قال: هي عين في دار النبي - صلى الله عليه [ وآله ] - فتجر إلى دار الأنبياء - عليهم السلام - والمؤمنين. * (يوفون بالنذر) * يعني عليا وفاطمة والحسن والحسين وجاريتهم فضة. الغرض من الحديث(3).
قال: والله ما قالوا ذلك بألسنتهم، ولكنهم أضمروه في نفوسهم، فأخبر(4) الله تعالى بإضمارهم. وذكر فنونا، قال بعدها: قال ابن عباس: فبينا أهل الجنة في الجنة إذ رأوا ضوءا كضوء الشمس وقد أشرقت الجنان بها فيقول أهل الجنة: يا رضوان الله قال ربنا عز وجل: * (لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا) *(5) فيقول لهم رضوان: ليست هذه بشمس ولا قمر، ولكن هذه فاطمة وعلي ضحكا ضحكا أشرقت الجنان من نور ضحكهما. وفيهما أنزل الله سبحانه وتعالى: * (هل أتى على الإنسان حين من الدهر) * إلى قوله: * (وكان
____________
(1) ن: أقبل.
(2) الدهر: 5 - 6.
(3) ولقد روى أيضا نزول هذه الآيات في أهل البيت عليهم السلام جمع من العامة وبألفاظ مختلفة منهم: ابن الأثير في أسد الغابة 5 / 530 والواحدي في أسباب النزول: 331 والسيوطي في الدر المنثور في ذيل التفسير قوله تعالى: * (ويطعمون الطعام على وجه مسكينا ويتيما وأسيرا) * والشبلنجي في نور الأبصار: 102 والزمخشري في تفسير قوله تعالى * (وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا) * والمحب الطبري في الرياض النضرة: 2 / 227 وفي ذخائر العقبى: 102 والفخر الرازي في تفسير الكبير في ذيل الآية والقرطبي في تفسيره: 19 / 129 وسبط ابن الجوزي في التذكرة: 322 والكنجي في كفاية الطالب: 201 والخازن في تفسيره: 7 / 159 والآلوسي في روح المعاني: 29 / 157.
(4) ق: فأحسن.
(5) الدهر: 13.
وروى حديث الصدقة في حال الركوع(1) أبو نعيم من عدة طرق(2)، وكذا [ روى حديث الصدقة أمام النجوى(3) من عدة طرق ](4)، وكذا روى حديث الصدقة ليلا ونهارا و [ في ](5) السر والعلانية من عدة طرق(6).
أقول: ولو لم يكن إلا جوده بمهجته وشكر الله تعالى له على فعلته، المقترنة بمخالصة(7) لكفى.
وأن في القصة الأولى من المعنى الأعظم، والعلى الأضخم، والمجد الأوسم والدين الأقوم، والسخاء الأشهر المعلم، ما يفوق صدقات البرايا على ما يعرف عدا رسول الله - صلى الله عليه وآله - فإنه ذو الفخر الذي لا يصل فخر إليه، ولا تقف بإزائه دعاو لا يعلم برهانها، ولا يثبت أركانها، ولو ثبت لم تكن مناسبة لما ذكرناه في هذه القصة، ولا في آية " النجوى " الذي تفرد " علي " دون المسلمين كافة بها: وعاتب الله تعالى المسلمين عداه في البعد عنها)(8).
____________
(1) إشارة إلى الآية: * (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) * المائدة: 55 ونزولها بشأن أمير المؤمنين علي عليه السلام وسوف يأتي الكلام حولها ص: (131).
(2) معرفة الصحابة مخطوط.
(3) إشارة إلى الآية: * (يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ذلك خير لكم وأطهر فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم) * المجادلة: 12 وأيضا وقد مر الكلام حولها ص (47).
(4) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ن.
(5) ج و ق: لا توجد.
(6) إشارة إلى الآية: * (الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) * البقرة: 274 وقد مر الكلام حولها أيضا في ص (48).
(7) ن: لمخالصته.
(8) إشارة إلى الآية: * (أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإذا لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الله ورسوله والله خبير بما تعملون) *: المجادلة: 13.
مناقب لا ترقى إليها عزائم | ولو حلقت فوق السماك(1) العزائم |
حواها أبونا غير ما متردد | يفرعها النجم المحلق هاشم |
وكم للأوالي(2) منقبا بابن فاطم | علي بن يشقى(3) العدو المخاصم |
وأما (أن أبا بكر - رضوان الله عليه - ما خلف طائلا مع كثرة الفتوح)(4) فإن أبا عثمان صغر هذا المعنى، إذ الفتوح للمسلمين كافة، وله بهم أسوة - رضوان الله عليه - فعلى قول أبي عثمان لا شكر له ولا مدح أيضا(5) بإيصال أموال المسلمين إليهم.
وأما (أن عليا كان مخفقا يعال ولا يعول واستفاد الرباع والمزارع والعيون والنخيل، ومات ذا مال وأوقاف، إن ذلك يوازي كل شئ ملكه أبو بكر(6) فإن الذي يرد على ملقح الفتن في(7) [ ذلك ](8) أن تكراره كون علي - عليه السلام - يعال إشارة إلى كون أمير المؤمنين في تربية رسول الله - صلى الله عليه وآله - فلا(9) وصمة في ذلك ولا مذلة، ولو لم يكن أخاه وابن عمه العزيز عليه، القريب إليه.
ولقد أحسن أمية بن أبي الصلت(10) مادح عبد الله بن
____________
(1) السماك: والسماكان كوكبان نيران في السماء.
(2) ن: للأولى. والأوالي جمع الأول.
(3) ق: نسقي.
(4) العثمانية: 97.
(5) لا توجد في: ج.
(6) العثمانية: 98.
(7) ج: من.
(8) لا توجد في: ن.
(9) ج: ولا.
(10) أمية بن عبد الله أبي الصلت بن أبي ربيعة شاعر جاهلي أدرك النبي صلى الله عليه وآله ولم يسلم يقال إنه كان قد نظر في الكتب وقرأها ولبس المسوح تعبدا والتمس الدين وطمع في النبوة لأنه
=>
عطاؤك زين لامرئ إن حبوته | يزين وما كل العطاء يزين |
فما إن يشين باذلا حر وجهه | إليك كما بعض العطاء يشين(2) |
ولقد سعد وتمجد من كان مغذوا بطعام الرسول، وكنف أشرف بذول، يجمع له بين الغذائين، غذاء الطعام المعتاد، والحكمة الهادية إلى طريق الرشاد، ود من ملك ما بين خافقي المغارب والمشارق أن يكون مغذوهما المتشرف بهما.
ويؤكد الجواب عن تعيير(3) أمير المؤمنين - عليه السلام - بالإخفاق فنقول:
علا المجد فانخزلت(4) دون | نقائص لا ترتقي مجده |
____________
<=
قرأ في الكتب أن نبيا يبعث من العرب فكان يرجو أن يكونه، فلما بعث النبي صلى الله عليه وآله
حسده عدوا لله فكان يحرض قريشا بعد وقعة بدر وكان يرثي من قتل من قريش في وقعة بدر.
انظر: الأغاني: 4 / 120 والشعر والشعراء لابن قتيبة: 176 وتهذيب الأسماء: 1 / 126
وأعلام الزركلي: 2 / 23.
(1) عبد الله بن جدعان التيمي القرشي أحد الأجواد المشهورين في الجاهلية أدرك النبي صلى الله
عليه وآله قبل النبوة كانت له جفنة يأكل منها الطعام القائم والراكب فوقع فيها صبي فغرق وهو
الذي خاطبه أمية بن أبي الصلت بأبيات اشتهر منها قوله:
أأذكر حاجتي أم قد كفاني حياءك إن شيمتك الحياء
انظر: تاريخ اليعقوبي: 1 / 215 وخزانة البغدادي: 3 / 537 وأعلام الزركلي: 4 / 76 والأغاني: ج 3 و 4 و 8.
(2) البيتان كما وردا في الديوان: 499.
عطاءك زين لامرئ إن حبوته | بخير وما كل العطاء يزين |
وليس بشئ لامرئ بذل وجهه | إليك كما بعض السؤال يشين |
(3) ق: تعبير.
(4) انخزل: في كلامه انقطع ومن المكان انفرد (المنجد).
وحنت إليه مزايا العلاء(1) | فنجم السماء غدا عبده |
فكل كمال له صاحب | يدافع عن مجده ضده |
وأما ما استفاده - صلى الله عليه - فإنه لم يخلفه بعده للوارث، كما روى عنه بعض بنيه في وصفه، ولقد تصدق بعين كأنها عنق جزور، وقال: لتطفئ عني حر النار، شارحا لخوفه من الله تعالى، وقد سئل. هل كان علي يخاف؟.
ونعم المال ما وسع المضطرين، وجبر المكسورين، ونقع غلة الصادين.
وقد صرح عدو رسول الله بوقفه - صلى الله عليه - وقد روينا في صحيح الآثار صورة حال وقفيته، من ذلك:
هذا ما أوصى به علي(2) ابتغاء وجه الله ليولجني به الجنة ويصرفني به عن النار.
ويقول بعد كلام: هذه صدقة واجبة بتلة(3) حيا أنا أو ميتا تنفق في كل نفقة، أبتغي بها وجه الله، في سبيل الله ووجهه، وذوي الرحم من بني هاشم وبني المطلب القريب(4).
وفي رواية أخرى معتبرة الغرض منها: أن رسول الله - صلى الله عليه وآله - قسم الفيئ فأصاب عليا أرض، فاحتفر فيها عينا فخرج منها ماء " ينبع " في السماء كهيئة عنق الجزور، فسماها عين " ينبع " فجاء البشير ليبشره. فقال: بشر الوارث، بشر الوارث، هي صدقة بتا بتلا في حجيج بيت الله وعابري سبيله، الغرض من الحديث(5).
____________
(1) ق: العلى.
(2) في المصادر: هذا ما أوصى به وقضى به في ماله عبد الله على... إلى آخره.
(3) بتلة: مقطوعة، أي مقطوعة عن صاحبها لا رجعة له فيها.
(4) المصادر: بزيادة والبعيد انظر: الكافي: 7 / 49 كتاب الوصايا، والتهذيب: 9 / 146 كتاب الوقوف والصدقات.
(5) الكافي: 7 / 54 كتاب الوصايا والتهذيب: 9 / 148 كتاب الوقوف والصدقات.
إذا محاسني اللائي أمت(1) بها | صارت ذنوبا(2) فقل لي كيف أعتذر |
علي نحت المعاني(3) من أماكنها | وما علي لهم أن تفهم البقر(4) |
هل يعيب عاقل ساعيا في مواد الإحسان إلى الفقراء والقرباء، والحج إلى بيت الله الحرام؟ هذا رأي مهين ممن اعتمده مزاج سوء ممن قصده. وغير مستغرب ذلك من خليط ابن الزيات(5) وعشيره
____________
(1) ق: امث وفي ديوان البحتري: أدل.
(2) في الديوان: كانت ذنوبي.
(3) في الديوان: القوافي من مقاطعها.
(4) البيتان هما للبحتري (820 - 897) من قصيدة يمدح بها علي بن مر الأرمني مطلعها:
الشيب زجر له لو كان ينزجر | وبالغ منه لولا أنه حجر |
(5) هو أبو جعفر محمد بن عبد الملك بن أبان بن حمزة المعروف بابن الزيات، وزر لثلاثة خلفاء من بني العباس وهم: المعتصم والواثق والمتوكل.
كان أبوه زياتا إلا أنه كان كثير المال، وكان محمد شديد القسوة، صعب العريكة، لا يرق لأحد ولا يرحمه وكان يقول: الرحمة خور في الطبيعة.
وكان ابن الزيات المذكور قد اتخذ تنورا من حديد، وأطراف مساميره المحددة إلى داخل، وهي قائمة مثل رؤوس المسال في أيام وزارته وكان يعذب فيه المصادرين، وأرباب الدواوين المطلوبين بالأموال، ولم يسبقه أحد إلى هذه المعاقبة، وكان إذا قال له أحد منهم: أيها الوزير ارحمني، فيقول له: الرحمة خور في الطبيعة فلما اعتقله المتوكل، أمر بإدخاله في التنور وقيده بخمسة عشر رطلا من الحديد فقال: يا أمير المؤمنين ارحمني، فقال له: الرحمة خور في الطبيعة.
قتل ابن الزيات سنة 233.
قال ابن خلكان: وكان الجاحظ منقطعا إليه (يعني ابن الزيات) فخاف أن يؤخذ مع أسبابه فغاب.
=>
وهذا يوضح لك حيف سفه الساقط، إذ مدح أبا بكر بكثرة المال وإنفاقه في سبيل الله مما لم يثبت برهانه، وعاب أمير المؤمنين بكثرة المال، مع إقراره بما وقفه في سبيل الله من الوقوف المتعددة، وشهدت به الروايات من ذلك وغيره من نفقته في سبيل الله.
وأما أنه خلف ذهبا أو فضة، فإن صاحب كتاب " الاستيعاب " قال:(2) وثبت عن الحسن بن علي من وجوه أنه قال: لم يترك أبي إلا ثمانمائة درهم أو سبعمائة، فضلت من عطاءه، كان يعدها لخادم يشتريها لأهله(3).
____________
<=
وحكى ابن أبي العيناء قال: كنت عند ابن أبي داود بعد قتل ابن الزيات فجيئ بالجاحظ مقيدا وكان
في أسبابه وناحيته وعند ابن أبي داود محمد بن منصور، وهو إذ ذاك يلي قضاء فارس وخوزستان
فقال ابن أبي داود للجاحظ: ما تأويل هذه الآية: * (وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي
ظالمة إن أخذه أليم شديد) * هود: 102 فقال: تلاوتها تأويلها أعز الله القاضي، فقال: جيئوا
بحداد، فقال أعز الله القاضي، ليفك عني أو يزيدني؟ فقال: بل ليفك عنك، فجيئ بالحداد
وغمزه بعض أهل المجلس أن يعنف بساق الجاحظ ويطيل أسره قليلا، ففعل، فلطمه الجاحظ
وقال: اعمل عمل شهر في يوم وعمل يوم في ساعة وعمل ساعة في لحظة، فإن الغرر على
ساقي وليس بجذع ولا ساجة، فضحك ابن أبي داود وأهل المجلس منه، وقال ابن أبي داود
لمحمد بن منصور: أنا أثق بظرفه ولا أثق بدينه. انظر وفيات الأعيان: 5 / 94 - 103 وترجمة
ابن الزيات إلى: مروج الذهب: 4 / 5 - 6 وتاريخ ابن الأثير: 7 / 36.
(1) ج و ن: المنقلب.
(2) المصدر بزيادة: قد.
(3) الاستيعاب: 3 / 1112.
ورواه أيضا الحاكم في مستدركه: 3 / 173.
بسنده عن علي بن الحسين عليهما السلام قال: خطب الحسن بن علي عليهما السلام على
الناس حين قتل علي عليه السلام، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: لقد قبض في هذه الليلة رجل
لا يسبقه الأولون ولا يدركه الآخرون، وقد كان رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم يعطيه
رايته فيقاتل وجبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره فما يرجع حتى يفتح الله عليه، وما ترك على
أهل الأرض صفراء ولا بيضاء إلا سبعمائة درهم فضلت من عطاياه أراد أن يبتاع بها خادما لأهله
(الحديث).
=>
____________
<=
وذكره أيضا أبو نعيم في حلية الأولياء: 1 / 65 بسنده عن هبيرة بن يريم، أن الحسن بن علي
(عليهما السلام) قام وخطب الناس وقال: لقد فارقكم رجل بالأمس لم يسبقه الأولون، ولا
يدركه الآخرون بعلم، كان رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم، يبعثه فيعطيه الراية فلا يرتد
حتى يفتح الله عز وجل عليه، جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره، ما ترك صفراء ولا بيضاء
إلا سبعمائة فضلت عن عطاءه أراد أن يشتري بها خادما.
وروى هذا أيضا ابن سعد في طبقاته: 3 / 25 باختلاف يسير في اللفظ وأورد ابن سعد في
طبقاته: ج 3 القسم 1 ص 26 بسنده عن هبيرة بن يريم قال:
لما توفي علي بن أبي طالب (عليه السلام) قام الحسن بن علي (عليهما السلام) فصعد المنبر
فقال: أيها الناس قبض الليلة رجل لم يسبقه الأولون ولا يدركه الآخرون، قد كان رسول الله
صلى الله عليه (وآله) وسلم يبعثه البعث فيكتنفه جبريل عن يمينه وميكائيل عن شماله فلا ينثني
حتى يفتح الله له، وما ترك إلا سبعمائة درهم أراد أن يشتري بها خادما ولقد قبض في الليلة التي
عرج فيها بروح عيسى بن مريم ليلة سبع وعشرين من رمضان.
وذكر الهيثمي في مجمعه: 9 / 126، قال:
عن أبي الطفيل قال: خطبنا الحسن بن علي (عليهما السلام) فحمد الله وأثنى عليه وذكر
أمير المؤمنين (عليه السلام) خاتم الأوصياء ووصي الأنبياء وأمين الصديقين والشهداء (ثم
قال): يا أيها الناس لقد فارقكم رجل ما سبقه الأولون، ولا يدركه الآخرون، لقد كان
رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم يعطيه الراية فيقاتل جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره فما
يرجع حتى يفتح الله عليه، ولقد قبضه الله في الليلة التي قبض فيها وصي موسى وعرج بروحه
في الليلة التي عرج فيها بروح عيسى بن مريم عليه السلام وفي الليلة التي أنزل الله عز وجل فيها
الفرقان والله ما ترك ذهبا ولا فضة وما في بيت ماله إلا سبعمائة وخمسون درهما فضلت من عطاءه
وأراد أن يشتري بها خادما لأم كلثوم.
ولقد روى النسائي في صحيحه: ص 8 والمتقي في كنز العمال: 6 / 412 والمحب الطبري في
ذخائر العقبى: ص 138 أحاديث بالمضامين المتقدمة.
وروى ابن عبد البر في الاستيعاب: 2 / 465 قال:
وذكر عبد الرزاق عن الثوري عن أبي حيان التيمي عن أبيه قال: رأيت علي بن أبي طالب عليه
السلام على المنبر يقول: من يشتري مني سيفي هذا؟ فلو كان عندي ثمن إزار ما بعته، فقام
إليه رجل فقال: نسلفك ثمن إزار (قال) قال عبد الرزاق: وكانت بيده الدنيا كلها إلا ما كان من
الشام.
وروى هذا أيضا ابن سعد في طبقاته: 6 / 165 عن أبي رجاء وقال: خرج علي عليه السلام
=>
____________
<=
بسيف له إلى السوق فقال: لو كان عندي ثمن إزار لم أبعه.
وذكره المتقي أيضا في كنز العمال: 6 / 409.
عن علي بن الأرقم عن أبيه قال: رأيت علي بن أبي طالب عليه السلام يعرض سيفا له في رحبة
الكوفة ويقول: من يشتري مني سيفي هذا؟ والله لقد جلوت به غير مرة عن وجه رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم ولو أن عندي ثمن إزار ما بعته.
ورواه أيضا أبو نعيم في حلية الأولياء: 1 / 83 باختلاف يسير في اللفظ.
(1) الاستيعاب: 3 / 1112.
(2) لت: الشئ دقه وسحقه ولت التسويق: بله شئ من الماء (المنجد).
(3) وروى أحمد بن حنبل في مسنده: 1 / 78 بسنده عن عبد الله بن زرير أنه قال:
دخلت على علي بن أبي طالب عليه السلام يوم الأضحى فقرب إلينا حريرة(*) فقلت: أصلحك
الله لو قربت إلينا من هذا البط - يعني الوز - فإن الله عز وجل قد أكثر الخير، فقال: يا ابن زرير
إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: لا تحل للخليفة من مال الله إلا قصعتان
قصعة يأكلها هو وأهله وقصعة يضعها بين يدي الناس.
وروى أبو نعيم في حلية الأولياء: 1 / 81.
بسنده عن عبد الله بن شريك عن جده عن علي بن أبي طالب عليه السلام أنه أتى بفالوذج(+)
فوضع قدامه فقال: إنك طيب الريح، حسن اللون، طيب الطعم لكن أكره أن أعود نفسي ما
لم تعتده.
والمتقي في كنز العمال: 2 / 161 قال:
عن أبي جعفر قال: أكل علي عليه السلام من تمر دقل ثم شرب عليه الماء ثم ضرب على بطنه
وقال: من أدخله بطنه في النار فأبعده الله ثم تمثل:
فإنك مهما تعط بطنك سؤله وفرجك نالا منتهى الذم أجمعا
وأبو نعيم في حلية الأولياء: 1 / 82 بسنده عن زيد بن وهب قال:
قدم على علي عليه السلام وفد من أهل البصرة فيهم من أهل الخوارج يقال له الجعد بن نعجة فعاتب عليا عليه السلام في لبوسه فقال علي عليه السلام: ما لك وللبوسي؟ إن لبوسي
=>
____________
(*) دقيق يطبخ بلبن أو دسم.
(+) حلواء تعمل من الدقيق والماء والعسل.
____________
<=
أبعد من الكبر وأجدر أن يقتدي بي المسلم.
وذكره أيضا المحب الطبري في الرياض النضرة: 2 / 134.
وابن الأثير في أسد الغابة: 4 / 33 بسنده عن أبي نعيم قال:
سمعت سفيان يقول: ما بنى علي عليه السلام لبنة على لبنة ولا قصبة على قصبة وإن كان ليؤتى
بحبوته من المدينة في جراب.
وأيضا في أسد الغابة: 4 / 24 بسنده عن أبي بحر عن شيخ لهم قال:
رأيت على علي عليه السلام إزارا غليظا قال: اشتريته بخمسة دراهم فمن أراد أربحني فيه
درهما بعته، قال: ورأيت معه دراهم مصرورة فقال: هذه بقية نفقتنا من ينبع.
وأيضا أسد الغابة: 4 / 44 بسنده عن أبي النوار بياع الكرابيس: قال:
أتاني علي بن أبي طالب عليه السلام ومعه غلام له فاشترى مني قميصي كرابيس فقال لغلامه:
اختر أيهما شئت فأخذ أحدهما وأخذ علي عليه السلام الآخر فلبسه ثم مد يده فقال: اقطع الذي
يفضل من قدر يدي فقطعه ولبسه وذهب.
والمتقي في كنز العمال: 6 / 409 قال:
عن عمرو بن قيس قال: رئي على علي عليه السلام إزار مرقوع فقيل له فقال: يقتدي به المؤمن
ويخشع به القلب.
وأيضا في كنز العمال: 6 / 410 قال:
عن زيد بن وهب قال: خرج علينا علي عليه السلام وعليه رداء وإزار قد وثقه بخرقة فقيل له:
فقال: إنما البس هذين الثوبين ليكون أبعد لي من الزهو وخيرا لي في صلاتي وسنة للمؤمنين.
والمحب الطبري في الرياض النضرة: 2 / 230 قال:
وعن ابن عباس قال: اشترى علي بن أبي طالب عليه السلام قميصا بثلاثة دراهم وهو خليفة
وقطع كمه من موضع الرسغين وقال: الحمد الله الذي هذا من رياشه.
المتقي في كنز العمال: 6 / 410 قال:
عن أبي مطر قال: خرجت من المسجد فإذا رجل ينادي خلفي: إرفع إزارك فإنه أتقى لربك
وأتقى لثوبك وخذ من رأسك إن كنت مسلما، فإذا هو علي عليه السلام ومعه الدرة فانتهى إلى
سوق الإبل فقال: بيعوا ولا تحلفوا فإن اليمين تنفق السلعة وتمحق البركة ثم أتى صاحب التمر
فإذا خادم تبكي فقال: ما شأنك؟ فقالت: باعني هذا تمرا بدرهم فأبى مولاي أن يقبله،
فقال: خذه واعطها درهما فإنه ليس لها أمر فكأنه أبى فقلت: ألا تدري من هذا؟ قال: لا،
قلت: علي أمير المؤمنين عليه السلام، فصب تمره وأعطاها درهمها وقال: أحب أن ترضى
=>
وحسبك داءا أن تبيت ببطنة | وحولك أكباد تحن إلى القد |
وأما أنه أكثر التزويج(1) معيرا له بذلك، فإن ذلك طعن على رسول الله - صلى الله عليه وآله - إذ كانت سنته حثه على ذلك.
وكان - صلى الله عليه وآله - المكثر من النساء، مات عن تسع، وعلى هذا فطعن أبي عثمان طعن على رسول (ص)، فذكره لعلي " إسرار للحسو في الارتغاء " وطعن على الكتاب المجيد في قوله تعالى: * (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) *(2) وقد قال سفيان بن عيينة(3): إن كثرة النساء ليس من الدنيا، فإنه لم يكن في الصحابة أزهد من علي بن أبي طالب وكان له سبع عشرة سرية وأربع نسوة.
____________
<=
عني يا أمير المؤمنين قال: ما أرضاني عنك إذا وفيتهم ثم مر مجتازا حتى انتهى إلى أصحاب
السمك فقال: لا يباع في سوقنا طافي ثم أتى دار بزاز وهي سوق الكرابيس فقال: يا شيخ
أحسن بيعي في قميص بثلاثة دراهم فلما عرفه لم يشتر منه شيئا، ثم أتى غلاما حدثا فاشترى منه
قميصا بثلاثة دراهم ولبسه ما بين الرسغين إلى الكعب، فجاء صاحب الثوب فقيل له: إن ابنك
باع من أمير المؤمنين قميصا بثلاثة دراهم، قال: فهلا أخذت منه بدرهمين فأخذ الدرهم ثم جاء
به إلى علي عليه السلام فقال: امسك هذا الدرهم، قال: ما شأنه؟ قال: كان قميصنا ثمنه
درهمين باعك ابني بثلاثة دراهم قال: باعني برضاي وأخذت برضاه.
(1) العثمانية: 98.
(2) الأحزاب: 21 تتمتها: * (لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا) *
(3) سفيان بن عيينة بن أبي عمران ميمون الهلالي الكوفي.
سكن مكة وأصله من الكوفة، كان صاحب حديث ورواية، فقد روى عن جماعة كالزهري وأبي
إسحاق السبيعي، كما روى عنه طائفة منهم الشافعي ويحيى بن أكثم القاضي. ولد سفيان في
منتصف شعبان سنة 107 هـ وتوفي في جمادى الآخرة سنة 198 وقيل غير ذلك انظر: وفيات
الأعيان: 2 / 391 والجرح والتعديل: 4 / 225 وتهذيب التقريب: 4 / 117.
وأما أن أبا بكر - رضوان الله عليه - أوصى أن ترد عمالته(2) فهو قول لا يمكننا الجواب عنه.
ومدح أبا بكر - رضوان الله عليه - بنزول الآي فيه(3) قال: (وليس هو كمن ذكره في جملة المؤمنين. وجمهور الأنصار والمهاجرين وأعاد ذكر عائشة - رضوان الله عليها - وقذفها وأن الله تعالى أنزل براءتها)(4).
وهو قول ساقط بعيد من الأنفة وكرر قصة الغار وقد ذكرنا ما عندنا في ذلك واستجهلنا المشار إليه وأنه(5) منافق في كونه لا يعرف ما نزل في أمير المؤمنين - عليه السلام - أو بعضه من الآي، وهو لو ضبط احتاج إلى عدة أجزاء(6).
ومنع(7) أن يكون الذي نزلت عليه السكينة رسول الله - صلى الله عليه وآله - لأنه كان رابط الجأش وهذا الجاهل بالسنة ما كأنه كان سمع القرآن ولا يهمه فهمه ولا علمه لأن الله تعالى قال في غير هذا الموضع في سورة الفتح ما يشهد بجهل أبي عثمان بالكتاب أو معاندته. قال الله تعالى: * (فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها وكان الله بكل شئ عليما) *(8).
____________
(1) العثمانية: 98.
(2) العثمانية: 98.
(3) العثمانية: 99.
(4) العثمانية: 112.
(5) ق: فإنه.
(6) ن بزيادة: أو أنه منافق.
(7) ق: يمنع.
(8) الفتح: 25 وأولها: * (إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية..) *.
[ و ](3) قال: وكذب (إن أهل التأويل أجمعوا على أنه عنى بقوله * (والذي قال لوالديه أف لكما) *(4) عبد الرحمن ابن أبي بكر [ في أبيه ](5) وأمه)(6).
والدليل على كذبه وأنه ممن لا يوثق برواياته وحكاياته، إما لجهله البين أو كذبه الشنيع والأولى أن يقال أنه احتوى على القسمين.
قال الثعلبي في غضون تفسير سورة الأحقاف: قال محمد بن زياد، كتب معاوية إلى مروان حتى يبايع الناس ليزيد، فقال عبد الرحمن بن أبي بكر: لقد جئتم بها هرقلية، أتبايعون لأبنائكم؟ فقال مروان: هذا الذي يقول الله فيه: * (والذي قال لوالديه أف لكما) * الآية فسمعت عائشة بذلك فغضبت وقالت(7): والله ما هو به، ولو شئت لسميته، ولكن الله لعن أباك وأنت في صلبه وأنت(8) فضض(9) من لعنه الله(10).
وأقول: إن الذي أشار إليه لو ثبت لم يحسن أن يذكر من غرر مناقب من
____________
(1) ما بين المعقوفتين لا توجد في: ن.
(2) هـ ق: أسخفه.
(3) لا توجد في: ق.
(4) الأحقاف: 17 وتتمتها: * (أتعدانني أن أخرج وقد خلت القرون من قبلي وهما يستغيثان الله ويلك آمن إن وعد الله حق فيقول ما هذا إلا أساطير الأولين) *.
(5) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ج و ق.
(6) العثمانية: 113.
(7) ن: فقالت.
(8) ن: فأنت.
(9) فضض: كل متفرق ومنتشر يقال خرج فضض من الناس أي فرق متفرقة (المنجد).
(10) الكشف والبيان: مخطوط.
مع ذلك فإن الحائد عن الطريق سب رجلا مسلما بعد إسلامه وادعى أن الجميع رووا كراهيته(2) الإسلام وما كان الأمر كذا، وكيف يليق بعاقل أن يذكر مثل هذا مخايرا بينه وبين فعلات العزمات الهاشميات: رسول الله - صلى الله عليه وآله - [ وعلي ](3) وحمزة وجعفر وعبيدة بن الحارث وكونهم دعوا إلى الإسلام متعرضين لشبا الرماح وظبا الصفاح ومنازلة أهل الكفاح، حتى قتل حمزة وجعفر وعبيدة في هاتيك المقامات وكسرت رباعية رسول الله - صلى الله عليه وآله - ومعنى الجميع عائد إليه.
ويشابه هذا ما ادعى من [ كون ](4) الحاضرين في بعض الغزوات على ما سلف من بني تيم أكثر من الهاشميين تفضيلا لأبي بكر - رضوان الله عليه -.
وأما هو - صلى الله عليه - فإنه كان في هاتيك المزاحف مجلي غياباتها، مفرج كرباتها، ممدوح إله الأرض والسماوات(5)، يحطم القرون، ويخالط المنون، ويستسهل الحزون(6)، ويجرع كأس الأهوال، ولا يتهيبا، ويرتع منابت الأخطار، ولا يتجنبها، حتى قامت دعائم الدين، ووهت قوائم المعادين فله بذلك الحقوق الجمة على كل مسلم صحت عقيدته، بل وإن فسدت طريقته، إذ كان - صلى الله عليه - صادم الخطوب ليقرر قواعد الإسلام، ويسفر وجه الحق ويهدي أهل الضلالة، خارجين عن الآثام.
____________
(1) ق و ج: كبير.
(2) ن: كراهية.
(3) ما بين المعقوفتين لا توجد في: ق.
(4) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ج و ق.
(5) ن: أرضها وسماواتها.