وقال الفضـل(1):
ما ذكر من الأحاديث الواردة في شأن اثني عشر خليفةً، فهو صحيح ثابت في " الصحاح " من رواية جابر بن سمرة.
وأمّا ابن عُيينة فهو ليس بصحابيّ ولا تابعيّ، بل يمكن أن يكون أحداً من سلسلة الرواة; وهو من عدم معرفته بالحديث وعلم الإسـناد يزعم أنّ ابن عُيينة وجابر متقابلان في الرواية.
ثمّ ما ذكر من عدد اثني عشر خليفةً، فقد اختلف العلماء في معناه..
فقال بعضهم: هم الخلفاء بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكان اثنا عشر منهم ولاةَ الأمر إلى ثلاثمئة سنة، وبعدها وقع الفتن والحوادث، فيكون المعنى: أنّ أمر الدين عزيزٌ في مدّة خلافة اثني عشرَ، كلّهم من قريـش.
وقال بعضهم: إنّ عدد صلحاء الخلفاء من قريش اثنا عشر، وهم: الخلفـاء الراشـدون ـ وهـم خمسـة ـ، وعبـد الله بـن الزبيـر، وعمر بـن عبـد العزيـز، وخمسة أُخر من خلفاء بني العبّـاس، فيكون هذا إشارةً إلى الصلحاء من الخلفاء القرشـية(2).
____________
1- إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ 7 / 478.
2- ما أورده الفضل هنا هو بعض ما حار فيه علماء الجمهور ـ في مراد الحديث ومعناه ـ واضطربوا فيه اضطراباً كبيراً، فقد تباينت آراؤهم وأقوالهم في تعييـن الاثني عشر خليفة تباينـاً فاحشـاً..
قال ابن العربي المالكي ـ بعد أن أحصى 45 أميراً ـ: " ولم أعلم للحديث معنىً، ولعلّـه بعض حديث "!
ونقل النووي عدّة أوجه أوردها القاضي عياض، لا يعود أيٌّ منها إلى محصَّـل! قال في آخرها: " ويُحتمل أوجهاً أُخر، والله أعلم بمراد نبيّـه (صلى الله عليه وآله وسلم) "!
وشرَّقَ ابنُ كـثير في تفسـيره، ثمّ غـرَّبَ في تاريخه فذكر آراء آخرين، وعقّب عليها معترضاً بقوله: " فهذا الذي سلكه البيهقي، وقد وافقه عليه جماعة... فإنّـه مسلك فيه نظر "!
وقال ابن بطّـال القرطبي، عن المهلّب: " لم ألـقَ أحداً يقطـع في هذا الحـديث ـ يعني: بشيء معـيّن ـ "!
وقال ابن الجوزي: " قد أطلتُ البحث عن معنى هذا الحديث، وتطـلّبتُ مظانّـه، وسألتُ عنه، فلم أقع على المقصود به "!
وقال العسقلاني ـ بعد أن أورد أقوال مَن سـبقه ـ: " والوجه الذي ذكره ابن المنـادي ليـس بواضـح، ويعكّر عليه ما أخرجه الطبراني... "!
انظر: عارضة الأحوذي 5 / 66 ـ 67 ح 2230، شرح صحيح مسلم ـ للنووي ـ 12 / 158 ـ 160 ح 1821، تفسـير ابن كـثير 2 / 31، البداية والنهاية 6 / 185 ـ 187، فـتــح الـبــاري 13 / 261 ـ 266 ح 7222 و 7223، تـاريــخ الـخــلـفـــاء ـ للسـيوطي ـ: 12 ـ 15.
وإنْ أُريد به الزعامة الكبرى، والإيالة العظمى، فهذا أمر لا يصـحّ; لأنّ من اثني عشر اثنينِ كان صاحبَ الزعامة الكبرى; وهما: عليٌّ وحسن، والباقون لم يتصدّوا للزعامة الكبرى.
ولو قال الخصم: إنّهم كانوا خلفاء لكن منعهم الناس عن حقّهم.
قلنا: سلّمت إنّهم لم يكونوا خلفاء بالفعل، بل بالقوّة والاستحقاق.
وظاهرٌ أنّ مراد الحديث: أن يكونوا خلفاء قائمين بالزعامة والولاية، وإلاّ فما الفائدة في خلافتهم في إقامة الدين؟! وهذا ظاهرٌ، والله أعلم.
وما كان مناسـباً فقد علمت أنّه لا يدلّ على النصّ، فلم يثبت بسائر ما أورده مدّعاه، فأيُّ فائدة في قوله: " والأخبار في ذلك أكثر من أن تُحصى "؟!
وأقـول:
لا يخفى أنّ التقابل بين جابر وابن عُيـينة لا يتوقّـف على كونهما صحابـيَّـين، بل يتوقّـف على انـتهاء السلسلة إليهما; غاية الأمر أن تكون رواية ابن عُيـينة مُرسلة، وهو كـثيـرٌ في أخبار صحاحهم!
ولم أعثر في مراجعتي لـ " صحيح البخاري " إلاّ على رواية واحـدة في آخر " كـتاب الأحكام "، عن جابر، قال: سمعت النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: يكون اثـنا عشر أميراً; فقال كلمة لم أسمعها، فقال أبي: إنّه قال: كلّهم من قريـش(1).
وحكى في " ينابيع المودّة"(2) عن كتاب " العمدة "، أنّ البخاري روى الحديث من ثلاثة طـرق.
ولا ريب أنّ المراد به: أئـمّـتُـنا; لأُمـور:
الأوّل: إنّه لولا إرادتُهم، لكان الخبر كاذباً إنْ أراد جميعَ أُمراء قريش، وغير مفيد بظاهره إنْ أراد البعض.
الثاني: إنّ بعض أحاديث المقام يفيد بظاهره وجود الاثني عشر في تمام الأوقات بعد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى قيام الساعة، وهو لا يتمّ إلاّ على إرادة أئـمّـتنا; كخبر مسلم في أول " كتاب الإمارة "، عن جابر، قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: " لا يزال الدين قائماً حتّى تقوم الساعة، أو
____________
1- صحيح البخاري 9 / 147 ح 79.
2- في الباب السابع والسـبعين [ 3 / 289 ]. منـه (قدس سره).
وانظر: عمدة عيون صحاح الأخبار: 481 ح 782 ـ 784.
ومثله في " مسـند أحمـد "(2).
وكخبر مسلم ـ أيضاً ـ، عن جابر: " إنّ هذا الأمر لا ينقضي حتّى يمضي فيهم اثـنا عشر خليفـة "(3).
الثالث: ما رواه مسلم في المقام المذكور، عن عبـد الله، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي من الناس اثـنان "(4).
ورواه البخاري في أوّل " كتاب الأحكام "، في " باب الأمراء من قريـش "(5).
ورواه أحمـد، عن ابن عمر(6).
فإنّ المـرادَ بـه: حصـرُ الإمامـة الشرعيّـة في قريـش ما دام النـاس، لا السلطة الظاهريّة، ضرورةَ حصولِها لغير قريش في أكثر الأوقات، فيكون قرينة على أنّ المراد من الحديث الأوّل: حصرُ الخلفاء الشرعيّين في اثني عشر، وهو لا يتـمّ إلاّ على مذهبنـا.
الرابـع: ما رواه أحمد(7)، عن مسروق، قال: كـنّـا جلوساً عند
____________
1- صحيح مسلم 6 / 4.
2- ص 89 من الجزء الخامـس. منـه (قدس سره).
3- صحيح مسلم 6 / 3.
4- صحيح مسلم 6 / 3.
5- صحيح البخاري 5 / 13 ح 11 باب مناقب قريش، و ج 9 / 112 ح 4 باب الأُمراء من قريـش.
6- ص 29 و 128 من الجزء الثاني. منـه (قدس سره).
7- ص 398 من الجزء الأوّل. منـه (قدس سره).
فقال عبـد الله: ما سألني عنها أحد منذ قدمت العراق قبلك.
ثمّ قال: نعم، ولقد سألنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: " اثـنا عشر كعدّة نقباء بني إسرائيل ".
وروى نحوه أيضاً بعد قليـل(1).
وذكره ابن حجر وحسّـنه في " الصواعـق "(2).
فإنّه دالٌّ على انحصار الخلافة في اثني عشر، وإنّهم خلفاءُ بالنصّ; لقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): " كعـدّة نقباء بني إسرائيـل "، فإنّ نقباءهم خلفاءُ بالنصّ، لقوله تعالى: { ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيـباً }(3).
مـع أنّ سـؤال الصحابـة للنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) إنّـما هو عن خلفائـه بالنصّ، لا بتأمير الناس أو بالتغلّب; إذ لا يهمّ الصحابةَ السؤالُ عن ذلك; لأنّ تأمير الناس وتغلّب السلاطين لا يبتني عادة على الدين حتّى يهمّ الصحابةَ السؤالُ عنه; ولأنّ السلاطين بلا نصّ لا يُحتاج إلى السؤال عنهم وعن عددهم; لأنّ العادة جرت على وجود مثلهم وأنّهم لا ينحصرون بعـدد.
فظهر أنّ السؤال إنّمـا هـو عـن الخلفـاء بالنـصّ، وعنهـم أجاب النبـيّ (صلى الله عليه وآله وسلم).
____________
1- ص 406 من الجزء الأوّل. منـه (قدس سره).
2- في الفصل الثالث من الباب الأوّل [ ص 34 ]. منـه (قدس سره).
3- سورة المائدة 5: 12.
الخامس: إنّ المنصرف من الخليفة مَن اسـتخلفه النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، خصوصاً قبل حدوث دعوى حصول الخلافة بلا نصّ، بل لا يتصوّر الصحابة وكلّ العقلاء أن يتركهم النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بلا إمام منصوب منهم، حتّى يسألوا عن غيره أو الأعمّ منه، أو يفهموا من إخباره إرادة الغير أو الأعمّ.
فلا بُـدّ أن يُراد بالاثني عشر في الحديثين، أئمّتُنا، فهم أئمّة الأُمّة بالفعل، ولهم الزعامة العظمى الإلـهيّـة عليها.
ولا يضرّ في إمامتهم الفعليّة عدمُ نفوذ كلمتهم; لأنّ معنى إمامتهم وولايتهم أنّهم يملكون التصرّف وإنْ منعهم الناس، كالأنبياء المقهورين، فإنّهم ولاة الأمر وإنْ تغلّب عليهم الظالمون.
وكما أنّه لا يصحّ أن يقال: لا فائدة في نبوّة النبيّ الممنوع عن التصرّف; لا يصحّ أن يقال: لا فائدة في إمامة الإمام الممنوع عنه.
فإنّ الفائدة لا تنحصر بالتصرّف; لكفاية أن يكون بهم إيضاح الحجّة وإنارة المحجّة ونشر العلم.
بل لو لم يتمكّنوا حتّى من هذا لحبس أو نحوه، ففائدتهم أنّ وجودهم حجّةٌ لله على عباده، ودافع لعذرهم، كما قال سبحانه في شأن الرسل: { لئـلاّ يكون للناس على الله حجّـة بعد الرسل }(2).
____________
1- أي حديث الاثني عشـر خليفـة.
2- سورة النساء 4: 165.
وأمّا الحَمْلان اللذان ذكرهما الفضل ـ أعني: إرادة مَن لم تقع الفتن في أيّامهم، أو الخلفاء الصلحاء ـ، فَـيَـرِدُ عليهما:
أوّلا: إنّ المراد بهذه الأخبار، دوام الإسلام وعزّته إلى آخر الدنيا الذي تنتهي به الأئمّة الاثنا عشر ـ كما سـبق ـ، لا أنّ المراد: انتهاء عزّة الإسلام في قليل من السـنين ويسـير من الخلفاء.
وثانياً: إنّ ظاهر هذه الأخبار اتّصال عزّة الإسلام في مدّة خلافة الاثني عشر، فلا يتّجه حمله على المتفـرّقين.
ودعوى إرادة المجتمعين باطلة; فإنّها لا تجامع أحد الحملين..
أمّا الأوّل; فلكـثرة الفتن في أيّـام الاثني عشر بمبدإ الإسـلام.
وأمّا الثاني; فلأنّ من الخلفاء ـ في مبـدإ الإسـلام ـ يزيد بن معاوية وعبـد الملك وأشـباههما، ممّن هم غير صلحاءَ بالاتّـفاق.
وكيف يصحّ أن يقال: إنّ الدين قائم في أيّام معاوية; وهو قد ألحق العهار بالنسـب علانية(1)، وحارب الحقّ جهرةً(2)، وقتل خيار عباد الله
____________
1- وذلك لمّا أقدم على إلحاق زياد بن سمية بأبي سفيان بعد أن وُلد على فراش عبيـد الثقفي، وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " الولد للفراش وللعاهر الحجر "، كما في: صحيح البخاري 3 / 115 ح 7 و ج 4 / 49 ح 8، صحيح مسلم 4 / 171، سنن أبي داود 2 / 291 ح 2273 و 2274، سنن الترمذي 3 / 463 ح 1157، سنن ابن ماجة 1 / 646 ـ 647 ح 2004 ـ 2007، سنن الدارمي 2 / 106 ح 2231 و 2232، الموطّـأ: 647 ح 22، مسـند أحمد 1 / 59 و 65.
2- بقتاله لإمام زمانه أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام).
____________
1- أمّا حُجْر فهو: حُـجْر بن عديّ بن معاوية بن جبلة الكِـندي، الملقّب بحُـجْر الخير، وراهب أصحاب رسول الله، كان من أفاضل الصحابة، وفَدَ مع أخيه على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وشهد القادسية وفتوح الشام، وكان من خواصّ أصحاب أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام)، وشهد معه وقعتَي الجمل وصِفّين، وكان على كندة، أرسل في طلبه معاوية إلى أن وصل إلى مَرْج عذراء قرب دمشق ـ وكان هو الذي فتحها وأوّل من كبّر في نواحيها ـ فأمر به أن يُقتل أو يلعن عليّـاً (عليه السلام) ويتبرّأ منه، فلم يتبرّأ، فصلّى ركعتين وقُدّم فقُتل صبراً ومعه ابنه وأصحابه، ومشهدهم مشـيد يُـزار.
ونُقل أنّ معاوية لمّا حضرته الوفاة جعل يقول: يومي منك يا حُجْر طويل!
وأمّا أصحابه الّذين اسـتُشهدوا معه، فهم: شريك بن شدّاد الحضرمي، صَيْفي ابن فسـيل الشـيباني، قَبِـيصة بن ضبيعة العبسي، مُحرِز بن شهاب السعدي، كدام ابن حيّان العَنَزي، وعبـد الرحمن بن حسّان العَنَزي ـ الذي دفنه زياد بأمر معاوية حيّـاً ـ; وكان معاوية قد أمـر بقـتلهم، فقُـتلوا بمَـرْج عذراء، بغوطـة دمشـق (رحمهم الله)، لا لشيء سوى إنّهم لم يتبـرّأوا من إمام زمانهم أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام); وكان ذلك سـنة 51 هـ.
انظر: تاريخ الطبري 3 / 218 ـ 231، أُسد الغابة 1 / 461 رقم 1093، الإصابة 2 / 37 رقم 1631، المستدرك على الصحيحين 3 / 531 ح 5972 ـ 5984، معجم البلدان 4 / 103 رقم 8251، الكامل في التاريخ 3 / 326 ـ 338، الاسـتيعاب 1 / 329 ـ 332 رقم 487، سـير أعلام النبلاء 3 / 462 رقم 95.
2- أمّا عمرو فهو: عَمرو بن الحَمِق بن كاهل ـ ويقال: كاهن ـ الخزاعي، هاجر إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد الحديبية، شهد مع الإمام عليّ (عليه السلام) مشاهده كلّها، وكان من أصحاب حُجْر بن عديّ.
طلبه معاوية وكان قد فـرّ إلى الموصل، فقـتله عامـل معاوية على الموصـل عبـدُ الرحمن بن عبـد الله بن عثمان الثقفي.
وروي أنّه حينما فـرّ التجـأ إلى غار في الجبل ـ وكان مريضاً ـ فلدغته أفعى فمات، فدخل الجند عليه واحتزّوا رأسه وبعثوا به إلى زياد، ثمّ بعث به زياد إلى معاوية، فأُلقي برأسه في حجر زوجته ـ وكان قد حبسها معاوية ـ فقالت: غيّبتموه عنّي طويلا ثمّ أهديتموه إليّ قتيـلا، فأهلا بها من هديّـة، غير قالية ولا مقليّـة; فكان رأس عمرو أوّل رأس احتـزّ في الإسلام وطِـيف به وأُهـدي!
وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد دعا لعمرو يوماً فقال: اللّهمّ متّـعه بشـبابه; فمرّت 80 سـنة لا تُرى شعرة بيضاء في لحيتـه.
انظر: تاريخ الطبري 3 / 221 و 224 حوادث سنة 51 هـ، البداية والنهاية 8 / 39 حوادث سنة 50 هـ، أُسد الغابة 3 / 714 رقم 3906، الاستيعاب 3 / 1173 رقم 1909، مختصر تاريخ دمشق 19 / 20 رقم 125، الإصابة 4 / 624 رقم 5822.
وأمّـا مَن قتله معاوية مِن أمثال ابن الحَمِق:
فقد دسّ السمّ لمالك الأشـتر على يد عبـد لعثمان، حتّى قال معاوية: إنّ لله جنوداً من عسل!
ومحمّـد بن أبي بكر، فقد قتله عامله على مصر عمرو بن العاص، ثمّ وضعه في جوف حمار ميّت وأحرقه، وكان ذلك سنة 38 هـ.
والحضرميان مسلم بن زيمر وعبـد الله بن نُجيّ، صلبهما زياد بن أبيه بأمر من معاوية.
انظر: الغارات: 166 ـ 169، الكامل في التاريخ 3 / 228 ـ 231 حوادث سنة 38 هـ، أُسد الغابة 4 / 326 ـ 327 رقم 4744، الاستيعاب 3 / 1366 ـ 1367 رقم 2320، سير أعلام النبلاء 3 / 481 ـ 482 رقم 104، الإصابة 6 / 245 ـ 246 رقم 8300، المحبّر: 479.
____________
1- أمّا يزيد فقد رمى الكعبة المشرّفة بالمنجنيق فهدمها وأحرقها، وذلك سـنة 64 هـ عند حصار عبـد الله بن الزبير، كما هدمها عبـد الملك سـنة 73 هـ.
انظـر: تاريخ الطبري 3 / 361 و 538، الكامل في التاريخ 3 / 464 و ج 4 / 122 ـ 123، المنتظم 4 / 181 و 275.
2- ومِن موبقاتهما علاوة على كونهما من بني أُميّـة الشجرة الملعونة في القرآن، ونزوهما على منبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وتسلّطهما على رقاب المسلمين بغير حقّ:
قتل يزيد ريحانة النبيّ وسبطه الإمام الحسـين (عليه السلام)، وأسره وسـبيه وتسـييره للهاشميات وأهل بيت النبوّة والرسالة (عليهم السلام)، وقوله الكـفـرَ شعراً بعد وضع رأس الإمام الحسـين (عليه السلام) بين يديه، وقتل النفوس المحترمة، حتّى قتل أكثر من عشرة آلاف نفس في وقعة الحرّة، واسـتباحة المدينة المنوّرة ثلاثة أيّام; وشربهما الخمر، وترك الصلاة، واللعب بالطنابير والكلاب، ونكاح المحارم، ونهب الأموال، وهتك الأعراض والحرمات... وغيرها كـثير.
انظر مثلا: الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ 5 / 49، تاريخ دمشق 27 / 429، الردّ على المتعصّب العنيد: 53 ـ 62، تذكرة الخواصّ: 259 ـ 261.
فأين الإسـلام وعـزّتُـه؟! وأين الدين وقيامـه؟!
وثالثاً: إنّ الحمل الأوّل لا يناسب عدد الاثني عشر; لأنّ مَن لم تقع الفـتن في أيّـامهم أضعاف هذا العـدد.
والحمل الثاني مناف لأخبارهم; لإفادتها أنّ خلافة الصلحاء منحصرة في ثلاثين سـنة..
روى الحاكم في " المسـتدرك "(1)، عن سفينة، أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: " خلافة النبـوّة ثلاثون سـنة ".
وقال ابن حجر في " الصواعق "(2): " الحادي عشر: أخرج أحمد، عن سفينة، وأخرجه أيضاً أصحاب السنن، وصحّحه ابن حبّان وغيره، قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: الخلافة ثلاثون عاماً، ثمّ يكون بعد ذلك المُلك.
وفي رواية: الخلافة بعدي ثلاثون سنة، ثمّ تصير مُلكاً عضـوضاً ".
____________
1- ص 145 من الجزء الثالث [ 3 / 156 ح 4697 ]. منـه (قدس سره).
2- في الفصل 3 من الباب الأوّل [ ص 41 ]. منـه (قدس سره).
وانـظـر: سـنن الترمـذي 4 / 436 ح 2226، سـنـن أبي داود 4 / 210 ح 4646 و 4647، السـنـن الكـبـرى ـ للـنسـائي ـ 5 / 47 ح 8155، مسـند أحمـد 5 / 220 و 221، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان 9 / 48 ح 6904.
على أنّ الحكم بصلاح مَن زعمهم مِن الصلحاء باطل; لِما ستعرف في الجـزء الثـالث(1).
وأمّـا ابن عبـد العزيز(2); فيكـفيه أنّه من الشجرة الملعونة في القـرآن(3)، الّذين رآهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ينزون على منبره نزوَ القردة،
____________
1- سـيأتي ذلك في الجزء السابع وفق تجزئـتـنا الجديدة للكـتاب.
2- هو: أبو حفص عمر بن عبـد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص، وأُمّـه: أُمّ عاصم ليلى بنت عاصم بن عمر بن الخطّاب.
وُلد سـنة 63 هـ، وولي الخلافة بعهد من سليمان بن عبـد الملك سـنة 99 هـ، ودامت أيّـام ملكه سـنتين وخمسة أشهر وخمسة أيّـام.
جَـلَـدَ رجلا بالسوط لشـتمه معاوية.
كان مترفاً منعّماً، يختال في مشـيته، مِن أعطر الناس وألبسـها، كان يُشـترى له الثوبُ بأربعمئـة دينار، وعندما يلمسه يقول: ما أخشـنه وأغلظه!
قال عبـد الله بن عطاء التميمي: كـنت مع عليّ بن الحسـين في المسجد، فمـرّ عمر بن عبـد العزيز وعليه نعلان شراكهما فضّـة، وكان من أمجن الناس وهو شابّ.
وقال بعضهم: كـنّـا نعطي الغسّال الدراهم الكـثيرة حتّى يغسل ثيابنا في أثر ثياب عمر بن عبـد العزيز; من كـثرة الطيب فيها ـ يعني: المسك ـ.
وكان هو أوّل خليفة دُوِّنَـت له صنعةُ الغناء والألحان، فقد صَنَعَ أيّـام إمارته على الحجاز سـبعةَ ألحان يذكر سُعاد فيها كلّها!
كان من المتشـدّدين بالقول بأنّ كلّ شيء بقضاء وقدر، قدراً لازماً، وقضاءً مبرماً حتمياً، لا دخل للعبـد فيه ولا تأثير; ليبـرّر للأُمويّـين سـياسـتهم وتسـلّـطهم وأفعالهم; وله رسالة في معتقده هذا; وقد ناظر غَيْـلان الدمشقي في ذلك، وكان يقول له: يا غيلان! والله ما طَـنّ ذبابٌ بيني وبينك إلاّ بقَـدَر.
انـظـر: الطـبقـات الـكبـرى ـ لابـن سـعد ـ 5 / 253 و 257، الأغـاني 9 / 289 و 300، حلية الأولياء 5 / 346 ـ 353، الاسـتيعاب 3 / 1422، تاريخ دمشق 48 / 193، مناقب آل أبي طالب 4 / 155، سـير أعلام النبلاء 5 / 114 رقم 48.
3- إشارة إلى قول الله عـزّ وجلّ: (والشَّـجَرةَ الملعونـةَ في الـقُـرآن...) سورة الإسـراء 17: 60.
وأمّـا ابن الزبير; فهو من أبعد الناس عن الخلافة والصلاح..
روى مسلم في باب ذِكر كذّاب ثقيف ومبيرها من " كتاب الفضائل "، أنّ ابن عمر لمّا مرّ على ابن الزبير وهو مقتول قال: " أمَا والله لأَُمّةٌ أنتَ أشرُّها لأَُمّـةُ خير "(2).
وهذه شهادة من ابن عمر أنّ ابن الزبير شـرُّ الأُمّـة.
وروى البخاري في " كتاب الفتن "، في باب " إذا قال عند قوم شـيئاً ثمّ خرج فقال بخلافه "، عن أبي برزة الأسلمي، أنّه حلـف بالله إنّ ابن الزبير إنْ يقاتل إلاّ على الدنيـا(3).
وروى أحمد في " مسنده "(4)، أنّ عثمان بن عفّان لمّا قال له عبـد الله ابن الزبير: هل لك أن تتحوّل إلى مكّـة؟! قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)يقول: " يُـلْحد بمكّـة كبـش من قريـش اسمه عبـد الله، عليه مثل نصف أوزار الناس ".
وروى أحمد أيضاً(5): عن سعيد بن عمرو، قال: أتى عبـدُ الله بن عمر ابنَ الزبير وهو جالس في الحجر، فقال: يا بن الزبير! إيّاك والإلحاد
____________
1- تقـدّم أنّ المراد بالشجرة الملعونة هم بنو أُميّـة، فانظر تخريج ذلك مفصّـلا في ج 1 / 168 هـ 4 من هذا الكـتاب.
وانظر زيادة على ذلك: مسند أبي يعلى 11 / 348 ح 6461، تفسير الطبري 8 / 103 ح 22433، المسـتدرك على الصحيحيـن 4 / 527 ح 8481، دلائل النبـوّة ـ للبيهقي ـ 6 / 509، مجمع الزوائـد 5 / 243 ـ 244.
2- صحيح مسلم 7 / 191.
3- صحيح البخاري 9 / 103 ـ 104 ح 56.
4- ص 64 من الجزء الأوّل. منـه (قدس سره).
5- ص 219 من الجزء الثاني. منـه (قدس سره).
وروى البخاري في تفسير سورة " براءة "(1)، عن ابن عبّـاس، قال: إنّ الله كـتب ابن الزبير وبني أُميّـة مُحِـلِّين.
أقـول:
هو من أكبر الذنوب; فقد روى البخاري في " كتاب البيوع "(2)، عن ابن عبّـاس، أنّ رسول الله قال: " إنّ الله حرّم مكّة، ولم تحلُّ لأحد قبلي، ولا لأحد بعدي، وإنّما حلّت لي ساعةً من نهار ".
ورواه أيضاً في " كـتاب المغازي " وغيـره(3).
وقال في " الاسـتيعاب " بترجمة ابن الزبير: كان فيه خلال لا تصلح معها الخلافة; فإنّه كان بخيلا، ضيّـقَ العَطَن(4)، سـيّـئَ الخُلق، حسوداً، كـثير الخلاف(5).
وقال ابن أبي الحديد في " شرح النهج "(6): " كان شديد البخل، يُطعم الجند تمراً ويأمرهم بالحرب، فإذا فرّوا من وقع السيوف لامهم
____________
1- من كتاب التفسـير من صحيحه، في باب قوله تعالى: (ثاني اثنين إذ هما في الغـار) [ 6 / 127 ح 185 ]. منـه (قدس سره).
2- في باب ما قيل في الصَّـوّاغ [ 3 / 127 ح 42 ]. منـه (قدس سره).
3- صحيح البخاري 5 / 309 ح 316، و ج 3 / 38 ح 408 كـتاب الحـجّ.
4- رجل رَحْبُ العَطَنِ: أي رحْبُ الذِّراع كثير المال واسع الرَّحْل، وضيّـق العَطَن كـناية عن البخل; انظر: لسان العرب 9 / 273 مادّة " عطن ".
5- الاسـتيعاب 3 / 906 رقم 1535.
6- ص 487 ج 4 [ 20 / 123 ]. منـه (قدس سره).
وذكر المؤرّخون أشياء كثيرة تشهد بفسقه وسوء ذاته، كتركه الصلاة على النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أربعين جمعة قائلا: إنّ له أُهَـيْـلَ سوء(1)!
وكفاك من فسقِه حربُه لِمن حربُه حربٌ لله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومن نفاقه بغضه الشديد له، وقد مرّ مراراً أنّ بغض عليّ علامةُ النفاق(2).
هذا في ما انتخبه من خلفائهم وزعم أنّهم من أهل الصلاح، فكيف حال غيرهم؟!
ولا أفسد من مذهب يلتزم أهله بعدم صلاح من تجب طاعتهم طول الدهر سوى اثني عشر، فتدبّـر!
____________
1- شرح نهج البلاغة 20 / 127.
2- راجع مبحث الحديث السادس عشر في الصفحات 147 ـ 151 من هذا الجزء.
المبحـث الخامـس
في بعض فضائـل عليّ
قال المصنّـف ـ أعلى الله درجته ـ(1):
المبحث الخامس: في ذِكر بعض الفضائل التي تقتضي وجوب إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام).
هذا باب لا يُحصى كـثرةً.
روى أخطب خوارزم من الجمهور، بإسـناده إلى ابن عبّـاس، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " لو أنّ الرياضَ أقلامٌ، والبحرَ مدادٌ، والجِنَّ حُسّابٌ، والإنـسَ كُـتّابٌ، ما أَحصَوْا فضائل عليِّ بن أبي طالب "(2).
فمَن يقول عنه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مثل هذا، كيف يمكن ذِكر فضائلـه؟!
لكن لا بُـدّ مِن ذِكر بعضها; لِما رواه أخطب خوارزم أيضـاً، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " إنّ الله جعل لأخي عليّ فضائلَ لا تُحصى كثرةً، فمَن ذكر فضيلة من فضائله مُـقـرّاً بها، غفر الله له ما تقـدّم من ذنبه
____________
1- نهج الحقّ: 231.
2- مناقب الإمام عليّ (عليه السلام) ـ للخوارزمي ـ: 32 ح 1 و ص 328 ح 341; وانظر: كفايـة الطالب: 251، فرائد السمطين 1 / 16، ينابيع المودّة 2 / 254 ح 713 وقال: " رواه صاحب الفردوس ".
ومَن كتب فضيلة من فضائله، لم تزل الملائكة تستغفر له ما بقيَ لتلك الكـتابة رسمٌ.
ومن اسـتمع إلى فضيلة من فضائله، غفر الله له الذنوب التي اكـتـسـبها بالاسـتماع.
ومن نظر إلى كتاب من فضائله، غفر الله له الذنوب التي اكتسبها بالنظر.
ثمّ قال: النظر إلى عليّ عبادة، وذِكْره عبادة، ولا يقبل الله إيمانَ عبـد إلاّ بولايته والبـراءة من أعدائـه "(1).
وقد ذكرتُ في كتاب " كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين "، أنّ الفضائل..
إمّـا قبل ولادته: مثـل ما روى أخطـب خـوارزم ـ من علماء الجمهور ـ، عن ابن مسعود، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " لمّا خلق الله آدم ونفخ فيه من روحه عطس آدم، فقال: الحمد لله; فأوحى الله تعالى إليه: حمدني عبدي، وعزّتي وجلالي لولا عبدان أُريد أن أخلقهما في دار الدنيا ما خلقتك.
____________
1- مناقب الإمام عليّ (عليه السلام) ـ للخوارزمي ـ: 32 ـ 33 ح 2; وانظر: كفاية الطالب: 252، فرائد السمطين 1 / 19.
قال: نعم يا آدم، ارفع رأسك وانظر!
فرفع رأسه فإذا مكتوب على العرش: لا إله إلاّ الله، محمّـد نبيّ الرحمة، وعليٌّ مقيمُ الحجّة، مَن عرف حقَّ عليّ زكا وطاب، ومَن أنكر حقّـه لُعن وخاب.
أقسمت بعزّتي وجلالي، أن أُدخل الجنّة مَن أطاعه وإنْ عصاني، وأقسمت بعزّتي، أن أُدخل النار مَن عصاه وإنْ أطاعني "(1).
والأخبار في ذلك كـثيرة(2).
____________
1- كشف اليقين: 7 ـ 8، وانظر: مناقب الإمام عليّ (عليه السلام) ـ للخوارزمي ـ: 318 ح 320.
2- راجـع ـ مثلا ـ الصفحة 5 والصفحة 12 وما بعـدها من هذا الجـزء.