الصفحة 340

قال المصنّـف ـ طاب مرقـده ـ(1):

وعلم الفصاحة إليه منسوب، حتّى قيل في كلامه: " إنّه فوق كلام المخلوق ودون كلام الخالق "(2)، ومن كلامه تعلّم الفصحاء.

قال ابن نُباتة(3): " حفظتُ من كلامه ألف خطبة، ففاضت ثمّ فاضـت "(4).

وأمّا المتكلّمون، فأربعة; معتزلة، وأشاعرة، وشيعة، وخوارج.. وانتـسـاب الشـيعة معلومٌ..

والخوارج كذلك; فإنّ فضلاءهم رجعوا إليه(5).

وأمّا المعتزلة; فإنّهم انتسبوا إلى واصل بن عطاء(6)، وهو تلميذ أبي

____________

1- نهج الحقّ: 238.

2- شرح نهج البلاغة 1 / 24.

3- هو: أبو يحيى عبـد الرحيم بن محمّـد بن إسماعيل بن نُباتة الحُذاقي الفارقي، صاحب الخطب المنبرية، قالوا: كان ديّناً ورعاً، فصيحاً بليغاً مقـدّماً في علوم الأدب، وأجمعوا على أنّ خطبه لم يُعمل مثلها في موضوعها، وكان يحفظ " نهج البلاغة " وعامّة خطبه بألفاظها ومعانيها، ولي خطابة حلب لسـيف الدولة الحمـداني، وسمع على المتنبّي بعض ديوانه، وُلد في ميّافارقين سنة 335 هـ وتوفّي بها سـنة 374 هـ.

انظر: وفيات الأعيان 3 / 156 رقم 373، النجوم الزاهرة 4 / 150، البداية والنهاية 11 / 258، شذرات الذهب 3 / 83.

4- شرح نهج البلاغة 1 / 24.

5- مطالب السؤول: 111 ـ 112.

6- هو: أبو حذيفة واصل بن عطاء المخزومي، مولاهم البصري، وُلد بالمدينة سنة 80 هـ، كان بليغاً مقتدراً باللغة، وكان يلثغ بالراء فيجعلها غيناً، اعتزل الحسن البصري ـ بعد أن كان يجلس إليه ـ بسـبب الاختلاف في مسألة تكفير مرتكب الكبيرة، وحضر على أبي هاشم عبـد الله بن محمّـد بن الحنفية، كان هو وعمرو بن عبـيد رأسَي المعتزلة، له مصنّفات، منها: أصناف المرجئة، المنزلة بين المنزلتين، معاني القرآن; توفّي سـنة 131 هـ.

انظر: معجم الأُدباء 5 / 567 رقم 995، وفيات الأعيان 6 / 7 رقم 768، سير أعلام النبلاء 5 / 464 رقم 210، طبقات المعتزلة: 28 ـ 35 الطبقة الرابعة.


الصفحة 341
هاشـم عبـد الله(1)، وهو تلميذ أبيه محمّـد بن الحنفية، وهو تلميـذ أبيـه عليّ (عليه السلام).

وأمّـا الأشاعرة; فإنّهم تلاميذ أبي الحسن عليّ بن أبي بشر الأشعري(2)، وهو تلميذ أبي عليّ الجُـبّـائي(3)، وهو من مشايخ

____________

1- هو: أبو هاشم عبـد الله بن محمّـد بن الحنفيّـة، كان ثقة، قليل الحديث، قيل: إنّ الوليد بن عبـد الملك سمّه ومات سنة 98 هـ، وقيل: مات سنة 99 هـ في زمان سليمان بن عبـد الملك.

انظر: الملل والنحل 1 / 18، الجرح والتعديل 5 / 155 رقم 711، سير أعلام النبلاء 4 / 129 رقم 37، تهذيب الكمال 10 / 512 رقم 3527.

2- هو: أبو الحسن عليّ بن إسماعيل بن أبي بشر إسحاق الأشعري اليماني البصري، المتكلّم المعروف، وإليه تنسـب الطائفة الأشعرية، يرجع نسـبه إلى أبي موسى الأشعري، وُلد بالبصرة سنة 270 هـ، وتوفّي ببغـداد سنة 324 هـ، وقد كان من المعتزلة أوّل أمره ثمّ تركهم، ونادى في المسجد الجامع في البصرة بتوبته عن القول بخلق القرآن، وأنّ الله لا تراه الأبصار، وأنّ العبـد مسؤول عن أفعاله!! له مصنّفات عديدة، منها: اللمع، التبيين في أُصول الدين، الرؤية بالأبصار.

انظر: الملل والنحل 1 / 81، وفيات الأعيان 3 / 284 رقم 429، سير أعلام النبلاء 15 / 85 رقم 51، شذرات الذهب 2 / 303.

3- هو: أبو عليّ محمّـد بن عبـد الوهّاب البصري الجُـبّائي، شيخ المعتزلة وإمامهم، وُلد سنة 235 هـ، وتوفّي بالبصرة سنة 303 أو 304 هـ، وخَلَفَه ابنه أبو هاشم الجُـبّائي بعد أن مات، أخذ أبو الحسن الأشعري عنه فنّ علم الكلام ثمّ خالفه فيما بعـد; له عدّة مصنّفات، منها: الأسماء والصفات، النقض على ابن الراوندي، الردّ على ابن كُـلاّب.

انظر: سير أعلام النبلاء 14 / 183 رقم 102، البداية والنهاية 11 / 106، شذرات الذهب 2 / 241.


الصفحة 342
المعتـزلة(1).


*  *  *

____________

1- شرح نهج البلاغة 1 / 17.


الصفحة 343

وقال الفضـل(1):

لا شكّ في توغّل أمير المؤمنين في العلم، والفصاحة، والأسرار المكنونة، التي لم يطّلع عليها أحدٌ غيره.

وأمّا ما ذكره من رجوع طوائف أهل الكلام إليه; فإن أراد به أنّ أُصول كلامهم مأخوذ منه، فهذا يوجب أن يكون أُصول عقائد الخوارج، والمعتزلة، والأشاعرة، مأخوذاً من أمير المؤمنين، وما كان مأخوذاً منه يكون حقّـاً; وهذا لا يوافق مذهبه.

وإن أراد به أنّهم ينـتسـبون إليه بلا أخذ العلم والعقيدة; فإثبات هذا لا يفيـده في ما يـدّعيـه.


*  *  *

____________

1- إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ: 447 الطبعة الحجرية.


الصفحة 344

وأقـول:

ظهر لك ـ ممّا سـبق(1) ـ أنّ معنى رجوع هذه الطوائف، هو أنّه المؤسّـس لهم علمَ الكلام وطريقة الاسـتدلال على مسائله، فلا ينافي مخالفتهم له في كـثير من العقائـد الحقّـة.

ويكفيك من تعاليمه ما تضمّنه " نهج البلاغة "، الذي هو سَـنا النور الإلهي، ومصباح العِلم الأحمـدي.

قال ابن أبي الحديد في مقدّمة " شرح النهج ": " ما أقول في رجل تُعزى إليه كلُّ فضيلة، وتنتهي إليه كلُّ فرقة، وتتجاذبه كلُّ طائفة، فهو رئيـس الفضائل، ويُنبوعها، وأبو عُـذْرها(2)، وسـابق مضمارها، ومُـجلّي(3) حلبتها; كلُّ من برع فيها بعده فمنه أخذ، وله اقتفى، وعلى مثـاله احتذى؟!

وقد عرفتَ أنّ أشرف العلوم هو العلم الإلهي; لأنّ شرف العلم بشرف المعلوم، ومعلومه أشرفُ الموجودات، فكان هو أشرفَ العلوم.

ومن كلامه اقتبـس، وعنه نقل، وإليه انتهى، ومنه ابتدأ!

فإنّ المعتزلة الّذين هم أهل التوحيد والعدل، وأرباب النظر، ومنهم

____________

1- تقـدّم آنفاً في الصفحة 335 وما بعـدها; فراجـع!

2- أبو عُـذْرِها وأبو عُـذْرَتِـها: أي هو أوّل كلّ فضيلة والسابق إليها، وهو مجاز; انظر: تاج العروس 7 / 204 مادّة " عذر ".

3- الـمُـجَـلّي: هو السابق الأوّل من الخيل; وهو الفائز بكلّ فضيلة والسابق إليها، على المجاز هنا; انظر: لسان العرب 7 / 398 مادّة " صلا ".


الصفحة 345
تعلّم الناس هذا الفنّ(1)، تلامذته وأصحابه; لأنّ كبيرهم واصل بن عطاء، تلميذ أبي هاشم عبـد الله بن محمّـد بن الحنفية، وأبو هاشم تلميذ أبيه، وأبوه تلميـذه (عليه السلام).

وأمّا الأشاعرة; فإنّهم ينتمون إلى أبي الحسن علي بن أبي بشر الأشعري، وهو تلميذ أبي عليّ الجُـبّـائي، وأبو عليّ أحدُ مشايخ المعتزلة.

فالأشعرية ينتهون بالآخرة الى أُسـتاذ المعتـزلة ومعلّمهم: عليِّ بن أبي طالب.

وأمّـا الإمامية والزيدية; فانتماؤهم إليه ظاهر "(2).


*  *  *

____________

1- تقـدّم أنّ الإمامية ليسـوا تبعاً للمعتزلة، لا في الأُصول ولا في الفروع، فظهور المعتزلة متأخّر بعشرات السـنين عن الإمامية الّذين أخذوا معالم دينهم من أهل بيت العصمـة والرسالة (عليهم السلام).

فانظر مقال " الكلام عند الإمامية "، للشـيخ محمّـد رضا الجعفري ـ حفظه الله ـ، المنشور في مجلّة " تراثـنا "، العدد المزدوج 30 ـ 31، السـنة الثامنة، المحـرّم 1413 هـ، ص 144 ـ 299.

وراجـع: ج 2 / 143 هـ 3 من هذا الكـتاب.

2- شرح نهج البلاغة 1 / 17.


الصفحة 346

قال المصنّـف ـ أعلى الله درجتـه ـ(1):

وأمّا علم الطريقة; فإنّ جميع الصوفيّة وأرباب الإشارات والحقيقة، يُسـندون الخرقـة إليـه(2).

وأصحاب الفتـوّة يرجعون إليه، وهو الذي نزل جبرئيل ينادي عليه يوم بـدر:


لا سيفَ إلاّ ذو الفَقارِ، ولا فـتىً إلاّ عليّ(3)

وقال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): " أنا الفـتى، ابن الفـتى، أخو الفـتى "(4).

أمّا أنّه الفتى; فلأنّـه سـيّد العـرب..

وأمّا أنّه ابن الفتى; فلأنّه ابن إبراهيم، الذي قال الله تعالى فيه: { قالوا سمعنا فـتىً يذكرهم يقال له إبراهيم }(5)..

وأمّا أنّه أخو الفتى; فلأنّه أخو عليّ، الذي قال جبرئيل فيه: لا فتى إلاّ عليّ.


*  *  *

____________

1- نهج الحقّ: 238.

2- انظر: شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ 1 / 19، مطالب السؤول: 119.

3- مـرّ تخريجـه مفصّـلا في الصفحات 201 ـ 202 و 224 ـ 226 من هذا الجزء; فراجــع!

4- معاني الأخبار: 119 ح 1.

5- سورة الأنبياء 21: 60.


الصفحة 347

وقال الفضـل(1):

ما ذكره أنّ الصوفية يرجعون إليه، ينافي ما ادّعى في صدر الكتاب، أنّ الصوفية هم تارِكو الصلاة، والمعتـقدون للحلول والاتّحـاد(2).

وكيف يجوز نسـبتهم إلى أمير المؤمنين وهذا علمهم وعقيدتهم؟!

ثمّ إنّ انتـسـاب الخرقة لا يوجب أخذ العلم، وأخذ العلم هو المـدّعى.

وفي الجملة: هذا الرجل لا يعرف ما يقول، وهو كالناقة العشواء يرتعي كلّ حشـيـش.


*  *  *

____________

1- إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ: 448 الطبعة الحجرية.

2- راجـع: ج 2 / 203 ـ 204 من هذا الكـتاب.


الصفحة 348

وأقـول:

قد عرفتَ أنّ معنى الرجوع إليه، هو أنّه الأصل لهم، والأساس لأمرهم(1)، وهو لا يسـتدعي الموافقة في كلّ شيء..

فإنّ الملّـيّين جميعاً ينتسـبون إلى أنبيائهم، مع أنّ الضلال قد غلب عليهم، فغـيّـروا وبـدّلوا.

ومنهم المسلمون بطوائفهم; فإنّهم ينتسـبون إلى دين النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، ويرجعون في علومهم إليه، وأكـثر فرقهم ضُـلاّل.

ومنهم الصوفيّة، فإنّهم من المسلمين، وينتـسـبون إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)بالإسلام، كما ينتسـبون إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) بعلم الطريقة، وهما بريئان من عقائدهم وأعمالهم.

ويشهد لانتسابهم إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) إسـنادُهم الخرقةَ إليه ـ التي هي شعارهم ـ سواءً أرادوا بها ـ كما قيل ـ: سرّ الولاية، فاسـتعاروا له الخرقـة كلباس التقوى; أم أرادوا بها: الخرقـة الظاهريّـة، التي يزعم جهّـالُهم أنّها الخرقة التي أخذوها عن أسلافهم، عن أهل البيت، عن أمير المؤمنين (عليه السلام)(2).

____________

1- تقـدّم آنفاً في الصفحة 335 وما بعـدها; فراجـع!

2- انظر: البرهان الجلي ـ للغماري ـ: 1 وما بعدها، فقد ذكر أنّ فرقة التصوّف وأسانيد الصوفية أكثرها يتّصل بأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، من رواية الحسن البصري عنه، ثمّ شرع بتحقيق ذلك.

وراجع: عوارف المعارف ـ للسهروردي ـ: 92 الباب الثاني عشر / في شرح خرقة المشايخ الصوفية.


الصفحة 349
قال ابن أبي الحديد في مقدّمة الشرح: " ومن العلوم: علم الطريقة والحقيقة وأحوال التصوّف.

وقد عرفت أنّ أرباب هذا الفنّ في جميع بلاد الإسلام إليه ينتهون، وعنده يقفون.

وقد صرّح بذلك: الشِّـبْلي(1)، والجُـنَيد(2)، وسَرِيُّ(3)، وأبو يزيد البسطامي(4)، وأبو محفوظ معروف الكَـرْخي(5)، وغيرهـم.

____________

1- هو: أبو بكر الشِّـبْلِي، دُلَف بن جَحْدر، وقيل: جعفر بن يونس، وقيل: جعفر ابن دُلَف، كان مولده في سامرّاء، وهو من أهل الشِّبليّة، وهي قرية من قرى أُسْرُوشَنَة وراء سمرقند من بلاد ما وراء النهر، كان في بادئ أمره والياً في دُنْباوَنْـد من رساتيق الريّ، ثمّ صحب أبا القاسم الجُنَيد، وكان فقيهاً عارفاً بمذهب مالك، وكان من كبار الصوفيّة، توفّي ببغداد سنة 334، وقيل: سنة 335 عن نيّف وثمانين عاماً.

انظر: حلية الأولياء 10 / 366 رقم 654، معجم البلدان 3 / 365 رقم 6992، وفيات الأعيان 2 / 273 رقم 229، سير أعلام النبلاء 15 / 367 رقم 190.

2- تقـدّمت ترجمته في ج 2 / 197 هـ 1 من هذا الكـتاب; فراجــع!

3- هو: أبو الحسن السَّرِيُّ بن المُغَلِّس السَّقَطِي البغدادي، وُلد حدود سنة 160 هـ، وصحب معروفاً الكرخي، وكان أجلّ أصحابه، وهو خال أبي القاسم الجنيد وأُسـتاذه، توفّي سنة 253 هـ، وقيل: 251 هـ، وقيل غير ذلك.

انظر: الأربعين في شيوخ الصوفية: 82 رقم 2، حلية الأولياء 10 / 116 رقم 469، سير أعلام النبلاء 12 / 185 رقم 65، لسان الميزان 3 / 13 رقم 46، شذرات الذهب 2 / 127.

4- تقـدّمت ترجمته في ج 2 / 196 هـ 3 من هذا الكـتاب; فراجــع!

5- هو: أبو محفوظ معروف بن فَيرُوز ـ أو: الفَيْـرُزان ـ الكرخي البغدادي، اشـتُهر بالزهد والعزوف عن الدنيا، حتّى إنّـه لم يتزوّج، كان أُسـتاذ السَّرِيّ السَّـقَـطي، وصحـب داودَ الطائي.

توفّي ـ على المشهور ـ سنة 200 هـ، وقيل: 201 هـ، وقيل: سنة 204 هـ، وقبره ببغـداد ظاهـر معـروف.

قيل: كان أبواه نصرانيّين ثمّ أسلما، وقيل: كان من الصابئة، فأسلم على يد الإمام عليّ بن موسى الرضا (عليه السلام)، وصار من مواليه وحُجّابه، وقيل: روى عن الإمام أبي عبـد الله جعفـر الصـادق (عليه السلام).

نـقـول: وروايته عن الإمام الصـادق (عليه السلام) تنافي ما ذُكر من أنّ إسلامه كان على يد الإمام الرضـا (عليه السلام) صغيراً; لأنّ شهادة الإمام الصادق (عليه السلام) كانت في 25 شوّال سـنة 148 هـ، وكانت ولادة الإمام الرضـا (عليه السلام) في 11 ذي القعدة من نفس السـنة أو من سـنة 153 هـ; فلاحـظ!

كما أنّ خدمته للإمام الرضـا (عليه السلام) وموالاته له محلّ تأمّـل، ولا سـيّما إذا علمنا أنّ الإمام الرضـا (عليه السلام) لم يسكن بغـداد، بل لم يمرّ بها في سفره من المدينة إلى طوس، في حين أنّهم قد ذكروا في سـبب موت الكرخي أنّه كان في حجابة الإمام الرضـا (عليه السلام) عندما كُسِرت أضلُعه فمات من ذلك، وقد كان دفنه في بغـداد، فمـا الذي أتى به من طوس إلى بغـداد؟!

كما أنّه لم يُعهد للإمام الرضـا (عليه السلام) خادم اسمه " معروف "!!

إضافة إلى ذلك فإنّ مترجمي " معروف " لم يذكروا أنّه رحل إلى طوس أيّـام حيـاته، بالرغم من أنّـهم ذكروا له كرامات عجيبـة!!

انظر: الأربعين في شيوخ الصوفية: 75 رقم 1، طبقات الصوفية: 83 رقم 10، طبقات الحنابلة 1 / 340 رقم 498، حلية الأولياء 8 / 360 رقم 436، تاريخ بغداد 13 / 199 رقم 7177، الرسالة القشـيرية: 427 رقم 62، صفة الصفوة 1 / 525 رقم 260، المنتظم 6 / 100 حوادث سنة 200 هـ، وفيات الأعيان 5 / 231 رقم 729، سير أعلام النبلاء 9 / 339 رقم 111، مرآة الجنان 1 / 353 حوادث سـنة 200 هـ، لواقح الأنوار 1 / 72 رقم 142، مجمع البحرين 5 / 99 مادّة " عرف ".


الصفحة 350
ويكفيك دلالةً على ذلك الخرقةُ التي هي شعارهم إلى اليوم، وكونهم يسـندونها بإسـناد مـتّـصل إليـه (عليه السلام) "(1).

فقد ظهر أنّ مراد المصنّف (رحمه الله) بذِكر الخرقة هو الاستشهاد بها على رجوعهم إليه، لا أنّ إسـنادها إليه موجب بذاتـه لأخذ العلم منـه، كمـا تخـيّـله الفضـل.

____________

1- شرح نهج البلاغة 1 / 19.


الصفحة 351

قال المصنّـف ـ أعلى الله مقامه ـ(1):

وأيضاً: جميع الصحابة رجعوا إليه في الأحكام واسـتفادوا منه، ولم يرجع هو إلى أحد منهم في شيء ألبتّـة.

وقال عمر بن الخطّاب في عدّة مواضع: " لولا عليٌّ لهلك عمر "(2)، حيث ردّه عن خـطـإ كـثير.


*  *  *

____________

1- نهج الحقّ: 239.

2- انظر: تأويل مختلف الحديث: 150، الاسـتيعاب 3 / 1103، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ 1 / 18 و 141، ذخائر العقبى: 149، المواقف: 411، شرح تجريد الاعتقاد ـ للقوشجي ـ: 483.


الصفحة 352

وقال الفضـل(1):

رجوع الصحابة إليه في الفتوى غير بعيـد(2); لأنّه كان مفتي الصحابـة، والرجوع إلى المفتي من شأنّ المسـتفتين، وإنّ رجوع عمر إليه كرجوع الأئمّـة وولاة العدل إلى علماء الأُمّـة.

وما ذكره من قوله: " لولا عليّ لهلك عمر "، فهو من فضائل عمر في عدله وصدقه وإنصافه وتواضعه.


*  *  *

____________

1- إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ: 450 الطبعة الحجرية.

2- لا مجال للاحتمال هنا، فإنّ رجوعهم إليه (عليه السلام) من المسلّمات; قال النووي: " وسؤال كبار الصحابة له، ورجوعهم إلى فتاويه وأقواله ـ في المواطن الكـثيرة، والمسـائل المعضـلات ـ مشـهور ".

انظر: تهذيب الأسماء واللغات 1 / 346

الصفحة 353

وأقـول:

لا شـكّ في رجوعهم إليه واسـتفتائهم منه، لا سـيّما في غوامض المسائل التي لا يهتدون إليها سبيلا، ولا يعرفون لها عند أحد مخرجاً، وما هو إلاّ لظهور فضله عليهم، والأفضلُ أحقُّ بالإمامـة.

وأمّـا قوله: " إنّ رجوع عمر إليه كرجوع الأئمّة وولاة العدل إلى علماء الأُمّـة "..

فهو تجهيلٌ لعمر; إذ اعتبره كسائر الولاة الّذين يحتاجون إلى علم العلماء، وقد سـبق موضّحاً أنّ الإمام أجلُّ قدراً، وأعلى شأناً، مِن أن يحتاج إلى علم الرعيّـة(1).

وأمّا ما زعمه من صدق عمر وتواضعه، فمتنافيان ظاهراً; لأنّ الحقّ إن كان مع أمير المؤمنين (عليه السلام)، وكان عمر صادقاً في قوله، لزم أن لا يكون ذلك تواضعاً، بل إقراراً بالحـقّ.

وإن كان الحقّ مع عمر، فلا وجه لإقراره بعدم علمه وعمله بغير الحـقّ تواضعـاً، بل لزم أن يكون كاذباً في قوله.


*  *  *

____________

1- تقـدّم في ج 4 / 237 ـ 240 من هذا الكـتاب; فراجـع!


الصفحة 354

قال المصنّـف ـ رفع الله درجتـه ـ(1):

وفي مسند أحمد بن حنبل: " لم يكن أحد من أصحاب النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)يقول: سلوني; إلاّ عليّ بن أبي طالب "(2).

وفي صحيح مسلم، أنّ عليّـاً قال على المنبر: " سلوني قبل أن تفقدوني، سلوني عن كتاب الله عزّ وجلّ، فما من آية إلاّ وأعلم حيث نزلت، بحضيض جبل، أو سهل أرض.

سلوني عن الفتن، فما من فتنة إلاّ وقد علمت كبشها، ومن يقتل فيهـا "(3).

وكان يقول: " سلوني عن طرق السماء فإنّي أعرف بها من طرق الأرض "(4).

وقال عليٌّ: " علّمني رسول الله ألف باب من العلم، في كلّ باب ألف باب "(5).

وقضاياه العجيبة أكثر من أن تُحصى; كقسمة الدراهم على صاحبَي

____________

1- نهج الحقّ: 240.

2- ينابيع المودّة 1 / 224 ح 50 نقلا عن " مسـند أحمد "، وانظر: فضـائل الصحابـة ـ لأحمد ـ 2 / 802 ح 1098.

وراجع تخريجه مفصّـلا في الصفحـة 171 هـ 2 من هذا الجـزء.

3- عمدة عيون صحاح الأخبار: 326 ح 435 نقلا عن صحيح مسلم.

4- نهج البلاغة: 280 الخطبة رقم 189.

5- راجـع الصفحة 322 هـ 1 من هذا الجـزء.


الصفحة 355
الأرغفـة(1)..

وبسط الـدِّيَـة على القامِصـة(2)، والناخِسـة(3)(4)..

وإلحاق الولد بالقرعة، وصـوّبه النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)(5)..

والأمر بشقّ الولد نصفين، حتّى رجعت المتداعيتان إلى الحقّ(6)..

____________

1- الاستيعاب 3 / 1105، ذخائر العقبى: 152، الرياض النضرة 3 / 168، الصواعق المحرقة: 199، تاريخ الخلفاء: 211 ـ 212، وانظر: الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد 1 / 218 ـ 219.

2- القامِصة: الواثبة النافِـرَةُ الضاربة برجلها; انظر: لسان العرب 11 / 303 مادّة " قمص ".

3- كذا العبارة في الأصل، وكانت في المصدر هكذا: " وبسط الدية على القارِصـة، والقامِصـة، والواقِصـة ".

والـقَـرْصُ ـ بالأصابع ـ: قَـبْـضٌ على الجلد بأُصبعين حتّى يُـؤْلَـم، والقارِصة: اسمُ فاعلة من الـقَـرْص بالأصابع; انظر: لسان العرب 11 / 109 مادّة " قرص ".

والـوَقْـصُ: كَـسْـرُ العنق ودَقِّـها، والواقِصة: بمعنى المَـوْقُوصة ـ كـ: عيشة راضية ـ، وهي التي اندقّـت عنقُـها فكُسِرت; انظر مادّة " وقص " في: لسان العرب 15 / 367، تاج العروس 9 / 332 و 380.

ونَـخَـسَ الدابّـة وغيرها فهو ناخِـس; يَـنْـخُـسُـها ـ ويَـنْـخَـسُـها، ويَـنْـخِـسُـها ـ نَـخْسـاً: غَـرَزَ جنبها أو مؤخّرتها بعود أو نحوه، وهو الـنَّـخْـسُ; انظر: لسان العرب 14 / 83 مادّة " نخس ".

4- انظر: السـنن الكبرى ـ للبيهقي ـ 8 / 112، الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد 1 / 196.

5- انظر: سنن ابن ماجة 2 / 786 ح 2348، سنن النسائي 6 / 182، سنن أبي داود 2 / 289 ح 2269 و 2270، مسند أبي داود الطيالسي 1 / 26 ح 187، مسند أحمد 4 / 374، المستدرك على الصحيحين 3 / 146 ح 4659، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ 10 / 266 ـ 267، الرياض النضرة 3 / 169، الإرشاد في معرفة حجج الله على العبـاد 1 / 195.

6- الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد 1 / 205، مناقب آل أبي طالب ـ لابن شهرآشوب ـ 2 / 409.


الصفحة 356
والأمر بضرب عنق العبد حتّى رجع إلى الحقّ(1)..

وحكمه في ذي الرأسـين بإيقاظ أحدهما(2)..

واسـتخراج حكم الخنـثى(3)..

وأحكام البغاة; قال الشافعي: عرفنا أحكام البغاة من عليّ(4).

وغير ذلك من الأحكام الغريبة، التي يسـتحيل أن يهتدي إليها من سُـئل عن الكلالة(5) والأبّ(6) فلم يعرفهما(7)، وحكم في الجدّ بمئـة قضيّـة(8).


*  *  *

____________

1- انظر: مناقب آل أبي طالب ـ لابن شهرآشوب ـ 2 / 423.

2- كنز العمّال 5 / 833 ح 14509، وانظر: الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد 1 / 212، مناقب آل أبي طالب ـ لابن شهرآشوب ـ 2 / 418.

3- الغارات: 114، مناقب الإمام عليّ (عليه السلام) ـ للخوارزمي ـ: 101 ـ 102 ح 105، تذكرة الخواصّ: 148.

4- انظر: كتاب الأُمّ 4 / 317، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ 9 / 331.

5- مـرّ تخريجه مفصّـلا في الصفحة 337 هـ 6 من هذا الجزء; فراجـع!

6- مـرّ تخريجه مفصّـلا في الصفحة 337 هـ 5 من هذا الجزء; فراجـع!

7- أي: عمر بن الخطّاب.

8- انظر: سنن الدارمي 2 / 241 ـ 242 ح 2908 ـ 2911، مصنّف عبـد الرزّاق 10 / 261 ـ 264 ح 19041 ـ 19052 و ص 265 ـ 267 ح 19058 ـ 19062، المعجم الأوسط 4 / 482 ـ 483 ح 4245، المستدرك على الصحيحين 4 / 377 ـ 378 ح 7983.


الصفحة 357

وقال الفضـل(1):

ما ذكره من الأقضية والأحكام التي قضى فيها أمير المؤمنين، فهو حـقّ لا يُرتاب فيه، وهذا شأنه وهو مشـتهر به.

وأمّا قوله: " سلوني "، فهذا من وفور علمه، كالبحر الزاخر الذي يتموّج بما فيه ويريد إلقاء الدرّ على الساحل، وليس هذا من باب النزاع حتّى يقيم فيه الدلائل.

وأمّا قوله: " من سُـئل عن الكلالة والأبّ فلم يعرفهما "، فهو من المطاعن، وسـتعرف جوابه في محلّـه إن شاء الله.


*  *  *

____________

1- إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ: 451 الطبعة الحجرية.


الصفحة 358

وأقـول:

مقصود المصنّف (رحمه الله) بيان فضل أمير المؤمنين (عليه السلام)، وأنّه لا نسـبة بـينه وبين من تقـدّم عليه، فكيف يكون رعيّةً لهم وهم أئمّته، والله سبحانه يقول: { هل يسـتوي الّذين يعلمون والّذين لا يعلمون }(1)..

ويقول: { أفمن يهدي إلى الحقّ أحقّ أن يُتّبع أم من لا يَهِدّي إلاّ أن يُهدى فما لكم كيف تحكمون }(2)؟!

وليس مراده مجرّد بيان علم أمير المؤمنين (عليه السلام); لئلاّ يكون محلّ النزاع، ولا مجرّد الطعن في غيره ليُحيل جوابه على ما يأتي.


*  *  *

____________

1- سورة الزمر 39: 9.

2- سورة يونس 10: 35.