____________
(1) ن بزيادة: كان.
(2) ذكر الصدوق رحمه الله في أماليه: 72 قال:
حدثنا عبد الله بن النضر بن سمعان التميمي الخرقاني (رحمه الله)، قال حدثنا جعفر بن محمد المكي، قال: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن إسحاق المدايني عن محمد بن زياد، عن مغيرة عن سفيان، عن هشام بن عروة، عن أبيه عروة بن الزبير، قال: كنا جلوسا في مجلس في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فتذاكرنا أعمال أهل بدر، وبيعة الرضوان، فقال أبو الدرداء: يا قوم ألا أخبركم بأقل القوم مالا، وأكثرهم ورعا، وأشدهم اجتهادا في العبادة؟ قالوا: من؟ قال: علي بن أبي طالب، قال: فوالله إن كان في جماعة أهل المجلس إلا معرض عنه بوجهه، ثم انتدب له رجل من الأنصار، فقال له: يا عويمر لقد تكلمت بكلمة ما وافقك عليها أحد منذ أتيت بها، فقال أبو الدرداء: يا قوم، إني قائل ما رأيت، وليقل كل قوم منكم ما رأوا، شهدت علي بن أبي طالب بشويحطات النجار، وقد اعتزل عن مواليه، واختفى ممن يليه، واستتر بمغيلات النخل فافتقدته وبعد علي مكانه، فقلت لحق بمنزلة، فإذا أنا بصوت حزين، ونغمة شجي، وهو يقول: إلهي كم من موبقة حملت عني فقابلتها بنعمتك، وكم من جريرة تكرمت عن كشفها بكرمك، إلهي إن طال في عصيانك عمري، وعظم في الصحف ذنبي فما أنا مؤمل غير غفرانك. ولا أنا براج غير رضوانك، فشغلني الصوت، واقتفيت الأثر، فإذا هو علي بن أبي طالب بعينه، فاستترت له، فأخملت الحركة، فركع ركعات في جوف الليل الغابر، ثم فزع إلى الدعاء والبكاء والبث والشكوى، فكان مما به الله ناجى أن قال: إلهي، أفكر في عفوك فتهون علي خطيئتي، ثم أذكر العظيم من أخذك فتعظم علي بليتي، ثم قال: آه، إن أنا قرأت في الصحف سيئة أنا ناسيها، وأنت محصيها، فتقول، خذلوه، فيا له من مأخوذ لا تنجيه عشيرته، ولا تنفعه قبيلته، يرحمه الملأ إذا أذن فيه بالنداء، ثم قال: آه، من نار تنضج الأكباد والكلى، آه من نار نزاعة للشوى، آه من غمرة من ملهبات لظى.
قال ثم: انغمر في البكاء، فلم أسمع له حسا ولا حركة، فقلت غلب عليه النوم لطول السهر، أوقظه لصلاة الفجر، قال أبو الدرداء: فأتيته فإذا هو كالخشبة الملقاة، فحركته فلم يتحرك، وزويته فلم ينزو، فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، مات والله علي بن أبي طالب، قال: فأتيت منزله مبادرا أنعاه إليهم، فقالت فاطمة: يا أبا الدرداء ما كان من شأنه ومن قصته
=>
وأما الأنساب، فله الصفوة منها(2).
وأما الفضائل الباطنة، فيدل عليها قرائن أحواله - صلى الله عليه - وميمون سيرته، وأنه كان لا يغضي على شئ يقتضي مخالفة رسم الله إلا أن يكون مقهورا عند إغضائه ومساهلته، وقد تضمنت الآثار النبوية من ذلك فنونا معروفة، ينقلها المخالف لنا(3) وبينها وبين الذي ذهب إليه أبو
____________
<=
فأخبرتها الخبر، فقالت: هي والله يا أبا الدرداء الغشية التي تأخذه من خشية الله، ثم أتوه بماء
فنضحوه على وجهه فأفاق، ونظر إلي وأنا أبكي فقال: مما بكاءك يا أبا الدرداء؟ فقلت: مما
أراه تنزله بنفسك، فقال: يا أبا الدرداء ولو رأيتني ودعي بي إلى الحساب، وأيقن أهل الجرائم
بالعذاب، واحتوشتني ملائكة غلاظ، وزبانية فظاظ، فوقفت بين يدي الملك الجبار، قد
أسلمني الأحباء، ورحمني أهل الدنيا، لكنت أشد رحمة لي بين يدي من لا تخفى عليه خافية،
فقال أبو الدرداء فوالله ما رأيت ذلك لأحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وآله
وسلم -.
(1) هو عويمر بن عامر، وقيل هو عويمر بن قيس بن زيد وقيل غير ذلك، شهد أحدا وما بعدها من
المشاهد، وقيل لم يشهد أحدا لأنه تأخر إسلامه، وشهد الخندق ومما بعدها من المشاهد، ولي
القضاء بدمشق من قبل عمر، وقيل بل ولاه عثمان والأمير معاوية، مات سنة 32 وقيل 31.
انظر: الاستيعاب: 3 / 1227.
سير أعلام النبلاء: 2 / 335. تهذيب التهذيب: 8 / 175.
(2) ويكفينا في ذلك قول ابن أبي الحديد في شرح النهج: 1 / 29 فإنه قال:
وما أقول في رجل أبوه أبو طالب سيد البطحاء، وشيخ قريش، ورئيس مكة، قالوا: قل أن
يسود فقير وساد أبو طالب، وهو فقير لا مال له، وكانت قريش تسميه الشيخ. (إلى أن قال)
وله مع شرف هذه الأبوة، أن ابن عمه محمد سيد الأولين والآخرين، وأخاه جعفر ذو الجناحين
الذي قال له رسول الله - صلى الله عليه وآله -: اشبهت خلقي وخلقي، فمر يحجل فرحا،
وزوجته سيدة نساء العالمين، وابنيه سيدا شباب أهل الجنة، فآباءه آباء رسول الله، وأمهاته
أمهات رسول الله، وهو مسوط بلحمه ودمه، لم يفارقه منذ خلق الله آدم، إلى أن مات
عبد المطلب بين الأخوين عبد الله وأبي طالب، وأمهما واحدة، فكان منهما سيدا الناس هذا الأول
وهذا التالي، وهو المنذر وهذا الهادي.
(3) المتقي الهندي في منتخب كنز العمال (المطبوع بهامش المسند 5 / 449 ط مصر):
=>
فأما ضلال(1) أبي عثمان وتكذيبه، أو صواب(2) الرد على رسول الله - صلى الله عليه وآله -، والثاني باطل، فتعين الأول.
وادعى الراد على رسول الله - صلى الله عليه وآله -: (إن محنة أمير
____________
<=
عبد الواحد الدمشقي، قال: نادى حوشب الحميري عليا يوم صفين، فقال: انصرف عنا
يا ابن أبي طالب، فإنا ننشدك الله في دمائنا، فقال علي: هيهات يا ابن أم ظليم، والله لو
علمت أن المداهنة تسعني في دين الله لفعلت، ولكان أهون علي في المؤنة، ولكن الله لم يرض
من أهل القرآن بالإدهان والسكوت والله يقضي.
ابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة: 46 (ط الغري): قال:
وعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: أتيت عليا رضي الله عنه بعد مبايعة الناس له،
فوجدت المغيرة بن شعبة مستخليا به، فقلت له بعد أن خرج عنه: ما كان يقول لك هذا؟
فقال: قال لي قبل يومه: إن لك حق الطاعة والنصيحة، وأنت بقية الناس، وإن الرأي اليوم
يحرز ما في غد، وإن الضياع اليوم يضيع به ما في غد، وأشير عليك بشور وهو أن تقرر معاوية
وابن عامر، وعمال عثمان على عملهم، حتى تأتيك بيعتهم وتسكن الناس، ثم اعزل من
شئت منه، وابق من شئت فأبيت عليه ذلك، وقلت: لا أداهن في ديني، ولا أعطي الدنية
في أمري، قال: فإن كنت أبيت علي، فانزع من شئت واترك معاوية، فإن لمعاوية جرأة، وهو
في أهل الشام يطيعونه ويسمعون منه، وذلك حجة في إبقاءه، فإن عمر بن الخطاب ولاه الشام
في خلافته، فقلت: لا والله لا استعمل معاوية يومين فانصرف من عندي.
ابن أبي الحديد في شرح النهج: 2 / 86 (ط مصر) قال:
وأما النجاشي فإنه شرب الخمر في شهر رمضان، فأقام علي عليه السلام الحد عليه، وزاده
عشرين جلدة، فقال النجاشي: ما هذه العلاوة؟ قال: لجرأتك على الله في شهر
رمضان - فهرب النجاشي إلى معاوية، وأما رقبة ابن مصقلة، فإنه ابتاع سبي بني ناجية،
وأعتقهم وألط بالمال. وهرب إلى معاوية، فقال عليه السلام: فعل فعل السادة، وأبق أباق
العبيد، وليس تعطيل الحدود، وإباحة حكم الدين وإضاعة مال المسلمين، من التألف
والسياسة، لمن يريد وجه الله تعالى، والتزم بالدين ولا يظن بعلي - عليه السلام - التساهل
والتسامح في صغير من ذلك ولا كبير.
(1) ن: لضلال.
(2) ن: لصواب.
وقد بينا أن أمير المؤمنين - عليه السلام - كان الممتحن قبل الهجرة، وجماعة بني هاشم، ثم الممتحن يبذل روحه، يقي بها رسول الله - صلى الله عليه وآله - حتى فضله الله تعالى بذلك على جبرئيل وميكائيل، حسب ما رواه الخصم وأشار إليه(2).
أضربنا عن هذا، فأين لقاء الأبطال، وممارسة القتال، والتعرض لشبا الرماح الخطية، والسيوف المشرفية، والمتاعب المتباينة القضية،
____________
(1) العثمانية: 41.
(2) منها ما رواه ابن الأثير في أسد الغابة: 4 / 25.
بسنده عن الثعلبي قال: رأيت في بعض الكتب أن رسول الله - صلى الله عليه (وآله) وسلم - لما أراد الهجرة، خلف علي بن أبي طالب عليه السلام بمكة لقضاء ديونه، ورد الودائع التي كانت عنده، وأمره - ليلة خرج إلى الغار وقد أحاط المشركون بالدار - أن ينام على فراشه، وقال له:
أتشح ببردي الحضرمي الأخضر فإنه لا يخلص إليك منهم مكروه إن شاء الله تعالى، ففعل ذلك فأوحى الله إلى جبريل وميكائيل عليهما السلام: أني آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من عمر الآخر، فأيكما يؤثر صاحبه بالحياة؟ فاختارا كلاهما الحياة، فأوحى الله عز وجل إليهما:
أفلا كنتما مثل علي بن أبي طالب، آخيت بينه وبين نبيي محمد، فبات على فراشه يفديه بنفسه، ويؤثره بالحياة؟ اهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدوه. فنزلا فكان جبريل عند رأس علي - عليه السلام - وميكائيل عند رجليه، وجبريل ينادي: بخ بخ من مثلك يا ابن أبي طالب؟ يباهي الله عز وجل بك الملائكة، فأنزل الله عز وجل على رسوله - وهو متوجه إلى المدينة في شأن علي عليه السلام - * (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله) *.
وروى حديث المبيت على الفراش أيضا الشبلنجي في نور الأبصار ص 77، وكذلك المناوي في كنوز الحقائق ص 31، وقال: إن الله يباهي بعلي عليه السلام كل يوم الملائكة. ورواه أيضا الحاكم في المستدرك: 3 / 4، وأحمد بن حنبل في مسنده: 1 / 348، والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد: 13 / 191. والهيثمي في مجمعه: 7 / 27، والسيوطي في الدر المنثور في ذيل تفسير قوله تعالى: * (وإذ يمكر بك الذين كفورا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك) * من سورة الأنفال، وابن سعد في طبقاته: 8 / 35 و 162.
وكان منصور الناصب غير خائض بحار تلك الأعماق، ولا مباشر شفرات الرقاق، من أتم مناقبه كونه مع رسول الله - صلى الله عليه وآله - على العريش، وأمير المؤمنين - عليه السلام - المخالط لتلك الأهوال مخالطة المهج للأشباح، والحياة للأرواح، والحبيب للحبيب والقريب للقريب.
يستعذب الموت مسرورا بمشهده | إذا يعض به المقدامة الذكر |
واعترض الناصب على نفسه بما ذكرته من حال المبيت على الفراش، وأجاب بالذي لقي منصوره قبل الهجرة، وقد أجبنا عنه عن قرب(3).
وأجاب: (بما أنه فرق بين حال الحدث وذي الحنكة في طاعتيهما، إذ الحدث الغرير، في عز صاحبه عزه، والكهل الحكيم لا يرجع تسويده لمن سوده إلى رهطه)(4).
والجواب عن هذا بما أجبناه عنه عند قوله: إن منصوره لا يخاف العار، وعلي يخاف العار(5)، ونقول هاهنا: إنه راد على إله الوجود عمله، أو على رسوله حكايته عنه، إذ الرواية من طريق المخالف أن إله الوجود أثنى بالمبيت على أمير المؤمنين عليه السلام، وذلك دليل على كمال فضيلته، ومن صنع شيئا للدنيا الفانية، أو على غير قاعدة تامة، لا يشكره إله الوجود على فعلته ويفضله على أخص ملائكته.
____________
(1) ن: بدل ما في المعقوفتين: من.
(2) ن: اقتناص.
(3) ن: قريب.
(4) العثمانية: 43.
(5) مرص: (35).
ثم إن ذكر الغرارة غلط من أبي عثمان، إذ كان الغرير وغيره لا بد أن يعرف [ أن ](2) عز مسوده القريب منه عزه.
وأما أنه إذا كان منصوره حكيما عرف أن تسويد رسول الله - عليه السلام - غير راجع إلى رهطه، فإنه قول باطل، إذ كيف تقلبت الحال، فإن أبا بكر قرشي فيشرك(3) رسول الله في عزه.
فإن قال: الأول أرجح، قلت: قد أجبت أولا عن هذه التفرقة بما أنه: ما(4) يدريه أنه لو كان علي غير قريب من رسول الله - صلى الله عليه وآله - لم ينهض بما نهض به أبو بكر.
وبيان أن العلة ليست ما ذكر، وفور الثناء الجم من الله - تعالى - على علي بالمبيت مفضلا له على جبرئيل وميكائيل(5).
وفرق بين الغار والمبيت بما (أن الأول يقيني، والثاني ظني)(6).
والجواب بما أنه يقيني أن أمير المؤمنين - عليه السلام - بات على الفراش، وأما ما يدعي كونه معلوما من حال الغار، فإن القرآن ما صرح به، بل هو رواية كما أن المبيت رواية، وما يبقى إلا أن يقول: إن الغار متواتر،
____________
(1) ن: قاله.
(2) فقط في: ن.
(3) ن: فيشترك.
(4) ن: لا.
(5) ن بزيادة: صلوات الله عليهم أجمعين.
(6) العثمانية: 44.
والذي يقال عليه: إن الإمامية تدعي التواتر في المبيت كما ادعى غيرهم التواتر في الصحبة في الغار، ومع تسليم قوله هذا، فإن الإمامية تقول: إنه لا فضيلة فيه، بل يذكرون ما لا أرى ذكره، ويقولون بيان عدم الفضيلة: إن شخصا خائفا لجأ إلى غار، وليس في ذلك فضيلة دالة على البسالة، ولا دليل على العلم، ولا دليل على الفصاحة، ولا دليل على الزهد، ولا دليل على السماح، ولا دليل على صراحة نسب.
وأما الحاصل من الآية(1)، فهو كون المشار إليه خاف، وأن السكينة نزلت على رسول الله - صلى الله عليه وآله -.
وأما ما تضمنته الآية من كونه - رضوان الله عليه - صاحبا، فإن هذا غير دال على غير مجرد الصحبة، [ ومجرد الصحبة ](2) لا يقارنها مدح أو(3) ذم.
ولخصوم أبي عثمان مقالات فنون في هذا المقام، ولا أرى خوضا تاما في هذا المقام.
وقال الناصب: (لو ثبت المبيت كما ثبت الغار لم يكن في ذلك كثير(4) طاعة فضلا [ عن ](5) أن يساوي أبا بكر أو يبرز عليه، لأن الذين نقلوا
____________
(1) يعني * (إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم) * التوبة: 40.
(2) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ن.
(3) ق: و.
(4) ن: كبير.
(5) الإضافة منا.
والجواب عن ذلك: بما أنا لا نسلم أن الذين رووا المبيت رووا ما قال: هذه دعوى لا نعرف برهانها ولا نوافق عليها، ورأينا راويها متهما جدا عيانا عدوا محضا، فلا يلتفت إلى دعواه.
سلمنا أن الأمر كما قال: لكن الذي أراد به تنقص أمير المؤمنين - صلوات الله عليه - به ينهض شرفه بليغا على من أشار إليه، إذ(1) كان مولانا أمير المؤمنين - عليه السلام - مصدق من وعده بالسلامة من الأذى، غير متهم له ولا متردد، فعل العارف المحقق، والمسلم المصدق، بخلاف ما جرى في قصة بطن خاخ(3)
____________
(1) العثمانية: 44.
(2) ن بزيادة: لو.
(3) البخاري بسنده عن عبيد الله بن أبي رافع، يقول:
سمعت عليا - رضي الله عنه - يقول: بعثني رسول الله - صلى الله عليه [ وآله ] وسلم - أنا والزبير والمقداد فقال: انطلقوا حتى تأتوا روضة " خاخ " فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوا منها، قال: فانطلقنا تعادي بنا خيلنا، حتى أتينا الروضة، فإذا نحن بالظعينة، قلنا لها: أخرجي الكتاب، قالت: ما معي كتاب، فقلنا: لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب، قال: فأخرجته من عقاصها فأتينا به رسول الله - صلى الله عليه [ وآله ] وسلم - فإذا فيه: من حاطب بن أبي بلتعة، إلى ناس بمكة من المشركين يخبرهم ببعض أمر رسول الله - صلى الله عليه [ وآله ] وسلم - فقال رسول الله - صلى الله عليه [ وآله ] وسلم -: يا حاطب ما هذا؟ قال: يا رسول الله لا تعجل علي، أني كنت امرءا ملصقا في قريش - يقول كنت حليفا - ولم أكن من أنفسها وكان من معك من المهاجرين من لهم قرابات يحمون أهليهم وأموالهم فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يدا يحمون قرابتي، ولم أفعله ارتدادا عن ديني ولا رضا بالكفر بعد الإسلام، فقال رسول الله - صلى الله عليه [ وآله ] وسلم -: إنه قد صدقكم، فقال عمر:
يا رسول الله، دعني أضرب عنق هذا المنافق، إنه قد شهد بدرا، وما يدريك لعل الله اطلع على من شهد بدرا قال اعملوا ما شئتم.... الخبر.
صحيح البخاري: 5 / 89.
=>
ثم بيان أن قول أبي عثمان باطل، أن أمير المؤمنين - عليه السلام - لقي من المشركين أذى تضمنته السيرة، فإن قبلنا قول أبي عثمان المتهم، كذبنا قول غيره ممن لا يتهم، وذلك مرجوح، وقد أسلفنا أن الغار ليس دليل الشجاعة، فقد انتقض(2) ما بنى الجاحظ عليه كلامه.
ثم إن قوما من أهل السنة يزعمون أن رسول الله - صلى الله عليه وآله - نص على أبي بكر بالخلافة كما تدعي الإمامية أنه نص على علي عليه السلام، وإذا كان الأمر كذا، فكيف لم يقدم على لقاء الأبطال ومكافحة الرجال؟ فإن كانت معارفه كمعارف غيره، فأين الإقدام؟ وإن كانت دون ذلك فأين المقام والمقام.
وأقول: إن ابن المغازلي(3) روى نحو ما ادعاه الناصب، لكن في
____________
<=
وانظر تاريخ ابن الأثير: 2 / 242 نقلها ملخصا وكذلك الطبري في تاريخه: 2 / 327.
(1) ذكر الطبري في تاريخه بعد ذكر صلح الحديبية:
ثم جرى بينهما الصلح، فلما التأم الأمر ولم يبق إلا الكتاب، وثب عمر بن الخطاب فأتى أبا
بكر، فقال: يا أبا بكر أليس برسول الله؟ قال: بلى. قال: أولسنا بالمسلمين؟ قال: بلى،
قال: أوليسوا بالمشركين؟ قال: بلى. فقال: فعلام نعطي الدنية في ديننا؟ قال أبو بكر:
يا عمر الزم غرزه، فإني أشهد أنه رسول الله، قال عمر: وأنا أشهد أنه رسول الله. قال: ثم
أتى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال يا رسول الله ألست برسول الله؟ قال: بلى.
قال: أولسنا بالمسلمين؟ قال: بلى: قال: أو ليسوا بالمشركين؟ قال: بلى. قال: فعلام
نعطي الدنية في ديننا؟ فقال: أنا عبد الله ورسوله، لن أخالف أمره ولا يضيعني، قال: فكان
عمر يقول: ما زلت أصوم وأتصدق، وأصلي وأعتق، من الذي صنعت يومئذ مخافة كلامي الذي
تكلمت به حتى رجوت أن يكون خيرا.
انظر: تاريخ الطبري: 2 / 280 وسيرة ابن هشام: 3 / 331.
(2) ن: وهذا ينقض.
(3) لم أعثر عليه في النسخة المطبوعة.
إذا عرفت هذا، فإن رسول الله - صلى الله عليه وآله - لم يجزم بحياطته من المشركين وسلامته، بل بناه على مشية الله عز وجل.
ويقوي هذه الرواية عن ابن عباس عن(1) مسند ابن حنبل وهو أعرف من ابن المغازلي وأثبت قولا: أن المشركين رموا عليا بالحجارة وهو يتضور قد لف رأسه في الثوب لا يخرجه حتى أهيج، ثم كشف رأسه(2).
وعلى كل حال فإن أبا عثمان ادعى أن الذين نقلوا أول الحديث نقلوا آخره، وليس الأمر كذا، إذ ليس في رواية ابن حنبل ما في رواية ابن المغازلي فظهر(3) بهته.
والجواب التام: بما أن رسول الله صلى الله عليه وآله - أخبر عن الله - جل وعلا - بتفخيم حال أمير المؤمنين - عليه السلام - عند مبيته على الفراش فأبو عثمان - إذن - مصغر ما عظم الله تعالى، محقر ما كبره، فيرد عليه وعيد المشاققة(4).
قال مهين المقاصد، عين المجاحد، ما حاصله: (إن الجلاد ليس دليل الرئاسة، إذ لو كان الأمر كذا لكان لغير النبي من الفضل ما ليس له، إذ النبي - عليه السلام - لم يقتل إلا واحدا)(5).
____________
(1) ن: من.
(2) مناقب أحمد بن حنبل: 1 / 330.
وأيضا المتقي الهندي في كنز العمال: 8 / 333 باختصار والمحب الطبري في الرياض النضرة:
2 / 203، والهيثمي في مجمعه: 9 / 119 والحاكم في المستدرك باختصار: 3 / 4.
(3) ج و ق: وظهر.
(4) يعني الآية: * (ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله، ومن يشاق الله فإن الله شديد العقاب) * الحشر: 4.
(5) العثمانية: 45.
وقال ما معناه: (إن الرئيس قطب أصحابه، فحراسته حراستهم)(2).
واعلم: أن هذا الكلام الغث يضيق على ذي البصيرة، الاهتمام بالرد عليه، ويقطع لسان الأقلام عن القصد بالتهويش إليه، وهو شبيه بكلام(3) بليد عدم حسه، أو بصير فقد دينه، يحاول ستر الشمس بغير حجاب، ومصاولة الشجعان بغير ساعد، ولو شاءت الإمامية لرشقت بالشبه(4) المناسبة وجوه الدلائل، ورشفت بالتمويه شفاه الحق الفاصل، لكن ذلك مذهب يعافه ذو الدين المعتبر، ويتجافاه ذو الأنفة المؤيد.
هذا فيما يرجع إلى الشبه المقترنة بالمناسبات، المنوطة بالمقارنات.
وأما المسلك الذي شرع الناقص(5) فيه، فإنه باب مسدود جدا عن عزمات عاقل، أو تقريرات فاضل، ومع هذا فقد رأيت الجواب عما أورده وسرده غير مدع في ذلك فضيلة خطيب أو منقبة أريب.
قوله: (لو كان لقاء القرن دليل الرئاسة، لكان النبي مرؤوسا). معنى كلامه قول ساقط، إذ الرئيس المقدم ترجع الآراء إليه، ويعول أتباعه عليه، فلو خالط القتال مكثرا، مشغولا به عنهم، أدى ذلك إلى اختلال الأحوال
____________
(1) العثمانية: 45 و 46.
(2) المصدر السابق: 46.
(3) ق: كلام.
(4) ق: الشبه.
(5) ق: التناقض.
وأراه بهذا الكلام مدعيا أن المنصب كان لمنصوره دون رسول الله - صلى الله عليه وآله - وهو كفر، أو لا يقول بذلك فهو مدلس إن كان يفطن لما قال أو كودن(1) لا يدري معنى ما [ به نطق ](2) وكل محذور، بل هو في تصغيره أمر الجهاد مكذب للقرآن المجيد في قوله تعالى: * (وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما) *(3).
[ مع أن الجاحظ محجوج بأن رسول الله - (صلى الله عليه وآله) - قتل قرنا، وبأنه يوم أحد كسرت رباعيته، في غير ذلك من مقامات كان فيها القوي القلب، الرابط الجأش، وعلى خاطري أن عليا كان يقول: كنا إذا احمر البأس اتقينا برسول الله - صلى الله عليه وآله(4) ](5).
____________
(1) ن: كونه.
(2) ن: يقول ونطق.
(3) النساء: 95.
(4) مسند أحمد بن حنبل: 1 / 158.
روى بسنده عن علي عليه السلام، قال: كنا إذا احمر البأس ولقي القوم القوم، اتقينا برسول الله - صلى الله عليه [ وآله ] وسلم - فما يكون منا أحد أدنى من القوم منه.
وأيضا في مسنده: 1 / 86.
روى بسنده عن علي - عليه السلام -، قال: لقد رأيتنا يوم بدر ونحن نلوذ برسول الله - صلى الله عليه [ وآله ] وسلم - وهو أقربنا إلى العدو، وكان من أشد الناس يومئذ بأسا.
وروى المتقي في كنز العمال: 5 / 275، قال:
عن أنس، عن المقداد، قال: لما تصاففنا للقتال - يعني يوم أحد - جلس رسول الله - صلى الله عليه [ وآله ] وسلم - تحت راية مصعب بن عمير، فلما قتل أصحاب اللواء هزم المشركون الهزيمة (5) ما بين المعقوفتين لا يوجد إلا في: ن.
=>
فكلام ساقط كالأول، لأنه أحال على ما لا وجه له، وعلى قود ما قال، يجوز أن يكون تارك الصلاة لمعنى هو أشرف من الصلاة، وتارك الحج أفضل من فاعله، لمعنى هو أشرف منه، ونسوق الكلام في فنون التكاليف، غير متعلقين بأمارة ولا متمسكين ببرهان، بحيث لا نرجح ذا الصلاة على تاركها، وفاعل الزكاة على مهملها، وفاعل الحج على من قعد عنه لغير عذر عن الجميع يعرفه أو يتوهمه، وذلك عين السفه، وروح النقص وصورة حال فساد الذهن.
وقول خاذل السنة: (إنه إذا ثبت أنه ليس مأخوذا في شرف الرئيس القتل، ثبت أن قتال الأقران ليس دليلا على الفضل والرئاسة، وأن الرئيس قطب أصحابه، فحراسته حراستهم)(2) من أمهن الكلام وأسخفه، إذ هو في المفاخرة بين منصوره وبين أمير المؤمنين - صلوات الله عليه -، فأين من أشار إليه في حياة رسول الله - صلى الله عليه وآله - والرئاسة حتى يكون عذره عن القتال عذر الرئيس عن النزال ولقاء الأبطال وتقحم الأهوال؟
ثم قال عدو السنة ما حاصله: (إن لقاء الأبطال قد يكون بالطبيعة
____________
<=
الأولى، وأغار المسلمون على عسكرهم، فانتهبوا ثم كروا على المسلمين، فأتوا من خلفهم
فتفرق الناس، ونادى رسول الله - صلى الله عليه [ وآله ] وسلم - في أصحاب الألوية، فأخذ
اللواء مصعب بن عمير ثم قتل، (إلى أن قال) ونادى المشركون بشعارهم: يا للعزى،
يا للهبل، فأوجعوا والله فينا قتلا ذريعا، ونالوا من رسول الله - صلى الله عليه [ وآله ] وسلم -
ما نالوا والذي بعثه بالحق إن رأيت رسول الله - صلى الله عليه [ وآله ] وسلم - زال شبرا
واحدا، إنه لفي وجه العدو تثوب إليه طائفة من أصحابه مرة وتتفرق عنه مرة، فربما رأيته قائما
يرمي عن قوسه أو يرمي بالحجر حتى تحاجزوا.... الحديث.
(1) العثمانية: 46 نقله بالمعنى.
(2) العثمانية: 46 نقله بالمعنى.
واعلم: أن هذا كلام يغار القلم من السعي في الرد عليه، والقصد بالتحقير إليه، إذ كان عدو السنة شرع مفاخرا بين منصوره، وبين أمير المؤمنين - صلوات الله عليه -، وهو صاحب الدين الذي لم يخالطه الشرك، ولم يزايله الإيمان، يدل عليه الآثار المعتبرة، والعيان، فهو الجامع بين الدين والسيف، الحاوي قصبات الشرفين، والناهض بفضيلة القسمين.
ويرد على خاذل السنة، ما أوردناه من قبل من كونه رادا على الكتاب المعظم المجيد في تفضيل المجاهد على القاعد [ و ](2) المتحرك في الله على الراكد.
[ فإن قيل: ذلك فيمن ثبت إخلاصه، قلت: فأمير المؤمنين صاحب ذلك بما تضمنته مطاوي هذه الأوراق بما يلتزم به المسلم ويتجافاه أهل النفاق ](3).
قال المباهت ما حاصله: (إن رسول الله - صلى الله عليه وآله - أخبر عليا بقتال الناكثين والقاسطين، والمارقين، على ما ترويه الشيعة. ولا فضيلة لمن عرف السلامة في الإقدام. إلا أن يقولوا: إن النبي - عليه السلام - قال ذلك عند وفاته، ولا سبيل لهم إلى ذلك)(4).
والذي يقال على هذا الكلام السفيه: إن الفضيلة لأمير المؤمنين بعد الرواية المشار إليها من وجوه، أحدها، كونه: صلى الله عليه - بنى على قول الرسول - صلوات الله عليه - ويضاف إلى ذلك أن عدو أمير المؤمنين ذكر من
____________
(1) العثمانية: 47.
(2) في: ن فقط.
(3) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ن.
(4) العثمانية: 49.
فهب أن أمير المؤمنين عليه السلام ما كان يخاف الموت، أما كان يخاف الفتنة، وهي التعذيب الذي ذهب عدو الله إلى أنه أعظم من القتل.
الوجه الآخر: أن عدو الله اختلف ما بينه وبين الله ورسوله فيلزمه وعيد * (ومن يشاقق الرسول) * إلى قوله: * (مصيرا) *(2) إذا كان رسول الله ينطق بإذن الله.
وقد روى المحدثون من غيرنا أن رسول الله - صلى الله عليه وآله - قال: (لقتل علي عمرو بن عبد ود يعدل عمل أمتي إلى يوم القيامة، أو لضربة)(3) وهذا روح ما نحاوله من الفضيلة ونحاوله من المجد.
____________
(1) مرت الإشارة إليه ص (26).
(2) * (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى، ونصله جهنم وساءت مصيرا) * النساء: 115.
(3) السيرة الحلبية: 105.
وذكر بعضهم أن النبي (صلى الله عليه وآله) عند ذلك (عند قتل علي عمروا) قال: قتل علي لعمرو بن عبد ود أفضل من عبادة الثقلين.
وفي ينابيع المودة: 95 قال:
وفي المناقب عن حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله - ضربة علي يوم الخندق، أفضل من أعمال أمتي إلى يوم القيامة.
وفي المواقف للقاضي الإيجي: 617.
قال النبي عليه السلام - يوم الأحزاب: لضربة علي خير من عبادة الثقلين.
وفي المستدرك على الصحيحين للحاكم: 3 / 32.
بسنده عن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: لمبارزة علي بن أبي طالب لعمرو بن عبد ود يوم الخندق أفضل من أعمال أمتي إلى يوم القيامة.
ورواه أيضا الخطيب في تاريخ بغداد: 13 / 19.
وكذلك أخطب خوارزم في مقتل الحسين: 45، وفي مناقبه: 63، وأيضا العلامة الذهبي في