الصفحة 495
وروى نحـوه في محـلّ آخـر(1).

وحكى(2) عن الطبراني، عن بريدة، قالوا: يا رسول الله! مَن يحمل رايتك يوم القيامة؟

قال: مَن يحسن أن يحملها إلاّ من حملها في الدنيا; عليّ بن أبي طالب.

.. إلى غيرها من الأخبار المصـرّحة بأنّ عليّـاً صاحبُ حـوضِ رسـول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولوائه في الآخرة(3)، وقد ذكر قسماً منها في " ينابيـع المودّة "(4).

وأمّـا روايات الإذن، التي ذكر قسماً منها المصنّف (رحمه الله)(5)، الدالّة على أنّـه لا يدخل الجنّـة، ولا يجوز الصـراط، إلاّ مَن بيده جواز وبـراءة مِن عليّ (عليه السلام)، فمسـتفيضة.

وقد تقـدّم بعضها في الآية الحادية عشرة، وهي قوله تعالى: { وقِفوهم إنّـهم مسـؤولون }(6)، فراجـع(7)!

وأمّـا ما زعمه الفضل من الخيانة في نقل فضائل أهل البيـت (عليهم السلام)من كـتبهم والسكوت عن فضائـل خلفـائهم، فخطـأٌ; لأنّـا ننقل فضـائل

____________

1- ص 396 ج 3 [ 13 / 129 ح 36411 ]. منـه (قدس سره).

2- ص 398 ج 6 [ 13 / 136 ح 36427 ]. منـه (قدس سره).

وانظر: المعجم الكبير 2 / 247 ح 2036 عن جـابر.

3- راجع ما مـرّ في الصفحات 481 و 482 و 493 ـ 494 من هذا الجزء.

4- ينابيع المودّة 1 / 395 ـ 397 ح 10 و 13 ـ 17.

5- تقـدّم ذلك في الصفحتين 481 و 482 من هذا الجـزء.

6- سورة الصافّـات 37: 24.

7- راجـع: ج 5 / 7 وما بعـدها من هذا الكـتاب.


الصفحة 496
أهل البيت من كـتبهم للاحتجاج بها عليهم، مع علمنا بصحّتها; لورودها في أخبارنا، وإنْ كانت أخبارُهم متلجلجـةَ البيـان.

وأمّـا ما رَوَوْه في فضائل مَن خالف أهل البيت، فنحن نعتقد كذبه، وأنّه ممّا حدث في أيّام معاوية وبعده طلباً للدراهم البيض، والدنانير الصفر، ومراغمةً لآل محمّـد، وتقـرّباً لأهل الخلاف، كما سـبق في المقـدّمة(1).

وليت شعري، كيف يطلب منّا أن نعتمد ما ليس حجّة عندنا؟! بل تواتر لدينا عكسه، وظهر لنا ضدّه، حتّى علمنا ـ كما دلّت عليه أخبارهم ـ أنّ كلّ ضلال وقع إنّما أساسُه مَن رَوَوْا لهم الفضائل من يوم منعوا نبيّ الرحمة عن كـتابة كـتاب لا يضلّ المسلمون بعده أبـداً(2).

وأمّـا ما نال به كرامة الإمام العلاّمة المصنّف (رحمه الله) لقوله: " لم ينقلوا عن أئمّـة الشـيعة منقصةً... " إلى آخره..

فـفيـه: إنّـه أيّ مانع لهم عن القدح بهم لو وجدوا إليه سـبيلا، وليـسوا عندهم بأعظم وأحبّ من خلفائهم، وقد نقلوا عنهم ما نقلوا؟! كما سـتعرفه(3).

وأمّـا قوله: " أنت لا تروي شـيئاً يُـعتـدّ به إلاّ من صحاحنا "..

فـفيـه: إنّه إنْ أراد أنّ صحاحهم ممّا يُعتـدّ بها حتّى عندنا، فليـس بصحيح، وليس ما نرويه منها إلاّ للاحتجاج به عليهم; لأنّه حجّةٌ عندهم.

وإنْ أراد أنّها ممّا يُعتـدّ بها عندهم خاصّـة، فذِكْـرُه لِما فيها من

____________

1- راجـع: ج 1 / 7 ـ 25 من هذا الكـتاب.

2- انظر: ج 4 / 93 و 267 من هذا الكـتاب.

3- سـيأتي تفصيله في موضعه من الجزء السابع إن شاء الله.


الصفحة 497
فضائل أوليائهم لا فائدة فيـه; لعدم حاجة أصحابه إلى نقلها، وعدم صلوحها للاحتجاج بها علينا; وهـذا غير خفيّ عليـه.

ولكن، وما حيلـةُ المضطـرِّ إلاّ ركوبُـها(1)..

أو لأنّه يريد أن يخدع السُـذّج بها وبما لـفّقه، ممّا لا يخفى حتّى على أهل المعرفة من قومه.

وأمّـا قوله: " وصحاحنـا ليـس ككـتب الشـيعة التي اشـتهر عند السُـنّة... " إلى آخـره..

فـفيـه: إنّـه لو صحّ نقله للشهرة عند أصحابه، فهي ليسـت أوّلَ شهرة كاذبة أُريد بها تشـييدُ الباطل، فقد اشـتهر عندهم إدخـال ـ مَن زعمـوه ـ ربّهم رجله في نار جهنّم حتّى تقول: قَـطْ قَـطْ(2).

واشـتهر بينهم إلقاء الشيطان على لسان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): تلك الغرانيق العُلى، منها الشفاعة ترتجى(3).

واشتهر عندهم رقص النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بأكمامه واسـتماعه للغناء الباطل دون عمر وأبي بكر(4).

____________

1- عجز بيت مشهور يُـتمثّـل به، للكميت بن زيد الأسدي (60 ـ 126 هـ)، من البحر الطويل، وتمـام البيت:


وإنْ لم يكن إلاّ الأسـنّةَ مركَبٌفلا رأي للمحمولِ إلاّ ركوبُـها

انظر: جمهرة أشعار العرب: 790 رقم 49، ديوان الكميت 1 / 102 رقم 49.

وورد البيت بلفظ آخر، هكذا:


إذا لم تكن إلاّ الأسـنّةُ مركبٌفلا رأي للمضطـرّ إلاّ ركوبُـهـا

انظر: لباب الآداب: 164.

2- راجـع: ج 1 / 50 و ج 4 / 163 ـ 166 من هذا الكـتاب.

3- راجـع: ج 4 / 18 و 43 ـ 49 من هذا الكـتاب.

4- راجـع: ج 4 / 74 ـ 87 من هذا الكـتاب.


الصفحة 498
.. إلى غير ذلك من المشـهورات الباطلة قطعاً.

ولو كان لهذا الرجل معرفـةٌ، لَما روى هذه الشـهرة عن أصحابه; لأنّها تكشف عن كون شهراتهم من هذا القبيل، مخالفة للضرورة والوجدان، فإنّ كـتب الشـيعة مملوءة بالنقـل عن إمامهم الصـادق (عليه السلام)، ومـا أحدٌ نقل عن كـتاب له، وإنّما يروون عن لسانه وألسـنة الأئمّـة الميامين ومراسلاتهم، وها هي ذي كـتب الشـيعة بمنظر لمن أراد الاطّـلاع عليها.

وأمّـا ما زعمه، من اتّفاق علمائهم على أنّ كلّ ما في الصحاح لو حلف بالطلاق... إلى آخـره..

فـفيـه: إنّ مَن حلف كذلك حانثٌ جزماً; لأُمور:

الأوّل: إنّ كـثيراً ممّا فيها متناف، فكيف تصدق كلّها؟!

الثاني: اشـتمالها على ما فيه نقصٌ لله ورسوله ـ كما سـبق في مباحث النبـوّة(1) ـ وهما منـزّهان عن النقص.

الثالث: إنّ الكثير من رواتها كذبة فسقة ـ كما تقدّم في المقدّمة(2) ـ، فكيف يحلف الحالف على صدقهم ولا يحنـث؟!

الرابع: إنّ بعض أخبارها واضحة الكذب; كالذي رواه البخاري في أواخر الجزء الثاني، في باب مَـقدم النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وأصحابه المدينة، عن عثمان، قال: " أمّا بعد، فإنّ الله بعث محمّـداً (صلى الله عليه وآله وسلم) بالحقّ، وكنت ممّن اسـتجاب لله ولرسوله وآمن بما بُعث به محمّـد، ثمّ هاجرتُ هجرتين،

____________

1- انظر: ج 4 / 17 ـ 170، وراجع: ج 1 / 49 ـ 52، من هذا الكـتاب.

2- انظر: ج 1 / 57 وما بعدهـا من هذا الكـتاب.


الصفحة 499
ونلتُ صهر رسول الله، وبايعته، فوالله ما عصيته ولا غشـشـته حتّى توفّاه الله "(1)، فإنّه قد ثبت عصيانه لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولو بفراره في الغزوات، كـفراره في أُحـد ثلاثـة أيّـام(2).

فإذا وقع مثل هذا الكذب في الرواية، فكيف لا يحنث الحالف؟!

ونحوه ـ في ظهور الكذب ـ ما رواه البخاري ـ أيضاً ـ، في باب هجرة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم); أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أقبل إلى المدينة وهو مردِفٌ أبا بكر، وأبو بكر شـيخ يُعرف، ونبيُّ الله شابٌّ لا يُعرف...(3) الحـديث.

فإنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) كان أكبر سـنّـاً، وشأناً، وبيتاً، وأثراً، وشهرة، بدعوته التي تـستدعي القصد إليه ورؤيته ومعرفته، فكيف كان النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)شابّـاً لا يُعرف، وأبو بكر شـيخاً يُعرف؟!

ونحوهمـا كـثير!!

وإذا أردت أن تعرف حقيقة صحاحهم، فعليك بمراجعة مقـدّمة الكـتاب(4)، وكـفاك أنّ عمدة أحاديثـها تنـتهي إلى عائشة، وابن عمر، وأبي هريرة، وهم ليـسوا محلّ الاعتماد، فضلا عن السـند الذي ينتهي إليـهم.

____________

1- صحيح البخاري 5 / 168 ح 405.

2- انظر: السير والمغازي ـ لابن إسحاق ـ: 332، المغازي ـ للواقديـ 1 / 277 ـ 279، أنساب الأشراف 1 / 398، تاريخ الطبري 2 / 69، تفسير الفخر الرازي 9 / 64 تفسير الآية 159 من سورة آل عمران، شرح نهج البلاغة 15 / 21 و 22 و 24، الكامل في التاريخ 2 / 52، تفسير الطبري 3 / 489 ح 8102.

وراجـع: الصفحات 400 و 414 و 416 من هذا الجـزء.

3- صحيح البخاري 5 / 161 ح 392.

4- راجـع: ج 1 / 41 وما بعدهـا من هذا الكـتاب.


الصفحة 500
أمّا عائشة; فلِما سـبق من بغضها لأمير المؤمنين(1)، وما سـيأتي في المآخذ، من صدور الكبائر عنها(2).

على أنّها قد روت كثيراً من النقص للنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، الذي يعلم الإنسان بكذبه(3)، ونسـبت إليه جهله بنبـوّته في أوّل البعثة حتّى عـرّفته خديجـة وورقة نبـوّته، وهو مخالف لضرورة الدين، كما مرّ بيانه في مباحث النبـوّة(4).

وأمّـا ابن عمر; فـيُـعلم حاله من عـدّة وقائع..

منها: ما نقله الفضل عنه، مِن تفضيل الصحابة لأبي بكر، ثمّ عمر، ثمّ عثمان، على وجه كان مفروغاً عنه عندهم، وأنّهم يتركون بعد الثلاثة سائر الصحابة بلا تفضيل بينهم، فيكون عليٌّ من سائر المسلمين لا يرون له فضـلا على غيره(5).

وقد تعقّبه صاحب " الاستيعاب " بترجمة أمير المؤمنين (عليه السلام)، فإنّه بعد ما روى حديث ابن عمر المذكور، قال: " وهو الذي أنكر [ ه ](6) ابن معين، وتكلّم فيه بكلام غليظ; لأنّ القائل بذلك قد قال بخلاف ما اجتمع عليه أهل السُـنّة من السلف والخلف من أهل الفقه والأثر، أنّ عليّـاً أفضل الناس بعـد عثمان، وهذا ممّـا لم يختلفوا فيـه..

وإنّما اختلفوا في تفضيـل عليّ وعثمان..

____________

1- راجع الصفحات 149 ـ 151 من هذا الجـزء!

2- سـيأتي ذلك في موضعه من الجزء السابع إن شاء الله.

3- انظر مثلا: ج 4 / 64 ـ 87 و 142 ـ 145 و 152 ـ 159 من هذا الكـتاب.

4- انظر: ج 4 / 137 ـ 142 من هذا الكـتاب.

5- مـرّ ذلك في الصفحة 489 من هذا الجـزء.

6- كان في الأصل والمصدر: " أنكر "; وما أضفناه مقتضى اللغة والكلام.


الصفحة 501
واختلف السلف ـ أيضاً ـ في تفضيـل عليّ وأبي بكر..

وفي إجماع الجميع ـ الذي وصفناه ـ دليلٌ على أنّ حديث ابن عمر وهـمٌ وغلط، وأنّـه لا يصحّ معنـاه "(1).

ومنها: ما كـذّبته فيه عائشة في اعتمار النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في رجب..

روى مسلم في " باب عدد عُمَر النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وزمانهنّ "، من " كتاب الحجّ "، عن عروة بن الزبير، قال: كنت أنا وابن عمر مسـتندين إلى حجرة عائشة، وإنّـا لنسمع ضربها بالسواك تسـتنُّ.

قال: فقلت: يا أبا عبـد الرحمن! اعتمر النبيّ في رجب؟

قال: نعم.

فقلت لعائشة: يا أُمّـتاه! ألا تسمعين ما يقول أبو عبـد الرحمن؟!

قالت: وما يقول؟

قلت: يقول: اعتمر النبيّ في رجب.

فقالت: لعمري ما اعتمر في رجب، وما اعتمر من عُمرة إلاّ وإنّـه لَـمعـه.

قال: وابن عمر يسمع، فما قال " لا "، ولا " نعم "; سـكت(2)!

وأخرج مسلم أيضاً نحوه، عن مجاهد، قال: دخلت أنا وعروة المسجد، فإذا عبـد الله بن عمر جالس إلى حُجرة عائشة، والناس يصلّون الضُّحى في المسجد، فسألناه عن صلاتهم؟

فقال: بدعـة!

____________

1- الاسـتيعاب 3 / 1116.

2- صحيح مسلم 4 / 61.


الصفحة 502
فقال له عروة: [ يا أبا عبـد الرحمن! ] كم اعتمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟

فقال: أربع عُـمَر، إحداهـنّ في رجب...

ثمّ ذكر نحو الحـديث السابق(1).

وروى البخاري مثله في باب " كم اعتمر النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) "، من " كتاب الحـجّ "(2).

وكذا أحمد في " مسـنده "، في مقامات عديـدة(3).

ومنها: ما كـذّبته فيه ـ أيضاً ـ عائشة، وهو عدد عُمَر النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم).

أخرج أحمد في " مسنده "(4)، عن مجاهد، عن ابن عمر، قال: سُئل كم اعتمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟

قال: مرّتين.

فقالت عائشة: لقد علم ابن عمر أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد اعتمر ثلاثة سوى العمرة التي قرنها بحجّـة الوداع.

وروى نحوه في مقام آخر(5)، غير إنّ ابن عمر قال فيه: اعتمر رسـول الله مرّتين قبل أن يحجّ.

ومنها: ما كـذّبته هي أيضاً فيه، وهو روايته عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّ الميّت يعـذّب ببكاء أهله.

____________

1- صحيح مسلم 4 / 61، وانظر: صحيح البخاري 5 / 292 ح 265.

2- صحيح البخاري 3 / 16 ح 353.

3- منها: ص 129 ج 2، و ص 157 ج 6. منـه (قدس سره).

وانظر كذلك: مسـند أحمد 2 / 155.

4- ص 70 من الجزء الثاني، منـه (قدس سره).

5- ص 139 ج 2. منـه (قدس سره).


الصفحة 503
روى البخاري ومسلم في " كتاب الجنائز "، ما ملخّصه: أنّ ابنة لعثمان ماتـت وحضرها ابن عبّـاس وابن عمر، فقال ابن عمر لعمرو بن عثمان: ألا تنهى عن البكاء، فإنّ النبيّ قال: " إنّ الميّت يعذّب ببكاء أهله عليـه ".

فقال ابن عبّـاس: قـد كان عمر يقـول بعض ذلك.

وذكر ذلك لعائشة، فقالت: والله ما حدّث رسول الله أنّ الله يعذّب المؤمن ببكاء أهله عليه... فوالله ما قال ابن عمر شـيئاً(1).

وروى مسلم نحوه كـثيراً(2).

وكـذا أحمـد(3).

ومنها: ما كذّبته هي أيضاً فيه، وهو ما رواه من كلام النبيّ لمّا وقف على قَـلِـيـب(4) بدر.

أخرج مسلم في كتاب الجنائز، في " باب الميّت يعذّب ببكاء أهله عليه "، عن عروة، قال: ذُكر عند عائشة أنّ ابن عمر يرفع إلى النبيّ أنّ الميّت يُعذّب ببكاء أهله عليه.

فقالت: إنّما قال رسـول الله يعذّب بخطيئـته أو بذنبـه، وإنّ أهلـه ليبكون عليه، وذلك مثل قوله: إنّ رسـول الله قام على القليب يوم بـدر

____________

1- صحيح البخاري 2 / 172 ح 47، صحيح مسلم 3 / 43.

2- صحيح مسلم 3 / 41 ـ 45.

3- ص 31 و 38 من الجزء الثاني، و ص 57 و ص 209 من الجزء السادس. منه (قدس سره).

وانظر كذلك: مسـند أحمد 1 / 41 و 42.

4- القَلِـيبُ: البئر مطلقاً، وقيل: هي البئر التي لا يُعلم لها ربٌّ ولا حافر، تكون بالبراري، تُـذكّر وتؤنّـث; انظر: لسان العرب 11 / 272 مادّة " قلب ".


الصفحة 504
وفيه قتلى بدر من المشركين، فقال لهم; ما قال: إنّهم لَيسمعون ما أقول، إنّما قال: إنّهم لَيعلمون أنّ ما كنت أقول حـقٌّ(1).

وروى أحمد ما تضمّـنـه عجز الحديث(2).

ومنهـا: ما كـذّبته هي أيضاً فيـه، وهو عدد أيّـام الشهر..

أخرج أحمد(3)، عن ابن عمر، عن النبيّ، قال: الشهر تسع وعشرون.

فذكروا ذلك لعائشة، فقالت: إنّما قال: الشهر يكون تسعاً وعشرين.

ومنهـا: ما كـذّبه فيه معاوية..

روى البخاري في أوّل كتاب الأحكام، في " باب الأُمراء من قريش "، عن الزهري، عن جبير بن مطعم، أنّه بلغ معاوية أنّ عبـد الله بن عمر يحدّث أنّه سـيكون مَلك من قحطان.

فغضب، فقام فأثنى على الله بما هو أهله، ثمّ قال: أمّا بعد، فإنّه بلغني أنّ رجالا منكم يحدّثون أحاديث ليسـت في كتاب الله، ولا تؤثر عن رسول الله، وأُولئك جُهّالكم، فإيّاكم والأمانيّ التي تُضلُّ أهلها، فإنّي سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: " إنّ هذا الأمر في قريش، لا يعاديهم أحد إلاّ كـبّه الله على وجهه ما أقاموا الدِّين "(4).

ومنهـا: ما كـذّبه فيه بعضُ أهله..

____________

1- صحيح مسلم 3 / 44، وانظر: صحيح البخاري 5 / 186 ح 29.

2- ص 31 و 38 من الجزء الثاني. منـه (قدس سره).

3- ص 51 من الجزء السادس. منـه (قدس سره).

وانظر كذلك: مسـند أحمد 2 / 31 و 56 و ج 6 / 243.

4- صحيح البخاري 9 / 111 ح 3.


الصفحة 505
روى البخاري، في " باب ما جاء في البناء "، آخر " كتاب الاسـتئذان "، عن سفيان، قال ابن عمر: " والله ما وَضعتُ لبنةً على لبنة، ولا غَرسـتُ نخلةً منذ قُبض النبيُّ.

قال سفيان: فذكرته لبعض أهله، قال: واللهِ لقد بنى!

لكنّ سفيان حمله على الصحّة، فقال: لعلّه قال قبل أن يَبني "(1).

أقـول:

أهلُه أعرف به، ولو لم يعرفه هذا البعضُ منهم بالكذب لَما تسرّع لتكذيبـه.

ولو سُلّم، فلا تـتّجه بقـيّة الروايات; إذ لا وجه لها إلاّ الحمل على الخطأ، وهو ممتنع عادةً في كـثير منها.

ولو سُلّم، فمن أخطأ في هذه الأُمور المحسوسة الظاهرة، لا يمكن الحلف على صدق ما يرويه.

وبالجملة: الكذب ـ عمداً أو خطأً ـ في ما اختلف فيه ابن عمر وغيره، لا بُـدّ أن يكون صادراً من أحدهما، فيمتنع معه صحّة الحلف المذكـور.

وقد وقع لأنس من ابن عمر، مثل ما وقع لابن عمر من عائشة.

أخرج أحمد(2)، عن بكر، قال: قلت لابن عمر: إنّ أنساً حدّثه أنّ رسـول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لبّى بالعمرة والحـجّ.

فقال ابن عمر: هل خرجنا مع رسول الله إلاّ حجّاجاً؟! فلمّا قدمنا

____________

1- صحيح البخاري 8 / 120 ح 73.

2- ص 79 ج 2، ونحوه ص 53 من الجزء المذكور. منـه (قدس سره).


الصفحة 506
أمَـرَنا أن نجعلها عُمرة إلاّ من كان معه هدي.

قال: فحدّثت أنساً بذلك، فغضب وقال: لا تعـدّونا إلاّ صبياناً!

ثـمّ إنّ ابن عمر قد صدرت منه الكبائر، فلا يعتـدّ بروايته..

منهـا: إنّـه ترك صلاة الجمعـة..

روى البخاري في أوائل كتاب المغازي، عن نافع، أنّ ابن عمر ذُكر له أنّ سعيد بن زيد... مرض في يوم جمعة، فركب إليه بعد أن تَعالى النهار، واقتربت الجمعة وترك الجمعة(1).

ومنها: وهو أعظمها، تخلّفه عن بيعة أمير المؤمنين (عليه السلام)، وقد بايعه أهل الحلّ والعقد(2)، وعندهم أنّ الخلافة تنعقد بهم، بل ببيعة الواحد والاثنين، كما سـبق(3).

مـع أنّـه قد روى مسلم في " باب الأمر بلـزوم الجمـاعة "، من " كـتاب الإمارة "، عن نافع، قال: " جاء عبـد الله بن عمر إلى عبـد الله بن مُطيـع حين كان من أمر الحَـرّة ما كان زمن يزيد، فقـال: اطرحـوا لأبي عبـد الرحمن وسـادة.

فقال: إنّي لم آتك لأجلس، أتيتـك لأُحدّثك حديثـاً; سمعت رسـول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجّة له، ومن مات وليـس في عنقه بيعة، مات ميتـةً جاهليـةً "(4).

____________

1- صحيح البخاري 5 / 191 ـ 192 ح 39.

2- انظر: تاريخ الطبري 2 / 697، الكامل في التاريخ 3 / 82، البداية والنهاية 7 / 182.

3- راجـع: ج 4 / 241 ـ 243 من هذا الكـتاب.

4- صحيح مسلم 6 / 22.


الصفحة 507
وروى أحمد نحـوه من طـرق(1).

فيا عجباً من ابن عمر! يروي هذا ويرى أنّ من ليس في عنقه بيعةٌ ليزيد المارد يموت ميتةً جاهليةً، ويترك بيعة أخي النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ونفسِه عامداً مصرّاً على الترك أكـثر من أربع سـنين!!

فهل تراه كاذباً في حديثه، أو صادقاً فيه غير مبال بالميتة الجاهلية بغضاً لوليّ المؤمنين ومولاهم، وهضماً لحقّه، والبغض له أعظم الفسق، ودليل النفاق؟!

فكيف يكون مع هذا مقبول الرواية، محلّ الاطمئنان برواياته؟!

فتدبّـر واعتبـر!!

وأمّا أبو هريرة، فهو أَوْلى بعدم الاعتماد عليه; لكـثرة خرافاته التي لا يقبلهـا عقل عاقل، وظهور كذبه في كـثير ممّا رواه، واتّهام الصحـابـة والتابعين، بل تكذيبهم له أفراداً ونوعاً(2).

أمّا خرافاته وكذباته، فلا يمكن إحصاؤها، ولكـنّـا نذكر منها اليسـير..

فمنها: أخباره السابقة في " مبحث النبوّة "(3)، التي وصم بها جلال الله سـبحانه وشرف أنبـيائه المعصومين.

____________

1- ص 83 و 97 من الجزء الثاني. منـه (قدس سره).

وانظر نحوه في مسـند أحمد 2 / 133 و 154.

وراجـع: ج 4 / 213 ـ 214 و ج 5 / 9 و 270 من هذا الكـتاب!

2- انظر: تأويل مختلف الحديث ـ لابن قتيبة ـ: 22 و 32 ـ 33، وسـيأتي تفصيل ذلك في الصفحة 516 وما بعـدها من هذا الجـزء.

3- راجـع: ج 4 / 60 ـ 63 و 90 و 92 و 99 و 116 ـ 117 و 120 و 159 ـ 170 من هـذا الكـتاب.


الصفحة 508
ومنها: ما سـنذكره من سـبب حفظه العلم(1).

ومنها: ما رواه البخاري، عنه(2)، قال: " سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)يقول: لن يُدخل أحداً عملُـه الجنّـة.

قالوا: ولا أنت يا رسـول الله؟!

قال: [ لا، ] ولا أنا! ".. الحـديث..

فإنّـه مخـالف لقولـه تعـالى: { ادخلـوا الجـنّـةَ بمـا كـنـتم تعملُـون }(3)..

وقوله سبحانه: { ولكلّ درجاتٌ ممّا عملُوا ولِـيُوفّـيهم أعمالَـهُم وهم لا يُظلمون }(4).

.. إلى كـثير من الآيات الكريمة، والسُـنّة المسـتفيضة(5).

____________

1- سـيأتي ذلك عمّا قريب في الصفحة 521.

2- في باب تمنّي المريض الموت من كتاب المرضى [ 7 / 220 ح 34 ]. منـه (قدس سره).

3- سورة النحل 16: 32.

4- سورة الأحقاف 46: 19.

5- أمّـا من الكـتاب العـزيز..

فمثل قوله تعالى: (أُولئك أصحاب الجنّـة خالدين فيها جزاءً بما كانوا يعملون) سورة الأحقاف 46: 14.

وقوله سـبحانه: (وجزاهم بما صبروا جنّـة وحريراً) سورة الإنسان 76: 12.

وقوله عـزّ وجلّ: {إنّ الّذين آمنوا وعملوا الصالحات أُولئك هم خير البريّـة * جزاؤهم عند ربّهم جنّات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً} سورة البيّـنة 98: 7 و 8.

وأمّـا من السُـنّة الشـريفة..

فمثل قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): " من مات يعبد الله مخلصاً من قلبه، أدخله الله الجنّـة وحـرّم عليه النار " انظر: مسـند أبي يعلى 3 / 352 ح 1820.

وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): " من أطاعني دخل الجنّـة، ومن عصاني فقد أبى " انظر: مسـند أحمد 2 / 361.

وعن أبي أيّوب، قال: جاء رجل إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: دلّني على عمل أعمله يدنيني من الجنّـة ويباعدني من النار.

قال: " تعبد الله لا تشرك به شـيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصل ذا رحمـك ".

فلمّا أدبر قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " إنْ تمسّك بما أُمر به دخل الجنّـة " انظر: صحيـح البخاري 2 / 215 ح 151، صحيـح مسـلم 1 / 33، مسـند أحمـد 5 / 417 و 418.