الصفحة 77

فقالت يا ابن عباس! أنشدك الله فإنك قد أعطيت فهما ولسانا عقلا أن لا تخذل الناس عن طلحة فقد بانت لهم بصائرهم في عثمان، واتهجت ورفعت لهم المنابر وتجلبوا من البلدان لأمر عظيم قد حم، وإن طلحة قد اتخذ رجالا على بيوت الأموال، وأخذ مفاتيح الخزائن، وأظنه يسير إنشاء الله بسيرة ابن عمه أبي بكر. الحديث.

3 - كانت عائشة وأم سلمة حجتا ذلك العام (عام قتل عثمان) وكانت عائشة تؤلب على عثمان فلما بلغها أمره وهي بمكة أمرت بقبتها فضربت في المسجد الحرام وقالت: إني أرى عثمان سيشأم قومه كما شأم أبو سفيان قومه يوم بدر. رواه البلاذري.

4 - أخرج عمر بن شبة من طريق عبيد بن عمرو القرشي قال: خرجت عائشة رضي الله عنها وعثمان محصور فقدم عليها مكة رجل يقال له: أخضر، فقالت: ما صنع الناس؟

فقال: قتل عثمان المصريين. قالت: إنا لله وإنا إليه راجعون، أيقتل قوما جاؤا يطلبون الحق وينكرون الظلم؟ والله لا نرضى بهذا. ثم قدم آخر فقالت: ما صنع الناس؟

قال: قتل المصريون عثمان، قالت. العجب لأخضر زعم أن المقتول هو القاتل فكان يضرب به المثل: أكذب من أخضر. وأخرجه الطبري.

5 - مر في الجزء الثامن صفحة 123 ط 2: أن الشهود على الوليد بن عقبة بشربه الخمر استجاروا بعائشة وأصبح عثمان فسمع من حجرتها صوتا وكلاما فيه بعض الغلظة فقال: أما تجد مراق أهل العراق وفساقهم ملجأ إلا بيت عائشة. فسمعت فرفعت نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت: تركت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحب هذا النعل. الحديث فراجع.

6 - أسلفنا في هذا الجزء صفحة 16 في مواقف عمار: إن عائشة لما بلغها ما صنع عثمان بعمار فغضبت وأخرجت شعرا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وثوبا من ثيابه ونعلا من نعاله ثم قالت: ما أسرع ما تركتم سنة نبيكم وهذا شعره وثوبه ونعله لم يبل بعد؟

فغضب عثمان غضبا شديد حتى ما درى ما يقول. الحديث.

وقال أبو الفدا: كانت عائشة تنكر على عثمان مع من ينكر عليه وكانت تخرج قميص رسول الله صلى الله عليه وسلم وشعره وتقول: هذا قميصه وشعره لم يبل وقد بلي دينه.

7 - وفي كتاب لأمير المؤمنين عليه السلام كتبه لما قارب البصرة إلى طلحة والزبير و عائشة: وأنت يا عائشة فإنك خرجت من بيتك عاصية لله ولرسوله تطلبين أمرا كان

الصفحة 78
عنك موضوعا، ثم تزعمين أنك تريدين الاصلاح بين المسلمين، فخبريني ما للنساء وقود الجيوش والبروز للرجال، والوقوع بين أهل القبلة وسفك الدماء المحرمة؟ ثم أنك طلبت على زعمك دم عثمان وما أنت وذاك؟ عثمان رجل من بني أمية وأنت من تيم، ثم بالأمس تقولين في ملأ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقتلوا نعثلا قتله الله فقد كفر، ثم تطلبين اليوم بدمه؟ فاتقي الله وارجعي إلى بيتك، واسبلي عليك سترك، والسلام.

8 - أخرج الطبري وابن قتيبة: إن غلاما من جهينة أقبل على محمد بن طلحة (يوم الجمل) وكان محمد رجلا عابدا فقال: أخبرني عن قتلة عثمان فقال: نعم دم عثمان ثلاثة أثلاث: ثلت على صاحبة الهودج يعني عائشة، وثلث على صاحب الجمل الأحمر يعني طلحة، وثلث على علي بن أبي طالب. وضحك الغلام وقال: ألا أراني على ضلال ولحق بعلي وقال: في ذلك شعرا.

سألت ابن طلحة عن هالك * بجوف المدينة لم يقبر؟
فقال: ثلاثة رهط هم * أماتوا ابن عفان واستعبر
فثلث على تلك في خدرها * وثلث على راكب الأحمر
وثلث على بن أبي طالب * ونحن بدوية قرقر
فقلت: صدقت على الأولين * وأخطأت في الثالث الأزهر

9 - أخرج الطبري من طريقين: إن عائشة رضي الله عنها لما انتهت إلى سرف (1) راجعه في طريقها إلى مكة لقيها عبد بن أم كلاب وهو عبد بن أبي سلمة ينسب إلى أمه فقالت له: مهيم؟ قال: قتلوا عثمان رضي الله عنه فمكثوا ثمانيا. قالت: ثم صنعوا ماذا؟ قال: أخذها أهل المدينة بالاجتماع فجازت بهم الأمور إلى خير مجاز، اجتمعوا على علي بن أبي طالب. فقالت: والله ليت إن هذه انطبقت على هذه إن تم الأمر لصاحبك ردوني ردوني. فانصرفت إلى مكة وهي تقول: قتل والله عثمان مظلوما، والله لأطلبن بدمه. فقال لها ابن أم كلاب: ولم؟ فوالله إن أول من أمال حرفه لأنت ولقد كنت تقولين: اقتلوا نعثلا فقد كفر (2). قالت: إنهم استتابوه ثم قتلوه، وقد

____________

(1) سرف بالفتح ثم الكسر: موضع على ستة أميال من مكة.

(2) في لفظ ابن قتيبة: فجر.

الصفحة 79
قلت وقالوا وقولي الأخير خير من قولي الأول. فقال لها ابن أم كلاب (1).

منك البداء ومنك الغير * ومنك الرياح ومنك المطر
وأنت أمرت بقتل الإمام * وقلت لنا: إنه قد كفر
فهبنا أطعناك في قتله * وقاتله عندنا من أمر
ولم يسقط السقف من فوقنا * ولم ينكسف شمسنا والقمر
وقد بايع الناس ذا تدرإ * يزيل الشبا ويقيم الصعر
ويلبس للحرب أثوابها * وما من وفى مثل من قد غدر

فانصرفت إلى مكة فنزلت على باب المسجد فقصدت للحجر فسترت واجتمع إليها الناس فقالت: يا أيها الناس! إن عثمان رضي الله عنه قتل مظلوما ووالله لأطلبن بدمه

10 - قال أبو عمر صاحب الاستيعاب: إن الأحنف بن قيس كان عاقلا حليما ذا دين وذكاء وفصاحة ودهاء، لما قدمت عائشة البصرة أرسلت إلى الأحنف بن قيس فأبى أن يأتيها ثم أرسلت إليه فأتاها فقالت: ويحك يا أحنف! بم تعتذر إلى الله من ترك جهاد قتلة أمير المؤمنين! عثمان رضي الله عنه؟ أمن قلة عدد؟ أو أنك لا تطاع في العشيرة؟

قال: يا أم المؤمنين! ما كبرت السن ولا طال العهد وإن عهدي بك عام أول تقولين فيه وتنالين فيه. قالت: ويحك يا أحنف! إنهم ماصوه موص الإناء ثم قتلوه. قال: يا أم المؤمنين! إني آخذ بأمرك وأنت راضية، وأدعه وأنت ساخطة.

11 - أخرج ابن عساكر من طريق أبي مسلم أنه قال لأهل الشام وهم ينالون من عائشة في شأن عثمان، يا أهل الشام! أضرب لكم مثلكم ومثل أمكم هذه: مثلها و مثلكم كمثل العين في الرأس تؤذي صاحبها ولا يستطيع أن يعاقبها إلا بالذي هو خير لها.

12 - قال ابن أبي الحديد: قال كل من صنف في السير والأخبار: إن عائشة كانت من أشد الناس على عثمان حتى أنها أخرجت ثوبا من ثياب رسول الله صلى الله عليه وآله فنصبته في منزلها وكانت تقول للداخلين إليها: هذا ثوب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يبل و عثمان قد أبلى سنته. قالوا: أول من سمى عثمان نعثلا عائشة، وكانت تقول: اقتلوا نعثلا قتل الله نعثلا.

____________

(1) في لفظ ابن قتيبة: عذر والله ضعيف، يا أم المؤمنين. ثم ذكر الأبيات.

الصفحة 80
13 - روى المدائني في كتاب الجمل قال: لما قتل عثمان كانت عائشة بمكة وبلغ قتله إليها وهي بشراف فلم تشك في أن طلحة هو صاحب الأمر وقالت: بعدا لنعثل وسحقا، إيه ذا الإصبع! ايه أبا شبل! ايه يا ابن عم! لكأني أنظر إلى إصبعه وهو يبايع له، حثوا الإبل ودعدعوها. قال: قد كان طلحة حين قتل عثمان أخذ مفاتيح بيت المال وأخذ نجائب كانت لعثمان في داره ثم فسد أمره فدفعها إلى علي بن أبي طالب.

14 - قال أبو مخنف لوط بن يحيى الأزدي في كتابه: إن عائشة لما بلغها قتل عثمان وهي بمكة أقبلت مسرعة وهي تقول: إيه ذا الإصبع لله أبوك، أما إنهم وجدوا طلحة لها كفوا، فلما انتهت إلى شراف (1) استقبلها عبيد بن أبي سلمة الليثي فقالت له: ما عندك؟ قال: قتل عثمان. قالت: ثم ماذا؟ قال: ثم حارت بهم الأمور إلى خير محار، بايعوا عليا. فقالت: لوددت أن السماء انطبقت على الأرض إن ثم هذا، ويحك انظر ماذا تقول. قال: هو ما قلت لك يا أم المؤمنين! فولولت. فقال لها: ما شأنك يا أم المؤمنين؟ والله ما أعرف بين لابتيها أحدا أولى بها منه ولا أحق، ولا أرى له نظيرا في جميع حالاته، فلماذا تكرهين ولايته؟ قال: فما ردت عليه جوابا.

وقد روي من طرق مختلفة: أن عائشة لما بلغها قتل عثمان وهي بمكة قالت: أبعده الله، ذلك بما قدمت يداه وما الله بظلام للعبيد.

15 - قال: وقد روى قيس بن أبي حازم: إنه حج في العام الذي قتل فيه عثمان وكان مع عائشة لما بلغها قتله فتحمل إلى المدينة قال: فسمعها تقول في بعض الطريق إيه ذا الإصبع. وإذا ذكرت عثمان قالت: أبعده الله. حتى أتاها خبر بيعة علي فقالت: لوددت أن هذه وقعت على هذه. ثم أمرت برد ركائبها إلى مكة فرددت معها ورأيتها في سيرها إلى مكة تخاطب نفسها كأنها تخاطب أحدا: قتلوا ابن عفان مظلوما. فقلت لها: يا أم المؤمنين! ألم أسمعك آنفا تقولين أبعده الله؟ وقد رأيتك قبل أشد الناس عليه وأقبحهم فيه قولا، فقالت: لقد كان ذلك ولكني نظرت في أمره فرأيتهم استتابوه حتى إذا تركوه كالفضة البيضاء أتوه صائما محرما في شهر حرام فقتلوه.

16 - قال: وروي من طرق أخرى: أنها قالت لما بلغها قتله: أبعده الله قتله ذنبه،

____________

(1) راجع صفحة 236 من الجزء الثامن، وص 80 من هذا الجزء.

الصفحة 81
وأقاده الله بعمله، يا معشر قريش! لا يسومنكم قتل عثمان كما سام أحمر ثمود قومه، إن أحق الناس بهذا الأمر ذو الإصبع. فلما جاءت الأخبار ببيعة علي عليه السلام قالت:

تعسوا لا يردون الأمر في تيم أبدا. كتب طلحة والزبير إلى عائشة وهي بمكة كتبا أن خذلي الناس عن بيعة علي، وأظهري الطلب بدم عثمان. وحملا الكتب مع ابن أختها عبد الله بن الزبير، فلما قرأت الكتب كاشفت وأظهرت الطلب بدم عثمان، وكانت أم سلمة رضي الله عنها بمكة في ذلك العام فلما رأت صنع عائشة قابلتها بنقيض ذلك وأظهرت موالاة علي عليه السلام ونصرته على مقتضى العداوة المركوزة في طباع الضرتين.

17 - قال أبو محنف: جاءت عائشة إلى أم سلمة تخادعها على الخروج للطلب بدم عثمان فقالت لها: يا بنت أبي أمية أنت أول مهاجرة من أزواج رسول الله صلى الله عليه وآله وأنت كبيرة أمهات المؤمنين، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يقسم لنا من بيتك، وكان جبريل أكثر ما يكون في منزلك. فقالت أم سلمة: لأمر ما قلت هذه المقالة؟ فقالت عائشة:

إن عبد الله أخبرني أن القوم استتابوا عثمان فلما تاب قتلوه صائما في شهر حرام، وقد عزمت على الخروج إلى البصرة ومعي الزبير وطلحة فاخرجي معنا لعل الله أن يصلح هذا الأمر على أيدينا وبنا. قالت: أنا أم سلمة، إنك كنت بالأمس تحرضين على عثمان وتقولين فيه أخبث القول، وما كان إسمه عندك إلا نعثلا، وإنك لتعرفين منزلة علي بن أبي طالب عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. الحديث (1).

18 - روى ابن عبد ربه عن العتبي قال: قال رجل من بني ليث: لقيت الزبير قادما فقلت: يا أبا عبد الله ما بالك؟ قال: مطلوب مغلوب يغلبني إبني ويطلبني ذنبي، قال: فقدمت المدينة فلقيت سعد بن أبي وقاص فقلت: أبا إسحاق! من قتل عثمان؟

قال: قتله سيف سلته عائشة، شحذه طلحة، وسمه علي. قلت: فما حال الزبير؟

قال: أشار بيده وصمت بلسانه.

وفي الإمامة والسياسة: كتب عمرو بن العاص إلى سعد بن أبي وقاص يسأله عن قتل عثمان ومن قتله ومن تولى كبره، فكتب إليه سعد: إنك سألتني من قتل عثمان، وإني أخبرك إنه قتل بسيف سلته عائشة، وصقله طلحة، وسمه ابن أبي طالب، و

____________

(1) فيه فوائد جمة لا تفوت الباحث وعليه به.

الصفحة 82
سكت الزبير وأشار بيده، وأمسكنا نحن ولو شئنا دفعنا عنه، ولكن عثمان غير وتغير وأحسن وأساء، فإن كنا أحسنا فقد أحسنا، وإن كنا أسأنا؟ فنستغفر الله، وأخبرك أن الزبير مغلوب بغلبة أهله وبطلبه بذنبه، وطلحة لو يجد أن يشق بطنه من حب الإمارة لشقه.

19 - وقال ابن عبد ربه: دخل المغيرة بن شعبة على عائشة فقالت: يا أبا عبد الله!

لو رأيتني يوم الجمل قد انفذت النصل هودجي حتى وصل بعضها إلى جلدي. قال لها المغيرة: وددت والله إن بعضها كان قتلك. قالت: يرحمك الله ولم تقول هذا؟ قال لعلها تكون كفارة في سعيك على عثمان. قالت: أما والله لئن قلت ذلك لما علم الله إني أردت قتله، ولكن علم الله إني أردت أن يقاتل فقوتلت، وأردت أن يرمى فرميت، وأردت أن يعصى فعصيت، ولو علم مني أني أردت قتله لقتلت.

20 - وروى ابن عبد ربه عن أبي سعيد الخدري قال: إن ناسا كانوا عند فسطاط عائشة وأنا معهم بمكة فمر بنا عثمان فما بقي أحد من القوم إلا لعنه غيري فكان فيهم رجل من أهل الكوفة فكان عثمان على الكوفة أجرأ منه على غيره فقال: يا كوفي!

أتشتمني؟ فلما قدم المدينة كان يتهدده قال: فقيل له: عليك بطلحة، قال: فانطلق معه حتى دخل على عثمان فقال عثمان: والله لأجلدنه مائة سوط. قال طلحة: والله لا تجلده مائة إلا أن يكون زانيا. قال: والله لأحرمنه عطاءه. قال: الله يرزقه.

21 - قال ابن الأثير والفيروز آبادي وابن منظور والزبيدي: النعثل الشيخ الأحمق ونعثل يهودي كان بالمدينة. قيل شبه به عثمان رضي الله عنه كما في التبصير، ونعثل رجل من أهل مصر كان طويل اللحية، قال أبو عبيد: كان يشبه عثمان، وشاتموا عثمان يسمونه نعثلا، وفي حديث عثمان إنه كان يخطب ذات يوم فقام رجل فنال منه فوذأه ابن سلام فاتذأ فقال له رجل: لا يمنعنك مكان ابن سلام أن تسب نعثلا فإنه من شيعته، وكان أعداء عثمان يسمونه نعثلا، وفي حديث عائشة: اقتلوا نعثلا قتل الله نعثلا. تعني عثمان، وكان هذا منها لما غاضبته وذهبت إلى مكة، وفي حياة الحيوان: النعثل كجعفر: الذكر من الضباع وكان أعداء عثمان يسمونه نعثلا.

22 - روى البلاذري في الأنساب قال: خرجت عائشة رضي الله تعالى عنه باكية

الصفحة 83
تقول: قتل عثمان رحمه الله. فقال لها عمار بن ياسر: أنت بالأمس تحرضين عليه ثم أنت اليوم تبكينه.

راجع طبقات ابن سعد 5: 25 ط ليدن، أنساب البلاذري 5: 70، 75، 91، الإمامة والسياسة 1: 43، 46، 57، تاريخ الطبري 5: 140، 166، 172، 176، العقد الفريد 2: 267، 272، تاريخ ابن عساكر 7: 319، الاستيعاب ترجمة الأحنف صخر بن قيس، تاريخ أبي الفدا ج 1: 172، شرح ابن أبي الحديد 2: 77، 506، تذكرة السبط ص 38، 40، نهاية ابن الأثير 4: 166، أسد الغابة 3: 15: الكامل لابن الأثير 3: 87، القاموس 4: 59، حياة الحيوان 2: 359، السيرة الحلبية 3: 314، لسان العرب 14: 193، تاج العروس 8: 141.

قال الأميني: هذه الروايات تعطينا درسا ضافيا بنظرية عائشة في عثمان وإنها لم تكن ترى له جدارة تسنم ذلك العرش، وبالغت في ذلك حتى ودت إزالته عن مستوى الوجود. فأحبت له أن يلقى في البحر وبرجله رحى تجره إلى أعماقه، أو أنه يجعل في غرارة من غرائرها وتشد عليه الحبال فيقذف في عباب اليم فيرسب فيه من غير خروج، أو أن يودي به حراب المتجمهرين عليه فتكسح عن الملأ معرة أحدوثاته، ولذلك كانت تثير الناس عليه بإخراج شعر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وثوبه ونعله، ولم تبرح تؤلب الملأ الديني عليه وتحثهم على مقته وتخذلهم عن نصرته في حضرها سفرها، وإنها لم تعدل عن تلكم النظرية حتى بعد ما أجهز على عثمان إلا لما علمت من انفلات الأمر عن طلحة الذي كانت عائشة تتهالك دون تأميره وتضمر تقديمه منذ كانت ترهج النقع على عثمان، وتهيج الأمة على قتله، فكانت تروم أن تعيد الإمرة تيمية مرة أخرى، و لعلها حجت لبث هاتيك الدعاية في طريقها وعند مجتمع الحجيج بمكة، فكان يسمع منها قولها في طلحة: إيه ذا الإصبع! إيه أبا شبل! إيه يا ابن عم لكأني أنظر إلى إصبعه وهو يبايع له، وقولها: إيه ذا الإصبع! لله أبوك، أما إنهم وجدوا طلحة لها كفوا.

وقولها في عثمان: اقتلوا نعثلا قتله الله فقد كفر وقولها لابن عباس: إياك أن ترد الناس عن هذا الطاغية، وقولها بمكة: بعدا لنعثل وسحقا، وقولها لما بلغها قتله: أبعده الله، ذلك ما قدمت يداه وما الله بظلام للعبيد.


الصفحة 84
لكنها لما علمت أن خلافة الله الكبرى عادت علوية واستقرت في مقرها الجدير بها - ولم يكن لها مع أمير المؤمنين عليه السلام هوى - قلبت عليها ظهر المجن، فطفقت تقول:

لوددت أن السماء انطبقت على الأرض إن تم هذا، وأظهرت الأسف على قتل عثمان ورجعت إلى مكة بعد ما خرجت منها، ونهضت ثائرة تطلب بدم عثمان لعلها تجلب الإمرة إلى طلحة من هذا الطريق، وإلا فما هي من أولياء ذلك الدم، وقد وضع عنها قود العساكر ومباشرة الحروب، لأنها امرأة خلقها الله لخدرها، وقد نهيت كبقية نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم خاصة عن التبرج، وقد أنذرها رسول الله صلى الله عليه وآله وحذرها عن خصوص واقعة الجمل، غير أنها أعرضت عن ذلك كله لما ترجح في نظرها من لزوم تأييد أمر طلحة، وتصاممت عن نبح كلاب الحوأب، وقد ذكره لها الصادق الأمين عند الانذار والتحذير ، ولم تزل يقودها الأمل حتى قتل طلحة فألمت بها الخيبة، وغلب أمر الله وهي كارهة.

3 - حديث عبد الرحمن بن عوف
أحد العشرة المبشرة، شيخ الشورى، بدري.

1 - أخرج البلاذري عن سعد قال: لما توفي أبو ذر بالزبدة تذاكر علي و عبد الرحمن بن عوف فعل عثمان فقال علي: هذا عملك. فقال عبد الرحمن: إذا شئت فخذ سيفك وآخذ سيفي، إنه قد خالف ما أعطاني.

2 - قال أبو الفدا: لما أحدث عثمان رضي الله عنه ما أحدث من توليته الأمصار للأحداث من أقاربه روي أنه قيل لعبد الرحمن بن عوف: هذا كله فعلك. فقال: ما كنت أظن هذا به، لكن لله علي أن لا أكلمه أبدا، ومات عبد الرحمن وهو مهاجر لعثمان رضي الله عنهما، ودخل عليه عثمان عائدا في مرضه فتحول إلى الحائط ولم يكلمه.

3 - روى البلاذري من طريق عثمان بن الشريد قال: ذكر عثمان عند عبد الرحمن ابن عوف في مرضه الذي مات فيه فقال عبد الرحمن: عاجلوه قبل أن يتمادى في ملكه فبلغ ذلك عثمان فبعث إلى بئر كان يسقى منها نعم عبد الرحمن بن عوف فمنعه إياها فقال عبد الرحمن: اللهم اجعل ماءها غورا. فما وجدت فيها قطرة.

4 - عن عبد الله بن ثعلبة قال: إن عبد الرحمن بن عوف كان حلف ألا يكلم عثمان أبدا.


الصفحة 85
5 - عن سعد قال: إن عبد الرحمن أوصى أن لا يصلي عليه عثمان، فصلى عليه الزبير أو سعد بن أبي وقاص، وتوفي سنة اثنتين وثلاثين.

6 - قال ابن عبد ربه: لما أحدث عثمان ما أحدث من تأمير الأحداث من أهل بيته على الجلة من أصحاب محمد قيل لعبد الرحمن: هذا عملك. قال: ما ظننت هذا. ثم مضى ودخل عليه وعاتبه وقال: إنما قدمتك على أن تسير فينا بسيرة أبي بكر وعمر فخالفتهما وحابيت أهل بيتك وأوطأتهم رقاب المسلمين. فقال: إن عمر كان يقطع قرابته في الله و أنا أصل قرابتي في الله. قال عبد الرحمن: لله علي أن لا أكلمك أبدا. فلم يكلمه أبدا حتى مات وهو مهاجر لعثمان، ودخل له عثمان عائدا له في مرضه فتحول عنه إلى الحائط ولم يكلمه.

راجع أنساب البلاذري 5: 57، العقد الفريد 2: 258، 261، 272، تاريخ أبي الفدا ج 1: 166.

7 - أخرج الطبري من طريق المسور بن المخرمة قال: قدمت إبل من إبل الصدقة على عثمان فوهبها لبعض بني الحكم فبلغ ذلك عبد الرحمن بن عوف فأرسل إلى المسور بن المخرمة وإلى عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث فأخذاها فقسمها عبد الرحمن في الناس وعثمان في الدار.

تاريخ الطبري 5: 113، الكامل لابن الأثير 3: 70، شرح ابن أبي الحديد 1: 165.

8 - قال أبو هلال العسكري في كتاب الأوائل: استجيبت دعوة علي عليه السلام في عثمان وعبد الرحمن فما ماتا إلا متهاجرين متعاديين، أرسل عبد الرحمن إلى عثمان يعاتبه (إلى أن قال): لما بنى عثمان قصره طمار الزوراء وصنع طعاما كثيرا ودعا الناس إليه كان فيهم عبد الرحمن فلما نظر إلى البناء والطعام قال: يا ابن عفان! لقد صدقنا عليك ما كنا نكذب فيك، وإني أستعيذ بالله من بيعتك، فغضب عثمان وقال: أخرجه عني يا غلام!

فأخرجوه وأمر الناس أن لا يجالسوه، فلم يكن يأتيه أحد إلا ابن عباس كان يأتيه فيتعلم منه القرآن والفرائض، ومرض عبد الرحمن فعاده عثمان وكلمه فلم يكلمه حتى مات.

شرح ابن أبي الحديد 1: 65، 66.


الصفحة 86
قول العسكري: استجيبت دعوة علي. إشارة إلى ما ورد من قوله عليه السلام يوم الشورى لعبد الرحمن بن عوف: والله ما فعلتها إلا لأنك رجوت منه ما رجا صاحبكما من صاحبه دق الله بينكما عطر منشم (1).

ومنشم امرأة عطارة من حمير، وكانت خزاعة وجرهم إذا أرادوا القتال تطيبوا من طيبها، وكانوا إذا فعلوا ذلك كثر القتلى فيما بينهم، فكان يقال: أشأم من عطر منشم فصار مثلا.

وقول عبد الرحمن: لقد صدقنا عليك ما كنا نكذب فيك. إيعاز إلى قول مولانا أمير المؤمنين يوم الشورى أيضا: أما إني أعلم أنهم سيولون عثمان، وليحدثن البدع و الأحداث، ولئن بقي لأذكرنك، وإن قتل أو مات ليتداولونها بنو أمية بينهم، وإن كنت حيا لتجدني حيث تكرهون (2).

قال الشيخ محمد عبدة في شرح نهج البلاغة 1: 35: لما حدث في عهد عثمان ما حدث من قيام الأحداث من أقاربه على ولاية الأمصار، ووجد عليه كبار الصحابة روي إنه قيل لعبد الرحمن: هذا عمل يديك. فقال: ما كنت أظن هذا به ولكن لله علي أن لا أكلمه أبدا، ثم مات عبد الرحمن وهو مهاجر لعثمان، حتى قيل: أن عثمان دخل عليه في مرضه يعوده فتحول إلى الحائط لا يكلمه، والله أعلم والحكم لله يفعل ما يشاء.

وقال ابن قتيبة في المعارف ص 239: كان عثمان بن عفان مهاجرا لعبد الرحمن ابن عوف حتى ماتا.

قال الأميني، لا بد أن يسائل هؤلاء عن أشياء فيقال لهم: إن سيرة الشيخين التي بويع عثمان عليها هل كانت تطابق سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو تخالفها؟ وعلى الأول فشرطها مستدرك، ولا شرط للخلافة إلا مطابقة كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ولا نقمة على تاركها إلا بترك السنة لا السيرة، فذكرها إلى جانب السنة الشريفة كضم اللا حجة إلى الحجة، أو كوضع الحجر إلى جنب الانسان، وعلى الثاني فإن من

____________

(1) شرح ابن أبي الحديد 1: 63.

(2) شرح ابن أبي الحديد 1: 64.

الصفحة 87
الواجب على كل مسلم مخالفتها بعد فرض إيمانه بالله وبكتابه ورسوله واليوم الآخر، فكان من حق المقام أن ينكروا على عثمان مخالفة السنة فحسب. ولهذا لم يقبل مولانا أمير المؤمنين لما ألقى إليه عبد الرحمن أمر البيعة على الشرط المذكور إلا مطابقة أمره للسنة والاجتهاد فيها (1).

وليت شعري إنه لما شرط ابن عوف على عثمان ذلك هل كان يعلم بما قلناه من الموافقة أو المخالفة أو لا؟ وعلى فرض علمه يتوجه عليه ما سطرناه على كل من الفرضين، وعلى تقدير عدم علمه وهو أبعد شئ، يفرض فكيف شرط عليه ما لا يعلم حقيقته، وكيف يناط أمر الدين وزعامته الكبرى بحقيقة مجهولة؟ وما الفائدة في اشتراطه؟.

وللباقلاني في التمهيد ص 210 في بيان هذا الشرط وجه نجل عنه ساحة كل متعلم فاهم فضلا عن عالم مثله.

ثم نأتي إلى عثمان فنحاسبه على قبوله لأول وهلة، هل كل يعلم شيئا مما قدمناه من النسبة بين السنة والسيرة أولا؟ فهلا شرط الأمر على تقدير الموافقة؟ ورفضه على فرض المخافة؟ وإن كان لا يعلم فكيف قبل شرطا لا يدري ما هو؟ ثم هل كان يعلم يومئذ أنه يطيق على ذلك أو لا؟ أو كان يعلم أنه لا يطيقه؟ وعلى الأخير فكيف قبل ما لا يطيقه؟ وعلى الثاني كيف أقدم على الخطر فيما لا يعلم أنه يتسنى له أن ينوء به؟ وعلى الأول فلما ذا خالف ما أشترط عليه وقبله ووجدت البيعة عليه؟ وحصل القبول والرضا من الأمة به؟ ثم جاء يعتذر لما أخذه ابن عوف بمخالفته إياها بأنه لا يطيق ذلك فقال فيما أخرجه أحمد في مسنده 1: 68 من طريق شقيق: وأما قوله: ولم أترك سنة عمر؟ فإني لا أطيقها ولا هو. وذكره ابن كثير في تاريخه 7: 206.

وكيفما أجيب عن هذه المسائل فعبرتنا الآن بنظرية عبد الرحمن بن عوف الأخيرة في الخليفة، وهي من أوضح الحقايق لمن استشف ما ذكرناه من قوله له: إني أستعيذ بالله من بيعتك. وقوله لمولانا أمير المؤمنين عليه السلام: إذا شئت فخذ سيفك وآخذ

____________

(1) مسند أحمد 1: 75، تاريخ الطبري 5: 40، تمهيد الباقلاني ص 209، تاريخ ابن كثير 7: 146.

الصفحة 88
سيفي. إلخ. مستحلا قتاله، وقوله: عاجلوه قبل أن يتمادى في ملكه. وقد بالغ في الإنكار عليه ورأيه في سقوطه أنه لم يره أهلا للصلاة عليه وأوصى بذلك عند وفاته فصلى عليه الزبير، وهجره وحلف أن لا يكلمه أبدا حتى أنه حول وجهه إلى الحائط لما جاء عائدا، وإنه كان لا يرى لتصرفاته نفوذا ولذلك لما بلغه إعطاء عثمان إبل الصدقة لبعض بني الحكم أرسل إليها المسور بن المخرمة وعبد الرحمن بن الأسود فأخذها فقسمها عبد الرحمن في الناس وعثمان في الدار، ولهذه كلها كان يراه عثمان منافقا و يقذفه بالنفاق كما ذكره ابن حجر في الصواعق ص 68 وأجاب عنه متسالما عليه بأنه كان متوحشا منه لأنه كان يجيئه كثيرا. إقرأ واضحك. وذكره الحلبي في السيرة 2: 87 فقال: أجاب عنه ابن حجر ولم يذكر الجواب لعلمه بأنه أضحوكة.

ونسائل القوم بصورة أخرى مع قطع النظر عن جميع ما قلناه: إن ما اشترط على عثمان وعقد عليه أمره هل كان واجب الوفاء؟ أو كان لعثمان منتدح عنه بتركه؟

وعلى الأول فما وجه مخالفة الخليفة له؟ ولماذا لم يقبله مولانا أمير المؤمنين عليه السلام وهو عيبة علم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والعارف بأحكامه وسننه وبصلاح الأمة منذ بدء أمرها إلى منصرمه، وهل يخلع الخليفة في صورة المخالفة؟ فلما ذا كان عثمان لا يروقه التنازل عن أمره لما أرادت الصحابة خلعه للمخالفة؟ أو أنه لا يخلع؟ فلماذا تجمهروا عليه فخلعوه وقتلوه؟ وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم العدول كلهم في نظر القوم، وإن كان لا يجب الوفاء به؟ فلماذا لم يبايعوا أمير المؤمنين عليه السلام لما جاء بعدم الالتزام بما لا يجب الوفاء به؟ وما معنى اعتذار عبد الرحمن بن عوف في تقديمه عثمان على أمير المؤمنين عليه السلام بأنه قبل متابعة سيرة الشيخين ولم يقبلها علي عليه السلام؟ ولماذا ألزموا عثمان به؟ ولماذا التزم به عثمان؟ ولماذا تمت البيعة عليه؟ ولماذا تجمهروا عليه لما شاهدوا منه المخالفة؟.

وليسئلن يوم القيامة عما كانوا يفترون
فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم ولا هم يستعتبون

الصفحة 89

4 - حديث طلحة بن عبيد الله
أحد العشرة المبشرة، وأحد الستة أصحاب الشورى

1 - من كلام لمولانا أمير المؤمنين في طلحة: والله ما استعجل متجردا للطلب بدم عثمان إلا خوفا من أن يطالب بدمه لأنه مظنته، ولم يكن في القوم أحرص عليه منه، فأراد أن يغالط بما أجلب فيه ليلبس الأمر ويقع الشك، ووالله ما صنع في أمر عثمان واحدة من ثلاث: لئن كان ابن عفان ظالما - كما كان يزعم - لقد كان ينبغي له أن يوازر قاتليه أو ينابذ ناصريه. ولئن كان مظلوما لقد كان ينبغي له أن يكون من المنهنهين عنه والمعذرين فيه. ولئن كان في شك من الخصلتين لقد كان ينبغي له أن يعتزله ويركد جانبا ويدع الناس معه، فما فعل واحدة من الثلاث، وجاء بأمر لم يعرف بابه، ولم تسلم معاذيره. (1).

قال ابن أبي الحديد في الشرح 2: 506: فإن قلت: يمكن أن يكون طلحة إعتقد إباحة دم عثمان أولا ثم تبدل ذلك الاعتقاد بعد قتله فاعتقد أن قتله حرام وأنه يجب أن يقتص من قاتليه. قلت: لو اعترف بذلك لم يقسم علي عليه السلام هذا التقسيم و إنما قسمه لبقائه على اعتقاد واحد، وهذا التقسيم مع فرض بقائه على اعتقاد واحد صحيح لا مطعن فيه، وكذا كان حال طلحة فإنه لم ينقل عنه إنه قال: ندمت على ما فعلت بعثمان.

فإن قلت: كيف قال أمير المؤمنين: فما فعل واحدة من الثلاث؟ وقد فعل واحدة منها لأنه وازر قاتليه حيث كان محصورا. قلت: مراده: إنه إن كان عثمان ظالما وجب أن يوازر قاتليه بعد قتله يحامي عنهم ويمنعهم ممن يروم دماءهم، ومعلوم أنه لم يفعل ذلك. وإنما وازرهم وعثمان حي وذلك غير داخل في التقسيم. ا هـ.

2 - أخرج الطبري من طريق حكيم بن جابر قال: قال علي لطلحة - وعثمان محصور -: أنشدك الله إلا رددت الناس عن عثمان قال: لا والله حتى تعطي بنو أمية الحق من أنفسها.

____________

(1) نهج البلاغة 1: 323.

الصفحة 90
تاريخ الطبري 5: 139، شرح ابن أبي الحديد 1: 168 فقال: فكان علي عليه السلام يقول: لحا الله ابن الصعبة أعطاه عثمان ما أعطاه وفعل به ما فعل.

3 - أخرج الطبري من طريق بشر بن سعيد قال: حدثني عبد الله بن عباس بن أبي ربيعة قال: دخلت على عثمان رضي الله عنه فتحدثت عنه ساعة فقال: يا ابن عباس! تعال فأخذ بيدي فأسمعني كلام من على باب عثمان فسمعنا كلاما، منهم من يقول: ما تنتظرون به؟ ومنهم من يقول: انظروا عسى أن يراجع، فبينا أنا وهو واقفان إذ مر طلحة بن عبيد الله فوقف فقال: أين ابن عديس؟ فقيل: هاهوذا. قال: فجاء ابن عديس فناجاه بشئ ثم رجع ابن عديس فقال لأصحابه: لا تتركوا أحدا يدخل على هذا الرجل ولا يخرج من عنده قال: فقال لي عثمان: هذا ما أمر به طلحة بن عبيد الله ثم قال عثمان: أللهم اكفني طلحة بن عبيد الله فإنه حمل علي هؤلاء وألبهم، والله إني لأرجو أن يكون منها صفرا وأن يسفك دمه، إنه انتهك مني ما لا يحل له، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يحل دم امرئ مسلم إلا في إحدى ثلاث: رجل كفر بعد إسلامه فيقتل، أو رجل زنى بعد إحصانه فيرجم، أو رجل قتل نفسا بغير نفس. ففيم أقتل؟ قال: ثم رجع عثمان. قال ابن عباس: فأردت أن أخرج فمنعوني حتى مر بي محمد بن أبي بكر فقال: خلوه. فخلوني.    تاريخ الطبري 5: 122، الكامل ابن الأثير 3: 73.

4 - أخرج الطبري من طريق الحسن البصري: إن طلحة بن عبيد الله باع أرضا له من عثمان بسبعمائة ألف فحملها إليه فقال طلحة: إن رجلا تتسق هذه عنه (1) وفي بيته لا يدري ما يطرقه من أمر الله عز وجل لغرير بالله سبحانه، فبات ورسوله يختلف بها في سكك المدينة يقسمها حتى أصبح فأصبح وما عنده منها درهم. قال الحسن: وجاء هاهنا يطلب الدينار والدرهم. أو قال: الصفراء والبيضاء.    تاريخ الطبري 5: 139، تاريخ ابن عساكر 7: 81.

5 - حكى ابن أبي الحديد عن الطبري: إن عثمان كان له على طلحة خمسون ألفا فخرج عثمان يوما إلى المسجد فقال له طلحة: قد تهيأ مالك فاقبضه فقال: هو لك

____________

(1) في شرح ابن أبي الحديد: عنده.

الصفحة 91
يا أبا محمد معونة لك على مروءتك. قال: فكان عثمان يقول وهو محصور جزاء سنمار (1).

وقال ابن أبي الحديد: كان طلحة من أشد الناس تحريضا عليه، وكان الزبير دونه في ذلك. روي أن عثمان قال: ويلي على ابن الحضرمية - يعني طلحة - أعطيته كذا وكذا بهار أذهبا وهو يروم دمي يحرض على نفسي، أللهم لا تمتعه به ولقه عواقب بغيه.

قال: وروى الناس الذين صنفوا في واقعة الدار: إن طلحة كان يوم قتل عثمان مقنعا بثوب قد استتر به عن أعين الناس يرمي الدار بالسهام، ورووا أيضا: إنه لما أمتنع على الذين حصروه الدخول من باب الدار حملهم طلحة إلى دار لبعض الأنصار فأصعدهم إلى سطحها وتسوروا منها على عثمان داره فقتلوه. شرح ابن أبي الحديد 2: 404.

6 - روى المدائني في كتاب مقتل عثمان: إن طلحة منع من دفنه ثلاثة أيام، وإن عليا لم يبايع الناس إلا بعد قتل عثمان بخمسة أيام، وأن حكيم بن حزام أحد بني أسد ابن عبد العزى وجبير بن مطعم بن الحرث بن نوفل استنجدا بعلي على دفنه فأقعد طلحة لهم في الطريق ناسا بالحجارة فخرج به نفر يسير من أهله وهم يريدون به حائطا بالمدينة يعرف بحش كوكب كانت اليهود تدفن فيه موتاهم، فلما صار هناك رجم سريره وهموا بطرحه، فأرسل علي إلى الناس يعزم عليهم ليكفوا عنه، فكفوا فانطلقوا به حتى دفنوه في حش كوكب.

وأخرج المدائني في الكتاب قال: دفن عثمان بين المغرب والعتمة ولم يشهد جنازته إلا مروان بن الحكم وابنة عثمان وثلاثة من مواليه فرفعت ابنته صوتها تندبه وقد جعل طلحة ناسا هناك أكمنهم كمينا فأخذتهم الحجارة وصاحوا: نعثل نعثل، فقالوا: الحائط الحائط. فدفن في حائط هناك.

7 - أخرج الواقدي قال: لما قتل عثمان تكلموا في دفنه فقال طلحة: يدفن بدير سلع. يعني مقابر اليهود. ورواه طبري في تاريخه 5: 143 غير أن فيه مكان طلحة: رجل.

8 - أخرج الطبري بالإسناد قال: حصر عثمان وعلي بخيبر فلما قدم أرسل إليه

____________

(1) هذا الحديث أخرجه الطبري في تاريخه 5: 139 وليس فيه ما حكاه عنه ابن أبي الحديد (فكان عثمان يقول وهو محصور: جزاء سنمار).