وما في " اللآلئ " أيضاً، عن الخطيب في " المتّفق والمفترق "، عن الجوزقاني، بسندهما عن سلمان، قال: سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مَن وصيّـه؟
فقال: " وصيّي، وموضع سرّي، وخليفتي في أهلي، وخير من
____________
1- اللآلئ المصنوعة 1 / 299، وانظر: كتاب المجروحين ـ لابن حبّان ـ 3 / 5.
وقد نقل في " اللآلئ " عن ابن الجوزي، أنّه قال: " إنّ الحديث الأوّل موضوع، آفته مطر بن ميمون الإسكافي; وإنّ الحديث الثاني أكثر رواته مجهولون وضعفاء، وإسماعيل بن زياد ـ وهو أحد رواته ـ متروك "(2).
وفـيـه: إنّه لو سُلّم ذلك كلّه، فهو إنّما يرفع الاعتماد، لا أنّه يقتضي الوضع، على أنّ الأخبار الناطقة بخلافة أمير المؤمنيـن (عليه السلام) كثيرة، فَـتُـعْـتَـبَـرُ لاعتضاد بعضها ببعض وإنْ ضعفتْ أسانيدُها، فكيف وقد صحّ بعضها عندهم كما عرفت(3)؟!
بل عرفت في مقدّمة الكتاب أنّ رواة فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) ثقات في تلك الرواية(4)، خصوصاً مثل مطر الذي لم يُضعّفوه إلاّ لروايته كثيراً في فضل عليّ (عليه السلام)، ولعلّه لذا لم يعتنِ ابن ماجة بتضعيفهم فأخرج له في صحيحـه(5).
هـذا، وليس قول النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في بعض تلك الأخبار: " فيكم " أو " في أهلي " مقصوداً به تقييد الخلافة; للإجماع على عدم الفرق بين عشيرته وغيرهم، وللزوم اجتماع خليفتين: عامّ وخاصّ، ولا يقوله أحد.
____________
1- اللآلئ المصنوعة 1 / 327، وانظر: المتّفق والمفترق 1 / 637 رقم 318.
2- اللآلئ المصنوعة 1 / 299 و 327، وانظر: الموضوعات ـ لابن الجوزي ـ 1 / 347 و 375.
3- انظر الصفحة 26 وما بعـدها من هذا الجـزء.
4- انظر: ج 1 / 7 وما بعدها من هذا الكـتاب.
5- انظر: سنن ابن ماجة 2 / 946 ح 2834 كـتاب الجهاد / باب الخديعة في الحرب.
فالمقصود في هذه الأخبار هو: الخلافة العامّة والزعامة العظمى، كما يشهد له ذِكر الوصية مع الخلافة في الخبر الأخير، وقوله: " خير من أُخلف " أو " أترك بعدي " في الأخيرين، مضافاً إلى إطلاق الخلافة في بعض الأخبار السابقة(1).
والظاهـر: أنّ تخصيص المخاطبين ـ وهم العشيرة ـ في أحاديث نزول قوله تعالى: { وأنذِر عشيرتك الأقربين }(2) إنّما هو لكون الخطاب معهم، أو أهـمّـيّـتهم، أو لأنّـه لا أُمّـة له حينـئذ.
كما لا يبعد أن يكون قيد " في أهلي " بالخبرين الأخيرين من زيادة بعض الرواة عمداً أو وهماً.
واعلم، أنّه قد ورد عند السُـنّة أيضاً ما هو بمنزلة التعبير بالخلافة، كالذي في ترجمة حكيم بن جبير من " ميزان الاعتدال "، عن محمّـد بن حميـد، عن سـلمة، عن ابن إسحاق، عن حكيم بن جبير، عن ابن سفيان، عن عبـد العزيز بن مروان، عن أبي هريرة، عن سلمان: قلت لرسـول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " إنّ الله لم يبعث نبيّـاً إلاّ بيّن له من يلي بعده، فهل بيّن لك؟
____________
1- انظر الصفحات 6 و 26 ـ 27 و 33 و 40 من هذا الجزء.
2- سورة الشعراء 26: 214.
قال في " الميزان ": " هذا حديث موضوع.. ثمّ كيف يروي مثل هذا عبـد العزيز بن مروان وفيه انحراف عن عليّ؟! رواه ابن الجوزي في (الموضوعات) من طريق العقيلي، عن أحمد بن الحسـين، عن ابن حميد; وليـس بثقـة "(2).
وفـيـه ـ مع ما عرفت من وثاقة رواة فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) في ما يروونـه في فضلـه ـ: إنّ حكيـم بن جبيـر من رجال السـنن الأربـع(3)، فـلا يصحّ لهم الحكم بوضعه لهذا الحديث، وإلاّ جاء الطعن إلى أخبار صحـاحهم!
وكذا الحال في محمّـد بن حميـد; لأنّه من رجال سـنن الترمذي وأبي داود وابن ماجة، مع أنّه قد ذكر في " الميزان " بترجمة ابن حميد، أنّه حدّث عنه أبو بكر الصنعاني، فقيل له: أتُحدّث عنه؟
فقال: وما لي لا أُحدّث عنه؟! وقد حدّث عنه أحمد بن حنبل، وابن معين!
وقال أبو زرعة: من فاته محمّـد بن حميد يحتاج أن يترك عشرة آلاف حديث.
ومن آخر أصحاب ابن حميد: أبو القاسم البغوي، وابن جرير
____________
1- ميزان الاعتدال 2 / 351 ـ 352 رقم 2218.
2- ميزان الاعتدال 2 / 352 رقم 2218، وانظر: الموضوعات ـ لابن الجوزي ـ 1 / 371 ـ 372.
3- ميزان الاعتدال 2 / 350 رقم 2218.
وحينئذ، فلا يصحّ الحكم بوضع ابن جبير أو ابن حميد للحديث، ولا سـيّما على لسان عبـد العزيز المنحرف عن أمير المؤمنين (عليه السلام).
ولا يمنـع انحرافه عند روايتـه لهذا الحـديث; لأنّ الله سـبحانه إذا أراد إظهار الحقّ ألقى في نفوس القوم رواية ما علموه في حقّ أمير المؤمنيـن (عليه السلام); لتلزمهم وغيرهم الحجّة، ولذا رووا حديث الغدير ونحوه!
على أنّه قد قيل لعمر بن عبـد العزيز: كيف خالفت مَن قبلك في منع السـبّ عن عليّ؟!
فقال: عرفته من أبي; لأنّه إذا خطب وجاء إلى سـبّه تلجلج، فسألته عن ذلك، فقال: لو عرف الناس ما أعرفه من فضل هذا الرجل ما تبعنا منهم أحـد "(2).
فظهر أنّه لا عبرة بما زعمه الناصبان، الذهبيُّ وابنُ الجوزيّ، من وضع هذا الحديث، ولا سـيّما مع كونهما طرف النزاع، وإنْ كان لا لوم عليهما بعد مخالفته لمذهبهما، لكنّ الكلام في الدليل من حيث هو!
____________
1- ميزان الاعتدال 6 / 127 رقم 7459.
2- شرح نهج البلاغة 4 / 59، الكامل في التاريخ 4 / 315 حوادث سنة 99 هـ.
3 ـ حـديث الوصيّـة
قال المصنّـف ـ طاب ثراه ـ(1):
الثالث: من " المسند "، عن سلمان، قال: يا رسول الله! مَن وصيُّـك؟
قال: يا سلمان! مَن كان وصيّ أخي موسى؟
قال: يوشع بن نون.
قال: فإنّ وصيّي، ووارثي، يقضي ديني، وينجز موعدي: عليّ ابن أبي طالب(2).
____________
1- نهج الحقّ: 213.
2- رواه أحمد بن حنبل في مسـنده كما في ينابيع المودّة 1 / 234 ـ 235 ح 4 و ج 2 / 230 ـ 231 ح 646، وفي فضائل الصحابة 2 / 762 ح 1052; وانظر: المعجم الكبير 6 / 221 ح 6063، شواهد التنزيل 1 / 76 ـ 77 ح 115، تذكرة الخواصّ: 48، كفاية الطالب: 292 ـ 293، ذخائر العقبى: 131 ـ 132، الرياض النضرة 3 / 138، مجمع الزوائد 9 / 113، كنز العمّال 11 / 610 ح 32952.
وقال الفضـل(1):
الوصيّ، قد يقال ويراد به: مَن أُوصي له بالعلم، والهداية، وحفظ قوانين الشريعة، وتبليغ العلم والمعرفة.
فإنْ أُريد هذا من الوصي، فمسلّم أنّه كان وصيّاً لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولا خلاف في هذا.
وإنْ أُريد الوصيّة بالخلافة، فقد ذكرنا بالدلائل العقليّة والنقليّة عدم النصّ في خلافة عليّ.
ولو كان نصّاً جليّاً لم يخالفه الصحابة، وإنْ خالفوا لم يطعهم العساكر وعامّة العرب، سـيّما الأنصار.
____________
1- إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ 7 / 414.
وأقـول:
إنّ معنى الوصيّـة: العهد، يقال: أوصى إلى فلان، بمعنى: عَهِـدَ إليـه(1)..
فإن أُطلق متعلّق الوصيّة حُكم بشموله لجميع ما يصلح تعلّقها به..
وإنْ قُـيّد، كما لو قيل: أوصى إليه بأيتامه، أو ثلث مالِه، أو نحوهما، اختصّ به.
ومن الواضح أنّ الرواية من قبيـل الأوّل، فتشمل الوصيّة بالخلافة، بل هي أظهر ما تشمله وتنصرف إليه، بل معنى وصيّ النبيّ: خليفـتُـه.
كما يشهد له أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ضرب لسلمان مثلا بوصيّ موسى، وهـو: " يوشع " الخليفة لموسى..
وما رواه أحمد في مسـنده(2)، عن طلحة بن مصرف، قال: " قال أبو الهذيل(3) [ بن شرحبيل ]: أبو بكر [ كان ] يتأمّر على وصيّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ودّ أبو بكر أنّه وجد مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عهداً فخزم أنفه بخزام ".
____________
1- انظر: لسان العرب 15 / 320 ـ 321 مادّة " وصي ".
2- في أحاديث عبـد الله بن أبي أوفى، ص 382 من ج 4. منـه (قدس سره).
3- كذا في الأصل، وفي المصدر: " الهذيل "، وكلاهما تصحيف، والصحيح: " الهزيل " بالزاي; انظر: الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ 6 / 215 رقم 2096، التاريخ الكبير 8 / 245 رقم 2877، سنن ابن ماجة 2 / 900 ذ ح 2696، مسـند الحميدي 2 / 315 ح 722، مسـند البزّار 8 / 298 ذ ح 3370، تهذيب التهذيب 9 / 39 رقم 7562، تقريب التهذيب 2 / 265 رقم 7309.
والمراد بالوارث: إمّا وارث المنزلة، وهو المطلوب; أو وارث العلم، وهو يستدعي الخلافة; لأنّ علم الأنبياء ميراثٌ لمن هو أحقّ بالاتّباع والرئاسة; لقوله سـبحانه: { أفمن يهدي إلى الحقّ أحقّ أن يُتّبع أم مَن لا يهدّي إلاّ أن يُهدى... }(1) الآيـة.
ومنه يُعلم تمام المطلوب لو أُريد بالوصيّ من أُوصيَ له بالعلم والهداية وحفظ قوانين الشريعة وتبليغ العلم، ولا سـيّما أنّ حفظ قوانين الشريعة يتوقّف على الخلافة; لأنّ السوقة لا تقدر على حفظها تماماً; لاحتياجه إلى بسط اليد.
وقد اشتملت أخبار الوصيّة على قرائن أُخر، تقتضي إرادة الخليفة من الوصيّ، كقول النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في بعضها في وصف عليّ (عليه السلام)، بأنّه " خير من أُخلّف ـ أو: أترك ـ بعدي "; كالخبرين السابقين عند الكلام في الحديث الثاني(2)، وكالذي حكاه في " كنز العمّال "(3)، عن الطبراني، بسـنده عن سلمان، عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم).
وأمّا قوله: " فقد ذكرنا بالدلائل العقليّة والنقليّة عدم النصّ "..
فحوالةٌ على العدم..
ولعلّه يريد بالدليل ما أعاده هنـا بقوله: " ولو كان نصّـاً جلـيّـاً... "
____________
1- سورة يونـس 10: 35.
2- انظر الصفحتين 40 و 42 من هذا الجـزء.
3- ص 154 من ج 6 [ 11 / 610 ح 32952 ]. منـه (قدس سره).
وانظر: المعجم الكبير 6 / 221 ح 6063.
وفـيـه: ما عرفتَ في المبحث الثالث وغيره ممّا سَـبق(1).
ثمّ لا معنى لقوله: " لم يخالفه الصحابة، ولو خالفوا لم يطعهم العساكر... " إلى آخره; لأنّ معناه: وإنْ خالفَ الصحابةُ، لم تطعهم الصحابة، إلاّ أن يريد بالصحابة خصوص الشيخين وأنصارهما، فيصحّ الكلام، ولكن يكون الحكم بعدم مخالفتهم من أوّل المصادرات!
ثمّ إنّ أحاديث الوصيّة مستفيضة، بل متواترة عند القوم، فضلا عنّا.
وقد ذكر في " ينابيع المودّة "(2) أحاديث منها كثيرة.
وفيها ما حكاه المصنّـف (رحمه الله) عن " مسـند أحمـد "(3).
وسطّر ابن أبي الحديد ثلاث صفحات، أوائل الجزء الأوّل، من الشعر المقول في صدر الإسلام لكـثير من وجوههم، تتضمّن بيان وصيّة عليّ (عليه السلام)(4).
ثمّ قال بعد انتهائها: " والأشعار التي تتضمّن هذه اللفظة كثيرة جدّاً، ولكنّا ذكرنا منها ها هنا [ بعض ] ما قيل في هذين الحربين ـ يعني حرب الجمل وصِفّين ـ، فأمّا ما عداهما فإنّه يجلُّ عن الحصر، ويعظم عن الإحصاء والعدّ، ولولا خوف الملالة [ والإضجار ]، لذكرنا من ذلك ما يملأ
____________
1- انظر: ج 4 / 241 ـ 243 و 251 وما بعدها، من هذا الكـتاب.
2- في الباب 15 وغيره [ 1 / 235 ـ 242 ح 4 ـ 16 ]. منـه (قدس سره).
3- ينابيع المودّة 1 / 234 ـ 235 ح 4 و ج 2 / 230 ـ 231 ح 646 عن مسند أحمد.
4- شرح نهج البلاغة 1 / 143 ـ 150.
وقد ذكر هذا في شرح قوله (عليه السلام) من خطبة له: " لا يُقاس بآل محمّـد (صلى الله عليه وآله وسلم) من هذه الأُمّة أحدٌ، ولا يُسوّى بهم مَن جرت نعمتهم عليه أبداً، هم أساسُ الدين، وعمادُ اليقين، إليهم يفيءُ الغالي، وبهم يلحقُ التالي، ولهم خصائص حقّ الولاية، وفيهم الوصيّة والوراثة، الآن إذ رجع الحـقُّ إلى أهله، ونُـقل إلى منـتقله "(2).
ولا يخفى لطف قوله (عليه السلام): " رجع الحـقُّ إلى أهله " وما فيه من الدلالة على غصب الأوّلَين له.
____________
1- شرح نهج البلاغة 1 / 150.
2- شرح نهج البلاغة 1 / 138 ـ 139.
4 ـ حديث: مَن أحبُّ أصحابك؟..
وإنْ كان أمرٌ كـنّـا معـه
قال المصنّـف ـ أعلى الله مقامه ـ(1):
الرابـع: من كتاب " المناقب " لأبي بكر أحمد بن مردويه ـ وهو حجّة عند المذاهب الأربعة ـ، رواه بإسناده إلى أبي ذرّ، قال: دخلنا على رسـول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقلنا: من أحبّ أصحابك إليك؟ وإنْ كان أمر كـنّا معه، وإنْ كانت نائبة كـنّا من دِونه!
قال: " هذا عليٌّ أقدمُـكم سلماً وإسلاماً "(2).
____________
1- نهج الحقّ: 214.
2- المناقب المرتضوية ـ للكشفي الترمذي ـ: 95، نقلا عن " المناقب " لابن مردويـه.
وقال الفضـل(1):
هـذا الحـديث إن صـحّ يـدلّ على فضيلـة أميـر المؤمنيـن، وأنّ النبـيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) يُحبّـه حُـبّـاً شديداً، ولا يدلّ على النصّ بإمارته.
ولو كان رسـول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ناصّـاً على خلافـتـه، لكان هذا محـلّ إظهاره، وهو ظاهر; فإنّه لمّا لم يقل: إنّه الأمير بعدي; عُلم عدم النصّ، فكيف يصحّ الاسـتدلال به؟!
____________
1- إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ 7 / 417.
وأقـول:
المراد بسؤالهم المذكور: طلب تعيين الإمام بعده (صلى الله عليه وآله وسلم); لأنّ أحبّ أصحاب الرئيـس إليه هو الذي يُرجى بعده للرئاسة وينبغي أن يُـقيمه مقامـه; ولذا قالوا: " وإنْ كان أمر كـنّا معه، وإنْ كانت نائبة كـنّا دونه "، فإنّ معناه: إنْ كان أمر اتّبعناه، وإنْ كانت نائبة نصرناه وفديناه، كما هو شأن الأتباع والأميـر.
وقد فهم الفضل هذا المعنى ثمّ جحده، فإنّ قوله: " لكان هذا محلّ إظهاره... " إلى آخره، دالٌّ على أنّ معنى السؤال طلب معرفة الإمام، كما ذكرنـاه، وإلاّ فكيف كان المقام محلَّ إظهار النصّ، وكان عدم إظهاره موجباً للعلم بعدم النصّ؟!
فـإذا كـان المـراد: هـو السـؤال عن الإمـام والخليفـة بعـده، كان قـوله (صلى الله عليه وآله وسلم): " هذا عليٌّ " كافياً في الجواب، غنيّـاً عن أن يضيف قوله: الأميـر بعدي.
نعم، يحسن الإشارة إلى علّة تعيينه للأحبّـيّـة والإمامة فأشار إليها بقوله: " أقدمكم سلماً وإسلاماً "، فإنّه موجب لأحبّـيّـته، وكاشف عن زيادة معرفته على غيره، وإنّه أسبقهم إلى الخير، وأفضلهم عملا; والأفضل علماً وعملا أحـقّ بالإمامـة.
ثمّ إنّ كلام الفضل يدلّ على أنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) لو قال: " عليٌّ خليفتي من بعدي، ووليّـكم بعدي "، كان نصّاً في خلافته، مُـثبِتاً لمدّعانا عنده وعند أصحابه، وهو كذب; فإنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: " هو خليفتي من بعدي، ووليّكم
وليـس هذا الذي أقـرّ الفضل بأنّـه نصٌّ بأعظم نصوصيّـة من قوله تعالى: { إنّما ولـيّـكم الله ورسوله والّذين آمنوا... }(2) الآية، ولا من حديث الغـدير(3)، والمنزلة(4)، والـثِّـقْـلَـين(5)، وأشـباهها، ومع ذلك كابروا الضرورة، وعاندوا الحقيقة; فليتدبّر من يريد لنفسه السلامة، والقيام بالعذر والحجّـة يوم القيـامة.
____________
1- انظر الصفحة 39 من هذا الجزء; وراجع: شرح التجريد: 478 ـ 479.
2- سورة المائدة 5: 55.
3- تقـدّم تخريجه في ج 1 / 19 و ج 4 / 320 من هذا الكـتاب.
4- تقـدّم تخريجه في ج 4 / 305 من هذا الكـتاب.
5- تقـدّم تخريجه في ج 2 / 187، وسـيأتي الكلام عليه في الصفحات 235 ـ 250 مـن هذا الجـزء.
5 ـ حـديث: لكلّ نبيّ وصيٌّ ووارثٌ
قال المصنّـف ـ طاب مرقده ـ(1):
الخامـس: من كـتاب ابن المـغـازلي الشـافعي، بإسـناده عـن رسـول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، أنّه قال: " لكلّ نبيّ وصيٌّ ووارثٌ، وإنّ وصيّي ووارثي عليّ بن أبي طالب "(2).
____________
1- نهج الحقّ: 214.
2- مناقب الإمام عليّ (عليه السلام) ـ لابن المغازلي ـ: 192 ح 238، وأخرجه الحافظ أبو القاسم البغوي في " معجم الصحابة " كما في ذخائر العقبى: 131، وانظر: فردوس الأخبار 2 / 192 ح 5047، مناقب الإمام عليّ (عليه السلام) ـ للخوارزمي ـ: 84 ـ 85 ح 74، تاريخ دمشق 42 / 392، الرياض النضرة 3 / 138، فضائل الصحابة ـ لأحمد ـ 2 / 762 ـ 763 ح 1052، المعجم الكبير 6 / 221 ح 6063.
وقال الفضـل(1):
قد ذكرنا معنى الوصاية وأنّه غيرُ الخلافة، فقد يقال: هذا وصيّ فلان على الصبي، ويراد به أنّه القائم بعده بأمر الصبيّ، وهو قريب من الوارث، ولهذا قرنه في هذا الحـديث بالوارث; وليـس هذا بنصّ في الخلافة إنْ صـحَّ الروايـة.
____________
1- إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ 7 / 419.
وأقـول:
رواه الذهبي في " ميزان الاعتدال " بترجمة شريك بن عبـد الله، من طريق عن بريـدة(1).
وحكاه السيوطي في " اللآلئ " عن العقيلي والحاكم، كلّ منهما بطريق آخر، عن بريدة.
وطعنوا في أسانيدها جميعاً(2); وقد مـرّ مراراً ما فيـه.
وحكاه في " ينابيع المودّة "، في الباب الخامس عشر، عن أخطب خوارزم، عن بريدة; ونحوه عن أُمّ سلمة(3).
وحكاه في الباب السادس والخمسين، عن " كنوز الدقائق "، عن الديلمي(4).
فلا ريب باعتباره; لكـثرة طرقه، واعتضادها ببقـيّـة أخبار الوصيّـة المسـتفيضة(5).
كما لا ريب بدلالته على إمامة أمير المؤمنين; لِما سـبق في الحديث
____________
1- ميزان الاعتدال 3 / 375 رقم 3702.
2- اللآلئ المصنوعة 1 / 328.
3- يـنـابـيـع الـمـودّة 1 / 235 ح 5 و 6; وانـظـر: مـنـاقـب الإمـام عليّ (عليه السلام)ـ للخوارزمي ـ: 84 ـ 85 ح 74 و ص 147 ذ ح 171.
4- ينابيع المودّة 2 / 79 ح 96; وانظر: فردوس الأخبار 2 / 192 ح 5047.
5- أمّـا ما تعلّـلوا به في تضعيف بعض رجال أسانيد الحديث، فمردود بأنّ أُولئك الّذين ضُـعِّـفوا هم من رجال الصحاح السـتّة أو بعضها، فلا وجه لتضعيفهم هنا إلاّ لروايتهم فضيلـةً لأمير المؤمنين عليّ (عليه السلام); فتأمّـل!
وأمّا قوله: " فقد يقال: هذا وصيّ فلان على الصبيّ، ويراد به أنّه القائم بأمر الصبيّ "..
فهو مُـثْبِتٌ للمطلوب، لا ناف له; لأنّ وصيّ النبيّ هو خليفته القائم بأمر أُمّـتـه.
وأمّـا قوله: " وهو قريب من الوارث; ولهذا قرنه بالوارث "..
فصحيـح; ولذا أفاد اللفظان الخلافة; فإنّ المراد بالوارث: هو وارث العلم والمنزلة في الأُمّـة لا المال، فيكون هو الإمام.
____________
1- تقـدّم في الصفحة 47 وما بعـدها من هذا الجـزء.
6 ـ حـديث: لا يؤدّي عنك إلاّ أنت أو رجلٌ منك
قال المصنّـف ـ طاب ثراه ـ(1):
السادس: في " مسند أحمد " وفي " الجمع بين الصحاح السـتّة " ما معناه، أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعث " براءة " مع أبي بكر إلى أهل مكّة، فلمّا بلغ ذا الحُـلَيفة(2) بعث إليه عليّـاً فردّه، فرجع أبو بكر إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)فقال: يا رسـول الله! أنَـزَلَ فيَّ شيء؟!
قال: لا، ولكنّ جبرئيل جاءني وقال: لا يؤدّي عنك إلاّ أنت أو رجل منـك(3).
____________
1- نهج الحقّ: 214.
2- ذو الـحُـلَـيْـفَـة: قرية بينها وبين المدينة سـتّة أميال أو سـبعة، ومنها ميقـات أهل المدينة، وهو من مياه جُشم.
وموضع آخر بنفس الاسم، هو بين حاذَةَ وذات عرق من أرض تهامة، وليـس بالموضع الذي قرب المدينة.
انظر: معجم البلدان 2 / 339 ـ 340 رقم 3871.
والمقصود في الحديث هو الموضع الأوّل دون الثاني!
3- مسند أحمد 1 / 3 و 151 و ج 3 / 212 و 283 ومواضع أُخر، جامع الأُصول 8 / 660 ح 6509 عن الجمع بين الصحاح السـتّة.
وانظر: سنن الترمذي 5 / 256 ح 3090، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ 5 / 128 ـ 129 ح 8460 ـ 8462، مصنّـف ابن أبي شـيبة 7 / 506 ح 72، فضـائل الصحابـة ـ لأحمد بن حنبل ـ 2 / 694 ح 946 و 795 ح 1090، السيرة النبوية ـ لابن هشام ـ 5 / 232، السُـنّة ـ لابن أبي عاصم ـ: 588 ـ 589 ح 1351، زوائد عبـد الله بن أحمد بن حنبل على المسـند: 353 ح 146، تفسـير الطبري 6 / 306 ـ 307 ح 16386 و 16389 و 16392، الأموال ـ لأبي عبيـد ـ: 215 ح 457، أنساب الأشراف 2 / 857، المعجم الكبير 12 / 77 ح 12593، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان 8 / 222 ح 6610، المستدرك على الصحيحين 3 / 53 ح 4374، ما نزل من القرآن في عليّ: 94، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ 9 / 224 ـ 225، تفسير الثعلبي 5 / 8، تفسير الماوردي 2 / 337، شواهد التنزيل 1 / 232 ـ 243 ح 309 ـ 327، تفسير البغوي 2 / 225.