2 ـ سورة العنكبوت الآية 10 ـ 11، مكّية (85).
3 ـ سورة البقرة الآية 10، مدنية (87).
4 ـ سورة الأنفال الآية 49، مدنية (88).
5 ـ سورة الأحزاب الآية 12 ـ 32 ـ 60، مدنية (90).
6 ـ سورة محمّـد الآية 20 ـ 29، مدنية (95).
7 ـ سورة النور الآية 50، مدنية (103).
8 ـ سورة الحج الآية 53، مدنية (104).
9 ـ سورة المائدة الآية 52، مدنية (113).
10 ـ سورة التوبة الآية 125، مدنية (114).
ومن كلّ ذلك ننتهـي إلـى أن عمـوم المـديح للمهـاجرين وللأنصـار لا يتناول فئة الذين في قلوبهم مرض والمنافقين ممّن أسلم قبل الهجرة طمعاً في المكاسب السياسية التي تحدثت عنه كهنة العرب عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)وانبأت به اليهود قبل ظهور النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأنّهم قطنوا الجزيرة العربية لأجل ذلك استعداداً لظهوره كما ذكر ذلك القرآن ( ولمّا جاءكم كتاب من عند الله مصدّق لِما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلمّا جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنةُ الله على الكافرين )(1)، فكانوا يتوعدون الكفّار بالنصر عليهم بالنبي الخاتم (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي يملك العرب، فمعـالم ظهـوره (صلى الله عليه وآله وسلم) وسـلطته علـى الجـزيرة منتشـرة الآفاق قبل أن يبعث (صلى الله عليه وآله وسلم). بل إنّ المديح خاصّ بالمؤمنين قلبا حقّاً منهم خاصّة ويشهد لذلك النقطة الثانية الآتية. ثمّ أن هناك سورة مكيّة أُخرى وسورة
____________
1- سورة البقرة 2: 89.
النقطة الثانية:
أنّ آيات الهجرة الكثير منها يقيّد الهجرة بكونها لله تعالى وبنيّة أنّها في سبيل الله، كما في قوله تعالى ( الذين هاجروا في الله....)(2) وهي الآية الرابعة من التي تقدّمت في مديح المهاجرين، وكذا قوله تعالى ( ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت )(3) وقيّدت بقيّة الآيات الهجرة بقيد في سبيل الله، كما قيّد الجهاد أنّه في سبيل الله مع الهجرة، ومن ثمّ تظافرت الأحاديث
____________
1- سورة النحل 16: 106 ـ 109.
2- سورة النحل 16: 41.
3- سورة النساء 4: 100.
تحقيق في عنوان المهاجر والأنصاري:
إنّ المتتبّع للاستعمال القرآني لمادة الهجرة والنصرة في هيئة الفاعل عند الاطلاق وعدم التقييد بقرينة معينة لا يراد به كل من انتقل ببدنه من مكة أو غيرها إلى المدينة المنورة مظهراً للأسلام، كما أنّ الأنصاري ليس كلّ من أظهر الاسلام وكان قاطناً في المدينة وحواليها، وإنّ إجـراء الاستعمال بهذا المعنى الوسيع وحصول التوسّع عن المعنى الأوّل إنّما وقع وشاع في الألسن لتخيل تطيبق المعنى اللغوي بلحاظ مطلق الانتقال المكاني، واستدعاء ذلك المقابلة مع من لم ينتقل من موطنه وهو الأنصاري، مع وجود الدوافع السياسية المقتضية لهذا التعميم كي تجد مستنداً للشرعية فيما تقدّم عليه.
بلّ المقتنص من التتبع للآي القرآني هو أنّ الهجرة والمهاجر عند الاطلاق من دون تقييد يراد به من انتقل من موطنه وبلاد المشركين إلى المدينة بقصد طاعة الله وفي سبيل الله وإلى الله ورسوله كما أشارت إلى ذلك الآيات المتقدّمة وكقوله تعالى ( ومن يهاجر في سبيل الله يجد في
فالهجرة عند الاطلاق بذلك المعنى كما هو الحال في مقام الثناء والمديح لها كفعل عبادي من الطاعات والقربات العظيمة، بخلاف ما إذا قيّد الاستعمال بقيد معين، كترتيب أحكام خاصّة من قبيل حلّ المناكحة وحرمة الدم والمال ونحوها، ولذلك ترى في قوله تعالى ( إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهنَّ فان علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار )(5) أنّه لم يكتفى بالهجرة الظاهرية من دون التحقّق من حصول الهجرة الواقعية الحقيقية، التي هي مقيّدة بالإيمان القلبي وكونها في الله وفي سبيل الله وإلى الله ورسوله، وكذلك الحال في الاستعمال الآي القـرآني، قـال تعالى ( يا أيّها الذين آمنوا كونوا أنصـار الله كما قال عيسى بن مريم للحواريّن من أنصاري إلى الله قال الحواريّون نحن أنصار الله فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة
____________
1- النساء 4: 100.
2- سورة الحج 22: 58.
3- سورة العنكبوت 29: 26.
4- سورة البقرة 2: 218، سورة آل عمران 3: 195، سورة الأنفال 8: 72 و 74 و 75، سورة التوبة 9: 20، سورة النحل 16: 41.
5- سورة الممتحنة 60: 10.
فيلاحظ أنّ النصرة والأنصاري ليس مطلق المعاضدة فضلاً عن أنّ تكون هي كل مسلم كان موطنه المدينة فليس كلّ أوسي أو خزرجي أو غيرهما ممن حول المدينة هو أنصاري بل من آمن وآوى وعزّر ووقّر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) واتّبع النّور الذي أنزل مع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وكان ذلك كلّه في الله وإلى الله كان أنصارياً.
فمن ثم سنرى أنّ في سورة التوبة ـ كما يأتي الحديث عنها ـ تقسم كلّ من أهل المدينة وغيرهم ممّن انتقل إلى المدينة إلى فئات صالحة ينطبق عليها هذين العنوانين الوسامين المهاجر والأنصاري، وطالحة مردت على النفاق وكان في قلوبهم مرض أو متقاعسة عن القتال أو غيرهم من أنواع المنافقين وسنعاود التذكير على دلالة السورة المزبورة أيضاً على اختصاص هذين العنوانين والصفتين كمنقبتين فضيلتين بمن توفرت فيه القيود السالفة، فهي كبقية الآيات من السور الأُخرى منبّهة على خطأ هذا الاصطلاح الشائع من إطلاق المهاجر على كلّ مكّي أسلم ونحوه إنتقل إلى المدينة، والأنصاري على كلّ خزرجي أو أوسي أسلم قطن المدينة ونحوها.
فالهجرة والنصرة منقبتين عظيمتين وطاعتان قريبتان أخذ في ماهيتهما
____________
1- سورة الصف 61: 14.
2- سورة الأعراف 7: 157.
3- سورة الأنفال 8: 72.
النقطة الثالثة:
أن هناك العديد من القيود التي تستعرضها الآيات كشرط في مديح المهاجر والأنصاري مثلاً.
أ ـ ما في سورة الفتح ضابطة تستعرضها الآية في المهاجرين والأنصار هي من المحكم الذي يتبيّن به بقيّة الآيات، وهو قوله تعالى ( إنّ الذين يبايعونك إنّما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنّما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجراً عظيما )(1)، فتشترط الآية شرط الوفاء بالعهد وعدم النكث به شرطاً لحسن العاقبة والمثوبة فالموافاة للعهد عند الموت وعدم النكث والتبديل شرط في ذلك كما هو الحال في بقيّة المؤمنين إلى يوم القيامة، ويشير إلى ذلك قوله تعالى أيضاً في آخر السورة ( محمّـد رسول الله والذين معه أشداء على الكفّار رحماء بينهم... وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجراً عظيماً )(2). فإنّ قيد المغفرة والأجر بمن آمن قلباً منهم وعمل صالحاً، بل أنّ لفظة (منهم) دالّة على التبعيض وأنّ ليس كلّ الذين معه (صلى الله عليه وآله وسلم) لهم وعد بالحسنى بل خصوص من اتّصف بالقيد منهم، فالتقييد والتبعيض إحتراز عن إيهام العموم في صدر الآية. ويشير إلى مثل هذا القيد في مدح المهاجـر والأنصـاري، قوله تعالى ( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلا * ليجزي الله الصادقين بصدقهم
____________
1- سورة الفتح 48: 10.
2- سورة الفتح 48: 29.
ب ـ وكذلك هناك قيد آخر ذكرته الآيات كشرط في المديح وهو إتصافهم بأنّهم رحماء بينهم أشداء على الكفّار أي اللين والرأفة فيما بينهم والشجاعة أمام الكفّار، كقوله تعالى ( محمّـد رسول الله والذين معه أشداء على الكفّار رحماء بينهم ) في سورة الفتح، وقوله تعالى ( ويقول الذين آمنوا لولا نزّلت سورة فإذا أُنزلت سورة محكمة وذُكر فيها القتال رأيت الذين في قلوبهم مرض ينظرون إليك نظر المغشي من الموت فأولى لهم * طاعة وقول معروف فإذا عزم الأمر فلو صدقوا الله لكان خيراً لهم )(2)، وقوله تعالى ( والقائلين لإخوانهم هلُمّ إلينا ولا يأتون البأس إلاّ قليلاً * أشحّة عليكم فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يُغشى عليه من الموت فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد أشحّة على الخير أُولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم وكان ذلك على الله يسيراً)(3)، فبيّن تعالى أن الجبن والخوف والحزن من خشية الموت وإذا ذهب الخوف سلقوا المؤمنين بألسنة حداد على عكس صفات المؤمنين من الرحمة فيما بينهم والشجاعة
____________
1- سورة الأحزاب 33: 23 و 24.
2- سورة محمّـد 47: 20 و21.
3- سورة الأحزاب 33: 18 و 19.
ج ـ كذلك هناك آيات أُخرى دالّة على أن هناك أعمالاً سيئة موجبة لحبط الأعمال، كقوله تعالى (ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله )(1)، وكقوله تعالى ( يا أيّها الذين آمنوا لا تقدّموا بين يدي الله ورسوله واتّقوا الله إنّ الله سميع عليم * يا أيّها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبيّ ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون )(2)، ومن الثابت في كتب السير والأحـاديث أنّه في العديد من الوقائع قد أبرم وقطع فيها غير واحد من الصحابة العشرة المبشرة قبل أن يحكم الله ورسوله فيها، بل قد تقدّموا في أشياء قد تقدّم الله ورسوله فيها بحكم خلافا وردّاً، وكقوله ( إنّما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثمّ لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أُولئك هم الصادقون قل أتعلّمون الله بدينكم والله يعلم ما في السموات وما في الأرض والله بكلّ شيء عليم )(3)، مع أنّ بعض المهاجرين ارتاب في دينه في صلح الحديبية. فعدم الارتياب قيد في بقاء الإيمان. وهذه نماذج من القيود وعليك بتقصيها في السور القرآنية ممّا يعلم فقدان جماعة من الصحابة المهاجرين والأنصار لها.
____________
1- سورة المائدة 5: 5.
2- سورة الحجرات 49: 1 و 2.
3- سورة الحجرات 49: 15 و 16.
النقطة الرابعة:
أنّ ممّا قد ثبت مقطوعاً به للمتتبّع في الآيات القرآنية وكتب الأحاديث والسير والتواريخ أنّ العديد من الصحابة من المهاجرين والأنصار قد وقعت وصدرت منهم مخالفات للشرع المبين من الكبائر وبعضها من العظائم سواء في حياة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أو بعد وفاته (صلى الله عليه وآله وسلم) عند التنازع والفتن التي انتهت إلى حرب الجمل وصفين فقد وقع منهم الفرار من الزحف في مواطن كوقعة أحد وحنين ولم يبق إلاّ ثلّة من بني هاشم مع أنّ الفرار من الزحف من الكبائر السبع المغلظة وكذا ما أتاه الصحابة في صلح الحديبية وفي مقدّمتهم بعض المهاجرين من الاعتراض على صلح النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) والنكير لذلك حتّى أنّهم أبوا أن يحلقوا رؤوسهم والتحلل من الإحرام وأبدوا العصيان الجماعي حتى اضطر النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى أن يجدّد أخذ البيعة منهم بعد ذلك بعد ما ارعووا وعادوا ويستوثق منهم المواثيق . وما أتاه عدّة من الصحابة من المهاجرين من التخلّف عن جيش أُسامة الذي جهزّه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لقتال الروم مع انه (صلى الله عليه وآله وسلم) قد لعن من تخلّف عن جيش أُسامة وقال نفذّوا جيش اُسامة. وقد نزلت الآية كما قيل (وإن فئتان من المؤمنين اقتتلوا فقاتلوا التي تبغي حتّى تفيء إلى أمر الله )في اقتتال الأوس والخزرج بالأحذية والعصي.
وبعضهم ردّ علـى النبـيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) عنـدما طلب دواة وكتاب يكتب فيه ما إن تمسكوا به فلن يضلّوا أبداً، وقال أنّه غلب عليه المرض وهي عظيمة.