الصفحة 211
سندها كفاية، وحسبنا في كعب ما أخرجه البخاري من حديث الزهري عن حميد بن عبد الرحمن أنه سمع معاوية يحدث رهطا من قريش بالمدينة وذكر كعب الأحبار فقال: إن كان لمن أصدق هؤلاء المحدثين الذين يحدثون عن أهل الكتاب وإن كنا مع ذلك لنبلوا عليه الكذب (1).

م - وقال ابن أبي الحديد في شرحه 1 ص 362: روى جماعة من أهل السير: أن عليا كان يقول في كعب الأحبار: إنه الكذاب وكان كعب منحرفا عن علي عليه السلام.

وأخرج ابن أبي خيثمة بإسناد حسنه ابن حجر عن قتادة قال: بلغ حذيفة أن كعبا يقول: إن السماء تدور على قطب كالرحى. فقال: كذب كعب إن الله يقول: إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا ] (2).

على أن كعبا لو كان يصدق نفسه فيما أخبره من الإرهاصات والبشائر لما كان يبقى على دين اليهود طيلة حياة النبي صلى الله عليه وآله وما كان يأخر إسلامه إلى عهد عمر بن الخطاب، م - ولما كان يتعلل عندما سئل عما منعه عن إسلامه في العهد النبوي بقوله: إن أبي كان كتب لي كتابا من التوراة فقال: اعمل بهذا. وختم على ساير كتبه وأخذ علي بحق الوالد علي الولد أن لا أفض الختم عنها، فلما رأيت ظهور الاسلام قلت: لعل أبي غيب عني علما ففتحتها فإذا صفة محمد وأمته فجئت الآن مسلما ] (3) وكان له يوم توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اثنان وثمانون عاما (4) وأثر الكذب لايح في جل ما جاء به كعب وحسبه ما أخرجه ابن عساكر في تاريخه 5 ص 260 من حديث ذي قربات الذي حكم الحفاظ بعدم صحته، وما جاء به السيوطي في الخصايص الكبرى 1: 31 من حديث إخباره عمر وعثمان: بأنهما مذكوران بالخلافة في التوراة، وفيها أن عثمان يقتل مظلوما، ومع هذه كلها لم يعلم صدور هذه البشارة منه في أيام إسلامه ولعله كان قبله فلا يقبل قوله لا يصدق في حديثه.

على أن الأحلام إن صحت وصدقت فلم لم يحدث أبو بكر أحدا من الصحابة

____________

(1) تهذيب التهذيب 8 ص 439، الإصابة 3 ص 316.

(2) الإصابة: 3: 316.

(3) الإصابة 3: 316.

(4) راجع الإصابة، أسد الغابة، تهذيب التهذيب.

الصفحة 212
بما أخبره " بحيرا " من البشارة في نفسه من أنه يكون وزيرا وخليفة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى يدور حديثه في دور النبي صلى الله عليه وآله على ألسنتهم، وتخبت إليه أفؤدتهم، وتزهر بمذاكرته أنديتهم؟ أوانه حدث بها لكن الصحابة ضربوا عنها صفحا فلم تنه إلى المحدثين، ولا انتهت إلى أحد من أرباب الصحاح والمسانيد حتى انتهت النوبة إلى الغلاة في الفضائل من المتأخرين فأرسلوها إرسال المسلم تجاه الحقائق الراهنة.

ولو كان أبو بكر أول من أسلم بتلكم التقاريب فأين كان هو إلى منتهى سبع سنين من البعثة التي يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيها: لقد صلت الملائكة علي وعلى علي سبع سنين لأنا كنا نصلي وليس معنا أحد يصلي غيرنا؟ (1).

وفي أولية أمير المؤمنين في الاسلام أحاديث صحيحة عنه صلى الله عليه وآله وعن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام قدمناها في الجزء الثالث، وأسلفنا هناك ما يربو على ستين حديثا من الصحابة والتابعين في أن عليا أول الناس إسلاما وأول من صلى وآمن من ذكر. و قد مرت هناك صحيحة الطبري أن أبا بكر أسلم بعد أكثر من خمسين رجلا، ولو كان أبو بكر أول من أسلم وقد آمن به صلى الله عليه وآله قبل ولادة علي عليه السلام فأين كان هو يوم قال العباس لعبد الله بن مسعود: ما على وجه الأرض أحد يعبد الله بهذا الدين إلا هؤلاء الثلاثة: محمد وعلي وخديجة؟ (تاريخ ابن عساكر 1: 318).

فلا يحق آنئذ لأي مغال في الفضائل أن يدع تلكم الصحاح عن النبي الأعظم و وصيه الأقدس والصحابة الأولين والتابعين لهم بإحسان، ويأخذ تجاهها برواية كعب، و إن هو إلا كعب ليس إلا، ولا يثبت الحق بالكعاب. ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب، ولا تتبع أهوائهم واحذرهم أن يفتنوك.

- 13 -
أبو بكر أسن أصحاب النبي

أخرج ابن سعد والبزار بسند حسن عن أنس قال: كان أسن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله أبو بكر الصديق وسهيل بن عمرو بن بيضاء.

وأخرجه أبو عمر في الاستيعاب 1 ص 576، وابن الأثير في أسد الغابة 2 ص 370.

____________

(1) راجع الجزء الثالث من كتابنا هذا ص 220 - 224 ط 2.

الصفحة 213
وذكره الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد 9 ص 60 فقال: رواه البزار وإسناده حسن، و رواه ابن حجر في الإصابة 2 ص 85. وفيه: سهل بدل سهيل وهو أخوه. أو هو هو. والسيوطي في تاريخ الخلفاء ص 73 نقلا عن ابن سعد والبزار.

قال الأميني: كنا نعتقد أن المغالاة يمكن أن تقع في النفسيات التي لا تدرك بالحواس الظاهرة كالعلم والتقوى وأمثالهما، وأما الغلو في المشهودات فلم يدع المنطق له مساغا فسرعان ما يظهر فيه كذب الغالي، ويفتضح به المائن حتى أوقفنا السير على أمثال هذه الأقاويل، فرأينا الرجل يقول بملأ فيه: إن أبا بكر أسن أصحاب النبي صلى الله عليه وآله و هو يجد في معاجم الصحابة كثيرين هم أسن منه بكثير وإليك أسماء أمة منهم:

1 - أماناة بن قيس بن شيبان الكندي. أسلم وقد عاش دهرا، ويقال: أنه عاش ثلاثمائة وعشرين سنة كما في الإصابة 1: 63.

2 - أمد بن أبد الحضرمي. أدرك هاشم بن عبد مناف وأمية بن عبد شمس و يقال: إنه كان في عهد معاوية له ثلاثمائة سنة. صب 1: 63.

3 - أنس بن مدرك أبو سفيان الخثعمي. قتل مع علي كان سيد خثعم في الجاهلية عاش مائة وأربعا وخمسين سنة. صب 1: 73.

4 - أوس بن حارثة الطائي والد خرام صاحب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم عاش مائتي سنة، وأكثر هذه المدة من أيام الجاهلية. صب 1: 82.

5 - ثور - ثوب - بن تلدة. أنشد له الكلبي:

وإن امرأ قد عاش تسعين حجة * إلى مائتين كلما هو ذاهب

قال: ولا أدري ما عاش بعد ما أنشد هذا لمعاوية. وقد يقال. إنه كان له يوم بدر عشرون ومائة عاما. صب 1: 205.

6 - الجعد بن قيس المرادي. أسلم، وكان قد بلغ مائة سنة. صب 1: 235.

7 - حسان بن ثابت الأنصاري. عاش في الجاهلية ستين وفي الاسلام ستين عاما. صب 1: 326.

8 - حكيم بن حرام الأسدي ابن أخي خديجة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولد قبل عام الفيل بثلاثة وعشرين سنة، وتوفي وهو ابن عشرين ومائة سنة. صب 1: 349.


الصفحة 214
9 - حمزة بن عبد المطلب عم النبي الأعظم ولد قبله صلى الله عليه وآله بسنتين أو بأربع صب 1: 353.

10 - حنيفة بن جبير بن بكر التميمي. أدرك أحفاده النبي صلى الله عليه وآله ولهم صحبة وكانوا يوم ذاك ذا لحى كما في الإصابة 1: 359.

11 - حويطب بن عبد العزى بن أبي قيس العامري المتوفى سنة 54 له مائة و عشرين عاما. صب 1: 364.

12 - حيدة بن معاوية العامري. مات وهو عم ألف رجل وامرأة وأدرك عبد المطلب بن هاشم جد النبي صلى الله عليه وآله وكان بالغا مبلغ الرجال. صب 1: 365.

13 - خنابة بن كعب العبسي. كان له على عهد معاوية بن أبي سفيان مائة و أربعون سنة وله قوله في الإصابة 1: 463:

حويت من الغايات تسعين حجة * وخمسين حتى قيل: أنت المقزع

14 - خويلد بن مرة الهذلي أبو خراش، أدرك الاسلام شيخا كبيرا. صب 1: 465.

15 - ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم أبو أروى الهاشمي. كان أسن من عمه العباس الآتي ذكره. صب 1: 506.

16 - سعيد بن يربوع القرشي المخزومي المتوفى 54 وله 120 / 24 عاما. صب 2: 52.

17 - سلمة السلمي، أقبل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأسلم وهو شيخ كبير

18 - سلمان أبو عبد الله الفارسي مات سنة 32 / 3 / 6 روى أبو الشيخ عن العباس بن يزيد أنه قال: أهل العلم يقولون: عاش سلمان ثلثمائة وخمسين سنة، فأما مائتان وخمسون فلا يشكون فيها. صب 2: 62.

19 - أبو سفيان القرشي الأموي. كان أسن من أبي بكر بإثني عشر عاما وعدة أشهر. صب 2: 179.

20 - صرمة بن أنس أبو قيس الأوسي. أدرك الاسلام فأسلم وهو شيخ كبير عاش نحوا من مائة وعشرين عاما وهو القائل كما في الإصابة 2: 183.

بدا لي أني عشت تسعين حجة * وعشرا وما بعدها لي ثمانيا


الصفحة 215

فلم ألفها لما مضت وعدتها * يحسبها في الدهر إلا لياليا

21 - صرمة بن مالك الأنصاري، أدرك الاسلام فأسلم وهو شيخ كبير. صب 2: 183.

22 - طارق بن المرقع الكناني، كان في حجة الوداع شيخا كبيرا. 2: 221.

23 - الطفيل بن زيد الحارثي، هو الذي أخبر عمر بأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الجاهلية، وكان يوم ذاك قد أتت عليه مائة وستون سنة. صب 2: 224.

24 - عاصم بن عدي العجلاني توفي سنة خمس وأربعين وله مائة وعشرون سنة. صب 2: 246.

25 - العباس بن عبد المطلب عن النبي الأعظم، ولد قبل رسول الله بسنتين أو ثلاث صب 2: 271.

26 - عبد الله بن الحارث بن أمية، أدرك الاسلام وهو شيخ كبير.

صب 2: 291

27 - عدي بن حاتم الطائي، مات بعد الستين وبلغ مائة وثمانين كما قاله أبو حاتم السجستاني، أو مائة وعشرين كما في قول خليفة. صب 2: 468.

28 - عدي بن وداع الدوسي، من رجال الجاهلية أدرك الاسلام فأسلم وغزا وتوفي وله ثلاثمائة سنة. صب 2: 472.

29 - عمرو بن المسبح (1) الطائي، مات وله مائة وخمسون عاما. قال ابن قتيبة:

لست أدري أقبض قبل وفاة النبي أم بعده. صب 3: 16.

30 - فضالة بن زيد العدواني، سأله معاوية: كم أتت لك يا فضالة؟ قال: عشرون ومائة سنة. صب 3: 214.

31 - قباث بن أشيم، سأله عثمان بن عفان: أنت أكبر أم رسول الله؟ فقال رسول الله أكبر مني وأنا أسن منه. صب 3: 221.

32 - قردة بن نفاثة السلولي، أدرك الاسلام وهو شيخ كبير وعاش ومائة وخمسين

____________

(1) بضم الميم وفتح المهملة وتشديد الموحدة كما في الإصابة 3: 16، وفي المعارف لابن قتيبة 136: المسيح.

الصفحة 216
سنة وله كما في الإصابة 3: 231 من أبيات:

بان الشباب فلم أحفل به بالا * وأقبل الشيب والاسلام إقبالا

33 - لبيد بن ربيعة بن عامر الكلابي الجعفري، توفي سنة 41 وهو ابن مائة و أربعين أو مائة وسبع وخمسين سنة أو مائة وستين سنة. صب 3: 326.

34 - اللجاج الغطفاني، وفد إلى النبي صلى الله عليه وآله وهو ابن سبعين وعاش ومائة وعشرين سنة. صب 3: 328.

35 - المستوعز بن ربيعة بن كعب، كان من فرسان العرب في الجاهلية عاش إلى أيام معاوية وكان له 320 / 30 سنة. صب 3: 492.

36 - معاوية بن ثور البكائي، أسلم بيد النبي وهو شيخ كبير صب 1: 156.

وفي بعض المعاجم كان ابن مائة سنة.

37 - منقذ بن عمرو الأنصاري، كان قد أتى عليه مائة وثلاثون في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله كما في أسد الغابة.

38 - النابغة الجعدي، عاش في الجاهلية مائتي سنة، ومات وهو ابن 225 / 30.

عاما وهو القائل كما في الإصابة 3: 538:

ألا زعمت بنو أسد بأني * أبو ولد كبير السن فاني؟
فمن يك سائلا عني؟ فإني * من الفتيان أيام الختان
أتت مائة لعام ولدت فيه * وعشر بعد ذاك وحجتان
وقد أبقت صروف الدهر مني * كما أبقت من السيف اليماني

وقال أبو حاتم: عاش مائتي سنة وهو القائل:

قال: أمامة كم عمرت زمانه * وذبحت من عنز على الأوثان؟
ولقد شهدت عكاظ قبل محلها * فيها وكنت أعد من الفتيان
والمنذر بن محرق في ملكه * وشهدت يوم هجائن النعمان
وعمرت حتى جاء أحمد بالهدى * وقوارع تتلى من القرآن
ولبست في الاسلام ثوبا واسعا * من سيب لا حرم ولا منان

39 - نوفل بن الحرث بن عبد المطلب الهاشمي ابن عم النبي الطاهر. كان أسن من

الصفحة 217
أسلم من بني هاشم حتى من عميه حمزة والعباس المذكورين صب 3: 577.

40 - نوفل بن معاوية بن عروة الدئلي، كان ممن عاش في الجاهلية ستين وفي الاسلام ستين سنة. صب 3: 578.

وقبل هؤلاء كلهم أبو قحافة والد الخليفة فإنه كان أبكر سنا من الخليفة لا محالة إن لم تصغره المعاجز من ابنه كما صغرت رسول الله صلى الله عليه وآله وجعله غلاما وشابا لا يعرف بين يدي أبي بكر وهو أكر منه.

راجع في تراجم هؤلاء المذكورين المعارف لابن قتيبة، معجم الشعراء للمرزباني، الاستيعاب لأبي عمر، أسد الغابة لابن الأثير، تاريخ ابن كثير، الإصابة لابن حجر، مرآة الجنان لليافعي، شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي. ونحن اقتصرنا منها بذكر الإصابة مرموزا ب‍ (صب) روما للاختصار.

هؤلاء جملة ممن وقفنا على أسمائهم ممن أربوا على أبي بكر في السن من الصحابة الأولين، وهب أنا غضضنا الطرف عن كل ذلك فهلا نسائل القوم عن وجه الفضيلة في كبر السن؟ أو ليس في الأمم والأجيال من طعنوا في السن فبلغوا من العمر عتيا، وفيهم الحالي بالفضائل والعاطل عنها، وإذا مدح أحدهم فإنها يمدح بمآثره لا بطول عمره، ومهما طال عمر الخليفة فإن أكثره انقضى في الجاهلية، بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم و للخليفة ثمان وثلاثون سنة وقد مر في الجزء الثالث ص 220 أنه صلى الله عليه وآله وسلم صلى سبع سنين ولم يصل معه غير علي أمير المؤمنين. إذن فلأبي بكر عند إسلامه خمس وأربعون عاما و توفي وهو ابن ثلاث وستين، فقد اشغل في الاسلام ثمان عشرة سنة، وهذه المدة الأخيرة هي التي يمكن أن تزدان بشئ من المناقب فهل ازدانت أو لا؟

وفي الغابة أحسب أنه ليس للقوم غاية يعتد بها في كبر السن والاهتمام بذلك غير أنهم جعلوا الحجر الأساسي للخلافة الراشدة أشياء منها: إن أبا بكر قدم على أمير المؤمنين لأنه شيخ محنك لا ترة لأحد عنده فيبغض، وعلى هذا الأساس جعلوه تارة أكبر سنا من النبي صلى الله عليه وآله وقد عرفت حاله في صفحة 270 وأخرى أنه كان شيخا يعرف والنبي شابا لا يعرف، وأوقفناك على حقيقة الحال في ص 257. وآونة إنه أسن الصحابة ليحسموا مادة النقض بشيوخ في الصحابة كلهم أكبر من الإمام أمير المؤمنين عليه السلام

الصفحة 218
وفيهم رؤساء وأعاظم، وما عرفوا أن المستقبل الكشاف سيوقف الباحثين على أناس هم أكبر من الرجل سنا، وأوفر علما، وأبلغ حنكة، وأقدم شرفا، وأسبق إسلاما.

- 14 -
أبو بكر في كفة الميزان

أخرج الخطيب في تاريخه 14 ص 78 من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل عن الهذيل عن مطرح بن يزيد عن عبيد الله بن زحر عن علي بن زيد (1) عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أمامة: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم دخلت الجنة فسمعت فيها خشفة بين يدي.

فقلت: ما هذا؟ قال بلال: فمضيت فإذا أكثر أهل الجنة فقراء المهاجرين وذراري المسلمين ولم أر فيها أحدا أقل من الأغنياء والنساء " إلى أن قال: ": ثم خرجنا من أحد أبواب الجنة الثانية فلما كنت عند الباب أتيت بكفة فوضعت فيها ووضعت أمتي في كفة فرجحت بها، ثم أتي بأبي بكر فوضع في كفة وجئ بجميع أمتي فوضعوا في كفة فرجع أبو بكر، ثم أتي بعمر فوضع في كفة وجئ بجميع أمتي فوضعوا فرجح عمر، ثم رفع الميزان إلى السماء. وذكره الحكيم الترمذي في نوادر الأصول ص 288.

* (رجال الرواية) *

1 - مطرح بن يزيد الكوفي قال الدوري عن ابن معين: ليس بشئ وقال أبو زرعة: ضعيف الحديث وقال أبو حاتم: ليس بالقوي ضعيف الحديث يروي أحاديث عن ابن زحر علي بن يزد فلا أدري البلاء منه أو من علي بن يزيد. وقال الآجري عن أبي داود: زعموا أن البلية من قبل علي بن يزيد: وقال النسائي: ضعيف ليس بشئ وقال ابن عدي: يجانب روايته عن ابن زحر والضعف على حديثه بين.

ميزان الاعتدال 3: 174، تهذيب التهذيب 10 ص 171

2 - عبيد الله بن زحر الأفريقي، مجمع على ضعفه كما في الميزان. ضعفه أحمد: وقال ابن معين: ليس بشئ كل حديثه عندي ضعيف. وقال ابن المديني: منكر الحديث. وقال الحاكم: لين الحديث. وقال ابن عدي: يقع في أحاديثه ما لا يتابع عليه. وقال أبو مسهر: صاحب كل معضلة. وقال الدارقطني: ضعيف، وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن

____________

(1) كذا والصحيح: يزيد

الصفحة 219
الاثبات. فإذا روى عن علي بن يزيد بن أتى بالطامات وإذا اجتمع في إسناد خبر عبد الله بن زحر وعلي بن يزيد والقاسم بن عبد الرحمن لم يكن متن ذلك الخبر إلا ما عملته أيديهم (1). قال الأميني: هذه الرواية مما اجتمع فيه هؤلاء الثلاثة فهو مما عملته أيديهم.

3 - علي بن يزيد الالهاني. قال ابن معين: علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة ضعاف كلها. وقال يعقوب: واهي الحديث كثير المنكرات. وقال الجوزجاني: رأيت غير واحد من الأئمة ينكر أحاديثه التي يرويها عنه عبيد الله بن زحر. وقال أبو زرعة: ليس بالقوي وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث أحاديثه منكرة، وقال البخاري: منكر الحديث ضعيف. وقال النسائي: ليس بثقة متروك الحديث. وقال الأزدي والدارقطني والبرقي: متروك. وقال أبو أحمد الحاكم: ذاهب الحديث. وقال الساجي: إتفق أهل العلم على ضعفه. وقال أبو نعيم: منكر الحديث. وقال ابن حجر: متهم ميزان الاعتدال 2: 240: تهذيب التهذيب 7 ص 13، 396.

4 - القاسم بن عبد الرحمن الشامي. قال أحمد: هذه المناكير التي يرويها عنه جعفر وبشر ومطرح مناكير مما يرويها الثقات أنها من قبل القاسم. وقال الأثرم: حملها أحمد على القاسم. وقال: ما أرى هذا إلا من قبل القاسم. وقال الحراني: قال أحمد: ما أرى البلاء إلا من القاسم. وقال الغلابي منكر الحديث. وقال ابن حبان: يروي عن الصحابة المعضلات. ميزان الاعتدال 2: 34، تهذيب التهذيب 8 ص 323.

وهذا الحديث ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 9: 59 فقال: رواه أحمد و الطبراني وفيهما: مطرح بن زياد وعلي بن يزيد الالهاني وكلاهما مجمع على ضعفه.

قال الأميني: هذا شأن الرواية سندا ورجاله كما ترى، واستدل الهيثمي على ضعفه بما في متنه راجع مجمع الزوائد 9 ص 59.

- 15 -
توسل الشمس بأبي بكر

قال النبي صلى الله عليه وسلم: عرض علي كل شيئ ليلة المعراج حتى الشمس فإني سلمت عليها وسألتها عن كسوفها فأنطقها الله تعالى وقالت: لقد جعلني الله تعالى على عجلة

____________

(1) تهذيب التهذيب 7 - 13.

الصفحة 220
تجري حيث يريد فأنظر إلى نفسي بعين العجب فنزل بي العجلة فأوقع في البحر فأرى شخصين أحدهما يقول: أحد أحد. والآخر يقول: صدق صدق. فأتوسل بهما إلى الله تعالى فينقذني من الكسوف، فأقول: يا رب من هما؟ فيقول: الذي يقول: أحد أحد هو حبيبي محمد صلى الله عليه وسلم. والذي يقول: صدق صدق هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه.

" نزهة المجالس 2 ص 184 "

أنا لا أحكم في هذه الرواية إلا علماء علم الفلك سواء في ذلك القدماء منهم والمحدثون. وقد تكلمنا في صحيفة 238 عن العجلة التي حملت الشمس وبحثنا عنها بحثا ضافيا، وليت الهيئيين درسوا هذه الرواية فأخذوا عنها علما غزيرا، وعرفوا أن الكسوف يكون بغمس الشمس في البحر عقوبة على نظرها إلى نفسها بعين العجب وإن انجلائها يتم بالتوسل، ولعل المستقبل الكشاف يأتي بمن يعلم الأمة بسر خسوف القمر وتتأتى به للمجالس نزهة بعد نزهة.

وهنا أسؤلة جمة:

1 - ليس الكسوف يخص بهذه الأمة فحسب، ولا بأيام حياة أبي بكر خاصة، فمن ذا الذي كان يقول: صدق صدق. قبل ميلاد أبي بكر؟ ومن ذا الذي يقولها بعد وفاته؟ وبمن كانت الشمس تتوسل قبل ذلك؟ وبمن تتوسل به بعده؟.

2 - أين كان يقول أبو بكر: صدق صدق؟ أيقولها وهو في محلة بمرأى من الناس ومسمع فيسمعها الشمس بالاعجاز؟ أو كان يحضر على ذلك البحر الذي لم يحدد بأي ساحل فيغيب عن الناس وتطوى له المسافة بخرق العادات؟ فلم لم يحدث عنه ذلك ولو مرة واحدة؟ أو أنه يذهب هو ويدع قالبه المثالي بين الناس فيحسبونه هو هو؟ أو أنه يثبت في مكانه فيرسل قالبه ذلك فتحسبه الشمس أنه هو؟

3 - هب أن الشمس تحمل حياة روحية فهل تحمل معها نفسا أمارة بالسوء بها تعجب بنفسها؟ أنا لا أدري. وعلى فرض ثبوت النفس الأمارة فما بالها تدأب على المعصية وهي ترى استمرار العقوبة مع كل عصيان؟ فهل هي تتوب بعد كل معصية ثم تعود إليها بنسيان العقاب أو غلبة الشهوة؟ ومن المعلوم أن الكسوف لم ينقطع ليلة المعراج فهو من الكائنات المتجددة إلى انقراض العالم فكأن الشمس حينئذ كانت

الصفحة 221
تخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بتصميمها على الاستمرار على المعصية منذ كل كسوف فمتى تتوب هذه العاصية الشاعرة؟ أنا لا أدري. وفي ذمة الصفوري صاحب الكتاب الخروج عن عهدة هذه الأسؤلة. فهل يخرج؟ أنا لا أدري، وهذا أيضا من الغلو في الفضائل والحب المعمي والمصم.

- 16 -
كلبة من الجن مأمورة

عن أنس بن مالك قال. كنا جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أقبل إليه رجل من أصحابه وساقاه تشخبان دما فقال النبي صلى الله عليه وسلم! ما هذا؟ قال: يا رسول الله! مررت بكلبة فلان المنافق فنهشتني. فقال صلى الله عليه وسلم: اجلس فجلس بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، فلما كان بعد ذلك بساعة إذ أقبل إليه رجل آخر من أصحابه وساقاه تشخبان دما مثل الأول فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما هذا؟ فقال: يا رسول الله! إني مررت بكلبة فلان المنافق فنهشتني قال: فنهض النبي صلى الله عليه وسلم: وقال لأصحابه: هلموا بنا إلى هذه الكلبة نقتلها فقاموا كلهم وحمل كل واحد منهم سيفه فلما أتوها وأرادوا أن يضربوها بالسيوف وقعت الكلبة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت بلسان طلق ذلق: لا تقتلني يا رسول الله!

فإني مؤمنة بالله ورسوله فقال: ما بالك نهشت هذين الرجلين؟ فقالت: يا رسول الله! إني كلبة من الجن مأمورة أن أنهش من سب أبا بكر وعمر رضي الله عنهما. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا هذين! أما سمعتما ما تقول الكلبة؟ قالا: نعم يا رسول الله! إنا تائبان إلى الله عز وجل (عمدة التحقيق للعبيدي المالكي ص 105).

قال الأميني: ما أعظم شأن هذه الكلبة وأثبتها في ميدان البسالة حتى استدعى أمرها أن يتجهز لحربها النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويحمل عليها أصحابه شاهرين السيوف؟ فهل هي كلبة أو أسد ضار؟ أو عفرنى باسل؟ أو حشد لهام؟ وأحسب أن الذين نهشتهما كانا من هيابة الصحابة فإن شجعانهم ما كانوا يبالون بالضراغم فضلا عن الكلاب.

وأين كانت هذه الكلبة عمن كان ينال من أبي بكر غير الرجلين في ذلك العهد و بعد العهد النبوي وهلم جرا؟ فلم تشهد لها نهشة، ولا سمع لها عواء، فليتهيأ صاحب عمدة التحقيق لتحليل هذه المسائل وذلك بعد الغض عن إسناده الموهوم.


الصفحة 222
ثم ما أخرس ألسنة أولئك الصحابة الحضور يوم أطلق الله لسان تلك الكلبة الطلقة الذلقة عن بث هذه الفضيلة الرابية؟ ومثلها تتوفر الدواعي لنقلها، وما أذهل الحفاظ وأئمة الحديث وأرباب السير عن روايتها؟ فلا يجدها الباحث في المسانيد والصحاح والفضائل ومعاجم السير وأعلام النبوة ودلائلها إلى أن بشر بها العبيدي آل الصديق بعد لأي من عمر الدهر وقذف بهذه الأكذوبة أنس بن مالك.

أهكذا تكون المغالاة في الفضائل؟.. لعلها تكون.

نعم لله كلاب مفترسة وأسود ضارية سلطها الله على أعدائه بدعاء نبيه الأعظم أو أحد من أولاده الصادقين صلوات الله عليه وعليهم، منها: كلب سلطه الله على لهب بن أبي لهب بدعاء النبي الأقدس كما مر في الجزء الأول ص 261 ط 2. ومنها، كلب. أخذ برأس عتبة بدعاء رسول الله صلى الله عليه وآله كما مر في ج 1 ص 261 ط 2 قال الحلبي في السيرة النبوية 1 ص 310: ووقع مثل ذلك لجعفر الصادق قيل له: هذا فلان ينشد الناس هجاءكم يعني أهل البيت بالكوفة فقال لذلك القائل: هل علقت من قوله بشئ! قال: نعم. قال: فأنشد. فأنشد:

صلبنا لكم زيدا على جذع نخلة * ولم أر مهديا على الجذع يصلب
وقستم بعثمان عليا سفاهة * وعثمان خير من علي وأطيب

فعند ذلك رفع جعفر يديه وقال: أللهم إن كان كاذبا فسلط عليه كلبا من كلابك فخرج ذلك الرجل فافترسه الأسد. وإنما سمي الأسد كلبا لأنه يشبه الكلب في أنه إذا بال رفع رجله.

قال الأميني: الشاعر المفترس هو الحكيم الأعور أحد الشعراء المنقطعين إلى بني أمية بدمشق وقصته هذه من المتسالم عليه غير أن في معجم الأدباء كما مر في الجزء الثاني ص 197 ط 2 من كتابنا هذا أن الداعي على الرجل هو عبد الله بن جعفر. وأحسبه تصحيف أبي عبد الله جعفر، فعلى كل قد وقع من أهله في محله.

- 17 -
هبة أبي بكر لمحبيه

عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال علي رضي الله عنه: كنت جالسا مع رسول

الصفحة 223
الله صلى الله عليه وسلم وليس معنا ثالث إلا الله عز وجل فقال: يا علي تريد أن أعرفك بسيد كهول أهل الجنة وأعظمهم عند الله قدرا ومنزلة يوم القيامة؟ فقلت: أي وعيشك يا رسول الله! قال: هذان المقبلان. قال علي: فالتفت فإذا أبو بكر وعمر رضي الله عنهما. ثم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم تبسم ثم قطب وجهه حتى ولجا المسجد فقال أبو بكر: يا رسول الله! لما قربنا من دار أبي حنيفة تبسمت لنا ثم قطبت وجهك فلم ذلك يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما صرتما لجانب دار أبي حنيفة عارضكما إبليس ونظر في وجوهكما ثم رفع يديه إلى السماء أسمعه وأراه وأنتما لا تسمعانه ولا تريانه وهو يدعو ويقول: أللهم إني أسألك بحق هذين الرجلين أن لا تعذبني بعذاب باغضي هذين الرجلين. قال أبو بكر: ومن هو الذي يبغضنا يا رسول الله! وقد آمنا بك وآزرناك وأقررنا بما جئت به من عند رب العالمين؟ قال: نعم يا أبا بكر! قوم يظهرون في آخر الزمان يقال لهم: الرافضة يرفضون الحق، ويتأولون القرآن على غير صحته وقد ذكرهم الله عزو جل في كتابه العزيز وهو قوله: يحرفون الكلم عن مواضعه (1) فقال: يا رسول الله! فما جزاء من يبغضنا عند الله؟ قال يا أبا بكر! حسبك أن إبليس لعنه الله تعالى يستجير بالله تعالى أن لا يعذبه بعذاب باغضيكما. قال: يا رسول الله! هذا جزاء من قد أبغض فما جزاء من قد أحب؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن تهديا له هدية من أعمالكما. فقال: أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله أشهد الله وملائكته إني قد وهبت لهم ربع أجري - أي عملي - منذ آمنت بالله إلى أن نلقاه. فقال عمر رضي الله عنه: وأنا مثل ذلك يا رسول الله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فضعا خطكما بذلك. قال علي كرم الله وجهه: فأخذ أبو بكر زجاجة وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم اكتب. فكتب:

بسم الله الرحمن الرحيم يقول عبد الله عتيق بن أبي قحافة: إني قد أشهدت الله ورسوله ومن حضر من المسلمين إني قد وهبت ربع عملي لمحبي في دار الدنيا منذ آمنت بالله إلى أن ألقاه، وبذلك وضعت خطي.

قال: وأخذ عمر وكتب مثل ذلك فلما فرغ القلم من الكتابة هبط الأمين جبريل عليه السلام وقال: يا رسول الله! الرب يقرئك السلام ويخصك بالتحية والاكرام ويقول لك:

____________

(1) سورة النساء آية: 46. وسورة المائدة آية: 13.

الصفحة 224
هات ما كتبه صاحباك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا هو. فأخذه جبريل وعرج به إلى السماء ثم إنه عاد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين ما أخذت يا جبريل مني؟ قال: هو عند الله تعالى وقد شهد الله فيه، وأشهد حملة العرش وأنا وميكائيل وإسرافيل وقال الله تعالى: هو عندي حتى يفي أبو بكر وعمر بما قالا يوم القيامة.

عمدة التحقيق للعبيدي المالكي ص 105 - 107.

قال الأميني: أنا لا أحاول إطنابا في تفنيد هذه الرواية الشبيهة بأساطير القصاصين أو الروايات الخيالية، فإن كل فصل منها شاهد صدق على عدم صحتها.

أنا لا أخدش في كهولة الشيخين بما مر في الجزء الخامس ص 313 ط 2 من القول المعزو إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا علي أتحب هذه الشيخين؟. ولا بما مر في هذا الجزء ص 241 من أن أبا بكر له شيبة في الجنة وليس لأحد لحية هناك إلا هو وإبراهيم الخليل ولا بما مر ص 241 من أن رسول الله كان يقبل شيبة أبي بكر. ولا بما مر في صفحة 257 من أن أبا بكر كان يوم هجرة النبي صلى الله عليه وآله إلى المدينة شيخا والنبي شابا. ولا بما مر في ص 270 من أن أبا بكر كان أكبر من النبي. ولا بما مر في ص 280 من أنه كان أسن أصحاب النبي.

ولا أتكلم في عذاب باغضي أبي بكر وعمر وأنه ما الذي أربى به على عذاب من تكبر وتجبر تجاه المولى سبحانه وعانده وخالف أمره وهو من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم يغوي عباد الله ويضلهم عن سبيل الحق؟.

ولا أناقش في أن إبليس كيف كان يصح له أن يتعوذ بالله من عذاب باغضيهما؟

أكان يحبهما فلماذا هو؟ أو كان يبغضهما كما يبغض كل مؤمن بالله؟ فالدعاء لماذا؟ وما ذا ينتج له وهو يعلم عذاب مبغضيهما وهو يبغضهما ولا يزال يغري الناس ببغضهما؟.

ولا أمد يراعي إلى الزجاجة المكتوبة فيها تلك الهبة الموهومة لئلا تنكسر فتحرم الأمة المرحومة من تلك البضاعة الغالية.

ولا أسائل رواة هذه المهزأة عن تلك الشهادات من الله إلى حملة عرشه إلى أمين وحيه إلى ميكائيل وإسرافيل. لماذا هي كلها؟ وما الذي أحوج المولى سبحانه إلى ذلك الاهتمام البالغ في استحكام ذلك الصك؟ وما الذي أهم ادخاره عند الله حتى يفي أبو بكر و

الصفحة 225
عمر بما قالا يوم القيامة؟

ولا أقول لماذا تركت الأئمة وحفاظ الحديث هذه الفضيلة العظيمة إلى قرن العبيدي المالكي - القرن الحادي عشر - وفيها بشارة كبيرة لمحب الشيخين وإرشاد للأمة إلى ما فيه نجاتهم نجاحهم والمثوبة الجزيلة بجزاء ربعي أعمالهما؟ ولماذا شح أولئك الحفظة على الأمة وسمع العبيدي؟

ولكن هلم معي إلى مفاد الآية الكريمة فهي في موضعين من القرآن الكريم:

1 - من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه، ويقولون سمعنا وعصينا سورة النساء آية 46.

2 - ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا وقال الله إني معكم لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي وعزرتموه وأقرضتم الله قرضا حسنا لأكفرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضل سواء السبيل، فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه، ونسوا حظا مما ذكروا به. سورة المائة 12، 13.

ألا تعجب من تحريف الكلم بإسناد ما ناء به اليهود وبنو إسرائيل بنص القرآن الحكيم إلى قوم لم يأتوا بعد وسيضمنهم الزمان في أخرياته؟ حاشا رسول الله صلى الله عليه وآله أن يقول ذلك، ولكنها ورطات القالة، وأهواء وشهوات، حبذت الوقيعة في قوم مؤمنين إتبعوا النبي الأمين، وهدوا إلى الصراط المستقيم، وهدوا إلى الطيب من القول، وهدوا إلى صراط الحميد، ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم

- 18 -
أبو بكر في قاب قوسين

بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم لما كان قاب قوسين أو أدنى أخذته وحشة فسمع في حضرة الله تعالى بصوت أبي بكر رضي الله عنه فاطمأن قلبه استأنس بصوت صاحبه.

ذكره العبيدي المالكي في عمدة التحقيق ص 154 فقال: هذه كرامة للصديق إنفرد بها رضي الله تعالى عنه.

قال الأميني: لماذا تلك الوحشة؟ ولماذا ذلك الأنس؟ وهو صلى الله عليه وآله في ساحة