الصفحة 291
في شجاعة أبي بكر بما لا مزيد عليه حتى حسبوه أشجع الصحابة، وقد شهد مشاهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم كلها وما سل فيها سيفا، ولا نزل في معترك قتال، ولا تقدم لبراز أي مجالد، وما رئي قط مناضلا، وما شوهد يوما في ميادين الحراب منازلا، فأكثروا القول فيها وجاؤا بأحاديث خرافة في شجاعته رجاء أن يثبت له منها شئ تجاه تلك الدراية الثابتة بالمحسوس المشاهد (1).

ويبالغون في زهده وتقواه وجعلوا كبده مشويا من خوف الله والدخان يتصاعد من فمه إلى السماء مهما تنفس، ولم يثبت له ميز في العبادة ولم يرو عنه الاكثار من الصوم والصلاة ومن كل ما يقربه إلى الله زلفى (2).

ويبالغون في علم عمر وجعلوه أعلم الصحابة في يومه على الإطلاق وأفقههم في دين الله، وحابوه تسعة أعشار العلم، راجحا علمه علم أهل الأرض، علم أحياء العرب في كفة الميزان، وجاؤا فيه بكثير لدة هذه الخرافات (3) والرجل قد ألهاه الصفق بالأسواق عن علم الكتاب والسنة، وكل الناس أفقه منه حتى ربات الحجال أخذا بقوله وهو الصادق المصدق فيه (4).

ويبالغون في إنكاره الباطل وبغضه الغناء ونكيره الشديد عليه، وقد ثبت من شكيمته أنه كان يتعاطاه ويجوزه (5).

ولما وجدوا أن التاريخ الصحيح وما ثبت من سيرة عثمان ينفي عنه ملكة الحياء ويمثله للمجتمع بما يضادها، نسجوا له النسج المبرم، وأتوا بالمخازي ووضعت يد الافتعال فيها ما سمعت من الأفائك، حتى جعلوه أشد أمة محمد حياء وأحياها و أكرمها، حييا تستحي منه الملائكة. فحياء عثمان كشجاعة أبي بكر وعلم عمر سالبة بانتفاء موضوعاتها، وهي فيهم تضاهي أمانة معاوية وعلمه الواردين فيما يعزى إليه صلى الله عليه وآله وسلم من قوله: كاد أن يبعث معاوية نبيا من كثرة علمه وائتمانه على كلام ربي. وقوله:

____________

(1) راجع ما أسلفناه في الجزء السابع ص 200 - 215 ط 2.

(2) راجع ما أسلفناه في الجزء السابع ص 219 - 222 ط 2.

(3) راجع ما مر في الجزء السادس ص 82، 331، والجزء الثامن ص 62، 63 ط 2.

(4) راجع ما أسلفناه في الجزء السادس من " نوادر الأثر في علم عمر ".

(5) راجع ما مر في الجزء الثامن ص 64 - 81، 86، 94 - 96 ط 2.

الصفحة 292
الأمناء سبعة: اللوح والقلم وإسرافيل وميكائيل وجبريل ومحمد ومعاوية (1).

ويعرب عن أمانة معاوية ومبلغه من هذه الملكة الفاضلة ما رواه أبو بكر الهذلي قال: إن أبا الأسود الدؤلي كان يحدث معاوية يوما فتحرك فضرط فقال لمعاوية: استرها علي. فقال: نعم. فلما خرج حدث بها معاوية عمرو بن العاص ومروان بن الحكم، فلما غدا عليه أبو الأسود قال عمرو: ما فعلت ضرطتك يا أبا الأسود بالأمس؟

قال: ذهبت كما تذهب الريح مقبلة ومدبرة من شيخ ألان الدهر أعصابه ولحمه عن إمساكها، وكل أجوف ضروط. ثم أقبل على معاوية فقال: إن امرء ضعفت أمانته و مروأته عن كتمان ضرطة لحقيق بأن لا يؤمن على أمور المسلمين.

الأغاني 11: 113، حياة الحيوان للدميري 1: 351. محاضرات الراغب 2: 125.

8 - أخرج الحاكم في المستدرك 3: 102 من طريق الدارمي عن سعيد بن عبد الله الجرجسي عن محمد بن حرب عن الزبيدي عن الزهري عن عمرو بن أبان بن عثمان (الممدوح) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أري الليلة رجل صالح أن أبا بكر نيط برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونيط عمر بأبي بكر ونيط عثمان بعمر.

فلما قمنا من عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قلنا: أما الرجل الصالح فرسول الله، وأما ما ذكر من نوط بعضهم ببعض فهم ولاة هذا الأمر الذي بعث الله به نبيه صلى الله عليه وآله وسلم.

قال الحاكم: قال الدارمي: سمعت يحيى بن معين يقول: محمد بن حرب يسند هذا الحديث والناس يحدثون به عن الزهري مرسلا إنما هو عمرو بن أبان ولم يكن لأبان ابن عثمان ابن يقال له عمرو.

قال الأميني: ألا تعجب من رؤيا رئاها رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وحدث بها في ملأ الصحابة ولم يسمعها منه صلى الله عليه وآله وسلم إلا جابر بن عبد الله وهو لم يرتب عليها أي أثر عملي، ولم يروها عنه إلا حفيد عثمان عمرو بن أبان الذي لم يكن له وجود، أو اختلف في أنه كان أو لم يكن؟ نعم: ينبغي حقا أن يكون مستدرك الصحيحين أمثال هذه التافهات.

9 - أخرج ابن ماجة في سننه 1: 53 عن أبي مروان محمد بن عثمان الأموي العثماني عن أبيه عثمان بن خالد حفيد عثمان بن عفان عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن

____________

(1) راجع الجزء الخامس من الغدير ص 308 ط 2.

الصفحة 293
أبيه (مولى عائشة بنت عثمان) عن الأعرج عن أبي هريرة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

لكل نبي رفيق في الجنة ورفيقي فيها عثمان بن عفان.

رجال الاسناد:

1 - أبو مروان مر الايعاز إليه ص 290.

2 - عثمان بن خالد، أسلفنا في هذا الجزء ص 291 كلمات الحفاظ فيه وأنه ليس بثقة، وأحاديثه كلها غير محفوظة، وحدث بأحاديث موضوعة لا يجوز الاحتجاج به. ورواه الترمذي من طريق طلحة بن عبيد الله وقال: غريب ليس إسناده بالقوي وهو منقطع.

3 - عبد الرحمن بن أبي الزناد، قال يحيى بن معين: ليس ممن يحتج به أصحاب الحديث ليس بشئ. وقال ابن صالح وغيره عن ابن معين: ضعيف. وقال الدوري عن ابن معين: لا يحتج بحديثه. وقال صالح بن أحمد عن أبيه: مضطرب الحديث. وعن ابن المديني: كان عند أصحابنا ضعيفا. وقال النسائي: لا يحتج بحديثه. وقال ابن سعد:

كان كثير الحديث وكان يضعف لروايته عن أبيه.    (تهذيب التهذيب 6: 171)

وبعد ذلك كله فإني أستغرب هذه الرفاقة وإن الرجل بماذا اختص بها وحصل عليها من دون الصحابة المقدمين ذوي الفضائل والمآثر، وفي مقدمهم صنوه صلى الله عليه وآله وسلم أمير المؤمنين علي صلوات الله عليه وهو نفسه في الذكر الحكيم، وأخوه المخصوص به في حديث المواخاة المعربة عن المجانسة بينهما في النفسيات، وهو الذاب الوحيد عنه في حروبه ومغازيه، ومثله الأعلى في العصمة والقداسة بصريح آية التطهير، وباب مدينة علمه في الحديث المتواتر.

فبماذا اختص عثمان بهذه الرفاقة دون علي أمير المؤمنين؟ ألمشاكلته مع صاحب الرسالة العظمى في النسب أو الحسب في العلم والتقوى والملكات الفاضلة؟ أو لاتباعه ما جاء به صلى الله عليه وآله وسلم من كتاب أو سنة؟ وأنت متى استشففت ما تلوناه في هذا الكتاب من موارد الخليفة ومصادره، وأخذه ورده، وأفعاله وتروكه، تعلم مبوأه من كل هاتيك الفضائل وتجد من المستحيل ما أثبتته له هذه الرواية الواهية بإسنادها الساقط، تعالى نبي العظمة عن ذلك علوا كبيرا.


الصفحة 294
ولست أدري لماذا رد الله دعاء نبيه الأعظم في أبي بكر الوارد فيما أخرجه ابن عدي من طريق الزبير بن العوام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أللهم إنك جعلت أبا بكر رفيقي في الغار فاجعله رفيقي في الجنة (1)

نعم: هذا كحديث ابن ماجة هما سواسية في البطلان، في إسناده محمد بن الوليد القلانسي البغدادي. كذاب يضع الحديث كما مر في سلسلة الكذابين ج 5: 265 ط 2، ومصعب بن سعيد يحدث عن الثقات بالمناكير ويصحف، وكان مدلسا لا يدري ما يقول وستوافيك ترجمته، وعيسى بن يونس مجهول لا يعرف.

10 - أخرج الحاكم في المستدرك 3: 97 من طريق عبيد الله بن عمرو القواريري البصري عن القاسم بن الحكم بن أوس الأنصاري عن أبي عبادة الزرقي عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: شهدت عثمان يوم حصر في موضع الجنائز فقال: أنشدك الله يا طلحة! أتذكر يوم كنت أنا وأنت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مكان كذا وكذا وليس معه من أصحابه غيري وغيرك فقال لك: يا طلحة! إنه ليس من نبي إلا وله رفيق من أمته معه في الجنة وإن عثمان رفيقي ومعي في الجنة؟ فقال طلحة: أللهم نعم. قال: ثم انصرف طلحة.

وفي لفظ أحمد في مسنده 1: 74 بالإسناد نفسه عن أسلم قال: شهدت عثمان رضي الله عنه حوصر في موضع الجنائز ولو القي حجر لم يقع إلا على رأس رجل فرأيت عثمان رضي الله عنه أشرف من الخوخة التي تلي مقام جبريل عليه السلام فقال: أيها الناس أفيكم طلحة؟ فسكتوا. ثم قال: أيها الناس أفيكم طلحة؟ فسكتوا. ثم قال: يا أيها الناس أفيكم طلحة؟ فقام طلحة بن عبيد الله فقال له عثمان رضي الله عنه: ألا أراك ههنا ما كنت أرى أنك تكون في جماعة تسمع ندائي آخر ثلاث مرات ثم لا تجيبني أنشدك الله يا طلحة! تذكر يوم كنت أنا وأنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في موضع كذا كذا ليس معه أحد من أصحابه غيري وغيرك؟ قال: نعم. فقال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا طلحة!

إنه ليس من نبي إلا ومعه من أصحابه رفيق من أمته معه في الجنة، وإن عثمان ابن عفان رضي الله عنه هذا يعنيني رفيقي معي في الجنة؟ قال: طلحة: أللهم نعم. ثم انصرف.

____________

(1) لسان الميزان 5: 418.

الصفحة 295
صححه الحاكم وعقبه الذهبي فقال: قلت قاسم هذا قال البخاري: لا يصح حديثه. وقال أبو حاتم: مجهول. وذكره ابن حجر في تهذيب التهذيب 8: 312 وحكى عن البخاري وأبي حاتم ما ذكره الذهبي.

وفي الاسناد عبيد الله القواريري روى عنه البخاري خمسة أحاديث فحسب، و مسلم أربعين حديثا (1) وقد سمع منه أحمد بن يحيى مائة ألف حديث (2) فما حكم ذلك الحوش الحائش مما جاء به القواريري بعد ما لم يأخذ البخاري ومسلم منه إلا عدة أحاديث وضربا عن كل ذلك صفحا؟ ومن المستبعد جدا عدم وقوفهما عليها.

وفيه: أبو عبادة الزرقي عيسى بن عبد الرحمن الأنصاري قال أبو زرعة: ليس بالقوي. وقال أبو حاتم: منكر الحديث ضعيف الحديث شبيه بالمتروك لا أعلمه روى عن الزهري حديثا صحيحا. وقال البخاري والنسائي: منكر الحديث. وقال ابن حبان: يروي المناكير عن المشاهير فاستحق الترك. وقال العقيلي: مضطرب الحديث. وقال الأزدي: منكر الحديث مجهول. وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابع عليه. وقال ابن حبان أيضا: لا ينبغي أن يحتج بما انفرد به (3).

قال الأميني: ولا يكاد يصح انصراف طلحة مع إصراره الثابت في التشديد على عثمان إلى آخر نفس لفظه الرجل، ولم يقنعه الإجهاز عليه حتى أنه منعه عن الدفن في مقابر المسلمين، وجعل ناسا هناك أكمنهم كمينا ورموا حملة جنازته بالحجارة و صاحوا: نعثل نعثل. وقال طلحة: يدفن بدير " سلع " يعني مقابر اليهود، ولذلك قال مروان لما قتل طلحة لأبان بن عثمان: قد كفيتك بعض قتلة أبيك، ومروان كان شاهدا عليه من كثب (4).

ومن العجيب أن هذه المناشدة كانت في ذلك المحتشد الرحيب بمسمع من أولئك الجم الغفير وكان لو ألقي الحجر لم يقع إلا على رأس رجل لكنها لم تكفئ أحدا منهم، فهل كانوا معترفين بها معرضين عنها؟ فأين العدالة المزعومة فيهم؟ أو أنهم

____________

(1) ذكره ابن حجر في تهذيب التهذيب 7: 41.

(2) تهذيب التهذيب 7: 41.

(3) تهذيب التهذيب 8: 218، لسان الميزان 4: 400.

(4) راجع ما مر في هذا الجزء ص 91 - 101.

الصفحة 296
عرفوا بطلانها وما صدقوا الرجلين في دعواهما فتركوها في مدحرة الإعراض؟ أو لم تكن هنالك مناشدة قط؟ وهو أقرب الوجوه إلى الحق.

ولو فرضنا أنها أكفأت طلحة كما يحسبه مختلق هذه الرواية فإنه لم يكن إلا إكفاء وقتيا ثم راجع طلحة رشده فعرف أنها حجة داحضة فاستمر على ما ثار له، وثبت عنه من الثبات على عمله وتضييقه.

هذه غاية ما يمكن أن يقال متى تجشمنا لوضع هذه المزعمة في بقعة الامكان، ومن المستصحب ذلك أو المتعذر، وقد أسلفنا أن الرفاقة المزعومة ليس من السهل تصديقها لعدم المجانسة بين الرفيقين قط ولو كان من جهة.

والرفاقة كالأخوة والصحبة - المنبعثة ثلاثتها عن التجانس في الخلل والمزايا - تخص بعلي أمير المؤمنين عليه السلام كما جاء مرفوعا: يا علي أنت أخي وصاحبي ورفيقي في الجنة (2) وهذا التخصص تعاضده البرهنة الثابتة، ويؤيد بالاعتبار.

11 - أخرج أبو يعلى وأبو نعيم وابن عساكر في تاريخه 7: 65، والحاكم في المستدرك 3: 97 من طريق شيبان بن فروخ عن طلحة بن زيد الدمشقي عن عبيدة (3) ابن حسان عن عطاء الكيخاراني عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: بينما نحن في بيت ابن حشفة في نفر من المهاجرين فيهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لينهض كل رجل منكم إلى كفؤه فنهض النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى عثمان فاعتنقه وقال: أنت وليي في الدنيا والآخرة.

صححه الحاكم وعقبه الذهبي في تلخيصه وقال: قلت: بل ضعيف فيه طلحة ابن زيد وهو واه عن عبيدة بن حسان شويخ مقل عن عطاء. وقال السيوطي في اللئالي 1: 317: موضوع، طلحة لا يحتج به، وعبيدة يروي الموضوعات عن الثقات. ا هـ.

وذكره المحب الطبري في رياضه النضرة 2: 101، وابن كثير في تاريخه 7: 212 ساكتين عما في إسناده من الغمز شأنهما في فضائل من يحبانه ويواليانه، ولا يخفى

____________

(1) تاريخ الخطيب 12: 268.

(2) في النسخة هاهنا وفيما يأتي: عبيد. والصحيح ما ذكرناه.

الصفحة 297
عليهما قول أحمد: طلحة بن زيد ليس بذاك قد حدث بأحاديث مناكير. وقوله: ليس بشئ كان يضع الحديث لا يعجبني حديثه. وقول البخاري والنسائي: منكر الحديث.

وقول النسائي أيضا: ليس بثقة متروك. وقول صالح بن محمد: لا يكتب حديثه. وقول ابن حبان: منكر الحديث لا يحل الاحتجاج بخبره. وقول الدارقطني والبرقاني: ضعيف. وقول أبي نعيم: حدث بالمناكير لا شئ. وقول الآجري عن أبي داود: يضع الحديث. ونسبة ابن المدايني إياه إلى وضع الحديث. وقول الساجي: منكر الحديث (1)

كما لا يخفى على الرجلين رأي الحفاظ في عبيدة بن حسان قال أبو حاتم: منكر الحديث. وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الثقات. وقال الدارقطني: ضعيف.    لسان الميزان 4: 125.

والغرابة في هذه المماثلة والولاية المنبعثة عنها في الدنيا والآخرة، وهي ليست بأقل من الرفاقة التي أسلفنا القول فيها قبيل هذا، وإن من المؤسف جدا المقارنة بين رسول العظمة وبين من لم يقم الصحابة الأولون - العدول كلهم فيما يرتأون - له وزنا، ولا رأوا لحياته قيمة، ولا حسبوا لتسنمه عرش الخلافة مؤهلا، فلم يزل ممقوتا عندهم حتى كبت به بطنته، وأجهز عليه عمله، كما قاله مولانا أمير المؤمنين (2) ولم يفتأ الصحابة مصرين على مقته حتى أوردوه حياض المنية، ولم تبرح أعماله مؤكدة لعقائد الملأ الديني في همزه ولمزه حتى وقع من الأمر ما وقع.

ولا يسع قط لعارف عرفان وجه المكافأة بين نبي العظمة وبين عثمان، فإنها إن كانت من ناحية النسب؟ فأنى هي؟ هذا من شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، وذلك من شجرة ملعونة في القرآن.

وإن كانت من حيث الحسب؟ ففرق بينهما فيه بعد المشرقين ولا حرج، هذا حسيب. وذلك مقشب الحسب؟ وإن كانت من جهة الملكات الفاضلة والنفسيات الكريمة فالمشاكلة منتفية وهما طرفا نقيض، هذا ناصح الجيب، واري الزند (3) لعلى

____________

(1) تاريخ ابن عساكر 7: 65، تهذيب التهذيب 4: 16، اللئالي المصنوعة 1: 81، 317.

(2) راجع ما أسلفناه في الجزء السابع 82 ط 2.

(3) رجل ناصح الجيب أي صادق أمين، نقي القلب لا غش فيه. ويقال: واري الزند. في المبالغة في الكرم والخصال المحمودة.

الصفحة 298
خلق عظيم، والآخر يحمل منها بين جنبيه ما عرفناك حديثه.

ونحن إن أخذنا ما جاء به القوم من قضايا الملكات فالبون بينهما شاسع أيضا، فالنبي الأقدس مثلا عندهم كما مر كان يكشف في الملأ عن ركبتيه وعن فخذيه و عما هو بينهما وبين سرته ولم يكن يبالي. وعثمان إن كان ليكون في البيت والباب عليه مغلق، فما يضع عنه الثوب ليفيض عليه الماء، يمنعه الحياء أن يقيم صلبه، كما مر في حديث الحسن ص 287.

وإن فرضت المشاكلة من جانب الأخذ بالدين والعمل بما فيه من أفعال أو تروك؟

قالتباين بينهما ظاهر وأي تباين، ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون، ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا؟ (1) هذا رسول التوحيد أسلم وجهه لله وهو محسن، يعبد ربه مخلصا له الدين تحت راية لا إله إلا الله، وقرط أذنه قوله تعالى: قل الله ثم ذرهم، وورد لسانه: وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت. وأما عثمان فهو أسير هوى مروان ومعاوية وسعيد ومن شاكلهم من أبناء بيته، يسير مع ميولهم وشهواتهم، حتى قال مولانا أمير المؤمنين: ما رضيت من مروان ولا رضي منك إلا بتحويلك عن دينك وعقلك، وإن مثلك مثل جمل الظعينة سار حيث يسار به (2) قدم ربه وقد خلط عملا صالحا وآخر سيئا، كسب سيئة وأحاطت به خطيئته.

إيه إيه يا نبي العظمة أنزلك الدهر ثم أنزلك حتى جعلك كفو عثمان بعد ما اختارك ربك واصطفاك من بريته وجعلك لسان صدق نبيا، هذا جزاءك من أمتك جزاء سنمار، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

* (لفت نظر) *

وضعت يد الأمانة الخائنة على ودائع الاسلام المقدس هذه الرواية تجاه ما صح عن النبي الأقدس في صنوه الطاهر أمير المؤمنين في حديث طويل عن ابن عباس من قوله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام: أنت وليي في الدنيا والآخرة.

أخرجه أحمد في مسنده 1: 331 بإسناد صحيح رجاله كلهم ثقات كما مر الايعاز

____________

(1) سورة الزمر: 28.

(2) راجع ما مر في هذا الجزء ص 174.

الصفحة 299
إليه في الجزء الأول ص 50، وفي الجزء الثالث ص 195 ط 2، رجاله:

1 - يحيى بن حماد أبو بكر البصري، أحد رجال الصحيحين، وثقه ابن سعد و أبو حاتم وابن حبان والعجلي.

2 - أبو عوانة الوضاح اليشكري، من رجال الصحيحين وثقه أبو زرعة وأبو حاتم وأحمد وابن حبان وابن سعد والعجلي وابن شاهين. وقال ابن عبد البر: أجمعوا على أنه ثقة ثبت حجة.

3 - أبو بلج يحيى بن سليم الواسطي. وثقه ابن معين وابن سعد والنسائي و الدارقطني وابن حبان وأبو الفتح الأزدي.

4 - عمرو بن ميمون أبو عبد الله الكوفي، أدرك الجاهلية ولم يلق النبي صلى الله عليه وآله وسلم وثقه العجلي وابن معين والنسائي وغيرهم. عن ابن عباس.

وأخرجه جمع من الحفاظ وذكره غير واحد من المؤلفين ومنهم.

1 - الحافظ أبو عبد الرحمن النسائي المتوفى 303 في الخصائص ص 7.

2 - الحافظ أبو القاسم الطبراني المتوفى 360 كما في الفرايد والمجمع وغيرهما.

3 - الحافظ أبو يعلى النيسابوري المتوفى 374 كما في البداية والنهاية.

4 - الحافظ أبو عبد الله الحاكم المتوفى 405 في المستدرك 3: 132 وصححه.

5 - الحافظ أبو بكر البيهقي المتوفى 458 كما في المناقب للخوارزمي.

6 - أخطب خوارزم أبو المؤيد المتوفى 568 في المناقب ص 75.

7 - الحافظ أبو القاسم ابن عساكر المتوفى 571 في الأربعين الطوال والموافقات.

8 - الحافظ أبو عبد الله الكنجي المتوفى 658 في كفاية الطالب ص 115.

9 - الحافظ أبو المحب الطبري المتوفى 694 في الرياض النضرة 2: 203، ذخائر العقبى ص 87.

10 - شيخ الاسلام الحموئي المتوفى 722 في فرائد السمطين.

11 - الحافظ ابن كثير الدمشقي المتوفى 774 في البداية والنهاية 7: 337.

12 - " أبو الحسن الهيثمي المتوفى 807 في مجمع الزوائد 9: 108 وصححه من طريق أحمد.


الصفحة 300
13 - الحافظ ابن حجر العسقلاني المتوفى 852 في الإصابة 2: 509.

14 - أبو حامد محمود الصالحاني كما في (توضيح الدلائل) لشهاب الدين أحمد.

15 - السيد شهاب الدين أحمد في (توضيح الدلائل على ترجيح الفضائل).

16 - الشيخ أحمد بن الفضل باكثير المتوفى 1042 في وسيلة المآل.

17 - ميرزا محمد البدخشاني المتوفى 1123 في نزل الأبرار ص 16 ومفتاح النجا.

18 - شاه ولي الله الهندي المتوفى 1126 في إزالة الخفا 2: 261.

19 - الأمير محمد بن إسماعيل اليمني الصنعاني في الروضة الندية.

20 - المولوي ولي الله الهند المتوفى 1270 في مرآة المؤمنين. وغيرهم هذا ما صح عن النبي الأعظم من قوله: أنت وليي في الدنيا والآخرة. فبدل الذين ظلموا منهم قولا غير الذي قيل لهم.

12 - أخرج البزار من طريق خارجة بن مصعب عن عبد الله بن عبيد الحميري البصري عن أبيه قال: كنت عند عثمان حين حصر فقال: هاهنا طلحة؟ فقال طلحة: نعم.

فقال: أنشدتك الله أما علمت أنا كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ليأخذ كل رجل منكم بيد جليسه فأخذت بيد فلان، وأخذ فلان بيد فلان، حتى أخذ كل رجل بيد صاحبه وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي وقال: هذا جليسي في الدنيا ووليي في الآخرة؟ قال: أللهم نعم.

وذكره ابن حجر في فتح الباري 5. 315 عن ابن منده من طريق عبيد الحميري المذكور ساكتا عما في إسناده من العلة، كأنه ليس هو الذي حكى تلكم الآراء الواردة في جرح خارجة بن مصعب عن الحفاظ وأئمة الجرح والتعديل قال في تهذيب التهذيب 3: 78 قال الأثرم عن أحمد: لا يكتب حديثه. وقال عبد الله بن أحمد: نهاني أبي أن أكتب عنه شيئا من الحديث. وقال الدوري ومعاوية وعباس عن ابن نمير: ليس بثقة، ليس بشئ، كذاب، ضعيف. وقال ابن معين: ليس بشئ. وقال يحيى بن يحيى: يدلس وقال النسائي: متروك الأحاديث، ليس بثقة، ضعيف. وقال ابن سعد: إتقى الناس حديثه فتركوه. وقال ابن خراش وأبو أحمد: متروك الحديث. وقال الدارقطني: ضعيف.

وقال يعقوب: ضعيف الحديث عند جميع أصحابنا. وقال ابن المديني: هو عندنا ضعيف.


الصفحة 301
وقال أبو داود: ضعيف ليس بشئ. وقال ابن حبان: وقع في حديثه الموضوعات عن الاثبات لا يجوز الاحتجاج بخبره. وذكره ابن الجارود والعقيلي وابن السكن وأبو زرعة وأبو العرب وغيرهم في الضعفاء.

وقال السيوطي في اللئالي 1: 317: قال ابن حبان: خارجة يدلس عن الكذابين ووقع في حديثه الموضوعات.

ولعلنا أوقفناك على مقياس صحيح في أمثال هذه الرواية في ذيل الروايتين اللتين تشبهانها قبيل هذا، فإنك إذن لا تجد مقيلا لها من الصحة والاعتبار نظرا إلى متنها قبل أن تقف على ضعف إسنادها، فدعها ومر بها كريما، وذر الوضاعين في غلوائهم يرمون القول على عواهنه ولو كان طلحة سمع هذه المزعمة منه صلى الله عليه وآله وسلم واعتراف بها يوم الحصار في ملأ الصحابة لما كان يأخذ بخناق الرجل ويشدد عليه، وما كان يثير عليه نقع الفتن حتى يورده مورد المنية، ولم يك يمنع عنه إيصال الماء إليه، ولم يرض بإنهاء أمره إلى القتل الذريع، ولم يرضه دفنه في مقابر اليهود.

لو كان طلحة يعرف شيئا من هذه الرواية لما استسهل ركوب ذلك المركب الصعب الجموح وهو صحابي عادل أحد العشرة المبشرة كما يحسبون.

13 - أخرج ابن ماجة في سننه 1: 53 عن أبي مروان محمد بن عثمان الأموي العثماني عن أبيه عثمان بن خالد حفيد عثمان بن عفان عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن الأعرج عن أبي هريرة: إن النبي صلى الله عليه وسلم لقي عثمان عند باب المسجد فقال: يا عثمان! هذا جبريل أخبرني إن الله قد زوجك أم كلثوم بمثل صداق رقية على مثل صحبتها. ورواه ابن عساكر كما في تاريخ ابن كثير 7: 211.

قال الأميني: أسلفنا فيما مر صفحة 290 أن محمد بن عثمان يخطئ ويخالف و يروي عن أبيه مناكير، وإن أباه ليس بثقة وأحاديثه غير محفوظة، وأنه حدث بأحاديث موضوعة لا يجوز الاحتجاج به، ومر في صفحة 295 أن عبد الرحمن بن أبي الزناد: ليس ممن يحتج به أصحاب الحديث وأنه ضعيف مضطرب الحديث لا يحتج بحديثه وعليك بمراجعة ما فصلناه في الجزء الثامن ص 231 - 234 ط 2.


الصفحة 302
14 - أخرج ابن عدي قال: حدثنا محمد بن داود بن دينار حدثنا أحمد بن محمد ابن حباب البصري حدثنا عمرو بن فائد البصري عن موسى بن سيار البصري عن الحسن البصري عن أنس مرفوعا: إن لله تعالى سيفا مغمودا في غمده ما دام عثمان بن عفان حيا، فإذا قتل جرد ذلك السيف فلم يغمد إلى يوم القيامة. ورواه ابن عساكر بالإسناد.

قال السيوطي في اللئالي 1: 316: موضوع آفته عمرو بن فائد وشيخه كذاب أيضا.

قال الأميني: ألا تعجب من السيوطي؟ يحكم هاهنا على الرواية بالوضع ويكذب راويه ويذكرها في تاريخ الخلفاء ص 110 في عد فضائل عثمان ويقتصر على قوله: تفرد به عمرو بن فائد وله مناكير. نعم هكذا يموهون على الحقايق ويغرون الناس بالجهل، كان على الرجل أن يلغيها عن سياق عد الفضائل - التي من طبعها أن يحتج بها - بعد ما رآها موضوعة رواها كذاب عن كذاب، غير أنه لو اقتصر على ما يحتج به في باب الفضائل، وألغى ما لا يصح منها سندا أو متنا، لما يجد هو وغيره فضيلة قط لعثمان، وهذا مما لا يروقه هو ولا يحبذه قومه.

وللدار قطني، وابن المديني، والعقيلي، وابن عدي، والنسائي، والذهبي، كلمات في جرح عمرو بن فائد وبطلان حديثه. راجع لسان الميزان 4: 372.

وليحيى القطان، وأبي حاتم، وابن عدي، وابن معين، والذهبي، أقوال في تفنيد موسى ابن سيار البصري وتكذيبه وبطلان حديثه. راجع ميزان الاعتدال 3: 211، ولسان الميزان 6: 120.

وفي الاسناد محمد بن داود الفارسي، قال الذهبي في الميزان 3: 54: من شيوخ ابن عدي ذكره فقال: كان يكذب. وذكرا بن حجر في اللسان 5: 161 حديثا في فضل علي أمير المؤمنين فقال: هو من وضع محمد بن داود بن دينار.

هذا شأن هذه المكذوبة غير أن أناسا من الغالين في الفضائل كالسيوطي و القرماني (1) وأحمد زيني دحلان (2) اتخذوها حجة عند ذكرهم فضائل عثمان مرسلين

____________

(1) في أخبار الدول هامش الكامل لابن أثير 1: 214

(2) في الفتوحات الإسلامية 2: 498.

الصفحة 303
إياها إرسال المسلم شأنهم في الموضوعات المفتعلة في الثناء على رجالاتهم 15 - وأخرج الحاكم في المستدرك 3: 103 من طريق أحمد بن كامل القاضي عن أحمد بن محمد بن عبد الحميد الجعفي عن الفضل بن جبير الوراق عن خالد بن عبد الله الطحان المزني عن عطاء بن السائب عن سعد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت قاعدا عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذ أقبل عثمان بن عفان رضي الله عنه فلما دنا منه قال: يا عثمان! تقتل وأنت تقرأ سورة البقرة فتقع قطرة من دمك على " فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم " وتبعث يوم القيامة أميرا على كل مخذول يغبطك أهل الشرق والغرب، وتشفع في عدد ربيعة ومضر.

قال الأميني: سكت الحاكم عن صحة الحديث وأنصف الذهبي فقال في تلخيصه:

كذب بحت، وفي الاسناد أحمد بن محمد بن عبد الحميد الجعفي وهو المتهم به. ا هـ.

وشيخ الجعفي أيضا لا يتابع على حديثه كما قاله العقيلي وحكاه عنه الذهبي في الميزان وابن حجر في لسانه 4: 438.

إن مما يقضى منه العجب أن أحدا من الصحابة العدول لم يسمع هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كأن المجلس الذي ألقى صلى الله عليه وآله وسلم فيه هذه الكلمة كان خلوا عنهم جميعا ومن العجيب أيضا أنه لم يروه أحد منهم لصاحبه - إن كان سمعه أحد - حتى تتداوله الألسن فعسى أن يكون رادعا عن التجمهر على عثمان والاتفاق على نبذه والجرأة على قتله، نعم: لم يسمعه أحد منه صلى الله عليه وآله وسلم عدا ابن عباس الذي كان صبيا في عهد النبوة لم يبلغ الحلم وقد توفي صلى الله عليه وآله وسلم وابن عباس ابن ثلاثة عشر سنة كما قاله الواقدي و الزبير وصححه أبو عمر في " الاستيعاب " أو عشر سنين كما روي عن ابن عباس نفسه من وجوه (1) أو أكثر منها، وربما يشك في أنه هل كان يحسن التحمل عندئذ أو لا؟

ولعله هو أيضا كان شاكا في تحمله هذا الحديث حيث جاءته استغاثة عثمان (2) وهو يخطب الحاج يوم عرفة فتلاها نافع بن طريف فلما أتمها مضى ابن عباس في خطبته غير مكترث لاستغاثة الخليفة وهو بين الناب والمخلب، على حين أنه كان منصوبا من قبله لإمارة

____________

(1) راجع مسند أحمد 1: 253، الاستيعاب 1: 372.

(2) راجع ما مضى في هذا الجزء صفحة 134، 192.

الصفحة 304
الحاج، فلم يعرض لشئ من شأنه ولا للزوم الدفاع عنه، وما ذلك إلا لاصفاقه مع المجهزين عليه في الرأي وإلا لكان من واجبه الحث على الذب عنه، وبيان وجوب إغاثته، وملأ سمعه هذا الحديث الذي عزي إليه وملأ فيه روايته - وحاشاه عن راويته - وكأن الحضرة النبوية نصب عينيه يتلقى فيه الرواية، وهو الذي يقتضيه عدله وتقواه.

وهناك شاهد آخر لعدم إخباته إلى مضمون هذه الرواية وهو إنه لما بعثه عثمان أميرا على الحاج لقيته عائشة في بعض المنازل فقالت له: يا ابن عباس! إن الله قد آتاك عقلا وفهما وبيانا فإياك أن ترد الناس عن هذا الطاغية (1) تعني عثمان، فلم يبد ابن عباس لها تجاه تلك الشدة تجهما ولا قولا لينا كمن يوافقها على النزعة، كما رد عليها في حثها على عدم التخذيل عن طلحة وجنوحها إلى توليه الأمر، فلو كان ابن عباس يعرف في شأن عثمان شيئا من هذه الرواية لرواه لها واتخذه مستندا في الدفاع عنه، فجامع القول إن الحبر لم يسمع مما تقول عليه شيئا، وإنما هو من مواليد العهد الأموي بعد عهد ابن عباس.

وليس من المستسهل الكشف عن إمارة المخذولين يوم القيامة، كما أن من المستصعب جدا عرفان أعيانهم وأشخاصهم، أفيهم أولئك الصفوة الأبرار من الصحابة والتابعين أمثال أبي ذر وعمار وابن مسعود ومالك الأشتر وزيد وصعصعة ابني صوحان وكعب بن عبدة وعامر بن قيس وآخرين من صلحاء المدينة والكوفة والبصرة الذين خذلهم عثمان وأبناء بيته؟.

ولعل في المخذولين الحكم ومروان وآلهما وعبد الله بن أبي سرح وأبا سفيان وولده وأضرابهم الذين خذلهم الاسلام وآواهم عثمان وعزرهم وسلطهم على صلحاء الأمة من الصحابة الأولين والتابعين لهم بإحسان.

ونحن على يقين من أن الشفاعة المزعومة التي لا تصدقها سيرة عثمان ولا تساعدها البرهنة ويضادها نداء الكتاب الكريم إن حققت تدنس ساحة الجنة المقدسة بإدخال عثمان أرجاس آل أمية فيها كما يعرب عنه قوله الثابت المذكور في الجزء الثامن ص 291 ط 2: لو أن بيدي مفاتيح الجنة لأعطيتها بني أمية حتى يدخلوا من عند آخرهم.

____________

(1) راجع ما مر في هذا الجزء صفحة 78.

الصفحة 305
16 - أخرج الحاكم المستدرك 3: 103 عن عبد الله بن إسحاق بن إبراهيم العدل (1) عن يحيى بن أبي طالب عن بشار بن موسى الخفاف البصري عن الحاطبي عبد الرحمن (2) بن محمد عن أبيه عن جده قال: لما كان يوم الجمل خرجت أنظر في القتلى قال: فقام علي والحسن بن علي وعمار بن ياسر ومحمد بن أبي بكر وزيد بن صوحان يدورون في القتلى قال: فأبصر الحسن بن علي قتيلا مكبوبا على وجهه فقلبه على قفاه ثم صرخ ثم قال: إنا لله وإنا إليه راجعون فرخ قريش والله. فقال أبوه: من هو يا بني قال: محمد بن طلحة بن عبيد الله. فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، أما والله لقد كان شابا صالحا ثم قعد كئيبا حزينا فقال له الحسن: يا أبت! قد كنت أنهاك عن هذا المسير فغلبك على رأيك فلان وفلان. قال: قد كان ذاك يا بني! ولوددت أني مت قبل هذا بعشرين سنة. قال محمد بن حاطب: فقمت فقلت: يا أمير المؤمنين! إنا قادمون المدينة والناس سائلونا عن عثمان فإذا نقول فيه؟ قال: فتكلم عمار بن ياسر ومحمد بن أبي بكر فقاما وقالا فقال لهما علي: يا عمار ويا محمد! تقولان: إن عثمان استأثر وأساء الأثرة وعاقبتم والله فأسأتم العقوبة، وستقدمون على حكم عدل يحكم بينكم ثم قال: يا محمد بن حاطب! إذا قدمت المدينة وسئلت عن عثمان فقل: كان والله من الذين آمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين وعلى الله فليتوكل المؤمنون.

قال الأميني: سكت الحاكم عما في إسناد هذه الأكذوبة من العلل ولم يصححه ولم ينبس فيه بكلمة غمز ولا تصحيح، واكتفى الذهبي فيه بقوله: بشار بن موسى واه. ونحن نقول:

عبد الله بن إسحاق بن إبراهيم. قال الدارقطني فيه لين، وذكره بذلك الخطيب البغدادي في تاريخه 9: 414.

ويحيى بن أبي طالب قال فيه موسى بن هارون: أشهد أنه يكذب عني. وقال مسلمة بن قاسم: تكلم فيه الناس. " لسان الميزان 6: 262 ".

____________

(1) كذا في النسخ والصحيح: المعدل.

(2) كذا في النسخ والصحيح: عبد الرحمن بن عثمان بن محمد.