الصفحة 49

بناء المقالة الفاطمية
في نقض الرسالة العثمانية



تأليف
السيد جمال الدين أبي الفضائل أحمد بن موسى بن طاوس
المتوفى سنة 673 هـ

تحقيق
السيد علي العدناني الغريفي


الصفحة 50


الصفحة 51

بسم الله الرحمن الرحيم

النازل على الخواطف بأكف الشوارق، وأشهد أن لا إله إلا الله شهادة يفتح بنانها أبواب المغالق، ويشرح بيانها نجاة المصدق الموافق، وأشهد أن محمد بن عبد الله رسوله أنبل الخلائق، وأن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب تلوه في السوابق، وشرف الخلائق، وأن حبه برهان الأنساب اللواحق(1).

____________

(1) إشارة إلى الأحاديث الكثيرة الواردة في أن حب علي بن أبي طالب عليه السلام علامة لطيب الولادة، وأن بغضه علامة لخبث الولادة، ونحن نشير إلى قسم منها:

ذكر محب الدين الطبري في الرياض النضرة: 2 / 189.

عن أبي بكر قال: رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) خيم خيمة وهو متكئ على قوس عربية وفي الخيمة علي وفاطمة والحسن والحسين فقال: معشر المسلمين، أنا سلم لمن سالم أهل الخيمة، حرب لمن حاربهم، ولي لمن والاهم، ولا يحبهم إلا سعيد الجد طيب المولد، ولا يبغضهم إلا شقي الجد ردئ المولد.

والمسعودي في مروج الذهب: 2 / 51.

عن كتاب الأخبار لأبي الحسن علي بن محمد بن سليمان النوفلي، بإسناده عن العباس بن عبد المطلب قال: كنت عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذ أقبل علي بن أبي طالب، فلما رآه أسفر في وجهه، فقلت: يا رسول الله إنك لتسفر في وجه هذا الغلام؟ فقال: يا عم رسول الله والله الله أشد حبا له مني، ولم يكن نبي إلا وذريته الباقية بعده من صلبه وإن ذريتي بعدي من صلب هذا، إنه إذا كان يوم القيامة دعي الناس بأسمائهم وأسماء أمهاتهم إلا هذا وشيعته فإنهم يدعون بأسماعهم وأسماء آبائهم لصحة ولادتهم.

=>


الصفحة 52
وأن أولياءه من طينة(1) واحدة(2)

____________

<=

والحافظ الجزري في أسنى المطالب: 8.

عن أبي سعيد الخدري قال: كنا معشر الأنصار نبور(*) أولادنا بحبهم عليا رضي الله عنه، فإذا ولد فينا مولود فلم يحبه عرفنا أنه ليس منا.

وأيضا في نفس الكتاب المذكور: 8.

عن عبادة بن الصامت: كنا نبور أولادنا بحب علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فإذا رأينا أحدهم لا يحب علي بن أبي طالب علمنا أنه ليس منا وأنه لغير رشده.

ثم قال الحافظ المذكور بعد ذكر هذا الحديث: وهذا مشهور من قديم وإلى اليوم إنه ما يبغض عليا رضي الله عنه إلا ولد زنا.

وابن أبي الحديد في شرح النهج: 1 / 373.

عن أبي مريم الأنصاري عن علي عليه السلام، قال: لا يحبني كافر ولا ولد زنا.

والذهبي في ميزان الاعتدال: 1 / 236.

قال وقال ابن حيان: روي عن أحمد بن عبدة، عن ابن عيينة، عن أبي الزبير، عن جابر، أمرنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن نعرض أولادنا على حب علي بن أبي طالب.

وكذلك رواه ابن حجر العسقلاني في لسان الميزان: 2 / 231.

والشيخ محمد طاهر بن علي الصديقي في مجمع بحار الأنوار: 1 / 121 قال:

ومنه كنا نبور أولادنا بحب علي.

والزبيدي في تاج العروس في مادة (بور) قال:

ومنه الحديث، كنا نبور أولادنا بحب علي رضي الله عنه.

(1) ج و ن: طينته.

(2) إشارة إلى الأحاديث الواردة بشأن أولياءه عليه السلام وأنهم خلقوا من فاضل طينته منها:

ما ذكره القندوزي في ينابيع المودة: 76.

في المناقب عن الأصبغ بن نباته قال: كنت مع أمير المؤمنين عليه السلام فأتاه رجل فقال: يا أمير المؤمنين إني أحبك في الله، قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) حدثني ألف حديث، وكل حديث ألف باب، وإن أرواح الناس تتلاقى بعضهم بعضا في عالم الأرواح، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف، وبحق الله لقد كذبت فما أعرف وجهك في وجوه أحبائي، ولا اسمك في أسماء أحبائي، ثم دخل عليه الآخر فقال: يا أمير المؤمنين إني أحبك في الله، فقال: صدقت، وقال: إن طينتنا وطينة محبينا مخزونة في علم الله، ومأخوذة، أخذ

=>

____________

(*) باره يبوره: جربه واختبره.


الصفحة 53
السوامق(1)، وأن أعداءه حلفاء(2) مداحض المزالق، أخدان(3) البوائق(4)، بالأثر الصادق، عن أشرف ناطق صلى الله عليه وعلى آله صلاة يسفر فجرها عن الدوام المترادف، المتتابع، المتلاحق.

وبعد: فإن أبا عثمان الجاحظ صنف كتابه المسمى (بالرسالة العثمانية) ابتداء غير حامد لإله البرية، ولا معترف له بالربانية، ولا شاهد لنبيه بالرسالة الجلية، ولا لأهله وأصحابه بالمرتبة العلية، شاردا في بيداء هواه، سامدا(5) في ظلماء عماه.

زعم مخاصما شرف أمير المؤمنين - صلوات الله عليه - بكلمات سردها، ولفظات زعم أنه شيدها، رادا على نفسه في تقريرات مناقب مولانا أمير المؤمنين - صلوات الله عليه - سددها ومجدها، هازلا في مقام جاد، جاهلا في نظام استعداد، مادا في الأول باعه القصير إلى أعناق الكواكب، وذراعه الكسير إلى النجوم الثواقب.

____________

<=

الله ميثاقها من صلب آدم عليه السلام فلم يشذ منها شاذ، ولا يدخل فيها غيرها (إلى آخر الحديث).

ومن طرقنا ما رواه الفتال النيسابوري في روضة الواعظين: 2 / 296.

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي عليه السلام: يا علي شيعتك هم الفائزون يوم القيامة، فمن أهان واحدا منهم فقد أهانك، ومن أهانك فقد أهانني، ومن أهانني أدخله الله نار جهنم وبئس المصير، يا علي أنت مني وأنا منك، روحك من روحي، وطينتك من طينتي، وشيعتك خلقوا من فاضل طينتنا، فمن أحبهم فقد أحبنا، ومن أبغضهم فقد أبغضنا، ومن عاداهم فقد عادانا، ومن ودهم فقد ودنا... الحديث.

(1) ن: السوابق، والسامق: الطويل.

(2) ن: خلفاء.

(3) الخدن: الصاحب (4) البوائق - الغوائل والشرور.

(5) سمد سمودا: قام متحيرا.


الصفحة 54

ولا غلاب وقد بذت(1) مفاخرناسوابق الجرد(2) للعلياء تستبق
أواصر(3) حلقت في الجو أخمصها(4)وبعدها شيم للشهب تعتنق
أبت مفاخرة الأمثال لا مثللنا مدان روح العلى خلق
فكيف يهضمنا فرع لغير علىولا فروع لها مجد سما ورق
يرى زخارفه خطفا لممتنعكظامئ غاله في ظمئه غرق
فشام(5) منها بروقا لا يحالفهانصر ويكشف عن ديجورها(6) الفلق(7)
كيما يعد بليغا جد ما لسنوالشمس في الجو لا يغتالها الغسق(8)
فتنا بسؤددنا الغايات وائتلفت(9)بدورنا في سماء الفخر تتسق
فلا بليغ له في هضمنا طمعولا فصيح يحلي جيده الملق

وقد كانت هذه الرسالة وصلت إلي قبل هذه الأوقات، وصدقني(10) عن الإيراد عليها حواجز المعارضات، وأنشدت بلسان المعتذر عن دحضها ونقضها صورة هذه الأبيات بعد كلمات:

وبعد فلو نصت(11) كتائب محرب(12) وبي رمق نصت إليه الكتائب

____________

(1) بذه: غلبه، وفاقه.

(2) الجرد: الخيل.

(3) الآصرة: ما عطفك على رجل من قرابة أو معروف.

(4) الأخمص: ما لا يصيب الأرض من باطن القدم.

(5) شام البرق: نظر إليه أين يتجه.

(6) الديجور: الظلام.

(7) الفلق: الصبح.

(8) الغسق: ظلمة أول الليل.

(9) ج: ائتلفت.

(10) صدفتني: منعتني.

(11) النص والتنصيص: السير الشديد والحث، وفي الحديث، أن أم سلمة قالت لعائشة: ما كنت قائلة لو أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) عارضك ببعض الفلوات ناصة قلوصك من منهل إلى آخر؟ (لسان العرب. ن ص ص).

(12) المحرب بكسر الأول: الشجاع، المحارب لعدوه (لسان العرب: ح رب).


الصفحة 55

ولكن(1) رمى عن قوسه مترفهاوقد قيدتني بالفتور النوائب
على أنه عار على البدر كاملاببهجته تخفى النجوم الثواقب
إذا احتج يبغي رفعة عن مدى الدجىوقد سترت وجه النجوم الغياهب
وعار على مجد اليراع إذا انبرىيدافع على تفخيمه ويحارب
تبين سيجلو الدهر نجمي مشرقاإذا صافحت كف التراب الترائب
وقال لسان حار في القول من لهاوتطرى ذا جن الظلام الكواكب


*  *  *

وبعد ذلك، احضر الولد عبد الكريم(2) - أبقاه الله - النسخة بعينها

____________

(1) ن: آخر.

(2) هو السيد عبد الكريم بن أحمد بن موسى ابن طاووس الحسني الحلي خريت الفنون، ونابغة من نوابغ الدهر، وعبقري فذ، فقد كان (قدس سره) فقيها، عالما، نحويا، عروضيا، شاعرا، أديبا، منشئا، نسابة، زاهدا، عابدا، أتقى أهل زمانه، وأورعهم، وهو صاحب كتاب (فرحة الغري).

بلغ مراحل من الكمال وهو لم يتجاوز سن الحلم، وقد أشاد بنبوغه ودهائه وفطنته كل من ترجم له.

فقد ذكره تلميذه وتلميذ أبيه ابن داود، في رجاله: 130 فقال:

انتهت رئاسة السادات، وذوي النواميس إليه، وكان أوحد زمانه، حائري المولد، حلي المنشأ، بغدادي التحصيل، كاظمي الخاتمة. ولد في شعبان سنة 648 هـ وتوفي في شوال سنة 693 هـ وكان عمره خمسا وأربعين سنة وشهرين وأياما. كنت قرينه إلى أن توفي قدس الله روحه، ما رأيت قبله ولا بعده كخلقه وجميل قاعدته وحلو معاشرته ثانيا، ولا لذكائه وقوة حافظته مماثلا. ما دخل في ذهنه شئ فكاد ينساه، حفظ القرآن في مدة يسيرة وله إحدى عشرة سنة، استقل بالكتابة واستغنى عن المعلم في أربعين يوما، وعمره إذ ذاك أربع سنين ولا تحصى مناقبه وفضائله.

وقال ابن الفوطي المعاصر له في تلخيص مجمع الآداب: 4 / 1194 كان جليل القدر، نبيل الذكر، حافظا لكتاب الله المجيد. ولم أر في مشايخي أحفظ منه للسير والآثار، والأحاديث والأخبار، والحكايات والأشعار، جمع وصنف، وشجر وألف، وكان يشارك الناس في علومهم، وكانت داره جمع الأئمة والأشراف، وكان الأكابر والولاة والكتاب يستضيئون بأنواره ورأيه، إلى أن يقول: وسألته عن مولده فذكر أنه ولد في شعبان سنة 648، وتوفي في يوم

=>


الصفحة 56
وشرع يقرأ علي شيئا منها، فأجج مني نارا أخمدتها الحوائل، و(1) عيون قول أجمدتها القواطع النوازل...


عزائم منا لا يبوخ(2) اضطرامهاإذا البغي سلت للقاء مضاربه
نجلي(3) بها من كل خطب ظلامهويشقى بها نجد نجيب نحاربه(4)
فكيف إذا لم نلق خصما تهزهعزائم في أقصى الحضيض كواكبه

هذا، وإن كانت جدود المزاج(5) منوطة بالكلال، وفجاج الفراغ مربوطة بحرج المجال، لكن الصانع إذا اهتم كاد يجعل آثاره في أعضاء مهجته،

____________

<=

السبت سادس عشر شوال سنة 693 وحمل إلى مشهد الإمام علي عليه السلام ودفن عند أهله.

وذكره الميرزا عبد الله الأفندي في رياض العلماء: 3 / 164 وقال من ترجمته له:

وأما أساتيذه فهم جماعة عدة منهم: والده وعمه السيد رضي الدين علي صاحب (الإقبال) وغيرهما.

واعلم أن له مشايخ من العامة أيضا منهم: الشيخ الحسين بن اياز الأديب النحوي الذي كان من مشايخ العلامة أيضا.

(إلى أن قال) ويروي أيضا عن المحقق خواجة نصير الطوسي (رحمه الله)، وعن الشيخ أبي القاسم المحقق الحلي صاحب (الشرائع)، وعن السيد عبد الحميد بن فخار الموسوي الحائري، وعن الشيخ نجيب الدين يحيى بن سعيد الحلي، إلى غير ذلك من شيوخه المذكورة في كتاب إجازته.

(ثم قال) وأما تلاميذه فمنهم: الشيخ أحمد بن داود الحلي صاحب الرجال المعروف، والشيخ علي بن الحسين بن حماد الليثي الواسطي.

ترجم له أيضا في: أمل الآمل: 2 / 158 لؤلؤة البحرين الترجمة رقم (90)، روضات الجنات:

4 / 221، جامع الرواة: 1 / 463، تنقيح المقال: 2 / 159، الكنى والألقاب: 1 / 341، منتهى المقال: 179، أعيان الشيعة: 38 / 42.

(1) ن بزيادة: النهج.

(2) بأخت النار أو الغضب: فتر وخمد.

(3) ن: يجلي.

(4) ن: تحاربه.

(5) ق: المزاح.


الصفحة 57
وزايل الإغضاء(1) عن رحمة نقيبته، وبتلك المواد الضعيفة قد عزمت على رمي (عمرو) بنبال الصواب، وإن كان بناؤه ملتحفا لذاته بالخراب، فليس للراد عليه فضيلة استنباط عيون الألباب، بل العاجز مشكور على النهوض إلى مبارزة ضعيف الذباب(2) فأقول:

إنه عرض لي مع صاحب الرسالة نوع كلفة قد لا يحصل مثلها لنقض نقض كتاب (المشجر) مع عظماء المعتزلة، كالجبائي(3) وأعيان من جماعته، وأبي الحسين البصري(4) في الرد على السيد المرتضى(5) - وهو الحاذق المبرز في صناعته - إذ هاتيك المباحث يجتمع لها العقل فيصادمها صدام الكتائب، ويصارمها صرام فوارس المقانب(6)، وهذه المباحث مهينة،

____________

(1) ن: الأعضاء.

(2) الذباب (بفتح الأول): الدفاع.

(3) هو ابن علي محمد بن عبد الوهاب بن سلام بن خالد بن حمران بن أبان، مولى عثمان بن عفان، المعروف بالجبائي أحد أئمة المعتزلة كان إماما في علم الكلام، وأخذ هذا العلم عن أبي يوسف يعقوب بن عبد الله الشحام البصري رئيس المعتزلة بالبصرة في عصره، وله في مذهب الاعتزال مقالات مشهورة كان ولادته سنة سبع وأربعين ومأتين، وتوفي سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة ببغداد ودفن في مقابر البستان.

انظر: وفيات الأعيان: 4 / 267، روضات الجنات: 7 / 286، طبقات المعتزلة: 85 البداية والنهاية: 11 / 125.

(4) هو ابن الحسين محمد بن علي بن الطيب البصري المتكلم المعتزلي، وهو أحد أئمة المعتزلة الأعلام له تصانيف منها " المعتمد " و " تصفح الأدلة " و " غرر الأدلة " و " شرح الأصول الخمسة " و " كتاب في الإمامة " وغير ذلك، سكن بغداد وتوفي بها يوم الثلاثاء خامس شهر ربيع الآخر سنة ست وثلاثين وأربعمائة. أنظر: وفيات الأعيان: 4 / 271 وروضات الجنات: 7 / 349.

(5) أبو القاسم علي بن الحسين بن موسى بن محمد بن إبراهيم الشريف المرتضى. من أساطين علماء الشيعة وأحد الأئمة في علم الكلام والفقه والأدب والشعر ولد سنة 355 هـ وتوفي في بغداد سنة 436 هـ، وله تأليفات كثيرة منها: الشافي في الإمامة والانتصار والغرر والدرر وديوان شعر انظر: روضات الجنات: 4 / 294، تاريخ بغداد: 12 / 402، ميزان الاعتدال: 2 / 223.

(6) المقانب: مفردها مقنب، جماعة من الخيل تجتمع للغارة (المنجد).


الصفحة 58
فإن أهملها الباحث استظهرت عليه، وإن صمد لها رآها دون العزم الناهض فيما يقصد إليه تهوين منعت منه الحكمة والاعتبار، واستعداد يخالطه التصغير والاحتقار، فالقريحة معه - إذن - بين متجاذبين ضدين، ومتداعيين(1) حربين، وذلك مادة العناء وجادة الشقاء.


وليس العلى في منهل لذ شربهولكن بتتويج الجباه المتاعبا
مزايا لها في الهاشميين منزليجاوز معناها النجوم الثواقبا
إذا ما امتطى بطن اليراع أكفهمكفى غربه(2) سمر القنا والقواضبا

وأقول: إنك إذا تأملت تقرير قواعد كتاب الجاحظ، رأيته مبنيا على الباطل، إذ(3) سمى فرقة بالعثمانية، ثم جعل ينطق بغير الصواب عنها ملقحا(4) الفتن بينها وبين الفرقة " الإمامية "، متعديا قواعد " الحرورية "(5).

شرع يقرر إسلام أبي بكر وتقديمه على إسلام أمير المؤمنين - صلوات الله عليه - إذا كان إسلام علي - عليه السلام - لا عبرة به لصغره، وإن كان أول. هذا ظاهر في كلامه(6) وسوف أنازله إن شاء الله في ورده وصدره مقدما على ذلك أبياتا تليق بهذه المقامات، وتلتحق بها التحاق النجوم بالسماوات،

____________

(1) ق: متداعبين.

(2) الغرب بالفتح فالسكون: حد كل شئ وأوله. والقنا: الرمح، والقواضب: السيوف.

(3) ن: إذا.

(4) ن: ملقما.

(5) هم الغلاة في إثبات الوعيد والخوف على المؤمنين، والتخليد في النار مع وجود الإيمان وهم قوم من النواصب الخوارج ومن مفرداتهم أن من ارتكب كبيرة فهو مشرك ومذهب عامة الخوارج أنه كافر وليس بمشرك فقال بعضهم هو منافق في الدرك الأسفل من النار. وقيل لهم الحرورية لأنهم خرجوا إلى حروراء لقتال علي بن أبي طالب رضي الله عنه. الخطط المقريزية: 2 / 350.

(6) قال الجاحظ: لأنا قد علمنا بالوجه الصحيح، والشهادة القائمة أنه أسلم، وهو حدث غرير وغلام صغير، فلم نكذب الناقلين ولم نستطع أن ننزل أن إسلامه كان لاحقا بإسلام البالغين. العثمانية: 5.


الصفحة 59
فأقول:


رميت أبا عثمان نفسك ضلةبسهم متى يرشق يذقك المتألفا
تريد انتقاصا للنجوم ترفعتبعزم تخوم(1) تبتغي النجم خاطفا
زللت(2) وغرتك الدنا غير ناصحلنفسك للكأس الوبيئة راشفا
بكف لها من هاشم أي معصميفل بها يوم الزحام(3) المزاحفا
إذا قصدت منها البنان مغاورا(4)غدا عزمه من مأزم(5) الحرب صادفا
فلا فئة تحمي الشريد وقد جرىطريدا يضم الحتف منه المعاطفا(6)
مواقف لم يدرس على الدهر رسمهاهزمنا بها يوم اللقاء المواقفا

زعم الناصب أبو عثمان: أن الناس اختلفوا في إسلام أمير المؤمنين عليه السلام، فقال المكثر: إنه أسلم وله تسع سنين، وزعم المقلل: أنه أسلم وله خمس سنين(7)، وقال الناصب في ذلك غير الحق، فإن كان ما عرف فهو جد جاهل بالسيرة، ذو إقدام على القول من تلقاء نفسه، وإن كان عرف، وقال غير ما عرف فهو كذب صريح، دال على العصبية على أمير المؤمنين - عليه السلام -، وبغضه كفر بالنقل المعتبر.

بيان الأول:

ما رواه الشيخ الفاضل، الكبير، المعظم، العارف، الحافظ، الخبير، الناقد، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري،

____________

(1) التخوم: منتهى كل أرض (لسان العرب، مادة ت - خ - م).

(2) ق: ذللت.

(3) ن: الرخام.

(4) ن: مغادرا، والمغاور: من الرجال، الكثير الغارات (المنجد).

(5) المأزم: المضيق ومأزم القتال: موضعه إذا ضاق (لسان العرب مادة - أزم).

(6) المعطف: العنق (المنجد).

(7) العثمانية: 5.


الصفحة 60
الشاطبي(1) وهو غير متهم ونقلته من كتابي الذي اخترته منه، قال:

أخبرنا أبو القاسم خلف بن قاسم بن سهل - رحمه الله -، قال: حدثنا أبو الحسن علي بن محمد بن إسماعيل الطوسي، قال: حدثنا أبو العباس محمد بن إسحاق بن إبراهيم السراج، قال: حدثنا محمد بن مسعود، قال:

حدثنا عبد الرزاق، (قال)(2): حدثنا معمر، عن قتادة، عن الحسن قال:

أسلم علي - وهو أول من أسلم - وهو ابن خمس(3) عشرة سنة أو ست عشرة سنة(4).

____________

(1) هو أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي إمام عصره في الحديث والأثر، روى بقرطبة عن أبي القاسم خلف بن القاسم الحافظ وعبد الوارث بن سفيان وسعيد بن نصر وأبي محمد بن عبد المؤمن وغيرهم. قال القاضي أبو علي ابن سكرة: سمعت شيخنا القاضي أبا الوليد الباجي يقول: لم يكن بالأندلس مثل أبي عمر بن عبد البر في الحديث، وقال الباجي أيضا: أبو عمر أحفظ أهل المغرب، له مؤلفات منها: التمهيد والاستذكار والاستيعاب والدرر في اختصار المغازي والسير وغير ذلك والشاطبي نسبة إلى شاطبة من بلاد الأندلس، توفي أبو عمر يوم الجمعة آخر يوم من شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وستين وأربعمائة بمدينة شاطبة من شرق الأندلس، انظر: وفيات الأعيان: 7 / 66 تذكرة الحفاظ: 1128 والعبر: 3 / 255.

(2) لا توجد في المصدر.

(3) في المصدر: وهو ابن خمس أو ست عشرة سنة (4) ورواه عن عبد الرزاق أيضا أحمد بن حنبل في فضائله حديث 120 من باب فضائل أمير المؤمنين قال: حدثني عبد الرزاق، قال حدثنا معمر عن قتادة عن الحسن وغيره، أن عليا أول من أسلم بعد خديجة وهو يومئذ ابن خمس عشرة سنة أو ست عشرة سنة.

ورواه أيضا الحاكم في مستدركه: 3 / 111 وابن عساكر في تاريخ دمشق في ترجمة الإمام علي بن أبي طالب: 1 / 45، 46 وأورد البيهقي في سننه: 6 / 206 بسنده عن الحسن وغيره، قال:

وكان أول من آمن به علي بن أبي طالب عليه السلام وهو ابن خمس عشرة أو ست عشرة سنة.

وذكره الهيثمي في مجمعه: 9 / 102 نقلا عن الطبراني.

وذكر المحب الطبري في الرياض النضرة: 2 / 156.

ما لفظه: وعن الحسن، أسلم علي وهو ابن خمس عشرة سنة أو ست عشرة.

=>


الصفحة 61
قال وضاح(1): ما رأيت أحدا قط أعلم بالحديث من محمد بن مسعود، ولا(2) بالرأي من سحنون(3).

وذكر المشار إليه قبل هذا ما صورته:

قال الحسن الحلواني(4): وحدثنا عبد الرزاق، قال: حدثنا معمر عن قتادة، عن الحسن، قال أسلم علي وهو ابن خمس عشرة سنة(5).

وقال: عن ابن إسحاق، أول ذكر آمن بالله ورسوله علي بن أبي طالب وهو يومئذ ابن عشر سنين(6).

قال أبو عمر: قيل أسلم علي وهو ابن ثلاث عشرة سنة، [ وقيل: ابن اثنتي عشرة سنة، (وقيل: ابن خمس عشرة سنة)(7)(8) وقيل: ابن ست عشرة سنة، وقيل: ابن عشر.

____________

<=

وجاء في العقد الفريد: 2 / 194، قال: قال أبو الحسن أسلم علي وهو ابن خمس عشرة سنة، وهو أول من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.

وذكر الشيخ سراج الدين الغزنوي في كتابه الغرة المنيفة: 127: وقد قيل إن عليا رضي الله عنه كان وقت إسلامه بالغا ابن خمس عشرة سنة.

والخطيب التبريزي في إكمال الدين: 687 قال: هو أول من أسلم من الذكور في أكثر الأقوال، وقد اختلف في سنه يومئذ، قيل: كان له خمس عشرة سنة، وقيل، ستة عشرة، وقيل ثماني سنين، وقيل عشر سنين.

(1) في المصدر: ابن وضاح.

(2) في المصدر بزيادة: اعلم.

(3) الاستيعاب: 3 / 1093.

(4) في جميع النسخ: الحلوى والصحيح ما أثبتناه.

(5) الاستيعاب: 3 / 1093.

(6) الاستيعاب: 3 / 1093.

(7) ما بين القوسين لا يوجد في: ج.

(8) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ن.


الصفحة 62
وقيل: ابن ثمان(1).

وذكر عمر بن شبة، عن ابن المدائني(2) عن ابن جعدبة(3)، عن نافع، عن ابن عمر، قال: أسلم علي وهو ابن ثلاث عشرة سنة. قال:

وذكر أبو زيد عمر بن شبة، قال: حدثنا سريج بن النعمان، قال: حدثنا الوليد(4) بن السائب، عن ميمون بن مهران، عن ابن عمر، قال: أسلم علي بن أبي طالب وهو ابن ثلاث عشرة سنة وتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة.

قال أبو عمر: هذا أصح ما قيل في ذلك، وقد روي عن ابن عمر من وجهين جيدين(5).

وأما بيان الوجه الثاني من كون بغضته(6) كفرا، فيدل عليه:

ما رواه أحمد بن حنبل عن مسافر(7) الحميري، عن أبيه(8)، عن أم سلمة، تقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله - يقول لعلي - عليه السلام -: لا يبغضك مؤمن ولا يحبك منافق(9).

____________

(1) الاستيعاب: 3 / 1093.

(2) في المصدر: عن المدائني.

(3) كذا في المصدر وهو الصحيح وفي النسخ: ابن جعدة.

(4) في المصدر: الفرات.

(5) الاستيعاب: 3 / 1093 و 1095.

(6) ن: بغضه.

(7) المصدر: مساور.

(8) المصدر: عن أمه.

(9) فضائل الصحابة: 2 / 619 وبطريق ثان عن مسافر، في مسنده: 6 / 292 وذكر أحمد بن حنبل أيضا في مسنده: 1 / 127 قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه، قال: حدثنا وكيع، حدثنا الأعمش، عن عدي بن ثابت، عن زر بن حبيش، عن علي عليه السلام قال:

عهد النبي - صلى الله عليه و [ آله ] - إلي: أنه لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق.

=>


الصفحة 63
ومن الجمع بين الصحاح الستة لرزين العبدري من سنن أبي داود، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -: إنا كنا لنعرف المنافقين ببغضهم علي ابن أبي طالب - صلوات الله عليه -(1).

____________

<=

وذكره أيضا في فضائله: 2 / 563 حديث 948.

ومن الجمع بين الصحيحين للحميدي، الحديث التاسع من مسند أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - عليه السلام - من إفراد مسلم (على ما في عمدة ابن البطريق: 218) قال: عن زر بن حبيش، قال: قال علي - عليه السلام - والذي فلق الحبة وبرئ النسمة إنه لعهد النبي الأمي - صلى الله عليه وآله - إلي لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق.

وأورده أيضا أبو داود في صحيحه على ما في عمدة ابن البطريق: 218.

وذكر الهيثمي في مجمعه: 9 / 133 قال:

وعن ابن عباس قال: نظر رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم إلى علي - عليه السلام - فقال: لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق، من أحبك فقد أحبني، ومن أبغضك فقد أبغضني، وحبيبي حبيب الله، وبغيضي بغيض الله، ويل لمن أبغضك بعدي. ثم قال: رواه الطبراني في الأوسط.

وذكر أيضا في: 9 / 133 فقال:

وعن عمران بن الحصين، أن رسول الله - صلى الله عليه [ وآله ] وسلم - قال لعلي - عليه السلام -:

لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق، قال: رواه الطبراني في الأوسط.

(1) نقله عن الصحاح الستة ابن البطريق في عمدته: 218 والبحراني في غاية المرام: 610.

وذكر أحمد بن حنبل في فضائله: 2 / 579 فقال:

حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا أسود بن عامر، قال: حدثنا إسرائيل، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد الخدري قال: إنما كنا نعرف منافقي الأنصار ببغضهم عليا عليه السلام.

وفي: 2 / 639 من فضائله وبسنده عن جابر بن عبد الله، قال:

ما كنا نعرف منافقينا معشر الأنصار إلا ببغضهم عليا عليه السلام.

وذكره الترمذي في صحيحه: 2 / 299.

بسنده عن أبي سعيد الخدري، قال: إنا كنا لنعرف المنافقين - نحن معشر الأنصار - ببغضهم علي

=>


الصفحة 64
ومن الكتاب أيضا من صحيح البخاري بحذف الإسناد، قالت أم سلمة، قال النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم: لا يحب عليا منافق ولا يبغضه مؤمن(1).


*  *  *

____________

<=

ابن أبي طالب عليه السلام.

ورواه أيضا أبو نعيم في حلية الأولياء: 6 / 294.

وجاء في مستدرك الصحيحين: 3 / 129.

بسنده عن أبي عبد الله الجدلي، عن أبي ذر - رضوان الله تعالى عليه - قال: ما كنا نعرف المنافقين إلا بتكذيبهم الله ورسوله والتخلف عن الصلوات والبغض لعلي بن أبي طالب عليه السلام.

وذكره المتقي الهندي في كنز العمال: 6 / 39 والمحب الطبري في الرياض النضرة: 2 / 214.

وروى الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد: 3 / 153.

بسنده عن أبي الأحوص، قال: كنا عند ابن مسعود فتلا ابن عباس هذه الآية (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار...) إلى أن قال ابن عباس: (يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار) علي بن أبي طالب، كنا نعرف المنافقين على عهد رسول الله - صلى الله عليه [ وآله ] وسلم - ببغضهم علي بن أبي طالب عليه السلام.

وذكر ابن عبد البر في الاستيعاب: 2 / 464.

عن أبي الزبير، عن جابر، قال: ما كنا نعرف المنافقين إلا ببغض علي بن أبي طالب عليه السلام.

وذكره أيضا الهيثمي في مجمعه: 9 / 132 باختلاف في اللفظ يسير.

(1) الجمع بين الصحاح الستة: مخطوط.

وقد ذكر هذا الحديث بهذا اللفظ أيضا الترمذي في صحيحه: 2 / 299 وجاء في كنز العمال:

6 / 156.

لا يبغض عليا مؤمن ولا يحبه منافق.

وأيضا في: 6 / 158 من نفس الكتاب، قال: لا يحب عليا إلا مؤمن، ولا يبغضه إلا منافق ثم قال: أخرجه الطبراني عن أم سلمة.