الصفحة 16
لاعنوه وشاتموه ومعاندوه وقاتلوه وخاذلوه متأولين مجتهدين لا يستحقون مقتا ولا أخذا ولا هوانا ولا عقابا؟

قل لي بربك أي ابن أنثى من أبناء الاسلام عدا وليد الكعبة ابن فاطمة استحق شيعته ومحبوه وأهله وذووه في المجتمع السب واللعن والقتل والسبي والازراء و الضرب والنكال والسوءة والحبس في ظلم المطامير وقعر السجون، وضاقت عليهم الأرض بما رحبت؟

الهضيمة كل الهضيمة دفاع ابن حجر عن مثل حكم بن أبي العاص طريد النبي ولعينه وعن الوقيعة فيه بما تحقق منه وعلم من الفاحشة، وذبه عنه لمكان كونه صحابيا (1).

الهضيمة كل الهضيمة ذب ابن حزم عن عبد الرحمن بن ملجم قاتل أمير المؤمنين وعدم تجويزه لعنه وتبريره عمله بأنه مجتهد مخطئ (2).

الهضيمة كل الهضيمة نصرة القاضي حسين الشافعي عمران بن حطان مادح ابن ملجم قاتل الإمام الطاهر بقوله:

يا ضربة من تقي ما أراد بها * إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا
إني لأذكره حينا فأحسبه * أوفى البرية عند الله ميزانا

يحكم بعدم جواز لعنه زعما بكونه صحابيا (3) ذاهلا عن أن ابن حطان لم يكن صحابيا وإنما هو من رؤس الخوارج الملعونين بلسان النبي الأقدس، ولد الرجل بعده صلى الله عليه وآله وسلم بمدة.

الهضيمة كل الهضيمة تبرير ساحة معاوية الربا والخمور من دنس طاماته و موبقاته وجناياته الكبيرة على الاسلام والمسلمين وقتله آلافا من صلحاء أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم بكلمة واحدة موجزة، بأنه كان مجتهدا متأولا مخطئا. (4) الهضيمة كل الهضيمة الاعتذار عما اقترفه يزيد الخمور والفجور: وتنزيه ساحته

____________

(1) راجع ما مضى في الجزء الثامن ص 251 ط 2.

(2) راجع ما أسلفناه في الجزء الأول ص 323 ط 2.

(3) الصابة 3: 179.

(4) الفصل لابن حزم 4: 89، تاريخ ابن كثير 7: 279.

الصفحة 17
من أرجاسه المكفرة والنهي عن لعنه وذكره بالسؤ بأنه مسلم لم يثبت كفره وأنه إمام مجتهد (1).

إلى مناصرات ومدافعات عن أمثال هؤلاء بشروى تلكم الكلم الفارغة، وأما سيدنا المفدى حبيب الله وحبيب رسوله فلسنا مغاليا إن قلنا: إن الأمة كانت مصرة على مقته، مجتمعة على قطيعة رحمه وإقصاء ولده إلا القليل ممن وفا لرعاية الحق فيه، فليت القوم أخذوا من بخاريهم وخطيبهم هذه الكلمة المعزوة إلى أمير المؤمينن " ما أنا إلا رجل من المسلمين " - وإن كانت مختلقة - وأجروا عليه حكمها. لكن. لكن...

ثم كيف تعزى إليه سلام الله عليه هذه المفاضلة وقد جاء عن النبي الأقدس قوله لفاطمة الصديقة: زوجتك خير أمتي، أعلمهم علما، وأفضلهم حلما، وأولهم سلما؟ مر في ج 3: 95 ط 2.

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: علي خير من أتركه بعدي.

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: خير رجالكم علي بن أبي طالب، وخير نسائكم فاطمة بنت محمد.

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: علي خير البشر فمن أبى فقد كفر.

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: من لم يقل علي خير الناس فقد كفر.

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: لفاطمة سلام عليها: إن الله اطلع على أهل الأرض فاختار منه أباك فبعثه نبيا، ثم اطلع الثانية فاختار بعلك.

وقوله لها: إن الله اختار من أهل الأرض رجلين أحدهما أبوك والآخر زوجك (2).

وليت شعري كيف تصح عنه هذه المفاضلة وقد اتخذه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم له نفسا كما جاء في الذكر الحكيم، وطهره الجليل بآية التطهير، وقرن بين ولايته وولاية رسوله وبين ولاية علي في نص الكتاب الكريم، وأنزله صلى الله عليه وآله وسلم من نفسه منزلة هارون من موسى، ولم يستثن لنفسه إلا النبوة، واتخذه صلى الله عليه وآله وسلم أخا لنفسه يوم المؤاخاة المبتنية على أساس المشاكلة في الملكات والنفسيات، فكيف تتم هذه كلها وفي

____________

(1) تاريخ أين كثير 8: 223 ج 13: 9.

(2) راجع ما مر في ج 3: 20 - 23 ط 2.

الصفحة 18
الأمة من هو أولى منه؟

ولست أدري كيف كان علي أمير المؤمنين أحب الخلق إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وفي الأمة من هو خير منه، وقد صح عنه صلى الله عليه وآله وسلم قوله في حديث الطير المشوي الآتي ذكره إنشاء الله. اللهم ائتني بأحب خلقك إليك ليأكل معي. فأتاه علي عليه السلام.

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم لعائشة: إن عليا أحب الرجال إلي وأكرمهم علي فاعرفي له حقه وأكرمي مثواه.

وقوله: أحب الناس إلى من الرجال علي.

وقوله: علي أحبهم إلي وأحبهم إلى الله.

ولا تنس ها هنا قول عايشة: والله ما رأيت أحدا أحب إلى رسول الله من علي. ولا قول بريدة وأبي: أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من النساء فاطمة ومن الرجال علي (1).

ثم ما بال الصديقة فاطمة تموت وهي واجدة على أبي بكر وعمر وهما خيرا البشر؟ ما بالها وندائها بعد في آذان الأمة المرحومة وهي باكية لاذت بقبر أبيها و تقول: يا أبت يا رسول الله! ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة؟

ما بالها وقولها للخيرين: إني أشهد الله وملائكته إنكما أسخطتماني وما أرضيتماني، ولئن لقيت النبي لأشكونكما إليه؟ وحديث أنينها بعد دائر سائر بين حملة التاريخ.

ما بالها وهي توصي بأن تدفن ليلا ولا يصلي عليها أبو بكر، ولا يحضر الخيران تجهيزها وتشييعها؟ وهذا النبأ العظيم بعد يدور في أندية الرجال. (2) نعم: السر في ذلك كله أن الصديقة كابن عمها أمير المؤمنين لا تعرف شيئا من قول الزور، ولعل الواقف على الجزء السادس والسابع من هذا الكتاب يطل على كون الرجلين خير البشر بأقرب من هذا.

ونحن على يقين من أن الباحث النابه الحر بعد الوقوف على ما في غضون الأجزاء

____________

(1) راجع ما مر في ج 3: 21 - 23 ط 2.

(2) راجع ما مر في ج 7: 227.

الصفحة 19
الخمسة الأخيرة من العشرة الأولى من أجزاء كتابنا هذا لا يبقي له قط ريب في أن رواة هذه الأساطير المختلقة والقائلين بمغزاها والمخبتين إليها صما وعميانا هم الغلاة في الفضائل حقا، فقد جاءوا ظلما وزورا وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم، فمن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذ جاءه فصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون.


وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

الصفحة 20

بقية البحث
عن مناقب الخلفاء الثلاثة

4 - أخرج البخاري في كتاب المناقب من صحيحه ج 5: 243 باب فضل أبي بكر بعد النبي من طريق عبد الله بن عمر قال: كنا نخير بين الناس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فنخير أبا بكر، ثم عمر بن الخطاب، ثم عثمان بن عفان رضي الله عنهم.

وذكر في باب مناقب عثمان ج 5: 262 عن ابن عمر أيضا بلفظ: كنا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لا نعدل بأبي بكر أحدا، ثم عمر، ثم عثمان، ثم نترك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا نفاضل بينهم. وبهذا اللفظ حكاه الحافظ العراقي عن الصحيحين في طرح التثريب 1: 82.

وأخرج في تاريخه ج 1 قسم 1: 14 بلفظ: كنا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبعده نقول: خير أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان.

وأخرج أحمد في مسنده 2: 14 عن ابن عمر قال: كنا نعد ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي وأصحابه متوافرون: أبو بكر وعمر وعثمان ثم نسكت.

وأخرج ابن داود والطبراني عن ابن عمر: كنا نقول ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي: أفضل أمة النبي صلى الله عليه وسلم بعده أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، فيسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك فلا ينكره (1).

وروى ابن سليمان في فضائل الصحابة من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن ابن عمر: كنا نقول: إذا ذهب أبو بكر وعمر وعثمان استوى الناس. فيسمع

____________

(1) فتح الباري 7: 13، طرح التثريب 1: 82 ذكر زيادة الطبراني.

الصفحة 21
النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فلا ينكره. (1).

وفي لفظ البزار: كنا نقول في عهد النبي صلى الله عليه وسلم: أبو بكر وعمر وعثمان. يعني بالخلافة (2) وفي لفظ الترمذي: كنا نقول ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي (3).

وفي لفظ البخاري في تاريخه أقسم 1: 49: كنا نقول في زمن النبي صلى الله عليه وسلم: من يلي هذا الأمر بعد النبي صلى الله عليه وسلم؟ فيقال: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم نسكت.

قال الأميني: هذه الرواية عمدة ما تمسك به القوم فيما وقع من الانتخاب الدستوري في الاسلام، وقد اتخذها المتكلمون حجة لدى البحث عن الإمامة، واتبع أثرهم المحدثون، ولهم عند إخراجها تصويب وتصعيد، وتبجح وابتهاج، وجاء كثيرون وقد أطنبوا وأسهبوا في القول لدى شرحها، وجعلوها كحجر أساسي علوا عليها أمر الخلافة الراشدة، واحتجوا بها على صحة البيعة التي عم شومها الاسلام، وحفت بهناة ووصمات وشتتت شمل المسلمين، وفتت في عضد الدين، وفصمت عراه، وجرت الويلات على أمة محمد حتى اليوم، فلنا عندئذ أن نبسط القول، ونوقف القارئ على جلية الحال، ليهلك من هلك عن بينة ويحيي من حي عن بينة، والله ولي التوفيق.

كان عبد الله بن عمر على العهد النبوي الذي ادعى أنه كان يخير فيه فيختار في أبان شبيبته حتى أنه كان لم يبلغ الحلم في جملة من سنيه، ولذلك رده رسول الله صلى الله عليه وآله عن الجهاد يوم بدر وأحد واستصغره، وأجاز له يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة كما ثبت في الصحيح (4) وهو على جميع الأقوال في ولادته وهجرته ووفاته لم يكن مجاوزا العشرين يوم وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهو في مثل هذا السن لا يخير عادة في التفاضل بين مشيخة الصحابة ووجوه الأمة، ولا يتخذ حكما يمضى رأيه في الخيرة، لأن الحكم الفاصل في مثل هذا يستدعي ممارثة طويلة، ووقوفا على تجاريب متتابعة مقرونة بعقلية ناضجة، وتمييز بين مقتضيات الفضيلة، وعرفان لنفسيات الرجال

____________

(1) فتح الباري 7: 13.

(2) تاريخ ابن كثير 7: 205.

(3) صحيح الترمذي 13: 161.

(4) صحيح البخاري 6: 74، تاريخ الطبري 2: 296، عيون الأثر 2: 6، 7، فتح الباري 7: 232.

الصفحة 22
وقوة في النفس لا يتمايل بها الهوى، وابن عمر كان يفقد كل هذه لما ذكرناه من صغر سنه يوم ذاك المانع عن كل ما ذكرناه، وروايته هذه أقوى شاهد على فقدانه تلكم الملكات الفاضلة، قال أبو غسان الدوري: كنت عند علي بن الجعد فذكروا عنده حديث ابن عمر: كنا نفاضل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنقول: خير هذه الأمة بعد النبي أبو بكر وعمر وعثمان فيبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينكر. فقال علي بن الجعد: انظروا إلى هذا الصبي هو لم يحسن أن يطلق امرأته يقول: كنا نفاضل (1).

ومن عرف ابن عمر وقرأ صحيفة تاريخه السوداء عرفه بضئولة الرأي، واتباع الهوى، وبفقدانه كل تلكم الخلل يوم بلغ أشده وكبر سنه فضلا عن عنفوان شبابه، وسيوافيك نزر من آرائه السخيفة.

دع ابن عمر ومن لف لفه يختار ويتقول، وربك يخلق ما يشاء ويختار، ما كان لهم الخيرة، وما كان لمؤمن ومؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم (2).

ودع البخاري ومن حذا حذوه يصحح الباطل، ولا يعرف الحي من اللي، واسمع لغواهم ولا تخف طغواهم، ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن، قد جئناك بآية من ربك، والسلام على من اتبع الهدى.

قال أبو عمر في الاستيعاب في ترجمة علي عليه السلام ج 2: 467: من قال بحديث ابن عمر: كنا نقول على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم نسكت. يعني فلا نفاضل، وهو الذي أنكر ابن معين وتكلم فيه بكلام غليظ لأن القائل بذلك قد قال بخلاف ما اجتمع عليه أهل السنة من السلف والخلف من أهل الفقه والأثر أن عليا أفضل الناس بعد عثمان رضي الله عنه، وهذا مما لم يختلفوا فيه وإنما اختلفوا في تفضيل علي وعثمان، واختلف السلف أيضا في تفضيل علي وأبي بكر، وفي إجماع الجميع الذي وصفنا دليل على أن حديث ابن عمر وهم وغلط وأنه لا يصح معناه وإن كان إسناده صحيحا. هـ.

وقال ابن حجر بعد ذكر محصل كلام أبي عمر هذا: وتعقب أيضا بأنه لا يلزم من

____________

(1) تاريخ الخطيب 11: 363.

(2) سورة القصص: 68، الأحزاب: 36.

الصفحة 23
سكوتهم إذ ذاك عن تفضيله عدم تفضيله على الدوام، وبأن الإجماع المذكور إنما حدث بعد الزمن الذي قيده ابن عمر فيخرج حديثه عن أن يكون غلطا. هـ.

عزب عن ابن حجر ومن تعقب أبا عمر أن الإجماع الحادث المذكور لم يكن إلا لتلكم السوابق التي كان يحوزها مولانا أمير المؤمنين يوم سكت ابن عمر عن اختياره ولم تكن لها جدة: وإنما هي هي التي أثنى عليها الكتاب والسنة، فيلزم من سكوتهم إذ ذاك عن تفضيله بعد الثلاثة عدم تفضيله على الدوام، فإن كان مدار الإجماع على اختياره عليه السلام يوم اختاروه هو ملكاته ونفسياته وسبقه في الفضائل والفواضل المفصلة في الكتاب والسنة فهي لا تفارقه عليه السلام وهو المختار بها على الكل في أدوار حياته يوم فارق النبي صلى الله عليه وآله الدنيا وهلم جرا، وإن كان المدار غير ذلك من الشيخوخة والكبر وأمثالهما فذلك شيئ لا نعرفه، ولا نفضله عليه السلام على غيره بهذه التافهات التي هي شرك القوم اقتنصت بها بسطاء أمة محمد صلى الله عليه وآله يوم بيعة أبي بكر حتى اليوم.

وليت من تعقب ابن عبد البر إن لم يكن يأخذ بكل ما جاء في علي أمير المؤمنين من الكتاب والسنة الصحيحة الثابتة كان يأخذ بما جاء به قومه عن أنس فحسب ثم يحكم فيما جاء به ابن عمر قال أنس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله افترض عليكم حب أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي كما افترض الصلاة والزكاة والصوم والحج، فمن أنكر فضلهم فلا تقبل منه الصلاة ولا الزكاة ولا الصوم ولا الحج (1) " الرياض النضرة 1: 29 ".

وشتان بين رأي ابن عمر وبين قول أبيه في علي عليه السلام هذا مولاي ومولى كل مؤمن، من لم يكن مولاه فليس بمؤمن، راجع ما مضى ج 1: 341 ط 1، و 382 ط 2.

ولعل القوم سترا على عوار اختيار ابن عمر، وتخلصا عن نقد أبي عمر المذكور اختلقوا من طريق جعدبة (2) بن يحيى عن العلاء بن البشير العبشمي عن ابن أبي أويس عن مالك عن نافع عن ابن عمر أنه قال: كنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نفاضل فنقول: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي.

____________

(1) أثبتنا في محله أن هذه المنقبة لا تصح في غير علي عليه السلام وهي فيمن سواه تخالف الكتاب والسنة والعقل والمنطق، ولا تساعدها سيرتهم مدى حياتهم الدنيا.

(2) جعدبة متروك يروي عن العلاء مناكير، والعلاء ضعيف حديثه غير صحيح. راجع لسان الميزان 2: 105 و ج 4: 183.

الصفحة 24
واختلقوا من طريق محمد أبي البلاط (1) عن زهد بن أبي عتاب عن ابن عمر أيضا : قال: كنا نقول في زمن النبي صلى الله عليه وسلم: يلي الأمر بعده أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ثم نسكت.

ولعل الواقف على أجزاء كتابنا هذا وبالأخص الجزء السادس وهلم جرا يعلم ويذعن بأن اختيار ابن عمر ومن رأى رأيه باطل في غاية السخافة، ولو كان معظم الصحابة لم يعدل بأبي بكر أحدا في زمن نبيهم فما الذي زحزحهم عن رأيهم ذلك يوم السقيفة؟ وما الذي أرجأهم عن بيعته؟ ومن أين أتاهم ذلك الخلاف الفاحش الذي جر الأسواء على الأمة حتى اليوم؟ وقد عرفناك في الجزء السابع ص 76، 93، 141 ط 1 (2) إن عيون الصحابة من المهاجرين والأنصار لما لم تكن تجد لأبي بكر يوم تقمص الخلافة فضيلة يستحق بها الخلافة، وتدعم بها الحجة على الناس في بيعته تقاعست وتقاعدت عنها وما مدت إليها منهم يد، ولم تكن لهم فيها قدم، وما بايعه يومها الأول إلا رجلين أو أربعة أو خمسة، ثم حدت الأمة إليها الدعوة المشفوعة بالإرهاب والترعيب، وما كان في أفواه الدعاة إليها إلا الترهيب بالقتل والضرب والحرق، أو قولهم: إن أبا بكر السباق المسن، صاحب رسول الله في الغار، وكانت هذه غاية جهدهم في عد فضائل أبي بكر، قال ابن حجر في فتح الباري 13: 178: وهي - فضيلة كونه ثاني اثنين في الغار - أعظم فضائله التي استحق بها أن يكون الخليفة من بعد النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك قال عمر بن الخطاب: إن أبا بكر صاحب رسول الله، ثاني اثنين، فإنه أولى المسلمين بأموركم. ا هـ.

ألا مسائل ابن حجر عن أن صحبة يومين في الغار التي تتصور على أنحاء، وللقول فيها مجال واسع، صحبة ما أمكنت الرجل من أن يصف صاحبه لما جاءه اليهود وقالوا: صف لنا صاحبك. فقال: معشر اليهود لقد كنت معه في الغار كاصبعي هاتين، ولقد صعدت معه جبل حراء وأن خنصري لفي خنصره، ولكن الحديث عنه صلى الله عليه وسلم شديد، وهذا علي ابن أبي طالب. فأتوا عليا فقالوا: يا أبا الحسن؟ صف لنا ابن عمك، فوصفه. الحديث (3)

____________

(1) لا يعرف لا يدر رجال الجرح والتعديل من هو. لسان الميزان 5: 96.

(2) وفي ص 75 - 82، 93، 141 ط 2.

(3) الرياض النضرة 2: 195.

الصفحة 25
كيف استحق الرجل بمثل هذه الصحبة الخلافة وصار بذلك أولى الناس بأمورهم؟

وأما صحبة علي عليه السلام إياه منذ نعومة أظفاره إلى آخر نفس لفظه صلى الله عليه وآله حتى عاد منه كالظل من ذيه، وعد نفسه في الكتاب العزيز، وقرنت ولايته بولاية الله وولاية نبيه وجعلت مودته أجر الرسالة، فلم تستوجب استحقاقه بها الخلافة والأولوية بأمور الناس بعد قوله صلى الله عليه وآله: من كنت مولاه فعلي مولاه؟ إن هذا لشئ عجاب.

وإني لست أدري أن هذه المفاضلة المتسالم عليها بين الصحابة في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لماذا نسيها أولئك العدول بموته صلى الله عليه وآله؟ ولماذا لم يصفقوا على ذلك الاختيار الذي كان يسمعه رسول الله صلى الله وعليه وآله وسلم فلا ينكره؟ ووقع الخلاف والتشاح والتلاكم والتشاتم والنزاع حتى كاد أن يقتل صنو النبي الأعظم في تلك المعمعة، ورأت بضعته الصديقة ما رأت، ووقعت وصمات لا تنسى طيلة حياة الدنيا، وأرجئ دفن رسول الله صلى الله عليه وآله ثلاثا، وكانت الصحابة بمعزل عنه صلى الله عليه وآله وعن إجنانه، وما حضر الشيخان دفنه (1) قال النووي في شرح صحيح مسلم (2) كان عذر أبي بكر وعمر وسائر الصحابة واضحا لأنهم رأوا المبادرة بالبيعة من أعظم مصالح المسلمين وخافوا من تأخيرها حصول خلاف ونزاع تترتب عليه مفاسد عظيمة، ولهذا أخروا دفن النبي، صلى الله عليه وسلم حتى عقدوا البيعة لكونها كانت أهم الأمور كيلا يقع نزاع في مدفنه أو كفنه أو غسله أو الصلاة عليه أو غير ذلك.

ثم لو كان الأمر كما زعم ابن عمر من الاختيار فتقديم أبي بكر يوم السقيفة الرجلين: عمر وأبا عبيدة على نفسه وقوله: بايعوا أحد الرجلين. أو قوله: قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا أيهما شئتم. لماذا؟ ولماذا قول أبي بكر لأبي عبيدة الجراح حفار.

القبور: هلم أبايعك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنك أمين هذه الأمة؟ تاريخ ابن عساكر 7: 160.

ولماذا قول أبي بكر في خطبة له: أما والله ما أنا بخيركم ولقد كنت لمقامي هذا كارها؟ أو قوله: ألا وإنما أنا بشر ولست بخير من أحد منكم فراعوني؟ أو قوله: إني

____________

(1) راجع ما أسلفناه في الجزء السابع ص 75 ط 1.

(2) في كتاب الجهاد، باب قول النبي: لا نورث ما تركنا فهو صدقة، عند قول علي عليه السلام لأبي بكر: لكنك استبددت علينا بالأمر وكنا نحن نرى لنا حقا لقرابتنا من رسول الله.

الصفحة 26
وليت عليكم ولست بخيركم؟ أو قوله: أقيلوني أقيلوني لست بخيركم (1).

ولماذا ورم أنف كل الصحابة يوم اختيار أبي بكر عمر بن الخطاب للأمر بعده، و أراد كل منهم أن يكون الأمر له دونه؟ (2)

ولماذا جابه طلحة بن عبيد الله - أحد العشرة المبشرة - أبا بكر يوم استخلف عمر فقال طلحة: ما تقول لربك وقد وليت عليها فظا غليظا؟

ولماذا ندم أبو بكر في أخريات أيامه عن خلافته قائلا: وددت أني يوم سقيفة بني ساعدة كنت قذفت الأمر في عنق أحد الرجلين - يريد عمر وأبا عبيدة - فكان أحدهما أميرا وكنت وزيرا؟ راجع ج 7: 170 ط 2.

ولماذا أتى عمر أبا عبيدة الجراح يوم وفاة النبي صلى الله عليه وآله فقال: أبسط يدك فلأبايعك فإنك أمين هذه الأمة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ (3)

وما الذي دعى عمر بن الخطاب إلى قوله لابن عباس: أما والله يا بني عبد المطلب؟

لقد كان علي فيكم أولى بهذا الأمر مني ومن أبي بكر، راجع ج 1: 346 ط 1، وص 389 ط 2.

ولماذا قال عمر لما طعن: إن ولوها الأجلح سلك بهم الطريق الأجلح - يعني عليا - فقال له ابن عمر: ما منعك أن تقدم عليا؟ قال: أكره أن أحملها حيا وميتا؟. (4)

ولماذا قال لأصحاب الشورى: لله درهم إن ولوها الأصيلع، كيف يحملهم على الحق، قالوا: أتعلم ذلك منه ولا تستخلفه؟ قال: إن أستخلف فقد أستخلف من هو خير مني، وإن أترك فقد ترك من هو خير مني.؟ (5)

ولماذا تمنى عمر يوم طعن سالم بن معقل أحد الموالي قائلا: لو كان سالم حيا

____________

(1) راجع الجزء السابع ص 118 ط 1.

(2) جاء في صحيحة مرت في ج 5: 358 ط 2، و ج 7 ص 168 ط 1.

(3) أخرجه أحمد وابن سعد وابن جرير وابن الأثير وابن الجوزي وابن حجر والحلبي راجع كنز العمال 3: 140، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 48، الغدير 5: 316 ط 1، و 369 ط 2.

(4) الأنساب 5: 16، الاستيعاب في ترجمة عمر 4 ص 419، فتح الباري 7 ص 55، شرح ابن أبي الحديد 3: 170.

(5) الرياض 2: 241.

الصفحة 27
ما جعلتها شورى؟ (1) وفي لفظ الطبري: استخلفته. وفي لفظ للباقلاني: لرأيت أني قد أصبت الرأي، وما تداخلني فيه الشكوك.

ولماذا كان يقول: لو أدركني أحد رجلين فجعلت هذا الأمر إليه لوثقت به: سالم مولى أبي حذيفة، وأبي عبيدة الجراح؟ (2).

ولماذا قال للقائلين له (لو عهدت يا أمير المؤمنين): لو أدركت أبا عبيدة الجراح ثم وليته ثم قدمت على ربي فقال لي: لم استخلفته على أمة محمد؟ لقلت: سمعت عبدك وخليلك يقول لكل أمة أمين، وإن أمين هذه الأمة أبو عبيدة الجراح، ولو أدركت خالدا ثم وليته ثم قدمت على ربي فقال لي: من استخلفت على أمة محمد؟ لقلت: سمعت عبدك وخليلك يقول لخالد: سيف من سيوف الله سله الله على المشركين (3).

ولماذا قوله: لو أدركت أبا عبيدة لاستخلفته وما شاورت، فإن سئلت عنه قلت: استخلفت أمين الله وأمين رسوله؟ (4).

ومر في الجزء الخامس ص 311 ط 1، و 362 ط 2 إن عائشة قالت لعبد الله بن عمر: يا بني أبلغ عمر سلامي وقل له: لا تدع أمة محمد بلا راع استخلف عليهم ولا تدعهم بعدك هملا، فإني أخشى عليهم الفتنة، فأتى عبد الله فأعلمه فقال: ومن تأمرني أن استخلف؟ لو أدركت أبا عبيدة الجراح باقيا لاستخلفته ووليته، فإذا قدمت على ربي فسألني وقال لي: من وليت على أمة محمد؟ قلت: أي رب سمعت عبدك ونبيك يقول: لكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح. ولو أدركت معاذ بن جبل استخلفته فإذا قدمت على ربي فسألني: من وليت على أمة محمد؟ قلت: أي رب سمعت عبدك ونبيك يقول: إن معاذ بن جبل يأتي بين يدي العلماء يوم القيمة، ولو أدركت خالد بن الوليد لوليته، فإذا قدمت على ربي فسألني: من وليت على أمة محمد؟ قلت: أي رب سمعت عبدك ونبيك يقول: خالد بن الوليد سيف من سيوف الله سله على المشركين.

____________

(1) التمهيد للباقلاني ص 204، طرح التثريب 1: 49، تاريخ الطبري 5: 34.

(2) طبقات ابن سعد ط ليدن 3: 248.

(3) تاريخ ابن عساكر 5: 102.

(4) تاريخ ابن عساكر 7: 160.

الصفحة 28
ولماذا ساوى عمر بين أصحاب الشورى، ولما قيل له: استخلف. قال: ما أجد أحدا أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر أو الرهط الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض، فسمى عليا وعثمان والزبير وطلحة وسعدا وعبد الرحمن؟!. صحيح البخاري 5: 267.

وأين هذا من قول عبد الرحمن بن عوف لعلي وعثمان: إني قد سألت الناس عنكما فلم أجد أحدا يعدل بكما أحدا. وقوله: أيها الناس إني سألتكم سرا وجهرا بأمانيكم فلم أجدكم تعدلون بأحد هذين الرجلين إما علي وإما عثمان؟!. (1)

ولماذا بدء عبد الرحمن بن عوف بعلي عليه السلام أولا للبيعة وقدمه على عثمان يوم الشورى غير أنه اشترط عليه صلوات الله عليه القيام بسيرة الشيخين فلم يقبله وقبله عثمان فبايعه على ذلك؟ (2) وقد مر الكلام حول هذا الشرط في الجزء التاسع ص 88، 90 ط 2.

ولماذا قال أبو وائل لعبد الرحمن بن عوف: كيف بايعتم عثمان وتركتم عليا؟

أخرجه أحمد في مسنده ص 75.

ولماذا قال معاوية: إنما كان هذا الأمر لبني عبد مناف، لأنهم أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولى الناس أبا بكر وعمر من غير معدن الملك والخلافة.

يأتي تمام كلامه في هذا الجزء.

ولماذا قال العباس عم النبي لعلي عليه السلام يوم قبض النبي صلى الله عليه وسلم: أبسط يدك فلنبايعك؟ (3).

ولماذا قال العباس لأبي بكر: فإن كنت برسول الله طلبت؟ فحقنا أخذت، و إن كنت بالمؤمنين طلبت؟ فنحن منهم، متقدمون فيهم. وإن كان هذا الأمر إنما يجب لك بالمؤمنين؟ فما وجب إذ كنا كارهين؟ إلى آخر ما مر في ج 5: 320 ط 1.

ولماذا تقاعد عمار وشتم أبا سرح لما قال: إن أردت أن لا تختلف قريش فبايع

____________

(1) تاريخ الطبري 5: 40، تاريخ ابن كثير: 164.

(2) مسند أحمد 1: 75، تمهيد الباقلاني ص 209، تاريخ الطبري 5: 40، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 104، الصواعق ص 63، فتح الباري 13. 168.

(3) تاريخ ابن عساكر 7: 245.

الصفحة 29
عثمان؟ وخالف مقداد وجمع آخر من عيون الصحابة عن بيعة عثمان وتمت بالإرهاب والترعيد وقال عمار لعبد الرحمن: إن أردت أن لا يختلف المسلمون فبايع عليا. فقال المقداد: صدق عمار إن بايعت عليا قلنا سمعنا وأطعنا (1) وقال علي لعبد الرحمن: حبوته حبو دهر ليس هذا أول يوم تظاهرتم فيه علينا، فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون والله ما وليت عثمان إلا ليرد الأمر إليك، والله كل يوم هو في شأن؟! (تاريخ الطبري 5: 37).

ولماذا قال سعد بن أبي وقاص لعبد الرحمن بن عوف: إن كنت تدعوني والأمر لك وقد فارقك عثمان على مبايعتك؟ كنت معك، وإن كنت إنما تريد الأمر لعثمان؟ فعلي أحق بالأمر وأحب إلي من عثمان، بايع لنفسك وأرحنا وارفع رؤسنا؟!.

أنساب البلاذري 5: 20، تاريخ الطبري 5: 36، الكامل لابن الأثير 3: 29، فتح الباري 13: 168.

ولماذا قال الزبير: لو مات عمر لبايعت طلحة فوالله ما كان بيعة أبي بكر إلا فلتة فتمت؟! (2).

ولماذا جابه الزبير يوم قال عمر: أكلكم يطمع في الخلافة بعدي بقوله ما الذي يبعدنا منها؟ وليتها أنت فقمت بها ولسنا دونك في قريش ولا في السابقة ولا في القرابة (شرح ابن أبي الحديد 1: 62) وأين يقع قول علي أمير المؤمنين عليه السلام على صهوة المنبر: أما والله لقد تقمصها ابن أبي قحافة وإنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى؟! (إلى آخر الخطبة الشقشقية)، إلى كلمات أخرى له تضاد هذه المفاضلة.

ولماذا كان أبو عبيدة أحب إلى رسول الله بعد الشيخين من أصحابه كما في صحيحة جاء بها ابن ماجة في سننه 1 ص 51، والترمذي في صحيحه 13: 126 عن ابن شقيق قال: قلت لعايشة رضي الله عنها: أي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

قالت: أبو بكر. قلت: ثم من؟ قالت: عمر. قلت: ثم من؟ قالت: أبو عبيدة ابن الجراح قلت: ثم من؟ فسكتت؟

____________

(1) تاريخ ابن جرير الطبري 5 - 37، الكامل لابن الأثير 3: 28.

(2) أصل الحديث في صحيح البخاري، راجع شرح بهجة المحافل 1: 58.

الصفحة 30
وأخرجها أحمد في مسنده 6: 218، وابن عساكر في تاريخه 7: 161.

وشتان بين اختيار ابن عمر وبين ما جاء عن ابن أبي مليكة قال: قيل لعائشة: من كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مستخلفا لو استخلف؟ قالت: أبو بكر. قيل لها: ثم من؟ قالت: عمر. فقيل لها: ثم من؟ قالت: أبو عبيدة. وانتهت إلى هذه؟! (1)

وأين كان ابن عمر عن أناس كانوا يفضلون بلال الحبشي على أبي بكر حتى قال: كيف تفضلوني عليه وإنما أنا حسنة من حسناته؟ (2)

وأنى اختيار ابن عمر من قول كعب بن زهير:

صهر النبي وخير الناس كلهم * وكل من رامه بالفخر مفخور
صلى الصلاة مع الأمي أولهم * قبل العباد ورب الناس مكفور؟!

ومن قول ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب:

ما كنت أحسب أن الأمر منتقل * عن هاشم ثم منها عن أبي حسن
أليس أول من صلى لقبلتهم * وأعلم الناس بالآيات والسنن؟
وآخر الناس عهدا بالنبي ومن * جبريل عون له في الغسل والكفن؟
من فيه ما فيهم ما تمترون به * وليس في القوم ما فيه من الحسن
ماذا الذي ردكم عنه؟ فنعلمه * ها إن بيعتكم من أول الفتن

ومن قول الفضل بن أبي لهب:

ألا إن خير الناس بعد محمد * مهيمنه التاليه في العرف والنكر
وخيرته في خيبر ورسوله * بنبذ عهود الشرك فوق أبي بكر
وأول من صلى وصنو نبيه * وأول من أردى الغواة لدى بدر
فذاك علي الخير من ذا يفوقه؟ * أبو حسن حلف القرابة والصهر

ومن قول عبد الله بن أبي سفيان بن الحارث:

وكان ولي الأمر بعد محمد * علي وفي كل المواطن صاحبه
وصي رسول الله حقا وجاره * وأول من صلى ومن لان جانبه

____________

(1) صحيح مسلم 7: 110. تاريخ ابن عساكر 7: 161.

(2) تاريخ ابن عساكر 3: 314.

الصفحة 31
ومن قول النجاشي أحد بني الحرب بن كعب من أبيات له:

جعلتم عليا وأشياعه * نظير ابن هند أما تستحونا؟
إلى أفضل الناس بعد الرسول * وصنو الرسول من العالمينا
وصهر الرسول ومن مثله * إذا كان يوم يشيب القرونا؟

ومن قول جرير بن عبد الله البجلي من أبيات له:

فصلى الإله على أحمد * رسول المليك تمام النعم
وصلى على الطهر من بعده * خليفتنا القائم المدعم
عليا عنيت وصي النبي * يجالد عنه غواة الأمم
له الفضل والسبق والمكرمات * وبيت النبوة لا يهتضم

ومن قول زجر بن قيس إلى خاله جرير:

جرير بن عبد الله لا تردد الهدى * وبايع عليا إنني لك ناصح
فإن عليا خير من وطئ الحصى * سوى أحمد والموت غاد ورائح

ومما قيل على لسان الأشعث بن قيس الكندي:

أتانا الرسول رسول الوصي * علي المهذب من هاشم
رسول الوصي وصي النبي * وخير البرية من قائم
وزير النبي وذو صهره * وخير البرية في العالم
له الفضل والسبق بالصالحات * لهدي النبي به يأتمي

وأنت ترى من جراء ذلك الاختيار الباطل الذي جاء به ابن عمر أن تدهورت السياسة فصار الانتخاب نصا، وانقلبت الدمقراطية - إن كانت - إلى دكتاتورية محضة رضيت الأمة أم غضبت، ثم عاد الأمر شورى ويا لله وللشورى وسيف عبد الرحمن بن عوف هو العامل الوحيد يوم ذاك، إلى أن أصبح ملكا عضوضا، ووصلت النوبة إلى الطلقاء وأبناء الطلقاء، إلى رجال العبث والفساد، إلى أبناء الخمور والفجور، إلى أن تمكن معاوية الخمر والربا من استخلاف يزيد العرة والشره قائلا: من أحق منه بالخلافة في فضله وعقله وموضعه وما أظن قوما ينتهين حتى تصيبهم بوائق تجتث