الصفحة 313
" الاستيعاب " الخبير العارف المعظم الذي لا يتهم، وليس من الرفض في شئ، أن هذه الصورة التي أنكرها ثابتة(1)، فظهر كذب ملقح الفتن.

وأما الرواية من طريق ابن مردويه فتكاد تلحق بالتواتر.

وقال: (إن قوله عليه السلام: " من كنت وليه فعلي وليه "، يشركه فيه سعد بن معاذ)(2)، وكذب لأن اللفظة إما أن يريد بها الأولى أو الناصر فإن كان الأول امتنع إجماعا إذ ما عرفنا بشرا يقول عن بشر: إنه يقول كل من كان الرسول أولى به فإن سعدا أولى به، وإن كان يريد الناصر، فمن أين اقتحم وقال " إن كل من نصرته فإن سعدا ناصره " هذا قول سفيه، يتقحم في مساقط الزلل عيانا أو سفها.

ثم إنه عدل عن قوله عليه السلام " مولاه " إلى " وليه "(3) وقد روينا الرواية صريحة بمولاه(4) وقال: (إنهم رووا لعلي كلاما قبيحا)(5).

والذي أقول على عدو الله وعدو رسوله، ساب الله ورسوله. المنافق بالنص الصحيح عند القوم، ملعون القنابر، على ما رويت من جهة من لا يتهم(6)، إذ صورة هذا الكلام يقتضي بغضته(7) أمير المؤمنين عليه السلام، وذلك ثمرته.

أقول: من الذي روى، ومن الذي قال، ولأن فتح باب " رووا "(8) فلنا

____________

(1) مر سلفنا ص: (151).

(2) العثمانية: 145.

(3) فإن الجاحظ قال: وثانية، إنه لم يقل من كنت مولاه وقال: من كنت وليه. العثمانية 144.

(4) ن: مولاه.

(5) العثمانية: 145.

(6) مر ذكره ص: (112).

(7) ن: بغضه.

(8) ن: روى.


الصفحة 314
أن نقول: سمعنا من يقول: لعن الله الجاحظ وأخزاه، وجعل مثواه درك الجحيم(1)، غير مسندين ذلك إلى أصل ثابت وقاعدة، وكما أن ذلك ما كان يجوز لنا قبل أن يثبت عندنا جوازه، فكذا(2) كان ينبغي له أن يتوقف كما توقفنا. وعدل المنافق بالرواية عن وجهها إلى كون ذلك (إشارة إلى زيد بن حارثة، وأن النبي عليه السلام قال: من كنت مولاه فعلي مولاه)(3) وهذا لا يقوله إلا معاند فاجر.

أين نسبة ما رويناه عمن لا يتهم من الأشياخ المعظمين، من صورة حال هذا القول، وما ذهب إليه السفيه أبو عثمان، وفرع على هذا هذيانا لا أصل له، على قاعدته في التعرض بالكتاب والتصغير له.

وذكر: (أنه: أسلف في صدر كتابه: أن إسلام زيد كان قبل إسلام علي، وأنه دل فضيلة إسلامه على إسلام علي)(4)، وكذب، كيف يكون الدليل في جهة الممتنع، والبرهان في قبيل(5) المتعذر وقد روى علماء الحديث وحفاظه خلاف ذلك [ فيما سلف ](6) ونؤكده إن شاء الله تعالى بما يقتضيه ضيق الوقت والرغبة في المبادرة.

____________

(1) ق: وجعل درك الجحيم مثواه.

(2) ج: فلذا.

(3) قال الجاحظ: ووجه آخر مما يدل في هذا الحديث على الاختلاف والوهن: إنهم نقلوا أن هذا القول في علي كان أن عليا جاري زيد بن حارثة في بعض الأمر، ولاحاه فيه، لأنه أغلظ له، فرد عليه زيد مثل مقالته فقال له علي: تقول هذا القول لمولاك؟ فقال زيد: إنما ولائي لرسول صلى الله عليه [ وآله ] ولست لي بمولى فأتى علي النبي صلى الله عليه [ وآله ] فشكا إليه زيدا فقال النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم: من كنت مولاه فعلي مولاه. العثمانية:

145.

(4) العثمانية: 146.

(5) ق: قبل.

(6) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ق.


الصفحة 315
روى الحافظ ابن مردويه قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن كامل بن خلف قال: حدثنا علي بن المنزل الربيعي، قال: حدثنا إبراهيم بن سعيد، قال:

حدثنا أمير المؤمنين المأمون [ قال: حدثنا أبي ](1) الرشيد عن أبيه المهدي عن أبيه المنصور عن أبيه عن جده عن عبد الله بن عباس، قال: سمعت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول: قال النبي - صلى الله عليه [ وآله ] -: يا علي أنت أول المسلمين إسلاما وأنت أول المؤمنين إيمانا(2).

وروى المشار إليه فقال: حدثنا عبد الله بن محمد بن عيسى قال: حدثنا الحسين بن معاذ بن حرب قال: حدثنا محفوظ بن أبي توبة، وواصل بن عبد الأعلى قالا(3): حدثنا ضرار بن صرد قال: حدثنا معتمر قال: سمعت أبي يذكر عن الحسن عن أنس: أن رسول الله - صلى الله عليه [ وآله ] - قال:

علي أعلم الناس علما وأقدمهم سلما(4). حدثنا إبراهيم بن محمد بن موسى، حدثنا الحسن بن علي بن نصر، قال: حدثنا محمد بن السكن الأبلي، قال:

حدثنا داود بن المفضل الطائي، قال: حدثنا أبو محمد السلمي عن محمد بن واسع عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر، قال: دخلنا على النبي - صلى الله عليه [ وآله ] - فقلنا: من أحب أصحابك إليك؟ فإن كان أميرا كنا معه، وإن كان نائبة كنا من دونه، قال: هذا علي أقدمكم سلما وإسلاما.

____________

(1) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ق وبدله (عن أبيه).

(2) رواه أيضا المتقي الهندي في كنز العمال: 6 / 395 والخوارزمي في مناقبه: 19 والمحب الطبري في الرياض النضرة: 2 / 157 وذخائر العقبى: 58.

(3) ق: قال.

(4) ذكر هذا الحديث بهذا اللفظ أو بإضافة (وأعظمهم حلما) جماعة منهم:

أحمد بن حنبل في مسنده: 5 / 26 والخوارزمي في مناقبه: 206 والجزري في أسد الغابة:

5 / 52 ومحب الدين الطبري في ذخائر العقبى: 78 والرياض النضرة: 2 / 193 والهيثمي في مجمع الزوائد: 9 / 101 وأبو نعيم في حلية الأولياء: 1 / 65 والعسقلاني في لسان الميزان:

2 / 19.


الصفحة 316
وروى نحو كراستين مع الذي نقلت من كتابه.

وليس الغرض المبالغة في هذا وشبهه، إذ ليس هذا موضع الإيغال في هذه المقامات.

ورواه [ صاحب العمدة عن ](1) أحمد بن حنبل في أسانيد كثيرة(2) منها:

ما رواه ولده عنه عن عبد الرزاق عن معمر [ قال ](3) أخبرني عثمان الجذري(4) عن مقسم، عن ابن عباس: أن عليا أول من أسلم(5). ورواه عن الثعلبي(6)

____________

(1) ما بين المعقوفتين أثبتناه من عندنا وفي كل النسخ رمز إليه بحرف (ع) انظر: عمدة عيون صحاح الأخبار: 60 و 61 و 62.

(2) رواه عن ابن عباس والحسن وسلمة بن كهيل وزيد بن أرقم وحبة العرني وعمر بن مرة وعبد الله بن نجى.

(3) أثبتناه من المصدر.

(4) في المصدر: الجزري وفي النسخ: الخدري.

(5) فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل: 2 / 589.

(6) قال الثعلبي - على ما في عمدة ابن البطريق ص 63 - وروى إسماعيل بن أياس بن عنيف عن أبيه، عن جده عفيف، قال: كنت امرءا تاجرا فقدمت مكة أيام الحج، فنزلت على العباس بن عبد المطلب وكان العباس لي صديقا، وكان يختلف إلى اليمن، يشتري العطر، فيبيعه أيام الموسم فبينا أنا والعباس بمنى، إذ جاء رجل شاب حين حلقت الشمس في السماء، فرمى ببصره إلى السماء ثم استقبل الكعبة فقام مستقبلها، فلم يلبث حتى جاء غلام، فقام عن يمينه، فلم يلبث أن جاءت امرأة فقامت خلفه، فركع الشاب وركع الغلام والمرأة فخر الشاب ساجدا، فسجدا معه، فرفع الشاب، فرفع الغلام والمرأة فقلت: يا عباس، أمر عظيم!

فقال: أمر عظيم، فقلت: ويحك ما هذا؟ فقال: هذا ابن أخي، محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، يزعم أن الله بعثه رسولا وأن كنوز كسرى وقيصر ستفتح على يديه، وهذا الغلام ابن أخي علي بن أبي طالب وهذه خديجة بنت خويلد زوجته، تابعاه على دينه، وأيم الله ما على ظهر الأرض كلها أحد على هذا الدين غير هؤلاء. قال عفيف الكندي: ما أسلم ورسخ الإسلام في قلبه غيرهم، يا ليتني كنت لهم رابعا.

ويروى أن أبا طالب (ع) قال لعلي (ع): أي بني، ما هذا الدين الذي أنت عليه؟ قال: يا

=>


الصفحة 317
والشافعي ابن المغازلي(1)، في عدة أحاديث(2).

وأقول: إن صاحب كتاب " الاستيعاب " المعظم الذي ليس برافضي، ولا يتهم فضله، وبعده عن الشيعة معروف [ ذكر ](3) ما صورته:.

وروى عن سلمان وأبي ذر والمقداد وخباب وجابر وأبي سعيد الخدري وزيد بن أرقم: أن علي بن أبي طالب، أول من أسلم، وفضله [ هؤلاء ](4) على غيره. وقال ابن إسحاق: أول من آمن بالله ورسوله محمد - صلى الله عليه [ وآله ] - من الرجال علي بن أبي طالب، وهو قول ابن شهاب إلا أنه قال: من الرجال بعد خديجة وهو قول الجميع(5) في خديجة(6).

وذكر غير ذلك في ممادحه ثم قال: حدثنا عبد الوارث بن سفيان(7) حدثنا

____________

<=

أبه، آمنت بالله وبرسوله، وصدقته فيما جاء به، وصليت معه لله، فقال له: أما إن محمدا لا يدعو إلا إلى خير، فالزمه.

(1) ابن المغازلي قال: أخبرنا أبو طالب محمد بن أحمد بن عثمان بن الفرج بن الأزهر البغدادي قدم علينا واسطا، قال: أخبرني أبو الحسن علي بن محمد بن عرفة بن لؤلؤ قال: حدثني عمر بن أحمد الباقلاني قال: حدثني محمد بن خلف الحدادي: قال: حدثني عبد الرحمن بن قيس أبو معاوية قال: حدثني عمر بن ثابت، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد مولى أبي أيوب، عن أبي أيوب الأنصاري قال:

قال رسول الله (ص): صلت الملائكة علي وعلى علي سبع سنين، وذلك أنه لم يصل معي أحد غيره.

انظر مناقب ابن المغازلي: 13.

(2) ذكرناه من تفسير الثعلبي حديثا واحدا ومن مناقب ابن المغازلي كذلك كنموذج وقد نقل عنهما ابن البطريق أحاديث كثيرة وبطرق متعددة. انظر: عمدة عيون صحاح الأخبار: 63 و 64 و 65 و 66.

(3) لا توجد في: ق و ج.

(4) لا توجد في: ق.

(5) ق: الجمع.

(6) الاستيعاب: 3 / 1090.

(7) في المصدر: بزيادة: قال.


الصفحة 318
قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا أحمد بن زهير بن حارث(1) قال: حدثنا الحسن ابن حماد، قال: حدثنا أبو عوانة عن أبي بلخ(2) عن عمر(3) بن ميمون عن ابن عباس قال: كان علي أول من آمن من الناس بعد خديجة.

قال أبو عمر: هذا إسناد لا مطعن فيه لأحد، لصحته، [ وثقة نقلته ](4).

وهو يعارض ما ذكر(5) عن ابن عباس في باب أبي بكر، والصحيح في أمر أبي بكر أنه أول من أظهر.(6).

الإشارة إلى طريق الرواية في باب أبي بكر.

الإشارة إلى طريق الرواية في باب أبي بكر.

روى عن أبي بكر بن أبي شيبة، قال شيخ لنا: حدثنا مجالد عن الشعبي عن ابن عباس، أنه سئل عن أول الناس إسلاما، فقال: أما سمعت قول حسان(7) إشارة إلى أبي بكر؟(8).

والذي أقول على هذا: إنه ضعيف من وجوه: أحدها، جهالة الشيخ، والثاني معرفتنا بأن الراوي الشعبي، وهو منحرف عن أهل البيت، صاحب

____________

(1) في المصدر: أحمد بن زهير بن حرب.

(2) في المصدر: أبي بلج.

(3) في المصدر: عمرو.

(4) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ق.

(5) في المصدر: ما ذكرناه.

(6) الاستيعاب: 3 / 1092.

(7) ق: حيان: والأبيات:


إذا تذكرت شجوا من أخي ثقةفاذكر أخاك أبا بكر بما فعلا
خير البرية اتقاها وأعدلهابعد النبي وأوفاها بما حملا
والثاني التالي المحمود مشهدهوأول الناس ممن صدق الرسلا

(8) الاستيعاب: 3 / 964.


الصفحة 319
عبد الملك، سارق الدراهم على ما يرويه الخصوم.

وقال ابن حبان عن مجالد: إنه كان ردئ الحفظ، يقلب الأسانيد، ويرفع المراسيل، لا يجوز الاحتجاج به وحكى عن يحيى بن معين أنه ضعيف، وعن الشافعي ما يناسب هذا(1).

وذكر ابن حبان: أنه روى عن الشعبي وذكر غير هذا(2).

ثم [ إن ](3) ابن عباس ما صرح بالخلاف، ولو ثبتت الروايات متساوية كان الرجحان لما رووه لنا لا علينا لبعد التهمة.

قال: (ولو كان هذا الحديث مجتمعا(4) على أصله وصحة مخرجه، وكان لا يحتمل من التأويل إلا معنى واحدا، ما اختلف(5) في تأويله العلماء، ولا اضطربت فيه الفقهاء، ولكان ذلك ظاهرا لكل من صح لبه، وحسن بيانه، ولا سيما إذا كان الحديث ليس مفصحا عن نفسه، ومعربا عن تأويله، إلا عن قصد الرسول وإرادته، لأن يكفيهم مؤونة الرؤية(6) والأسباب المشككة(7) فينبغي على هذا أن يكون علماء " العثمانية " وفقهاء " المرجئة " تعرف من ذلك ما تعرف الروافض، [ و ](8) لكنها تجحد ما تعرف وتنكر ما تعلم)(9).

وأرى كلامه هذا متعلقا بخبر الغدير " من كنت مولاه فعلي مولاه " واعلم

____________

(1) المجروحين: 3 / 10.

(2) المصدر السابق:

(3) لا توجد في: ن.

(4) ن: مجمعا.

(5) في المصدر: اختلفت.

(6) ن: الرواية.

(7) ق و ج: المسلكة.

(8) لا توجد في: ق.

(9) العثمانية: 148.


الصفحة 320
إن هذا الكلام ساقط جدا. من أين يلزم إذا اختلفت الناس في تأويل الحديث المشار إليه أن يكون الذين أشار إليهم عارفين بما تعرف به الإمامية؟ إذ القاعدة الحقة، أن المختلفين قد يختلفون فبعض يصيب في التأويل وبعض يخطئ.

وهذا الكلام الذي صدر عنه، إن كان ما فهم الدرك عليه فيه فهو بليد، وإن كان عرفه وتعصب على أمير المؤمنين - عليه السلام - فهو إذن منافق بالحديث الصحيح الشاهد بذلك. ثم إنه لو اتفقت الآراء وتناسبت الاجتهادات فإن الاختلاف في الظاهر لا يندفع إذا كانت شائبة العناد، وإنما كانت الاختلافات تقل إذا كانت المقاصد متناسبة في إيثار الحق ونزع سربال العصبية، ومناسبة الاجتهادات والاعتبارات، والعصبية موجودة والأذهان قد تتفاوت وعلى هذا فلا يلزم من وجود المحل القابل للتأويل اشتراك العقلاء جميعا في إصابة الصواب، ولا أن حزبا منهم أقرب إلى إصابة الصواب، إلا بدليل يدل على ذلك أو أمارة، وليس مع الجاحظ دليل على الاشتراك(1). ولا إمارة يعرفها على أن حزبه(2) فيما ذهب إليه من حزب القائلين بالإمامة، فبطل قوله في لزوم الاشتراك وبطل أن يكون حزبه أرباب الأهلية للظفر بالصواب دون غيرهم.

ويمكن أن يقال بعد هذا: إن الجاحظ قال: (إن الكلام لو لم يحتمل إلا معنى واحدا ما وقع الاختلاف، وهذا شئ ما أجبتم عنه)(3).

والذي يقال على هذا: إنه قد يكون الشئ لا يحتمل في الإنصاف إلا معنى واحدا ويقع الاختلاف بالعباد، أو(4) يحتمل معاني كثيرة يكون الصواب

____________

(1) ق: زيادة (ولا دليل).

(2) ن بزيادة: أنه.

(3) العثمانية: 148.

(4) ق: (و) بدل (أو).


الصفحة 321
في أحدها، و [ هو ](1) تفسير الإمامية، وبراهينهم(2) الدالة على ذلك(3)، هي مذكورة في مباحثهم.

قال: (ولو كان هذا الحديث مجتمعا على أصله، ولكنه غامض التأويل(4)، كان العذر في جهل إمامته(5) واسعا(6) لأكثر المسلمين وجل الناقلين ولكبراء المتكلمين)(7).

واعلم: أن الخصم يقول: إنه ليس بغامض، بل هو مقترن بقرائن عدة دالة على مراد رسول الله - صلى الله عليه [ وآله ] - منه(8) ذكرت في مواضعها، وإنما عاند من عاند، ومن أعندهم صاحب الكلام، لما تضمنت مطاوي هذه الأوراق من التنبيه عليه.

قال ما حاصله: (إنه إذا كان الغرض بالنص تخفيف المؤونة على المكلفين، وكون ذلك لا يحصل في الاختيار، فليكن بينا)(9).

قلنا: للنص أسوة بغير ذلك من التكاليف التي لم تنقل إلينا ضرورية كالعلم بمكة ونحوها مع أن الإمامية يدعون العلم يقينا وأن من خالف ذلك حائد عن الطريق الحق.

____________

(1) لا توجد في: ن.

(2) ن: ببراهينهم.

(3) ن بزيادة: و.

(4) في المصدر بزيادة: وعويص المعنى لا يكاد يدركه إلا الراسخ في العلم، البارع في حسن الاستخراج.

(5) في المصدر بزيادة: وفضيلته على غيره.

(6) في المصدر بزيادة: مبسوطا.

(7) العثمانية: 149.

(8) ن بزيادة: قد.

(9) العثمانية: 149.


الصفحة 322
وأيضا فإنا لا نقول العلة في النص التخفيف بخلاف(1) الاختيار، إذ فيه نوع كلفة بل تقول: الاختيار محال بما قررناه ونقرره بيننا وبين الخصم أنه لا بد من إمام، فتعين النص حسب ما تقوم به الحجة، وقد روى ذلك من طرقنا وطرق القوم.

وذكر لأرباب الإمامة بعد هذا تعلقهم بحديث الطائر، قال المشار إليه:

(قيل لهم أما واحدة فإن هذا الحديث ساقط عند أهل الحديث [ وبعد فإنه لم يأت ](2) إلا من قبل أنس(3)، وأنس وحده ليس بحجة وبعد فأنتم تكفرون أنسا، فلا يكون قوله مبنيا عليه)(4).

والذي يقال على هذا: إن المشار إليه كذب في تضعيف الرواية بما نقلناه قبل من صواب طرقها، ووضوح أسانيدها من طريق أرباب الحديث من غيرنا. فالمشار إليه دائر بين الجهل المفرط والإقدام على القول بالهوى في الآثار النبوية، أو معاند لأمير المؤمنين فهو إذن منافق بالحديث الصحيح أو(5) الأحاديث الصحاح من طرق القوم.

وأما قوله: * (إنه جاء من قبل أنس وحده [ فليس بحجة ] "(6) فإنه يرد عليه، أن خبر الواحد حجة عند المسلمين إلا من شذ منهم، وقوله واه، متروك، ويعارض هذا الشيخ بما يرويه معتمدا عليه من طرق لا يذكرها أصلا، بل يروي مرسلا، وهو يريد بذلك الحجة(7)، والحديث الواحد عن

____________

(1) ق: خلاف.

(2) ما بين المعقوفتين لا يوجد في المصدر وبدله: ولو كان صحيحا عندهم فلم يجئ.

(3) المصدر بزيادة: فقط.

(4) العثمانية: 150.

(5) ن: و.

(6) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ق.

(7) ق: حجة.


الصفحة 323
الثقة خير من المرسل خاصة في موضع مصادمة الخصم. وأما قوله: (أنس عندكم كافر)(1) فإنها دعوى، سلمنا ذلك [ جدلا ](2) لكن قد أسلفنا القاعدة في أن إيراد هذا وأمثاله حسن في باب الإلزام. قال: (وأخرى، إنه إن كان هذا الحديث كما تقولون وقد صدقتم على أنس [ فقد زعم أنس ](3) بزعمكم أنه كذب النبي - صلى الله عليه [ وآله ] - في موقف(4) ثلاث مرات، وقد أمسك النبي عن الطعام وهو يشتهيه وكل ذلك رواه أنس ويكذب(5) له وقال إن الحديث أضعف حديث عند أصحاب الأثر.)(6).

أقول: إنا قد بينا الكذب في ضعف الخبر فضلا عن كونه أضعف حديث.

وإذا اعتبرت قول ملقح الفتن عدو أمير المؤمنين وبغضه(7) رأيت الخوارج بالنسبة إليه على سبيل المبالغة غلاة في حب أمير المؤمنين، إذ كانوا إنما نقموا عليه التحكيم وهو شئ جنوه.

وهذا الناصب ملقح الفتن ذو فنون في القول ساقطة، بليغة، وإنما قلت ذلك، وهذا أمر يعقله من له أدنى فطنة، إذ كيف ضبط جميع الأحاديث النبوية وعرف أن هذا أضعفها، ونحن عيانا نعرف أن فيها الضعيف الساقط جدا يأتي في الجبر والتشبيه وغير ذلك من سقطات يثبتها ضعفاء الحديث لا يشتبه حالها على ناقد، فكيف وقد روى هذا الحديث المحدثون المعتبرون في الصحيح عندهم.

____________

(1) العثمانية: 150.

(2) لا توجد في: ق.

(3) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ن.

(4) المصدر بزيادة: واحد.

(5) ق: مكذب.

(6) العثمانية: 151.

(7) ق ون: مبغضه.


الصفحة 324
وأما إن أنسا كذب ثلاث مرات، فلا أدرى ما وجهه؟ أما إنه كتم، فلا نزاع فيه، ويكفي في براءته من الحوب عدم إنكار رسول الله - صلى الله عليه وآله - وإقامة العذر له بأنه يحب قومه.

قال: (وأما قولكم، إن النبي - صلى الله عليه [ وآله ] - قال: أنت مني بمنزلة هارون(1) من موسى إلا أنه لا نبي بعدي وأن النبي - صلى الله عليه [ وآله ] - أراد بهذا أن يعلم الناس أن عليا وصيه وخليفته)(2).

فإنا نقول(3) في ذلك وبالله وحده نستعين:

قال كلاما حاصله: (إن عليا ما استخلفه النبي - عليه السلام - في حياته، ومنعها(4) بعد الموت)(5).

قال: (لأن هارون مات قبل موسى، وعلى هذا، فإما أن يكون الحديث باطلا، أو له تأويل غير ما تأولتم)(6).

والذي يقال على هذا: إن الجاحظ جزم وأبرم بأنه عليه السلام [ لم يستخلف ](7) عليا في حال حياته. وإذا عرفت هذا فنقول:.

تعين أن يكون ذلك بعد موته، إذ الرواية صحيحة عن النبي - صلى الله عليه وآله - وننازع(8) مضطرين في أن هارون مات قبل موسى، إذ لم يقرر برهان ذلك يقينا.

____________

(1) في المصدر: كهارون.

(2) العثمانية: 153.

(3) في المصدر: سنقول.

(4) ن: منعه.

(5) العثمانية: 153.

(6) المصدر السابق.

(7) ن: استخلف.

(8) ق: ينازع ون: تنازع.


الصفحة 325
سلمنا ثبوت ذلك، لكن يكون ذلك مشروطا - أعني قول موسى " أخلفني في أهلي "(1) - أي إن بقيت(2) بعدي وما بقي (لكن)(3) أمير المؤمنين بقي فيكون الخليفة بعده.

قال: (ولو أن النبي - صلى الله عليه [ وآله ] - أراد أن يجعله خليفة بعده(4) لكان يقول: أنت مني بمنزلة يوشع بن نون، لأن يوشع كان خليفة موسى في بني إسرائيل)(5).

قال: (وإن ادعوا أن المراد بذلك الوزارة، قلنا: ما المراد من الوزارة؟

هل هي ما تشاكل الوزارة للملوك، أو المعاونة بحيث إن غاب أحدهما كان الأخر مؤازره؟)(6).

وساق الكلام إلى (إن النبي عليه السلام لا يجوز أن يستثني ما لا يملكه وهو النبوة مما يملكه وهو الخلافة)(7).

والجواب: بما أن هارون كان شريك موسى في النبوة وخليفته فهذا ينقض كلاما بسيطا، ذكره، ومثله في هذا الإسهاب معجبا به، كمثل رجل أطال(8) فأعجبته الإطالة فقال لعربي [ عنده ](9): [ ما العي ](10) عندكم؟

قال: ما كنت فيه منذ اليوم.

____________

(1) الآية: " أخلفني في قومي " الأعراف: 142.

(2) ن: بقي.

(3) ن: (و) بدل (لكن).

(4) في المصدر: يجعل عليا خليفة من بعده.

(5) العثمانية: 155.

(6) العثمانية: 156.

(7) المصدر السابق: 157.

(8) ن: تكلم فأطال.

(9) لا يوجد في: ن.

(10) ن: بدلها (ما تعدون العلي).


الصفحة 326
فإن قال: هذا عين الإشكال لا غيره، فإن الجواب عنه: بما أنه إذا كان المعنى من قوله - عليه السلام - أن جميع منازل هارون من موسى حاصله لعلي مع النبي - صلى الله عليهما - جاز أن يستثني النبوة وإن لم يكن ملكا له، لئلا يتوهم متوهم أن الله تعالى قد جعل لعلي الشركة في النبوة كما كانت لهارون مع موسى عليهما السلام.

وقوله: " إن الخلافة يملكها رسول الله دون النبوة " باطل، إذ الإمامة عند الإمامية موقوفة على تنصيص الله تعالى [ كما أن النبوة موقوفة على تنصيص الله تعالى ](1) ولو لم يكن هذا فإن إشكال الجاحظ زائل، إذ قد بينا ما يظهر منه أنه جائز أن يستثني ما لا يملكه وهو النبوة من الخلافة ولو كانت مما يملكه.

قال: (وقد زعم قوم من " العثمانية " أن هذا الحديث باطل لتعذر(2) [ تأويله ](3))(4).

أقول: قد بينا صواب وجه تأويل.

قال: (ووجه آخر: إن هذا الحديث لم يرو إلا عن عامر بن سعد، فواحدة أن عامر بن سعد رواه عن أبيه ولو سمعنا من سعد نفسه لم يكن حجة على غير كالحجة(5) على علي في شهادته لأبي بكر وعمر بأنهما سيدا كهول أهل الجنة)(6).

والذي يقال على هذا: إنه كذب صريح ينبهك عليه ويدلك، ما ذكرناه

____________

(1) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ن.

(2) ن: لتعذرنا.

(3) لا توجد في: ن.

(4) العثمانية: 158.

(5) ق: فالحجة.

(6) العثمانية: 158.


الصفحة 327
عن قرب في ذكر طرقه.

وأما قوله: " كالحجة على علي في مدحه أبا بكر " فإنا قد بينا كذب الجاحظ جدا، وجهله للقرآن وجهله بالحديث وتهمته وبغضته أمير المؤمنين - صلوات الله عليه - ومن كان بهذه الصفة، لا يعتمد على قوله.

ثم من الفظيع أن يأتي مخاصما شرف أمير المؤمنين برواية يرويها غير مسند لها إلى أشياخ، ولا محيل بها(1) على كتاب، فهو في هذا كالبقة في المصادمة العقاب، والنملة في مصادمة أسود غاب. ثم كيف يقول أمير المؤمنين - عليه السلام - هذا مع قوله المعروف المشتهر جدا: " فيا لله وللشورى "(2) وقوله: " عبدت الله قبلها وبعدهما "(3).

ولو لم يقل فمزاياه دالة عليه مانعة له من قول ما سبقت الإشارة إليه.

ثم كيف يقول على ذلك رادا على رسول الله - صلى الله عليه وآله - بتفضيله(4) على البشر حسب(5) ما نطق به الأثر؟.

ثم من عرف حال المحدثين المعتبرين، وقدحهم في الأخبار كالدارقطني، وشبهه والأعمش مطلقا، اتهم صحيحها المنزه عن التهمات، فكيف(6) مرجوحها الملتحف بالتهمات الظاهرات.

____________

(1) ق: فيها.

(2) فيا لله وللشورى متى اعترض الريب في مع الأول منهم حتى صرت أقرن إلى هذه النظائر.

الخطبة الشقشقية، الخطبة الثالثة من نهج البلاغة: 1 / 25 (مطبعة الاستقامة) شرح محمد عبده.

(3) قال ذلك لعثمان وقد جرى بينه وبينه كلام فقال: أبو بكر وعمر خير منك فقال عليه السلام: أنا خير منك ومنهما عبدت الله قبلهما وعبدته بعدهما. انظر: المعارف لابن قتيبة: 73 وذخائر العقبى: 58 الرياض النضرة: 2 / 155 وشرح ابن أبي الحديد: 3 / 251.

(4) ن: تفضيله.

(5) ق: حديث.

(6) ج: وكيف.


الصفحة 328
ثم روى الرواية عن عامر (أن النبي - عليه السلام - قال: " إلا أنه ليس معي نبي " هكذا رووه عن عامر بن سعد "(1).

وأقول: إنه لو روي على هذا الوجه ما قدح في الغرض، إذ كان الله تعالى حكى عن موسى " واخلفني في قومي " وقد قرر الجاحظ أن هذه الخلافة ما كانت والنبي عليه السلام حي، فتعينت بعد وفاته، تصديقا للرواية.

ثم إن قوله: " هكذا رووه " من الذي رواه كذا؟ بحوث سمرية(2) في مقام البراهين اليقينية، وهذا نقص(3) محض وزلل بين ولغط(4) ظاهر.

ثم بيان فساد الرواية، كون الجنة ليس في سكانها كهول، وما يبعد من خاطري أن الكهل في الجنة إبراهيم الخليل وحده فإذن يكون منصوره سيد إبراهيم الخليل والجميع يأبونه.

وإن كان المراد به سيدا من مات كهلا في الدنيا، فأذن منصوره سيد رسول الله - صلى الله عليه وآله - وغيره من الأنبياء الذين ماتوا كهولا وهو يأباه، وإن لم يأب ذلك فهو كافر.

وقال: (إن النبي - عليه السلام - قال: هذا خالي أباهي به، فليأت كل امرئ بخاله تفضيلا(5) له(6) على كل خال في الأرض وقد كان علي خال جعدة ابن هبيرة، ولم يستثن أحدا)(7).

____________

(1) العثمانية: 160.

(2) ن: شعرية.

(3) ن: نقض.

(4) ن: غلط.

(5) ن: مفضلا.

(6) ن: عليه.

(7) العثمانية: 160.