فدخل علينا رجل من المسلمين فقال: قد نزل تحريم الخمر. الحديث. وأبو بكر هذا يقال له: ابن شغوب فظن بعضهم أنه أبو بكر الصديق وليس كذلك ولكن قرينة ذكر عمر تدل على عدم الغلط في وصف الصديق فحصلنا تسمية عشرة. ا ه.
قال الأميني: ترى ابن حجر يتلعثم في ذكر الحديث، فلا يدعه حبه للخليفة أن يقبله، ولا تخليه صحته أن يصفح عنه، فجاء يستغرب أولا ثم يستنكره مع الحكم بنظافة سنده، ويظنه غلطا تارة ويراه محفوظا أخرى، وبالأخير يأخذه صدق النبأ و صحته فيتخلص منه بالحكم بأن المذكور فيه هو أبو بكر الصديق بقرينة عمر، فيعدهما من أحد عشر الذين كانوا يشربون الخمر في دار أبي طلحة.
وابن حجر يعلم بأن ما أخرجه أبو نعيم في الحلية من حديث عايشة لا يقاوم هذا النبأ الثابت المروي بالطرق الصحيحة عن رجال الصحاح، ذكر أبو نعيم حديثه في الحلية.
7 ص 160 من طريق عباد بن زياد الساجي عن ابن عدي عن شعبة عن محمد بن عبد الرحمن أبي الرجال عن أمه عمرة عن عائشة. وقال: غريب من حديث شعبة لم نكتبه إلا من من حديث عباد بن أبي عدي. ا ه. وفيه:
عباد بن زياد الساجي، يتهم بالقدر. قال موسى بن هارون: تركت حديثه، و قال ابن عدي: هو من أهل الكوفة الغالين في التشيع له أحاديث مناكير في الفضائل.
" تهذيب التهذيب 5: 294 ".
وفيه: شعبة عن محمد بن عبد الرحمن أبي الرجال قال الخطيب: هذا وهم شعبة لم يرو عن أبي الرجال شيئا، وكذلك من قال فيه عن شعبة عن محمد بن عبد الرحمن عن أمه عمرة.
" تهذيب التهذيب 9: 295 "
وقال ابن حجر والعيني: وقع عند عبد الرزاق عن معمر بن ثابت وقتادة وغيرهما
____________
(1) هنا ينتهي كلام العيني والبقية كلمة ابن حجر فحسب.
نادي الخمر هذا كان عام الفتح سنة ثمان من الهجرة بالمدينة المشرفة في دار أبي طلحة زيد بن سهل وكانت السقاية لأنس كما في صحيح البخاري كتاب التفسير في سورة المائدة في آية الخمر، وفي صحيح مسلم في كتاب الأشربة باب تحريم الخمر وقال السيوطي في الدر المنثور 2: 321: أخرجه عبد بن حميد. وأبو يعلى. وابن المنذر، وأبو الشيخ. وابن مردويه عن أنس.
وأخرجه أحمد في المسند 3: 181، 227 والطبري في تفسيره 7: 24، والبيهقي في السنن الكبرى 8: 286، 290. وابن كثير في تفسيره 2: 93، 94.
وكان عدة الحضور في ذلك النادي كما مرت عن معمر وقتادة أحد عشر رجلا ذكر منهم ابن حجر في فتح الباري 10: 30 عشرة أنفس وقال كما مر ص 98: فحصلنا تسمية عشرة وهم:
1 - أبو بكر بن أبي قحافة. وكان يوم ذاك ابن ثمان وخمسين سنة.
2 - عمر بن الخطاب. وكان يوم ذاك ابن خمس وأربعين سنة.
3 - أبو عبيدة الجراح. وكان ابن ثمان وأربعين سنة.
4 أبو طلحة زيد بن سهل صاحب النادي، وكان له أربع وأربعون سنة، قال ابن الجوزي في الصفوة 1: 191: توفي سنة أربع وثلاثين وهو ابن سبعين سنة 5 - سهيل بن بيضاء. توفي بعد القضية بسنة وهو كبير السن.
6 - أبي بن كعب.
7 - أبو دجانة سماك بن خرشة.
8 - أبو أيوب الأنصاري.
9 - أبو بكر بن شغوب.
10 - أنس بن مالك ساقي القوم، كان يوم ذاك ابن ثمانية عشر عاما على الأصح وفي صحيحة مسلم في الأشربة في باب تحريم الخمر، والبيهقي في السنن 8: 29 عن أنس أنه قال: إني لقائم أسقيهم وأنا أصغرهم.
____________
(1) فتح الباري 10 ص 30، عمدة القاري 10 ص 84.
وكان معاذ يوم ذاك ابن ثلاث وعشرين سنة إذ توفي سنة 18 وله 33 عاما كما ذكره ابن الجوزي في صفة الصفوة.
وهؤلاء المذكورين من الذين كانوا يشربون الخمر بعد نزول الآيتين فيها بتأويل فيهما كما مر في الجزء السادس 251 ط 2، إلى أن نزل آية المائدة: يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان: إلى قوله تعالى: فهل أنتم منتهون. وكان ذلك في عام الفتح فلما رأوا غضب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلموا من الآية الثلاثة التحذير والوعيد إنتهوا وقال عمر: إنتهينا إنتهينا.
قال الآلوسي في تفسيره 2: 115: شربها كبار الصحابة رضي الله عنهم بعد نزولها " يعني آية الخمر في البقرة " وقالوا: إنما نشرب ما ينفعنا ولم يمتنعوا حتى نزلت آية المائدة. ا ه.
وأخرج ابن أبي حاتم من حديث أنس أنه قال: كنا نشرب الخمر فأنزلت: يسألونك عن الخمر والميسر. الآية. فقلنا: نشرب منها ما ينفعنا. فأنزلت في المائدة: إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس. الآية. فقالوا: أللهم قد انتهينا (1).
وأخرج عبد بن حميد عن عطاء أنه قال: أول ما نزل في تحريم الخمر " يسألونك عن الخمر والميسر " الآية فقال بعض الناس: نشربها لمنافعها التي فيها. وقال آخرون لا خير في شيئ فيه إثم ثم نزل " يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى " الآية، فقال بعض الناس: نشربها ونجلس في بيوتنا. وقال آخرون: لا خير في شيئ يحول بيننا وبين الصلاة مع المسلمين. فنزلت " يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر الآية " فانتهوا. (2)
____________
(1) الدر المنثور 1: 252، تفسير الشوكاني 1: 197.
(2) تفسير الآلوسي 7 ص 17.
م 1 - الأخذ بما أخرجه الطبراني من طريق معاذ بن جبل من أن أول ما نهى عنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين بعث شرب الخمر وملاحاة الرجال (1) فتحريم الخمر كان في أوليات الهجرة إن لم تكن في أوليات البعثة، ويساعده ما صح عنه صلى الله عليه وآله وسلم من أن أعظم الكبائر شرب الخمر (2) ويبرمه النظر في آيات الخمر فالآية الأولى منها من سورة البقرة وهي أول سورة نزلت بالمدينة (3) والآية الثانية في سورة النساء وقد نزلت في أوائل الهجرة (4) ولعل هذا رأي كل من رأى حرمة الخمر بآية البقرة، قالت عائشة: لما نزلت سورة البقرة نزل فيها تحريم الخمر فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك (5) وقد نزلت سورة البقرة بعد زواج عايشة كما مر في الجزء السادس ص 197.
واختار الجصاص حرمة الخمر بآية البقرة كما أسلفنا كلامه في الجزء السادس صفحة 254 ط 2، وقال القرطبي في تفسيره 3: 60: قال قوم من أهل النظر حرمت الخمر بهذه الآية يعني التي في سورة البقرة، وقال الرازي في تفسيره 2: 229: إن هذه الآية " يعني آية البقرة " دالة على تحريم شرب الخمر. وذكر في ص 231 في وجه دلالتها عليه وجوها.
2 رأى البلاذري أنه كان سنة أربع من الهجرة كما في " الامتاع " للمقريزي ص 193، وذكر ابن إسحاق: أنه كان في وقعة بني النضير سنة أربع على الراجح (6) وقال ابن هشام في سيرته 2: 192: نزل ببني النضير وذلك في شهر ربيع الأول - سنة أربع فحاسرهم فيها ست ليال، ونزل تحريم الخمر. وذكره ابن سيد الناس في عيون الأثر 2: 48.
____________
(1) أوائل السيوطي ص 90.
(2) الغدير 6: 257 ط 2.
(3) تفسير القرطبي 1: 132 تفسير ابن كثيرا: 35، تفسير الخازن 1: 19.
(4) راجع ما يأتي في الجزء الثامن صفحة 11 من الطبعة الأولى.
(5) تاريخ الخطيب 8: 358، الدر المنثور 1: 252.
(6) فتح الباري 10: 24، عمدة القاري 10: 82.
3 - جزم الدمياطي على أن تحريم الخمر كان في سنة الحديبية سنة ست كما في فتح الباري 10: 24، وعمدة القاري 10: 82.
4 - حرمتها في سنة الفتح عام ثمان من الهجرة يوم الندوة المذكورة المنعقدة في دار أبي طلحة بآية المائدة التي فيها الارهاب والتحذير، وبها كف عمر ومن كان معه في تلك الندوة عن الشرب وقال: إنتهينا، إنتهينا.
وهذا القول غير مدعوم بحجة، وليس إلا لتصحيح شرب أولئك الرجال من الصحابة وجعله قبل التحريم، فترى مثل ابن حجر لا يحكم به حكما باتا بل يستظهره من حديث أحمد قال في فتح الباري 8: 274: الذي يظهر أن تحريمها كان عام الفتح سنة ثمان لما روى أحمد من طريق عبد الرحمن بن وعلة قال: سألت ابن عباس عن بيع الخمر فقال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم صديق من ثقيف أو من دوس فلقيه بمكة عام الفتح براوية خمر يهديها إليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا فلان! أما علمت أن الله حرمها؟
فأقبل الرجل على غلامه فقال: اذهب فبعها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا فلان! بماذا أمرته؟ قال: أمرته أن يبيعها. قال: إن الذي حرم شربها حرم بيعها. فأمر بها فأفرغت في البطحاء.
وقصارى ما في هذا الحديث أن تحريم الخمر بلغ الرجال في عام الفتح لا أنها حرمت فيه، لأن الرجل كان في منتئ عن مستوى تبليغ الأحكام، متخبطا بين أعراب البوادي، غير عارف حتى بأصول المراودة والتحابب، ويشهد لذلك إهداؤه الخمر لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإنها على فرض عدم حرمتها ليست مما يهدى إلى مثله صلى الله عليه وآله وسلم، لكن الرجل كان من دهماء الناس، وجرى على ما هو المطرد بن الرعرعة والساقة.
الخليفة في الاسلام
وأما هو " أبو بكر " في الاسلام فلم نعهد له نبوغ في علم، أو تقدم في جهاد، أو تبرز في الأخلاق، أو تهالك في العبادة، أو ثبات علي مبدء.
____________
(1) تفسير الشوكاني 2: 71.
وإن تعجب فعجب إعتذار من جنح إليه (3) بأنه كان يلتزم الحايطة في تفسير القرآن، ولذلك تورع عن الافاضة في معنى الأب لكن عرف من عرف أن الحايطة إنما تجب في بيان مغازي القرآن الكريم وتعيين إرادته، وتبيين مجمله، وتأويل متشابهه، وما يجري مجرى ذلك مما يحظر في الدين التسرع إليه من دون تثبت وتوقيف، وأما معاني ألفاظه العربية للعريق في لغة الضاد فأي حائطة تضرب على يده عن أن يفهمها و هو يعرفها بطبعه وجبلته.
وهب أن الرجل لم يحط خبرا بلغة قومه فهلا تروى في الذكر الحكيم في ذيل الآية الكريمة من قوله سبحانه: متاعا لكم ولأنعامكم. بيانا للفاكهة والأب؟ ليعلم أنه سبحانه وتعالى امتن على الناس بالفاكهة ليأكلوها، وبالأب لترعاه أنعامهم، فتلك فاكهة، وهذا العشب. أخرج أبو القاسم البغوي عن ابن أبي مليكه قال: سئل أبو بكر عن آية فقال: أي أرض تسعني؟ أو أي سماء تظلني؟ إذا قلت في كتاب الله ما لم يرد الله؟
وأخرج أبو عبيدة عن إبراهيم التيمي قال: سئل أبو بكر عن قوله تعالى
____________
(1) في قوله تعالى في سورة عبس: فأنبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا وفاكهة وأبا.
(2) أما ما زعمه ابن حجر في فتح الباري من أن الكلمة من الدخيل ولذلك لم يعرفها الخليفتان فقد مر الجواب عنه في الجزء السادس ص 100 ط 2.
(3) نظراء القرطبي والسيوطي.
وفي لفظ القرطبي: أي سماء تظلني؟ وأي أرض تقلني، وأين أذهب؟ وكيف أصنع؟ إذا قلت في حرف من كتاب الله بغير ما أراد تبارك وتعالى.
ذكره القرطبي في تفسيره 1 ص 29، ابن تيمية في مقدمة أصول التفسير ص 30، الزمخشري في الكشاف 3 ص 253، ابن كثير في تفسيره 1 ص 5 وصححه في ص 6، ابن القيم في أعلام الموقعين ص 29 وصححه، الخازن في تفسيره 4 ص 374، النسفي في تفسيره هامش الرازي 8 ص 389، السيوطي في الدر المنثور 6 ص 317 نقلا عن أبي عبيد في فضائله وعبد بن حميد، ابن حجر في فتح الباري 13 ص 230 وأو عز إليه ابن جزي الكلبي في تفسيره 4 ص 180.
الكلالة
وتجد الخليفة على شاكلة صنوه في عدم العلم بالكلالة النازلة في آية الصيف آخر سورة النساء: يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك. لآية.
أخرج أئمة الحديث بإسناد صحيح رجاله ثقات عن الشعبي قال: سئل أبو بكر رضي الله عنه عن الكلالة؟ فقال: إني سأقول فيها برأيي فإن يك صوابا فمن الله وإن يك خطأ فمني ومن الشيطان، والله ورسوله بريئان منه، أراه ما خلا الولد والوالد، فلما استخلف عمر رضي الله عنه قال: إني لأستحيي الله أن أرد شيئا قاله أبو بكر.
أخرجه سعد بن منصور، عبد الرزاق، ابن أبي شيبة، الدارمي في سننه 2 ص 365، وابن جرير الطبري في تفسيره 6 ص 30 ابن المنذر، البيهقي في السنن الكبرى 6 ص 223، وحكى عنهم السيوطي في الجامع الكبير كما في ترتيبه 6 ص 20، وذكره ابن كثير في تفسيره 1 ص 260، والخازن في تفسيره 1 ص 367، وابن القيم في أعلام الموقعين ص 29.
قال الأميني: هذا رأيه الثاني وكان أو لا يرى أن الكلالة من لا ولد له خاصة،
هذا القول كان من عمر لما طعن بعد قوله لما استخلف: إني لأستحيي أن أخالف فيه أبا بكر كما مر وبعد قوله: أتى علي زمان لا أدري ما الكلالة وإذا الكلالة من لا أب له ولا ولد (4) وبعده هذه كلها قال ما قال وهو على ما يقول بصير.
أنا لا أدري أين ولت تلك الحائطة التي التزمها الخليفة الأول في معنى الأب لتلك الحدة والشدة؟ وأي سماء أظلته؟ وأي أرض أقلته؟ وأين ذهب؟ وكيف صنع لما قال في دين الله برأي لا يعرف غيه من رشده، ولا يعلمه أمن الله أم منه ومن الشيطان؟ وكيف خفيت عليه آية الصيف؟ وقد رأى النبي صلى الله عليه وآله فيها الكفاية في عرفان الكلالة كما مر ج 6: 127 ط 2، وكيف عزب عنه قوله تعالى: فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون؟ ولم لم يسأل ولم يتعلم ولم يعبأ بأهل الذكر وهو يعرفه لا محالة؟
فكأن الأحكام ليست بتوقيفية، وكأنها منوطة بالحظ والنصيب ولكل إنسان ما رأى، ولو صدقت هذه الأحلام فيسع لكل امرء أن يفتي برأيه فيما يسأل عنه من الكتاب والسنة ويقول: إن كان صوابا فمن الله، وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان.
نعم هذا الافتاء بالرأي يفتقر إلى جرأة على الله وعلى رسوله، وتلك لا تتأتى لأي أحد فتخص لا محالة بجماعة دون أخرى، وكأن هذا هو معنى الاجتهاد عند القوم لا استنباط الأحكام من أدلتها التفصيلية من الكتاب والسنة. ومن هنا يرون نظراء
____________
(1) تفسير القرطبي 5 ص 77.
(2) تفسير ابن كثير 1 ص 595.
(3) المستدرك للحاكم 2 ص 304 وصححه السنن الكبرى للبيهقي 6 ص 225 تلخيص - المستدرك للذهبي وأقر تصحيح الحاكم، تفسير ابن كثير 1 ص 595 وذكر تصحيح الحاكم وأقره.
(4) السنن الكبرى 6 ص 224
وأبي الغادية قاتل الصحابي العظيم عمار بن ياسر سلام الله عليه (2).
ومعاوية بن أبي سفيان قاتل آلاف من الأبرياء والأزكياء (3).
وعمرو بن النابغة، العاصي ابن العاصي (4).
وخالد بن الوليد قاتل مالك ظلما والزاني بامرأته (5).
وطلحة والزبير (6) الخارجين على الإمام الحق الثابت إمامته بالنص والاختيار.
م - ويزيد الخمور والفجور صاحب الطامات والصحائف السوداء ]. (7) مجتهدين في دين الله متأولين في تلكم الآراء الشاذة عن حكم الاسلام وشرعة الحق، مأجورين في تلك المظالم العادية. وقال ابن حجر في الإصابة 4 ص 151: والظن بالصحابة في تلك الحروب أنهم كانوا فيها متأولين وللمجتهد المخطئ أجر، وإذا ثبت هذا في حق آحاد الناس فثبوته للصحابة بالطريق الأولى. ا ه.
مرحبا مرحبا بهذا الدين، وبخ وبخ ما أكثر المجتهدين من أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، حتى أصبحت غوغاء الشام، وطغام الأمة، وحثالة الأعراب، وأجلاف الأحزاب، و أبناء الطلقاء مجتهدين متأولين.
وزه زه بأولئك المتحلين بابراد الاجتهاد جراثيم الفساد، قتلة صفوة الأبرار المهاجمين على ناموس الاسلام وقدس صاحب الرسالة، الخارجين عن طوع الكتاب والسنة، الفئة الباغية الطاغية، المدربين بالشر والفساد وبغض العترة الطاهرة تحت راية الطليق ابن الطليق اللعين ابن اللعين بلسان النبي الأعظم (8) صدق رسول الله
____________
(1) راجع الجزء الأول من كتابنا هذا ص 323 ط 2.
(2) راجع الجزء الأول من الكتاب ص 328 ط 2.
(3) الفصل لابن حزم 4 ص 89، تاريخ ابن كثير 7: 279.
(4) تاريخ ابن كثير 7 ص 283.
(5) تأريخ ابن كثير 6 ص 223، روضة المناظر لابن شحنة هامش الكامل 7 ص 167، وسيأتي تفصيله.
(6) التمهيد للباقلاني ص 232.
(7) تاريخ ابن كثير 8: 223.
(8) راجع الجزء الثالث من الكتاب ص 251، 252 ط 2.
وحسب الاسلام عارا وشنارا أولئك الأعلام أصحاب هذه الآراء المضلة والأقلام المسمومة التي تنزه ساحة المجرمين عن دنس الفجور والنفاق، وتجعل المحسن والمسيئ والمبطل والمحق، والطيب والخبيث، عكمي بعير، وتضل الأمة عن رشدها بأمثال هذه الكلم التافهة، والدعاوي الفارغة، والآراء الساقطة وتصغر في عين المجتمع الديني تلكم الجنايات العظيمة على الله وعلى رسوله وكتابه وسنته وخليفته وعترته و مواليهم. كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا. فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره.
وأول من فتح باب التأويل والاجتهاد، وقدس ساحة المجرمين بذينك، وحابى رجال الجرايم والمعرات بهما هو الخليفة الأول، فقد نزه بهذا العذر المفتعل ذيل خالد ابن الوليد عن دنس آثامه الخطيرة ودرأ عنه الحد بذلك كما سنوقفك على تفصيله إنشاء الله تعالى.
هذا نموذج من تقدم الخليفة في علم التفسير على قلة ما روي عنه في ذلك قال الحافظ جلال الدين السيوطي في " الاتقان " 2 ص 328.
إشتهر بالتفسير من الصحابة عشرة: الخلفاء الأربعة. وابن مسعود. وابن عباس.
وأبي بن كعب. وزيد بن ثابت. وأبو موسى الأشعري. وعبد الله بن الزبير. أما الخلفاء فأكثر من روي عنه منهم علي بن أبي طالب، والرواية عن الثلاثة نزرة جدا، وكان السبب في ذلك تقدم وفاتهم كما أن هو السبب في قلة رواية أبي بكر رضي الله عنه للحديث، و لا أحفظ عن أبي بكر رضي الله عنه في التفسير إلا آثارا قليلة جدا لا تكاد تجاوز العشرة.
وأما علي فروي عنه الكثير، وقد روى معمر عن وهب بن عبد الله عن أبي الطفيل: شهدت عليا يخطب وهو يقول: سلوني فوالله لا تسألون عن شئ إلا أخبرتكم، و سلوني عن كتاب الله، فوالله ما من آية إلا وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار، أم في سهل أم في جبل.
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن ابن مسعود قال: إن القرآن أنزل على سبعة أحرف
____________
(1) كنز العمال 5 ص 212.
وأخرج أيضا من طريق أبي بكر بن عياش عن نصير بن سليمان الأحمسي عن أبيه عن علي قال: والله ما نزلت آية إلا وقد علمت فيم أنزلت وأين أنزلت إن ربي وهب لي قلبا عقولا ولسانا سؤولا. ا ه.
قال الأميني: ما هذا التهافت في كلام السيوطي هذا؟ ألا مسائل الرجل عن أن الذي لم يجد له هو نفسه وهو ذلك المتتبع الضليع عشرة أحاديث في علم التفسير كيف عده ممن اشتهر بالتفسير من الصحابة؟ نعم راقه أن لا يفرق بينه وبين مولانا أمير المؤمنين وقد روى فيه ما روى ذاهلا عن قوله تعالى، هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون.
تقدم الخليفة في السنة
أما تقدمه في السنة فكل ما أثبته عنه إمام الحنابلة أحمد في المسند 1 ص 2 - 14 ثمانون حديثا، ويربو المتكرر منها على العشرين، فلم يصف منها إلا ما يقرب الستين حديثا وقد التقط ما في مسنده من أكثر من سبعمائة وخمسين ألف حديث، وكان يحفظ ألف ألف حديث (1).
وجمع ابن كثير بعد جهود جبارة أحاديثه في اثنين وسبعين حديثا وسمى مجموعه:
مسند الصديق (2).
واستدرك ما جمعه ابن كثير جلال الدين السيوطي بعد تصعيد وتصويب ومع تضلع وإحاطة بالحديث، فأنهى أحاديثه إلى مائة وأربعة، وذكرها برمتها في تاريخ الخلفاء ص 59 - 64.
وقد يروى أن له مائة واثنان وأربعون حديثا اتفق الشيخان على ستة أحاديث منها. وانفرد البخاري بأحد عشر، ومسلم بواحد (3).
وفي وسع الباحث المناقشة في غير واحد من تلك الأحاديث سندا أو متنا، فإن
____________
(1) طبقات الحفاظ للذهبي 2 ص 17، ترجمة أحمد في آخر الجزء الأول من مسنده.
(2) تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 64.
(3) شرح رياض الصالحين للصديقي 2: 23.
وقوله: شاور رسول الله في أمر الحرب.
وقوله: إن رسول الله صلى الله عليه وآله أهدى جملا لأبي جهل.
ومنها ما هو محكوم عليه بالوضع، أو يخالف الكتاب والسنة، ويكذبه العقل والمنطق والطبيعة مثل قوله:
1 - لو لم أبعث فيكم لبعث عمر.
2 - وقوله: ما طلعت الشمس على رجل خير من عمر.
3 - وقوله: إن الميت ينضح عليه الحميم ببكاء الحي.
4 - وقوله: إنما حر جهنم على أمتي مثل الحمام، أما الأول فله عدة طرق لا يصح شئ منها. الطريق الأول لابن عدي وفي إسناده:
1 - زكريا بن يحيى الوكار، أحد الكذابين الكبار مرت ترجمته في سلسلة الكذابين في الجزء الخامس ص 230 ط 2.
2 - بشر بن بكر. قال الأزدي منكر الحديث ولا يعرف، لسان الميزان 2 ص 20 3 - أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم الغساني. قال أحمد: ضعيف كان عيسى بن يونس لا يرضاه وعن أبي داود عن أحمد: إنه ليس بشئ وقال أبو حاتم: سألت ابن معين عنه فضعفه. وقال أبو زرعة: ضعيف منكر الحديث. وقال أبو حاتم:
ضعيف الحديث طرقه لصوص فأخذوا متاعه فاختلط (1) وقال الجوزقاني: ليس بالقوي.
وقال النسائي: ضعيف وقال أبو سعد: كان كثير الحديث ضعيفا. وقال الدار قطني:
متروك (2).
الطريق الثاني لابن عدي أيضا وفي إسناده:
1 - مصعب بن سعيد أبو خيثمة المصيصي. قال ابن عدي: يحدث عن الثقات
____________
(1) قال الأميني: لو لم يكن لاختلاط الرجل آية غير حديثه هذا لكفى وحسبه.
(2) تهذيب التهذيب 12 ص 29.
2 - عبد الله بن واقد. قال ابن عدي والجوزقاني والنسائي: متروك الحديث و قال غيرهما: ليس بشئ. وقال الأزدي: عنده مناكير. وقال أحمد: أظنه كان يدلس. وقال أبو زرعة: ضعيف الحديث لا يحدث عنه. وقال البخاري: تركوه منكر الحديث: وقال ابن حبان: وقع المناكير في حديثه فلا يجوز الاحتجاج بخبره. وقال صالح جزرة: ضعيف مهين. وقال أبو أحمد الحاكم: حديثه ليس بالقائم (2).
3 - مشرح بن عاهان. قال ابن عدي وابن حبان: لا يحتج به. وقال غيرهما:
يروي عن عقبة مناكير لا يتابع عليهما. وقال آخرون: الصواب ترك ما انفرد به (3) أورده بهذين الطريقين ابن الجوزي في الموضوعات فقال: هذان حديثان لا يصحان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما الأول، فإن زكريا بن يحيى كان من الكذابين.
قال ابن عدي، كان يضع الحديث. وأما الثاني: فقال أحمد ويحيى: عبد الله بن واقد ليس بشئ. وقال النسائي: متروك: وقال ابن حبان: انقلبت على مشرح صحائفه فبطل الاحتجاج به. ا ه.
الطريق الثالث لأبي العباس الزوزني في كتاب شجرة العقل بلفظ: لو لم أبعث لبعثت يا عمر!. وفي إسناده:
1 - عبد الله بن واقد. وقد مر في الطريق الثاني.
2 - راشد بن سعد بن الحمصي، ذكر الحاكم أن الدار قطني ضعفه، وكذا ضعفه ابن حزم، وذكر البخاري أنه شهد صفين مع معاوية (4) فالرجل من الفئة الباغية بنص من النبي الأعظم، وذكره الصغاني فقال: موضوع. كما في كشف
____________
(1) ميزان الاعتدال 3: 173، لسان الميزان 6: 44.
(2) تهذيب التهذيب 6 ص 66، ميزان الاعتدال 2 ص 84، لسان الميزان 3 ص 374.
اللئالي المصنوعة 1 ص 302.
(3) اللئالي المصنوعة 1: 302، ميزان الاعتدال 3: 172.
(4) تهذيب التهذيب 3 ص 226.
في إسناده إسحاق بن نجيح الملطي أبو صالح الأزدي. قال أحمد: من أكذب الناس. وقال ابن معين: كذاب عدو الله رجل سوء خبيث. كان ببغداد قوم يضعون الحديث منهم إسحاق الملطي. وقال ابن أبي مريم عنه: من المعروفين بالكذب ووضع الحديث. وقال علي بن المديني: ليس بشئ وضعفه، روى عجائب. وقال عمر بن علي:
كذاب كان يضع الحديث. وقال الجوزقاني: غير ثقة ولا من أوعية الأمانة. وقال:
كذاب وضاع لا يجوز قبول خبره ولا الاحتجاج بحديثه ويجب بيان أمره. وقال الجهضمي والبخاري: منكر الحديث. وقال السنائي: كذاب متروك الحديث. وقال:
ابن عدي: أحاديثه موضوعات وضعها هو وعامة ما أتى عن ابن جريج بكل منكر ووضعه عليه، وهو بين الأمر في الضعفاء، وهو ممن يضع الحديث. وقال ابن حبان: دجال من الدجاجلة يضع الحديث صراحا. وقال البرقي: نسب إلى الكذب. وقال أبو سعيد النقاش: مشهور بوضع الحديث. وقال: وقال ابن طاهر: دجال كذاب. وقال ابن الجوزي: أجمعوا على أنه كان يضع الحديث (1).
قال الديلمي بعد ذكر الحديث بالطريق المذكور: وتابعه راشد بن سعد عن المقدام بن معدي كرب عن أبي بكر الصديق والله أعلم.
قال الأميني: عرفت في الطريق الثالث ضعف راشد، وإنما الصغاني حكم على حديثه هذا بالوضع، وأقره العجلوني وزيفه في كشف الخفاء 2 ص 154، 163 وذكره السيوطي في اللئالي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة 1 ص 302 غير أنه عده بهذا الطريق الوعر في تاريخ الخلفاء عن أحاديث أبي بكر، ولا تخفى عليه تراجم هؤلاء الرجال أمثال إسحاق الملطي، نعم راقه أن يكثر عدد أحاديث الخليفة ولو بمثل هذا وقد حذف الأسانيد منها حتى لا يقف القارئ على ما فيها من الوضع والاختلاق والله من ورائه حسيب.
____________
(1) مرت المصادر في الجزء الخامس ص 218 ط 2.
أما الحديث الثاني:
فأخرجه الحاكم في المستدرك 3 ص 90 بإسناده عن عبد الله بن داود الواسطي التمار عن عبد الرحمن ابن أخي محمد بن المنكدر عن جابر رضي الله عنه قال: قال عمر بن الخطاب ذات يوم لأبي بكر الصديق رضي الله عنهما: يا خير الناس بعد رسول الله!
فقال أبو بكر: أما إنك إن قلت ذلك سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما طلعت الشمس على رجل خير من عمر.
عقبه الذهبي في تلخيص المستدرك فقال: قلت عبد الله ضعفوه، وعبد الرحمن متكلم فيه، والحديث شبه موضوع. وقال في ميزان الاعتدال 2 ص 123: رواه عبد الله ابن داود التمار وهو هالك، عن عبد الرحمن بن أخي محمد المنكدر لا يكاد يعرف، ولا يتابع على حديثه، وقال الترمذي: ليس إسناده بذلك.
قال الأميني: أما عبد الله بن داود التمار فقال البخاري: فيه نظر. وقال أبو حاتم ليس بقوي، في حديثه مناكير، وقال الحاكم أبو أحمد: ليس بالمتين عندهم، وقال النسائي: ضعيف. وقال ابن حبان: منكر الحديث جدا يروي المناكير عن المشاهير لا يجوز الاحتجاج بروايته. وقال الدارقطني: ضعيف (1).
وأما عبد الرحمن فقال يحيى بن معين: ما أعرف عبد الرحمن فقرأه إبراهيم بن الجنيد الحديث فقال يحيي: ما أعرف عبد الرحمن. وأنكر الحديث ولم يعرفه (2).
جاء العلامة الحريفيش في القرن الثامن وأتى في كتابه الروض الفائق ص 388.
بحديث مختلق في فضيلة مولانا أمير المؤمنين وأبي بكر وجعل هذه الرواية في فضل أبي بكر عن لسان علي عليه السلام قال روى أبو هريرة: أن أبا بكر الصديق وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما قدما يوما إلى حجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال علي لأبي بكر رضي الله عنهما: تقدم فكن أول قارع يقرع الباب وألح عليه، فقال أبو بكر: تقدم أنت يا علي فقال علي: ما كنت بالذي يتقدم على رجل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في حقه: ما طلعت الشمس ولا غربت من بعدي على رجل أفضل من أبي بكر
____________
(1) تهذيب التهذيب 4 ص 200.