الصفحة 179
من قسم الحسـن "(1).

ثمّ قال السيوطي: " وبقي للحديث طرقٌ "، وذكر منها طريقين للخطيب، عن عليّ (عليه السلام)(2)..

وطريقاً لابن النجّـار، عنـه (عليه السلام) أيضـاً..

وطريقاً لأبي الحسن عليّ بن عمر الحربي، في " أماليه "، عنه (عليه السلام)أيضـاً، ولفظـه: " قال رسـول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أنا مدينـة العلـم وأنـت بابهـا يا عليّ، كذب من زعم أنّه يدخلها من غير بابها "..

وطريقاً لأبي الحسن شاذان الفضلي، في " خصائص عليّ (عليه السلام) "، عن جابر بن عبـد الله..

وطـريقـاً للديـلمـي، بـسـنـده عـن أبـي ذرّ، ولـفـظـه: " قـال رسـول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): عليٌّ باب علمي، ومبـيّـنٌ لأُمّتي ما أُرسلت به مِن بعدي، حبّـه إيمان، وبغضه نفاق، والنظر إليه رأفـة "(3).

وحكى في " كنز العمّال "(4) كلاماً للسيوطي نحو ما هنا، وذكر في طـيّـه أنّ ابن جرير روى في " تهذيب الآثار " الحديثَ الذي رواه الترمذي وصحّـحه.

ثمّ ذكر في " الكنز " أنّ السيوطي قال أخيراً بصحّة هذا الحديث بعدما

____________

1- اللآلئ المصنوعة 1 / 306.

2- انظر: تاريخ بغـداد 2 / 377 رقم 887، و ج 11 / 48 ـ 50.

3- اللآلئ المصنوعة 1 / 306 ـ 307، وانظر: فردوس الأخبار 2 / 78 ح 4000.

4- ص 401 ج 6 [ 13 / 148 ـ 149 ح 36464 ]. منـه (قدس سره).

وانظر: جمع الجوامع 1 / 388، تهذيب الآثار 4 / 104 ح 8، سـنن الترمذي 5 / 596 ح 3723.


الصفحة 180
كان يرى حسـنه(1).

____________

1- جاء هنا في المخطوطة ما نصّـه:

وطريقاً لابن عساكر، بسـنده عن أنس، ولفظه: " أنا مدينة العلم، وأبو بكر وعمر وعثمان سورها، وعليٌّ بابها، فمن أراد العلم فليأتِ الباب "، قال ابن عساكر: " منكَر جـدّاً إسـناداً ومتناً "; [ اللآلئ المصنوعة 1 / 307 ـ 308، وانظر: تاريخ دمشـق 45 / 321 رقم 5265 ].

أقـول: حقّ له أن يسـتنكره; لأنّ واضع الزيادة في الحديث أراد مشاركة القوم لأمير المؤمنين (عليه السلام) في الفضل، فذمّهم من حيث مدحهم; لأنّه جعلهم سوراً لمدينة علم النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، والسور حاجب ومانع عن الوصول إلى علمه، بخلاف الباب!

ثم نقل السيوطي، عن ابن عساكر، أنّه روى عن غيث بن عليّ الخطيب، عن أبي الفرج الأسفرايني، قال: كان أبو أسعد إسماعيل بن المثنّى الأسـترابادي يعظ بدمشق فقام إليه رجل فقال: أيّها الشيخ! ما تقول في قول النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): " أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها "؟

قال: فأطرق لحظة ثمّ رفع رأسه وقال: نعم، لا يَعرِف هذا الحديثَ على التمام إلاّ مَن كان صدراً في الإسلام! إنّما قال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): " أنا مدينة العلم، وأبو بكر أساسها، وعمر حيطانها، وعثمان سقفها، وعليٌّ بابها ".

قال: فاسـتحسن الحاضرون ذلك وهو يردّده; ثمّ سألوه أن يخرّج له إسـناده، فاغتـمّ ولم يخرّجه لهم. انتهى. [ اللآلئ المصنوعة 1 / 308، وانظر: تاريخ دمشق 9 / 20 ].

أقـول: كان يجمل بالحاضرين ـ لو لم تكن قلوبهم قُـدّت من حجر ـ أن يسـتقبحوا ذلك لا أنْ يسـتحسـنوه; لأنّ الحيطان حاجبة، والمدينة لا سقف لها، والأساس هو الأصل، فيكون علم أبي بكر أقوى وأثبت من علم النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)! وما هذا إلاّ كقولهم: " أبو بكر وعمر سـيّدا كهول أهل الجنّـة " مناظرة لقول النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): " الحسـن والحسـين سـيّدا شـباب اهل الجنّـة "، وقولهم: " فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على الطعام " مناقضة لقول النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): " فاطمـة سـيّدة نساء العالمين ".

هـذا، وللحديث طرق أُخر يمنعنا عن ذِكرها طول المقام وعدم الحاجة، يعرفها المتتـبّـع بلا كلفـة.

مـنـه (قدس سره).


الصفحة 181
أقـول: ولا ريب لمنصف في صحّته; لاسـتفاضة طرقـه، بل تواترها، لا سـيّما بضميمـة أخبارنـا(1)، وله شـواهد من الكـتاب والسُـنّـة لا تُحصى(2).

هـذا، وأمّا ما حكاه المصنّف (رحمه الله) في صدر كلامه عن " مسند أحمد " فقد رواه في " الاسـتيعاب " بترجمة أمير المؤمنين (عليه السلام) عن سعيد بن المسـيّب، قال: ما كان أحدٌ من الناس يقول: " سلوني " غير عليّ بن أبي طالـب(3)(4).

____________

1- انظر: صحيفة الإمام الرضا (عليه السلام): 51 ح 82، الخصال 2 / 574 ح 1، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2 / 71 ـ 72 ح 298، الأمالي ـ للصدوق ـ: 425 ح 560 و ص 472 ح 632 و ص 619 ح 843، الأمـالي ـ للطوسـي ـ: 431 ح 964 و ص 483 ح 1055 و ص 577 ـ 578 ح 1194، الإرشاد 1 / 33.

2- كقوله تعالى: (ومَن عنده علم الكتاب) سورة الرعد 13: 43، فإنّها نزلت في عليّ (عليه السلام); وقد روى الجمهور ذلك كما تقدّم في ج 5 / 117 وما بعدها من هذا الكـتاب; فراجــع!

وقول النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لبضعته سـيدة نساء العالمين فاطمـة الزهراء (عليها السلام): " أَوَما ترضين أنّي زوّجتك أقدم أُمّتي سلماً وأكثرهم علماً وأعظمهم حلماً "; انظر: مسند أحمد 5 / 26..

وقول الإمام عليّ (عليه السلام) نفسه: " علَّمَني ألفَ باب، يفتح كلُّ باب ألفَ باب "; انظر: تاريخ دمشق 42 / 385، فرائد السمطين 1 / 101 ح 70، شرح المقاصد 5 / 297.

وقول عائشة: " أما إنّه أعلم الناس بالسُـنّة "; انظر: الاسـتيعاب 3 / 1104.

3- تقـدّم آنفاً في الصفحة 171، وانظر: الاسـتيعاب 3 / 1103.

4- نـقـول: وقد توسّع السـيّد عليّ الحسـيني الميلاني ـ حفظه الله ورعاه ـ في دراسة حديث مدينـة العلم دراسة مفصّـلة، سـنداً ودلالة، طرقاً ومتـناً، وتناول كلّ المباحث المتعلّقة بألفاظه وتصحيح أسانيده، وتفنيد ما أُثير حوله من إشكالات وشـبهات، وذلك في الأجزاء 10 ـ 12 من موسوعته " نفحـات الأزهار "; فراجـع!

وانظر: تشـييد المراجعات وتفنيد المكابرات 3 / 309 ـ 310 و 338 ـ 344.

كما إنّ الحافظ أحمد بن محمّـد بن الصدّيق الغماري الحسـني، المتوفّى سـنة 1380 هـ، قد صنّف كتاباً بهذا الصدد أسماه: " فتح الملك العلي بصحّـة حديث باب مدينة العِلم علي "، جمع فيه طرقه، وسلك فيه مسلكاً مبتكَـراً أثبت فيه صحّـة الحـديث بتسـعة مسالك، وأبطل جميع الأكاذيب والادّعاءات بعدم صحّة سـند الحديث; فراجـع!


الصفحة 182

20 ـ حـديث: مَن آذى عليّـاً فقـد آذاني

قال المصنّـف ـ أعلى الله مقامه ـ(1):

العشرون: في " مسند أحمد " من عدّة طرق، أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: " من آذى عليّـاً فقد آذاني(2)..

أيّها الناس! من آذى علـيّـاً بُعثَ يوم القيامـة يهوديّـاً أو نصرانيّـاً "(3).


*  *  *

____________

1- نهج الحقّ: 222.

2- مسند أحمد 3 / 483، وانظر: فضائل الصحابة ـ لأحمد ـ 2 / 784 ـ 785 ح 1078، التاريخ الكبير 6 / 306 ـ 307 رقم 2482، مصنّف ابن أبي شيبة 7 / 502 ح 45، مسند البزّار 3 / 366 ح 1166، مسند أبي يعلى 2 / 109 ح 770، مسند الشاشي 1 / 134 ح 72، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان 9 / 39 ح 6884، المستدرك على الصحيحين 3 / 132 ح 4619، معرفة الصحابة 4 / 1996 ح 5013 ترجمة عمرو بن شأس الأسلمي / رقم 2047، دلائل النبوّة ـ للبيهقي ـ 5 / 395، الاسـتيعاب 3 / 1101، تاريخ دمشق 42 / 202 ـ 204، فوائد سَمّويه: 84 ح 80، مناقب الإمام عليّ (عليه السلام) ـ للخوارزمي ـ: 149 ح 176 و ص 154 ح 181 و ص 328 ح 344، مجمع الزوائـد 9 / 129.

3- مناقب الإمام عليّ (عليه السلام) ـ لابن المغازلي ـ: 97 ح 76.


الصفحة 183

وقال الفضـل(1):

لا شكّ أنّ عليّـاً سـيّدُ الأولياء، وقد جاء في الحديث: " مَن عادى لي ولـيّـاً فقد آذنـته بالحـرب "(2).

فإذا كان معاداة أحد من الأولياء وأذاه محاربةً مع الله تعـالى، فكيف لا يكون إيذاءُ سـيّد الأولياء موجباً لدخول النار؟! ولكن لا يدلّ هذا على النـصّ.


*  *  *

____________

1- إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ 7 / 461.

2- صحيح البخاري 8 / 189 ح 89، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ 10 / 219.


الصفحة 184

وأقـول:

لم أجد فعلا في " مسند أحمد " تمام الحديث، وإنّما وجدت فيه صدره(1) عن عمرو بن شاش(2)، أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: " مَن آذى عليّـاً فقد آذاني ".

ورواه الحاكم عنه أيضاً في " المستدرك " وصحّـحه(3).

ورواه البخاريُّ في " تاريخه "، كما حكاه عنه في " كنز العمّال "(4).

ورواه أيضاً في " الاستيعاب " بترجمة أمير المؤمنين، وزاد فيه: " ومَن آذاني فقد آذى الله تعالى "(5)، وهو يقتضي وجوب طاعة عليّ (عليه السلام); لأنّ عصيانه يؤذيه بالضرورة، ووجوب طاعته على الإطلاق يقتضي عصمته وإمامتـه.

وإذا ضممت إلى الحديث قوله تعالى: { إنّ الّذين يؤذون الله ورسولَه لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعدّ لهم عذاباً مهيناً }(6) علمت

____________

1- ص 483 ج 3. منـه (قدس سره).

2- كـذا في الأصل وكنز العمّال، وفي مسـند أحمد والمسـتدرك على الصحيحين والتاريخ الكبير والإكمال ـ للحسـيني ـ: 316 رقم 653: " شاس "; فلاحـظ!

3- ص 122 من الجزء الثالث [ 3 / 132 ح 4619 ]. منـه (قدس سره).

4- كنز العمّال 11 / 601 ح 32901، وانظر: التاريخ الكبير ـ للبخاري ـ 6 / 307 رقم 2482.

5- الاسـتيعاب 3 / 1101.

6- سورة الأحزاب 33: 57.


الصفحة 185
حال الناكـثين والقاسطين.

أمّا بقيّة الحديث، وهي: " مَن آذى عليّـاً بُعث يهوديـاً أو نصرانيـاً "، فيشهد لصحّتها ما حكاه المصنّف (رحمه الله) في " منهاج الكرامة "، عن أخطب خوارزم، بسـنده عن معاوية بن حيدة القشيري، قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول لعليّ (عليه السلام): " مَن مات وهو يبغضك مات يهوديّـاً أو نصرانيّـاً "(1).

وما حكاه السيوطي في " اللآلئ "، عن العقيلي، بسـنده عن بهز بن حكيم، عن أبـيه، عن جدّه، مرفوعاً: " مَن مات وفي قلبه بغضٌ لعليّ فَـلْـيَـمُـتْ يهوديّـاً أو نصرانيّـاً "(2).

وزعم ابن الجوزي أنّـه موضوعٌ; لأنّ في سـنده الجارود بن يزيد وعليّ بن قرين(3)..

ولكنّ السيوطيّ تعقّبه بذِكر رواية للديلمي أخرجها عن بهز بسندين خلـيَّين، عن الجارود وابن قرين، قال فيها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " يا عليُّ! ما كنت أُبالي من مات من أُمّتي وهو يبغضك مات يهوديّـاً أو نصرانيّـاً "(4).

فهـذه الأخبار متّـفقةٌ في المعنى مع ذيل الرواية التي حكاهـا المصنّـف (رحمه الله) عن " مسـند أحمد "; لأنّ بغض عليّ إيذاءٌ له.

____________

1- منهاج الكرامة: 157، وانظر: مناقب الإمام عليّ (عليه السلام) ـ لابن المغازلي ـ: 96 ح 74، ولم نجده في مصنّفات أخطب خوارزم المطبوعة.

2- اللآلئ المصنوعة 1 / 335، وانظر: الضعفاء الكبير ـ للعقيلي ـ 3 / 250 رقم 1248، فردوس الأخبار 2 / 276 رقم 5989.

3- الموضوعات 1 / 385.

4- اللآلئ المصنوعة 1 / 335، وانظر: فردوس الأخبار 2 / 482 ح 8312.


الصفحة 186
ولا ريب بصحّة هذه الروايات; لِما تقدّم من أنّ بغض عليّ (عليه السلام)علامةُ النفاق(1)، ومن الواضح أنّ المنافق بمنزلة اليهود والنصارى(2).

ومن الغريب مسارعةُ ابن الجوزي للحكم بوضع الأخبار، بمجرّد اشـتمال سـندها على ضعيف أو متّهم عنده; فإنّه على هذا ينبغي أن يحكم بوضع رواياتهم جميعاً، حتّى أخبار الصحاح السـتّة; إذ لا يخلو خبرٌ عندهم ـ إلاّ النادر ـ من اشتمال سنده على ضعيف، كما أشرنا إليه في المقـدّمة(3)، وهذا ممّـا لا يرتضيه أصحابه.

ولعلّه إنّما يفعل ذلك في خصوص أخبار فضائل إمام الهدى انحرافاً عنه، وهو غيرُ بعيـد!

وأمّا الحديث الذي ذكره الفضل، وهو: " مَن آذى لي وليّـاً فقد آذنـتُـه بحرب "، فليـس بمنزلة قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): " مَن آذى علـيّـاً فقد آذاني... " إلى آخره; لأنّ معنى الحديث الذي ذكره: مَن آذى لي وليّـاً فليسـتعدّ للعقوبة، وهذا ليس بمنزلة إيذاء عليّ (عليه السلام)، الذي هو إيذاء لله ورسوله، وموجب للعنة الله في الدنيا والآخرة والعذاب المهين، والبعث على اليهوديّة أو النصرانيّة; فإنّ هذا لا يكون إلاّ في إيذاء مَن هو بمنزلة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وإمام الوقـت.


*  *  *

____________

1- راجع مبحث الحديث 16: " لا يُحبّـك إلاّ مؤمن، ولا يبغضُك إلاّ منافق " في الصفحات 147 ـ 151 من هذا الجـزء.

2- روى الطبراني في المعجم الأوسط 4 / 389 ح 4002 عن جابر بن عبـد الله الأنصاري، قال: خطبنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فسمعته وهو يقول: "يا أيّها الناس! مَن أبغضنا أهل البيت حشره الله يوم القيامة يهوديّـاً "! فقلت: يا رسول الله! وإن صام وصلّى؟! قال: " وإنْ صام وصلّى وزعم أنّـه مسلم ".

3- راجع مبحث " مناقشة الصحاح السـتّة " في ج 1 / 41 وما بعدها من هذا الكـتاب.


الصفحة 187

21 ـ حـديث تزويج عليّ من فاطمـة

قال المصنّـف ـ أعلى الله درجته ـ (1):

الحادي والعشرون: في مسند أحمد بن حنبل، أنّ أبا بكر وعمر خطبا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فاطمـة (عليها السلام)، فقال: " إنّها صغيرة "، فخطبها عليٌّ فزوّجها منه(2).


*  *  *

____________

1- نهج الحقّ: 222.

2- فضائل الصحابة ـ لأحمد بن حنبل ـ 2 / 761 ـ 762 ح 1051، وانظر: سنن النسائي 6 / 62، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ 3 / 265 ح 5329 و ج 5 / 143 ح 8508، المعجم الكبير 4 / 34 ح 3571، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان 9 / 51 ح 6909، الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ 8 / 16 رقم 4097، المستدرك على الصحيحين 2 / 181 ح 2705، مشكاة المصابيح 3 / 360 ح 6104، مجمع الزوائد 9 / 204، موارد الظمآن: 549 ح 2224.


الصفحة 188

وقال الفضـل(1):

صـحّ في الأخـبـار أنّ أبـا بكـر وعمـرَ خطبـا فـاطـمـة، فـقـال رسـول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " إنّي أنتظر أمرَ الله فيها "(2)، ولم يقل: " إنّهـا صغيـرة "(3).

وهذا افتراء على أحمد بن حنبل، وكلّ مَن قال هذا فهو مفتر على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وناسـباً(4) للكذب إليه، فإنّ فاطمة كانت وقت الخطبة كبيرة; لأنّها وُلدت عام عمارة الكـعبـة.

والعجب من هذا الرجل أنّه يبالغ في احتراز الأنبياء عن الكذب وينسـب الكـذب الصراح إلى رسـول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)!

نعوذ بالله من هذا، وإنّـه خَـبّـاط خَـبْـطَ عَشْـواء(5).


*  *  *

____________

1- إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ 7 / 463.

2- انظر: موارد الظمآن: 549 ـ 550 ح 2225، وفيه أنّ عمر قال لأبي بكر حكاية عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " إنّـه ينتظر أمر الله فيها ".

3- انظر: موارد الظمآن: 549 ح 2224، وفيه: أنّ أبا بكر وعمر خطبا فاطمـة (عليها السلام)فقال رسـول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " إنّـها صغـيرة "; فخطبها عليٌّ فزوّجها منـه.

4- كذا في الأصل.

5- العَشْواء: الناقة التي لا تبصر بالليل; وهذا من الأمثال السائرة، يُضرب مثلا للمتهافِتِ في الشيء، وللسادِر الذي يَركبُ رأسَه ولا يهتمُّ لعاقبته، كالناقة العشواء التي لا تُبصر، فهي تَخبِطُ بيديها كلَّ ما مـرّت به.

انظر: جمهرة الأمثـال 1 / 441 رقم 772، مجمـع الأمثـال 1 / 459 رقم 1377 و ج 3 / 520 رقم 4660، لسان العرب 9 / 226 مادّة " عشا ".


الصفحة 189

وأقـول:

ما نقله المصنّـف (رحمه الله) عن " المسند " قد رواه بعينه النسائيُّ في أوائل " كتاب النكاح " من سـننه، في باب " تزوّج المرأة مثلها في السـنّ "(1).

ورواه الحاكم في " المسـتدرك " في كتاب النكاح(2)، وصحّحه على شرط الشـيخين، ولم يتعقّبه الذهبي(3).

والحـقّ أنّهـا تزوّجـت وهي صغيـرةٌ; لأنّهـا وُلـدت بعـد البعثـةِ بإجماعنـا(4).

واختاره الحاكم في " المستدرك "، فإنّه عَنْوَنَ(5) بقوله: " ذِكرُ ما ثبتَ عندنا من أعقاب فاطمة وولادتها "، ثمّ روى أنّها وُلدت سنة إحدى وأربعين من مولد رسـول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولم يتعقّبه الذهبي.

وروى أيضاً(6) أنّها ماتت وهي ابنة إحدى وعشرين سنةً، ووُلدت على رأس إحدى وأربعين من مولد النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم).

وروى في " الاسـتيعاب " ـ بترجمة فاطمـة (عليها السلام) ـ أنّها وُلدت سنة

____________

1- سنن النسائي 6 / 62.

2- ص 167 من الجزء الثاني [ 2/ 181 ح 2705 ]. منـه (قدس سره).

3- نـقـول: لقد غفل ابن روزبهان أو تغافل ـ كعادته ـ عن ورود قول النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): " إنّها صغيرة " في جملة كبيرة من مصادر الجمهور; فراجـع ذلك في ما مرّ آنفاً في الهامش رقم 2 من الصفحة 187.

4- انظر مثلا: تاريخ أهل البيت: 71، الكافي 1 / 520، إعلام الورى 1 / 290، مناقب آل أبي طالب 3 / 405.

5- ص 161 ج 3 [ 3 / 176 ح 4760 ]. منـه (قدس سره).

6- ص 163 من الجزء المذكور [ 3 / 178 ح 4765 ]. منه (قدس سره).


الصفحة 190
إحدى وأربعين من مولد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأنكح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فاطمة عليّـاً بعد وقعة أُحـد(1).

فعلى هذا كلّه تكون حين تزويجها صغيرةً ابنةَ اثنتي عشرة سنةً تقريبـاً.

ويُـروى عندنـا أنّهـا تزوّجـت وهي ابنـةُ تسـع(2)، وقد يوافـقه مـا في " الاسـتيعاب " بترجمـة خديجـة (عليها السلام)، قـال: " قـال الزبيـر: وُلـد لرسـول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) القاسم، وهو أكبر ولده، ثمّ زينبُ، ثم عبـد الله، وكان يقال له: الطـيّب، ويقال له: الطاهر، وُلد بعد النبـوّة، ثمّ أُمّ كلثوم، ثمّ فاطمـة "(3).

فإنّ فاطمـة (عليها السلام) إذا وُلدت بعد الطاهر وأُمّ كلثوم، وكلاهما بعد النبـوّة، لم يبعد أن يكون تزويجها وهي ابنة تسـع.

وزعم بعضُهم أنّ سـنّها يوم تزوّجت خمسَ عشرةَ سنةً وخمسةَ أشهر ونصف، كما ذكره في " الاسـتيعاب " بترجمتها(4).

واختاره ابن حجر في " الصواعق "، قال في أوّل الباب الحادي عشر: " تزويج النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فاطمة من عليّ أواخر السـنة الثانية من الهجرة على الأصحّ، وكان سـنّها خمسَ عشرةَ سـنة ونحو نصف سـنة "(5).

وكيف كان، فهي صغيرةٌ، إمّا حقيقـةً، أو بالإضافة إلى الشـيخين،

____________

1- الاسـتيعاب 4 / 1893 رقم 4057.

2- تاج المواليد: 97 ـ 98، وانظر: تاريخ الأئمّة: 6، مسارّ الشيعة: 36، مناقب آل أبي طالب 3 / 405.

3- الاسـتيعاب 4 / 1818 رقم 3311.

4- الاسـتيعاب 4 / 1893 رقم 4057.

5- الصواعق المحرقة: 218 ب 11 في فضائل أهل البيت النبوي.


الصفحة 191
فلا يُـكـذَّب قول النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): " إنّها صغيرةٌ ".

نعم، هو عذر إقناعي، والعذر الحقيقي أنّهما ليسا أهلا لها، ولذا زوّجها من عليّ (عليه السلام) بأثـر هذا العـذر.

ويشهد له ما في " الصواعق "، في الفصل الأوّل من الباب المذكور، في أثناء الكلام على الآية الحادية عشرة(1)، عن أبي داود السجستاني، قال: " إنّ أبا بكر خطبها فأعرض (صلى الله عليه وآله وسلم) عنه، ثمّ عمر فأعرض عنه، فأتيا عليّـاً فنبّهاه إلى خطبتها، فجاء فخطبها، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): ما معك؟... " الحديث، ثمّ قال: " وأخرج أحمد وأبو حاتم نحوه "(2).

وحكـى في " كـنز العمّـال "(3)، عـن ابن جريـر، عـن أنـس، أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أعرض عن أبي بكر، فرجع إلى عمر وقال: هلكتُ; وأعرض عن عمر، فرجع إلى أبي بكر وقال: إنّه ينتظر أمر الله فيها.

فإنّ إعراض النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) عنهما دليلٌ على عدم أهليّتهما لها، وإنّه من سخط عليهما، لطلبهما ما لا يليق بهما، ولذا قال أبو بكر: " هلكتُ ".

وفي " الكنز " أيضاً(4)، عن ابن جرير، قال: " وصحّحـه "، والدولابي في " الذرّيّة الطاهرة "، عن عليّ (عليه السلام)، قال: خطب أبو بكر وعمر فاطمة إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأبى عليهما، فقال عمر: أنت لها... " الحـديث.

____________

1- كذا في الأصل، ولعلّه تصحيف، والصحيح: الثانية عشرة.

2- الصواعق المحرقة: 249 الآية 12، جواهر العقدين: 301 و 302، الرياض النضرة 3 / 142 ـ 143، ذخائر العقبى: 67 ـ 68، وانظر: المعجم الكبير 22 / 408 ـ 410 ح 1021، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان 9 / 49 ح 6095.

3- ص 113 ج 7 [ 13 / 684 ح 37755 ]. منـه (قدس سره).

4- ص 392 من الجزء السادس [ 13 / 114 ح 36370 ]. منـه (قدس سره).

وانظر: الذرّيّـة الطاهرة: 93 ح 83.


الصفحة 192
وفي " الصواعق "، في أوّل الباب المذكور، عن أحمد وابن أبي حاتم، عن أنس، قال: " جاء أبو بكر وعمر يخطبان فاطمة إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)فسكت ولم يرجع إليهما شـيئاً، فانطلقا إلى عليّ يأمرانه بطلب ذلك... " الحـديث(1).

ثمّ قال: " وفي رواية أُخرى عن أنس أيضاً، عند أبي الخير القزويني الحاكمي: خطبها بعد أن خطبها أبو بكر ثمّ عمر، فقال: قد أمرني ربّي بذلك... " الحـديث(2).

وفي هذا دلالة أُخرى على عدم أهليّتهما للتزويج بسيّدة النساء; فإنّ منعهما ـ دون عليّ (عليه السلام) بأمر الله ـ كاشفٌ عن أنّ النظر في أمرها راجع إلى الله سبحانه مع وجود أبيها سيّد النبيّين، الذي هو أَوْلى بالمؤمنين من أنفسـهم.

كما عرفه عمر حيث قال في رواية ابن جرير المذكورة: " إنّه ينتظر أمـرَ الله فيـها "، وليس ذلك إلاّ لعظم شأنِها عند الله تعالى وكرامتها عليه، فلا يزوّجها إلاّ بمن هو أهلٌ لها ويليق بقدرها الرفيع، فزوّجها في السماء بسـيّد أوليائه; وهو أدلّ دليل على فضله على الشـيخين عند الله عزّ وجلّ وعند رسـوله (صلى الله عليه وآله وسلم); والأفضل أحقّ بالإمامـة.

ويا هل ترى أنّ الله تعالى يصون عنهما تزويج فاطمة، ولا يَعقِبه ضررٌ ظاهراً، وهو يرضى أن تُزفّ إليهما إمامةُ الأُمّة والحكم في الدين والدنيا، والنفس والنفيـس؟!

وأعظم من هذه الأحاديث في الدلالة على عدم أهليّتهما للزهراء

____________

1- الصواعق المحرقة: 218.

2- الصواعق المحرقة: 218 و 219.


الصفحة 193
وللإمامة، ما في " اللآلئ المصنوعة "، عن العقيلي والطبراني معاً، عن عليّ ابن عبـد العزيز، عن أبي نعيم، عن موسى بن قيس الحضرمي، عن حجر ابن عنبـس، قال: " خطب أبو بكر وعمر فاطمة، فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): هي لك يا عليّ، لسـتَ بدجّـال "(1).

فإنّ قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): " لسـتَ بدجّال " تعريضٌ بالشـيخين بأنّهما دجّـالان لا يصلحان لتزويج فاطمـة، ولا للإمامـة بالضرورة; ولذا هاجت حميّة ابن الجوزي فقال: " موضوعٌ، موسى من الغلاة في الرفض "(2).

وتعقّبه السيوطي بقوله: " روى له أبو داود، ووثّـقه ابنُ معين، وقال أبو حاتم: لا بأس به ".

ثمّ قال السيوطي: " والحديثُ أخرجه البزّار "، وذكر أيضاً في سنده موسى بن قيس، ثمّ حكى عن الهيثمي في " زوائده " أنّه قال: " رجاله ثقات، إلاّ أنّ حجراً لم يسمع من النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) "(3).

وفـيـه: إنّه لو سُلّم أنّ حجر بن عنبس لم يسمع من النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)فهو ممّن أسلم في أيامه (صلى الله عليه وآله وسلم)، فيكون راوياً عن الصحابة، ولا يضرّ إرسـاله(4).

____________

1- اللآلئ المصنوعة 1 / 334، وانظر: الضعفاء الكبير ـ للعقيلي ـ 4 / 165 رقم 1736، المعجم الكبير 4 / 34 ح 3571 وليس فيه: " لسـتَ بدجّال ".

2- الموضوعات 1 / 382.

3- اللآلئ المصنوعة 1 / 334، وانظر روايته في: سنن أبي داود 1 / 260 ح 997 و ج 4 / 310 ح 5035، مجمع الزوائد 9 / 204.

وانظر: الثقات ـ لابن حبّان ـ 7 / 455، تاريخ أسماء الثقات ـ لابن شاهين ـ: 305 رقم 1291، تهذيب التهذيب 8 / 421 رقم 7285.

4- راجع ترجمته في: معرفة الصحابة ـ لأبي نعيم ـ 2 / 894 رقم 771، الاستيعاب 1 / 332 رقم 488، أُسد الغابة 1 / 462 رقم 1094.


الصفحة 194

22 ـ حـديث: إجلس يا أبا تراب

قال المصنّـف ـ أعلى الله منزلتـه ـ(1):

الثـاني والـعـشـرون: في " الجـمـع بـيـن الصحيـحيـن "، أنّ رسـول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) دخل على ابنته فاطمة فقبّل رأسها ونحرها، وقال: أين ابنُ عمّـك؟

قالت: في المسـجد.

فوجد رداءه قد سقط عن ظهره، وخلص الترابُ إلى ظهره، فجعل يمسحُ عن ظهره التراب ويقول: " إجلس يا أبا تراب " مرّتين(2).


*  *  *

____________

1- نهج الحقّ: 222.

2- الجمع بين الصحيحين ـ للحميدي ـ 1 / 554 ح 916، وانظر: صحيح البخاري 5 / 88 ـ 89 ح 199 و ج 8 / 113 ح 53، صحيح مسلم 7 / 124، مسند أحمد 4 / 263، مسند الروياني 2 / 121 ح 1015 و ص 123 ح 1021، المعجم الكبير 6 / 149 ح 5808 و ص 165 ح 5870، الكنى والأسماء ـ للدولابي ـ 1 / 8، تاريخ الطبري 2 / 14 ـ 15، مقاتل الطالبيّين: 40، مناقب الإمام عليّ (عليه السلام) ـ لابن أخي تبوك، المطبوع مع " مناقب الإمام عليّ (عليه السلام) " لابن المغازلي ـ: 340 ح 14، معرفة علوم الحديث: 211، معرفة الصحابة ـ لأبي نعيم ـ 1 / 77 ح 292، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ 2 / 446، مناقب الإمام عليّ (عليه السلام) ـ لابن المغازلي ـ: 60 ـ 61 ح 6 و 7.


الصفحة 195

وقال الفضـل(1):

هذا حديثٌ صحيح، وهو من تلـطّـفات النبـيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لأميـر المؤمنيـن (عليه السلام) وإظهار المحبّـة له، ولا يثبت به النصُّ.


*  *  *

____________

1- إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ 7 / 465.