وأخرجه ابن سعد في الطبقات 8: 31 ط ليدن، وأحمد في مسنده 3: 126، 228، 229، 270، والحاكم في المستدرك 4: 47، والبيهقي في السنن الكبرى 4: 53 من طريقين، وذكره السهيلي في الروض الأنف 2: 107 نقلا عن تاريخ البخاري وصحيحه وعن الطبري فقال: قال ابن بطال: أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يحرم عثمان النزول في قبرها وقد كان أحق الناس بذلك لأنه كان بعلها وفقد منها علقا لا عوض منه لأنه حين قال عليه السلام: أيكم لم يقارف الليلة أهله. سكت عثمان ولم يقل أنا لأنه كان قد قارف ليلة ماتت بعض نسائه ولم يشغله الهم بالمصيبة وانقطاع صهره من النبي صلى الله عليه وسلم عن المقارفة فحرم بذلك ما كان حقا له وكان أولى من أبي طلحة وغيره، وهذا بين في معنى الحديث ولعل النبي صلى الله عليه وسلم قد كان علم ذلك بالوحي فلم يقل له شيئا لأنه فعل فعلا حلالا غير إن المصيبة لم تبلغ منه مبلغا يشغله حتى حرم ما حرم من ذلك بتعريض غير تصريح والله أعلم.
ويوجد الحديث في نهاية ابن الأثير 3: 276، لسان العرب 11: 189، الإصابة 4: 489، تاج العروس 6: 220.
قال الأميني: إضطربت كلمات العلماء حول هذا الحديث غير إن فليحا المتوفي سنة 163، الذي فسر المقارفة بالذنب، وأيد البخاري كلامه بقوله: ليقترفوا ليكتسبوا وسريجا المتوفى سنة 217 هم أقدم من تكلم فيه، وقال الخطابي (2): معناه لم يذنب (3) وجاء ابن بطال (4) وخصه بمقارفة النساء، وجمع بينهما العيني (5)، وأيا ما كان
____________
(1) إيعاز إلى قوله تعالى: وليقترفوا ما هم مقترفون. كما في فتح الباري 3: 163، وفي قوله تعالى: إن الذين يكسبون الإثم سيجزون بما كانوا يقترفون.
(2) أبو سليمان حمد بن محمد البستي صاحب التآليف القيمة المتوفى 388.
(3) ذكره العيني في عمدة القاري 4: 85.
(4) ذكر كلامه السهيلي في الروض الأنف 2: 107 كما مر بلفظه.
(5) عمدة القاري 4: 85
وإن أريدت مقارفة النساء على الوجه المحلل فهي من منافيات المروءة ومن لوازم الفظاطة ولغلظة فأي إنسان تحبذ له نفسه التمتع بالجواري في أعظم ليلة عليه هي ليلة تصرم مجده، وانقطاع فخره، وانفصام عرى شرفه، فكيف هان ذلك على الخليفة؟ فلم يراع حرمة رسول الله صلى الله عليه وآله واستهانت تلك المصيبة العظيمة فتلذذ بالرفث إلى جارية (1) والمطلوب من الخلفاء معرفة فوق هذه من أول يومهم، ورأفة أربى مما وقع، ورقة تنيف على ما صدر منه، وحياء يفضل على ما ناء به.
ومن العسير جدا الخضوع للاعتقاد بأن رسول الله صلى الله عليه وآله ارتكب ذلك الهتك والاهانة على أمر مباح مع رأفته الموصوفة على أفراد الأمة وإغراقه نزعا في الستر عليهم، وكيف في حق رجل يعلم صلى الله عليه وآله إنه سيشغل منصة الخلافة.
هذا ما عندنا وأما أنت فظن خيرا ولا تسأل عن الخبر.
أيحكم ضميرك الحر عندئذ في رجل هذا شأنه وهذه سيرته مع كريمة رسول الله صلى الله عليه وآله بصحة ما أخرجه ابن سعد في طبقاته 3: 38 من القول المعزو إلى رسول الله صلى الله عليه وآله يوم قارف الرجل، يوم سمع من النبي الأعظم تلك القارصة: لو كان عندي ثالثة
____________
(1) كما في عمدة قاري 4: 85.
أو قوله: لو كن (يعني بناته) عشرا لزوجتهن عثمان (1)
أو قوله فيما أخرجه ابن عساكر: لو إن لي أربعين بنتا لزوجتك واحدة بعد واحدة حتى لا تبقى منهن واحدة (2).
أو قوله فيما جاء به ابن عساكر (3) من طريق أبي هريرة قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لقي عثمان بن عفان على باب المسجد فقال: يا عثمان! هذا جبريل يخبرني إن الله قد زوجك أم كلثوم بمثل صداق رقية على مثل مصاحبتها.
أكانت مصاحبة عثمان هذه أم كلثوم لدة مصاحبتها رقية وكانت مرضية للمولى سبحانه؟ أو ترى عثمان متخلفا عن شرط الله في أم كلثوم؟ أنا لا أدري.
على أن إسناد هذا الحديث معلول من جهات، وكفاه علة عبد الرحمن بن أبي الزناد القرشي وقد ضعفه ابن معين وابن المديني وابن أبي شيبة وعمرو بن علي والساجي وابن سعد، وقال ابن معين والنسائي: لا يحتج بحديثه (4)
- 28 -
إتخاذ الخليفة الحمى له ولذويه
لقد جعل الاسلام منابت العشب من مساقط الغيث والمروج كلها شرعا سواء بين المسلمين إذا لم يكن لها مالك مخصوص كما هو الأصل في المباحات الأصلية من أجواز الفلوات وأطراف البراري، فترتع فيها مواشيهم وترعى إبلهم وخيلهم من دون أي مزاحمة بينهم، وليس لأي أحد أن يحمى لنفسه حمى فيمنع الناس عنه، فقال صلى الله عليه وآله: المسلمون شركاء في ثلاث: في الكلأ والماء والنار.
وقال: ثلاث لا يمنعن: الماء والكلأ والنار.
وقال: لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ. وفي لفظ: لا تمنعوا فضل الماء لتمنعوا به فضل الكلأ. وفي لفظ: من منع فضل الماء ليمنع به فضل الكلأ منعه الله فضله يوم
____________
(1) طبقات ابن سعد ط ليدن 8: 25.
(2) تاريخ ابن كثير 7: 212 وقال: إسناد ضعيف، أخبار الدول للقرماني ص 98.
(3) راجع تاريخ ابن كثير 7: 211.
(4) تهذيب التهذيب 6: 171.
وقال الشافعي في تفسير الحديث: كان الشريف من العرب في الجاهلية إذا نزل بلدا في عشيرته استعوى كلبا فحمى لخاصته مدى عواء الكلب لا يشركه فيه غيره فلم يرعه معه أحد، وكان شريك القوم في سائر المراتع حوله. قال: فنهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يحمى على الناس حمى كما كانوا في الجاهلية يفعلون. قال:
وقوله: إلا لله ولرسوله. يقول: إلا ما يحمى لخيل المسلمين وركابهم التي ترصد للجهاد ويحمل عليها في سبيل الله وإبل الزكاة كما حمى عمر النقيع (3) لنعم الصدقة و الخيل المعدة في سبيل الله (4).
واستعمل عمر على الحمى مولى له يقال له هنى فقال له: يا هنى ضم جناحك للناس، واتق دعوة المظلوم فإن دعوة المظلوم مجابة، وادخل رب الصريمة ورب الغنيمة، وإياي ونعم ابن عفان (5) ونعم ابن عوف فإنهما إن تهلك يرجعان إلى نخل وزرع، وإن رب الغنيمة والصريمة يأتي بعياله فيقول: يا أمير المؤمنين! أفتاركهم أنا؟ لا أبا لك. الخ (6)
كان هذا الناموس متسالما عليه بين المسلمين حتى تقلد عثمان الخلافة فحمى لنفسه دون إبل الصدقة كما في أنساب البلاذري 5: 37، والسيرة الحلبية 2: 87، أو له و لحكم ابن أبي العاص كما في رواية الواقدي، أو لهما ولبني أمية كلهم كما في شرح
____________
(1) توجد هذه الأحاديث في صحيح البخاري 3: 110، الأموال لأبي عبيد ص 296، سنن أبي داود 2: 101، سنن ابن ماجة 2: 94.
(2) صحيح البخاري 3: 113، الأموال لأبي عبيد ص 294، كتاب الأم للشافعي 3: 207، وفي الأخيرين تفصيل ضاف حول المسألة.
(3) على عشرين فرسخا أو نحو ذلك من المدينة " معجم البلدان ".
(4) راجع كتاب الأم 3: 208، معجم البلدان 3: 347، نهاية ابن الأثير 1: 297، لسان العرب 18: 217، تاج العروس 10: 99.
(5) في لفظ أبي عبيد: ودعني من نعم ابن عفان. بدل (وإياي ونعم ابن عفان).
(6) صحيح البخاري 4: 71، الأموال لأبي عبيد ص 298، كتاب الأم 3: 271.
نقم ذلك المسلمون على الخليفة فيما نقموه عليه وعدته عائشة مما أنكروه عليه فقالت: وإنا عتبنا عليه كذا وموضع الغمامة المحماة (3) وضربه بالسوط والعصا، فعمدوا إليه حتى إذا ماصوه كما يماص الثوب (4). قال ابن منظور في ذيل الحديث: الناس شركاء فيما سقته السماء من الكلأ إذا لم يكن مملوكا فلذلك عتبوا عليه.
كانت في اتخاذ الخليفة الحمى جدة وإعادة لعادات الجاهلية الأولى التي أزاحها نبي الاسلام صلى الله عليه وآله وجعل المسلمين في الكلأ مشتركين، وقال: ثلاثة يبغضهم الله. وعد فيهم! من استن في الاسلام سنة الجاهلية (5) وكان حقا على الرجل أن يحمي حمى الاسلام قبل حمى الكلأ، ويتخذ ما جاء به الرسول صلى الله عليه وآله سنة متبعة ولا يحيي سنة الجاهلية، ولن تجد لسنة الله تحويلا، ولن تجد لسنة الله تبديلا. ولكنه..
- 29 -
قطع الخليفة فدك لمروان
عد ابن قتيبة في المعارف ص 84، وأبو الفدا في تاريخه 1: 168 مما نقم الناس على عثمان قطعه فدك لمروان وهي صدقة رسول الله، فقال أبو الفدا: وأقطع مروان
____________
(1) كذا نجد. عند البخاري بالسين المهملة. وفي موطأ ابن وهب: الشرف. بالشين المعجمة وفتح الراء وهذا الصواب (معجم البلدان).
(2) الربذة في الشرف " المذكورة " هي الحمى الأيمن.
(3) يسمى العشب بالغمامة كما يسمى بالسماء. المحماة من أحميت المكان فهو محمى. أي جعلته حمى. (الفائق للزمخشري)
(4) راجع الفائق للزمخشري 2: 117، نهاية ابن الأثير 1: 298، ج 4: 121، لسان العرب 8: 363: ج 18: 217، تاج العروس 10: 99.
(5) بهجة النفوس للحافظ الأزدي ابن أبي جمرة 4: 7 19.
وفي العقد الفريد 2: 261 في عد ما نقم الناس على عثمان: إنه أقطع فدك مروان وهي صدقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وافتتح افريقية وأخذ خمسه فوهبه لمروان.
وقال ابن الحديد في شرحه 1: 67: وأقطع عثمان مروان فدك، وقد كانت فاطمة عليها السلام طلبتها بعد وفاة أبيها صلوات الله عليه تارة بالميراث وتارة بالنحلة فدفعت عنها.
قال الأميني: أنا لا أعرف كنه هذا الاقطاع وحقيقة هذا العمل فإن فدك إن كان فئ للمسلمين؟ كما ادعاه أبو بكر، فما وجه تخصيصه بمروان؟ وإن كان ميراثا لآل رسول الله صلى الله عليه وآله؟ كما احتجت له الصديقة الطاهرة في خطبتها، واحتج له أئمة الهدى من العترة الطاهرة وفي مقدمهم سيدهم أمير المؤمنين عليه وعليهم السلام، فليس مروان منهم، ولا كان للخليفة فيه رفع ووضع. وإن كان نحلة من رسول الله صلى الله عليه وآله لبضعته الطاهرة فاطمة المعصومة صلوات الله عليها؟ كما ادعته وشهد لها أمير المؤمنين وإبناها الإمامان السبطان وأم أيمن المشهود لها بالجنة فردت شهادتهم بما لا يرضي الله ولا رسوله، وإذا ردت شهادة أهل آية التطهير فبأي شئ يعتمد؟ وعلى أي حجة يعول؟.
بل إن أبا بكر نفسه أراد أن يبطل روايته بإعطاء الصك للزهراء فاطمة غير أن ابن الخطاب منعه وخرق الكتاب كما مر في الجزء السابع عن السيرة الحلبية، وبذلك كله تعرف قيمة تلك الرواية ومقدار العمل عليها وقيمة هذا الاقطاع، وسيوافيك قول مولانا أمير المؤمنين في قطائع عثمان.
- 30 -
رأي الخليفة في الأموال والصدقات
لم تكن فدك ببدع من ساير الأموال من الفئ والغنائم والصدقات عند الخليفة بل كان له رأي حر فيها وفي مستحقيها، كان يرى المال مال الله، ويحسب نفسه ولي المسلمين، فيضعه حيث يشاء ويفعل فيه ما يريد، فقام كما قال مولانا أمير المؤمنين نافجا حضنيه بين نثيله ومعتلفه، وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع (1).
كان يصل رحمه بمال يستوي فيه المسلمون كلهم، ولكل فرد من الملأ الديني منه حق معلوم للسائل والمحروم، لا يسوغ في شرعة الحق وناموس الاسلام المقدس حرمان أحد من نصيبه وإعطاء حقه لغيره من دون مرضاته.
جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله في الغنائم: لله خمسه وأربعة أخماس للجيش، وما أحد أولى به من أحد، ولا السهم تستخرجه من جنبك، ليس أنت أحق به من أخيك المسلم (2).
____________
(1) نهج البلاغة 1: 35.
(2) سنن البيهقي 6: 324، 336.
والسنة الثابتة في الصدقات إن أهل كل بيئة أحق بصدقتهم ما دام فيهم ذو حاجة، وليست الولاية على الصدقات للجباية وهملها إلى عاصمة الخلافة وإنما هي للأخذ من الأغنياء والصرف في فقراء محالها، وقد ورد في وصية رسول الله صلى الله عليه وآله معاذا حين بعثه إلى اليمن يدعوهم إلى الاسلام والصلاة أنه قال: فإذا أقروا لك بذلك فقل لهم: إن الله قد فرض عليكم صدقة أموالكم تؤخذ من أغنيائكم فترد في فقرائكم (2)
قال عمرو بن شعيب: إن معاذ بن جبل لم يزل بالجند إذ بعثه رسول الله إلى اليمن حتى مات النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر ثم قدم على عمر فرده على ما كان عليه فبعث إليه معاذ بثلث صدقة الناس فأنكر ذلك عمر وقال: لم أبعثك جابيا ولا آخذ جزية، ولكن بعثتك لتأخذ من أغنياء الناس فتردها على فقرائهم. فقال معاذ: ما بعثت إليك بشئ وأنا أجد أحدا يأخذه مني. الحديث (3).
ومن كتاب لمولانا أمير المؤمنين إلى قثم بن العباس يوم كان عامله على مكة: " وانظر إلى ما اجتمع عندك من مال الله فاصرفه إلى من قبلك من ذوي العيال والمجاعة مصيبا به مواضع الفاقة والخلات، وما فضل عن ذلك فاحمله إلينا لنقسمه فيمن قبلنا " نهج البلاغة 2: 128.
وقال عليه السلام لعبد الله بن زمعة لما قدم عليه في خلافته يطلب منه مالا: " إن هذا المال ليس لي ولا لك، وإنما هو فئ للمسلمين وجلب أسيافهم، فإن شركتهم في حربهم كان لك مثل حظهم، وإلا فجناة أيديهم لا تكون لغير أفواههم. " نهج البلاغة 1: 461.
ومن كلام له عليه السلام: " إن القرآن أنزل على النبي صلى الله عليه وآله والأموال أربعة: أموال المسلمين فقسمها بين الورثة في الفي الفرائض، والفئ فقسمه على مستحقيه، و
____________
(1) سنن أبي داود 2: 25، مسند أحمد 6: 29، سنن البيهقي 6: 346.
(2) صحيح بخاري 3: 215، الأموال لأبي عبيد ص 580، 595، 612، المحلى 6: 146.
(3) الأموال ص 596.
وأتى عليا أمير المؤمنين مال من أصبهان فقسمه بسبعة أسباع ففضل رغيف فكسره بسبع فوضع على كل جزء كسرة ثم أقرع بين الناس أيهم يأخذ أول (1).
وأتته عليه السلام امرأتان تسألانه عربية ومولاة لها فأمر لكل واحد منها بكر من طعام وأربعين درهما أربعين درهما، فأخذت المولاة الذي أعطيت وذهبت، وقالت العربية يا أمير المؤمنين! تعطني مثل الذي أعطيت هذه وأنا عربية وهي مولاة؟ قال لها علي رضي الله عنه: إني نظرت في كتاب الله عز وجل فلم أر فيه فضلا لولد إسماعيل على ولد إسحاق (2).
ولذلك كله كانت الصحابة لا ترتضي من الخليفة الثاني تقديمه بعضا من الناس على بعض في الأموال بمزية معتبرة كان يعتبرها فيمن فضله على غيره كتقديم زوجات النبي صلى الله عليه وآله أمهات المؤمنين على غيرهن، والبدري على من سواه، والمهاجرين على الأنصار، والمجاهدين على القاعدين، من دون حرمان أي أحد منهم (3)، وكان يقول على صهوات المنبر: من أراد المال فليأتني فإن الله جعلني له خازنا (4).
ويقول بعد قراءة آيات الأموال: والله ما من أحد من المسلمين إلا وله حق في هذا المال أعطي منه أو منع حتى راع بعدن. (5)
ويقول أبدأ برسول الله صلى الله عليه وآله ثم الأقرب فالأقرب إليه. فوضع الديوان على ذلك.
وفي لفظ أبي عبيد: إن رسول الله إمامنا فبرهطه نبدأ، ثم بالأقرب فالأقرب (6).
____________
(1) سنن البيهقي 6: 348.
(2) سنن البيهقي 6: 349.
(3) الأموال لأبي عبيد ص 224 227، فتوح البلدان للبلاذري ص 453 416، سنن البيهقي 6: 349، 350، تاريخ عمر بن الخطاب لابن الجوزي 79 83.
(4) راجع ج 6 من كتابنا هذا 92 ط 2.
(5) الأموال ص 213، سنن البيهقي 6: 351.
(6) الأموال 224، سنن البيهقي 6: 364.
1 - واعلموا أنما غنمتم من شئ فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل. (الأنفال 41)
2 - إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم (التوبة 60)
3 - ما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شئ قدير. ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل. (الحشر 6، 7)
هذه سنة الله وسنة نبيه غير أن الخليفة عثمان نسي ما في الكتاب العزيز، وشذ عما جاء به النبي الأقدس في الأموال، وخالف سيرة من سبقه، وتزحزح عن العدل و النصفة، وقدم أبناء بيته الساقط، أثمار الشجرة الملعونة في كتاب الله، رجال العيث والعبث، والخمور والفجور، من فاسق إلى لعين، إلى حلاف مهين هماز مشاء بنميم، وفضلهم على أعضاء الصحابة وعظماء الأمة الصالحين، وكان يهب من مال المسلمين لأحد من قرابته قناطير مقنطرة من الذهب والفضة من دون أي كيل ووزن، ويؤثرهم على من سواهم كائنا من كان من ذي قربى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وغيرهم. ولم يكن يجرأ أحد عليه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لما كان يرى سيرته الخشنة مع أولئك القائمين بذلك الواجب، ويشاهد فيهم من الهتك والتغريب والضرب بدرة كانت أشد من الدرة العمرية (1) مشفوعة بالسوط والعصا (2) وإليك نبذة من سيرة الخليفة في الأموال:
- 31 -
أيادي الخليفة عند الحكم بن أبي العاص
أعطى صدقات قضاعة الحكم بن أبي العاص عمه طريد النبي بعد ما قربه وأدناه وألبسه يوم قدم المدينة وعليه فزر (3) خلق وهو يسوق تيسا والناس ينظرون إلى سوء
____________
(1) راجع محاضرة الأوائل للسكتواري ص 169.
(2) يأتي حديثه بعيد هذا.
(3) من فزر الثوب: انشق وتقطع وبلى.
وقال البلاذري في الأنساب 5: 28 رواية عن ابن عباس أنه قال: كان مما أنكروا على عثمان إنه ولى الحكم ابن أبي العاص صدقات قضاعة (1) فبلغت ثلاث مائة ألف درهم فوهبها له حين أتاه بها.
قال ابن قتيبة وابن عبد ربه والذهبي: ومما نقم الناس على عثمان إنه آوى طريد النبي صلى الله عليه وسلم الحكم ولم يؤوه أبو بكر وعمر وأعطاه مائة ألف (2).
وعن عبد الرحمن بن يسار قال: رأيت عامل صدقات المسلمين على سوق المدينة إذا أمسى أتاها عثمان فقال له: إدفعها إلى الحكم بن أبي العاص، وكان عثمان إذا أجاز أحدا من أهل بيته جائزة جعلها فرضا من بيت المال فجعل يدافعه ويقول له:
يكون فنعطيك إنشاء الله. فألح عليه فقال: إنما أنت خازن لنا فإذا أعطيناك فخذ، وإذا سكتنا عنك فاسكت. فقال: كذبت والله ما أنا لك بخازن ولا لأهل بيتك إنما أنا خازن المسلمين، وجاء بالمفاتيح يوم الجمعة وعثمان يخطب فقال: أيها الناس زعم عثمان إني خازن له ولأهل بيته وإنما كنت خازنا للمسلمين وهذه مفاتيح بيت مالكم.
ورمى بها فأخذها ودفعها إلى زيد بن ثابت. (تاريخ اليعقوبي 2: 145).
قال الأميني: يروى نظير هذه القضية كما يأتي لزيد بن أرقم وعبد الله بن مسعود ولعل هذه وقعت لغيرهم من الولاة على الصدقات أيضا. والله العالم.
الحكم وما أدراك ما الحكم؟
كان خصاء يخصي الغنم (3) أحد جيران رسول الله صلى الله عليه وآله بمكة من أولئك الأشداء عليه صلى الله عليه وآله المبالغين في إيذاءه شاكلة أبي لهب كما قاله ابن هشام في سيرته 2: 25، وأخرج الطبراني من حديث عبد الرحمن بن أبي بكر قال: كان الحكم يجلس
____________
(1) أبو حي باليمن.
(2) المعارف لابن قتيبة ص 84، العقد الفريد 2: 261، محاضرات الراغب 2: 212، مرآة الجنان لليافعي 1: 85 نقلا عن الذهبي.
(3) حياة الحيوان للدميري 1: 194.
وفي لفظ مالك بن دينار: مر النبي صلى الله عليه وآله بالحكم فجعل الحكم يغمز النبي صلى الله عليه وآله وسلم باصبعه فالتفت فرآه فقال: اللهم اجعل به وزغا (1) فرجف مكانه وارتعش. وزاد الحلبي بعد أن مكث شهرا مغشيا عليه. (2)
أسلفناه من طريق الحفاظ الطبراني والحاكم والبيهقي. ومرت صحته في الجزء الأول صفحة 237.
روى البلاذري في الأنساب 5: 27: إن الحكم بن العاص كان جارا لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الجاهلية وكان أشد جيرانه أذى له في الاسلام، وكان قدومه المدينة بعد فتح مكة وكان مغموصا عليه في دينه، فكان يمر خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فيغمز به و يحكيه ويخلج بأنفه وفمه، وإذا صلى قام خلفه فأشار باصبعه، فبقي على تخليجه وأصابته خبلة، واطلع على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وهو في بعض حجر نسائه فعرفه وخرج إليه بعنزة وقال: من عذيري من هذا الوزغة اللعين؟ ثم قال: لا يساكنني ولا ولده فغربهم جميعا إلى الطائف فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم كلم عثمان أبا بكر فيهم وسأله ردهم فأبى ذلك وقال: ما كنت لآوي طرداء رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لما استخلف عمر كلمه فيهم فقال مثل قول أبي بكر، فلما استخلف عثمان أدخلهم المدينة وقال: قد كنت كلمت رسول الله فيهم وسألته ردهم فوعدني أن يأذن لهم فقبض قبل ذلك. فأنكر المسلمون عليه إدخاله إياهم المدينة.
وقال الواقدي: ومات الحكم بن أبي العاص بالمدينة في خلافة عثمان فصلى عليه و ضرب على قبره فسطاطا.
وعن سعيد بن المسيب قال: خطب عثمان فأمر بذبح الحمام وقال: إن الحمام قد كثر في بيوتكم حتى كثر الرمي ونالنا بعضه فقال الناس: يأمر بذبح الحمام وقد آوى طرداء رسول الله صلى الله عليه وسلم.
____________
(1) الوزغ: الارتعاش والرعدة.
(2) الإصابة 1: 345، 346، السيرة الحلبية 1: 337، الفائق للزمخشري 2: 305، تاج العروس 6: 35.
وفي سيرة الحلبية 1: 337: إطلع الحكم على رسول الله من باب بيته وهو عند بعض نسائه بالمدينة فخرج إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعنزة وقيل بمدرى في يده وقال:
من عذيري من هذه الوزغة لو أدركته لفقأت عينه، ولعنه وما ولد، وذكره ابن الأثير مختصرا في أسد الغابة 2: 34.
وقال أبو عمر في " الاستيعاب ": أخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم الحكم من المدينة وطرده عنها فنزل الطائف وخرج معه ابنه مروان، واختلف في السبب الموجب لنفي رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه فقيل: كان يتحيل ويستخفي ويتسمع ما يسره رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كبار أصحابه في مشركي قريش وسائر الكفار والمنافقين، فكان يفشي ذلك عنه حتى ظهر ذلك عليه، وكان يحكيه في مشيته وبعض حركاته، إلى أمور غيرها كرهت ذكرها، ذكروا: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا مشى يتكفأ وكان الحكم يحكيه فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم يوما فرآه يفعل ذلك فقال صلى الله عليه وسلم فكذلك فلتكن. فكان الحكم مختلجا يرتعش من يومئذ، فعيره عبد الرحمن بن حسان بن ثابت فقال في عبد الرحمن بن الحكم يهجوه:
وأخرج أبو عمر من طريق عبد الله بن عمرو بن العاصي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يدخل عليكم رجل لعين. وكنت قد تركت عمرا يلبس ثيابه ليقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أزل مشفقا أن يكون أول من يدخل فدخل الحكم ابن أبي العاص. (2)
م وقال ابن حجر في تطهير الجنان هامش الصواعق ص 144: وبسند رجاله رجال الصحيح عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه إنه صلى الله عليه وسلم قال: ليدخلن الساعة عليكم رجل
____________
(1) الاستيعاب 1: 118، أسد الغابة 2: 34.
(2) الاستيعاب 1: 119
وروى البلاذري في " الأنساب " 5: 126، والحاكم في " المستدرك " 4: 481 وصححه والواقدي كما في السيرة الحلبية 1: 337 بالإسناد عن عمرو بن مرة قال:
إستأذن الحكم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرف صوته فقال: ائذنوا له لعنة الله عليه وعلى من يخرج من صلبه إلا المؤمنين وقليل ماهم، ذوو مكر وخديعة يعطون الدنيا وما لهم في الآخرة من خلاق. (1)
م وفي لفظ ابن حجر في تطهير الجنان هامش الصواعق ص 147: ائذنوا له فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين وما يخرج من صلبه يشرفون في الدنيا، ويترذلون في الآخرة، ذوو مكر وخديعة إلا الصالحين منهم وقليل ماهم ].
وأخرج الحاكم في المستدرك 4: 481 وصححه من طريق عبد الله بن الزبير قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الحكم وولده.
وأخرج الطبراني وابن عساكر والدارقطني في الأفراد من طريق عبد الله بن عمر قال: هجرت الرواح رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء أبو الحسن فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ادن: فلم يزل يدنيه حتى التقم أذنيه فبينما النبي صلى الله عليه وسلم يساره إذ رفع رأسه كالفزع قال:
فدع بسيفه الباب فقال لعلي: إذهب فقده كما تقاد الشاة إلى حالبها. فإذا علي يدخل الحكم بن أبي العاص آخذا بإذنه ولها زنمة حتى أوقفه بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فلعنه نبي الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا ثم قال: أحله ناحية حتى راح إليه قوم من المهاجرين والأنصار ثم دعا به فلعنه ثم قال: إن هذا سيخالف كتاب الله وسنة نبيه، وسيخرج من صلبه فتن يبلغ دخانها السماء. فقال ناس من القوم: هو أقل وأذل من أن يكون هذا منه قال: بلى وبعضكم يومئذ شيعته (كنز العمال 6: 39، 90)
وأخرج ابن عساكر من طريق عبد الله بن الزبير قال وهو على المنبر: ورب
____________
(1) وذكره الدميري في حياة الحيوان 2: 299، وابن حجر في الصواعق ص 108، والسيوطي في جمع الجوامع كما في ترتيبه 6: 90 نقلا عن أبي يعلى والطبراني والحاكم والبيهقي وابن عساكر.