الصفحة 214

وقوله: إن عثمان لجيفة على الصراط غدا.

وقول عمار يوم صفين: امضوا معي عباد الله إلى قوم يطلبون فيما يزعمون بدم الظالم لنفسه الحاكم على عباد الله بغير ما في كتاب الله.

وقوله: ما تركت في نفسي حزة أهم إلي من أن لا نكون نبشنا عثمان من قبره ثم أحرقناه بالنار.

وقوله: أراد أن يغير ديننا فقتلناه.

وقوله: والله إن كان إلا ظالما لنفسه الحاكم بغير ما أنزل الله.

وقوله: إنما قتله الصالحون المنكرون للعدوان الآمرون بالاحسان.

وقول حجر بن عدي وأصحابه: هو أول من جار في الحكم وعمل بغير الحق.

وقول عبد الرحمن العنزي: هو أول من فتح أبواب الظلم، وارتج أبواب الحق.

وقول هاشم المرقال: إنما قتله أصحاب محمد وقراء الناس حين أحدث أحداثا و خالف حكم الكتاب، وأصحاب محمد هم أصحاب الدين، وأولى بالنظر في أمور المسلمين وقول عمرو بن العاص: أنا أبو عبد الله إذا حككت قرحة نكأتها، إن كنت لأحرض عليه حتى إني لأحرض عليه الراعي في غنمه في رأس الجبل.

وقوله له: ركبت بهذه الأمة نهابير من الأمور فركبوها منك، وملت بهم فمالوا بك، اعدل أو اعتزل.

وقوله: أنا عبد الله قتلته وأنا بوادي السباع.

وقول سعد بن أبي وقاص: إنه قتل بسيف سلته عائشة، وصقله طلحة، وسمه ابن أبي طالب، وسكت الزبير وأشار بيده، وأمسكنا نحن ولو شئنا دفعناه عنه. إلخ.

وقول جهجاه الغفاري: قم يا نعثل! فأنزل عن هذا المنبر، ندرعك عباءة، ولنطرحك في الجامعة، ولنحملك على شارف من الإبل ثم نطرحك في جبل الدخان.

وقول مالك الأشتر: إلى الخليفة المبتلى الخاطئ الحائد عن سنة نبيه، النابذ لحكم القرآن وراء ظهره.

وقول عمرو بن زرارة: إن عثمان قد ترك الحق وهو يعرفه. الخ.

وقول الحجاج بن غزية الأنصاري: والله لو لم يبق من عمره إلا بين الظهر والعصر

الصفحة 215
لتقربنا إلى الله بدمه.

وقول قيس بن سعد الأنصاري: أول الناس كان فيه " قتل عثمان " قياما عشيرتي ولهم أسوة.

وقول جبلة بن عمرو الأنصاري: يا نعثل! والله لأقتلنك ولأحملنك على قلوص جرباء ولأخرجنك إلى حرة النار.

وقوله وقد سئل الكف عن عثمان: والله لا ألقى الله غدا فأقول: إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيل.

وقول محمد بن أبي بكر له: على أي دين أنت يا نعثل؟ غيرت كتاب الله. وقوله له: الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين.

وقول الصحابة مجيبين لقوله: لا تقتلوني فإنه لا يحل إلا قتل ثلاثة: إنا نجد في كتاب الله قتل غير الثلاثة الذين سميت، قتل من سعى في الأرض فسادا، وقتل من بغى ثم قاتل على بغيه، وقتل من حال دون شئ من الحق ومنعه ثم قاتل دون وكابر عليه، وقد بغيت، ومنعت الحق، وحلت دونه وكابرت عليه. الخ.

وقول عبد الله بن أبي سفيان بن الحارث من أبيات مرت ج 8: 288.

وشبهته كسرى وقد كان مثله * شبيها بكسرى هديه وضرائبه

إلى كلمات آخرين محكمات وأخر متشابهات، يشبه بعضها بعضا.

إن في هذا المأزق الحرج لا بد لنا من ركوب إحدى الصعبتين، والحكم هي الفطرة السليمة مهما دار الأمر بين تخطئة إنسان واحد محتف بالأحداث، وبين تضليل آلاف مؤلفة فيهم الأئمة والعلماء والحكماء والصالحون وقد ورد في فضلهم ما ورد كما نرتأيه نحن، أو أن كلهم عدول يحتج بأقوالهم وأفعالهم كما يحبسه أهل السنة، وإن كان في البين اجتهاد كما يحسبونه في أمثال المقام فهو في الطرفين، والتحكم بإصابة إنسان واحد وخطأ تلك الأمة الكبيرة في اجتهادها، تهور بحت، وتمحل لا يصار إليه، وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط، إن الله يحب المقسطين.


الصفحة 216

سلسلة الموضوعات
في قصة الدار وتبرير الخليفة والنظر فيها

1 - قال الطبري في تاريخه 5: 98: فيما كتب به إلي السري عن شعيب عن سيف عن عطية عن يزيد الفقعسي قال: كان عبد الله بن سبا يهوديا من أهل صنعاء أمه سوداء فأسلم زمان عثمان، ثم تنقل في بلدان المسلمين يحاول ضلالتهم، فبدأ بالحجاز ثم البصرة ثم الكوفة ثم الشام، فلم يقدر على ما يريد عند أحد من أهل الشام، فأخرجوه حتى أتى مصر فاعتمر فيهم فقال لهم فيما يقول: لعجب ممن يزعم أن عيسى يرجع ويكذب بأن محمدا يرجع وقد قال الله عز وجل: إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد. فمحمد أحق بالرجوع من عيسى: قال: فقبل ذلك عنه ووضع لهم الرجعة فتكلموا فيها، ثم قال لهم بعد ذلك: إنه كان ألف نبي ولكل نبي وصي وكان علي وصي محمد. ثم قال: محمد خاتم الأنبياء وعلي خاتم الأوصياء. ثم قال بعد ذلك: من أظلم ممن لم يجز وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم ووثب على وصي رسول الله صلى الله عليه وسلم وتناول أمر الأمة ثم قال لهم بعد ذلك: إن عثمان أخذها بغير حق وهذا وصي رسول الله صلى الله عليه وسلم فانهضوا في هذا الأمر فحركوه وابدأوا بالطعن على أمرائكم وأظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تستميلوا الناس، وادعوهم إلى هذا الأمر، فبث دعاته وكاتب من كان استفسد في الأمصار وكاتبوه ودعوا في السر إلى ما عليه رأيهم، وأظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجعلوا يكتبون إلى الأمصار بكتب يضعونها في عيوب ولاتهم ويكاتبهم إخوانهم بمثل ذلك، ويكتب أهل كل مصر منهم إلى مصر آخر بما يضعون فيقرأ أولئك في أمصارهم وهؤلاء في أمصارهم، حتى تناولوا بذلك المدينة وأوسعوا الأرض ازاعة، وهم يريدون غير ما يظهرون، ويسرون غير ما يبدون، فيقول أهل كل مصر: إنا لفي عافية مما ابتلى به هؤلاء إلا أهل المدينة فإنهم جاءهم ذلك عن جميع الأمصار فقالوا: إنا لفي عافية مما فيه الناس، وجامعه محمد وطلحة من هذا المكان قالوا: فأتوا عثمان فقالوا: يا أمير المؤمنين! أيأتيك عن الناس الذي يأتينا؟ قال: لا والله ما جاءني إلا السلامة. قالوا: فإنا قد أتانا وأخبروه بالذي أسقطوا إليهم، قال: فأنتم

الصفحة 217
شركائي وشهود المؤمنين فأشيروا علي، قالوا: نشير عليك أن تبعث رجالا ممن تثق بهم إلى الأمصار حتى يرجعوا إليك بأخبارهم، فدعا محمد بن مسلمة فأرسله إلى الكوفة، وأرسل أسامة بن زيد إلى البصرة، وأرسل عمار بن ياسر إلى مصر، وأرسل عبد الله ابن عمر إلى الشام، وفرق رجالا سواهم فرجعوا جميعا قبل عمار فقالوا: أيها الناس ما أنكرنا شيئا ولا أنكره أعلام المسلمين ولا عوامهم، قالوا جميعا: الأمر أمر المسلمين إلا أن أمرائهم يقسطون بينهم ويقومون عليهم، واستبطأ الناس عمارا حتى ظنوا أنه قد اغتيل فلم يفجأهم إلا كتاب من عبد الله بن سعد بن أبي سرح يخبرهم أن عمارا قد استماله قوم بمصر وقد انقطعوا إليه منهم: عبد الله بن السوداء، وخالد بن ملجم، وسودان بن حمران، وكنانة بن بشر.

قال الأميني: لو كان ابن سبا بلغ هذا المبلغ من إلقاح الفتن، وشق عصا المسلمين وقد علم به وبعيثه أمراء الأمة وساستها في البلاد، وانتهى أمره إلى خليفة الوقت، فلماذا لم يقع عليه الطلب؟ ولم يبلغه القبض عليه، والأخذ بتلكم الجنايات الخطرة، والتأديب بالضرب والاهانة، والزج إلى أعماق السجون؟ ولا آل أمره إلى الإعدام المريح للأمة من شره وفساده، كما وقع ذلك كله على الصلحاء الأبرار الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، وهتاف القرآن الكريم يرن في مسامع الملأ الديني:

إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض، ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم    " المائدة: 33 ".

فهلا اجتاح الخليفة جرثومة تلكم القلاقل بقتله؟ وهل كان تجهمه وغلظته قصرا على الأبرار من أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم؟ ففعل بهم ما فعل مما أسلفنا بعضه في هذا الجزء والجزء الثامن.

هب أن ابن سبا هو الذي أمال الأمصار على مناوءة الخليفة فهل كان هو مختلقا تلكم الأنباء من دون انطباقها على شئ من أعمال عثمان وولاته؟ فنهضت الأمة وفيهم وجوه المهاجرين والأنصار على لا شئ؟ أو أن ما كان يقوله قد انطبق على ما كانوا يأتون به من الجرائم والمآثم، فكانت نهضة الأمة لاكتساحها نهضة دينية يخضع لها كل مسلم

الصفحة 218
وإن كان ابن اليهودية خلط نفسه بالناهضين لأي غاية راقته، وما أكثر الأخلاط في الحركات الصحيحة من غير أن يمس كونهم مع الهايجين بشئ من كرامتهم.

ولو كان ما أنهاه إليهم ابن سبأ عزوا مختلقا فهلا - لما قدمت وفود الأمصار المدينة - قال لهم المدنيون: إن الرجل برئ من هذه القذائف والهنات وهو بين ظهرانيهم يرون ما يفعل، ويسمعون ما يقول؟ لكنهم بدلا عن ذلك أصفقوا مع القادمين، بل صاروا هم القدوة والأسوة في تلك النهضة، وكانوا قبل مقدمهم ناقمين عليه.

ونحن والدكتور طه حسين نصافق عند رأيه هاهنا حيث قال في كتابه " الفتنة الكبرى ص 134: وأكبر الظن أن عبد الله بن سبأ هذا - إن كان كل ما يروى عنه صحيحا - إنما قال ما قال ودعا إلى ما دعا إليه بعد أن كانت الفتنة وعظم الخلاف فهو قد استغل الفتنة ولم يثرها، وأكبر الظن كذلك أن خصوم الشيعة أيام الأمويين والعباسيين قد بالغوا في أمر عبد الله بن سبأ هذا، ليشككوا في بعض ما نسب من الأحداث إلى عثمان وولاته من ناحية، وليشنعوا على علي وشيعته من ناحية أخرى، فيردوا بعض أمور الشيعة إلى يهودي أسلم كيدا للمسلمين، وما أكثر ما شنع خصوم الشيعة على الشيعة؟ وما أكثر ما شنع الشيعة على خصومهم في أمر عثمان وفي غير أمر عثمان؟

فلنقف من هذا كله موقف التحفظ والتحرج والاحتياط، ولنكبر المسلمين في صدر الاسلام عن أن يعبث بدينهم وسياستهم وعقولهم ودولتهم رجل أقبل من صنعاء وكان أبوه يهوديا وكانت أمه سوداء، وكان هو يهوديا ثم أسلم لا رغبا ولا رهبا ولكن مكرا وكيدا وخداعا، ثم أتيح له من النجح ما كان يبتغي، فحرض المسلمين على خليفتهم حتى قتلوه، وفرقهم بعد ذلك أو قبل ذلك شيعا وأحزابا.

هذه كلها أمور لا تستقيم للعقل، ولا تثبت للنقد، ولا ينبغي أن تقام عليها أمور التاريخ، وإنما الشئ الواضح الذي ليس فيه شك هو أن ظروف الحياة الإسلامية في ذلك الوقت كانت بطبعها تدفع إلى اختلاف الرأي وافتراق الأهواء ونشأة المذاهب السياسية المتباينة، فالمستمسكون بنصوص القرآن وسنة النبي وسيرة صاحبيه كانوا يرون أمورا تطرأ ينكرونها ولا يعرفونها، ويريدون أن تواجه كما كان عمر يواجهها في حزم وشدة وضبط للنفس وضبط للرعية، والشباب الناشئون في قريش وغير قريش

الصفحة 219
من أحياء العرب كانوا يستقبلون هذه الأمور الجديدة بنفوس جديدة، فيها الطمع، وفيها الطموح، وفيها الأثرة، وفيها الأمل البعيد، وفيها الهم الذي لا يعرف حدا يقف عنده، وفيها من أجل هذا كله التنافس والتزاحم لا على المناصب وحدها بل عليها و على كل شئ من حولها. وهذه الأمور الجديدة نفسها كانت خليقة أن تدفع الشيوخ والشباب إلى ما دفعوا إليه، فهذه أقطار واسعة من الأرض تفتح عليهم، وهذه أموال لا تحصى تجبى لهم من هذه الأقطار، فأي غرابة في أن يتنافسوا في إدارة هذه الأقطار المفتوحة والانتفاع بهذه الأموال المجموعة؟ وهذه بلاد أخرى لم تفتح وكل شئ يدعوهم إلى أن يفتحوها كما فتحوا غيرها، فما لهم لا يستبقون إلى الفتح؟ وما لهم لا يتنافسون فيما يكسبه الفاتحون من المجد والغنيمة إن كانوا من طلاب الدنيا، ومن الأجر والمثوبة إن كانوا من طلاب الآخرة ثم ما لهم جميعا لا يختلفون في سياسة هذا الملك الضخم وهذا الثراء العريض؟ وأي غرابة في أن يندفع الطامعون الطامحون من شباب قريش هذه الأبواب التي فتحت لهم ليلجوا منها إلى المجد والسلطان والثراء؟

وأي غرابة في أن يهم بمنافستهم في ذلك شباب الأنصار وشباب الأحياء الأخرى من العرب؟ وفي أن يمتلئ قلوبهم موجدة وحفيظة وغيظا إذا رأوا الخليفة يحول بينهم وبين هذه المنافسة، ويؤثر قريشا بعظائم الأمور، ويؤثر بني أمية بأعظم هذه العظائم من الأمور خطرا وأجلها شأنا.

والشئ الذي ليس فيه شك هو أن عثمان قد ولى الوليد وسعيدا على الكوفة بعد أن عزل سعدا، وولى عبد الله بن عامر على البصرة بعد أن عزل أبا موسى. وجمع الشام كلها لمعاوية وبسط سلطانه عليها إلى أبعد حد ممكن بعد أن كانت الشام ولايات تشارك في إدارتها قريش وغيرها من أحياء العرب، وولى عبد الله بن أبي سرح مصر بعد أن عزل عنها عمرو بن العاص، وكل هؤلاء الولاة من ذوي قرابة عثمان، منهم أخوه لأمه، ومنهم أخوه في الرضاعة، ومنهم خاله، ومنهم من يجتمع معه في نسبه الأدنى إلى أمية بن عبد شمس.

كل هذه حقائق لا سبيل إلى إنكارها، وما نعلم أن ابن سبأ قد أغرى عثمان بتولية من ولى وعزل من عزل، وقد أنكر الناس في جميع العصور على الملوك والقياصرة

الصفحة 220
والولاة والأمراء إيثار ذوي قرابتهم بشؤون الحكم، وليس المسلمون الذين كانوا رعية لعثمان بدعا من الناس، فهم قد أنكروا وعرفوا ما ينكر الناس ويعرفون في جميع العصور. إنتهى حرفيا.

على أن ما تضمنته هذه الرواية من بعث عمار إلى مصر وغيره إلى بقية البلاد مما لا يكاد أن يذعن به، أو أن يكون له مقيل من الصحة، ولم يذكر في غير هذه الرواية الموضوعة المكذوبة على ألسنة رواتها المتراوحين بين زندقة وكذب وجهالة، فإن ما يعطيه النظر في مجموع ما روي حول مشكلة عثمان أن عمارا ومحمد بن مسلمة لم يفارقا المدينة طيلة أيامها ومنذ مبادئها إلى غايتها المفضية إلى مقتل عثمان، وعمار هو الذي كان في مقدم الثائرين عليه من أول يومه الناقمين على أعماله، وقد أراد نفيه إلى الربذة منفى أبي ذر بعد وفاته فيه رضوان الله عليهما فمنعته المهاجرون والأنصار كما مر حديثه، وكم وقع عليه في تضاعيف تلكم الأحوال تعذيب وضرب وتعنيف، وكان عثمان يعلم بكراهة عمار إياه منذ يومه الأول، فمتى كان يستنصح عمارا حتى يبعثه إلى البلاد فيحكي عمار له أخبارها، أو يستميله ابن سبأ وأصحابه؟ وهذا مما لا يعزب علمه عن أي باحث كما تنبه له الدكتور طه حسين في " الفتنة الكبرى " ص 128 حيث قال:

أكاد أقطع بأن عمارا لم يرسل إلى مصر ولم يشارك هذين الفتيين (1) فيما كانا بسبيله من التحريض وإنما هي قصة اخترعها العاذرون لعثمان فيما كان بينه وبين عمار قبل ذلك أو بعده مما سنراه بعد حين. ا هـ.

2 - قال الطبري ص 99: كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة وعطية قالوا: كتب عثمان إلى أهل الأمصار:

أما بعد فإني آخذ العمال بموافاتي في كل موسم، وقد سلطت الأمة منذ وليت على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلا يرفع علي شئ ولا على أحد من عمالي إلا أعطيته، وليس لي ولعيالي حق قبل الرعية إلا متروك لهم، وقد رفع إلى أهل المدينة أن أقواما يشتمون، وآخرون يضربون، فيا من ضرب سرا وشتم سرا، من ادعى شيئا من ذلك فليواف الموسم فليأخذ بحقه حيث كان مني أو من عمالي أو تصدقوا

____________

(1) يعني بهما: محمد بن أبي بكر ومحمد بن أبي حذيفة.

الصفحة 221
فإن الله يجزي المتصدقين.

فلما قرئ في الأمصار أبكي الناس ودعوا لعثمان وقالوا: إن الأمة لتمخض بشر، وبعث إلى عمال الأمصار فقدموا عليه عبد الله بن عامر، ومعاوية، وعبد الله ابن سعد، وادخل معهم في المشورة سعيدا وعمرا فقال: ويحكم ما هذه الشكاية وما هذه الاذاعة؟ إني والله لخائف أن تكونوا مصدوقا عليكم وما يعصب هذا إلا بي، فقالوا له: ألم تبعث؟ ألم نرجع إليك الخبر عن القوم ألم يرجعوا ولم يشافههم أحد بشئ؟ لا والله ما صدقوا ولا بروا ولا نعلم لهذا الأمر أصلا، ولا كنت لتأخذ به أحدا فيقيمك على شئ، وما هي إلا إذاعة لا يحل الأخذ بها ولا الانتهاء إليها. قال: فأشيروا علي. فقال سعيد بن العاص: هذا أمر مصنوع يصنع في السر فيلقى به غير ذي المعرفة فيخبر به فيتحدث به في مجالسهم، قال: فما دواء ذلك؟ قال: طلب هؤلاء القوم ثم قتل هؤلاء الذين يخرج هذا من عندهم. وقال عبد الله بن سعد: خذ من الناس الذي عليهم إذا أعطيتهم الذي لهم فإنه خير من أن تدعهم. قال معاوية: قد وليتني فوليت قوما لا يأتيك عنهم إلا الخير والرجلان أعلم بناحيتيهما. قال: فما الرأي؟ قال: حسن الأدب. قال: فما ترى يا عمرو؟ قال: أرى أنك قد لنت لهم، وتراخيت عنهم، و زدتهم على ما كان يصنع عمر، فأرى أن تلزم طريقة صاحبيك فتشتد في موضع الشدة وتلين في موضع اللين، إن الشدة تنبغي لمن لا يألو الناس شرا، واللين لمن يخلف الناس بالنصح، وقد فرشتهما جميعا اللين، وقام عثمان فحمد الله وأثنى عليه وقال: كل ما أشرتم به علي قد سمعت، ولكل أمر باب يؤتى منه، إن هذا الأمر الذي يخاف على هذه الأمة كائن، وإن بابه الذي يغلق عليه فيكفكف به اللين والمؤاناة والمتابعة إلا في حدود الله تعالى ذكره التي لا يستطيع أحد أن يبادي بعيب أحدها، فإن سده شئ فرفق فذاك والله ليفتحن وليست لأحد علي حجة حق، وقد علم الله أني لم آل الناس وخيرا ولا نفسي، ووالله إن رحى الفتنة لدائرة، فطوبى لعثمان إن مات ولم يحركها كفكفوا الناس وهبوا لهم حقوقهم واغتفروا لهم، وإذا تعوطيت حقوق الله فلا تدهنوا فيها. فلما نفر عثمان أشخص معاوية و عبد الله بن سعد إلى المدينة، ورجع ابن عامر وسعيد معه. ولما استقل عثمان رجز الحادي:


الصفحة 222

قد علمت ضوامر المطي * وضمرات عوج القسي
إن الأمير بعده علي * وفي الزبير خلف رضي
وطلحة الحامي لها ولي

فقال كعب وهو يسير خلف عثمان: الأمير بعده صاحب البغلة، وأشار إلى معاوية 3 - * (وأخرج ص 101 بالإسناد الشعيبي المذكور) *

كان معاوية قد قال لعثمان غداة ودعه وخرج: يا أمير المؤمنين! إنطلق معي إلى الشام قبل أن يهجم عليك من لا قبل لك به، فإن أهل الشام على الأمر لم يزالوا فقال: أنا لا أبيع جوار رسول الله صلى الله عليه وسلم بشئ وإن كان فيه قطع خيط عنقي. قال: فأبعث إليك جندا منهم يقيم بين ظهراني أهل المدينة لنائبة إن نابت المدينة أو إياك. قال:

أنا أقتر على جيران رسول الله صلى الله عليه وسلم الأرزاق بجند مساكنهم وأضيق على أهل دار الهجرة والنصرة؟ قال: والله يا أمير المؤمنين! لتغتالن ولتغزين. قال: حسبي الله ونعم الوكيل. وقال معاوية: يا أيسار! الجزور، وأين أيسار الجزور. الحديث بطوله.

4 - * (وأخرج ص 103 بالإسناد الشعيبي) *

لما كان في شوال سنة 35 خرج أهل مصر في أربع رفاق على أربعة أمراء المقل يقول: ستمائة. والمكثر يقول: ألف. على الرفاق عبد الرحمن بن عديس البلوي. و كنانة بن بشر الليثي. وسودان بن حمران السكوني. وقتيرة بن فلان السكوني.

وعلى القوم جميعا الغافقي بن حرب العكي. ولم يجترؤا أن يعلموا الناس بخروجهم إلى الحرب، وإنما خرجوا كالحجاج ومعهم ابن السوداء. وخرج أهل الكوفة في أربع رفاق، وعلى الرفاق زيد بن صوحان العبدي، والأشتر النخعي، وزياد بن النضرة الحارثي، وعبد الله بن الأصم، أحد بني عامر بن صعصعة، وعددهم كعدد أهل مصر وعليهم جميعا عمرو بن الأصم، وخرج أهل البصرة في أربع رفاق وعلى الرفاق حكيم ابن جبلة العبدي، وذريح بن عباد العبدي، وبشر بن شريح الحطم بن ضبيعة القيسي، وابن المحرش ابن عبد عمرو الحنفي، وعددهم كعدد أهل مصر، وأميرهم جميعا حرقوص ابن زهير السعدي، سوى من تلاحق بهم من الناس، فأما أهل مصر فإنهم كانوا يشتهون عليا، وأما أهل البصرة فإنهم كانوا يشتهون طلحة، وأما أهل الكوفة كانوا

الصفحة 223
يشتهون الزبير، فخرجوا وهم على الخروج جميع وفي الناس شتى لا يشك كل فرقة إلا أن الفلج معها، وأمرها سيتم دون الأخريين، فخرجوا حتى إذا كانوا من المدينة على ثلاث تقدم ناس من أهل البصرة فنزلوا ذا خشب، وناس من أهل الكوفة فنزلوا الأعوص (1) وجاءهم ناس من أهل مصر وتركوا عامتهم بذي المروة، ومشى فيما بين أهل مصر وأهل البصرة زياد بن النضر وعبد الله بن الأصم وقالا: لا تعجلوا ولا تعجلونا حتى ندخل لكم المدينة ونرتاد، فإنه بلغنا أنهم قد عسكروا لنا فوالله إن كان أهل المدينة قد خافونا واستحلوا قتالنا ولم يعلموا علمنا فهم إذا علموا علمنا أشد وإن أمرنا هذا لباطل، وإن لم يستحلوا قتالنا ووجدنا الذي بلغنا باطلا لنرجعن إليكم بالخبر، قالوا:

إذهبا. فدخل الرجلان فلقيا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وعليا وطلحة والزبير (2) وقالا: إنما نأتم هذا البيت ونستعفي هذا الوالي من بعض عمالنا، ما جئنا إلا لذلك واستأذنا للناس بالدخول، فكلهم أبى ونهى وقال: بيض ما يفرخن. فرجعا إليهم فاجتمع من أهل مصر نفر فأتوا عليا، ومن أهل البصرة نفر فأتوا طلحة، ومن أهل الكوفة نفر فأتوا الزبير وقال كل فريق منهم: إن بايعوا صاحبنا وإلا كدناهم وفرقنا جماعتهم ثم كررنا حتى نبغتهم. فأتى المصريون عليا وهو في عسكر عند أحجار الزيت (3) عليه حلة أفواف معتم بشقيقة حمراء يمانية متقلد السيف ليس عليه قميص، وقد سرح الحسن إلى عثمان فيمن اجتمع إليه، فالحسن جالس عند عثمان وعلي عند أحجار الزيت فسلم عليه المصريون وعرضوا له فصاح بهم وأطردهم وقال: لقد علم الصالحون أن جيش ذي المروة وذي خشب ملعونون على لسان ومحمد صلى الله عليه وسلم فارجعوا لا صحبكم الله (4) قالوا:

نعم. فانصرفوا من عنده على ذلك. وأتى البصريون طلحة وهو في جماعة أخرى إلى جنب علي وقد أرسل ابنيه إلى عثمان فسلم البصريون عليه وعرضوا له فصاح بهم و أطردهم وقال: لقد علم المؤمنون إن جيش ذي المروة في ذي خشب والأعوص ملعونون

____________

(1) الأعوص: موضع على أميال من المدينة يسيرة.

(2) لا تنس هاهنا ما أسلفنا لك في هذا الجزء من حديث أم المؤمنين وعلي أمير المؤمنين و طلحة والزبير.

(3) أحجار الزيت: موضع بالمدينة داخلها قريب من الزوراء.

(4) راجع ما مضى من حديث على أمير المؤمنين تعرف جلية الحال.

الصفحة 224
على لسان محمد صلى الله عليه وسلم (1) وأتى الكوفيون الزبير وهو في جماعة أخرى وقد سرح ابنه عبد الله إلى عثمان فسلموا عليه وعرضوا له فصاح بهم وأطردهم وقال: لقد علم المسلمون أن جيش ذي المروة وذي خشب والأعوص ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم (2).

فخرج القوم وأروهم أنهم يرجعون فانفشوا عن ذي خشب والأعوص حتى انتهوا إلى عساكرهم وهي ثلاث مراحل كي يفترق أهل المدينة ثم يكروا راجعين فافترق أهل المدينة لخروجهم، فلما بلغ القوم عساكرهم كروا بهم فبغتوهم، فلم يفجأ أهل المدينة إلا والتكبير في نواحي المدينة، فنزلوا في مواضع عساكرهم، وأحاطوا بعثمان وقالوا: من كف يده فهو آمن. وصلى عثمان بالناس أياما ولزم بيوتهم ولهم يمنعوا أحدا من كلام، فأتاهم الناس فكلموهم وفيهم علي فقال: ما ردكم بعد ذهابكم ورجوعكم عن رأيكم؟ قالوا: أخذنا مع بريد كتابا بقتلنا، وأتاهم طلحة فقال البصريون مثل ذلك وأتاهم الزبير فقال الكوفيون والبصريون: فنحن ننصر إخواننا ونمنعهم جميعا. كأنما كانوا على ميعاد فقال لهم علي: كيف علمتم يا أهل الكوفة! ويا أهل البصرة! بما لقي أهل مصر وقد سرتم مراحل ثم طويتم نحونا، هذا والله أمر أبرم بالمدينة قالوا:

فضعوه علي ما شئتم لا حاجة لنا في هذا الرجل ليعتزلنا وهو في ذلك يصلي بهم وهم يصلون خلفه ويغشى من شاء عثمان وهم في عينه أدق من التراب، وكانوا لا يمنعون أحدا من الكلام وكانوا زمرا بالمدينة يمنعون الناس من الاجتماع. إلخ.

قال الأميني: تعطي هذه الرواية أن الذي رد الكتائب المقبلة من مصر والبصرة والكوفة هو زعماء جيش أحجار الزيت: أمير المؤمنين علي وطلحة والزبير يوم صاحوا بهم وطردوهم ورووا رواية اللعن عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفيهم البدريون وغيرهم من أصحاب محمد العدول، فما تمكنت الكتائب من دخول المدينة وقد أسلفنا إصفاق المؤرخين على أنهم دخلوها وحاصروا الدار مع المدنيين أربعين يوما أو أكثر أو أقل حتى توسل عثمان بعلي أمير المؤمنين عليه السلام، فكان هو الوسيط بينه وبين القوم، وجرى هنالك ما مر تفصيله من توبة عثمان على صهوة المنبر، ومن كتاب عهده إلى البلاد على ذلك، فانكفأت

____________

(1) راجع ما مر من حديث طلحة وصولته وجولته في تلك الثورة تعلم صدق الخبر.

(2) راجع ما أسلفنا من حديث الزبير حتى يتبين لك الرشد من الغي.

الصفحة 225
عنه الجماهير الثائرة بعد ضمان علي عليه السلام ومحمد بن مسلمة بما عهد عثمان على نفسه، لكنهم ارتجعوا إليه بعد ما وقفوا على نكوصه وكتابه المتضمن بقتل من شخص إليه من مصر فوقع الحصار الثاني المفضي إلى الإجهاز عليه، وأنت إذا عطفت النظرة إلى ما سبق من أخبار الحصارين وأعمال طلحة والزبير فيهما وقبلهما وبعدهما نظرة ممعنة لا تكاد أن تستصح دفاعهما عنه في هذ الموقف، وكان طلحة أشد الناس عليه، حتى منع من إيصال الماء إليه، ومن دفنه في مقابر المسلمين، لكن رواة السوء المتسلسة في هذه الأحاديث راقهم إخفاء مناوئة القوم لعثمان فاختلقوا له هذه وأمثالها.

5 - * (وأخرج ص 126 بالإسناد الشعيبي) *

آخر خطبة خطبها عثمان رضي الله عنه في جماعة: إن الله عز وجل إنما أعطاكم الدنيا لتطلبوا بها الآخرة ولم يعطكموها لتركنوا إليها، إن الدنيا تفنى والآخرة تبقى، فلا تبطرنكم الفانية، ولا تشغلنكم عن الباقية، فآثروا ما بقي على ما يفنى، فإن الدنيا منقطعة، وإن المصير إلى الله، اتقوا الله عز وجل فإن تقواه جنة من بأسه ووسيلة عنده، واحذروا من الله الغير، وألزموا جماعتكم لا تصيروا أحزابا، واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا.

قالوا: لما قضى عثمان في ذلك المجلس حاجاته، وعزم له المسلمون على الصبر والامتناع عليهم بسلطان الله قال: أخرجوا رحمكم الله فكونوا بالباب وليجامعكم هؤلاء الذين حبسوا عني، وأرسل إلى طلحة والزبير وعلي وعدة أن ادنوا فاجتمعوا فأشرف عليهم، فقال: يا أيها الناس! اجلسوا فجلسوا جميعا المحارب الطارئ، والمسالم المقيم فقال: يا أهل المدينة! إني استودعكم الله وأسأله أن يحسن عليكم الخلافة من بعدي، إني والله لا أدخل على أحد يومي هذا حتى يقضي الله في قضاه، ولأدعن هؤلاء وراء بابي غير معطيهم شيئا يتخذونه عليكم دخلا في دين الله أو دنيا حتى يكون الله عز وجل الصانع في ذلك ما أحب، وأمر أهل المدينة بالرجوع وأقسم عليهم فرجعوا إلا الحسن ومحمد وابن الزبير وأشباها لهم فجلسوا بالباب عن أمر آبائهم، وثاب إليهم ناس كثير ولزم عثمان الدار

الصفحة 226
6 - * (وروى ص 126 بالإسناد الشعيبي) *

قالوا: كان الحصر أربعين ليلة والنزول سبعين فلما مضت من الأربعين ثماني عشرة قدم ركبان من الوجوه فأخبروا خبر من قد تهيأ إليهم من الآفاق حبيب من الشام، ومعاوية من مصر، والقعقاع من الكوفة، ومجاشع من البصرة، فعندها حالوا بين الناس وبين عثمان ومنعوه كل شئ حتى الماء، وقد كان يدخل علي بالشئ مما يريد، وطلبوا العلل فلم تطلع عليهم علة، فعثروا في داره بالحجارة ليرموا فيقولوا: قوتلنا وذلك ليلا فناداهم: ألا تتقون الله؟ ألا تعلمون أن في الدار غيري؟ قالوا: لا والله ما رميناك قال:

فمن رمانا؟ قالوا: الله. قال: كذبتم إن الله عز وجل لو رمانا لم يخطئنا وأنتم تخطؤننا، وأشرف عثمان على آل حزم وهم جيرانه فسرح ابنا لعمرو إلى علي بأنهم قد منعونا الماء فإن قدرتم أن ترسلوا إلينا شيئا من الماء فافعلوا وإلى طلحة والزبير وإلى عائشة رضي الله عنها وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم فكان أولهم إنجادا له علي وأم حبيبة، جاء علي في الغلس فقال: يا أيها الناس إن الذي تصنعون لا يشبه أمر المؤمنين ولا أمر الكافرين، لا تقطعوا عن هذا الرجل المادة فإن الروم وفارس لتأسر فتطعم وتسقي، وما تعرض لكم هذا الرجل، فبم تستحلون حصره وقتله؟ قالوا: لا والله ولا نعمة عين، لا نتركه يأكل ولا يشرب، فرمى بعمامته في الدار بأني قد نهضت فيما أنهضتني. فرجع وجاءت أم حبيبة على بغلة لها برحالة مشتملة على إداوة فقيل: أم المؤمنين أم حبيبة، فضربوا وجه بغلتها فقالت: إن وصايا بني أمية إلى هذا الرجل فأحببت أن ألقاه فأسأله عن ذلك كيلا تهلك أموال أيتام وأرامل. قالوا: كاذبة وأهووا لها وقطعوا حبل البغلة بالسيف فندت بأم حبيبة فتلقاها الناس وقد مالت رحالتها فتعلقوا بها وأخذوها وقد كادت تقتل فذهبوا بها إلى بيتها، وتجهزت عائشة خارجة إلى الحج هاربة، واستتبعت أخاها فأبى فقالت: أم والله لئن استطعت أن يحرمهم الله ما يحاولون لأفعلن. وجاء حنظلة الكاتب حتى قام على محمد بن أبي بكر فقال: يا محمد! تستتبعك أم المؤمنين فلا تتبعها وتدعوك ذؤبان العرب إلى ما لا يحل فتتبعهم؟ فقال: ما أنت وذاك يا ابن التميمية؟ فقال: يا ابن الخثعمية! إن هذا الأمر إن صار إلى التغالب غلبتك عليه بنو عبد مناف. وانصرف وهو يقول:


الصفحة 227

عجب لما يخوض الناس فيه * يرومون الخلافة أن تزولا
ولو زالت لزال الخير عنهم * ولاقوا بعدها ذلا ذليلا
وكانوا كاليهود أو النصارى * سواء كلهم ضلوا السبيلا

ولحق بالكوفة وخرجت عائشة وهي ممتلئة غيظا على أهل مصر، وجاءها مروان بن الحكم فقال: يا أم المؤمنين! لو أقمت كان أجدر أن يراقبوا هذا الرجل. فقالت:

أتريد أن يصنع بي كما صنع بأم حبيبة، ثم لا أجد من يمنعني، لا والله ولا أعير ولا أدري إلى ما يسلم أمر هؤلاء، وبلغ طلحة والزبير ما لقي علي وأم حبيبة فلزموا بيوتهم، وبقي عثمان يسقيه آل حزم في الفضلات عليهم الرقباء، فأشرف عثمان على الناس فقال:

يا عبد الله بن عباس! فدعى له فقال: إذهب فأنت على الموسم. وكان ممن لزم الباب فقال: والله يا أمير المؤمنين! لجهاد هؤلاء أحب إلي من الحج، فأقسم عليه لينطلقن فانطلق ابن عباس على الموسم تلك السنة، ورمى عثمان إلى الزبير بوصيته فانصرف بها، وفي الزبير اختلاف أأدرك مقتله أو خرج قبله؟ وقال عثمان: يا قوم! لا يجرمنكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح. الآية. أللهم حل بين الأحزاب وبين ما يأملون كما فعل بأشياعهم من قبل.

قال الأميني: هذه الرواية مفتعلة من شيعة عثمان المصطفين في إسنادها تجاه ما ثبت عن عائشة وطلحة والزبير وغيرهم من جهودهم المتواصلة في التضييق على الرجل، وإسعار نار الحرب والإجهاز عليه بما أسلفناه في هذا الجزء لكن أكدى الظن، وأخفق الأمل أن هاتيك الروايات أخرجها الاثبات من حملة التاريخ، وأصفق عليها المؤرخون وهذه تفرد بها هؤلاء الوضاعون، ومن ذا الذي يعير سمعا لها بعد الاخبات إلى التاريخ الصحيح؟ وملأ أذنه هتاف عائشة: اقتلوا نعثلا قتله الله فقد كفر. إلى كلمات أخرى لها مر مجملها في هذا الجزء ص 215 وفصلنا ها في ص 77 - 86.

وإن تهالك طلحة دون التشديد عليه وقتله بكل ما تسنى له مما لا يجهله ملم بالحديث والتاريخ، وكان يوم الدار مقنعا بثوب يرميها بالسهام، وهو الذي منع منه الماء، وهو الذي حمل الناس إلى سطح دار ابن حزام فتسوروا منها دار عثمان، وهو الذي منعه من أن يدفن في مقابر المسلمين، وهو الذي أقعد لمجهزيه في الطريق ناسا

الصفحة 228
يرمونهم بالحجارة، وهو الذي قتله مروان ثم قال: لأبان بن عثمان: قد كفيتك بعض قتلة أبيك، وهو الذي قال فيه وفي صاحبه مولانا أمير المؤمنين عليه السلام: كان طلحة والزبير أهون سيرهما فيه الوجيف، وأرفق حدائهما العنيف.

ولو كان طلحة كما زعمه الوضاعون فما معنى هتاف عثمان: أللهم اكفني طلحة ابن عبيد الله فإنه حمل علي هؤلاء وألبهم. وقوله: ويلي على ابن الحضرمية - يعني طلحة - أعطيته كذا وكذا بهارا ذهبا وهو يروم دمي يحرض على نفسي، أللهم لا تمتعه به ولقه عواقب بغيه. وإلى الآن يرن في الاسماع قول الزبير يومئذ: اقتلوه فقد بدل دينكم. وقوله:

ما أكره أن يقتل عثمان ولو بدئ بابني، إن عثمان لجيفة على صراط غدا. وقوله لعثمان: إن في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جماعة يمنعون من ظلمك، ويأخذونك بالحق. إلخ.

وإلى الآن في صفحات التاريخ قول سعد بن أبي وقاص: قتله سيف سلته عائشة وشحذه طلحة، وسمه علي، قيل: فما حال الزبير؟ قال: أشار بيده وصمت بلسانه. إلى كلمات آخرين مرت في هذا الجزء.

ولو كان ابن عباس كما اختلق عليه هؤلاء فلماذا لم يكترث بكتاب عثمان و استغاثته به لما ألقي على الحجيج وهو أميرهم وهو على منصة الخطابة، فمضى في خطبته من حيث انقطعت، ولم يتعرض لذلك بشئ، ولا اعتد بخطابه حتى جرى المقدور المحتم؟ ولماذا كان يحاذر بطش معاوية به على مقتل عثمان لما أراد أمير المؤمنين عليه السلام أن يرسله إلى الشام؟.

راجع مصادر هذه كلها فيما مر من صفحات هذا الجزء.

7 - * (وأخرج ص 128 بالإسناد الشعيبي) *

قالوا: فلما بويع الناس السابقة فقدم بالسلامة فأخبرهم من الموسم أنهم يريدون جميعا المصريين وأشياعهم، وأنهم يريدون أن يجمعوا ذلك إلى حجهم، فلما أتاهم ذلك مع ما بلغهم من نفور أهل الأمصار أعلقهم الشيطان وقالوا: لا يخرجنا مما وقعنا فيه إلا قتل هذا الرجل، فيشتغل بذلك الناس عنا، ولم يبق خصلة يرجون بها النجاة إلا قتله، فراموا الباب فمنعهم من ذلك الحسن وابن الزبير ومحمد بن طلحة ومروان

الصفحة 229
ابن الحكم وسعيد بن العاص ومن كان من أبناء الصحابة أقام معهم واجتلدوا فناداهم عثمان: الله الله أنتم في حل من نصرتي. فأبوا ففتح الباب وخرج ومعه الترس والسيف لينهنههم فلما رأوه أدبر البصريون وركبهم هؤلاء ونهنههم فتراجعوا وعظم على الفريقين وأقسم على الصحابة ليدخلن، فأبوا أن ينصرفوا فدخلوا فأغلق الباب دون المصريين، وقد كان المغيرة بن الأخنس بن شريق فيمن حج ثم تعجل في نفر حجوا معه، فأدرك عثمان قبل أن يقتل وشهد المناوشة ودخل الدار فيمن دخل وجلس على الباب من داخل، وقال: ما عذرنا عند الله إن تركناك ونحن نستطيع ألا ندعهم حتى نموت؟

فاتخذ عثمان تلك الأيام القرآن نحبا يصلي وعنده المصحف فإذا أعيا جلس فقرأ فيه، وكانوا يرون القراءة في المصحف من العبادة، وكان القوم الذين كفكفهم بينه وبين الباب، فلما بقي المصريون لا يمنعهم أحد من الباب ولا يقدرون على الدخول جاؤا بنار فأحرقوا الباب والسقيفة، فتأجج الباب والسقيفة حتى إذا احترق الخشب خرت السقيفة على الباب، فثار على أهل الدار وعثمان يصلي حتى منعوهم الدخول، وكان أول من برز لهم المغيرة بن الأخنس وهو يرتجز:

قد علمت جارية عطبول * ذات وشاح ولها جديل
أني بنصل السيف خنشليل * لأمنعن منكم خليلي
بصارم ليس بذي فلول

وخرج الحسن بن علي وهو يقول:

لا دينهم ديني ولا أنا منهم * حتى أسير إلى طمار شمام

وخرج محمد بن طلحة وهو يقول:

أنا ابن من حامى عليه بأحد * ورد أحزابا على رغم معد

وخرج سعيد بن العاص وهو يقول:

صبرنا غداة الدار والموت واقب * بأسيافنا دون ابن أروى نضارب
وكنا غداة الروع في الدار نصرة * نشافههم بالضرب والموت ثاقب

فكان آخر من خرج عبد الله بن الزبير أمره عثمان أن يصير إلى أبيه في وصية بما أراد وأمره أن يأتي أهل الدار فيأمرهم بالانصراف إلى منازلهم فخرج عبد الله بن