الصفحة 138
الكفر، ووهت دعائم الشرك، وتمهدت أساس الإسلام، فكل مسلم خول(1) لأمير المؤمنين - صلى الله عليه -، فابن عمه سيده الأصل، وهو الفرع، أصل الفروع وقوامها، ورئيس الجموع وسنامها، قتل في ذلك اليوم أربعة وأربعين، ذكره بعض الفضلاء، وقال آخر: خمسة وثلاثين، وذلك شطر المقتولين عدا من شرك فيه، منهم: الوليد بن عتبة خال معاوية، وحنظلة أخوه، والعاص بن سعيد الذي حاد عنه عمر بن الخطاب، وعمير ابن عثمان عم طلحة، وعتاب ومالك ابنا عبد الله أخوا طلحة بن عبيد الله، واقتصرت على ذكر هؤلاء اختصارا(2).


وكم لأمير المؤمنين وقايعهاأذلت عزيز المجد من فرق الشرك
مناقب لا يغتالها قدح قادحإذا اغتال معنى غيرها خاطر الشك(3)

وكرر(4) عدو الصحابة والقرابة، (كمال(5) العريش وأن جماعة أعيانا(6) شهدوا بدرا، لأبي بكر بهم تعلق فتنة، وجعل له نصيبا في مشهدهم).

والذي يقال على هذا:

أما العريش فقد ذكرنا عن كثب ما يتعلق به، وأما تشريف من أشار إليه ممن كان له في تهذيبه نصيب من الجماعة الذين عينهم، فهو وإياهم جميعا كانوا فرعا لأمير المؤمنين - عليه السلام - إذ كان أول الناس إسلاما كما

____________

(1) الخول: العبيد.

(2) ق: اقتصارا.

(3) في الهامش: لمنشيه ضاعف الله جلاله.

(4) ن: وذكر.

(5) ن: حال.

(6) كالزبير وطلحة وسعد وعبد الرحمن وعثمان ومسطح بن أثاثة انظر العثمانية: 54.


الصفحة 139
سلف(1)، وكم حدث جذب شيخا إلى طريق الصواب وسدده، وساقه إلى الحق وأرشده إذ يرى الشيخ شابا حدثا أم كعبة الهدى، وتجنب مداحض الضلال، فيرى أنه بالأخلق أن يؤم ما أم ويقصد ما قصد.

أضربنا عن هذا، فمن الذي وافقه على ما قال من إرشاد من أشار إليه؟

سلمنا ذلك، لكن بقدر ما أرشد - رضوان الله عليه - وكان له نصيب في جهاده، كان بإزائه هضم عزمه في العقود على العريش، إذ يرى من اقتدى به غير خائض فيما خاض، ولا ناهض فيما نهض، فبالأخلق أن يقتدي به في الآخر كما اقتدى به في الأول.

وبإزائه ما ذكره المفضل بن سلمة(2) من كونه لما قال: " لن نغلب اليوم من قلة " هزم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه (وآله) - بها وانهزم معهم، وكانوا اثني عشر ألفا، أضعاف من كان ببدر، مع أن أمير المؤمنين - عليه السلام - كما سلف قتل شطر المقتولين، وتخلف الباقون، وكان من تخلف من المقتولين قتل بالملائكة، ومجموع أصحاب رسول الله - صلى الله عليه (وآله) - فكم(3) تكون حصة من أشار إليهم من ذلك؟ وكم يكون قدر نصيبه من انصبائهم إن كانوا قتلوا؟ وبإزاء ذلك الفرار يوم خيبر، نقلته من كتاب فضائل علي عليه السلام، تصنيف أحمد بن حنبل(4).

____________

(1) مرت الإشارة إليه: ص 28.

(2) لم أعثر على ترجمة له في المصادر التي بين يدي وفي قائل هذه الكلمة اختلاف بين أهل السير والتاريخ فبعض يذهب إلى أن قائلها أبو بكر وبعض بأنه سلمة بن سلامة بن وقش، انظر تفسير الخازن في ذيل تفسير الآية * (ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم) * من سورة التوبة.

(3) ق: كم يكونوا.

(4) فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل: 2 / 593 حديث 1009.

حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال حدثنا أبي، قال حدثنا زيد بن الحباب، قال: حدثني

=>


الصفحة 140

____________

<=

الحسين بن واقد، قال: حدثني جدي، عبد الله بن بريدة، قال: سمعت أبي يقول:

حاصرنا خيبر، فأخذ اللواء أبو بكر، فانصرف ولم يفتح له. ثم أخذه من الغد عمر، فخرج ورجع ولم يفتح له، وأصاب الناس يومئذ شدة وجهد، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إني دافع اللواء غدا إلى رجل، يحبه الله ورسوله، ويحب الله ورسوله، لا يرجع حتى يفتح له، فبتنا طيبة أنفسنا، إن الفتح غدا، فلما أصبح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) صلى الغداة، ثم قام قائما، ودعا باللواء، والناس على مصافهم، فدعا عليا وهو أرمد، فتفل في عينيه، ودفع إليه اللواء وفتح له. قال بريدة: وأنا فيمن تطاول لها.

وأيضا عن مسند أحمد بن حنبل: 2 / 384 وفضائل الصحابة له: 2 / 602 حديث 1030، بسنده عن أبي هريرة، قال:

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم خيبر: لأدفعن الراية إلى رجل، يحب الله ورسوله، ويفتح الله عليه. قال: فقال عمر: فما أحببت الإمارة قبل يومئذ فتطاولت لها واستشرفت رجاء أن يدفعها إلي، فلما كان الغد دعا عليا فدفعها إليه، فقال: قاتل ولا تلتفت، حتى يفتح عليك فسار قريبا، ثم نادى: يا رسول الله على ما أقاتل؟ قال: حتى يشهدوا: أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، فإذا فعلوا ذلك، فقد منعوا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله.

وفي تفسير الثعلبي (على ما في العمدة: 150) في تفسير قوله تعالى: * (ويهديك صراطا مستقيما) * (الفتح: 2).

وذلك في فتح خيبر وبالإسناد المقدم، قال: حاصر رسول الله - صلى الله عليه وآله - أهل خيبر حتى أصابتنا مخمصة شديدة، وأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أعطى اللواء عمر بن الخطاب، ونهض من نهض معه من الناس، فلقوا أهل خيبر، فانكشف عمر وأصحابه، ورجعوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) يجبنه أصحابه ويجبنهم فكان رسول الله قد أخذته الشقيقة (صداع) فلم يخرج إلى الناس. وأخذ أبو بكر راية رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم نهض يقاتل، ثم رجع، فأخذها عمر فقاتل، ثم رجع فأخبر بذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: أما والله لأعطين الراية غدا رجلا، يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، ويأخذها عنوة، وليس ثم علي - عليه السلام - فلما كان الغد، تطاول لها أبو بكر وعمر، ورجال من قريش رجاء كل واحد منهم أن يكون صاحب ذلك فأرسل رسول الله (صلى الله عليه وآله) ابن الأكوع إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) فدعاه، فجاءه على بعير له، حتى أناخ قريبا من رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو أرمد، قد عصب عينيه بشقة برد قطري.

=>


الصفحة 141
ومن مناقب أمير المؤمنين - صلوات الله عليه - في الغزاة البدرية، ما رواه الواحدي عند قوله تعالى: * (هذان خصمان اختصموا في ربهم) *(1) روى عن البخاري ومسلم، أنها نزلت في حمزة وعبيدة وعلي بن أبي طالب وعتبة وشيبة ابني(2) ربيعة، والوليد بن عتبة، ورواه مرفوعا عن(3) أبي ذر [ و ](4) أنه كان يقسم على ذلك(5).

____________

<=

قال سلمة بن الأكوع: فجئت به أقوده إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال (صلى الله عليه وآله): ما لك؟ قال: رمدت فقال (صلى الله عليه وآله): ادن مني، فدني منه، فتفل في عينيه، فما شكى وجعهما بعد، حتى مضى لسبيله، ثم أعطاه الراية، فنهض بالراية وعليه حلة ارجوان حمراء قد أخرج كميها، فأتى مدينة خيبر، فخرج مرحب صاحب الحصن، وعليه مغفر، وحجر قد ثقبه مثل البيضة على رأسه، وهو يرتجز ويقول:


قد علمت خيبر أني مرحبشاكي السلاح بطل مجرب
أطعن أحيانا وحينا أضربإذ الحروب أقبلت تلهب

كان حماي كالحما لا يقرب

فبرز إليه علي - صلوات الله وسلامه عليه - فقال:


أنا الذي سمتني أمي حيدرةكليث غابات شديد القسورة

أكتالكم بالسيف كيل السندرة

فاختلفا ضربتين، فبرده علي عليه السلام بضربة فقد الحجر والمغفر وفلق رأسه حتى أخذ السيف في الأضراس، وأخذ المدينة، وكان الفتح على يديه.

وكذلك نقل هذا الخبر عن الثعلبي السيد هاشم البحراني في غاية المرام: 467.

وقد أشار ابن أبي الحديد إلى فرار الشيخين في قصيدته العلوية بقوله:


وما أنس لا أنس اللذين تقدماوفرهما والفرقد علما حوب
والراية العظمى وقد ذهبا بهاملابس ذل فوقها وجلابيب

(1) الحج: 19.

(2) ن: ابن أبي ربيعة.

(3) ق: إلى.

(4) لا توجد في: ق.

(5) قال الواحدي:

أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم المزكي، قال: أخبرنا عبد الملك بن الحسن بن يوسف،

=>


الصفحة 142
وزعم ملقح الفتن، عدو الصحابة والقرابة: (أن منصوره خص بمخاطبته عند قذف مسطح لابنته بالذكر(1)، وليس ذلك كما أثنى على جملة المهاجرين والأنصار، فقال: * (ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين) *(2).

أقول: إن هذا الترجيح من ملقح الفتن، إما جهل مفرط بالسيرة، وهو خلق من لا اهتمام له بالإسلام، أو حلية مغالط مدلس يهزأ في مباحثه، ولا يربطه رباط دين ولا يقيده قيد حياء، إذ أمير المؤمنين - صلى الله عليه - المخصوص بنزول القرآن المتكاثر فيه من طريق من ليس من عدادنا، ولو جمع ذلك لكان عدة أجزاء، وسأذكر نبذة يسيرة من ذلك من كتاب الشيخ

____________

<=

قال: أخبرنا يوسف بن يعقوب القاضي قال: أخبرنا عمر بن مرزوق قال: أخبرنا شعبة عن أبي هاشم، عن أبي مجلز عن قيس بن عبادة قال: سمعت أبا ذر يقول: أقسم بالله لنزلت (هذان خصمان اختصموا في ربهم) في هؤلاء الستة: حمزة وعبيدة، وعلي بن أبي طالب، وعتبة، وشيبة، والوليد بن عتبة.

ورواه البخاري عن حجاج بن منهال، عن هشيم بن هاشم.

انظر: أسباب النزول: 176.

وذكر نزول الآية بشأن هؤلاء الستة جماعة آخرون وسطروها في كتبهم نذكر منها: شواهد التنزيل: 1 / 386، صحيح البخاري: 6 / 98، وصحيح ابن ماجة: في أبواب الجهاد، والمستدرك: 2 / 386، وتفسير الرازي: 23 / 29، ومشكل الآثار: 2 / 268 والجامع لأحكام القرآن: 12 / 25 وتفسير ابن كثير: 3 / 212 وجامع الأصول: 2 / 322 والصواعق المحرقة:

124 وذخائر العقبى: 89 والرياض النضرة: 207.

(1) قال الجاحظ: (ضمن كلام له):

حتى أنزل الله سبحانه على رسوله براءة عائشة، وأمر أبا بكر بالإنفاق على مسطح وعياله، وبالعفو عنه. وأن يعيده إلى رحله وتحت جناحه، فأنزل الله في محكم كتابه على نبيه يريد أبا بكر (إلى أن قال) فقال الله - وهو يريد أبا بكر -: * (ولا يأتل أولوا الفضل منكم...) * الآية. فقال أبو بكر: بلى يا رب، فرده إلى رحله، وعفا عنه كما أمره الله.

انظر العثمانية: 55.

(2) النور: 22.


الصفحة 143
الإمام الحافظ أبي نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران الأصبهاني(1) قال بعد الخطبة:

واعلم - أدام الله رعايتك - أن القرآن مجزء على أربعة أجزاء، فربع فيه وفي أهل بيته ومواليه، وربع في مخالفه(2) ومعاديه، وربع حلال وحرام، وربع فرائض وأحكام(3).

وروى أبو الفرج الأصفهاني الأموي(4) هذا المعني أو ما يناسبه عن علي - عليه السلام - بالسند المتصل، صورة المتن، قال:

____________

(1) أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران الإصبهاني، الحافظ المشهور صاحب كتاب " حلية الأولياء " كان من الأعلام المحدثين وأكابر الحفاظ، وله كتاب " أخبار إصبهان " يقال: إن أول من أسلم من أجداده مهران وإنه مولى عبد الله بن معاوية بن عبد الله ابن جعفر بن أبي طالب عليه السلام.

ولد أبو نعيم في رجب سنة ست وثلاثين وثلاثمائة وقيل غير ذلك، وتوفي في صفر وقيل يوم الاثنين الحادي والعشرين من المحرم سنة ثلاثين وأربعمائة بأصبهان.

ترجم له: وفيات الأعيان: 1 / 91 تذكرة الحفاظ: 3 / 292 طبقات الشافعية: 4 / 18.

(2) ن: مخالفيه.

(3) ما نزل من القرآن في علي: مخطوط.

(4) هو أبو الفرج علي بن الحسين بن محمد بن أحمد بن الهيثم بن عبد الرحمن بن مروان بن عبد الله ابن مروان بن محمد بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية القرشي الأموي الكاتب الإصبهاني جده مروان بن محمد المذكور آخر خلفاء بني أمية وهو أصبهاني الأصل بغدادي المنشأ كان من أعيان أدباءها وأفراد مصنفيها وكان عالما بأيام الناس والأنساب والسير له مصنفات كثيرة منها كتاب " الأغاني " يقال إنه جمعه في خمسين سنة وحمله إلى سيف الدولة فأعطاه ألف دينار وله أيضا " الإماء الشواعر " و " مقاتل الطالبيين " و " آداب الغرباء " وغير ذلك.

ولد سنة أربع وثمانين ومائتين وتوفي يوم الأربعاء رابع عشر ذي الحجة سنة ست وخمسين وثلاثمائة ببغداد وقيل سنة سبع وخمسين.

ترجم له: وفيات الأعيان: 3 / 307، ومعجم الأدباء: 13 / 94، أخبار إصبهان: 2 / 22 معجم المؤلفين: 7 / 78، تاريخ بغداد: 11 / 398.


الصفحة 144
نزل القرآن ربعا فينا، وربعا في عدونا، وربعا سير [ و ] أمثال(1)، وربعا فرائض وأحكام، ولنا كرائم القرآن(2).

وروى نحو هذا عن عدة طرق في كتابه المتعلق بما نزل من القرآن في أهل البيت عليهم السلام(3).

وروى أبو نعيم، عن محمد بن عمر بن غالب، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن أبي خيثمة: [ قال حدثنا عباد بن يعقوب ](4)، قال: حدثنا موسى ابن عثمان الحضرمي، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال:

قال رسول الله - صلى الله عليه وآله -: ما أنزل الله تعالى آية فيها:

* (يا أيها الذين آمنوا) * إلا وعلي رأسها وأميرها، كذا حدثناه مرفوعا(5).

ورواه غير مرفوع من عدة طرق، وفي بعض ما رواه: إلا وعلي سيدها وشريفها(6).

____________

(1) ن: في أمثال.

(2) ما نزل من القرآن في أهل البيت: مخطوط ومفقود.

(3) وذكر القندوزي في ينابيع المودة: 126 (ط اسلامبول):

روى في المناقب عن الأصبغ بن نباتة عن علي عليه السلام قال: نزل القرآن على أربعة أرباع، ربع فينا وربع في عدونا وربع سنن وأمثال وربع فرائض وأحكام ولنا كرائم القرآن.

وجاء في حبيب السير لغياث الدين بن همام: 2 / 13 (ط طهران): روى الحافظ أبو بكر أحمد ابن موسى بن مردويه بسنده عن علي كرم الله وجهه قال: نزل ربع القرآن في شأننا وربعه في أعداءنا وربعه في السير والأمثال وربعه في الفرائض والأحكام ولنا كرائم كلام الملك العلام.

(4) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ن.

(5) حلية الأولياء 1 / 64.

وذكره أيضا الخوارزمي في المناقب: ص 179، والمتقي في منتخب كنز العمال: 5 / 31 (مطبوع بهامش المسند)، ومحب الدين الطبري في ذخائر العقبى: 89، والكنجي الشافعي في كفاية الطالب: 54، وسبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص: 19، وسليمان القندوزي في ينابيع المودة: 125.

(6) ورواه بهذا اللفظ إضافة على حلية الأولياء، جماعة من علماء العامة منهم: أخطب خوارزم في

=>


الصفحة 145
وروى بإسناده عن ابن عباس، قال: لما نزلت * (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد) *(1) أومأ بيده إلى منكب علي فقال: " أنت الهادي يا علي، بك يهتدي المهتدون من بعدي "(2).

ومن غريب ما يرد على المخذول، ما رواه أبو الفرج(3) بإسناده المتصل عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: نزلت في علي - عليه السلام - ثمانون آية صفوا ما شركه فيها أحد من هذه الأمة(4).

____________

<=

مناقبه: 189، والهيثمي في مجمع الزوائد: 9 / 112، بزيادة: ولقد عاتب الله أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله) في غير مكان وما ذكر عليا إلا بخير. والسيوطي في تاريخ الخلفاء: 66، والمتقي في منتخب كنز العمال: 5 / 28، وأحمد بن حنبل في فضائله: 3 / 654، ومحب الدين الطبري في ذخائر العقبى: 89، وفي الرياض النضرة: 207، والكنجي في كفاية الطالب: 54، والفخر الرازي في نهاية العقول: 196، والشبلنجي في نور الأبصار: 105 وابن حجر في صواعقه: 38 و 125، والقندوزي في ينابيع المودة: 126، والبرزنجي في مقاصد الطالب: 10.

(1) الرعد: 7.

(2) روى ابن جرير الطبري في تفسيره: 13 / 72 بسنده عن ابن عباس قال لما نزلت * (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد) * وضع - صلى الله عليه (وآله) وسلم - يده على صدره، فقال: أنا المنذر، ولكل قوم هاد، وأومأ بيده إلى منكب علي - عليه السلام - فقال: أنت الهادي يا علي، بك يهتدي المهتدون بعدي.

وذكره السيوطي في الدر المنثور في تفسير الآية في سورة الرعد والفخر الرازي في تفسيره في ذيل تفسير الآية والمتقي في كنز العمال: 6 / 157 والشبلنجي في نور الأبصار ص 70 والمناوي في كنوز الحقائق ص 42 والحاكم في المستدرك على الصحيحين: 3 / 129. فقد روى هؤلاء هذا الحديث مع اختلافات في بعض ألفاظه.

(3) ق: أبو الفتوح.

(4) روى الخطيب في تاريخ بغداد: 2 / 221 بسنده عن ابن عباس قال: نزلت في علي عليه السلام ثلاثمائة آية.

ابن حجر في الصواعق المحرقة ص 72 والشبلنجي في نور الأبصار ص 73 عن ابن عباس قال:

نزل في علي عليه السلام ثلاثمائة آية.

=>


الصفحة 146
إذا عرفت هذا، فاعلم: أن ملقح الفتن، فضل على علي غيره بجماعة يسيرة نزرة، رغبهم منصوره في الإسلام كما ادعى [ وهم ](1) الزبير، وطلحة، وسعد، وعبد الرحمن، وعثمان، وبلال، ومسطح، وعامر بن فهيرة(2).

أقول: وقد نبهت على شئ من قواعدهم أو قواعد أعيانهم عنده، هذه الرواية الواردة من عدة طرق ومنها: " يا علي بك يهتدي المهتدون " دالة على أن كل مهتد بعده على وجه الأرض إلى أن تقوم القيامة مهتدون بأمير المؤمنين - صلوات الله عليه -، فأين النفر الذين أشار إليهم ممن لا يحصى عدده(3)، ولا تضبط أفراده(4)، مع حوادث جرت من أعيان من ذكر - رضوان الله عليهم -.

وروى مرفوعا عن ابن عباس في قوله تعالى: * (وقفوهم إنهم مسؤولون) *(5) قال: عن ولاية علي بن أبي طالب - عليه السلام - فأين من

____________

<=

وكذلك أيضا ذكر السيوطي في تاريخ الخلفاء: 117، والعلامة الكنجي في كفاية الطالب: 108، وسليمان القندوزي في ينابيع المودة: 126.

(1) الإضافة منا.

(2) العثمانية: 54.

(3) ن: عددهم.

(4) ن: أفرادهم.

(5) الصافات: 24.

وذكر ابن حجر في الصواعق المحرقة: ص 89 قال:

الآية الرابعة قوله تعالى * (وقفوهم إنهم مسؤولون) * قال: أخرج الديلمي عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم قال: وقفوهم إنهم مسؤولون عن ولاية علي عليه السلام (ثم قال) وكأن هذا هو مراد الواحدي بقوله: روي في قوله تعالى: * (وقفوهم إنهم مسؤولون) * أي عن ولاية علي عليه السلام وأهل البيت.

وانظر أيضا تذكرة الخواص: 21 أرجح المطالب: 63 ينابيع المودة: 112.


الصفحة 147
تسأل جميع الأمة عن ولايته ممن أمر مثلا بالنفقة على ابن خالته، قاذف ابنته وهو بمقام منهي عن كلفته(1)، وهي عندنا منزهة، وإنما ملقح الفتن ذكرها في كتابه لأمر غير مهم لا يفي(2) بذكرها - لا أحسن الله تعالى جزاءه -.

وروى ما هو مشهور من نزول قوله تعالى: * (إنما وليكم الله ورسوله) *(3)... الآية في علي - عليه السلام -، وأقل مراتبها ناصركم، فإذا أمير المؤمنين ناصر جميع المؤمنين فكل منهم مغموس في حقه، مرموس في مواهبه..

وروى عن ابن عباس مرفوعا في قوله - جل وعز - * (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية) *(4) أن النبي - عليه السلام - قال لعلي: أنت وشيعتك، تأتي [ أنت وشيعتك ](5) يوم القيامة راضين مرضيين، ويأتي عدوك غضابا مقمحين. قال: يا رسول الله ومن عدوي؟ قال: من تبرأ منك ولعنك. ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وآله -: ومن قال رحم الله عليا رحمه الله(6).

____________

(1) ن: خلقيته.

(2) ن: نفي.

(3) * (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) * المائدة: 55.

لقد روى حديث نزول هذه الآية بشأن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام طائفة من الرواة وحملة الحديث منهم: الفخر الرازي في تفسيره في سورة المائدة في ذيل الآية المذكورة، والزمخشري في الكشاف في ذيل الآية، ابن جرير الطبري في تفسيره: 6 / 186 والسيوطي في الدر المنثور في ذيل تفسير الآية، كنز العمال: 6 / 319 و 7 / 305 والهيثمي في مجمع الزوائد: 7 / 17 والمحب الطبري في ذخائر العقبى: ص 88 وص 102.

(4) البينة: 7.

(5) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ن.

(6) أورده الحسكاني في شواهد التنزيل: 2 / 357 باختلاف يسير في بعض ألفاظه.

=>


الصفحة 148
إذا عرفت هذا فاعلم: أن ملقح الفتن بما أراد من ترجيح غيره عليه كاذب بالنقل الذي لا يتهم راويه(1)، ولا يغلط من روي عنه - صلوات الله عليه - وأقل المراتب أن يكون علي وشيعته خير البشر إذا كانت اللفظة بغير همز، وإن كانت بهمزة كان الفضل بها على جميع المكلفين بالإطلاق. هذا نوع تنبيه يليق بما نحن فيه، في هذه الأوراق المختصرة.

وقد روى ابن مردويه من نيف وأربعين طريقا أن عليا خير البشر(2).

____________

<=

وذكر ابن حجر في صواعقه: 96 قال:

الآية الحادية عشرة قوله تعالى: * (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية) * قال: أخرج الحافظ جمال الدين الزرندي، عن ابن عباس: إن هذه الآية لما نزلت قال - صلى الله عليه (وآله) وسلم - لعلي - عليه السلام -: هو أنت وشيعتك، تأتي أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين، ويأتي عدوك غضابا مقمحين قال: ومن عدوي؟ قال: من تبرأ منك ولعنك.

وذكر هذا أيضا الشبلنجي في نور الأبصار: 70 و 101.

وذكر السيوطي في الدر المنثور: في ذيل تفسير الآية:

أخرج ابن عساكر، عن جابر بن عبد الله، قال كنا عند النبي - صلى الله عليه [ وآله ] وسلم - فأقبل علي، فقال النبي صلى الله عليه وآله: والذي نفسي بيده، أن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة، ونزلت: * (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية) * فكان أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) إذا أقبل علي قالوا: جاء خير البرية.

وقال أيضا: أخرج ابن مردويه عن علي قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه [ وآله ] وسلم - ألم تسمع قول الله: * (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية) * أنت وشيعتك، موعدي وموعدكم الحوض، إذا جاءت الأمم للحساب تدعون غرا محجلين.

وذكره أيضا الآلوسي في روح المعاني: 30 / 207 (ط مصر).

وذكر ابن الصباغ في الفصول المهمة: 105 (ط النجف) عن ابن عباس - رضي الله عنه - لما نزلت هذه الآية: * (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية) * قال لعلي: هو أنت وشيعتك، تأتي يوم القيامة أنت وهم راضون مرضيون. ويأتي أعداءك غضابا مقمحين.

(1) ن: رواته.

(2) وروى الخطيب في تاريخ بغداد: 7 / 421 بسنده عن جابر، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه (وآله) وسلم -: علي خير البشر فمن امترى فقد كفر.

=>


الصفحة 149
وهذا مؤكد لرد ملقح الفتن على رسول الله - صلى الله عليه (وآله) - في تفضيل غير علي عليه.

وذكر ملقح الفتن: (أن سعدا فخر عليه فلم يعارضه)(1).

ولا يمتنع أن يكون غرض ملقح الفتن بذلك الطعن على سعد، ونحن لا نستثبت ما حكاه، إذ كان قد ثبت(2) أن من آذى عليا آذى رسول الله - صلى الله عليه وآله - وثبت أن سبه سبه(3) وثبت أن مفارق علي مفارق رسول الله - صلى الله عليه وآله(4) - وروى من طريق الخصم أن مبغض علي منافق(5).

وروى المخالف لنا عن رسول الله - صلى الله عليه وآله - أنه من مات على بغض علي فلا يبالي مات يهوديا أو نصرانيا(6) وقد روينا آنفا أن

____________

<=

وروى أيضا في: 3 / 19 من الكتاب المذكور، بسنده عن زر عن عبد الله عن علي - عليه السلام - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه (وآله) وسلم -: من لم يقل علي خير الناس فقد كفر.

وذكر هذا أيضا ابن حجر في تهذيب التهذيب: 9 / 419.

كنوز الحقائق: ص 92 قال:

علي خير البشر من شك فيه كفر.

الرياض النضرة: 2 / 220 قال:

عن عقبة بن سعد العوفي، قال: دخلنا على جابر بن عبد الله - وقد سقط حاجباه على عينيه - فسألناه عن علي عليه السلام، قال: فرفع حاجبيه بيده فقال: ذاك من خير البشر.

وذكره أيضا المحب الطبري العقبى: ص 96 والحديث أيضا ورد في لسان الميزان:

3 / 166 وفرائد السمطين: 1 / 154 وكنز العمال: 6 / 159.

(1) العثمانية: 56.

(2) مرت الإشارة إلى عدة أحاديث في هذا الباب ص: 34.

(3) مرت الإشارة إلى عدة أحاديث في هذا الباب ص: 46.

(4) مرت الإشارة إلى عدة أحاديث في هذا الباب ص: 35.

(5) مرت الإشارة إلى عدة أحاديث في هذا الباب ص: 20.

(6) ابن المغازلي في مناقبه: 50.

=>


الصفحة 150
عليا - عليه السلام - خير البشر، وإذا كان الأمر كذا فمن حاول تقدمه عليه بالشرف وعلوه عليه بالمنزلة، كان رادا على رسول الله - صلى الله عليه [ وآله ] - ومشاقا(1) له، ونحن ننزه خلصاء الصحابة عن ذلك.

ولو ثبت أن غير سعد كان المخاطب لأمير المؤمنين - عليه السلام - بالفخر عليه، وأنه سكت عنه، لكان الوجه في الرد عليه منه كونه لا يحفل بما وقع اعتبارا بما نظمته في مثل هذا المقام، أو فيما يناسبه، والدهر مولع بأرباب السجايا الميمونة، الكرام.


إذا الفلك الأعلى الأثير تعرضتلعز علاه الساقطات النوازل
أبى مجده الأسمى الحجاج وعابهبنادي النهى يوم الفخار التفاضل

وشرع يصف سعدا مستثمرا من ذلك (أنه مستجيب لمن نصره)(2).

ونحن غير قادحين في سعد، ولا ينهض الثناء عليه بكون من حثه على الإسلام أشرف من أمير المؤمنين عليه السلام سيد البشر، حسب النقل الذي أشرنا إليه، ولا يكون سعد مدانيا لأمير المؤمنين في شرفه، أو مقارنا له في

____________

<=

بسنده عن معاوية بن جيدة القشيري، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه [ وآله ] وسلم - يقول لعلي: لا يبالي من مات وهو يبغضك مات يهوديا أو نصرانيا.

وكذلك أورده الهمداني الحسيني في مودة القربى: 63. وفي ص 91: يا علي لا يبغضك من الأنصار إلا من كان يهوديا.

وكذلك ذكر القندوزي في ينابيع المودة: 257.

وأيضا في نفس الكتاب ص 251: من أحبك يا علي كان مع النبيين في درجتهم يوم القيامة ومن مات يبغضك فلا يبالي مات يهوديا أو نصرانيا.

(1) من: مشتاقا.

(2) العثمانية: 56 فإنه قال: وقد فخر عليه سعد فلم يعارضه، فأين مبلغ ما ذكرتم مما ذكرنا إذا كان مثل سعد من مستجيبيه وهو المستجاب الدعوة وأول من أراق دما في الإسلام وأول من رمى بسهم يوم بدر... إلى آخره.


الصفحة 151
منزله، فكيف فرعه الذي يستثمر ملقح الفتن الشرف به لمن عول عليه.

قال ملقح الفتن، مفارق أمير المؤمنين ما معناه: (إنكم إذا قلتم بأن المحارب أبلغ رتبة من الوادع كان ذلك طعنا على رسول الله - صلى الله عليه (وآله) - إذ(1) كان علي محاربا والنبي - عليه السلام - وادعا)!!(2).

والجواب: بما أن الكلام في كون غير الرئيس وادعا وغيره محاربا يشرب(2) كؤوس المتاعب، ويخضب من دماء الأقران بنان القواضب.

وذكر ملقح الفتن، عدو الدين ما حاصله: (إن الرئيس يعالج أتعابا كثيرة(4) بخلاف المحارب)(5).

وهذا كلام مدغل، إذ لم يكن منصوره أيام رسول الله رئيسا حتى يتم له ما أراد، وهو موضع البحث.

أضربنا عن هذا الكلام(6) بأن(7) الجارودية تمنع هذا وتقول: لو سلمنا أن أتعاب الرئيس أشد لما فضل على علي غيره إلا بعد تقرير أن ذلك الاجتهاد(8) مشروع وأين ذاك؟

أضربنا عن هذا، فإن أتعاب علي - عليه السلام - ما(9) تحمله من أعباء

____________

(1) ن: إذا.

(2) العثمانية: 57.

(3) ن: يرشف.

(4) ن: كبيرة.

(5) العثمانية: 57 و 58.

(6) لا توجد في: ن.

(7) ن: فإن.

(8) ن: لاجتهاد.

(9) ن: بما.