الصفحة 336
هنات فلم يغفروها له مخالفين لله ولرسوله صلى الله عليه وآله وسلم وهم عدول؟ أو أنهم سمعوا هذه الأفيكة ثم أودعوها في محفظة الأباطيل؟ غير أن ظني بها أن ميلادها بعد واقعة الدار وأنها كانت في أصلاب الوضاعين عند الحصارين، وفي حش كوكب، وفي مقبرة اليهود، ولم تلدها بعد أمها العاقر، حتى فسح المجال لاستيلادها على أيدي قوابل عهد معاوية فما بعد.

30 - أخرج أحمد في مسنده 1: 70 عن بهز أبي الأسود البصري عن أبي عوانة الوضاح البصري عن حصين عن عمرو بن جاوان البصري عن الأحنف بن قيس البصري قال: انطلقنا حجاجا فمررنا بالمدينة فبينما نحن في منزلنا إذ جاءنا آت فقال: الناس من فزع في المسجد. فانطلقت أنا وصاحبي فإذا الناس مجتمعون على نفر في المسجد قال: فتخللتهم حتى قمت عليهم فإذا علي بن أبي طالب والزبير وطلحة وسعد بن أبي وقاص قال: فلم يكن ذلك بأسرع من أن جاء عثمان يمشي فقال: أهاهنا علي؟ قالوا: نعم. قال أهناهنا طلحة؟ قالوا: نعم. قال: أهاهنا سعد؟ قالوا: نعم. قال: أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من يبتاع مربد بني فلان غفر الله له فابتعته فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إني قد ابتعته. فقال: اجعله في مسجدنا وأجره لك؟ قالوا: نعم. قال: أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من يبتاع بئر رومة. فابتعتها بكذا وكذا فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إني قد ابتعتها يعني بئر رومة فقال: إجعلها سقاية للمسلمين وأجرها لك؟ قالوا: نعم. قال: أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نظر في وجوه القوم يوم جيش العسرة فقال: من يجهز هؤلاء غفر الله له فجهزتهم حتى ما يفقدون خطاما ولا عقالا؟

قالوا: أللهم نعم. قال اللهم اشهد. أللهم اشهد. أللهم اشهد. ثم انصرف. وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 6: 167 بالإسناد المذكور.

قال الأميني: زعم البصريون جند المرأة أنهم يسعهم تدارك تجمهر صلحاء البصرة على عثمان بتسطير أمثال هذه الأفائك المفتعلة، وحسبوا أنهم يبررون ساحة الرجل من تلكم الهنات الموبقة التي سجلها له التاريخ، ذاهلين عن أن صحة هذه الأساطير تزيد عليه وبالا، فبعد ما سمع أعاظم الصحابة حجاجه هذه، وقرعت سمعهم تلكم

الصفحة 337
المناشدات وما أصاخوا إليها، وما زحزحوا عما كانوا عليه من خذلانه إلى التأليب عليه إلى الوقيعة فيه بكل ما يوهنه ويزريه إلى قتله إلى كسر أضالعه إلى رمي جنازته إلى دفنه في مقابر اليهود، وبعد ما أصرت الأمة على مقته مجمعة على النقمة عليه وهي لا تجتمع على الخطأ كما يحسبون، لم يبق للرجل أي قيمة في سوق الاعتبار وإن اختلقت يد الافتعال له ألف أسطورة.

وتحصل مما قدمناه أن الأجور المذكورة على تقدير الصحة كانت مرتبة على الأعمال ولم تكن حقوقا ثابتة للرجال فهي تدور مع الأعمال إن لم يبطلها ما هو أقوى منها كما هو الحال في المقتضيات المقارنة بالموانع، وكان معتقد القوم فيما استنشدهم عثمان أنها مقرونة بها، فلذلك لم يقيموا لكل ما استنشدهم فيه وزنا إن كانت للمزاعم حقيقة. (ومنها):

31 - أخرج البيهقي في السنن الكبرى 6: 167 من طريق أبي إسحاق السبيعي عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: لما حصر عثمان بن عفان رضي الله عنه وأحيط بداره أشرف على الناس فقال: أنشدكم بالله هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على جبل حراء فقال: أسكن حراء فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد؟ قالوا: أللهم نعم. قال: أنشدكم بالله هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في غزوة العسرة: من ينفق نفقة متقبلة. والناس يومئذ معسرون مجهودون فجهزت ذلك الجيش من مالي؟

قالوا: أللهم نعم. ثم قال: أنشدكم بالله هل تعلمون أن رومة لم يكن يشرب منها أحد إلا بثمن فابتعتها بمالي فجعلها للغني والفقير وابن السبيل؟ قالوا: أللهم نعم. في أشياء عددها.

في الاسناد أبو إسحاق السبيعي وقد مر في الجزء السابع ص 276: إنه مدلس أفسد حديث أهل الكوفة، ضعيف جدا لا يحتج بحديثه. وأما أبو عبد الرحمن فهو عثماني لا يعول عليه ولا يركن إلى حديثه.

32 - أخرج البلاذري في الأنساب 5: 10 عن المدائني عن عباد بن راشد البصري عن الحسن البصري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يجهز هذا الجيش بشفاعة

الصفحة 338
متقبلة؟ فقال عثمان: يا رسول الله بشفاعة متقبلة؟ قال: نعم على الله ورسوله. قال: أنا أجهزهم بسبعين ألفا.

قال الأميني: هذا الجيش جهزه الحسن البصري بعد سنين من وفاة النبي الأقدس وقد ولد الرجل بسنتين بقيتا من خلافة عمر، ولعله نظر إلى ذلك الموقف واسترق السمع من وراء ستر رقيق في صلب أبيه، أو أوعز بإرسال الرواية إلى بطلانها، وغير بعيد أن يكون عباد بن راشد هو الذي تقول بها على الحسن وهو برئ منها. قال الدوري عن ابن معين: حديث عباد ليس بالقوي ولكن يكتب (يعني للاعتبار) وقال الدورقي عن ابن معين: ضعيف: وقال البخاري والأزدي: تركه يحيى القطان وقال أبو داود: ضعيف. وقال النسائي: ليس بالقوي. وقال ابن المديني: لا أعرف حاله. وقال ابن البرقي: ليس بالقوي. وقال ابن حبان كان ممن يأتي بالمناكير عن المشاهير حتى يسبق إلى القلب أنه كان المعتمد فبطل الاحتجاج به، روى عن الحسن حديثا طويلا أكثره موضوع (1). (ومنها):

33 - أخرج أبو نعيم في حلية الأولياء 1. 58 من طريق إبراهيم بن سعدان عن بكر بن بكار البصري عن عيسى بن المسيب عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال: اشترى عثمان بن عفان من رسول الله صلى الله عليه وسلم الجنة مرتين بيع الخلق: حين حفر بئر رومة، وحين جهز جيش العسرة.

* (رجال الاسناد) *

1 - بكر بن بكار أبو عمرو البصري قال ابن أبي حاتم: ضعيف الحديث سيئ الحفظ له تخليط. وقال ابن معين: ليس بشئ. وقال النسائي: ليس بالقوي. وقال أيضا: ليس بثقة. وقال أبو حاتم: ليس بالقوي. وذكره العقيلي وابن الجارود والساجي في الضعفاء (2).

2 - عيسى بن المسيب. قال يحيى والنسائي والدارقطني: ضعيف - وقال أبو حاتم وأبو زرعة: ليس بالقوي. وتكلم فيه ابن حبان وغيره. وقال أبو داود: ضعيف. وقال

____________

(1) تهذيب التهذيب 5: 92.

(2) ميزان الاعتدال 1: 160. تهذيب التهذيب 1: 48، لسان الميزان 2: 48.

الصفحة 339
يحيى بن معين أيضا: ليس بشئ. وقال ابن حبان: يقلب الأخبار ولا يفهم ويخطئ حتى خرج عن حد الاحتجاج به.    (لسان الميزان 4: 405)

والباحث جد عليم بأن الصحابة لم تكن على يقين من هذا البيع المزعوم وإلا لما تجمهروا على مقت الرجل وخذلانه، ولم يكن عثمان نفسه على ثقة بذلك أيضا و إلا لما كان حذيرا من أن يكون هو الملحد بمكة الذي عليه نصف عذاب أهل الأرض كما مر حديثه في هذا الجزء ص 153. (ومنها):

34 - أخرج أحمد في المسند 4: 75، وأبو نعيم في الحلية 1: 58 من طريقين أحدهما عن عبد الله بن جعفر عن يونس بن حبيب عن أبي داود. والآخر: عن فاروق ابن الخطابي عن أبي مسلم الكجي عن حجاج بن نصر (1) " أبي محمد البصري " قالا ثنا سكن بن المغيرة الأموي (البصري مولى آل عثمان) عن الوليد بن أبي هشام البصري عن فرقد بن أبي طلحة عن عبد الرحمن بن أبي خباب (2) السلمي البصري قال: خطب النبي صلى الله عليه وسلم فحث على جيش العسرة فقال عثمان: علي مائة بعير بأحلاسها وأقتابها.

قال: ثم حث فقال عثمان: علي مائة أخرى بأحلاسها وأقتابها قال: ثم حث فقال عثمان: علي مائة أخرى بأحلاسها وأقتابها. فرأيت النبي صلى الله وعليه وسلم يقول بيده يحركها ما على عثمان ما عمل بعد هذا.

قال الأميني: هلا مخبر يخبرني عن هذا الصحابي البصري الذي لا يعرف إلا بحديثه هذا؟ ولا يعلم من تاريخ حياته شئ غير اختلاقه هذه الرواية، ولا يروي عن النبي الأعظم إلا هذه الخطبة المزعومة كما صرح به ابن عبد البر في " الاستيعاب " و ابن حجر في " الإصابة "، ولم يسمعها صحابي قط غيره منه صلى الله عليه وآله وسلم.

ثم يخبرني ذلك المخبر عمن انتهى إليه الاسناد أن فرقد بن طلحة، من هو؟ ومتى ولد؟ وأين وأنى كان؟ وما المعروف من ترجمته؟ فكأني به وهو يجيبني بما قاله علي بن المديني: لا أعرفه (3).

____________

(1) كذا في النسخ والصحيح: نصير بضم النون مصغرا.

(2) كذا في النسخ والصحيح: عبد الرحمن بن خباب.

(3) تهذيب التهذيب 7: 264.

الصفحة 340
وهل تخفى على إمام أو حافظ في الحديث آراء رجال الجرح والتعديل في حجاج ابن نصير؟ وقد ورد فيه قول ابن معين: ضعيف. وقول علي بن المديني: ذهب حديثه كان الناس لا يحدثون عنه، وقول النسائي: ضعيف. وقوله أيضا: ليس بثقة ولا يكتب حديثه. وقول ابن حبان: يخطئ ويهم. وقول العجلي: كان معروفا بالحديث ولكنه أفسده أهل الحديث بالتلقين كان يلقن وأدخل في حديثه ما ليس منه فترك. وقول ابن سعد كان ضعيفا. وقول الدارقطني والأزدي: ضعيف: وقول أبي أحمد الحاكم: ليس بالقوي عندهم. وقول الآجري عن أبي داود: تركوا حديثه. وقول ابن قانع: ضعيف لين الحديث (1).

وإني أحسب أن الآفة من سكن بن المغيرة وأنه أدى حقوق آل عثمان - وهو مولاهم - باختلاق هذه المنقبة لعثمان، ولا ينافي ذلك كونه صالحا إمام جمعة وجماعة، وكم وكم صلحاء وضاعين، ومن أئمة كذابين؟ راجع الجزء الخامس من كتابنا هذا سلسلة الكذابين والوضاعين. (ومنها):

35 - أخرج أبو نعيم في الحلية 1: 59 من طريق عمر بن هارون البلخي عن عبد الله بن شوذب البصري ثم المقدسي عن عبد الله بن القاسم عن كثير بن أبي كثير البصري مولى سمرة (2) عن عبد الله بن سمرة عامل معاوية بن أبي سفيان على البصرة قال: كنت مع رسول الله صلى الله وعليه وسلم في جيش العسرة فجاء عثمان بألف دينار فنثرها بين يدي رسول الله صلى الله وعليه وسلم ثم ولى قال: فسمعت رسول الله صلى الله وعليه وسلم وهو يقلب الدنانير وهو يقول: ما يضر عثمان ما فعل بعد هذا اليوم.

وفي لفظ أحمد في المسند 5: 63: ما ضر ابن عفان ما عمل بعد اليوم. يرددها مرارا.

وذكره ابن الجوزي في التبصرة كما في تلخيصها قرة العيون المبصرة 1: 179 قال الأميني: ألا تعجب من حفاظ يروون عن كذاب خبيث مرسلين روايته إرسال المسلم يمرون بها كراما؟ أي قيمة في سوق الاعتبار لرواية جاء بها عمر بن هارون؟ وقد جاء فيه قول ابن سعيد: كتب الناس عنه كتابا كبيرا وتركوا حديثه وقول

____________

(1) تهذيب التهذيب 2: 209.

(2) وفي مسند أحمد: مولى عبد الرحمن بن سمرة عن عبد الرحمن بن سمرة.

الصفحة 341
البخاري: تكلم فيه يحيى بن معين وقال: عمر بن هارون كذاب قدم مكة وقد مات جعفر بن محمد فحدث عنه. وقول ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه فقال: تكلم فيه ابن المبارك فذهب حديثه، قلت لأبي: إن الأشج حدثنا عنه فقال: هو ضعيف الحديث نخسه ابن المبارك نخسة. وقول قتيبة: قلت لجرير: إن عمر بن هارون حدثنا عن القاسم بن مبرور قال: نزل جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن كاتبك هذا أمين (يعني معاوية) فقال جرير اذهب إليه فقل له: كذبت. رواها العقيلي. وعن أحمد إنه قال: لا أروي عنه شيئا وقد أكثرت عنه. وقول ابن مهدي: لم يكن له عندي قيمة حدثني بأحاديث فلما قدم مرة أخرى حدث بها عن ابن عباس عن أولئك فتركت حديثه. وقول أبي زكريا:

عمر بن هارون: كذاب خبيث ليس حديثه بشئ، قد كتبت عنه وبت على بابه وذهبنا معه إلى النهروان، ثم تبين لنا أمره فحرقت حديثه ما عندي عنه كلمة. وقول ابن محرز عن ابن معين: ليس هو بثقة وبنحوه قال الغلابي عنه. وقال عنه مرة: ضعيف. وقول أبي داود عنه: غير ثقة. وقول ابن أبي خيثمة وغيره عن ابن معين: ليس بشئ: وقول جعفر الطيالسي عن ابن معين: يكذب. وقول عبد الله بن علي بن المديني: سألت أبي عنه فضعفه جدا. وقول إبراهيم بن موسى: الناس تركوا حديثه. وقول الجوزجاني: لم يقنع الناس بحديثه. وقول النسائي وصالح بن محمد وأبي علي الحافظ: متروك الحديث. وقول الساجي فيه ضعف وقول الدارقطني: ضعيف. وقول أبي نعيم: حدث بالمناكير لا شئ (1) و قول العجلي: ضعيف. وقول ابن حبان: يروي عن الثقات المعضلات ويدعي شيوخا لم يرهم (2).

وفي الاسناد: كثير بن أبي كثير ذكر العقيلي في الضعفاء، وقال ابن حزم وعبد الحق : إنه مجهول، ولو كان لتوثيق العجلي الرجل وزن لما جهله الحافظان ولم يضعفه العقيلي، وأي قيمة لثقة العجلي وهو يوثق عمر بن سعد قاتل الإمام السبط الشهيد و نظرائه من المهتوكين المفضوحين؟

____________

(1) ليت أبي نعيم كان على ذكر من رأيه هذا في الرجل حين أخرج من طريقه هذه المنقبة المزيفة.

(2) تهذيب التهذيب 7: 502 - 505

الصفحة 342
وفي طريق أحمد مضافا إلى كثير ضمرة بن ربيعة وقد مر فيه قول الساجي:

صدوق يهم، عنده مناكير. وروى ضمرة عن الثوري عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر حديثا أنكره أحمد ورده ردا شديد. وقال: لو قال رجل: إن هذا كذب لما كان مخطئا وأخرجه الترمذي وقال: لا يتابع ضمرة عليه وهو خطأ عند أهل الحديث.

فهذه مكانة الرجل من الرواية وإن كان ثقة مأمونا، وأكبر الظن أن الآفة في هذه الرواية من ابن سمرة وأنه اختلقها تقربا إلى أعطيات معاوية وهباته التي كانت تصل من دون وزن وكيل إلى وضاعي الأحاديث ورجال الاختلاق الذين لا خلاق لهم. (ومنها):

36 - عن مسعر عن عطية عن أبي سعيد قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أول الليل إلى أن طلع الفجر رافعا يديه لعثمان يقول: أللهم عثمان رضيت عنه فارض عنه.

ذكره ابن الجوزي في كتابه (التبصرة) كما في تلخيصه (1) 1: 179 مرسلا إياه إرسال المسلم، وهو أول حديث ذكره في فضائل عثمان، وذكره الواحدي في أسباب النزول مرسلا ص 61 فزاد: فأنزل الله تعالى فيه: الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله (2)

وذكره ابن كثير في تاريخه 7: 212 ولم يذكر من رجال إسناده إلا الثلاثة المذكورة ولعل هو ومن رواه مرسلا وجدوا في سلسلة السند أناسا ساقطين لا يعبأ بهم ولا يحتج بحديثهم، وما راقهم إبطال هذه المنقبة بإبداء علله بذكر أولئك الرجال.

ومن العجب العجاب هذا الدؤب منه صلى الله عليه وآله وسلم من أول الليل إلى منتهى الفجر على الدعاء لعثمان الذي فوت عليه مرغباته وفرائضه، فإن صلاة الليل والوتر كانت فريضة عليه صلى الله عليه وآله وسلم دون الأمة (3) ولا أدري هل نزل عليه صلى الله عليه وسلم وحي جديد يأمره باستبدال نوافله وفرائضه في تلك الليلة بدعاء عثمان؟ أو ماذا كان فيها؟ نعم: الذي يظهر من السيوطي في الخصائص الكبرى 2: 164 - 170، إن ذلك الوحي لم ينزل، وإن الدعاء لعثمان لم يكن فضلا عن استيعابه الليل كله فإنه ذكر فيها كل من دعى له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

____________

(1) الموسوم بقرة العيون المبصرة تأليف الشيخ أبي بكر ابن الشيخ محمد الملا الحنفي.

(2) سورة البقرة: 262.

(3) راجع الخصائص الكبرى 2: 229.

الصفحة 343
وسماهم حتى يهوديا سمت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يعد منهم عثمان.

ولو كان إنفاق عثمان في جيش العسرة موجبا للدعاء المستوعب ليله صلى الله عليه وآله وسلم كما يظهر من رواية الواحدي، فإنفاق أبي بكر الذي أنفق كل ما كان يملكه ذات يده - كما يحسبه القوم - وكان يراه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمن الناس عليه بماله (1) يستوجب دعاء مستغرقا ليله ونهاره، فأين؟ وأني؟ ولو كان كل إنفاق في مهمة يستدعي دعاء الليل فكان عليه صلى الله عليه وآله وسلم أن يقضي حياته ليلا ونهارا بالدعاء للمنفقين، وما أكثرهم؟ ولو كان صلى الله عليه وآله وسلم رافعا يديه لعثمان فعليه صلى الله عليه وآله وسلم أن يديم رفعهما في الدعاء لأبي بكر ولرجال الأنصار المكثرين من الانفاق في السلم الحرب ولغيرهم من أهل اليسار الذين بذلوا كنوزا عامرة من الدرهم والدينار في مهام الاسلام المقدس والدعوة إليه والذب عنه.

وأما زيادة الواحدي من نزول الآية الكريمة في عثمان فقد فصلنا القول فيه و إنه لا يصح في الجزء الثامن ص 57 * (بقية مناقب عثمان) *

37 - قال ابن كثير في تاريخه 7: 212: قال ليث بن أبي سليم (ابن زنيم القرشي مولاهم): أول من خبص الخبيص عثمان خلط بين العسل والنقى ثم بعث به إلى رسول الله صلى الله وعليه وسلم إلى منزل أم سلمة فلم يصادفه فلما جاء وضعوه بين يديه فقال: من بعث هذا؟

قالوا: عثمان. قالت: فرفع يديه إلى السماء فقال: أللهم إن عثمان نترضاك فارض عنه.

وذكره السيوطي في مسامرة الأوائل ص 87 نقلا عن البيهقي وابن عساكر من طريق ليث.

قال الأميني: خبص ابن زنيم هذا الخبيص لعثمان بعد لأي من وفاة رسول الله صلى الله وعليه وآله وسلم وقد مات الرجل بعد المائة والأربعين من الهجرة، ولم يدرك النبي صلى الله وعليه وآله وسلم، ولم نعرف الذي أخذ الرواية منه ممن شهد قصعة الخبيص وحضر مشهد الدعاء كما لا يعرف أحد من بقية رجال الاسناد، فالرواية مرسلة من الطرفين.

وأما ابن زنيم فقد جاء فيه عن عبد الله بن أحمد قال: ما رأيت يحيى بن سعيد أسوأ رأيا منه في ليث وابن إسحاق وهمام، لا يستطيع أحد أن يراجعه فيهم. وقال ابن أبي شيبة وأبو حاتم والجوزجاني: كان ضعيف الحديث. وضعفه ابن سعد وابن معين

____________

(1) راجع ما مضى في ج 7: 307 و ج 8: 33، 58 ط 2.

الصفحة 344
وابن عيينة. وقال أحمد وأبو حاتم أيضا وأبو زرعة: مضطرب الحديث لا تقوم به الحجة عند أهل العلم بالحديث. وقال يحيى: عامة شيوخه لا يعرفون. وقال ابن حبان: اختلط في آخر عمره فكان يقلب الأسانيد ويرفع المراسل، ويأتي عن الثقات بما ليس من حديثهم، تركه القطان وابن مهدي ابن معين وأحمد. وقال أبو أحمد الحاكم ليس بالقوي عندهم. وقال أبو عبد الله الحاكم: مجمع على سوء حفظه (1) ألا تعجب من حافظ كابن كثير يذكر رواية هذا شأنها وهذه عللها وذلك متنها المعلول ويرسلها إرسال المسلم في مقام الحجاج ويعدها من فضائل عثمان، ويأتي إلى حديث المؤاخاة الصحيح الثبت المتواتر الوارد من طرق مسندة معنعنة في الصحاح ويتخلص منه بقوله (2): أسانيدها كلها ضعيفة لا يقوم بشئ منها حجة. والله أعلم (3) ويروي في تاريخه 7: 357 نزول آية الولاية في علي عليه السلام فقال: هذا لا يصح بوجه من الوجوه لضعف أسانيده، ولم ينزل في علي شئ من القرآن بخصوصيته (4) حيا الله الأمانة، وقاتل الله الحب المعمي والمصم.

ولو كان صلى الله عليه وآله وسلم يرفع يديه لكل هدية ولو كانت لقمة خبيص؟ للزمه أن لا ينزلهما في أغلب أوقاته لكثرة الهدايا إليه وكثرة مهديها، ولم تكن لعثمان ولخبيصه خاصة توجب أداء حقها دون المؤمنين عامة وهداياهم.

38 - أخرج الخطيب البغدادي في تاريخه 6: 321 من طريق عبد الله بن الحسن بن أحمد عن يزيد بن مروان الخلال عن إسحاق بن نجيح الملطي عن عطاء عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لكل نبي خليلا من أمته وإن خليلي عثمان بن عفان.

قال الأميني: حسبك من عرفان رجال الاسناد كذابان: الخلال والملطي، أما الخلال فقال يحيى بن معين: الخلال كذاب. وقال الدارمي: وقد أدركته وهو

____________

(1) تهذيب التهذيب 8: 468.

(2) راجع تاريخ ابن كثير البداية والنهاية 7: 335.

(3) مر حديث المؤاخاة بطرقها المفصلة في ج 3: 112 - 125 ط 2 ومر الايعاز إليه في هذا الجزء صفحة 317.

(4) أسلفنا في ج 3: 156، 167 ط 2 تفصيل القول في نزول الآية في علي عليه السلام، وصحة روايته، وإطباق الفقهاء والمتكلمين والمحدثين والمفسرين على ذلك.

الصفحة 345
ضعيف قريب مما قال يحيى: وقال أبو داود. ضعيف. وقال الدارقطني: ضعيف جدا (1).

هذا مجمل القول في الخلال وأما الملطي فقال أحمد: إسحاق من أكذب الناس وقال ابن معين: كذاب عدو الله رجل سوء خبيث. وقال ابن أبي شيبة عنه: كان ببغداد قوم يضعون الحديث منهم إسحاق بن نجيح. وقال ابن أبي مريم: إنه من المعروفين بالكذب ووضع الحديث. وقال عمرو بن علي: كذاب كان يضع الحديث وقال الجوزجاني: غير ثقة ولا من أوعية الأمانة. وقال ابن عدي: أحاديثه موضوعات وضعها هو وعامة ما أتى عن ابن جريح بكل منكر ووضعه عليه، وهو بين الأمر في الضعفاء وهو ممن يضع الحديث. وقال النسائي: كذاب. وقال ابن حبان: دجال من الدجاجلة يضع الحديث صراحا. وقال البرقاني: نسب إلى الكذب. وقال الجوزقاني كذاب وضاع لا يجوز قبول خبره ولا الاحتجاج بحديثه ويجب بيان أمره. وقال أبو سعيد: مشهور بوضع الحديث. وقال ابن طاهر. دجال كذاب. وقال ابن الجوزي: أجمعوا على أنه كان يضع الحديث (2).

ومن العجب سكوت الخطيب عن هذه الرواية وعما في إسنادها من العلل وقد ذكر هو كثير من آراء الحفاظ المذكورة في ترجمة إسحاق ولعله اكتفى بذكرها عن تفنيد الرواية صريحا، وكان مفتعلها لم يقف على المفتعلة الأخرى المرفوعة: لكل نبي خليل وخليلي سعد بن معاذ (3) ويضاد كلاهما ما جاء به البخاري في صحيحه 5: 243 من القول المعزو إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر. وقد قدمنا الكلام حول ذلك في الأجزاء الماضية وأنه موضوع مختلق أيضا.

39 - روى ابن أبي الدنيا بسنده عن فاطمة بنت عبد الملك قالت انتبه عمر " ابن عبد العزيز " ذات ليلة وهو يقول: لقد رأيت الليلة رؤيا عجيبة. فقلت: أخبرني بها فقال: حتى نصبح. فلما صلى بالمسلمين دخل فسألته فقال: رأيت كأني دفعت إلى أرض خضراء واسعة كأنها بساط أخضر وإذا فيها قصر كأنه الفضة فخرج منه خارج

____________

(1) ميزان الاعتدال 3: 318، لسان الميزان 6، 293.

(2) تاريخ الخطيب 6: 321 - 324، تهذيب التهذيب 1: 252 (3) كنز العمال 6: 183، منتخب الكنز هامش مسند أحمد 5: 231.

الصفحة 346
فنادى: أين محمد بن عبد الله؟ أين رسول الله؟ إذ أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل ذلك القصر، ثم خرج آخر فنادى: أين أبو بكر الصديق؟ فأقبل فدخل، ثم خرج آخر فنادى: أين عمر بن الخطاب؟ فأقبل فدخل، ثم خرج آخر فنادى: أين عثمان بن عفان؟ فأقبل فدخل، ثم خرج آخر فنادى: أين علي بن أبي طالب؟ فأقبل فدخل، ثم خرج آخر فنادى: أين عمر بن عبد العزيز؟ فقمت فدخلت فجلست إلى جانب أبي (1) عمر بن الخطاب وهو عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر عن يمينه وبينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل فقلت لأبي: من هذا؟ قال: هذا عيسى بن مريم، ثم سمعت هاتفا يهتف بيني وبينه نور لا أراه، وهو يقول: يا عمر بن عبد العزيز! تمسك بما أنت عليه وأثبت على ما أنت عليه، ثم كأنه أذن لي في الخروج فخرجت فالتفت فإذا عثمان ابن عفان وهو خارج من القصر وهو يقول: الحمد لله الذي نصرني ربي. وإذا علي في أثره وهو يقول: الحمد لله الذي غفر لي ربي. وذكره ابن كثير في تاريخه 9: 206.

قال الأميني: أنا لا أزال أرحب بقوم يحاولون إثبات الحقايق بالأطياف، و يجابهون ما ثبت في الخارج بالخيال، فتصور لهم ريشة الأوهام عثمان منزها عن كل وصمة عرفتها فيه الصحابة العدول من أمة محمد الناظرين إليه من كثب والمشاهدين أعماله الناقمين عليه بها، وقد أهدروا دمه من جرائها، وهم الذين يقتدى بهم وبأقوالهم وأفعالهم عند القوم ويحتذى مثالهم، وبأمثال هذه السفاسف يجرؤن البسطاء على التورط في المآثم بالنظر إلى هذا الانسان المغمور فيها في نظارة مكبرة تريه منزها عن دنس كل حوب، منصورا من الله بعد أن خذلته الصحابة جمعاء.

ولهم هناك نظارة أخرى تصغر المنظور إليه من إمام المسلمين وسيد الخلفاء خير البشر بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمير المؤمنين عليه السلام إلى حد أثبتوا له ذنبا مغفورا له.

ألا من مسائل إياهم عن أنه متى صدر هذا الذنب عن إمام المسلمين؟ أحين عده النبي صلى الله عليه وآله وسلم نفسه كما في الذكر الحكيم؟ أم حين طهره الجليل بقوله تعالى: " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا " أم حين قرن ولايته بولايته

____________

(1) عمر بن الخطاب جد عمر عبد العزيز من أمه أم عاصم ليلى بنت عاصم بن عمر بن الخطاب

الصفحة 347
وولاية نبيه صلى الله عليه وآله وسلم بقوله سبحانه: إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون (1)؟ أم حين أكمل بولايته الدين وأتم نعمته على المسلمين بقوله عز من قائل: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الاسلام دنيا (2)؟.

أم حين جعله صلى الله عليه وآله وسلم أولى بالناس من أنفسهم كما هو أولى بهم من أنفسهم فرشحه للخلافة الكبرى في حديث الغدير المتواتر المقطوع بصدوره؟ أم حين جعله عدل القرآن في حديث الثقلين الثابت المتواتر؟ أم حين أنزله من نفسه بمنزلة هارون من موسى، وفصل بينه وبين نفسه بالنبوة فحسب فقال: إلا أنه لا نبي بعدي؟ (3) أم أم إلى ألف أم.

على أنه سلام الله عليه كان حلس بيته والناس متجمهرون على عثمان لا يشاركهم في شئ من أمره، ولعل في الفئة المهملجة من يعد ما كان ينوء به الامام عليه السلام من نهي عثمان عما نقم عليه به من هنات وعثرات وأمره إياه بالمعروف والعمل بالكتاب والسنة فلا يجد منه أذنا مصيخة حتى قال: ما أنا بعائد بعد مقامي هذا لمعاتبتك، أذهبت شرفك وغلبت على أمرك (4) - ذنبا مغفورا له، ويعده تقوية لجانب الثائرين على الرجل، وما هو من ذلك بشئ، وإنما أراد عليه السلام كشف المثلات عنه بإقلاعه عما كان يرتكبه من الموبقات ولكن على حد قول الشاعر:

أمرتكم أمري بمنعرج اللوا * فلم تستبين النصح إلا ضحى الغد

أو على حد قوله:

وكم سقت في آثاركم من نصيحة * وقد يستفيد الظنة المتنصح

فزه زه بهذه المعرفة وحيا الله العلم الناجع الذي يرى صاحبه الواجب ذنبا و المذنب منصورا.

وأحسب أن الذي افتعل هذه الأكذوبة الخيالية رجل من بسطاء الأكراد

____________

(1) راجع ما أسلفناه في الجزء الثالث ص 156 - 167 ط 2.

(2) راجع ما أسلفناه في الجزء الأول ص 231 - 239 ط 2.

(3) راجع ما مر في الجزء الثالث ص 199 - 202 ط 2.

(4) راجع ما مر في هذا الجزء ص 172 - 175.

الصفحة 348
أو الاعجام البعداء عن العربية وإلا فالعربي الصميم لا يقول: الحمد لله الذي نصرني ربي، والحمد لله الذي غفر لي ربي.

ولعمر بن عبد العزيز منام أشنع من هذه المهزأة يحوي فصل الخصومات الواقعة بين الإمام أمير المؤمنين ومعاوية بن هند، أخرجه أبو بكر بن أبي الدنيا أيضا بالإسناد عن عمر بن عبد العزيز قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام وأبو بكر وعمر جالسان عنده فسلمت عليه وجلست، فبينما أنا جالس إذا أتي بعلي ومعاوية، فأدخلا بيتا وأجيف الباب وأنا أنظر، فما كان بأسرع من أن خرج علي وهو يقول: قضي لي ورب الكعبة ثم ما كان بأسرع من أن خرج معاوية وهو يقول: غفر لي ورب الكعبة (1) ويظهر من الجمع بين المنامين أن موقف أمير المؤمنين علي من عثمان كان كموقف معاوية من علي صلوات الله عليه، موقف الخروج على إمام الوقت، موقف البغي والجور، لا ضير إنا إلى ربنا منقلبون، والله هو الحكم العدل يوم لا ينفع طيف ولا خيال.

40 - أخرج البلاذري في الأنساب 5: 3 من طريق سعيد بن خالد عن صالح بن كيسان " أموي النزعة مؤدب ولد عمر بن عبد العزيز " عن سعيد بن المسيب قال: نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عثمان فقال: هذا التقي المؤمن الشهيد شبيه إبراهيم.

قال الأميني: كأن سعيد بن خالد بن عمرو بن عثمان بن عفان الأموي أو سعيد ابن خالد الخزاعي المدني المجمع على ضعفه لم يجد في صحابة النبي الأقدس من يتحمل عبء هذا السرف من القول والغلو في الفضيلة فتركه مرسلا مقطوعة العرى بين سعيد بن المسيب المولود بعد سنتين مضتا من خلافة عمر بن الخطاب وبين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

لعل الباحث بعد قراءة ما سردناه من سيرة الممدوح وآراء الصحابة فيه وإصفاق الأمة على النقمة عليه بأفعاله وتروكه الشاذة عن التقوى لا يخفى عليه أن تشبيه الرجل بإبراهيم النبي عليه السلام جناية على المعصومين وسفه من القول وتره، نعوذ بالله من التقول بلا تعقل.

ولو كان التشبيه بمن كان من الأنبياء مقتولا لأمكن أن يتصور له وجه شبيه ولو مع ألف فارق. غير أن نوبة الظلم عند وضع هذا الحديث كانت قد انتهت إلى خليل الله سلام الله عليه.

____________

(1) تاريخ ابن كثير 8: 130.

الصفحة 349
وإني أحسب أن مصحصح هذه المهزأة قرع سمعه حديث التشبيه الوارد في مولانا أمير المؤمنين المذكور في الجزء الثالث ص 355 - 360 ط وراقه من ذلك تشبيهه بخليل الرحمن فحابى الرجل بذلك وقد أعماه الحب عن عدم وجود وجه شبه ولو من جهة واحدة مع التمحل بين نبي معصوم خص بفضيلة الخلة من المولى سبحانه وبين من قتل دون هناته وسقطاته أنا لا أدري أن هتاف النبي صلى الله وعليه وآله وسلم هذا الذي سمعه سعيد بن المسيب المولود بعده هل سمعته عائشة ومع ذلك كانت تهتف بقولها: اقتلوا نعثلا قتله الله فإنه قد كفر.

وبقولها لابن عباس: يا ابن عباس! إن الله قد آتاك عقلا وفهما وبيانا فإياك أن ترد الناس عن هذا الطاغية. وبقولها: وددت والله إنه في غرارة من غرائري هذه وإني طوقت حمله حتى ألقيه في البحر، وبقولها لمروان: وددت والله إنك وصاحبك هذا الذي يعنيك أمره في رجل كل واحد منكما رحا وإنكما في البحر. وبقولها للداخلين إليها: هذا ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبل عثمان قد أبلى سنته. وبقولها لما بلغها نعيه: أبعده الله ذلك بما قدمت يداه وما هو بظلام للعبيد. وبقولها: أبعده الله قتله ذنبه. وأقاده الله بعمله. يا معشر قريش! لا يسومنكم قتل عثمان كما سام أحمر ثمود قومه (1).

وهل سمع حديث التشبيه في عثمان أولئك الصحابة الذين سمعت أقوالهم و أفعالهم حول الرجل؟ أو أن الحديث كان باطلا فلم يسمعه أحد منهم؟ الحكم في ذلك أنت أيها القارئ الكريم.

وأخرج رواة السوء من طريق عائشة في التشبيه ما هو أعظم من هذا وأهتك لناموس الاسلام ونبيه الأقدس وإليك نصه:

عن المسيب بن واضح السلمي الحمصي، عن خالد بن عمرو بن أبي الأخيل السلفي الحمصي، عن عمرو بن الأزهر العتكي البصري قاضي جرجان، عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما تزوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم أم كلثوم قال لأم أيمن خذي بنتي وزفيها إلى عثمان واخفقي بالدف. ففعلت فجاءها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد ثالثة فقال: كيف وجدت بعلك؟ قالت: خير رجل. قال: أما إنه أشبه الناس بجدك

____________

(1) راجع ما مضى في هذا الجزء من حديث عائشة ص 77 - 86.

الصفحة 350
إبراهيم وأبيك محمد (1).

ذكره الذهبي في ميزان الاعتدال في ترجمة عمرو بن الأزهر فقال: هذا موضوع.

ونحن نقول: رجال الاسناد:

1 - المسيب بن واضح، قال أبو حاتم: صدوق يخطئ كثيرا فإذا قيل له لم يقبل وقال الدارقطني: ضعيف. وقال الساجي: تكلموا فيه في أحاديث كثيرة. وقال عبدان هو وعبد الوهاب بن الضحاك كلاهما سواء (2) وعبد الوهاب كما مر في الجزء الخامس ص 242 ط 2: كذاب يضع الحديث متروك كثير الخطأ والوهم وكان معروفا بالكذب في الرواية.

2 - خالد بن عمرو، كذبه الفريابي، ووهاه ابن عدي وغيره، وقال الدارقطني: ضعيف. وقال ابن عدي: له أحاديث مناكير. وذكر الذهبي حديثا من طريقه فقال: باطل ومن بلايا الأخيل حديث كذب في مشيخة ابن شاذان (3).

3 - عمرو بن الأزهر العتكي، قال أبو سعيد الحداد: كان يكذب مجاوبة، وعن ابن معين إنه ليس بثقة ضعيف، وقال البخاري: يرمى بالكذب. وقال النسائي وغيره متروك، وقال أحمد: كان يضع الحديث. وقال عباس الدوري عن يحيى: كان كذابا ضعيفا. وقال الدولابي: متروك الحديث. وقال الجوزجاني: غير ثقة. ميزان الاعتدال 2: 281، لسان الميزان 4: 353.

وأعطف إلى هذه المكذوبة ما أخرجه ابن عدي من طريق زيد بن الحريش عن عمرو بن صالح قاضي رامهرمز عن العمري عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعا: إنا نشبه عثمان بأبينا إبراهيم.

قال الذهبي: منكر جدا، وقال ابن عدي في ذكر عمرو بن صالح بعد هذا الحديث وله غير هذا مما لا يتابع عليه.

41 - أخرج البلاذري في الأنساب 5: 7 عن الحسين بن علي بن الأسود عن

____________

(1) ميزان الاعتدال 2: 281، لسان الميزان 4: 353.

(2) ميزان الاعتدال 3: 171 لسان الميزان 6: 41.

(3) ميزان الاعتدال 1: 299، تهذيب التهذيب 3: 110.