الصفحة 32
أصولهم، وقد أنذرت إن أغنت النذر (1).

لم يكن لأعيان الأمة، ووجوه الصحابة، وصلحاء الملة، وخيرة الناس في أمر تلكم الأدوار القاتمة حل ولا عقد، بل كانوا مضطهدين مقهورين مبتزين يرون حكم الله مبدلا، وكتابه منبوذا، وفرائضه محرفة عن جهات أشراعه، وسنن نبيه متروكة.

سبحانك اللهم ما أجرأهم على الرحمن وانتهاك حرمة النبي وكتابه باختيار يضاده نداء القرآن الكريم، كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون؟ باختيار كذبه ما جاء عن النبي الأقدس صلى الله عليه وآله من النصوص على اختيار الله عليا وإنه أحد الخيرتين، وإنه خير البشر بعده صلى الله عليه وآله، وإنه أحب الناس إلى الله وإليه صلى الله عليه وآله، وإنه منه بمنزلته من ربه، وإنه منه بمنزلة الرأس من جسده، وإنه منه بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعده، وإن لحمه لحمه ودمه دمه والحق معه، وإن طاعته طاعته ومعصيته معصيته، وإنه سلم لمن سالمه، وحرب لمن حاربه (2) وإنه ممسوس في ذات الله (3) إلى نصوص كثيرة تضاد اختيار ابن عمر ومن شاكله في تمني الحديث.

أليست هذه الأحاديث إلى أمثالها المعدودة بالمئات إنكارا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لقولهم - إن كان هناك قول -: إذا ذهب أبو بكر وعمر وعثمان استوى الناس؟

أليست آي المباهلة والتطهير والولاية وأضرابها إلى ثلاثمائة آية النازلة في علي عليه السلام (4) تضاد ذلك القول القارص؟

هل يستوي الأعمى والبصير؟ أم هل تستوي الظلمات والنور؟ (5) هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون؟ (6) أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا؟ لا يستوون (7) مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع هل يستويان مثلا؟ (8) أفمن كان على بينة

____________

(1) الكامل لابن الأثير 3: 217.

(2) كل هذه الأحاديث مرت في الأجزاء الماضية.

(3) حلية الأولياء للحافظ أبي نعيم الاصبهاني 1: 230.

(4) تاريخ الخطيب 6: 221، السيرة الحلبية 2: 230.

(5) سورة الرعد: 16.

(6) سورة الزمر: 8.

(7) سورة السجدة: 18.

(8) سورة هود: 24.

الصفحة 33
من ربه كمن زين سوء عمله؟ (1) أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى؟ أمن يمشي سويا على صراط مستقيم؟ (2) قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث (3) لا يستوي القاعدون من الرجال غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله (4) لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة (5) ما يستوي الأعمى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات (6) أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها؟! (7).

____________

(1) سورة محمد: 14.

(2) سورة الملك: 22.

(3) سورة المائدة: 100.

(4) سورة النساء: 95.

(5) سورة الحشر: 20.

(6) سورة غافر: 58.

(7) سورة محمد: 24.

الصفحة 34

ما هذا الاختيار؟ وكيف يتم؟ ولم وبم؟

هل تدري ما الذي دعى ابن عمر إلى رمي القول على عواهنه؟ إلى رمي الصحابة بعزوه المختلق، ونسبة هذا الاختيار المبير إليهم وأنهم تركوا المفاضلة بعد الثلاثة وأنهم قالوا: ثم نترك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا نفاضل بينهم. وقالوا: كنا نقول: إذا ذهب أبو بكر وعمر وعثمان استوى الناس فيسمع النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فلا ينكره؟.

أم هل تدري بماذا تتصور المفاضلة والخيرة؟ وبم تتم؟ وأنى تصح؟ بعد ثبوت ما جاء في الصحاح والمسانيد مرفوعا من أن عليا عليه السلام كان أعظمهم حلما، وأحسنهم خلقا، وأكثرهم علما، وأعلمهم بالكتاب والسنة، وأقدمهم سلما، وأولهم صلاة من رسول الله، وأوفاهم بعهد الله، وأقومهم بأمر الله، وأخشنهم في ذات الله، وأقسمهم بالسوية، وأعدلهم في الرعية، وأبصرهم بالقضية، وأعظمهم عند الله مزية، وأفضلهم في القضاء، وأو لهم واردا علي الحوض، وأعظمهم عناء، وأحبهم إلى الله ورسوله، وأخصهم عنده منزلة، وأقربهم قرابة، وأولاهم بهم من أنفسهم كما كان رسول الله صلى الله عليه وآله، وأقربهم عهدا به صلى الله عليه وآله (1) وجبريل ينادي لا فتى إلا علي لا سيف إلا ذو الفقار (2) فهل يبقى هنالك موضوع للمفاضلة بعد هذه كلها حتى يخير فيه الصبي ابن عمر أو غيره، فيختارون على علي غيره؟

غفرانك اللهم وإليك المصير.

قال الجاحظ: لا يعلم رجل في الأرض متى ذكر السبق في الاسلام والتقدم فيه، ومتى ذكرت النجدة والذب عن الاسلام، ومتى ذكر الفقه في الدين، ومتى ذكر الزهد في الأموال التي تتناصر الناس عليها، ومتى ذكر الاعطاء في الماعون، كان مذكورا في هذه الخصال كلها إلا علي رضي الله عنه. ثمار القلوب للثعالبي ص 67.

لست أدري كيف ترك المخيرون أصحاب محمد بعد الثلاثة لا تفاضل بينهم؟

وبماذا استوى الناس وفيهم العشرة المبشرة؟ وفيهم من رآه رسول الله صلى الله عليه وآله شبيه عيسى في أمته هديا وبر أو نسكا وزهدا وصدقا وجدا وخلقا وخلقا (3).

____________

(1) مرت هذه الأحاديث كلها بمصادرها في طيات الأجزاء الماضية.

(2) راجع الجزء الثاني ص 54 - 56 ط 1، و 59 - 61 ط 2.

(3) هو سيدنا أبو ذر راجع الجزء الثامن.

الصفحة 35
وفيهم من كان صلى الله عليه وآله يراه جلدة ما بين عينيه وأنفه، طيبا مطيبا، قد ملئ إيمانا إلى مشاشه، يدور مع الحق أينما دار (1).

وفيهم من رآه صلى الله عليه وآله أثقل في الميزان من أحد، ويراه رجال الصحابة: أشبه الناس هديا ودلا وسمتا بمحمد صلى الله عليه وآله (2).

وفيهم من قربه صلى الله عليه وآله وأدناه وعلمه علم ما كان وما يكون (3).

وفيهم من جاء فيه عن النبي صلى الله عليه وآله قوله: من أراد أن ينظر إلى رجل نور قلبه فلينظر إلى سلمان. وقوله: إن الله عز وجل يحب من أصحابي أربعة أخبرني أنه يحبهم، وأمرني أن أحبهم: علي، أبو ذر، سلمان، المقداد، وصح فيه قوله: سلمان منا أهل البيت. وقال علي أمير المؤمنين: سلمان رجل منا أهل البيت، أدرك علم الأولين والآخرين، ما لكم بلقمان الحكيم كان بحرا لا ينزف (4).

وفيهم العباس عم النبي صلى الله عليه وآله الذي كان صلى الله عليه وآله وسلم يجله إجلال الولد والده، خاصة خص الله العباس بها من بين الناس، وله قال صلى الله عليه وآله: يا أبا الفضل! لك من الله حتى ترضى. وخطب صلى الله عليه وآله في قضية فقال: من أكرم الناس على الله؟ قالوا: أنت يا رسول الله قال: فإن العباس مني وأنا منه.    (مستدرك الحاكم 3: 325)

وجاء في حديث استسقاء عمر بالعباس عام الرمادة (5) إن عمر خطب الناس فقال:

يا أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يرى للعباس ما يرى الولد لوالده يعظمه ويفخمه ويبر قسمه، فاقتدوا أيها الناس برسول الله في عمه العباس، واتخذوه وسيلة إلى الله عز وجل فيما نزل بكم (6).

وفيهم معاذ بن جبل وقد صح فيه عند القوم قول رسول الله صلى الله عليه وآله: إنه أعلم الأولين والآخرين بعد النبيين والمرسلين، وإن الله يباهي به الملائكة (7).

____________

(1) هو سيدنا عمار بن ياسر راجع من الجزء التاسع صحيفة 24 - 28.

(2) هو سيدنا ابن مسعود راجع من الجزء التاسع صحيفة 7 - 11.

(3) هو سيدنا حذيفة اليماني راجع ج 5: 53 ط 1، و 60 ط 2.

(4) تاريخ ابن عساكر 6: 198 - 203.

(5) راجع ما مر في الجزء السابع: 300، 301.

(6) مستدرك الحاكم 3: 324، 325، 329، 334.

(7) مستدرك الحاكم 3: 271.

الصفحة 36
وفيهم أبي بن كعب وقد صحح الحاكم فيه قول أبي مسهر: إن رسول الله صلى الله عليه وآله سماه سيد الأنصار فلم يمت حتى قالوا: سيد المسلمين. (1)

وفيهم أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وآله وقد جاء فيه عن ابن عمر نفسه في الصحيحين قوله صلى الله عليه وآله لما طعن بعض الناس في أمارته وقد أمره على جيش كان فيهم أبو بكر وعمر: فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبل، وأيم الله إن كان لخليقا للإمارة، وإن كان لمن أحب الناس إلي، وإن هذا لمن أحب الناس إلي بعده. (2)

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: أسامة أحب إلي ما حاشا فاطمة ولا غيرها (مسند أحمد 2: 96، 106، 110).

إلى أناس آخرين يعدون في الرعيل الأول من رجالات الفضائل والفواضل من أمة محمد صلى الله عليه وآله فهل كان ابن عمر يعرف هؤلاء الرجال ومبلغهم من العظمة وما ورد فيهم عن النبي الأقدس من جمل الثناء عليهم ثم يساوي بينهم وبين من عداهم نظراء أبناء هند والنابغة والزرقاء؟.

فإن كان لا يدري فتلك مصيبة * وإن كان يدري فالمصيبة أعظم

وكيف يتم هذا الاختيار وقد عزى القوم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله: ما من نبي إلا وقد أعطي سبعة نجباء رفقاء وأعطيت أنا أربعة عشر: سبعة من قريش: علي والحسن والحسين وحمزة وجعفر وأبو بكر وعمر. وسبعة من المهاجرين: عبد الله بن مسعود، وسلمان، وأبو ذر، وحذيفة، وعمار، والمقداد، وبلال؟ (3)

نعم لا يرضى ابن عمر أن يكون علي أمير المؤمنين أفضل من أحد من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله حتى بعد عثمان وليد بيت أمية، قتيل الصحابة العدول ومخذولهم، ولا يروقه أن يحكم بالمفاضلة بينه عليه السلام وبين ابن هند وإن كان عاليا من المسرفين، يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها، كأن في أذنيه وقرا، ولا بينه وبين ابن النابغة

____________

(1) مستدرك الحاكم 3: 302.

(2) صحيح البخاري 5: 279، صحيح مسلم 7: 131، صحيح الترمذي 13: 218، مسند أحمد 2: 20.

(3) تاريخ ابن عساكر 5: 21، وفي كنز العمال نقلا عن أحمد وتمام وابن عساكر من طريق علي عليه السلام.

الصفحة 37
الأبتر ابن الأبتر، ولا بينه وبين مغيرة بن شعبة أزنى ثقيف، ولا بينه وبين أبناء أمية أثمار الشجرة الملعونة في القرآن من وزغ طريد إلى لعين مثله إلى فاسق مستهتر إلى فاحش متفحش، ولا بينه وبين سلسلة الخمارين رجال الخمور والفجور في الجاهلية أو - الاسلام نظراء:

أبي بكر بن شغوب.

راجع الغدير 7: 99.

أبي طلحة زيد بن سهل الأنصاري.

مسند أحمد 3: 181، 227، سنن البيهقي 8: 286، الغدير 7: 99.

أبي عبيدة ابن الجراح.

مسند أحمد 3: 181، سنن البيهقي 8: 286، شرح صحيح مسلم للنووي 8: 23 هامش إرشاد الساري، مجمع الزوائد 5: 52.

أبي محجن الثقفي.

تفسير القرطبي 3: 57، الإصابة 4: 175.

أبي بن كعب.

مسند أحمد 3: 181، سنن البيهقي 8: 286.

أنس بن مالك.

غير واحد من الصحاح والمسانيد، راجع الغدير 7: 97، 101.

حسان بن ثابت.

تفسير القرطبي 3: 56 وهو القائل:

ونشر بها فتركنا ملوكا * وأسدا ما ينهنهنا اللقاء

خالد بن عجير.

الإصابة 1: 459.

سعد بن أبي وقاص.

سنن البيهقي 8: 285، تفسير ابن كثير 2: 95، تفسير أبي حيان 4: 12، إرشاد الساري 7: 104، تفسير الخازن 1: 252، تفسير الآلوسي 2: 11، تفسير الشوكاني 2: 71.


الصفحة 38

سليط بن النعمان.

الامتاع للمقريزي ص 112.

سهيل بن بيضاء.

منسد أحمد 3: 227، سنن البيهقي 8: 290، الغدير 7: 99.

ضرار بن الأزور.

تاريخ ابن عساكر 7: 31، 133.

ضرار بن الخطاب.

تاريخ ابن عساكر 7: 133.

عبد الرحمن بن عمر.

المعارف لابن قتيبة ص 80، الغدير 6: 296 - 300 ط 1.

عبد الرحمن بن عوف.

أحكام القرآن للجصاص 2: 245، مستدرك الحاكم 4: 142: وكثير من التفاسير، وفي الحديث تحريف أشار إليه الحاكم في المستدرك 2: 307، راجع الغدير 6: 236 ط 1، و 252 ط 2.

عبد الله بن أبي سرح أخي عثمان من الرضاعة.

كتاب صفين ص 180.

عتبان بن مالك.

تفسير الخازن 1: 152.

عمرو بن العاص.

الغدير 2: 136 ط 2.

قيس بن عاصم المنقري.

تفسير القرطبي 3: 56.

كنانة بن أبي الحقيق.

الامتاع للمقريزي ص 112.

معاذ بن جبل.

شرح صحيح مسلم للنووي 8: 232 هامش إرشاد الساري، الغدير 7: 99.


الصفحة 39

نعيم بن مسعود الأشجعي.

الامتاع للمقريزي ص 112.

نعيمان بن عمرو بن رفاعة الأنصاري.

الاستيعاب 1: 308، أسد الغابة 5: 36، تاريخ ابن كثير 8: 70.

وليد بن عقبة أخي عثمان لأمه.

الغدير 8: 123 - 128 ط 1.


الصفحة 40

بيعة ابن عمر
تارة وتقاعسه عنها أخرى

هذه عقلية ابن عمر النابية عن إدراك الحقايق، وهي التي أرجأته عن بيعة مولانا أمير المؤمنين عليه السلام وحدته إلى بيعة عثمان ولم يتسلل عنه حتى يوم مقتله بعد ما نقم عليه الصحابة أجمع خلا شذاذا منهم، بل كان هو الذي أغرى عثمان بنفسه حتى قتل كما جاء في أنساب البلاذري 5: 76 عن نافع قال: حدثني عبد الله بن عمر قال قال عثمان وهو محصور: ما تقول فيما أشار به علي المغيرة بن الأخنس؟ قال: قلت: وما هو؟ قال: قال:

إن هؤلاء القوم يريدون خلعك فإن فعلت وإلا قتلوك فدع أمرهم إليهم. قال: فقلت:

أرأيت إن لم تخلع هل يزيدون على قتلك؟ قال: لا. قال: فقلت: فلا أرى أن تسن هذه السنة في الاسلام فكلما سخط قوم أميرهم خلعوه لا تخلع قميصا قمصكه الله.

وفي إثر هذا جاء في الأثر: إن عثمان لما أشرف على الناس فسمع بعضهم يقول:

لا نقتله ولكن نعزله قال: أما عزلي فلا وأما قتلي فعسى.

وهذا من أتفه ما ارتآه ابن عمر فإن أمره عثمان أن لا يخلع نفسه خيفة أن يطرد ذلك جار في صورة عدم الخلع المنتهي إلى القتل الذي هو أفظع من الخلع، وفي كل منهما سقوط هيبة السلطان وزوال أبهة الخلافة، غير أن البقاء مخلوعا أخف وطأة وأبعد عن مثار الفتن، ومن المشاهد الفتن الثائرة بعد قتل عثمان من قاتليه والحاضين عليه والمتخاذلين عنه فمن قائلة: اقتلوا نعثلا. قتل الله نعثلا. تطلب ثاره. ومألبين عليه أخذا بضبعي الهودج يحثان على الهتاف بثارات عثمان، وموها عليها نبح كلاب الحوأب، ومتقاعد عنه بالشام حتى إذا أودي به كتب الكتائب وخرج إلى صفين وأزلف إليه من كان يقول لما بلغه أنه محصور: أنا أبو عبد الله قد يضرط العير والمكواة في النار. ولما بلغه مقتله قال: أنا أبو عبد الله قتلته وأنا بوادي السباع (1) قال هذا ثم طفق يثب مع معاوية

____________

(1) راجع ما مر في الجزء الثاني ص 139، والجزء التاسع ص 137 - 140.

الصفحة 41
يطلب الثار، وكان من ولائد وقعة صفين مقتل الخوارج بنهروان، فمن جراء هذه المعامع كانت مجزرة كبرى لزرافات من الصحابة والتابعين ووجهاء الأمصار ورؤساء القبائل وصلحاء المسلمين، وهل كانت هذه المفاسد إلا ولائد ذلك الرأي الفطير الذي أسدى به ابن عمر للخليفة المقتول، ولو كان سالم القوم كما أشار إليه المغيرة بن الأخنس فخلعوه بقي حلس بيته ولا ثائر ولا مشاغب، وبقيت بيوت المسلمين عامرة ولم تكن تنتشر الفتن في البلاد، قال ابن حجر في فتح الباري 13: 10: انتشرت الفتن في البلاد فالقتال بالجمل وبصفين كان بسبب قتل عثمان، والقتال بالنهروان بسبب التحكيم بصفين، وكل قتال وقع في ذلك العصر إنما تولد عن شئ من ذلك أو عن شئ تولد عنه. ا هـ.

وقال في ص 42: قوله صلى الله عليه وآله وسلم في حق عثمان: بلاء يصيبنه. هو ما وقع له من القتل الذي نشأت عنه الفتن الواقعة بين الصحابة في الجمل ثم في صفين وما بعد ذلك. هـ.

ونحن لا نعرف لابن عمر حجة فيما ارتكبه من البيعة والقعود إلا ما نحته له ابن حجر في فتح الباري 5: 19 بقوله: لم يذكر ابن عمر خلافة علي لأنه لم يبايعه لوقوع الاختلاف عليه كما هو مشهور في صحيح الأخبار، وكان رأي ابن عمر أنه لا يبايع لمن لم يجتمع عليه الناس، ولهذا لم يبايع أيضا لابن الزبير ولا لعبد الملك في حال اختلافهما، وبايع ليزيد بن معاوية ثم لعبد الملك بن مروان بعد قتل ابن الزبير. ا هـ.

وقال في الفتح أيضا ج 13: 165: كان عبد الله بن عمر في تلك المدة إمتنع أن يبايع لابن الزبير أو لعبد الملك كما كان امتنع أن يبايع لعلي أو معاوية، ثم بايع لمعاوية لما اصطلح مع الحسن بن علي، واجتمع عليه الناس، وبايع لابنه يزيد بعد موت معاوية لاجتماع الناس عليه، ثم امتنع من المبايعة لأحد حال الاختلاف إلى أن قتل ابن الزبير وانتظم الملك كله لعبد الملك فبايع له حينئذ.

هذه حجة داحضة موه بها ابن حجر على الحقايق الراهنة لتغرير أمة جاهلة، و لعله اتخذها مما جاء في الحديث من إنه لما تخلف عبد الله بن عمر عن بيعة علي عليه السلام أمر بإحضاره فأحضر فقال له: بايع. قال: لا أبايع حتى تبايع جميع الناس. قال له علي عليه السلام فأعطني حميلا (1) أن لا تبرح. قال: ولا أعطيك حميلا. فقال الأشتر: يا أمير المؤمنين!

____________

(1) الحميل كفعيل: الكفيل.

الصفحة 42
إن هذا قد أمن سوطك وسيفك، فدعني أضرب عنقه. قال: لست أريد ذلك منه على كره خلوا سبيله. فلما انصرف قال أمير المؤمنين عليه السلام: لقد كان صغيرا وهو سئ الخلق وهو في كبره أسوأ خلقا. وروي أنه أتاه في اليوم الثاني فقال: إني لك ناصح إن بيعتك لم يرض بها الناس كلهم، فلو نظرت لدينك ورددت الأمر شورى بين المسلمين. فقال علي عليه السلام: ويحك وهل ما كان عن طلب مني؟ ألم يبلغك صنيعهم بي؟ قم يا أحمق، ما أنت وهذا الكلام؟ فخرج ثم أتى عليا عليه السلام آت في اليوم الثالث فقال: إن ابن عمر قد خرج إلى مكة يفسد الناس عليك فأمر بالبعثة في أثره فجاءت أم كلثوم ابنته فسألته وضرعت إليه فيه وقالت: يا أمير المؤمنين! إنما خرج إلى مكة ليقيم بها، وإنه ليس بصاحب سلطان، ولا هو من رجال هذا الشأن، وطلبت إليه أن يقبل شفاعتها في أمره لأنه ابن بعلها فأجابها وكف البعثة إليه وقال: دعوه وما أراد.

جواهر الأخبار للصعدي المطبوع في ذيل كتاب البحر الزخار ج 5: 71.

هلموا معي يا أمة محمد صلى الله عليه وآله نسائل ابن عمر، هلا بايع هو أبا بكر ولم يجتمع عليه الناس، وانعقدت بيعته باثنين أو أربعة أو خمسة كما مر في ج 7 ص 141 ط 1؟

والاختلاف هنالك كان قائما على ساق، وهو الذي فرق صفوف الأمة حتى اليوم، وكان ابن عمر ينظر إليه من كثب، ثم لحقتها موافقة الناس بالإرهاب في بعض، وإطماع في آخرين، وأمر دبر بليل بين لفيف من زبانية الخلافة، وتمت بعد وصمات مر الايعاز إليها في الجزء السابع ص 74 - 87، تمت وصدور أمة صالحة واغرة عليها وعلى من تقمصها، وهو يعلم أن محل علي عليه السلام منها محل القطب من الرحى، ينحدر عنه السيل، ولا يرقى إليه الطير.

وأما أبوه فلم يثبت أمره إلا بتعيين أبي بكر إياه، فيا عجبا يستقيلها في حياته إذا عقدها لآخر بعد وفاته، لشد ما تشطرا ضرعيها، فصيرها في حوزة خشناء يغلظ كلمها، ويخشن مسها، ويكثر العثار فيها والاعتذار منها (1) والناس متذمر على المستخلف كلهم ورم أنفه من ذلك قائلين: ما تقول لربك وقد وليت علينا فظا غليظا؟ ثم

____________

(1) جمل لمولانا أمير المؤمنين من خطبته الشقشقية راجع ج 7: 81 ط 2.


الصفحة 43
ألحقت الناس به العوامل المذكورة.

وأما حديث الشورى، وما أدراك ما حديث الشورى؟ فسل عنه سيف عبد الرحمن بن عوف الذي لم يكن مع أحد يومئذ سيف غيره، واذكر قوله لعلي: بايع وإلا ضربت عنقك أو قوله له: لا تجعلن على نفسك سبيلا كما ذكره البخاري والطبري وغيرهما (1) وزاد ابن قتيبة: فإنه السيف لا غير. أو قول أصحاب الشورى لما خرج علي مغضبا ولحقوه:

بايع وإلا جاهدناك (2) أو قول أمير المؤمنين: متى اعترض الريب في مع الأول منهم حتى صرت أقرن إلى هذه النظائر، لكني أسففت إذا سفوا، وطرت إذا طاروا، فصغا رجل منهم لضغنه، ومال آخر لصهره مع هن وهن. الخ (3)

لكن ابن عمر - على زعم ابن حجر - لا يرى كل هذه خلافا في خلافة القوم، ولا في معاوية من إنجاز الأمر بعد أمير المؤمنين علي عليه السلام بين السيف والمطامع، وفي القلوب منه ما فيها إلى أن لفظ نفسه الأخير، هذا سعد بن أبي وقاص أحد العشرة المبشرة ومن رجال الشورى الست تخلف عن بيعته، دخل على معاوية فقال له: السلام عليك أيها الملك فقال له: فهلا غير ذلك؟ أنتم المؤمنون وأنا أميركم، فقال سعد: نعم إن كنا أمرناك وفي لفظ: نحن المؤمنون ولم نؤمرك. فقال معاوية: لا يبلغني أن أحدا يقول: إن سعدا ليس من قريش إلا فعلت به وفعلت، إن سعدا الوسط في قريش. ثابت النسب. (4)

وهذا ابن عباس وهو يجابه معاوية ويدحض حجته، قال عبيد الله بن عبد الله المديني:

حج معاوية فمر بالمدينة فجلس في مجلس فيه سعد وفيه عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس فالتفت إلى عبد الله بن العباس فقال: يا أبا عباس إنك لم تعرف حقنا من باطل غيرنا، فكنت علينا ولم تكن معنا، وأنا ابن عم المقتول ظلما يعني عثمان وكنت أحق بهذا الأمر من غيري. فقال ابن عباس: أللهم إن كان هكذا فهذا - وأومأ إلى ابن عمر - أحق بها منك لأن أباه قتل قبل ابن عمك. فقال معاوية: ولا سواء إن أباه هذا قتله المشركون، وابن عمي

____________

(1) صحيح البخاري باب كيف يبايع الإمام ج 10: 208، تاريخ الطبري 5: 37، 40، الإمامة والسياسة 1: 25، الكامل لابن الأثير 3: 30، الصواعق ص 36، فتح الباري 13: 168، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 102.

(2) أنساب البلاذري 5: 22.

(3) راجع الجزء السابع ص 81.

(4) تاريخ ابن عساكر 5: 251 و ج 6: 106.

الصفحة 44
قتله المسلمون. فقال ابن عباس: هم والله أبعد لك وأدحض لحجتك. فتركه (1).

وأنكرت عائشة على معاوية في دعواه الخلافة وبلغه ذلك فقال: عجبا لعائشة تزعم أني في غير ما أنا أهله وأن الذي أصبحت فيه ليس لي بحق، ما لها ولهذا يغفر الله لها إنما كان ينازعني في هذا الأمر أبو هذا الجالس وقد استأثر الله به. فقال الحسن بن علي (عليهما السلام) أو عجب ذلك يا معاوية؟ قال: أي والله قال: أفلا أخبرك بما هو أعجب من هذا؟ قال: ما هو؟ قال: جلوسك في صدر المجلس وأنا عند رجليك (شرح ابن أبي الحديد 4: 5).

وهكذا كان أكابر الصحابة مناوئين له في المدينة الطيبة فأسمعوه النكير، وسمعوا إدا من القول. ورأوا إمرا من أمره، وشاهدوا منه أحداثا وبدعا في الدين الحنيف تخلد مع الأبد، وعاينوا منه جنايات على الأمة الإسلامية وصلحائها وعظمائها من هتك و حبس وشتم وسب مقذع وضرب وتنكيل وعذاب وقتل قط لا تغفر له - وحاش لله أن يغفرها له - دع عمر بن عبد الغزيز يرى في الطيف أنه مغفور له (2) - وتذمرت عليه صلحاء أمة محمد صلى الله عليه وآله لما جاء عنه صلى الله عليه وآله وسلم فيه من لعنه والتخذيل عنه، وأمره الصحابة بقتاله، وتوصيفه فئته بالقسط وأنها الفئة الباغية، وقوله السائر الدائر: إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه (3) وقوله صلى الله عليه وآله الخلافة بالمدينة والملك بالشام (4)

ليت شعري أين كان ابن عمر من هذه كلها ومن قوله صلى الله عليه وآله الحاسم لمادة النزاع:

ستكون خلفاء فتكثر. قالوا: فما تأمرنا؟ قال: فوا ببيعة الأول فالأول (5).

وقوله صلى الله عليه وآله: إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما (6).

وقوله صلى الله عليه وآله: ستكون هنات وهنات فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي

____________

(1) تاريخ ابن عساكر 6: 107.

(2) سيوافيك تفصيله إنشاء الله تعالى.

(3) كنوز الدقائق للمناوي ص 10. أخرجه ابن عدي عن أبي سعيد والعقيلي عن طريق الحسن وسفيان بن محمد من طريق جابر وغيرهم. وسيوافيك الكلام في إسناده إنشاء الله تعالى.

(4) تاريخ ابن كثير 6: 221.

(5) صحيح مسلم 6: 17، سنن ابن ماجة 2: 204، سنن البيهقي 8. 144 عن الشيخين، تيسير الوصول 2: 35 عن الشيخين أيضا، مسند أحمد 2: 297، المحلى 9: 360.

(6) صحيح مسلم 6: 23، مستدرك الحاكم 2: 156، سنن البيهقي 8. 144، الفصل لابن حزم 4: 88، المحلى 9: 360، تيسير الوصول 2: 35.

الصفحة 45
جميع فاضربوه بالسيف كائنا من كان. وفي لفظ: فاقتلوه. (1)

وقوله صلى الله عليه وآله: من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يـفـرق جماعتكم فاقتلوه.(2)

وقوله صلى الله عليه وآله: من طريق عبد الله بن عمرو بن العاص: من بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليعطه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر. قال عبد الرحمن بن عبد رب: فدنوت منه فقلت له: أنشدك الله أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وآله فأهوى إلى أذنيه وقلبه بيديه. وقال: سمعته أذناي ووعاه قلبي. فقلت له: هذا ابن عمك معاوية يأمرنا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل ونقتل أنفسنا، والله عز وجل يقول:

يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما. قال: فسكت ساعة ثم قال: أطعه في طاعة الله واعصه في معصية الله (3).

قال النووي في شرح مسلم هامش إرشاد الساري 8: 43: قوله صلى الله عليه وآله: فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر. معناه: ادفعوا الثاني فإنه خارج على الإمام، فإن لم يندفع إلا بحرب وقتال فقاتلوه، فإن دعت المقاتلة إلى قتله جاز قتله ولا ضمان فيه لأنه ظالم متعد في قتاله.

قال: قوله: فقلت له: هذا ابن عمك معاوية. إلى آخره. المقصود بهذا الكلام أن هذا القائل لما سمع كلام عبد الله بن عمرو بن العاص وذكر الحديث في تحريم منازعة الخليفة الأول وأن الثاني يقتل فاعتقد هذا القائل هذا الوصف في معاوية لمنازعته عليا رضي الله عنه وكانت قد سبقت بيعة علي فرأى هذا أن نفقة معاوية على أجناده وأتباعه في حرب علي ومنازعته ومقاتلته إياه من أكل المال بالباطل، ومن قتل النفس، لأنه قتال بغير حق فلا يستحق أحد مالا في مقاتلته.

____________

(1) صحيح مسلم 6: 22، مستدرك الحاكم 2: 156، سنن البيهقي 8. 168، 169.

(2) صحيح مسلم 6: 23، سنن البيهقي 8: 169، تيسير الوصول 2: 35، المحلى 9: 360.

(3) صحيح مسلم 6: 18، سنن البيهقي 8: 169، سنن ابن ماجة 2: 467، المحلى 9: 360.

الصفحة 46
وقال ص 40 في شرح قوله صلى الله عليه وآله: ستكون خلفاء فتكثر. الحديث: معنى هذا الحديث: إذا بويع لخليفة بعد خليفة فبيعة الأول صحيحة يجب الوفاء بها، وبيعة الثاني باطلة يحرم الوفاء بها، ويحرم عليه طلبها وسواء عقدوا للثاني عالمين بعقد الأول أم جاهلين، وسواء كانا في بلدين أو بلد، أو أحدهما في بلد الإمام المنفصل والآخر في غيره، هذا هو الصواب الذي عليه أصحابنا وجماهير العلماء، وقيل: تكون لمن عقدت في بلد الإمام. وقيل: يقرع بينهم. وهذان فاسدان، واتفق العلماء على أنه لا يجوز أن يعقد لخليفتين في عصر واحد سواء اتسعت دار الاسلام أم لا، وقال إمام الحرمين في كتابه " الارشاد " (1): قال أصحابنا لا يجوز عقدها لشخصين، قال: وعندي إنه لا يجوز عقدها لاثنين في صقع واحد وهذا مجمع عليه، قال: فإن بعد ما بين الإمامين وتخللت بينهما شسوع فللاحتمال فيه مجال، وهو خارج عن القواطع. وحكى المازري هذا القول عن بعض المتأخرين من أهل الأصول، وأراد به إمام الحرمين، وهو قول فاسد مخالف لما عليه السلف والخلف ولظواهر إطلاق الأحاديث والله أعلم. ا هـ

فكان من واجب ابن عمر نظرا إلى هذه النصوص أن يبايع عليا ولا يتقاعد عن بيعته وقد بايعه المهاجرون والأنصار والبدريون وأصحاب الشجرة على بكرة أبيهم، قال ابن حجر في فتح الباري 7: 586: كانت بيعة علي بالخلافة عقب قتل عثمان في أوائل ذي الحجة سنة 35 فبايعه المهاجرون والأنصار وكل من حضر وكتب بيعته إلى الآفاق فأذعنوا كلهم إلا معاوية في أهل الشام فكان بينهم بعد ما كان. هـ

وكان من واجب الرجل قتال معاوية الخارج على الإمام الطاهر إن كان هو عضادة الدين آخذا بطقوسه، تابعا سننه اللاحب، مؤمنا بما جاء به نبيه الأقدس صلى الله عليه وآله بل الأمر كما قال عبد الله بن هاشم المرقال في كلمة له: فلو لم يكن ثواب ولا عقاب، ولا جنة ولا نار، لكان القتال مع علي أفضل من القتال مع معاوية بن أكالة الأكباد. كتاب صفين ص 405.

متى اختلف في بيعة علي أمير المؤمنين اثنان من رجال الحل والعقد من صلحاء الأمة؟ ومتى تمت كلمة الأمة في بيعة خليفة منذ اسس الانتخاب الدستوري مثل

____________

(1) راجع الارشاد ص 525 طبع مكتبة الخانجي.

الصفحة 47
ما تمت لعلي عليه السلام؟ ولم يكن متقاعس عن بيعته سلام الله عليه إلا شرذمة المعتزلة العثمانيين وهم سبعة وثامنهم ابن عمر كما مر في الجزء السابع ص 142، فما الذي جعل بيعة أناس معدودين لم تبلغ عدتهم عشرة إجماعا واتفاقا في بيعة أبي بكر، وأوجب على ابن عمر اتباعهم، وحرم عليه التزحزح عنهم؟ وجعل إجماع الأمة من المهاجرين والأنصار ورجال الأمصار على بيعة علي أمير المؤمنين وتخلف عدة تعد بالأنامل عنها خلافا وتفرقا؟.

وليت ابن عمر إن كان لم يأخذ بحكم الكتاب والسنة في الاستخلاف كان يأخذ برأي أبيه فيه وقد سمعه يقول: هذا الأمر في أهل بدر ما بقي منهم أحد ثم في أهل أحد ثم في كذا وكذا، وليس فيها لطليق ولا لولد طليق ولا لمسلمة الفتح شئ. (1)

وقال في كلام له: لا تختلفوا فإنكم إن اختلفتم جاءكم معاوية من الشام وعبد الله ابن أبي ربيعة من اليمن فلا يريان لكم فضلا لسابقتكم، وإن هذا الأمر لا يصلح للطلقاء ولا لأبناء الطلقاء (2).

ولعل هذا الرأي كان من المتسالم عليه عند السلف وبذلك احتج مولانا أمير المؤمنين على معاوية في كتاب له كتب إليه بقول: واعلم أنك من الطلقاء الذين لا تحل لهم الخلافة، ولا تعقد معهم الإمامة، ولا يدخلون في الشورى (3).

وكتب ابن عباس إلى معاوية: ما أنت وذكر الخلافة؟ وإنما أنت طليق بن طليق والخلافة للمهاجرين الأولين، وليس الطلقاء منها في شئ (4) وفي لفظ: إن الخلافة لا تصلح إلا لمن كان في الشورى فما أنت والخلافة؟ وأنت طليق الاسلام، وابن رأس الأحزاب، وابن آكلة الأكباد من قتلى بدر.

ومن كلام لابن عباس يخاطب أبا موسى الأشعري: ليس في معاوية خلة يستحق بها الخلافة وأعلم يا أبا موسى؟ إن معاوية طليق الاسلام، وأن أباه رأس الأحزاب،

____________

(1) طبقات ابن سعد ط ليدن 3: 248، فتح الباري 13: 176، أسد الغابة 4: 387.

(2) الإصابة 2: 305.

(3) الإمامة والسياسة 71 وفي ط 81، العقد الفريد 2: 233 وفي ط 284، نهج البلاغة 2: 5، شرح ابن أبي الحديد 1: 248، و ج 3: 300.

(4) الإمامة والسياسة 1: 85، وفي ط 97، شرح ابن أبي الحديد 2: 289.