البيت (عليهم السلام)، وبقتلهم: غصب خلافتهم ; لأنّه آيلٌ إلى قتلهم، كما شهد به الوجـدان.


*    *    *

____________

(1) انظر: أنساب الأشراف 2 / 274، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ 6 / 43.


الصفحة 371

80 ـ آيـة: (وَعَد اللهُ الّذين آمنوا)

قال المصنّـف ـ أعلى الله مقامه ـ(1):

الثمانون: (وعد الله الّذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرةً وأجراً عظيماً)(2).

عن ابن عبّـاس، قال: " سأل قوم النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): في مَن نزلت هذه الآية؟

قال: إذا كان يوم القيامة عُقد لواءٌ من نور أبيض، ونادى مناد: ليقـم سـيّد المؤمنين ومعه الّذين آمنوا ببعث محمّـد (صلى الله عليه وآله وسلم).

فيقوم عليّ بن أبي طالب، فيُعطى اللواء من النور الأبيض، وتحته جميع السابقين الأوّلين من المهاجرين والأنصار لا يخالطهم غيرهم، حتّى يجلس على منبر من نور ربّ العزّة، ويُعرض الجميع عليه رجلا رجلا، فيُعطى أجره ونوره.

فإذا أتى على آخرهم قيل لهم: قد عرفتم صفتكم ومنازلكم في الجنّة إنّ ربّـكم يقول لكم: إنّ لكم عندي مغفرة وأجراً عظيماً ـ يعني: الجنّة ـ.

فيقوم عليّ ـ والقوم تحت لوائه ـ معهم حتّى يدخل بهم الجنّة، ثمّ يرجع إلى منبره، فلا يزال حتّى يُعرض عليه جميع المؤمنين فيأخذ نصيبه

____________

(1) نهج الحقّ: 208.

(2) سورة الفتح 48: 29.


الصفحة 372
منهم إلى الجنّة ويترك أقواماً على النار، وذلك قوله تعالى: (والّذين آمنوا بالله ورسله أُولئك هم الصدّيقون والشهداء عند ربّهم لهم أجرهم ونورهـم)(1)، يعني: السابقين الأوّلين وأهل الولاية.

(والّذين كفروا وكذّبوا بآياتنا أُولئك أصحاب الجحيم)(2)، يعني: بالولاية بحقّ عليّ، وحقّ عليّ الواجب على العالمين "(3).

[ (أُولئك أصحاب الجحيم)، وهم الّذين قاسمَ عليٌّ عليهم النار فاسـتحقّوا الجحيم ].


*    *    *

____________

(1 و 2) سورة الحديد 57: 19.

(3) مناقب الإمام عليّ (عليه السلام) ـ لابن المغازلي ـ: 267 ح 369، شواهد التنزيل 2 / 182 ح 887.


الصفحة 373

وقال الفضـل(1):

هذا من القصص والحكايات التي يرويها الشـيعة، ولا نقل صحيح به، ولا إسناد، ولا شيء، ولا اتّـقاء من الكذب والافتراء(2).

وإنْ صحّ هذا دلّ على منقبة عظيمة من مناقب أمير المؤمنين، وهي مسلّمة، والكلام في النصّ، وأين هذا الاسـتدلال منه؟!


*    *    *

____________

(1) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ 3 / 472.

(2) رواه ابن المغازلي والحاكم الحسكاني، كما تقدّم بإسناديهما عن ابن عبّـاس.


الصفحة 374

وأقـول:

نقله السيّد السعيد عن " شواهد التنزيل " للحاكم أبي القاسم الحسكاني(1).

ويؤيّده ما دلّ على أنّ عليّـاً قسيم الجنّة والنار(2)، وأنّه سيّد المسلمين(3)، وأنّه لا يدخل الجنّة إلاّ من بيده براءة منه وسند بولايته(4).

____________

(1) إحقاق الحقّ 3 / 473، وانظر: شواهد التنزيل 2 / 182 ح 887.

(2) مسند الإمام زيد: 455، مناقب الإمام عليّ (عليه السلام) ـ لابن المغازلي ـ: 107 ح 97، فردوس الأخبار 2 / 78 ح 3999، طبقات الحنابلة ـ لابن أبي يعلى ـ 1 / 295، الشـفا ـ للقاضي عيـاض ـ 1 / 338، منـاقب الإمـام عليّ (عليه السلام) ـ للخـوارزمي ـ: 40 و 41 و 294 ح 281، تاريخ دمشق 42 / 298 ـ 301، النهاية في غريب الحديث والأثر 4 / 61، شرح نهج البلاغة 2 / 260 و ج 9 / 165 و ج 19 / 139، فرائد السمطين 1 / 325 و 326 ح 253 و 254، البداية والنهاية 7 / 283، جواهر العقدين: 446 و 447، الصواعق المحرقة: 195، ينابيع المودّة 1 / 254 ح 12 وقال القندوزي في ذيله: وممّا يُنسـب إلى الإمام الشافعي:


عــلـيٌّ حُــبـّـه جُـــنّــةقسـيمُ النار والجَـنّـة
وصي المصطفى حقّـاًإمام الإنـس والجِنّـة

(3) المستدرك على الصحيحين 3 / 148 ح 4668، حلية الأولياء 1 / 63 و 66 رقم 4، مناقب الإمام عليّ (عليه السلام) ـ لابن المغازلي ـ: 106 ح 93 و ص 131 ح 146 و 147، منـاقـب الإمـام عليّ (عليه السلام) ـ للخـوارزمي ـ: 295 ح 287، تاريـخ دمشـق 42 / 302 و 303 و 305، أُسد الغابة 1 / 84 رقم 92 و ج 3 / 70 رقم 2811، مطالب السؤول: 81، شرح نهج البلاغة 15 / 278، كفاية الطالب: 211 ـ 212، ذخائر العقبـى: 130، الريـاض النضـرة 3 / 137 ـ 138، فرائد السمطين 1 / 141 ح 104 و ص 145 ح 109.

(4) تـاريـخ أصـفهـان ـ لأبـي نـعيـم ـ 1 / 400 رقـم 755، منـاقـب الإمـام عليّ (عليه السلام)ـ لابن المغازلي ـ: 140 ح 156 و ص 147 ـ 148 ح 172 و ص 218 ـ 219 ح 289، شواهد التنزيل 2 / 107 ح 788، مناقب الإمام عليّ (عليه السلام) ـ للخوارزمي ـ: 319 ـ 320 ح 324، ذخائر العقبى: 131، الرياض النضرة 3 / 137، فرائد السمطين 1 / 289 ـ 290 ح 228، الصواعق المحرقة: 195.


الصفحة 375

الصفحة 376
ودلالتها على إمامتـه من وجوه:

كونه سيّد المسلمين..

وأنّهم يدخلون الجنّـة بزمرته وتحت لوائه..

وأنّهم يعرضون عليه جميعاً ; فإنّها تقتضي إمامته، ولو لدلالتها على فضله، والأفضل هو الإمام، ولا سيّما مع التصريح في آخر الحديث بأنّ حقّه واجب على العالمين، وتصريحه بأنّ أهل الولاية له هم الّذين آمنوا بالله ورسله، وأنّ المكـذّبين بولايته في زمرة الكافرين.

بل هـذا كـما يـدلّ على إمامتـه، يـدلّ على أنّها من أُصـول الدين ; إذ لا يكفر من كـذّب بغير أُصوله!


*    *    *


الصفحة 377

81 ـ آيـة: (الّذين إذا أصابتهم مصيبةٌ)

قال المصنّـف ـ أعلى الله مقامه ـ(1):

الحادية والثمانون: (الّذين إذا أصابتهم مصيبةٌ قالوا إنّا لله وإنّا إليه راجعون * أُولئك عليهم صلوات من ربّهم ورحمةٌ وأُولئك هم المهتـدون)(2).

نزلت في عليّ (عليه السلام) لمّا وصل إليه قتل حمزة (رضي الله عنه)، فقال: " إنّا لله وإنّا إليه راجعون " ; فنزلت هذه الآيـة(3).


*    *    *

____________

(1) نهج الحقّ: 209.

(2) سورة البقرة 2: 156 و 157.

(3) انظر: نهج الإيمان ـ لابن جبر ـ: 659، مناقب آل أبي طالب 2 / 138 و ج 3 / 293.


الصفحة 378

وقال الفضـل(1):

هذا ليس من تفاسير أهل السُـنّة، وإنْ صحّ فهو كسائر أخواته في عدم دلالته على النصّ.


*    *    *

____________

(1) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ 3 / 474.


الصفحة 379

وأقـول:

هذا أيضاً نقله السيّد السعيد (رحمه الله) عن تفسـيرَي الثعلبي والنقّاش(1).

والاسـتدلال به على المطلوب من وجهين:

الأوّل: إنزال الله سبحانه القرآن في صبر عليّ (عليه السلام) وتسليمه لأمر الله تعالى، وجعل الصلوات العديدة والرحمة عليه.

ومن الواضح أنّ ذِكره (عليه السلام) بذلك ـ مع كثرة الصابرين القائلين: " إنّا لله وإنّا إليه راجعون " ـ دليل على تميّزه بالصبر والتسليم الكاشفين عن كماله الذاتي وفضله على غيره، فيكون هو الإمام.

الثاني: تعبير الكتاب العزيز عنه بصيغ الجموع مع حصر الاهتداء به بقوله: (أُولئك هم المهتدون)(2)، الدالّ على أنّ اهتداء غيره بالنسبة إليه كَـلاَ اهتداء.

فإنّ ذلك من أعظم الدلائل على عظمته عند الله سبحانه، وارتفاع شأنه لديه، وكونه أهدى الأُمّـة وأفضلها، فيكون هو الإمـام.


*    *    *

____________

(1) إحقاق الحقّ 3 / 475.

(2) سورة البقرة 2: 157.


الصفحة 380

82 ـ ما في القرآن آيـة [ (يا أيّها الّذين آمنوا) ]
إلاّ وعليٌّ رأسها

قال المصنّـف ـ طاب ثراه ـ(1):

الثانية والثمانون: في مسند أحمد بن حنبل: قال ابن عبّـاس: " ما في القرآن آية [ (يا أيّها الّذين آمنوا) ] إلاّ وعليٌّ رأسها وقائدها وشريفها وأميرها، ولقد عاتب الله أصحاب محمّـد (صلى الله عليه وآله وسلم) في القرآن، وما ذكر عليّـاً إلاّ بخيـر "(2).

وعنه: " ما نزل في أحد من كتاب الله ما نزل في عليّ "(3).

وعن مجاهد: " نزل في عليّ سـبعون آيـة "(4).

وعن ابن عبّـاس: " ما أنزل الله آية وفيها: (يا أيّها الّذين آمنوا) إلاّ وعليٌّ رأسها وأميـرها "(5).

____________

(1) نهج الحقّ: 209.

(2) انظر: فضائل الصحابة ـ لأحمد بن حنبل ـ 2 / 812 ـ 813 ح 1114، وانظر: المعجم الكبير 11 / 210 ـ 211 ح 11687، تاريخ دمشق 42 / 363، الرياض النضرة 3 / 180، ذخائر العقبى: 160، تاريخ الخلفاء: 203.

(3) انظر: تاريخ دمشق 42 / 363، كشف الغمّة 1 / 314 عن ابن مردويه في " المناقب "، شواهد التنزيل 1 / 39 ح 49، تاريخ الخلفاء: 203.

(4) شواهد التنزيل 1 / 39 ـ 41 ح 50 و 51، كشف الغمّة 1 / 314 عن ابن مردويه في " المناقب ".

(5) حلية الأولياء 1 / 64 رقم 4، شواهد التنزيل 1 / 51 ـ 52 ح 78، مناقب الإمام عليّ (عليه السلام) ـ للخوارزمي ـ: 266 ـ 267 ح 249، تاريخ دمشق 42 / 362 ـ 363، كفاية الطالب: 139 ـ 140، مجمع الزوائد 9 / 112، كشف الغمّة 1 / 314 عن ابن مردويه في " المناقب ".


الصفحة 381

الصفحة 382

وقال الفضـل(1):

هذه أخبار لو صحّت دلّت على فضائل عليّ، وكلُّ ما ينقله من مسند أحمد بن حنبل، فهو يدلّ على أنّ أهل السُـنّة لا يألون جهداً في ذِكر فضائل أمير المؤمنين.

ولـو كـان النـصّ موجـوداً فـي إمامتـه، لكانـوا يروونـه وينـقلونـه ولا يكتمونه، فعُلِـم أن لا نصّ هناك!


*    *    *

____________

(1) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ 3 / 481.


الصفحة 383

وأقـول:

نقل المصنّف (رحمه الله) في " منهاج الكرامة " حديث أحمد(1)، فأنكر ابن تيميّة أن يكون من أصل " المسند "، وزعم أنّه من زيادات القطيعي، ثمّ ناقش في سـنده(2).

ونحن لا يهمّنا إثبات كونه من أصل " المسند "، فإنّ القطيعي أيضاً معتبر النقل عندهم(3).

وأمّا ضعف سنده بـ (زكريّا بن يحيى الكسائي)، فقد سبق جوابه في المقدّمة، لا سيّما ولا داعي لهم إلى الطعن بـ (زكريّا) إلاّ روايته فضائل أهل البيت ومثالب أعدائهم، وهو كما سـبق في المقدّمة دليل وثاقته(4).

على أنّ الحديث ونحوه مستفيض عن ابن عبّـاس(5)، وروي عن غيـره(6)..

____________

(1) منهاج الكرامـة: 137.

(2) منهاج السُـنّة 7 / 232.

(3) قال الذهبي في ميزان الاعتدال 1 / 221 رقم 319 بترجمة القطيعي: صدوق في نفسه، مقبول.

وقال الخطيب: لم نر أحداً ترك الاحتجاج به.

وقال الحاكم: ثقة مأمون.

وقال كذلك في سير أعلام النبلاء 16 / 212 رقم 143: قال السلمي: سألت الدارقطني عنه، فقال: ثقة زاهد قديم، سمعت أنّه مجاب الدعوة.

(4) انظر: ج 1 / 7 ـ 25 من هذا الكتاب.

(5) انظر ما مرّ آنفاً في الصفحة 361.

(6) تاريخ دمشق 42 / 362 ـ 363، مناقب الإمام عليّ (عليه السلام) ـ للخوارزمي ـ: 266 ـ 267 ح 249، ينابيع المودّة 1 / 376 ـ 377 ح 13 و 14.


الصفحة 384
فقد نقل في " كنز العمّال "(1)، عن أبي نعيم، عن ابن عبّـاس، قال: " ما أنزل الله آية (يا أيّها الّذين آمنوا) إلاّ وعليٌّ رأسها وأميرها.

ونقل فيه(2)، عن أبي نعيم أيضاً، عن ابن عبّـاس، قال: " ما أنزل الله سورة في القرآن إلاّ وكان عليٌّ أميرها وشريفها، ولقد عاتب الله أصحاب محمّـد (صلى الله عليه وآله وسلم) وما قال لعليّ إلاّ خيراً ".

ونقل ابن حجر في " الصواعق "(3)، عن الطبراني، وابن أبي حاتم، عن ابن عبّـاس، قال: " ما أنزل الله (يا أيّها الّذين آمنوا) إلاّ وعليٌّ أميرها وشريفها، ولقد عاتب الله أصحاب محمّـد (صلى الله عليه وآله وسلم) في غير مكان وما ذكر عليّـاً إلاّ بخير ".

ونقل في " كشف الغمّة "، عن ابن مردويه نحو ذلك من عدّة طرق، عن ابن عبّـاس وحذيفـة(4).

وهو دالٌّ على إمامة أمير المؤمنين ; لأنّ المراد بكون عليّ (عليه السلام) رأسها وأميرها: هو كونه رأس من خوطب بها، وهم المؤمنون، وأنّه أميرهم وإن لم يكن داخلا معهم في الخطاب في بعض الآيات، كقوله تعالى: (يا أيّها الّذين آمنوا لِمَ تقولون ما لا تفعلون)(5)..

____________

(1) ص 153 من الجزء 6 [ 11 / 604 ح 32920 ]. منـه (قدس سره).

وانظر: حلية الأولياء 1 / 64 رقم 4.

(2) ص 391 من الجزء 6 [ 13 / 108 ح 36353 ]. منـه (قدس سره).

وانظر: معرفة الصحابة ـ لأبي نعيم ـ 1 / 85 ح 334.

(3) في الفصل 3 من الباب 9 [ ص 196 ]. منـه (قدس سره).

وانظر: المعجم الكبير 11 / 210 ـ 211 ح 11687.

(4) كشف الغمّة 1 / 314 و 317.

(5) سورة الصفّ 61: 2.


الصفحة 385
وقوله سبحانه: (يا أيّها الّذين آمنوا لا تتخذوا عدوّي وعدوّكم أولياء تلقون إليهم بالمودّة)(1)..

.. إلى غير ذلك ممّا عاتب الله به المؤمنيـن(2).

ولو سُلّم أنّ مراد ابن عبّـاس: دخولُ أمير المؤمنين معهم في الخطاب بجميع تلك الآيات، فلا بُـدّ من تخصيصه بغير هذا النحو من الآيات ; لقوله: " وما ذكر عليّـاً إلاّ بخير ".

هـذا، وقد استنهضت ابنَ تيميّة حميّةُ النصب لمعارضة هذه الأخبار، فمخض زَبَدَ الباطل، وروى ما افتراه بعض أسلافه من النواصب، من أنّ الله تعالى أنزل في عليّ (عليه السلام): (يا أيّها الّذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سُكارى)(3)، بدعوى أنّه صلّى وهو سكران، فقرأ وخلط(4)!

وكيف يُصدّق حديثٌ يكـذّب خبرَ الله سبحانه بطهارة عليّ (عليه السلام)وإذهاب الرجس عنه(5)؟! والخمر رجسٌ كما صرّح به الكتاب العزيز(6)،

____________

(1) سورة الممتحنة 60: 1.

(2) كقوله تعالى: (يا أيُّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا بطانة من دونكم) سورة آل عمران 3: 118.

وقوله تعالى: (يا أيُّها الّذين آمنوا كونوا قوّامين لله شهداء بالقسط) سورة المائدة 5: 8.

(3) سورة النساء 4: 43.

(4) منهاج السُـنّة 7 / 237.

(5) في قوله تعالى: (إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطـهّركم تطهيراً) سورة الأحزاب 33: 33.

(6) في قوله تعالى: (يا أيّها الّذين آمنوا إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس...) سورة المائدة 5: 90.