الصفحة 359

إخبـاره بالمغـيّـبـات


قال المصنّـف ـ شرّف الله مرقـده ـ(1):

المطلب الثالث: الإخبار بالغيب

وقد حصل منه في عـدّة مواطن..

فمنهـا: إنّـه قـال في خطبـة: " سـلوني قبـل أن تفـقدوني، فوالله لا تسألونني عن فئة تُضلُّ مئةً وتهدي مئةً، إلاّ نـبّـأتُـكم بناعقها وسائقها إلى يوم القيامة.

فقام إليه رجل فقال له: أخبرني كم في رأسي ولحيتي من طاقة شـعر؟

فقال (عليه السلام): والله لقد حدّثني خليلي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بما سألت، وإنّ على كلّ طاقة شعر من رأسك مَلَـكاً يلعنك، وإنّ على كلّ طاقة شعر من لحيتك شـيطاناً يسـتفـزّك، وإنّ في بيتك لَسخلا يقتل ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولولا أنّ الذي سألت عنه يعسر برهانه لأخبرتُ به، ولكن آية ذلك ما نبّـأتُ به من لعنك وسخلك الملعون ".

وكـان ابنـه في ذلـك الوقـت صغيـراً، وهـو الـذي تولّى قـتل الحسـين (عليه السلام)(2).

____________

1- نهج الحقّ: 241.

2- شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ 2 / 286; وانظر: الغارات: 6.


الصفحة 360
  وأخبر بقتل ذي الثديّـة من الخوارج(1).

  وعدم عبور الخوارج النهر، بعد أن قيل له: قد عبروا(2).

  وعن قتل نفسـه(3).

  وبقطع يدَي جويرية بن مُسْهِر، وصلبه; فوقع في أيّام معاوية(4).

  وبصلب مِـيثم التمّار، وطعنه بحربة عاشرَ عشرة، وأراه النخلـةَ

____________

1- مسـند أحمد 1 / 88، مروج الذهب 2 / 406، الكامل في التاريخ 3 / 222 ـ 223.

وذو الثديّـة هو: حُـرْقُوص بن زُهير السعدي، المعروف بذي الخويصرة، وذي الثديّـة، والمخـدَج، وهو الذي قال لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عند توزيع غنائم حنين: " لَم تعدل منذ اليوم "، فلمّا أراد المسلمون أن يقتلوه قال لهم النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): " دعـوه! فإنّـه سـيخرج من ضئضيء هذا قوم يقرأون القرآن لا يتجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمِـيّـة "، فكان كما أخبر به النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، فصار من الخوارج، حتّى قُـتل في معركة النهروان سـنة 37 هـ.

انظر: مسند أحمد 3 / 4 ـ 5، سنن أبي داود 4 / 243 ـ 246 ح 4763 ـ 4770، مصنّـف ابن أبي شـيبـة 8 / 729 ب 3 ح 2 و 3 و ص 741 ح 52، السُـنّـة ـ لابن أبي عاصم ـ: 426 ـ 428 ح 910 ـ 912، الإصابة 49 رقم 1663 ز.

2- مروج الذهب 2 / 405، الكامل في التاريخ 3 / 221، شرح نهج البلاغة 2 / 272.

3- الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ 3 / 24، مسند أحمد 1 / 130 ومواضع أُخر، المعجم الكبير 1 / 106 ح 173، مسند أبي يعلى 1 / 377 ح 485 و ص 430 ح 569 و ص 443 ح 590، مسـند البزّار 3 / 137 ح 927، كنز العمّال 13 / 187 ـ 188 ح 36556 ـ 36561.

4- انظر: الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد 1 / 322 ـ 323، شرح نهج البلاغة 2 / 290 ـ 291.

وجويرية هو: جويرية بن مُسْهِر العبـدي الكوفي، من ربيعة، وقد كان من ثقات أصحاب الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، وشهد معه مشاهده، قطع زياد بن أبيه يديه ورجليه، ثمّ صلبه إلى جذع ابن مكعبر.

انظر: رجال البرقي: 5، رجال الطوسي: 37، الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد 1 / 322.


الصفحة 361
التي يُصلب على جذعها; ففعل به ذلك عبيد الله بن زياد عليهما اللعنة(1).

  وبقطع يدَي رُشَـيد الهَجَري ورجليه، وصلبه; ففعل ذلك به(2).

  وقتل قـنبر; فقتله الحجّـاج(3).

  وبأفعال الحجّاج التي صدرت عنه(4).

  وجاء رجل إليه فقال: إنّ خالد بن عُـرْفُـطة(5) قد مات.

____________

1- الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد 1 / 323، شرح نهج البلاغة 2 / 291 ـ 292.

ومِيثم هو: مِيثم بن يحيى التمّار، من أصفياء أصحاب أمير المؤمنيـن (عليه السلام)، ومن شرطة الخميـس، قتله عبيـد الله بن زياد بسـبب ولائه لأمير المؤمنين عليّ (عليه السلام)وحبّ أهل البيت (عليهم السلام)، وذلك قبل قدوم الإمام الحسـين (عليه السلام) العـراق بعشرة أيّـام، وقد صلبه على جذع نحلة بعد أن قطع يديه ورجليه ولسانه، ثمّ ألجمه، فكان أوّل من أُلجم في الإسلام.

انظر: رجال البرقي: 4، رجال الطوسي: 58، الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد 1 / 323.

2- شرح نهج البلاغة 2 / 294.

ورُشَـيد الهَجري من خواصّ أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام)، ومن شرطة الخميـس، قتله ابن زياد على حبّ عليّ (عليه السلام).

انظر: رجال البرقي: 4، رجال الطوسي: 41، الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد 1 / 325.

3- مناقب آل أبي طالب 3 / 351، المناقب المرتضوية ـ للكشفي الترمذي ـ: 251.

وقنبر هو: أبو فاختة قنبر، من مضر، مولى أمير المؤمنين (عليه السلام)، ومن خاصّة أصحابه والمقـرّبين منه، قتله الحجّاج لحبّـه وموالاته للإمام عليّ (عليه السلام).

انظر: رجال البرقي: 4، رجال الطوسي: 55، الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد 1 / 328.

4- شرح نهج البلاغة 2 / 289، منتخب كنز العمّال ـ المطبوع بهامـش " مسـند أحمـد " ـ 5 / 454.

5- تقـدّمت ترجمته في ج 1 / 112 رقم 83 من هذا الكـتاب; فراجـع!


الصفحة 362
فقال (عليه السلام): إنّه لم يمت، ولا يموت حتّى يقود جيـشَ ضلالة، صاحب لوائه حبيب بن حِـماز(1).

فقام رجل من تحت المنبر فقال: يا أمير المؤمنين! إنّي لك شيعة ومحبّ.

فقال: من أنت؟

فقال: أنا حبيب بن حماز.

قال: إيّـاك أن تحملها! ولتحملـنّـها وتدخل بها من هذا الباب; وأومأ بيده إلى باب الفيـل.

فلما كان زمان الحسـين (عليه السلام)، جعل ابنُ زياد خالدَ بن عُرفطة على مقـدّمة عمر بن سعد، وحبيبَ بن حماز صاحب رايته، فسار بها حتّى دخـل من باب الفيـل(2).

____________

1- هو: أبو كـثير حبيب بن حِماز الأسدي الكوفي، روى عن الإمام عليّ (عليه السلام) وأبي ذرّ، وروى عنه سماك بن حرب وعبـد الله بن الحارث.

انظر: الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ 6 / 251 رقم 2261، التاريخ الكبير 2 / 315 رقم 2598، الجرح والتعديل 3 / 98 رقم 461، الثقات ـ لابن حبّان ـ 4 / 139، المؤتلف والمختلف ـ للأزدي ـ: 70، أُسد الغابة 1 / 442 رقم 1041، الإكمال: 81 رقم 135، تبصير المنتبه 1 / 260، الإصابة 2 / 17 رقم 1577.

نـقـول: كان اسم أبيه في الأصل ـ هنا وفي المواضع التالية ـ: " حمار " بالراء المهملة، ويبدو أنّه تصحيـف، فقد ورد الاسم في أغلب المصادر مصحّفاً بصور عديدة مختلفة، وما أثبتـناه وفقاً لِما هو مشهور في كـتب التراجم والرجـال; فلاحـظ!

2- انظر: مقاتل الطالبيّين: 78، شرح نهج البلاغة 2 / 286 ـ 287، الإصابة 2 / 245 رقم 2184 ترجمة خالد بن عرفطة، بصائر الدرجات: 318 ح 11، الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد 1 / 329.


الصفحة 363
  وقـال للـبَــراء بن عـازب(1): يُـقـتل ابني الحسـين وأنت حيٌّ لا تنصره; فقُـتل الحسـين وهو حيٌّ لم ينصره(2).

  ولمّـا اجتاز بكربـلاء في وقعـة " صِفّين " بكى وقال: هذا والله منـاخُ ركابِـهم، وموضـعُ قتلِـهم; وأشـار إلى ولده الحسـين وأصحابـه(3).

  وأخبرَ بعمارة بغـداد(4)..

  ومُـلكِ بني العبّـاس وأحوالهم(5)..

____________

1- هو: الـبَـراء بن عازب بن الحارث الأنصاري الخزرجي ـ وقيل: الأوسي ـ، غزا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أربع عشرة غزوة، وكان النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قد ردّه يوم بدر لصغره، وهو من أصفياء الإمام أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام)، وأحد رواة حديث الغـدير، وهو قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): " من كنت مولاه فعليٌّ مولاه "، وشهد مع أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام)الجمل وصِفّين والنهروان، وكان الإمام عليّ (عليه السلام) قد بعثه إلى أهل النهروان يدعوهم ثلاثة أيّام، فلمّا أبوا سار إليهم; ونزل الكوفة وابتنى بها داراً، ومات أيّام مصعب ابن الزبير.

وروي أنّه كان أحد الثلاثة ـ أو الأربعة ـ الّذين امتنعوا عن الشهادة بحديث الغـدير حين ناشدهم أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) ذلك في الرحبة; وفي ذلك نظر!

وقد كُـفّ بصره في آخر عمره، ولعلّ هذا هو سـبب عدم توفيقه لنصرة الإمام أبي عبـد الله الحسـين (عليه السلام).

انظر: جمهرة النسـب 2 / 395، المعارف ـ لابن قتيبة ـ: 324، أنساب الأشراف 2 / 386، تاريخ بغداد 1 / 177 رقم 16، الاسـتيعاب 1 / 155 رقم 173، أُسد الغابة 1 / 205 رقم 389، الإصابة 1 / 278 رقم 618، مناقب آل أبي طالب 2 / 315، معجم رجال الحديث 4 / 184 رقم 1661.

2- الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد 1 / 330، شرح نهج البلاغة 10 / 15.

3- وقعة صِفّين: 141 ـ 142، دلائل النبوّة ـ لأبي نعيم ـ 2 / 582 ح 530.

4- مناقب آل أبي طالب 2 / 298 و 308.

5- الكامل في اللغة والأدب 1 / 367 وفيه عن عليّ بن عبـد الله بن العبّـاس، ولا بُـدّ أنّه أخذه عن أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام)، منتخب كنز العمّال 5 / 425.


الصفحة 364
  وأَخْـذِ المغول المُلك منهم(1).

وبواسـطة هذا الخبر سلمت الحلّـةُ والكوفـةُ والمشـهدان من القتل في وقعـة هلاكـو; لأنّـه لمّا ورد بغـداد كاتَـبَه والدي(2) والسـيّد ابن طاووس(3) والفقيه ابن أبي المعـزّ(4)، وسألوا الأمان قبل فتح بغـداد،

____________

1- نهج البلاغة: 186 الخطبة 128، شرح نهج البلاغة 8 / 218، مناقـب آل أبي طالب 2 / 309.

2- هو: الشـيخ سديد الدين أبو المظفّر يوسف بن علي بن محمّـد بن المطهـّر الحلّي، المتوفّى نحو سـنة 665 هـ، والد العلاّمة الحلّي، عالم فاضل، فقيه متبحّر، نقل ولدُه العلاّمة أقواله وفتاويه وأدرجها في مصنّفاته، وذكر حفيده فخر المحقّـقين مصنّفات جـدّه في إحدى إجازاته.

انظر: الأنوار الساطعة في المئة السابعة ـ طبقات أعلام الشـيعة ـ 3 ق 1 / 209، معجم رجال الحديث 21 / 184 رقم 13828.

3- هو: السـيّد رضيّ الدين أبو القاسم عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّـد بن طاووس الحسـني العلوي الفاطمي، وُلد في مدينة الحلّة سـنة 589 هـ، وتوفّي سـنة 664 هـ.

لُـقّب بذي الحسَـبَين; لأنّ نسـبه ينتهي إلى الإمام الحسـن المجتبى (عليه السلام) من طرف أبيه، وإلى الإمام الحسـين (عليه السلام) من طرف أُمّـه.

وهو من أعلام الطائفة وثقاتها، جليل القدر، عظيم المنزلة، كـثير الحفظ، نقيّ الكلام، وحاله في العلم والفضل والعبادة والزهد والورع أشهر من أن تذكر، وكان كذلك شاعراً أديباً منـشـئـاً بليغاً، وصاحب كرامات، وقـد ولي نقابة الطالبيّـين سـنة 661 هـ وبقي فيها إلى حين وفاته، وله كـتب كـثيرة حسـنة، منها: سعد السعود، فرج المهموم، الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف، إقبال الأعمال، جمال الأُسـبوع، الملهوف على قتلى الطفوف، الدروع الواقية.

انظر: عمدة الطالب: 190، أمل الآمل 2 / 205 رقم 622، لؤلؤة البحرين: 235 رقـم 84، الأنـوار السـاطعة في المئـة السابعـة ـ طبقـات أعـلام الشـيعـة ـ 3 ق 1 / 165، معجم رجال الحديث 13 / 202 رقم 8546.

4- كذا في الأصل، وجاء في بعض المصادر: " العـزّ "، وفي بعضها: " الغـرّ ".

والظاهر أنّـه: محمّـد بن أبي العزّ الحلّي، المعاصر للمحقّق الحلّي ـ المتوفّى سـنة 676 هـ ـ، وهو الذي وقّع على فتاوى المحقّق الحلّي وكتب عليها ـ في مسألة المقدار الواجب من المعرفة ـ: " هذا صحيح "، وقد رأى المحقّق الكركي ـ المتوفّى سـنة 941 هـ ـ هذه الفتاوى وكتب هو أيضاً فتاوى نفسه في هذه المسألة مع فتاوى علماء الحلّـة.

وقد كتب الشيخ شرف الدين عليّ المازندراني هذه الفتاوى عن خطّ الشهيد الأوّل محمّـد بن مكّي، الذي كتبها عن خطّ علماء الحلّة، ومنها فتوى المحقّق مع توقيع صاحب الترجمة عليه.

انظر: الأنوار الساطعة في المئة السابعة ـ طبقات أعلام الشيعة ـ 3 ق 1 / 165.


الصفحة 365
فطلبهم، فخافوا، فمضى والدي إليه خاصّـةً، فقال: كيف أقدمت على المكاتبـة قبل الظفر؟!

فقال له والدي: لأنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) أخبر بك وقال: " إنّه يرد الترك على الأخير من بني العبّـاس، يقدمهم ملك يأتي من حيث بدأ ملكهم، جهوري الصوت، لا يمرّ بمدينة إلاّ فتحها، ولا تُرفع له راية إلاّ نكسـها، الويل الويل لمن ناوأه، فلا يزال كذلك حتّى يظفر "(1).

والأخبـار بذلك كـثيرة(2).


*  *  *

____________

1- انظر: كشف اليقين: 80 ـ 82.

2- انظر: مناقب آل أبي طالب 2 / 291 ـ 313، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحـديد ـ 2 / 286 ـ 295.


الصفحة 366

وقال الفضـل(1):

من ضروريات الدين أنّ علم الغيب مخصوصٌ بالله، والنصوص في ذلك كـثيرة..

{ وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلاّ هو ويعلم ما في البرّ... }(2)الآيـة..

{ إنّ الله عنده علم الساعة ويُنـزّل الغيث... }(3) الآيـة..

فلا يصحّ لغير الله أن يقال: إنّـه يعلم الغيب.

ولهذا لمّا قيل عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الرجز:

وفينا نبيٌّ يعلم ما في الغدِ أنكر على قائله وقال: دع هذا! وقل غير هذا!(4).

وبالجملة، لا يجوز أن يُقال لأحد: فلانٌ يعلم الغيب.

نعـم، الإخبار بالغيب بتعليم الله جائز، وطريق هذا التعليم إمّا الوحي، أو الإلهامُ عند من يجعله طريقاً إلى علم الغيب.

فإنْ صـحَّ أنّ أميـر المؤمنيـن أخبر بالمغـيّـبات، فلا بُـدّ أن يقـال:

____________

1- إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ: 452 الطبعة الحجرية.

2- سورة الأنعام 6: 59.

3- سورة لقمان 31: 34.

4- انظر: صحيح البخاري 7 / 33 ح 79 كتاب النكاح، سنن أبي داود 4 / 282 ـ 283 ح 4922، سنن الترمذي 3 / 399 ح 1090، سنن ابن ماجة 1 / 611 ح 1897، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ 3 / 332 ح 5563، مسند أحمد 6 / 359 و 360.


الصفحة 367
إنّـه كان بتعليـم الله; إمّـا بالإلهام كما يكون للأوليـاء، أو بالسماع من رسـول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

وبعض الناس على أنّه كان يعلم بالعلم الموسوم بالجَـفْر والجامعـة(1)، وهو ـ أيضاً ـ من تعليم الله.

فكان ينبغي له أن يُبيّـن حقيقة هذا، ولا يُطلق القول بالإخبار بالغيـب، فإنّـه يوهم أنّ البشر يمكن له الإخبار بالغيب.

وأمّـا ما ذكر من الإخبار بوقائع خروج الـتُرك وخراب بغـداد، فقد

____________

1- انظر: شرح المواقف 6 / 22، الفصول المهمّة ـ لابن الصبّاغ ـ: 223، نور الأبصار: 160 ـ 161، ينابيـع المودّة 3 / 222.

والـجَـفْـر: إهاب ماعز وإهاب كبـش فيهما جميع العلوم حتّى أرش الخدش، وسلاح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، والكـتب، ومصحف فاطمـة (عليها السلام).

وإلى هذا الجفر أشار أبو العلاء المعـرّي بقوله:


لقد عجبوا لأهل البيت لمّاأتاهم علمُهم في مَسْكِ جَفْرِ
ومرآةُ المنجّمِ وَهْيَ صُغرىأَرَتْـهُ كلَّ عامرة وقَـفْرِ

والجامعـة: هي صحيفة طولها سـبعون ذراعاً بذراع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، من فلق فيه وإملائه (صلى الله عليه وآله وسلم) وخطّ الإمام عليّ (عليه السلام) بيمينه، فيها كلّ حلال وحرام، وكلّ شيء يحتاج الناس إليه، حتّى أرش الخدش.

انظر مثلا: الكافي 1 / 264 ـ 267 ح 1 و 3 و 4 ـ 6، بصائر الدرجات: 170 ـ 181 ب 14 ح 1 ـ 34، كـتاب من لا يحضره الفقيه 4 / 300 ح 910، عيون أخبار الرضـا (عليه السلام) 1 / 192 ب 19 ح 1، الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد 2 / 186، الغَـيبة ـ للطوسي ـ: 168، مجمع البحرين 3 / 248 مادّة " جفر " و ج 4 / 314 مادّة " جمـع ".

وانظر الشعر في: لزوم ما لا يلزم 1 / 553، وفيات الأعيان 3 / 240، نسمة السحر 1 / 268.

هذا، وقد نُسب علم الجفر ـ في بعض مصادر الجمهور ـ إلى الإمام جعفر الصادق (عليه السلام)، ولا منافاة ـ في ذلك ـ مع نسـبته إلى أمير المؤمنين الإمام عليّ (عليه السلام); لأنّ علم الإمام الصـادق (عليه السلام) من علم الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام).


الصفحة 368
جاء في بعض الأحاديث الإخبار عنه(1)، وهو بتعليم الله، كما يقتضيه نصوص الكـتاب وضرورة الدين.


*  *  *

____________

1- انظر: كنز العمّال 14 / 571 ح 39630.


الصفحة 369

وأقـول:

من نظر إلى مفتتح كلامه تخيّل أنّ المصنّف (رحمه الله) جاء بذنب لا يُغفر! وما برح بعد القَـعْـقَـعَة(1) حتّى كانت نتيجة كلامة أنّه ينبغي للمصنّف (رحمه الله)أن يُبـيّن الحقيقة، ولا يُطلق القول بالإخبار بالغيب.

وليت شعري، أيُّ جواب في هذا عن كون أمير المؤمنين (عليه السلام) ذا الفضيلة على غيره بالإخبار بالمغيّبات، القاضي بامتيازه على غيره وبإمامته دون مَن سواه؟!

ثمّ أيُّ ضرر في الإطلاق، وهو ممّا لا إيهام فيه; لمعلوميّة المراد منه عند الجاهل فضلا عن الفاضل؟!

على أنّ المصنّف (رحمه الله) ذكر من الأحاديث ما يدلّ على أنّ إخبار أمير المؤمنين (عليه السلام) بالغيب كان من حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فيرتفع الإيهام لو وُجـد.

وقد نقل ابن أبي الحديد كثيراً ممّا ذكره المصنّف (رحمه الله)، ومن غيره، في عـدّة صحائف(2).

____________

1- الـقَـعْـقَـعَـةُ: هي حكاية أصوات السلاح والـتِّـرَسـة والجلود اليابسة والحجارة والرعد والبَـكْرة والحُـلِـيّ ونحوها; انظر مادّة " قعع " في: لسان العرب 11 / 246، القاموس المحيط 3 / 74، تاج العروس 11 / 390.

والمعنى هنا على المجاز أنّ ما اعترض به ابن روزبهان على العلاّمة لا طائل وراءه ولا محصّـل منـه.

2- أوّلها ص 208 من المجلّـد الأوّل [ 2 / 286 ـ 295 ]، وذكر غيرها في ص 175 من المجلّـد الثاني وفي ما بعدها [ 7 / 47 ]، وفي ص 508 من هذا المجلّد [ 10 / 13 ـ 15 ]. منـه (قدس سره).

وانظر كذلك: شرح نهج البلاغة 5 / 3 وما بعـدها.


الصفحة 370
ويشهد لعلمه بالغيب إيصاؤه بدفنه خُفيةً(1)، مع كون السلطان لهم بالفعل، فإنّه لم يقع مثله عادةً، ولا يحسن أن يفعله بنوه لولا علمه وعلمهم باسـتيلاء معاوية وبني أُميّة على البلاد، وهم غير مأمونين من إهانة قبره الشريف بنبـش أو نحوه.

وكذا يُعلم بكثرة الخوارج بعدُ، وعداوتهم له، فخاف منهم ما خافه مـن بني أُميّة، أو عَلِـمَـهُ منهم جميعـاً، فأوصى سَـيّـدَي شباب أهل الجنّـة ـ العالِـمَين بما يعلم ـ أن يدفناه ليلا ولا يظهرا قبره، فأخفياه حتّى قام الرشـيد ببنائه وإظهاره; لكرامة ذكرها المؤرّخون(2).


*  *  *

____________

1- انظر: تاريخ دمشق 42 / 565 ـ 566، كفاية الطالب: 470 ـ 471، البداية والنهاية 7 / 263 ـ 264، حياة الحيوان ـ للدميري ـ 1 / 47.

2- انظر مثلا: الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد 1 / 26 ـ 28، كفاية الطالب: 471 ـ 472.


الصفحة 371

شـجـاعـتـه


قال المصنّـف ـ أجزل الله ثوابه وأجره ـ(1):

المطلب الرابع: في الشجاعة

وقد أجمع الناس كافّـة على أنّ علـيّـاً (عليه السلام) كان أشجع الناس بعـد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، وتعجّبت الملائكة من حملاته(2)، وفضّل النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قتله لعمرو بن عبـد ودّ على عبادة الثقلين(3).

ونادى جبرئيـل:


لا سـيفَ إلاّ ذو الفَـقَارِ، ولا فتىً إلاّ عليّ(4)

وروى الجمهور أنّ المشركين كانوا إذا أبصـروا عليّـاً في الحرب، عهد بعضهم إلى بعض(5).


*  *  *

____________

1- نهج الحقّ: 244.

2- انظر: ربيع الأبرار 1 / 833، شرح نهج البلاغة 14 / 251.

وراجع الصفحتين 133 ـ 134 من هذا الجـزء.

3- المستدرك على الصحيحين 3 / 34 ح 4327، تاريخ بغداد 13 / 19 ذيل رقم 6978، كـنز العمّال 11 / 623 ح 33035.

4- راجـع الصفحة 201 هـ 1، والصفحة 202 هـ 1، من هذا الجزء.

5- انظر: مناقب الإمام عليّ (عليه السلام) ـ لابن المغازلي ـ: 110 ح 106، محاضرات الأُدباء 2 / 151، المسـتطرف في كلّ فنّ مسـتظرف 1 / 221.


الصفحة 372

وقال الفضـل(1):

شجاعة أمير المؤمنين أمر لا ينكره إلاّ من أنكر وجود الرمح السِّماك(2) في السماء، أو حصول درع السمك في الماء، مقدامٌ إذ الأبطال تُحجم، لَـبّاثٌ إذ الملاحم تهجم.

وهذا ممّا يسلّمه الجمهور، وليس هذا محلّ نزاع حتّى يُقام عليه الدليـل.


*  *  *

____________

1- إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ: 453 الطبعة الحجرية.

2- السِّماك الرامح: هو أحد السِّماكين; والسِّماكان: هما الأعزل والرامح: نجمان نيّران في السماء.

وسُـمّي الأعـزل أعزلا لأنّـه لا شيء بين يديـه، أي لا كوكب أمامـه، كالأعـزل لا رمح معه، ويقال: لأنّه إذا طلع لا يكون في أيّـامه ريح ولا برد، وهو إلى جهة الجنوب، وهو من منازل القمر.

والسِّماك الرامح: ليس من منازل القمر، ولا نوءَ له، إنّما النوءَ للأعزل، وهو إلى جهة الشمال، وهو نجم معروف قُدّام الفَـكّة، وليس من منازل القمر، سُمّي بذلك لأنّه يقدِمُه كوكب يقولون: هو رُمحُه، وهو أشدُّ حمرة من الأعزل، ويقال له كذلك: السّماك المِـرْزَم.

انظر: تاج العروس 4 / 54 مادّة "رمح" و ج 13 / 585 مادّة " سمك ".


الصفحة 373

وأقـول:

سبق أنّ الشجاعة شرطٌ في الإمام، فإذا ثبتت أشجعيّة أمير المؤمنين كان أَوْلى بالإمامـة.

وقول الفضل: " شجاعة أمير المؤمنين... " إلى آخره، دون أن يقول: أشـجعـيّـته; غفلةٌ أو تغافلٌ، إلاّ أن يرى أن لا شجاعة لغيره ـ ولو بالنسـبة إليـه ـ، فيكون حسـناً.


*  *  *


الصفحة 374

زهـدُه


قال المصنّـف ـ رفع الله درجته ـ(1):

المطلب الخامس: في الزهـد

لا خلاف في أنّه أزهدُ أهل زمانه، طلّق الدنيا ثلاثاً(2).

قال قبيصة بن جابر: " ما رأيت في الدنيا أزهدَ من عليّ بن أبي طالب، كان قوتُه الشعيرَ غيرَ المأدوم، ولم يشبع من البُـرّ ثلاثة أيّام "(3).

قال عمر بن عبـد العزيز: " ما علمنا أنّ أحداً كان في هذه الأُمّة بعد النبيّ أزهد من عليّ بن أبي طالب "(4).

وروى أخطـب خـوارزم، عن عمّـار بن ياسـر، قال: سـمعت رسـول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: " يا عليّ! إنّ الله تعالى زيّنك بزينة لم يُزيّن العباد بزينة هي أحبُّ إليه منها، زهّدك في الدنيا، وبغضّها إليك، وحبّب إليك الفقراء، فرضيت بهم أتباعاً، ورضوا بك إماماً.

يا عليّ! طوبى لمن أحبّك وصدّق عليك(5)، والويل لمن

____________

1- نهج الحقّ: 244.

2- انظر: نهج البلاغة: 480 رقم 77، الأمالي ـ لأبي علي القالي ـ 2 / 147، حلية الأولياء 1 / 84 ـ 85، الاسـتيعاب 3 / 1107 ـ 1108.

3- انظر: الزهد ـ لابن أبي الدنيا ـ: 166 ح 403.

4- مناقب آل أبي طالب 2 / 108 نقلا عن اللؤلؤيات.

5- في المصدر: " بك ".


الصفحة 375
أبغضك وكذب عليك.

أمّا من أحبّك وصدق عليك فإخوانك في دينك، وشركاؤك في جنّـتك.

وأمّا من أبغضك وكذّب عليك، فحقيق على الله أن يُقيمه يوم القيامة مقام الكاذبين "(1).


*  *  *

____________

1- مناقب الإمام عليّ (عليه السلام) ـ للخوارزمي ـ: 116 ح 126; وانظر: أُسد الغابة 3 / 598 رقم 3783.


الصفحة 376

وقال الفضـل(1):

أمّا زهد أمير المؤمنين فهو مسلّم عند الجمهور، ولو أخذنا في الحكايات الدالّة على زهده ممّا رواه جمهور أصحابنا لطال الكتاب.

وهذا الرجل يزعم أنّ أهل السُـنّة والجماعة يُنكرون فضائل أمير المؤمنين ـ حاشاهم عن ذلك ـ، إنّما يُنكر فضائلَ الشمس الخفافيـشُ.


*  *  *

____________

1- إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ: 453 الطبعة الحجرية.