الصفحة 65
ومن مسند ابن حنبل(1) في جملة حديث عن النبي عليه السلام(2) في علي بن أبي طالب، لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق، في غير ذلك من آثار عدة تركت إثباتها، إذ نحن في غير هذه المباحث.

وذكر ما حاصله:

(إن إسلامه مع قلة العمر تلقين القيم، ورياضة السائس، وعبد أن يكون في ذلك السن(3) هو تام العقل)(4).

وهي عصبية منه لا تستند إلى برهان، وإنما دأب الناصب تكثير الألفاظ مع قلة الحاصل منها وصدود(5) الحق عنها.

وادعى أنه يعلم أن طباعه كطباع حمزة(6)، غير مسند(7) ذلك إلى أمارة

____________

(1) ما في المسند هو بلفظ: لا يبغضك مؤمن ولا يحبك منافق أنظر المسند: 6 / 292.

وأما الحديث المذكور فقد رواه أحمد في فضائله: 2 / 622 حديث 1066 وأوله:

بسنده عن المطلب بن عبد الله بن حنطب، عن أبيه، قال: خطبنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم الجمعة، فقال: يا أيها الناس قدموا قريشا ولا تقدموها، وتعلموا منها ولا تعلموها، قوة رجل من قريش قوة رجلين من غيرهم، وأمانة رجل من قريش تعدل أمانة رجلين من غيرهم، يا أيها الناس أوصيكم بحب ذي أقربها، أخي وابن عمي علي بن أبي طالب، فإنه لا يحبه إلا مؤمن، ولا يبغضه إلا منافق، من أحبه فقد أحبني ومن أبغضه فقد أبغضني، ومن أبغضني عذبه الله عز وجل، قال: أخرجه ابن النجار.

أقول: وكذلك ورد في كنز العمال: 7 / 140، والرياض النضرة 2 / 213.

(2) ن: صلى الله عليه وآله.

(3) ن بزيادة: و.

(4) العثمانية: 7.

(5) ق: صدور.

(6) قال الجاحظ: فالمعلوم عندنا في الحكم وفي المغيب جميعا، أن طباعه كطباع عميه، حمزة والعباس. العثمانية: 9.

(7) ن: مستند.


الصفحة 66
فضلا عن دليل.

وتعلق بأن أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يدع ذلك(1).

والذي يرد على قول الناصب:

إن أبا عمرو المغربي الشاطبي قال: إن النبي عليه السلام قال عن علي، إنه أول أصحابي إسلاما(2)، فلو كان تلقينا لا مزية له في ذلك على غيره لما مدحه النبي عليه السلام بذلك.

وروى ذلك في إسناد متصل عن سلمان عن النبي عليه السلام(3) وأما أن عليا (ما تمدح(4) بوفور العقل وسداد الرأي المقررين(5) شرف إسلامه)(6) فيكفي في ذلك قوله - عليه السلام - متمدحا: إني أول من صلى

____________

(1) قال: وأعجب من ذلك أنه لم يدع هذا له أحد في دهره كما لم يدعه لنفسه. العثمانية: 11.

(2) الاستيعاب: 3 / 1099.

(3) قال ابن عبد البر: حدثنا أحمد بن قاسم، حدثنا قاسم بن أصبغ، حدثنا الحرث بن أبي أسامة، حدثنا يحيى بن هشام، حدثنا سفيان الثوري، عن سلمة بن كهيل، عن أبي صادق، عن خنيس بن المعتمر، عن عليم الكندي، عن سلمان الفارسي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه [ وآله ] وسلم -:

أولكم ورودا علي الحوض، أولكم إسلاما علي بن أبي طالب. انظر الاستيعاب: 3 / 1091.

(4) ن: يمدح.

(5) المقر ومن.

(6) العثمانية: 14.

وأيضا رواه الحاكم في المستدرك: 3 / 136.

بسنده عن سلمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم: أولكم واردا علي الحوض أولكم إسلاما علي بن أبي طالب.

وروى هذا الحديث أيضا الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد: 2 / 18 وابن الأثير في أسد الغابة:

4 / 17 والمتقي في كنز العمال: 6 / 400 والهيثمي في مجمعه: 9 / 102.

وجاء في مسند أحمد بن حنبل: 5 / 26.

بسنده عن معقل بن يسار قال: وضأت النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم ذات يوم، فقال:

=>


الصفحة 67
مع رسول الله - صلى الله عليه وآله -(1).

____________

<=

هل لك في فاطمة تعدوها؟ فقلت: نعم فقام متوكئا علي فقال: أما إنه سيحمل ثقلها غيرك ويكون أجرها لك، قال: فكأنه لم يكن علي شئ حتى دخلنا على فاطمة عليها السلام فقال لها: كيف تجدينك؟ قالت: والله لقد اشتد حزني واشتدت فاقتي، وطال سقمي، قال أبو عبد الرحمن: وجدت في كتاب أبي بخط يده في هذا الحديث قال: أو ما ترضين أني زوجتك أقدم أمتي سلما وأكثرهم علما وأعظمهم حلما.

الإصابة: ج 18 القسم 1 ص 118.

قال: وأخرج ابن مندة من رواية علي بن هاشم بن البريد، حدثتني ليلى الغفارية قالت: كنت أغزو مع النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم، فأداوي الجرحى، وأقوم على المرضى فلما خرج علي عليه السلام إلى البصرة خرجت معه، فلما رأيت عائشة أتيتها فقلت: هل سمعت من رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم فضيلة في علي عليه السلام؟ قالت: نعم، دخل على رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم وهو معي وعليه جرد قطيفة فجلس بيننا فقلت: أما وجدت مكانا هو أوسع لك من هذا؟ فقال النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم: يا عائشة، دعي لي أخي فإنه أول الناس إسلاما، وآخر الناس بي عهدا، وأول الناس لي لقيا يوم القيامة.

وجاء في أسد الغابة: (5 / 520) في سياق حديث ذكره إلى أن قال: فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم فقال: ما لك تبكين يا فاطمة؟ فوالله لقد أنكحتك أكثرهم علما، وأفضلهم حلما، وأولهم سلما وذكره في كنز العمال: 6 / 392.

وكذلك في الرياض النضرة: 2 / 182 في ضمن حديث ساقه إلى أن قال فقال: ما يبكيك؟ وقد زوجتك أقدمهم سلما وأحسنهم خلقا.

كنز العمال: 6 / 395 قال:

عن عمر قال: لن تنالوا عليا فإني سمعت رسول الله صلى عليه (وآله) وسلم يقول: ثلاثة لئن يكون لي واحدة منهن أحب إلي ما طلعت عليه الشمس، كنت عند النبي صلى الله عليه و (وآله) وسلم وعنده أبو بكر، وأبو عبيدة بن الجراح وجماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم فضرب بيده على منكب علي عليه السلام فقال: أنت أول الناس إسلاما، وأول الناس إيمانا، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى، قال: أخرجه ابن النجار.

كنز العمال: 5 / 153.

قال عن أبي إسحاق: إن عليا عليه السلام لما تزوج فاطمة عليها السلام، قال لها النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم: لقد زوجتكه وإنه لأول أصحابي سلما، وأكثرهم علما، وأعظمهم حلما، قال: أخرجه الطبراني.

(1) روى ذلك النسائي في خصائصه: ص 2.

=>


الصفحة 68
[ وروى المشار إليه: إن النبي عليه السلام ](1) استنبئ يوم الاثنين وصلى علي يوم الثلاثاء(2).

إذا عرفت هذا فتمدحه بالإسلام ينبئ أنه كان يرى ذلك فخرا تماما، وشرفا باذخا. ولو كان على سبيل التلقين تقليدا، غير بان له على قاعدة

____________

<=

بسنده عن حبة العرني، قال سمعت عليا عليه السلام يقول: أنا أول من صلى مع رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم.

ورواه أيضا أحمد بن حنبل في مسنده: 1 / 141 وابن سعد في طبقاته: ج 3 القسم 1 ص 13، وابن الأثير في أسد الغابة: 4 / 17.

وجاء في كنز العمال: 6 / 395، قال:

عن علي عليه السلام قال: أنا أول رجل صلى مع النبي صلى الله عليه و (آله) وسلم، قال أخرجه أبو داود الطيالسي، وابن أبي شيبة، وأحمد بن حنبل، وابن سعد.

وذكر الواحدي في أسباب النزول ص 182.

قال: قال الحسن والشعبي والقرطبي: نزلت الآية في علي عليه السلام، والعباس، وطلحة بن شيبة، وذلك أنهم افتخروا، فقال طلحة: أنا صاحب البيت بيدي مفتاحه وإلي ثياب بيته، وقال العباس: أنا صاحب السقاية والقائم عليها، وقال علي عليه السلام: ما أدري ما تقولان لقد صليت ستة أشهر قبل الناس وأنا صاحب الجهاد، فأنزل الله تعالى هذه الآية * (أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله...) * إلى آخر الآية.

وأيضا ذكره الطبري في تفسيره: 10 / 68 والرازي في تفسيره أيضا في ذيل تفسير الآية في سورة التوبة.

(1) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ن.

(2) الاستيعاب: 3 / 1095.

وذكر الترمذي في صحيحه: 2 / 300 بسنده عن أنس بن مالك قال: بعث النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم يوم الاثنين وصلى علي عليه السلام يوم الثلاثاء وقال: وروي هذا عن مسلم عن حبة عن علي عليه السلام.

وأورد ابن جرير الطبري في تاريخه: 2 / 55 بسنده عن جابر مثل ذلك وروى الحاكم في المستدرك: 3 / 112 بسنده عن بريدة، قال:

انطلق أبو ذر وساق الحديث (إلى أن قال): وأوحي إلى رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم يوم الاثنين، وصلى علي عليه السلام يوم الثلاثاء.


الصفحة 69
لذهب معنى التمدح به، وفي ذلك رد على الناصب.

وتعلق الناصب في كون إسلام أمير المؤمنين عليه السلام ما كان فرعا لتمام آرائه(1) وهو صبي، بأنه (لو كان كذلك لاحتج به)(2).

وذكر فنونا تجري في هذا الباب غثة(3)، ساقطة، ألفاظا(4) سمينة جدا(5)، هزيلة المعنى جدا، يسأمها اللبيب، ويعافها الأريب، ولولا أنه لا يليق بمن دخل في أمر أن يتعاجز عنه لرأيت ترك الخوض في هذا الوشل(6) المهين أولى من الدخول فيه، وأيضا فإن الخصم [ و ](7) ذا الذهن الغال(8) قد يؤثر عنده كلام الهازل، ويقرر عنده قواعد الباطل.

والجواب عما قال:

بما أن من أعيان الصحابة من كان يناظر رسول الله - صلى الله عليه وآله - فيما يأمر به، ويرد عليه وهو حي بين أظهرهم، في عز رئاسة ينافس عليها، وإمامة يسارع إليها، فكيف يؤثر قول علي - عليه السلام - بعده، في شئ، حاصله الدفع عن مراتب الملك وتسنم درجات العز؟

ونتنزل(9) عن هذا ونقول للناصب:

وأنت بالآخرة معرض عن موالاة أمير المؤمنين - عليه السلام - وموآزرته

____________

(1) ج: أرابه.

(2) العثمانية: 10 نقله بالمعنى.

(3) ق ون: عنه.

(4) ن: ألفاظ.

(5) ن: جسدا.

(6) الوشل: الماء القليل.

(7) لا توجد في: ن.

(8) ن: الغافل.

(9) ق: ننزل وفي ج: ينزل.


الصفحة 70
مع كون الانحراف عنه كفرا.

وبعد: فإن أبلغ ما كان يقول أمير المؤمنين - صلوات الله عليه -(1) [ في مدح فطنته وطباعه ](2): إني كنت أيام الصبوة صحيح الذهن، مقوم الفطنة، وأي وازع(3) هذا للخصم عن مخاصمته(4) على الملك، ومصادمته عن مراتب المجد،؟ بل لو ذكر هذا، كان بمقام الطرد له عن الرئاسة، والدفع له عن الإمامة، إذ هو تعلق غث، يضع المتعلق به، ويهبط درجات المتمسك بهديه.

قال الناصب: (ولو أن عليا كان أيضا بالغا لكان إسلام زيد(5) وخباب(6) أفضل من إسلامه، لأن الرجلين تركا المألوف وعلي نشأ على

____________

(1) ق: فإن أبلغ ما كان أمير المؤمنين صلوات الله عليه يقول... إلى آخره.

(2) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ن.

(3) ن: رادع.

(4) ن بزيادة: في مدح فطنته وطباعه.

(5) هو زيد بن حارثة بن شراحيل، من أوائل المسلمين، زارت سعدى أم زيد قومها وزيد معها، فأغارت خيل لبني القين بن جسر في الجاهلية على أبيات بني معن، فاحتملوا زيدا وهو غلام فأتوا به في سوق عكاظ، فعرضوه للبيع فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة بأربعمائة درهم، فلما تزوجها رسول الله - صلى الله عليه وآله - وهبته له، وتبناه رسول الله صلى الله عليه وآله وزوجه بنت عمته زينب بنت جحش. وقد ورد اسمه في القرآن المجيد، أمره رسول الله - صلى الله عليه وآله - على غزوة مؤتة واستشهد فيها وهو ابن خمس وخمسين سنة. انظر:

الإصابة: 1 / 563.

(6) هو خباب بن الأرت، بن جندلة، بن سعد، بن خزيمة، بن كعب، أبو عبد الله كان من السابقين الأولين، ومن المستضعفين، قيل: إنه أسلم سادس ستة وعذب عذابا شديدا لأجل ذلك. روى الطبراني من طريق زيد بن وهب، قال: لما رجع علي من صفين مر بقبر خباب، فقال: رحم الله خبابا، أسلم راغبا، وهاجر طائعا، وعاش مجاهدا، وابتلي في جسمه أحوالا، ولن يضيع الله أجره. وشهد خباب بدرا وما بعدها، ونزل الكوفة ومات بها سنة سبع وثلاثين. انظر: الإصابة: 1 / 416.


الصفحة 71
الإسلام)(1) والذي يقال للناصب(2): إنه ما كفاه الانحراف عن أمير المؤمنين حتى ضم إلى ذلك، الانحراف عن رسول الله - صلى الله عليه وآله - يناظره ويقاهره.

بيانه: أن رسول الله - صلى الله عليه وآله - على ما رويناه عن صاحب كتاب " الإستيعاب " وهو مروي من طريق غيره - أثنى على أمير المؤمنين - صلوات الله عليه - بتقدم إسلامه، وإذا كان إسلامه في حال الطفولية بمقام الشرف على غيره، فكيف ما إذا كان إسلامه بعد انتظام سداده وتمام رشاده؟.

ثم إن التعلق الذي تعلق به باغض أمير المؤمنين، ضعيف من جهة الاعتبار بما أن أمير المؤمنين قبل الإسلام كان يخالط الكفار كما يخالطهم زيد وخباب ويسمع مقالتهم كما يسمعها الرجلان، فإن كان، والحال هذه - عنده(3) من(4) السداد التام والنقد المعتبر ما لا يعتد بما سمع(5)، فهذه مرتبة له شريفة نفسانية قدسية، تعاف مهابط الخطأ، وتترك مساقط الضلال، يفضل بها من سواه، ويعلو(6) بها قذال غيره، وإن كان لا ينفر عنها(7) ولا يوافق عليها فهو أيضا نوع شرف يفوق به غيره، ويتميز به على من سواه.

وأي منقبة لمن رجع عن عبادة الأصنام، وخدمة الأوثان، وقد بلغ رشده، وعرف قصده إلى خدمة الصانع الأزلي الأبدي؟ هل هذا عند من

____________

(1) العثمانية: 22.

(2) في النسخ: على الناصب.

(3) ق: فله.

(4) ج: فمن.

(5) ن: يسمع.

(6) ن: يعلق.

(7) ق: عليها.


الصفحة 72
عقل من المناقب البليغة في شئ أو مما يستطرف؟

قال عدو أمير المؤمنين - صلوات الله عليه -: (ولو كان علي أسلم بالغا مدركا، [ و ](1) كان مع إدراكه وبلوغه كهلا، كان إسلام زيد، وخباب، أفضل من إسلامه لأن من أسلم وهو يعلم أن له ظهرا كأبي طالب، وردءا كبني هاشم، ليس كغيره(2).(3) ولم أحك فص(4) كلامه، لأنه حشو بغيض، غمام لا غيث فيه، وقشر لا لب يقارنه ويدانيه.

والجواب عنه: بما أنه كان ينبغي أن يقرر أن عليا - صلوات الله عليه - لو خلا من أبي طالب لوقف عن الإسلام، وإذا لم يفعل ذلك فقد فجر إذ حكم على غيب، وادعى مشاركة إله الوجود في خاص صفات مجده، وهو كفر.

ثم ما يدريه أن خبابا وزيدا ما كانا آمنين بجوار بعض رؤساء الكفار، كما كان غيرهما آمنا بذلك من أذى المشركين؟ ثم ما يدريه أنهما لما أسلما كانا(5) بمقام إظهار الإسلام؟. والإشكال إنما يتوجه بذلك.

ثم ما يدري مبغض أمير المؤمنين، عدو رسول الله، بل عدو الله، إذ قد روى ابن حنبل وغيره أن رسول الله - صلى الله عليه وآله - قال: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه(6)، إن زيدا وخبابا كانا(7) مقيمين بين كفار متعصبين

____________

(1) لا توجد الواو في: ن.

(2) ن: لغيره.

(3) العثمانية: 23.

(4) ن: نص.

(5) ن: كان.

(6) فضائل الصحابة: 2 / 599 ح 1022 و 610 ح 1042 وسوف يأتي ذكر طرق هذا الحديث مفصلا فانتظر.

(7) ن: كان.


الصفحة 73
على رسول الله - صلى الله عليه وآله - وهذا، إن كان كما قلت فالإشكال زائل، وإن لم يكن فقد كان ينبغي أن ينبه عليه ليتم تعلقه.

وزعم مؤذي أمير المؤمنين - عليه السلام -، بل مؤذي رسول الله - صلى الله عليه وآله - بالنقل الثابت من طريق الخصم عن رسول الله - صلى الله عليه وآله - أنه قال: من آذى عليا فقد آذاني(1)، وصورة ما اعتمد المشار إليه أذى

____________

(1) فقد روى هذا الحديث جملة من علماء العامة، نشير إلى بعض منها، فقد رواه أحمد بن حنبل في فضائله: 2 / 633 ح 1078.

وروى الحاكم في المستدرك: 3 / 122.

بسنده عن عمرو بن شاس الأسلمي - وكان من أصحاب الحديبية - قال خرجنا مع علي عليه السلام إلى اليمن فجفاني في سفره ذلك حتى وجدت في نفسي، فلما قدمت أظهرت شكايته في المسجد، حتى بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم، قال: فدخلت المسجد ذات غداة ورسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم في ناس من أصحابه، فلما رآني أبدني عينيه - يقول:

حدد إلي النظر - حتى إذا جلست قال: يا عمرو أما والله لقد آذيتني فقلت: أعود بالله أن أؤذيك يا رسول الله، قال: بلى من آذى عليا فقد آذاني.

ورواه أيضا أحمد بن حنبل في مسنده: 3 / 483، وابن الأثير في أسد الغابة: 4 / 113، وابن حجر في الإصابة: ج 4 القسم 1 ص 304، وقال: أخرجه أحمد والبخاري في تاريخه وابن حبان في صحيحه وابن مندة.

وأورده أيضا ابن عبد البر في الاستيعاب بطريقين: 2 / 442، والمتقي في كنز العمال: 6 / 152 و 4 / 400، والهيثمي في مجمعه: 9 / 129. وقال: رواه أحمد والطبراني باختصار.

وذكره أيضا المحب الطبري في الرياض النضرة: 2 / 165.

وذكر الهيثمي في مجمعه: 9 / 128 قال:

وعن سعد بن أبي وقاص قال: كنت جالسا في المسجد أنا ورجلين معي، فنلنا من علي فأقبل رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم غضبان يعرف في وجهه الغضب، فتعوذت بالله من غضبه، فقال: ما لكم وما لي؟ من آذى عليا فقد آذاني.

وذكر هذا أيضا ابن حجر في صواعقه: ص 73، والشبلنجي في نور الأبصار ص 72.

وذكر المحب الطبري في ذخائر العقبى: 65.

قال: وعنه - أي عن عمرو بن شاس الأسلمي - قال: قال رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم: من أحب عليا فقد أحبني، ومن أبغض عليا فقد أبغضني، ومن آذى عليا فقد آذاني.

ومن آذاني فقد آذى الله عز وجل، قال: أخرجه أبو عمر النمري.


الصفحة 74
لأمير المؤمنين فتبرهن ما قلته.

قال المشار إليه: (وإسلام أبي بكر أفضل من إسلام زيد وخباب لأنهما كانا مغمورين وكان أبو بكر ظاهرا، معروفا، فإسلامه أجمل(1)، وأنبل، والناس إلى قوله أميل)(2).

وادعى: (أن أبا بكر كان له مال، وأن عتبة بن ربيعة(3) كان فقيرا، وأنه كان يغشاه)(4) ولم يبرهن على شئ من ذلك بنقل من سيرة معروفة، وكتاب مشهور، وقد أظهرنا كذبه في مقدمة(5) عمر أمير المؤمنين عليه السلام، أو بغضته، ومن كان بهذه الصفة فدعواه(6) غير متقبلة، وحكايته جد مهملة، وقد أكثر أصحابنا الطعن على دعوى عتبة، وأنه كان خياطا.

ونقول مع هذا(7) ما يدري مفارق علي، بل مفارق رسول الله - صلى الله عليه وآله - بل مفارق الله، أن خبابا لو كان بحال أبي بكر ما كان يكون كحالهما في الإسلام، إذ البرهان إنما يتقرر حيث يريد الإثبات بهذا.

وأما قوله: (إن الناس كانوا إلى إسلامه أميل) فمما يحتاج إلى دليل.

والدليل على صواب ما رميت به صاحب " الرسالة " ما نقلته من كتاب

____________

(1) ن: أكمل.

(2) العثمانية: 24 نقله بالمعنى.

(3) هو عتبة بن ربيعة بن خالد بن معاوية البهراني حليف الأوس وهو من بني بهز من امرئ القيس، قيل إنه شهد بدرا وذكر بعض أنه شهد اليرموك وكان من الأمراء، أنظر: الإصابة: 2 / 453.

(4) العثمانية: 25 و 26.

(5) ن: مقدار.

(6) ن: فدعاويه.

(7) ن بزيادة: أيضا.


الصفحة 75
" فضائل علي " عليه السلام رواية ولده عنه(1) ما صورته:

قال [ و ](2) حدثني أبي، قال:(3) حدثني(4) ابن نمير، قال حدثنا عامر بن السبط، قال حدثنا(5) أبو الجحاف، عن معاوية بن ثعلبة عن أبي ذر الغفاري، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه (وآله) -(6) يا علي إنه من فارقني فقد فارق الله، ومن فارقك فقد فارقني(7).

وزعم: (أن أبا بكر - رضوان الله عليه - كان داعية رسول الله - صلى الله عليه وآله -)(8) وليس هذا مما نحن فيه من تقدم الإسلام، أو شرف

____________

(1) يعني: أحمد بن حنبل.

(2) لا توجد في المصدر ولا في، ن.

(3) ن بزيادة: و.

(4) في المصدر: حدثنا.

(5) في المصدر: حدثني.

(6) ن بزيادة: وسلم تسليما.

(7) فضائل الصحابة 2 / 570 ح 962 وقد روى هذا الحديث جماعة من العامة منهم:

الحاكم في المستدرك: 3 / 123 بسنده عن معاوية بن ثعلبة عن أبي ذر قال: قال النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم: يا علي من فارقني فقد فارق الله، ومن فارقك يا علي فقد فارقني.

وذكره أيضا الذهبي في ميزان الاعتدال 1 / 323 والهيثمي في مجمعه: 9 / 135 والمحب الطبري في الرياض النضرة: 2 / 167.

وقال الهيثمي في مجمعه: 9 / 128.

وعن بريدة قال: بعث رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم عليا عليه السلام أميرا على اليمن وبعث خالد بن الوليد على الجبل فقال: إن اجتمعتما فعلي عليه السلام على الناس، فالتقوا وأصابوا من الغنائم (إلى أن قال): فخرج - يعني النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم - فقال:

ما بال أقوام ينتقصون عليا، من تنقص عليا فقد تنقصني، ومن فارق عليا فقد فارقني، إن عليا مني وأنا منه، خلق من طينتي وخلقت من طينة إبراهيم... إلى آخره.

وجاء في كنز العمال: 6 / 156 أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: من فارق عليا فارقني، ومن فارقني فقد فارق الله، قال: أخرجه الطبراني عن ابن عمر.

(8) العثمانية: 26.


الصفحة 76
مقامات الإسلام في شئ، إذ للفضائل والتفاخر مقام غير هذا المقام، مع أن الإسكافي أجاب عن هذا الكلام بما هو معروف(1):

____________

(1) قال أبو جعفر الإسكافي (في رده على عثمانية ص 313):

ما أعجب هذا القول، إذ تدعي العثمانية لأبي بكر الرفق في الدعاء وحسن الاحتجاج وقد أسلم ومعه في منزلة ابنه عبد الرحمن فما قدر أن يدخله الإسلام طوعا برفقه ولطف احتجاجه، ولا كرها بقطع النفقة عنه وإدخال المكروه عليه، ولا كان لأبي بكر عند ابنه عبد الرحمن من القدر ما يطيعه فيما يأمره به ويدعوه إليه، كما روي أن أبا طالب فقد النبي صلى الله عليه وآله يوما وكان يخاف عليه من قريش أن يغتالوه فخرج ومعه ابنه جعفر يطلبان النبي صلى الله عليه (وآله)، فوجده قائما في بعض شعاب مكة يصلي وعلي عليه السلام معه عن يمينه، فلما رآهما أبو طالب قال لجعفر: تقدم وصل جناح ابن عمك! فقام جعفر عن يسار محمد صلى الله عليه (وآله) وسلم فلما صاروا ثلاثة تقدم رسول الله صلى الله عليه وآله وتأخر الأخوان، فبكى أبو طالب وقال:


إن عليا وجعفرا ثقتيعند ملم الخطوب والنوب
لا تخذلا وانصرا ابن عمكماأخي لأمي من بينهم وأبي
والله لا أخذل النبي ولايخذله من بني ذو حسب

فتذكر الرواة أن جعفرا أسلم منذ اليوم لأن أباه أمره بذلك وأطاع أمره، وأبو بكر لم يقدر على إدخال ابنه عبد الرحمن في الإسلام، حتى أقام بمكة، على كفره ثلاث عشرة سنة، وخرج يوم أحد في عسكر المشركين ينادي: أنا عبد الرحمن بن عتيق هل من مبارز!! ثم مكث بعد ذلك على كفره حتى أسلم عام الفتح، وهو اليوم الذي دخلت فيه قريش في الإسلام طوعا وكرها، ولم يجد أحد منها إلى ترك ذلك سبيلا.

وأين كان رفق أبي بكر وحسن احتجاجه عند أبيه أبي قحافة وهما في دار واحدة؟ هلا رفق به ودعاه إلى الإسلام فأسلم، وقد علمتم أنه بقي على الكفر إلى يوم الفتح فأحضره ابنه عند النبي صلى الله عليه وآله وهو شيخ كبير رأسه كالثغامة فنفر رسول الله صلى الله عليه وآله منه وقال:

غيروا هذا فخضبوه ثم جاءوا به مرة أخرى فأسلم، وكان أبو قحافة فقيرا مدقعا سيئ ا لحال وأبو بكر عندهم كان مثريا فائض المال، فلم يمكنه استمالته إلى الإسلام بالنفقة والإحسان.

وقد كان امرأة أبي بكر أم عبد الله ابنه - واسمها نملة بنت عبد العزى بن أسعد بن عبد ود العامرية - لم تسلم وأقامت على شركها بمكة، وهاجر أبو بكر وهي كافرة، فما نزل قوله تعالى * (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) * فطلقها أبو بكر. فمن عجز عن ابنه وأبيه وامرأته فهو عن

=>


الصفحة 77
و [ أما ](1) أنا فأرى التباعد عند قذف خلصاء الصحابة والتنازح(2) عن التعرض بالقرابة(3).

قال المخذول عند الله - تعالى - بدليل ما رواه الخوارزمي أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: اللهم انصر من نصره واخذل من خذله(4) ما صورته:

(ولا سواء إسلام من أسلم [ على ](5) أن يمون ويكلف، وإسلام من كان يمان قبل إسلامه ويكلف بعد إسلامه، وفرق بين الكهل الدافع والحدث، وأن أبا بكر كان يلقى في الله ورسوله ما لم يكن علي يلقاه)(6).

هذا شئ من معنى كلامه متعصبا على أمير المؤمنين - عليه السلام - ويكفيه في الجواب بعد ثبوت ما ظهر من انحرافه عن أمير المؤمنين - عليه السلام - قوله تعالى: * (إن الذين يؤذون الله ورسوله) *. إلى قوله تعالى:

* (مهينا) *(7).

[ وقد سبق تنبيه على هذا، ويزيده وضوحا ما رواه أبو المؤيد الخوارزمي عن عمر بن خالد، عن زيد بن علي، قال: حدثني وهو آخذ

____________

<=

غيرهم من الغرباء أعجز ومن لم يقبل منه أبوه وابنه وامرأته لا برفق واحتجاج ولا خوفا من قطع النفقة عنهم وإدخال المكروه عليهم فغيرهم أقل قبولا منه وأكثر خلافا عليه.

(1) أضفنا الكلمة ليستقيم الكلام.

(2) تنازح: بعد.

(3) ن: للقرابة.

(4) مناقب الخوارزمي: 80، 94 وفي ن بزيادة: إلى آخره.

(5) لا توجد في: ن.

(6) العثمانية: 26 و 27.

(7) في ن: الآية كلها مثبتة * (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم اللهم في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا) * الأحزاب: 57.


الصفحة 78
بشعره، قال: حدثني أبي علي بن الحسين عليه السلام، وهو آخذ بشعره، قال حدثني حسين بن علي وهو آخذ بشعره، قال: حدثني علي بن أبي طالب عليه السلام وهو آخذ بشعره، قال: حدثني رسول الله صلى الله عليه وآله هو آخذ بشعره قال: يا علي من آذى شعرة منك(1) فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله لعنه ملك السماوات والأرض(2).

وتقرير ذلك بما يأتي من الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال لعلي: أنت مني بمنزلة رأسي من بدني ورواه(3) صاحب كتاب الاستيعاب ](4).

والجواب عما قاله: أنه أحال على دعوى في أن أبا بكر - رضوان الله عليه - كان يلقى في الله ورسوله ما لم يكن علي يلقاه، ولئن سلمنا ذلك فليس هذا من العلم بأن إسلام أبي بكر [ أشرف من إسلام علي إلا بعد أن يثبت بالبرهان أن أبا بكر ](5) لما أسلم علم أو غلب على ظنه أنه يؤذى، وأن أمير المؤمنين علم أو غلب [ على ظنه ](6) أنه لا يؤذى، بل الذي كان يظهر

____________

(1) ن: قال من شعرة مني فقد آذاني.

(2) في المصدر: مل ء السماوات ومل ء الأرض، انظر مناقب الخوارزمي: 235 باختلاف في اللفظ يسير.

(3) ن: وروى.

والحديث لم أجده في الاستيعاب في الطبعة التي عندي ولكن الحديث رواه باللفظ المذكور أعلاه أو بلفظ: " علي مني مثل رأسي من بدني " أو بلفظ " علي مني كرأسي من بدني " جماعة منهم: ابن المغازلي في مناقبه: 92 رواه باللفظين والخوارزمي في مناقبه: 86 و 89 والهيثمي في الصواعق المحرقة: 75 والخطيب في تاريخ بغداد: 7 / 12 والمحب في الرياض النضرة 2 / 162 وذخائر العقبى: 63 والقندوزي في ينابيع المودة: 185 و 284.

(4) ما بين المعقوفتين فقط في: ن.

(5) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ن.

(6) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ن.


الصفحة 79
غير ذلك، إذ أمير المؤمنين ورسول الله - صلوات الله عليهما - كانا فيما أتياه بمقام المتعرضين للفتك بهما، لأنهما أصل القاعدة في تغيير سنن الشرك، فإقدامه على الإسلام بدءا تعرض للتلف(1). و [ أما ](2) أن أبا طالب كان منيعا في قومه، فمن عرف السيرة عرف أن بني هاشم لم يكونوا بمقام المقاومة(3) للمشركين كافة من قريش وغيرهم بل من بطون قريش عدا بني هاشم، فلو اغتالا رسول الله - صلى الله عليه وآله - وعليا، عجز بنو هاشم عن(4) مصارمتهم(5) ومصادمتهم، وخاصة إذا كان الفاتك بهما غير مشهور، والقاصد إليهما بالاغتيال غير معلوم.

وفيما أوردته وأورده - إن شاء الله تعالى - على صاحب " الرسالة " أنه إن كان بمقام(6) مذعن(7) بما(8) قلت وحاد عنه، فهو مبغض لا محالة فيكفيه وعيد بغضة(9) أمير المؤمنين - صلوات الله عليه -، وإن كان بمقام جاهل فهو حال في مقام المحذور إذ دخل في باب مخطر من غير أن يعرف [ ما ينتهي ](10) خطره إليه، فالرزية قلادة المذكور بين معرفته وجهالته.

وأما (أن أبا بكر أسلم على أن يمون ويكلف، وكون علي كان يمان

____________

(1) ق: بالتلف.

(2) فقط في: ن.

(3) ن: المقدم.

(4) ن: عند.

(5) المصارمة: المقاطعة (المنجد).

(6) ق: مقام.

(7) ن: من على.

(8) في جميع النسخ: ما قلت.

(9) ن: بغضته.

(10) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ق.