تزين معانيه ألفاظه | وألفاظه زائنات المعاني |
لا في لفظ غث بسيط، يسفر فجره عن معنى قصير، مع مغالطات وإيهامات تنضم إليه، فتضع(3) منه، ولو انتاط بالبلاغة، وارتبط بالفصاحة، فكيف إذا ضم بين الهذر والباطل، والميل على من خص بكرم الشمائل والمجد الكامل، يريد الفضيلة بسعة لفظه، وهو من النقص في قلته، ومن البكم في سامعي درجته.
ونقول - وهي بلوى ابتلينا بمقارعتها، واصطلينا بنار غيابتها -: إن أمير المؤمنين - صلوات الله عليه - كان صاحب ألوية رسول الله - صلى الله عليه وآله - في حروبه، وهي دليل البسالة [ و ](4) أمارة الأصالة، إذ صاحب اللواء أمام الجيش يحتاج إلى قوة الرأي في التقدم به تارة، والتأخر به تارة، والثبات تارة.
وأنفذه إلى اليمن وكان السديد المقاصد، الشريف المصادر والموارد، واستخلفه على أهله بمدينته، وجعله بمنزلة هارون من موسى في شرف
____________
(1) ق: عن.
(2) لعله عبد الرحمن بن هبة الله بن حسن بن رفاعة، المعروف بكاتب الأمير ناصر الدولة. أديب، ناظم، ناثر من أهل مصر، من آثاره: رسائل في عشر مجلدات. توفي سنة 593، انظر:
خريدة القصر: 1 / 56 و 64.
(3) ج و ق: تضع.
(4) لا توجد في: ج و ق.
وغيره لما نهض إلى " مرحب " خام(2) عند منازلته، ولم يحسن الرأي في مبارزته وكان من رأيه في حياة النبي - صلى الله عليه وآله - قرب العذاب من أصحاب النبي - عليه السلام - في الإشارة بأخذ الفدية، وكذا لما اختلف وصاحبه فيمن تولى، فنزل قوله تعالى: * (لا تقدموا بين يدي الله ورسوله) *(3).
وأما أمير المؤمنين - صلوات الله عليه - فإن رسول الله - صلى الله عليه وآله - لما قال له: امض إلى نسيب مارية للصولة عليه فقال:
[ يا ](4) رسول الله تأمرني في الأمر فأكون فيه مثل السكة المحماة في العهن أم الشاهد يرى ما لا يرى الغائب؟ فقال - عليه السلام - بل الشاهد يرى ما لا يرى الغائب(5)، ثقة منه بميمون تدبيره المؤيد، وتهذيبه المسدد.
____________
(1) حصف: كان جيد الرأي محكم العقل (المنجد).
(2) خام: جبن.
(3) والآية المباركة كاملة: " يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم) * حجرات: 1.
(4) لا توجد في: ج.
(5) عن علي، قال: أكثر على مارية قبطي ابن عم لها يزورها ويختلف إليها فقال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله): خذ هذا السيف، فانطلق فإن وجدته عندها فاقتله، قلت: يا رسول الله أكون في أمرك كالسكة المحماة لا أرجع حتى أمضي لما أمرتني، أم الشاهد يرى ما لا يرى الغائب؟
قال: بل الشاهد يرى ما لا يرى الغائب.
فأقبلت متوشحا السيف، فوجدته عندها فاخترطت السيف، فلما رآني أقبلت نحوه، عرف أني أريده، فأتى نخلة فرقى ثم رمى بنفسه على قفاه ثم شغر برجله(*). فإذا به أجب، أمسح، ما له قليل ولا كثير فغمدت السيف ثم أتيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأخبرته فقال:
الحمد لله الذي يصرف عنا أهل البيت.
انظر كنز العمال: 5 / 454، وذكره أيضا في: حلية الأولياء: 3 / 178.
____________
(*): شغر: من شغر الكلب إذا رفع إحدى رجليه.
____________
(1) ابن أبي الحديد في شرح النهج: 9 / 96.
في شرحه لخطبة أمير المؤمنين رقم (146) عند قوله عليه السلام إن هذا الأمر لم يكن نصره ولا خذلانه بكثرة ولا بقلة، إلى آخره قال: واعلم أن هذا الكلام قد اختلف في الحال التي قاله فيها لعمر، فقيل: قاله له في غزاة القادسية وقيل في غزاة نهاوند وإلى هذا القول الأخير ذهب محمد بن جرير الطبري في (التاريخ الكبير) وإلى القول الأول ذهب المدائني في كتاب (الفتوح).
(إلى أن قال) فأما وقعة القادسية فكانت في سنة أربع عشرة للهجرة، استشار عمر المسلمين في أمر القادسية، فأشار عليه علي بن أبي طالب - في رواية أبي الحسن علي بن محمد بن سيف المدائني - ألا يخرج بنفسه، وقال: إنك إن تخرج لا يكن للعجم همة إلا استئصالك، لعلمهم إنك قطب رحا العرب، فلا يكون للإسلام بعدها دولة، وأشار عليه غيره من الناس أن يخرج بنفسه، فأخذ برأي علي عليه السلام.
(إلى أن قال) فأما وقعة نهاوند فإن أبا جعفر محمد بن جرير الطبري ذكر في كتاب التاريخ أن عمر لما أراد أن يغزو العجم وجيوش كسرى وهي مجتمعة بنهاوند، استشار الصحابة فقام عثمان فتشهد (إلى أن قال) فقال علي بن أبي طالب عليه السلام: أما بعد فإن هذا الأمر لم يكن نصره ولا خذلانه بكثرة ولا قلة، إنما هو دين الله الذي أظهره، وجنده الذي أعزه وأمده بالملائكة، حتى بلغ ما بلغ، فنحن على موعود من الله، والله منجز وعده، وناصر جنده، وأن مكانك منهم مكان النظام من الخرز، يجمعه ويمسكه فإن انحل تفرق ما فيه وذهب، ثم لم يجتمع بحذافيره أبدا، والعرب اليوم وإن كانوا قليلا، فإنهم كثير عزيز بالإسلام أقم مكانك واكتب إلى أهل الكوفة، فإنهم أعلام العرب ورؤساءهم وليشخص منهم الثلثان، وليقم الثلث، واكتب إلى أهل البصرة أن يمدوهم ببعض من عندهم ولا تشخص الشام ولا اليمن، إنك إن أشخصت أهل الشام من شامهم، سارت الروم إلى ذراريهم، وإن أشخصت أهل اليمن من يمنهم سارت الحبشة إلى ذراريهم، ومتى شخصت من هذه الأرض انتقضت عليك العرب من أقطارها وأطرافها، حتى يكون ما تدع وراءك أهم إليك مما بين يديك من العورات والعيالات، إن الأعاجم إن ينظروا إليك غدا قالوا: هذا أمير العرب وأصلهم، فكان ذلك أشد لكبهم عليك. وأما ما ذكرت من مسير القوم فإن الله هو أكره لسيرهم منك، وهو أقدر على تغيير ما يكره، وأما ما ذكرت من عددهم فإنا لم نكن نقاتل فيما مضى بالكثرة، وإنما كنا نقاتل بالصبر والنصر.
فقال عمر: أجل، هذا الرأي... إلى آخره.
وأما الفقه، فإن المفسرين من غيرنا رووا عند قوله تعالى: * (وتعيها أذن واعية) *(2) إن رسول الله - صلى الله عليه وآله - قال لعلي - عليه السلام -: إن الله أمرني أن أدنيك ولا أقصيك، وأن أعلمك وتعي، وحق على الله أن تعي(3).
____________
(1) ربيع الأبرار للزمخشري (عن إحقاق الحق: 8 / 203 والغدير: 6 / 177).
قيل لعمر: لو أخذت حلي الكعبة فجهزت به جيوش المسلمين كان أعظم للأجر، وما تصنع الكعبة بالحلي؟ فهم بذلك فسأل عليا - عليه السلام - فقال: إن القرآن أنزل على النبي - صلى الله عليه وآله - والأموال أربعة، أموال المسلمين فقسمها بين الورثة في الفرائض، والفئ فقسمه على مستحقيه، والخمس فوضعه الله حيث وضعه، والصدقات فجعلها الله حيث جعلها، وكان حلي الكعبة فيها يومئذ، فتركها الله على حاله ولم يتركه نسيانا، ولم يخف عليه مكانا فأقره حيث أقره الله ورسوله. فقال له عمر: " لولاك لافتضحنا " وتركه.
ونقله عن ربيع الأبرار بعين ما تقدم العلامة الأمر تسري في أرجح المطالب: 122.
(2) الآية: * (لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية) * الحاقة: 12.
(3) رواه الخوارزمي بسنده عن زر بن حبيش عن علي بن أبي طالب عليه السلام. أنظر مناقبه: 199.
ورواه ابن جرير الطبري في تفسيره: 29 / 35 والسيوطي في الدر المنثور في تفسير الآية الشريفة.
وروى الطبري أيضا في تفسيره 29 / 35 بسنده عن مكحول قال:
قرأ رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم * (وتعيها أذن واعية) * ثم التفت إلى علي عليه السلام فقال: سألت الله أن يجعلها أذنك. قال علي عليه السلام: فما سمعت شيئا من رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم فنسيته.
وذكر الزمخشري في الكشاف في تفسير الآية المباركة قال:
وعن النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم أنه قال لعلي عليه السلام - عند نزول هذه الآية - سألت الله أن يجعلها أذنك يا علي، قال علي عليه السلام: فما نسيت شيئا بعد وما كان لي أن أنسى.
وروى ذلك أيضا الفخر الرازي في تفسيره: 30 / 107.
وقال الهيثمي في مجمعه: 1 / 131.
=>
وفي ذلك ما رواه أخطب خطباء خوارزم مرفوعا: أن رسول الله - صلى الله عليه وآله - قال: من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في بطشه، فلينظر إلى علي بن أبي طالب(2).
وتقرير فضل مولانا في العلم، كون الله تعالى علم آدم الأسماء
____________
<=
وعن أبي رافع أن رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم قال لعلي بن أبي طالب عليه السلام:
إن الله أمرني أن أعلمك ولا أجفوك، وأن أدنيك ولا أقصيك، فحق علي أن أعلمك وحق
عليك أن تعي.
وذكر ما يقرب إلى ذلك المتقي في كنز العمال: 6 / 398.
(1) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ق.
(2) مناقب الخوارزمي: 40 و 41.
بسنده عن أحمد بن الحسين، أخبرني أبو عبد الله الحافظ في التاريخ، أخبرني أبو جعفر محمد بن أحمد بن سعيد حدثني محمد بن سلم بن دارة، حدثني عبد الله بن موسى العبسي حدثني أبو
عمرو الأزدي عن أبي راشد الحراني أبي الحمراء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من
أراد..... الحديث.
وأورده أيضا في مقتل الحسين: 43.
وفي الرياض النضرة: 2 / 217، مثله إلا أن فيه زيادة: وإلى إبراهيم في حلمه.
وأيضا الرياض النضرة: 2 / 218 قال:
وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم قال: من أراد أن ينظر إلى إبراهيم
في حلمه، وإلى نوح في حكمه، وإلى يوسف في جماله، فلينظر إلى علي بن أبي طالب.
وفي ذخائر العقبى: 93 كما ورد في مقتل الحسين. وكذلك في: البداية والنهاية: 7 / 356 وفرائد السمطين 1 / 170.
وفي مناقب ابن المغازلي: 212 من أراد أن ينظر إلى علم آدم وفقه نوح فلينظر إلى علي بن أبي
طالب.
وميزان الاعتدال: 4 / 99 ولسان الميزان: 6 / 24.
____________
(1) إشارة إلى الآية الشريفة في سورة البقرة: 31 وهي * (وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين) *.
(2) والحديث كما ذكره أخطب خطباء خوارزم:
أنبأني أبو العلاء الحافظ الحسن بن أحمد العطار الهمداني، أخبرني الحسن بن أحمد المقري، أخبرني أحمد بن عبد الله الحافظ، حدثني حبيب بن الحسن، حدثني عبد الله بن أيوب القربى، حدثني زكريا بن يحيى المقري، حدثني إسماعيل بن عباد المدني، عن شريك، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال: خرج النبي - صلى الله عليه وآله - من عند زينب بنت جحش فأتى بيت أم سلمة، وكان يومها من رسول الله - صلى الله عليه وآله - فلم يلبث أن جاء علي - عليه السلام - فدق الباب دقا خفيا، فاستبشر رسول الله الدق وأنكرته أم سلمة.
فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وآله - قومي فافتحي له الباب، فقالت: يا رسول الله من هذا الذي بلغ من خطره أن أفتح له الباب فأتلقاه بمعاصمي وقد نزلت في آية من كتاب الله بالأمس؟ فقال لها كالمغضب: إن طاعته طاعة الرسول، ومن عصى الرسول فقد عصى الله.
إن بالباب رجلا ليس بالنزق ولا بالخرق، يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله ففتحت له الباب، فأخذ بعضادتي الباب حتى إذا لم يسمع حسا ولا حركة، وصرت إلى خدري، استأذن فدخل فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله -: أتعرفينه؟ قلت: نعم، هذا علي بن أبي طالب - عليه السلام - قال: صدقت، سجيته من سجيتي، ولحمه من لحمي، ودمه من دمي، وهو عيبة علمي، اسمعي واشهدي، هو قاتل الناكثين والقاسطين، والمارقين من بعدي اسمعي واشهدي هو - والله - محيي سنتي، اسمعي واشهدي، لو أن عبدا عبد الله ألف عام، من بعد ألف عام، بين الركن والمقام، ثم لقى الله مبغضا لعلي - عليه السلام - لأكبه الله يوم القيامة على منخريه في نار جهنم.
انظر مناقب الخوارزمي: 43 و 44.
وذكر ابن عساكر في تاريخ دمشق في ترجمة أمير المؤمنين - عليه السلام - 2 / 482 بسنده عن عباية، عن ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وآله - قال: علي عيبة علمي.
وذكره أيضا في الفتح الكبير: 2 / 241 والسيوطي في الجامع الصغير: 2 / 66 والحمويني في فرائد السمطين: 1 / 331.
(3) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ن.
علمه في مجلس واحد | ألف حديث حسبة الحاسب |
كل حديث من أحاديثه | يفتح ألفا عجب العاجب |
وكان من أحمد يوم الوغى | جلدة بين العين والحاجب |
ولست مستوفيا ما يليق بهذا الباب، لكنا نذكر ما لا بد منه.
وأما بعد وفاته، فمن ذلك: تنبيهه أبا بكر في قصة جرت لشارب
____________
(1) رواه الفخر الرازي في تفسيره في ذيل تفسير قوله تعالى * (إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين) * قال:
قال علي عليه السلام: علمني رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم ألف باب من العلم واستنبطت من كل باب ألف باب.
كنز العمال: 6 / 396، قال:
عن علي عليه السلام قال: علمني رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم ألف باب من العلم يفتح ألف باب.
قصص الأنبياء للثعلبي: ص 566 في تفسير قوله تعالى * (إذ آوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة) * في حديث طويل منه.
فدعا علي عليه السلام اليهود فقال: سلوا عما بدا لكم فإن النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم علمني ألف باب من العلم فتشعب لي من كل باب ألف باب.
وأيضا أورد حديث " علمني ألف باب " الذهبي في ميزان الاعتدال: 2 / 67 والهندي في منتخب كنز العمال: (المطبوع بهامش المسند: 5 / 43) والقندوزي في ينابيع المودة: 11 و 71 و 77.
(2) الأبيات هي للسيد الحميري (105 - 173) وهي تختلف عما جاء في ديوانه: 128 (تحقيق شاكر هادي شكر) ط دار مكتبة الحياة بيروت.
محمد خير بني غالب | وبعده ابن أبي طالب |
هذا نبي ووصي له | ويعزل العالم في جانب |
حدثه في مجلس واحد | ألف حديث معجب عاجب |
كل حديث من أحاديثه | يفتح ألفا عدة الحاسب |
فتلك وفت ألف ألف له | فيها جماع المحكم الصائب |
____________
(1) ن بزيادة: الكلالة.
(2) ذكر القرطبي عن أبي عبيدة عن إبراهيم التيمي، قال:
سئل أبو بكر عن قوله تعالى: * (وفاكهة وإبا) *(*)؟ فقال: أي سماء تظلني، وأي أرض تقلني، وأين أذهب؟ وكيف أصنع؟ إذا قلت في حرف من كتاب الله بغير ما أراد تبارك وتعالى.
أنظر تفسير القرطبي: 1 / 29 والزمخشري في الكشاف: 3 / 253 وابن كثير في تفسيره: 1 / 5 والخازن في تفسيره: 4 / 374 وابن حجر في فتح الباري: 13 / 230.
(3) ذكر ابن دريد في المجتنى: 35 (كما ذكره العلامة الأميني في الغدير: 7 / 179) عن أنس بن مالك. قال:
أقبل يهودي بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وآله - فأشار القوم إلى أبي بكر فوقف عليه، فقال: أريد أن أسألك عن أشياء لا يعلمها إلا نبي أو وصي نبي. قال أبو بكر: سل عما بدا لك. قال اليهودي: أخبرني عما ليس لله، وعما ليس عند الله. وعما لا يعلمه الله. فقال أبو بكر: هذه مسائل الزنادقة يا يهودي! وهم أبو بكر والمسلمون - رضي الله عنهم - باليهودي، فقال ابن عباس - رضي الله عنه -: ما أنصفتم الرجل. فقال أبو بكر: أما سمعت ما تكلم به؟ فقال ابن عباس: إن كان عندكم جوابه وإلا فاذهبوا به إلى علي رضي الله عنه يجيبه، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله - يقول لعلي بن أبي طالب: اللهم اهد قلبه، وثبت لسانه. قال:
فقام أبو بكر ومن حضره حتى أتوا علي بن أبي طالب، فاستأذنوا عليه فقال أبو بكر: يا أبا الحسن إن هذا اليهودي سألني مسائل الزنادقة فقال علي: ما تقول يا يهودي؟ قال: أسألك عن أشياء لا يعلمها إلا نبي، أو وصي نبي، فقال له: قل. فرد اليهودي المسائل فقال علي - رضي الله عنه - أما لا يعلمه الله فذلك قولكم يا معشر اليهود: إن العزيز ابن الله، والله لا يعلم أن له ولدا.
وأما قولك: أخبرني بما ليس عند الله. فليس عنده ظلم للعباد.
وأما قولك أخبرني بما ليس لله فليس له شريك. فقال اليهودي: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأنك وصي رسول الله - صلى الله عليه وآله - فقال أبو بكر والمسلمون لعلي عليه
=>
____________
(*) في قوله تعالى من سورة عبس: * (فأنبتنا فيها حبا. وعنبا وقضبا. وزيتونا ونخلا.
وحدائق غلبا. وفاكهة وأبا. متاعا لكم ولأنعامكم) * الآيات 27 و 28 و 29 و 30 و 31 و 32.
ومن كتاب أحمد بن حنبل عن سعيد بن المسيب قال: كان عمر يتعوذ من معضلة ليس لها أبو حسن(1).
ومن الكتاب: أن عليا نبه عمر لما أراد أن يرجم المجنونة فصفح عنها(2). ومن رواية أخطب خطباء خوارزم: أن مولانا عليه السلام نبه عمر على ترك الحد على الحامل، فرجع إليه وقال عمر: عجزت النساء أن تلد
____________
<=
السلام: يا مفرج الكرب.
وذكره أيضا المحدث الحنفي الشهير بابن حسنويه في كتابه در بحر المناقب (على ما جاء في إحقاق الحق: 8 / 239).
(1) فضائل الصحابة: 2 / 647.
وقد ورد هذا الحديث عن عمر في عدة مصادر منها: الاستيعاب 3 / 1102 وصفة الصفوة:
1 / 121 كفاية الطالب: 95 أسد الغابة: 4 / 22 ذخائر العقبى: 82 طبقات ابن سعد: 2
ق 2 ص 102 تهذيب التهذيب: 1 / 337 الصواعق المحرقة: 76 ينابيع المودة: 211 نور الأبصار: 74 أرجح المطالب: 121 وكنز العمال: 5 / 241 والإصابة: 4 ق 1 ص 270.
(2) فضائل الصحابة: 2 / 707 و 719.
وجاء في صحيح أبي داود: 28 / 147 باب المجنون يسرق أو يصيب حدا روى بسنده عن أبي
ظبيان، عن ابن عباس، قال:
أتي عمر بمجنونة قد زنت، فاستشار فيها أناسا فأمر بها عمران أن ترجم، فمر بها على علي بن أبي
طالب - عليه السلام - فقال: ما شأن هذه؟ قالوا: مجنونة بني فلان زنت فأمر بها أن ترجم،
قال: فقال: ارجعوا بها، ثم أتاه فقال: يا عمر أما علمت أن القلم قد رفع عن ثلاثة عن
المجنون حتى يبرأ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يعقل؟ قال: بلى، قال فما
بال هذه ترجم؟ قال: لا شئ، قال: فأرسلهما قال فجعل يكبر.
وقد روى هذا الحديث بألفاظ مختلفة: أحمد بن حنبل في مسنده: 1 / 140 و 154 والبخاري في
صحيحه في كتاب المحاربين في باب لا يرجم المجنون والمجنونة، والدارقطني في سننه في كتاب
الحدود: ص 346 والمتقي في كنز العمال: 3 / 95، والمناوي في فيض القدير: 4 / 356
والعسقلاني في فتح الباري: 15 / 131 وابن عبد البر في الاستيعاب: 3 / 1103 والخوارزمي
في مناقبه: 38 والحمويني في فرائد السمطين: 1 / 350.
____________
(1) قال الخوارزمي في مناقبه (39):
وبهذا الإسناد عن أبي سعيد السمان هذا أخبرني أبو عبد الله الحسين بن هارون القاضي الضبي إملاءا ولفظا أخبرني أبو القاسم عبد العزيز بن إسحاق سنة ثلاثين وثلاثمائة أن علي بن محمد النخعي حدثه، قال: حدثني سليمان بن إبراهيم المحاربي، حدثني: نصر بن مزاحم بن نصر المقري حدثني إبراهيم الزبرقان التيمي، حدثني أبو خالد، حدثني زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي بن أبي طالب - عليه السلام - قال:
لما كان في ولاية عمر، أتى بامرأة حامل، سألها عمر عن ذلك فاعترفت بالفجور فأمر بها عمر أن ترجم فلقيها علي بن أبي طالب - عليه السلام - فقال: ما بال هذه المرأة؟ فقالوا: أمر بها عمر أن ترجم، فردها علي - عليه السلام - فقال له: أمرت بها أن ترجم؟ فقال: نعم اعترفت عندي بالفجور، فقال: هذا سلطانك عليها فما سلطانك على ما في بطنها؟ ثم قال له علي - عليه السلام -: فلعلك انتهرتها أو أخفتها؟ فقال عمر: قد كان ذلك قال علي - عليه السلام -: أو ما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله - يقول: لا حد على معترف بعد البلاء، أنه من قيدت أو حبست أو تهددت فلا إقرار له، فخلى عمر سبيلها ثم قال: عجزت النساء أن يلدن مثل علي بن أبي طالب: لولا علي لهلك عمر.
وجاء هذا الحديث أيضا في الرياض النضرة: 2 / 195 باختلاف في اللفظ ومطالب السؤول: 13 وينابيع المودة: 75 وأرجح المطالب: 124، وفرائد السمطين: 1 / 350.
(2) موطأ مالك بن أنس كتاب الحدود: ص 176 قال:
إن عثمان بن عفان أتي بامرأة قد ولدت في ستة أشهر، فأمر بها أن ترجم فقال له علي بن أبي طالب - عليه السلام -: ليس ذلك عليها، إن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه: * (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) * وقال: * (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة) * فالحمل يكون ستة أشهر فلا رجم عليها. فبعث عثمان في أثرها فوجدها قد رجمت.
وأورده أيضا البيهقي في سننه: 7 / 442 والسيوطي في الدر المنثور في ذيل تفسير قوله تعالى:
* (ووصينا الإنسان بوالديه حسنا) * من سورة الأحقاف روى بسنده وبألفاظ مختلفة وبزيادة:
فقال عثمان: والله ما فطنت لهذا، علي بالمرأة فوجدوها قد فرغ منها.
وكان من قولها لأختها: يا أخية لا تحزني فوالله ما كشف فرجي أحد قط غيره قال: فشب الغلام بعد فاعترف الرجل به وكان أشبه الناس به.
=>
وإذا اعتبرت مقاصد عدو الدين، ظهر لك أنه غير بان على عقيدة، ولا سالك جدد طريق.
شرع يذكر في عمر من التردد(2) ما يلقيه أعداءه من القدح فيه، وأي ضرورة قادته إلى ذلك لولا تهمته على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وآله - يمدح شخصا ثم يقع فيه، ويثني على آخر ثم يضع منه.
وذكر في المديحة(3): (أن عمر وعثمان جهلا أن رسول الله - صلى الله عليه وآله - مات وكانا يدافعان عن ذلك وأن أبا بكر نبههما)(4).
ولا أرى ذلك من المناقب.
ثم إن ملقح الفتن كما نبه على معرفة صحابي جهل صحابيين مقدمين(5). وذكر قوله عند بذل من بذل من العرب الصلاة دون الزكاة: " لو
____________
<=
وروى أحمد بن حنبل في مسنده: 1 / 104 بسنده عن الحسن بن سعد عن أبيه.
أن يحنس وصفية كانا من سبي الخمس، فزنت صفية برجل من الخمس فولدت غلاما، فادعاه
الزاني ويحنس، فاختصما إلى عثمان فرفعهما إلى علي بن أبي طالب - عليه السلام - فقال علي عليه
السلام: اقضي فيهما بقضاء رسول الله - صلى الله عليه (وآله) وسلم - (الولد للفراش وللعاهر
الحجر) وجلدهما خمسين خمسين.
وذكره المتقي أيضا في كنز العمال: 3 / 227.
(1) العثمانية: 78 و 79.
(2) ق: ما تردد.
(3) ن: مديحه.
(4) العثمانية: 79.
(5) المصدر السابق: 81.
وقال: (إنه علم الجميع أن لفظة الوحدانية، لا تمنع القتال، لأنه قال: إلا بحقها وأن الجميع تعلموا منه ذلك)(1).
وهذا وأشباهه مما يشكل الحال فيه على الجاحظ، هي دعاو لا تستند إلى برهان، وهو كون الجميع ما عرفوا، وعرف هو.
ثم إن ذلك تكذيب لرسول الله - صلى الله عليه وآله - إذ كان علي عيبة علمه فكيف يعلم غيره ما لم يعلم؟ إلا أن يقول أبو عثمان: أن أبا بكر أعلم من رسول الله بالأحكام، وهو كفر.
وقال: (إن عليا كان يزكيه ويروي عنه، ولم نسمعه روى عن علي شيئا ولا زكاه ولا فضله، على أن عليا قد كان عنده فاضلا،(2) عالما، وجيها)(3).
والذي يقال على كونه أخذ عنه وروى: أنه دعوى، سلمنا أنه روى عنه، لكن قد يروي الراوي رواية عن شخص وإن كان يعرفها من عدة طرق، أو يكون مشافها بها من رسول الله - صلى الله عليه وآله - إما ليكون ذلك حجة على راويها، أو على من يحسن ظنه براويها، إذ قد قررنا أن عليا حوى علم رسول الله فتعين التأويل.
وأما أنه لم يرو عن علي شيئا ولا زكاه مع معرفته بفضله(4) وعلمه، فإن الدرك على مهمل الفضائل لا على صاحب الفضائل، والمجد الكامل.
____________
(1) العثمانية: 81.
(2) في المصدر بزيادة: عاليا.
(3) العثمانية: 82.
(3) ق: بتفضله.
وبعد ذلك تزكية رسول الله - صلى الله عليه وآله - بكونه سيد البشر(1)، وخير الخلق والخليقة(2) وأنه المشهود له بالجنة(3)، في غير ذلك من
____________
(1) مرت الإشارة إلى بعض مصادره هامش ص: 72.
(2) ذكر ابن أبي الحديد في شرح النهج: 2 / 267 عن أحمد بن حنبل عن مسروق قال:
قالت عائشة: إنك من ولدي ومن أحبهم إلي فهل عندك علم من المخدج؟ فقلت: نعم، قتله علي بن أبي طالب على نهر يقال لأعلاه تأمرا ولأسفله النهروان، بين لخاقيق وطرفاء، قالت:
ابغني على ذلك بينة، فأقمت رجالا شهدوا عندها بذلك، قال: فقلت لها: سألتك بصاحب القبر، ما الذي سمعت من رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] فيهم؟ فقالت: نعم سمعته يقول: إنهم شر الخلق والخليقة يقتلهم خير الخلق والخليقة وأقربهم عند الله وسيلة.
وأيضا ذكر في البداية والنهاية: 7 / 296.
(3) روى سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص: 54 بسنده عن ابن عمر، قال:
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا علي أنت في الجنة، قالها ثلاثا.
وأبو بكر البغدادي في موضح أوهام الجمع والتفريق: 43 بسنده عن فاطمة بنت محمد - عليهما السلام - قالت: نظر رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى علي فقال: هذا في الجنة.
ومحمد بن محمود الخوارزمي في جامع المسانيد: 1 / 221 عن أم هاني.
أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نظر إلى علي ذات يوم فرآه جائعا فقال له: يا علي ما أجاعك؟ قال: يا رسول الله إني لم أشبع منذ كذا وكذا فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
أبشر بالجنة.
والطبري في منتخب ذيل المذيل: 115 بسنده عن أم (مرثد قالت:
خرجنا معه تعني مع النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: أول من يشرف عليكم رجل من أهل الجنة، فأشرف علي - عليه السلام -.
وابن الأثير في أسد الغابة: 5 / 578 بسنده عن أم خارجة امرأة زيد بن ثابت، قالت: أتينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حائط ومعه أصحابه، إذ قال أول رجل يطلع عليكم فهو من أهل الجنة، فليس أحد منا إلا وهو يتمنى أن يكون من وراء الحائط، قالت:: فبينما نحن
=>
تراءت لأحداق العيون(4) شهوده | فأكرم بها من شاهد لا يكذب |
تجلى بقطري نجره(5) وفخاره | فلا الدجن(6) يخفيه ولا الليل يحجب |
ولا الشمس حلت في أجل بروجها | ولم يكم(7) معناها ستار وغيهب |
____________
<=
كذلك، إذ سمعنا حسا فرفعنا أبصارنا إليه ننظر من يدخل فقال رسول الله (صلى الله عليه
وآله): عسى أن يكون عليا، فدخل علي بن أبي طالب.
وذكره أيضا العسقلاني في الإصابة: 4 / 428.
والقندوزي في ينابيع المودة: 83 رواه ملخصا مع اختلاف في اللفظ يسير.
والهيثمي في مجمع الزوائد: 9 / 118 قال:
وعن سلمى امرأة أبي رافع، أنها قالت: إني لمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالإسراف
فقال: ليطلعن عليكم رجل من أهل الجنة إذ سمعت الخشفة فإذا علي بن أبي طالب.
وأيضا في 9 / 58 عن ابن مسعود قال:
دخل رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوما حائطا (إلى أن قال) قال: يدخل عليكم الآن رجل
من أهل الجنة اللهم اجعله عليا فدخل علي.
وفي ص 117 قال:
روي عن ابن مسعود قال: كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وآله فقال: يطلع عليكم رجل
من أهل الجنة فدخل علي بن أبي طالب فسلم.
وجاء في أرجح المطالب: 661 قال:
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: كنا عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) فتذاكروا
أصحاب الجنة فقال: إن أول أهل الجنة دخولا إليها علي بن أبي طالب.
(1) لا توجد في: ن.
(2) ن: جالبة.
(3) ن: غبايات.
(4) ج و ق: العيان.
(5) ج و ق: نحره.
(6) الدجن: الغيم المطبق المظلم (المنجد).