الصفحة 210
كونه عيبة علم رسول الله - صلى الله عليه وآله - فلا تقع(1) منه مخالفة. وأما غيره من الأنبياء فلا نقول إنه نهي فخالف وأمر فجانب. فإن قيل: هذا منقوض بقصة أدم في قوله تعالى: * (ولقد عهدنا إلى آدم) *(2)... الآية وثبت نهيه عن الشجرة وإقدامه عليها(3).

قلت: قد ذكر المفسرون أن إبليس قد حلف على النصيحة، وكان آدم من تعظيم الله بالمقام الأمجد، وما توهم أن أحدا يحلف بالله كذبا فبنى على ما بنى.

فإن قيل: الإشكال موجود، إذ بنى على قول إبليس دون قول الله تعالى.

قلت: لعله توهم النسخ. فإن قيل: لو كان الأمر كذا، ما عوتب.

قلت: عوتب على بنائه على الوهم فإن قيل: الإشكال بحاله، إذ لو كان البناء على الوهم حسنا ما عوتبتم على ذلك. قلت: قد تقع المعاتبة على ترك الأولى، ويسمى فاعل المرجوح عاصيا.

وأورد(4) على جميع الأنبياء. بل على جميع البشر من المأمورين والمنهيين قوله تعالى: * (ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا) *(5) الآية فإذا كان الله

____________

(1) ج و ق: ولا تقع.

(2) طه: 115.

تمام الآية: * (من قبل فنسي ولم نجد له عزما) *.

(3) إشارة إلى قوله تعالى: * (ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين. فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ورى عنهما من سوءاتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين. فدلاهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين) *. الأعراف: 19 - 22.

(4) العثمانية: 92.

(5) فاطر: 45.

=>


الصفحة 211
قد أخبر بما ترى عن المعصومين، فلم يتبع(1) قوم على عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان خطاياهم وهفواتهم، وللعمرية والعثمانية أن يعودوا عليهم بمثل ذلك وأكثر منه.

قال: (ومن أجهل ممن زعم(2) إن عليا لم يخط قط، ولم يعص قط، ولم يضع(3) شيئا قط مع [ هذا ](4))(5).

والذي يقال على معنى الآية: إنه تعالى أراد بها غير الأنبياء، بيانه:

السياق من قوله تعالى: * (ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى) * الآية وذلك أمارة عتاب يوم القيامة وبقاء الذنوب، وذنوب الأنبياء - لو ثبت كما يزعم قوم - فإنها تقع مكفرة لا يؤخذون بها في القيامة. والذي يقال على عدو الدين أيضا: إنه بمقام البالغ في بغضة أمير المؤمنين الانحراف عنه، ومع هذا فإنه اجتهد ولم يذكر إلا أحكاما أفتى بها، وقد بينا ما عندنا في ذلك جملة وتفصيلا.

وأما أنا نجئ إلى علي أو آحاد المسلمين، نلزمه الخطأ وإن لم نعرفه، والقبيح وإن لم نعلمه، فهذا شئ لا يرتضيه ذو دين، ولا يعتمده ذو بصيرة، بل نحن بانون على عدالة من جربنا صيانته، وعرفنا في الدين طريقته وقاعدته إلى أن نعرف منه جريمة، ونتحقق منه خطيئة، خاصة من ورد الأثر النبوي في شأنه بأنه لا يفارق الحق ولا يزايل الحق ولا يزايل الصواب، فإنا بانون على أنه كذلك ظاهرا وباطنا.

____________

<=

تتمها: * (ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا) *.

(1) المصدر: يتتبع.

(2) المصدر من رجل زعم.

(3) المصدر: يضيع.

(4) لا توجد في المصدر.

(5) العثمانية: 92.


الصفحة 212
وأما غيره ممن لم يرد فيه ما ورد فيه، ولا نعرف منه حوبا(1)، فإنا بانون على عدالته ظاهرا ما لم نعلم منه مواقعة حوب وانتهاك حرمة.

وأما أن قوما يتبعون عمر وعثمان فإن ذلك ليس قولا لجميع الشيعة، ولا يخلو الفرق من جاهل أو مجتهد أو عاص، فالدرك لازم لمن فعل العصيان، ولا يتعداه ذلك.

وأما قوله: (إن العثمانية والعمرية أن يعودوا عليهم بمثل ذلك وأكثر منه)(2) فقد كذب في ذلك، وسب رسول الله - صلى الله عليه وآله - وسب الله تعالى بما رواه ابن السمعاني مرفوعا إلى أم سلمة - رضي الله عنها - عن رسول الله - عليه السلام - وروى ابن مردويه عن النبي - عليه السلام -: " من سب عليا فقد سبني " وفي رواية " فقد شتمني "(3).

وروى من طريق زيد بن علي عن آبائه أن عليا ساب رجلا يوما وكان رجلا أجوف فسمع نبي الله صوته فخرج فأخذه بيده وقال: يا فلان لا تسبن عليا فإن من سب عليا فقد سبني ومن سبني سبه الله في الدنيا والآخرة.

وروى ابن مردويه عن أم سلمة أيضا في إسناده عن أم سلمة عن رسول الله: من سب عليا فقد سبني، ومن سبني سبه(4) الله عز وجل من عدة طرق ومن طريق الحسن بن علي، في إسناد(5) ذكره، يقول: سمعت جدي رسول الله - صلى الله عليه [ وآله ] - يقول: لا تسبوا عليا فمن سب عليا فقد سبني ومن سبني فقد سب الله عز وجل ومن سب الله عز وجل عذبه الله عز وجل.

____________

(1) الحوب: الذنب.

(2) العثمانية: 92.

(3) تقدمت الإشارة إلى بعض مصادر هذا الحديث عن أم سلمة وابن عباس هامش ص 45 فلاحظ.

(4) ن: سب.

(5) ق: إسناده.


الصفحة 213
[ و ](1) رواه عن ابن عباس عن رسول الله ولم يذكر (عذبه الله عز وجل)(2) وقد سلف أن أذاه أذى رسول الله. وثمرات الجميع قلادة الجاحظ.

وأما الكذب فظاهر، نعرفه عيانا ومن اعتبر السيرة عرف معنى ما قلت وذلك يقرر الوعيد الذي أسلفناه، ولا أرى التعرض بصلحاء الصحابة - رضي الله عنهم -.

قال ساب رسول الله - صلى الله عليه وآله -، بل ساب الله بما ثبت من الأثر: (وكيف يقولون علي فوق(3) الناس كلهم في صواب الرأي والفقه في الدين(4)، ونحن إذا سألنا الفقهاء وأصحاب الآثار والعلماء، عن أصحاب القرآن(5) الذين كانوا مخصوصين بحفظه على عهد رسول الله - صلى الله عليه [ وآله ] - قالوا: زيد بن ثابت، وأبو زيد، وفلان(6). ولم يذكره في باب المخصوصين بحفظ القرآن أيام حياة رسول الله صلى الله عليه [ وآله ]. فإن سألناهم عن أصحاب الحروف والقراءات والوجوه الذين بقراءتهم يقرأ الناس، وبقدر اختلافهم اختلف الناس قالوا: زيد بن ثابت، وأبي بن كعب، وعبد الله ابن مسعود، ولم يذكر معهم(7) ولم يقولوا هذا في قراءة علي، وهكذا(8) في(9)

____________

(1) لا توجد في: ق.

(2) انظر: مستدرك الحاكم: 1 / 121 وذخائر العقبى: 66 وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك ص 34.

(3) ق: فرق.

(4) في المصدر بزيادة: ولا يكون كالرجل من عظماء السلف لضرب يخصه فيهما.

(5) ج: القراءات.

(6) في المصدر بزيادة: وفلان.

(7) في المصدر بزيادة: لأنا شاهدنا الناس يقولون: هذا في قراءة عبد الله بن مسعود وهكذا هو في مصحف عبد الله، وهذا في قراءة أبي وهكذا هو في مصحف أبي، وهذا من قراءة زيد وهكذا هو في مصحف زيد، ولم نرهم يقولون: هذا في قراءة علي... إلى آخره.

(8) ن: وهذا.

(9) في المصدر: وهكذا هو في مصحف علي.


الصفحة 214
مصحف علي، وإن سألناهم عن أصحاب التأويل والتفسير، قالوا: عبد الله بن العباس، والحسن، وفلان وفلان ولم يذكروه)(1).

والذي يقال على ساب الله تعالى - ولا ينبغي لنا مع هذا أن نستفضح سبه عليا إذ لنا بما ثبت من الرواية أنه ساب الله ورسوله عزية(2) -:.

وأما قوله إنه ليس من المعدودين في حفظ القرآن(3) على عهد رسول الله - صلى الله عليه وآله - فإن الشيخ الفاضل أبا عبد الله محمد بن عبد الله الأهوازي(4)، قال: وأما قراءة عاصم بن أبي النجود(5)، ورواها عنه من طريق أبي بكر بن عياش ومن طريق حفص بن سليمان عنه بالسند قال: وقرأ على أبي عبد الرحمن عبد الله بن حبيب السلمي، وقرأ السلمي على علي بن أبي طالب - رضوان الله عليه - وقرأ علي على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -.

قال الشيخ: وأما قراءة حمزة.....(6) وأسند قراءته إلى علي بن أبي طالب قال: وقرأ على النبي - صلى الله عليه وآله -.

____________

(1) في المصدر بزيادة: في هذا الباب، انظر العثمانية: 92.

(2) عزي عزاءا: صبر على ما أصابه فهو عز وهي عزية (المنجد).

(3) ج: القراءات.

(4) لم أعثر على ترجمة له في المصادر التي بين يدي ولعل الله يحدث بعد ذلك أمرا.

(5) عاصم بن أبي النجود (اسم أبي النجود بهدلة) الأسدي مولاهم الكوفي المقري أحد القراء السبعة وهو الذي انتهت إليه رئاسة القراء في الكوفة بعد أبي عبد الرحمن السلمي وقد أخذ منه القراءة وكذلك عن زر بن حبيش توفي سنة 127 أو 128.

انظر تهذيب التهذيب 5 / 38 تاريخ الثقات للعجلي: 239 طبقات القراء: 1 / 346.

(6) حمزة بن حبيب بن عمارة الزيات القاري أبو عمارة الكوفي التيمي مولى بني تيم الله من ربيعة أحد القراء السبعة وعنه أخذ الكسائي القراءة وأخذ هو عن الأعمش وإنما قيل له الزيات لأنه كان يجلب الزيت من الكوفة إلى حلوان ويجلب من حلوان الجبن والجوز إلى الكوفة فعرف به ولد سنة 80 وتوفي بحلوان سنة 158 أو 156 انظر: الجرح والتعديل: 3 / 209 ترجمة 916 تهذيب التهذيب: 3 / 27 - 28 وفيات الأعيان: 2 / 216 ميزان الاعتدال: 1 / ترجمة 2297.


الصفحة 215
قال: وأما قراءة الكسائي(1) وذكر أنه من باكسايا(2) - قرية من سواد العراق - ولد بالكوفة ونشأ بها - وقرأ على جماعة من أهلها منهم: حمزة بن حبيب الزيات، وقرأ حمزة على جماعة منهم ابن أبي ليلى، وقرأ ابن أبي ليلى على أخيه، وقرأ أخوه على أبيه، وقرأ أبوه على علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وقرأ علي على النبي - صلى الله عليه [ وآله ] -.

قال: وأما رواية يعقوب(3) ورفع السند إلى سلام قال: وقرأ سلام على عاصم بن أبي النجود، وقرأ على أبي عمرو بن العلاء، وعلى عاصم بن أبي الصباح(4) الجحدري، وقرأ عاصم بن أبي النجود، على أبي عبد الرحمن السلمي، وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي على علي بن أبي طالب - رضوان الله عليه - وقرأ علي بن أبي طالب على النبي - صلى الله عليه وآله -.

وقال بعد كلام: وقال روح:(5) قال لي يعقوب: قرأت على شهاب بن

____________

(1) علي بن حمزة بن عبد الله بن بهمن بن فيروز الأسدي مولاهم، أبو الحسن الكسائي.

انتهت إليه رئاسة القراء بالكوفة بعد حمزة الزيات وأعلم الناس في زمانه بالنحو توفي سنة 189 وقيل: 181 وقيل غير ذلك. واختلف في تسميته بالكسائي فقد قيل إنه روى عنه أنه سئل عن ذلك فقال: لأني أحرمت في كساء وقيل لأنه كان يتشح بكساء ويجلس في حلقة حمزة فيقول أعرضوا على صاحب الكسائي وقيل من قرية باكسايا.

انظر: طبقات القراء: 1 / 535 تهذيب التهذيب: 7 / 313 سير أعلام النبلاء: 9 / 131 الجرح والتعديل: 6 / 182.

(2) ن: كساء.

(3) يعقوب بن إسحاق بن زيد بن عبد الله بن أبي إسحاق: أبو محمد الحضرمي مولاهم البصري، أحد القراء العشرة، وإمام أهل البصرة ومقريها، أخذ القراءة عن سلام الطويل، ومهدي بن ميمون وغيرهما. توفي في ذي الحجة سنة 205 وله ثمان وثمانون سنة انظر:

طبقات القراء: 2 / 386 وسير أعلام النبلاء: 10 / 169 ووفيات الأعيان: 6 / 390 وتهذيب التهذيب: 11 / 382.

(4) ن: الصلاح.

(5) روح بن عبد المؤمن، أبو الحسن الهذلي مولاهم البصري النحوي المقرئ.

=>


الصفحة 216
شريفة المجاشعي في خمسة أيام، وقرأ شهاب على مسلم بن محارب المحاربي(1) في سبعة أيام، وقرأ مسلمة على أبي الأسود ظالم بن عمر(2) الدئلي وقرأ أبو الأسود على علي بن أبي طالب - رضوان الله عليه - وقرأ علي على النبي - صلى الله عليه [ وآله ] وسلم -.

إذا عرفت هذا ظهر لك أن أبا عثمان باغض أمير المؤمنين - عليه السلام - إذ مثل هذا لا يخفى عن مثله، ومن أبغض عليا فهو منافق - لا محالة - بالنص الصحيح النبوي(3) جازاه(4) الله تعالى سوء فعله.

وهذا الذي ذكرناه آت(5) على ما يتعلق بحفظ القرآن(6) وما يتبعه من القراءات والحروف.

ومن التعيين الدال على كذبه ما ذكره الثعلبي في تفسير الواقعة عند قوله تعالى (وطلح منضود)(7) أن عليا عليه السلام قرأ: (وطلع منضود) عن مولى الحسن بن علي [ و ](8) عن قيس بن سعد(9).

____________

<=

قرأ على يعقوب الحضرمي وجماعة آخرين، وروى عنه جماعة منهم البخاري في صحيحه مات سنة 233 وقيل 235 وقيل غير ذلك انظر:

طبقات القراء: 1 / 285 وتهذيب التهذيب: 3 / 296 والجرح والتعديل: 3 / 499 وتقريب التهذيب: 1 / 253.

(1) ج: المحازي.

(2) ن: عمرو.

(3) مرت الإشارة إلى قسم منها في هامش ص: (29).

(4) ج و ق: خازاه.

(5) ج: اب.

(6) ج: القراءات.

(7) الواقعة: 29.

(8) لا توجد في: ق ون.

(9) الكشف والبيان: مخطوط.


الصفحة 217
وأما ما يتعلق بالتأويل والتفسير. فإن الشيخ الكبير المعظم، العالم الحافظ ابن عبد البر، روى عن معمر، عن وهب بن عبد الله، عن أبي الطفيل قال: شهدت عليا يخطب وهو يقول: سلوني فوالله لا تسألوني عن شئ إلا أخبرتكم، وسلوني عن كتاب الله فوالله ما من آية إلا وأنا أعلم بليل(1) نزلت أم بنهار(2)، في سهل أم جبل(3).

____________

(1) في المصدر: أبليل وكذلك في باقي المصادر.

(2) في المصدر بزيادة: أم.

(3) الاستيعاب: 3 / 1107.

وأورده أيضا ابن حجر في تهذيب التهذيب: 7 / 337 وفي الإصابة: ج 4 القسم 1 ص 270 وروى ابن سعد في طبقاته: ج 2 القسم 2 ص 101.

بسنده عن أبي الطفيل قال: قال علي عليه السلام: سلوني عن كتاب الله فإنه ليس من آية إلا وقد عرفت بليل نزلت أم بنهار، في سهل أم في جبل.

وابن جرير الطبري في تفسير: 26 / 116.

بسنده عن أبي الطفيل قال: سمعت عليا عليه السلام يقول: لا تسألوني عن كتاب ناطق ولا سنة ماضية إلا حدثتكم، فسأله ابن الكوا عن الذاريات فقال: هي الرياح.

وأيضا ابن جرير الطبري في تفسيره: 26 / 116.

بسنده عن أبي الصهباء البكري عن علي بن أبي طالب عليه السلام -، قال - وهو على المنبر - لا يسألني أحد عن آية من كتاب الله إلا أخبرته، فقام أبو الكوا (إلى أن قال) فقال ما الذاريات ذروا؟ قال: الرياح.

كنز العمال: 1 / 228.

قال: عن أبي الطفيل عامر بن واثلة قال: شهدت علي بن أبي طالب عليه السلام يخطب فقال في خطبته: سلوني فوالله لا تسألوني عن شئ يكون إلى يوم القيامة إلا حدثتكم، سلوني عن كتاب الله فوالله ما من آية إلا أنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار أم في سهل أم في جبل، فقام إليه ابن الكوا، فقال: يا أمير المؤمنين ما الذاريات ذروا؟ فقال له: ويلك سل تفقها ولا تسأل تعنتا * (والذاريات ذروا) * الرياح * (فالحاملات وقرا) * السحاب * (فالجاريات يسرا) * السفن * (فالمقسمات أمرا) * الملائكة.

فقال: فما السواد الذي في القمر؟ فقال: أعمى يسأل عن عمياء، قال الله تعالى: * (وجعلنا

=>


الصفحة 218
وذكر أبو عمر الزاهر:(1) أنه صلى الله عليه [ وآله ] قال لابن عباس:

القني إلى الجبان وأنه فسر له حروف الحمد وهي خمسة إلى أن برق عمود الفجر، ومن هذا الحديث يقول ابن عباس: ثم تفكرت فإذا علمي بالقرآن في علم علي عليه السلام كالقرارة في المثعنجر(2).

وروى الثعلبي بإسناد عن ابن عباس، قال: بينما أنا في الحجر أتاني رجل فسأل عن * (والعاديات ضبحا) *(3) فقلت له: الخيل حين تغير في سبيل

____________

<=

الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة) * فمحو آية الليل السواد الذي في القمر.

قال: فما كان ذو القرنين أنبيا أم ملكا؟ فقال: لم يكن واحدا منهما، كان عبد الله أحب الله وأحبه الله وناصح الله فنصحه الله، بعثه الله إلى قوم يدعوهم إلى الهدى فضربوه على قرنه الأيمن ثم مكث ما شاء الله ثم بعثه الله إلى قومه يدعوهم إلى الهدى فضربوه على قرنه الأيسر ولم يكن له قرنان كقرني الثور.

قال: فما هذه القوس؟ قال: هي علامة كانت بين نوح وبين ربه وهي أمان من الغرق.

قال: فما البيت المعمور؟ قال: بيت فوق سبع سماوات تحت العرش يقال له الضراح يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون إليه إلى يوم القيامة.

وقال: فمن الذين بدلوا نعمة الله كفرا؟ قال: هم الأفجران من قريش قد كفيتموه يوم بدر.

قال: فمن * (الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا) * قال: قد كان أهل حروراء منهم. انتهى. وذكره أيضا العسقلاني في فتح الباري: 10 / 221.

(1) هو محمد بن عبد الواحد بن أبي هاشم أبو عمر الزاهر اللغوي المحدث المعروف بغلام ثعلب البغدادي ولد سنة 261 وسمع من جمع من المحدثين، ولازم ثعلبا في العربية فأكثر عنه. كما حدث عنه جماعة آخرون. توفي سنة 345 انظر سير أعلام النبلاء: 15 / 508 وبغية الوعاة:

1 / 164 وابناه الرواة: 3 / 171.

(2) ج و ق: المنعجر. والمثعنجر: أكثر موضع ماء في البحر، من العثجر، المطر إذا لم يكن له إمساك.

أقول: ذكر هذا الحديث وقول ابن عباس المذكور جماعة باختلاف يسير في بعض ألفاظه نذكر منهم القندوزي في ينابيع المودة: 408 والنبهاني في الشرف المؤبد: 58 والآمرتسري في أرجح المطالب: 113 وابن الأثير في النهاية: 1 / 152.

(3) العاديات: 1.


الصفحة 219
الله، ثم تأوي إلى الليل فيصنعون(1) طعامهم، ويورون نارهم، فانفتل عني فذهب(2) إلى علي بن أبي طالب وهو تحت سقاية زمزم، فسأله عن * (والعاديات ضبحا) * فقال: سألت عنها أحدا قبلي؟ قال: نعم، سألت عنها ابن عباس، فقال: الخيل حين تغير في سبيل الله، قال: اذهب فادعه لي، فلما وقفت على رأسه قال: تفتي الناس بما لا علم لك به، والله إن كانت لأول غزاة في الإسلام " بدر " وما كان معنا إلا فرسان، فرس للزبير، وفرس للمقداد ابن الأسود، فكيف تكون * (العاديات ضبحا) * إنما * (العاديات ضبحا) * الإبل من عرفة إلى المزدلفة ومن المزدلفة إلى منى.

[ قال ابن عباس: فنزعت عن قولي ورجعت إلى الذي قال علي ](3).

وهذا وارد على عدو السنة ورودا جيدا، إذ ذكر أن التفسير والتأويل كان المسؤول عنهما ابن عباس والحسن وغيرهما.


لعن الله من يسب علياوحسينا من سوقة وإمام
أيسب المطهرون جدوداوالكريم(4) الأخوال والأعمام(5)

____________

(1) ج و ق: فيضعون.

(2) ق: وذهب.

(3) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ن.

أقول: والحديث في الكشف والبيان: مخطوط.

(4) ن: والكريمو.

(5) البيتان لكثير بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة. ذكره المرزباني في معجم شعراءه ص 239 - 240 فقال: واسمه الحارث بن سعيد بن سعد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي ابن غالب (إلى أن قال) وكان يتشيع وهو القائل - وسمع عبد الله بن الزبير يتناول أهل البيت عليهم السلام ويقال: إنه قالها لما كتب هشام بن عبد الملك إلى عامله بالمدينة أن يأخذ الناس بسبب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه -:


لعن الله من يسب علياوحسينا من سوقة وإمام
أتسب المطيبين جدوداوالكريمي الأخوال والأعمام

=>


الصفحة 220
وروى الثعلبي في تفسيره في إسناد متصل عن عبد الله بن عطاء قال:

كنت جالسا مع أبي جعفر في المسجد، فرأيت عبد الله بن سلام، فقلت هذا الذي عنده علم الكتاب، فقال: إنما ذلك علي بن أبي طالب - عليه السلام -(1) ورفعه إلى ابن الحنيفة(2).

ورواته أبو نعيم الحافظ عن محمد بن الحنفية مرفوعا من طريقين إلى عباد

____________

<=


طبت بيتا وطاب بيتك بيتاأهل بيت النبي والإسلام
رحمة الله والسلام عليكمكلما قام قائم بسلام

(1) الكشف والبيان: مخطوط.

وذكره ابن المغازلي في مناقبه: 313 قال:

أخبرنا أحمد بن محمد بن طاوان إذنا: إن أبا أحمد عمر بن عبد الله بن شوذب أخبرهم، قال:

حدثنا محمد بن جعفر بن محمد العسكري: حدثنا محمد بن عثمان: حدثنا إبراهيم بن محمد ابن ميمون: حدثنا: علي بن عابس قال: دخلت أنا وأبو مريم على عبد الله بن عطاء قال أبو مريم: حدث عليا بالحديث الذي حدثتني عن أبي جعفر، قال: كنت عند أبي جعفر جالسا إذ مر عليه ابن عبد الله بن سلام قلت: جعلني الله فداك هذا ابن الذي عنده علم من الكتاب؟

قال: لا ولكنه صاحبكم علي بن أبي طالب الذي نزلت فيه آيات من كتاب الله عز وجل * (الذي عنده علم من الكتاب) * * (أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه) * و * (إنما وليكم الله ورسوله) * الآية.

وأخرجه القرطبي في تفسيره: 9 / 336 بهذا السند والقندوزي في ينابيع المودة: 102 وبسند ولفظ آخرين الحسكاني في شواهد التنزيل: 1 / 308.

(2) وذكره بهذا الطريق أيضا الحسكاني في شواهد التنزيل: 1 / 308 قال:

وأخبرونا عن أبي بكر عبد الله بن محمد بن منصور بن الجنيد الرازي أخبرنا محمد بن الحسين ابن اسكاب أخبرنا أحمد بن مفضل أخبرنا مندل بن علي عن إسماعيل بن سليمان عن أبي عمر زاذان عن ابن الحنفية في قوله تعالى: * (ومن عنده علم الكتاب) * قال: هو علي بن أبي طالب.

وكذلك ذكره عنه القرطبي في تفسيره: 9 / 336.


الصفحة 221
ابن يعقوب(1).

قال ساب رسول الله: (وإن سألناهم عن أصحاب الرواية والمشهورين بكثرة الإسناد عن رسول الله، قالوا: ابن عمر(2) وجابر بن عبد الله وعائشة وأبو هريرة ولم يذكر معهم في هذا الباب)(3).

والذي يقال على هذا: ما رويناه من كون عائشة أقرت أنه أعلم الناس بالسنة من طريق لا يتهم(4) وأوردنا أيضا(5) أنه عيبة علم رسول الله - صلى الله عليه وآله -.

قال صاحب كتاب " الاستيعاب ":

وعن ابن عباس في إسناد ذكره(6)، قال كنا إذا أتانا الثبت عن علي لم نعدل(7) به(8).

وروى [ صاحب العمدة ](9) عن ابن المغازلي عن ابن عباس رضي الله عنه بإسناده عن النبي عليه السلام أنه قال: علي مني كرأسي من بدني(10).

____________

(1) ما نزل من القرآن في علي: مخطوط.

(2) المصدر: وعبد الله بن عمرو.

(3) العثمانية: 93.

(4) مرت الإشارة إليه هامش ص: 99.

(5) مرت الإشارة إليه هامش ص: 83.

(6) قال صاحب الاستيعاب: وحدثنا فضيل عن عبد الوهاب قال: حدثنا شريك عن ميسرة عن المنهال عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كنا إذا أتانا الثبت عن علي لم نعدل به.

(7) ن: يعدل.

(8) ن: يعدل.

(8) الاستيعاب: 3 / 1104.

(9) في كل النسخ رمز إليه بحرف (ع) انظر: عمدة ابن البطريق: 376 و 377.

(10) مناقب ابن المغازلي: 92 حديث 136 وذكره بطريق آخر بلفظ: علي مني مثل رأسي من بدني. حديث 135 ولقد روى الحديث باللفظين أو بلفظ علي مني بمنزلة رأسي من بدني جماعة: أخطب خطباء الخوارزم في مناقبه: 87 وابن حجر في الصواعق المحرقة: 75

=>


الصفحة 222
وإذا تقرر هذا فكيف يقاس به غيره، أو يماثل به سواه؟ فكيف ما اعتمده الناقص(1)، ساب الله، من ترجيح أبي هريرة(2) عليه؟ المتهم عند عمر وغيره من أعيان الصحابة المقدوح فيه جدا.

وقد يكون العذر في كونه صلى الله عليه لم يذكر عند ذكر أبي هريرة وشبهه، رئاسة من أغفل ذكره، برهان سفاهة أبي عثمان في كون ترك ذكره برهان غمضه، إذ الخاص التمام لا يذكر مع العامة، والنجوم الثواقب لا تذكر مع السهى.

____________

<=

والقندوزي في ينابيع المودة: 53 و 180 و 284 والشبلنجي في نور الأبصار: 73 والخطيب في تاريخ بغداد: 7 / 12 ومحب الدين الطبري في ذخائر العقبى: 63 والرياض النضرة:

2 / 162.

(1) ن: الناقض.

(2) أبو هريرة اليماني، اختلف في اسمه فقد قيل: إنه عبد الرحمن وقيل عامر: وقيل غير ذلك كان من أصحاب الصفة يتصدق عليه المسلمون وقد صحب النبي (ص) ثلاث سنين وقيل أربع.

ذكره ابن كثير في البداية والنهاية وقال: يزيد بن هارون: سمعت شعبة يقول: أبو هريرة كان يدلس. ذكره ابن عساكر.

وقال شريك شريك عن مغيرة عن إبراهيم قال: كان أصحابنا يدعون من حديث أبي هريرة وروى الأعمش عن إبراهيم قال: ما كانوا يأخذون بكل حديث أبي هريرة.

وقد استعمله عمر بن الخطاب في أيام إمارته على البحرين. وذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء عن همام بن يحيى، حدثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، أن عمر قال لأبي هريرة: كيف وجدت الإمارة؟ قال: بعثتني وأنا كاره ونزعتني وقد أحببتها. وأتاه بأربعمائة ألف من البحرين، فقال: ما جئت به لنفسك؟ قال: عشرين ألفا قال: من أين أصبتها؟ قال: كنت أتجر قال:

انظر رأس مالك ورزقك فخذه واجعل الآخر في بيت المال.

وتوفي أبو هريرة سنة 59 وقيل 58 وقيل غير ذلك.

انظر سير أعلام النبلاء: 2 / 578 - 632 والبداية والنهاية: 8 / 103 - 115 والإصابة: 12 / 63 وتهذيب التهذيب 12 / 262.


الصفحة 223
ولقد بلي مولانا - صلى الله عليه - بحداق(1) عمه(2) تجعل عماها دليل نقص(3) ما خفي عنها برهان التهويش لما بعده الكمه(4) منها، ومعاندين لا يزعهم عن البهت الشنيع دين، ولا يمنعهم عن الإفك البين حياء.


والشمس لا يهبطها عائبسيان دان أو غفول جهول
والنقص إذ ذاك على عائبقد قيدته بالصغار(5) الكبول(6)

وذكر: (أن النبي - عليه السلام - قال: أقرؤكم أبي، وقال: أفرضكم زيد، وأعلمكم بالحلال معاذ)(7).

والذي يقال على هذا: إن الذي يرويه الخصم غير متقبل علينا، وبعد فلا نعلم إلى من أشار بقوله " أقرؤكم، أفرضكم، أعرفكم " وإلا شبه أن تكون إشارة إلى مخاطبين حاضرين، ولا يعرف(8) من هم، حتى تدري الفضيلة على من.

قال: (وإذا(9) صرت إلى أن تسأل عن الاختيار وجودة الرأي والقوة في السلطان والضبط للعدو والعوام، قالوا: أبو بكر وعمر، وإن سألت عن الفتوح قالوا: أبو بكر وعمر وعثمان)(10).

____________

(1) الحداق: مفرده الحدقة سواد العين.

(2) عمه: مفردة أعمه وعمهاء: المتحير في طريقه كالأعمى.

(3) ن: نقض.

(4) كمه كمها: عمى أو صار أعشى (المنجد).

(5) الصغار (بفتح الأول): الذل.

(6) الكبول: مفرده الكبل، القيد.

(7) العثمانية: 94.

(8) ن: تعرف.

(9) في المصدر: فان.

(10) العثمانية: 94.


الصفحة 224
وذكر عدو الله: (أن عليا لم يكن له رأي)(1) وذكر خرافات، لا تستند إلى دليل، عمن لا يبنى(2) على قوله.

والذي يقال [ على هذا ](3) أنه رد على رسول الله - صلى الله عليه وآله - إذ قد شهد له بالحكمة الباهرة على غيره، ذكرنا ذلك من عدة طرق. ولكن الدين قيد يمنع السياسة الدنياوية [ السلطانية ] التي يرضاها غير المتقيدين بمراسم الله، المنقادين إلى تدبيره ](4) المنبعثين إلى أوامره، المتباعدين(5) عن معصيته، وإلا فأي وجه خفي عنه من فنون التدبير في حرب أو غيره، وقد ارتضاه رسول الله صاحب لوائه في حروبه، وجعله رئيس الناس لما وجهه إلى اليمن فأحسن وجعله عوض مهجته في المدينة لما توجه إلى " تبوك ".

وينبهك على أن الذي كان المقيد له عن تدبير الدنيا كون المغيرة بن شعبة أشار عليه باستنابة معاوية فأبى عليه، ثم جاءه فصوب رأيه في عزله، فقال له: نصحت في الأولى وغششت في الثانية.

ألا تراه عرف وجه التدبير السياسي ومنعه منه التدبير الديني، ولم يكن غيره عند من عرف السيرة متقيدا بهذه القيود.

وقد ذكر ابن أبي الحديد شيئا من هذا(6) ولا أرى التعرض بخلصاء الصحابة - رضوان الله عليهم - وقد ذكرنا من تدبير غيره نبذة، وذكرنا اقتداء أعيان الصحابة برأيه في عدة مواضع.

وأما ترجيحه منصوره ومن تلاه بكثرة الفتوح، فإن لسان الجارودية يجيب

____________

(1) العثمانية: 94.

(2) ن: يثنى.

(3) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ج.

(4) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ن.

(5) ج و ق: المساعدين.

(6) شرح ابن أبي الحديد: 1 / 232.