الصفحة 329
أقول: إنه إذا كان القول لا يسند إلى برهان، أمكن أن يقول قائل: إن أخس الخلق الجاحظ فعلى هذا هو أخس من كذا وكذا من فنون الحيوانات، وكما أن هذا لا يقوم منه عرض فكذا هذا.

ومع الإضراب عن هذا، فما البرهان على أن جعدة كان موجودا حتى يتوجه الإيراد؟.

أضربت(1) عن هذا، فإن هذا مخصوص بكمال شرف أمير المؤمنين عليه السلام في الفنون من العلوم وغيرها من صنوف الخصائص المورقة الغصون.

أضربنا عن هذا، فإن في الآثار النبوية من طريق الخصم ما يشهد بأن أمير المؤمنين - عليه السلام - وشيعته خير البرية(2) وأنه سيد البشر(3) وأنه سيد العرب(4) وأنه وجماعة من أهل سادات أهل الجنة، من طريق من لا يتهم.

وأيضا فإن الناس اختلفوا في أفضل الصحابة ولم يذكروا الخال المشار إليه فأراه على هذا لا رافضيا ولا سنيا ولا خارجيا ولا متعلقا بمذهب من مذاهب المسلمين، فيكون منافقا.

ثم إن عدو السنة أراد أن يضع من علي - عليه السلام - فوضع من منصوره مبالغا بيانه.

إن أولاد الأشعث بن قيس حضروا عند معاوية بن أبي سفيان ففخر أولاد ابنة أبي قحافة على أخوتهم من النخعية وكثروا، فقال أولاد النخعية: والله لقد تزوج أبونا أمكم وهو مأسور على حكمه، وتزوج أمنا وهو مطلق على حكمها.

____________

(1) ق: أضربنا.

(2) مرت الإشارة إلى مصادره هامش ص: 72.

(3) مرت الإشارة إلى مصادره هامش ص: 72.

(4) مرت الإشارة إلى مصادره هامش ص: 112.


الصفحة 330
وإذا تقرر هذا فليكن خال رسول الله - صلى الله عليه وآله - أشرف قدرا من منصوره وهو يأباه ولو لم يأبه فلا يرضى بذلك أحد من أهل السنة ويرون الجاحظ بذلك سابا لأبي بكر - رضوان الله عليه - وسب خلصاء الصحابة محذور فاعلم ذلك.

ويمكن الرد على هذا بأن أبا بكر لم يكن خالا في زمن رسول الله - صلى الله عليه وآله - والإشكال إنما هو متوجه بهذا. ثم إن الجاحظ مرمي بمذاهب المعتزلة، فالمذاهب الأشعرية تتبرأ منه، والمذاهب الحنبلية تتبرأ منه، والمذهب المالكية تتبرأ منه [ وكذا الشافعية والمذاهب الشيعية تتبرأ منه، والمذاهب الكرامية تتبرأ منه ](1) وإن كان على قواعد المثبتين الجواهر وما يبعد، فقواعد القائلين بالصانع تتبرأ منه، إذ مذهبهم آئل إلى ذلك وهو نفي الصانع، ومن كان هذا أشرف حليته فغير بدع الانحراف منه على أمير المؤمنين - عليه السلام - وشيعته، وأبو بكر وعمر يبرء آن(2) منه، إذ لم ينقل عنهما إيغال(3) في الطعن، مع أن عمر مع الذي عنده من حزونة المزاج والخشونة، كان المثنى(4) عليه - على ما رواه القوم - يعتمد على رأيه، ويقول: (لولا علي لهلك(5) عمر)، ونحو هذا وقد أثبتناه فيما سلف(6) ولا المعتزلة راضية عنه، إذ لا أعرف أحدا منهم يقول الذي يقول، بل فيهم من بلغنا أنه رد عليه وسخف رأيه وهذاه أحسن الله تعالى جزاء ذاك، وهو أبو جعفر الإسكافي(7) حسب ما

____________

(1) ما بين القوسين لا يوجد في: ن.

(2) ن: مبرءان.

(3) ق ون: أفعال.

(4) ج و ق: المبني.

(5) ج و ن: هلك.

(6) تقدم ص (85).

(7) هو أبو جعفر محمد بن عبد الله بن محمد الإسكافي، المتوفى سنة 240 هـ، شيخ من شيوخ المعتزلة كان صاحب نظر ورأي فيهم. وقد نقض المشار إليه كتاب العثمانية ورد عليه ولكن هذا

=>


الصفحة 331
رأيت في كلام ابن عباد، وله مقامات ساميات في تفضيل أمير المؤمنين - صلوات الله عليه - وأحسن جزاء ابن عباد فيما قصد إليه.

وعند الخصوم أن رسول الله - صلوات الله عليه وآله - قال: " كونوا مع السواد الأعظم "، وهذا ملقح الفتن عدل عن فنون الطرق(1)، وسلك في سبيل وعر جدا، فحاق به غضب الله وغضب رسوله وغيرهما.

أقول: إن المشار إليه ذكر حديث المؤاخاة، وادعى: (أن المؤاخاة كانت بين(2) علي وسهل بن حنيف)(3) وادعى: (إن هذا لا دافع له، وأورد على نفسه أن تكون المؤاخاة بين علي وسهل، وبين النبي وعلي، وذلك لا يتنافى)(4). وأورد على ذلك (أنه لم يجده(5) بذلك إسنادا يثق به أصحاب الحديث، وأنه كان ينبغي أن يؤآخي بينه وبين أفضل الأنصار، حيث رضيه لنفسه)(6).

والذي يقال على الجاهل بالكتاب والسنة، عدو أمير المؤمنين - عليه السلام -: إنا قد روينا فيما سلف، الحديث من طريق ربع المنتسبين إلى

____________

<=

الرد قد ضاع في جملة الكتب التي ضاعت وفقدت ولعل الأيدي الأثيمة هي التي أتلفته عمدا.

ولكن ابن أبي الحديد المعتزلي في شرحه على نهج البلاغة أورد قسما منه ضمن كتابه. وقد جمع هذه النصوص المتفرقة الأستاذ حسن السندوبي في كتابه (رسائل الجاحظ) وجاء بها حسب ترتيب ذكرها في شرح نهج البلاغة. ثم إنه لما طبع كتاب العثمانية في القاهرة سنة 1374 بتحقيق عبد السلام هارون قام المحقق بطبع تلك النصوص على شكل كتيب وألحقه مع العثمانية وطبعه معه في آخره.

(1) ن: الطريق.

(2) ق: من.

(3) العثمانية: 160.

(4) العثمانية: 160.

(5) ن: نجد.

(6) العثمانية: 161.


الصفحة 332
السنة، أحمد بن حنبل، ومن الصحيح لرزين العبدري، ومن طريق ابن المغازلي، ومن طريق الحافظ ابن مردويه(1) وليس أحد من هؤلاء رافضيا، خاصة مع تصحيح رزين للطريق فإذن الحديث في الصحيح برزين وبمن روي عنه، فظهر زلل الجاحظ عدو الدين.

أما أنه كان على قود ما ادعيناه أن يؤاخي بينه وبين أفضل الصحابة، حيث رضية لنفسه فهذيان(2)، إذ وجه المصالح يعرفها الحاضر ويجهلها الغائب، وما يدرينا ما الوجه الذي يراه رسول الله صلى الله عليه وآله في ذلك؟ وما يدرينا أن غير سهل خير منه؟ والبواطن إلى الله، إلا أن ينص رسول الله - صلى الله عليه وآله - أن فلانا أفضل من فلان، كما نص في علي عليه السلام.

ثم من وافق الجاحظ أن أمير المؤمنين كان أخا لسهل بن حنيف؟ وأما مؤاخاة النبي لعلي - عليه السلام - فإنها بالقرائن دالة على تخصيصه له بالمنزلة وبقوله: " تركتك لنفسي ".

[ و ](3) أقول: إن الجاحظ رد التعلق في نفي إمامة أبي بكر - رضوان الله عليه - (بكونه كان في جيش أسامة في حال مرض رسول الله - صلى الله عليه وآله - وكان يحث على إنفاذ الجيش ويكرره إلى أن قبضه الله تعالى)(4) وأورد على ذلك: (أن أحدا ما أنكر عليه الرجوع ولو كان خطأ أنكر)(5).

وللجارودية أن يجيبوا عن ذلك بأن الوقت كان أشغل من الإنكار، لمرض رسول الله صلى الله عليه وآله المخوف، وقد يعرف قوم بقدومه و [ قد ](6)

____________

(1) تقدم ص: 152.

(2) ق: فهو بان (كذا).

(3) لا توجد في: ق.

(4) العثمانية: 164.

(5) العثمانية: 166 نقله بالمعنى.

(6) لا توجد في: ن.


الصفحة 333
لا يعرف، وقد يتوهم(1) قوم إنه ورد لضرورة فلا ينكرون، أو أن أسامة أنفذه فلا ينكرون، أو أنه ليس بالمهم كونه في الجيش ولا هو المقصود فلا ينكرون، أو أن بعضا عرف الخطأ - وعياذا بالله - وكان له غرض في قدومه فما أنكره.

أضربنا عن هذا، فإن غرض الجارودية يحصل بمجرد كون النبي حث على تبعيده على المدينة عن مرضه المخوف، وهو دون(2) تدبير الرئاسة.

قال: (وما يقرب من قولنا كون النبي عليه السلام قال: " انفذوا " ولا يليق بهذا الخطاب إلا أبو بكر)(3).

وهذه دعوى لا يرضاها أصحاب(4) النظر، يرد عليها موارد كثيرة، يفهمها العيي(5) فضلا عن الناقد والمقصر فضلا عن المبرز.

قال: (ووجه آخر، وهو: أنك لو جهدت أن تجد بحديث(6) من زعم أن أبا بكر كان في جيش أسامة، أصلا لم تجد)(7) والذي يقال على هذا: إن من لا يتهم في شرفه(8) وسداده(9) حكاه عن البلاذري(10). وهو بموضع الضبط

____________

(1) ق: موهم، ن: توهم.

(2) ن: وقت.

(3) العثمانية: 169 نقله بالمعنى.

(4) ق: أهل.

(5) ن: الغبي.

(6) في المصدر: لحديث.

(7) العثمانية: 169.

(8) يعني الشريف المرتضى (كما يأتي التصريح بذلك عند نقله حديث إن ولوها الأجيلح سلك بهم الطريق) فقد ذكر في كتابه الشافي: 246 ذلك عن تاريخ البلاذري.

(9) ن بزيادة: و.

(10) هو أحمد بن يحيى بن جابر بن داود البلاذري البغدادي خاتمة مؤرخي الفتح.

ولد في أواخر القرن الثاني ونشأ في بغداد وكان من ندماء المتوكل وأدرك المستعين والمعتز وعهد إليه الأخير بتثقيف ابنه عبد الله الشاعر المشهور.

وكان البلاذري بالإضافة إلى كونه مؤرخا وشاعرا وكاتبا ومترجما.

=>


الصفحة 334
عندهم. ورواه أبو بكر الجوهري في كتاب " السقيفة " ولا أراه بموضع تهمة أصلا عن أبي زيد قال: حدثنا حماد بن سلمة(1)، عن هشام بن عروة، عن أبيه:

أن رسول الله جهز جيشا واستعمل عليهم أسامة بن زيد وفيهم أبو بكر، وعمر(2).

وروى محمد بن جرير(3) وهو إمامي من طريق الواقدي: أن أبا بكر وعمر كانا في جيش أسامة(4).

____________

<=

وسوس في آخر أيامه فأخذ إلى البيمارستان لأنه شرب تمر البلاذر على غير معرفة ومنه اسمه ومات سنه 279 في أول خلافة المعتضد.

وكتابه الذي ينقل عنه الشريف المرتضى هو (تاريخ أنساب الأشراف) وهو كتاب كبير كثير الفائدة على ما ينقل، كتب منه عشرين مجلدا ولم يتم (كما في كشف الظنون) طبع من هذا الكتاب جزء واحد بباريس وهو الخامس فقط ويبدأ بخلافة عثمان وأمر الشورى إلى أيام عبد الملك بن مروان. انظر: تاريخ ابن الأثير: 2 / 317 معجم الأدباء: 5 / 89. تاريخ آداب اللغة العربية: 2 / 191.

(1) ق: مسلمة.

(2) ذكور في السقيفة: 74.

وحدثنا أحمد بن إسحاق بن صالح عن أحمد بن سيار عن سعيد بن كثير الأنصاري، عن رجاله عن عبد الله بن عبد الرحمن، ونقله أيضا ابن أبي الحديد في شرحه على النهج: 1 / 159 وابن الأثير في تاريخه: 2 / 317.

(3) هو محمد بن جرير بن رستم الطبري الآملي أبو جعفر.

وهو إمامي صاحب كتاب غريب القرآن والمسترشد في الإمامة، الذي يروي عنه الشريف الحسن بن حمزة الطبري المرعشي المتوفى سنة 358. ووصفه بالكبير في قبال أبي جعفر محمد بن جرير الطبري الصغير الذي هو عامي صاحب التاريخ المتوفى سنة 310. وللطبري الإمامي مؤلفات منها " دلائل الإمامة " و " غريب القرآن " و " المسترشد في الإمامة " و " نوادر المعجزات في مناقب الأئمة الهداة ". انظر: فهرست ابن النديم: 37 عند ذكر الكتب المؤلفة في غريب القرآن وفهرست الشيخ الطوسي: 158 ترجمة 697 ورجال النجاشي: 376 ترجمة 1024 والذريعة: 8 / 241.

(4) المغازي: 2 / 1117.


الصفحة 335
وإن(1) قيل: إن ابن جرير موضع تهمة، قلت: قد أحال على شيخ معروف لا يتهم فلينظر كلامه.

وتعلق (بكون منصوره صلى بالناس)(2). والجارودية تمانع [ عن ](3) ثبوت ذلك.

أقول: إني قد رأيت الوفاء بما وعدت به من ذكر الأحاديث المتعلقة بفضل أبي بكر - رضوان الله عليه - وأقول عندك ما يجيء على مذهب الجارودية، وأنا برئ من الزيغ.

ذكر الجحاظ: (أنهم يروون عن النبي - عليه السلام -: " وليس أحد أمن علينا بصحبته وذات يده من أبي بكر "(4).

و (أنه قال: لو كنت متخذا من هذه الأمة خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن ود(5) وإخاء(6).

قال: (وأعجب من هذا [ ما ](7) يروون إن النبي عليه السلام قال في شكاته(8) وقبل(9) وفاته: إن خليلي منكم أبو بكر)(10).

والذي يقال عند هذا: إنا قد بينا(11) أن رواية الخصوم لا تقبل في معارضة

____________

(1) ن: فإن.

(2) العثمانية: 170.

(3) لا توجد في: ق.

(4) العثمانية: 135.

(5) ن والمصدر: ودا.

(6) العثمانية: 135.

(7) لا يوجد في المصدر.

(8) ق: مكانه.

(9) المصدر: قبيل.

(10) العثمانية: 135.

(11) ق: قدمنا.


الصفحة 336
الخصم و [ هو ] الجاحظ، فقد تضمن كتابه هذا، إن أمثال هذه الأحاديث لا عبرة بها، وعول على " الغار " ونحو ذلك، ولا أستبعد أني حكيته بفصه(1).

ثم إن قوله: " أمن " يمكن أن يقال: أنه أراد " بمن علينا " بذلك، والجارودية يقول لسانها: لا ينبغي أن يمن(2) بالصدقة على غير رسول الله - صلى الله عليه [ وآله ] - فكيف هو، وهو صاحب الحقوق الجمة. قال الله تعالى: لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى) *(3).

وأما حديث " الخلة " و " الأخوة " فيحتاج إلى أن يعرف من الراوي له من الخصوم، فإن كان ضعيفا عندهم بطل التعلق به رأسا، عندنا وعندهم، وإن كان عندهم موثقا وبنوا(4) على روايته، فإن الجارودية لا تتقبل(5) رواية خصم لتهمته وتهمة من وثقة وكذا يقولون - أعني الجارودية - عند قوله: " اقتدوا بالذين من بعدي "(6). مع أن راويه عبد الملك بن عمير(7)، يقال إنه قتل

____________

(1) ق: بقصته.

(2) ج: تمن.

(3) البقرة: 264.

والآية كاملة: * (يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا لا يقدرون على شئ مما كسبوا والله لا يهدي القوم الكافرين) *.

(4) ن: بنوه.

(5) ق: تقبل.

(6) قال الجاحظ: ويروون أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر. انظر العثمانية: 135.

(7) عبد الملك بن عمير بن سويد بن حارثة القرشي، أبو عمرو الكوفي المعروف بالقبطي.

رأى عليا وأبا موسى، وروى عن جماعة منهم الأشعث بن قيس، وجابر بن سمرة وجندب بن عبد الله البجلي وغيرهم، وقال عنه العسقلاني في تهذيب التهذيب: 6 / 411: وقال علي بن الحسين الهسنجاني عن أحمد: عبد الملك مضطرب الحديث جدا، مع قلة روايته، ما أرى له خمسمائة حديث، وقد غلط في كثير منها. وقال إسحاق ابن منصور: ضعفه أحمدا جدا. إلى

=>


الصفحة 337
رسول الحسين بن علي عليهما السلام، ولا نعلم(1) إلى من أشار بالاقتداء؟

وأين المصحح لهذه الرواية؟

وكذا يقال شئ من هذا على قوله: " سيدا كهول أهل الجنة " مسندا الرواية عن علي.

أقول: إن الجارودية يقول لسانها: لو كان عند الجاحظ حياء ما أورد علينا مثل هذا، إذ هو حديث من لا يدري ما يقول. كيف يكذب أمير المؤمنين نفسه ورسول الله - صلى الله عليهما -؟ وكيف يرد على معانيه وسؤدده ما شهدت به من الفضيلة على غيره، والفخر له على من(2) سواه؟ إذ كان رسول الله - صلى الله عليه وآله - شهد له بالفضيلة(3) العالية، والمذاهب السرية، والأخلاق العلية مشرفا له بها على غيره، ظاهرا بها على من عداه، وقد سلف بيان ذلك.

مع أن الجاحظ كفانا المؤونة بضعف أمثال هذا، وقد سلفت زيادة إيضاح في معنى قوله: " سيدا كهول أهل الجنة ".

وكذا يقول لسان الجارودية على مثله من شهادة علي للجماعة بالجنة، وكذا يقولون على ما يروون، من خبر " الأحجار وقعود الثلاثة عليها، وأنهم

____________

<=

أن قال: ذكره ابن حبان في الثقات وقال: ولد لثلاث بقين من خلافة عثمان ومات سنة ست وثلاثين ومائة وله يومئذ مائة وثلاث سنين وكان مدلسا.

أنظر أيضا: ميزان الاعتدال: 2 / 660 وسير أعلام النبلاء: 5 / 438 والجرح والتعديل:

5 / 360. وذكر الشبلنجي في نور الأبصار: 52 في ترجمة عبد الله بن يقطر قال:

وهو قاتل عبد الله بن يقطر رسول الحسين بن علي إلى مسلم بن عقيل حيث رمى به ابن زياد من فوق القصر - وبه رمق - فأجهز عليه، فلما عوتب على ذلك قال: إنما أردت أن ريحه.

(1) ن: يعلم.

(2) ن: ما.

(3) ج: بالفضلية.


الصفحة 338
الخلفاء من بعدي ".

وراوي الحديث يعقوب بن أبي شيبة، قال: حدثني يحيى بن عبد الحميد، قال: حدثنا حشرج(1) بن نباتة عن سعيد بن جمهان(2) عن سفينة مولى رسول الله، عن النبي - عليه السلام - قال ابن الوليد المحدث ببغداد،: إن يحيى بن عبد الحميد(3) تكلم فيه أحمد بن حنبل، واختلف الناس في جرحه وثقته... وأما حشرج(4) بن نباتة فإن محمد بن حبان صاحب كتاب " المجروحين " - وهو لنا عدو - قال ما صورته:

حشرج بن نباتة يروي عن سعيد بن جمهان(5) روى عنه حماد بن سلمة، ومروان بن معاوية، كان قليل الحديث منكر الرواية(6)، لا يجوز الاحتجاج بخبره إذا انفرد، روى عن سعيد بن جمهان عن سفينة، أن النبي عليه السلام وضع حجرا ثم قال: ليضع أبو بكر حجرا(7) إلى جنب حجري، ثم(8) ليضع

____________

(1) ق و ج: حشر ح.

(2) ق: جمهار.

(3) يحيى بن عبد الحميد بن عبد الله بن ميمون بن عبد الرحمن الحماني. الحافظ أبو زكريا الكوفي، روى عن جماعة منهم شريك.

قال الذهبي في ميزان الاعتدال: 4 / 392: وأما أحمد فقال: كان يكذب جهارا. وقال النسائي: ضعيف. وقال البخاري: كان أحمد وعلي يتكلمان فيه.

وقال محمد بن عبد الله بن نمير: ابن الحماني كذاب. وقال مرة: ثقة. توفي سنة ثمان وعشرين ومائتين.

انظر أيضا: تهذيب التهذيب: 11 / 243 وسير أعلام النبلاء: 10 / 526 والجرح والتعديل:

9 / 168.

(4) ج و ق: حشرح.

(5) ن بزيادة: و.

(6) المصدر بزيادة: فيما يرويه.

(7) في المصدر: حجره.

(8) في المصدر بزيادة: قال.


الصفحة 339
عمر حجرا(1) إلى جنب حجر أبي بكر، ثم(2) ليضع عثمان حجره إلى جنب حجر عمر، ثم قال: هؤلاء الخلفاء من بعدي.

أخبرناه أبو يعلى قال حدثنا يحيى - الحماني -(3) قال: حدثنا حشرج ابن نباتة عن سعيد بن جمهان عن سفينة(4).

وكذا روى غير هذا مما لا يعتمد عليه هو فكيف الخصم. وروى(5) حديث الميزان الذي وضع فيه أبو بكر وعمر وعثمان، في منام يرويه أبو بكرة(6) لمعاوية، وقد ورد وافدا عليه.

طريق الرواية:

رواه أبو بكر الجوهري عن أبي يوسف قال: حدثنا سودة(7) بن خليفة وموسى بن إسماعيل والأسود بن عامر بن شاذان ومعنى حديثهم واحد، قالوا حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد(8)، وهو مقدوح فيه عندهم. وكذا علي

____________

(1) في المصدر: حجره.

(2) في المصدر بزيادة: قال.

(3) ن: يحيى بن حمان.

(4) المجروحين: 1 / 277.

(5) قال الجاحظ: ويرى أن النبي صلى الله عليه [ وآله ] وضع في كفة الميزان والأمة في الكفة الأخرى فرجح بهم ثم أخرج النبي صلى الله عليه [ وآله ] ووضع أبو بكر مكانه فرجع بالأمة ثم أخرج أبو بكر ووضع عمر مكانه فرجح بالأمة ثم أخرج فرفع الميزان. انتهى ولم يرد فيه ذكر عثمان. انظر العثمانية: 137.

(6) ق ون: أبو بكر.

(7) ن: سؤدد.

(8) علي بن زيد بن جدعان أبو الحسن القرشي التيمي البصري الأعمى.

حدث عن أنس بن مالك وسعيد بن المسيب وغيرهما كما حدث عنه شعبة وسفيان وحماد بن سلمة وسفيان بن عيينة. وعلي بن زيد المذكور ولد أعمى. قال أبو زرعة وأبو حاتم: ليس بقوي، وقال البخاري وغيره: لا يحتج به. وقال ابن خزيمة: لا أحتج به لسوء حفظه وقال حماد بن زيد: أنبأنا علي بن زيد وكان يقلب الأحاديث. وقال أحمد بن حنبل: ضعيف.

=>


الصفحة 340
ابن زيد(1) وعبد الرحمن(2) عمه(3) زياد ساب أمير المؤمنين عليه السلام، وأبو بكرة(4) أخو زياد بن أبيه ساب أمير المؤمنين عليه السلام(5) والوفادة إلى الشام والجلساء شاميون.

إذا عرفت هذا فإن الجارودية تخرف شيخا(6) يورد مثل هذا على خصومه. قال: (وقالوا: قال النبي - صلى الله عليه [ وآله ] وسلم(7) -: إن الله بعثني إليكم جميعا، فقلتم(8): كذبت(9) وقال لي صحابي: صدقت فهل أنتم

____________

<=

وروى عباس عن يحيى: ليس بشئ. مات علي بن زيد سنة 131 هـ. انظر: سير أعلام النبلاء: 5 / 206 والتاريخ الكبير: 6 / 275 والجرح والتعديل: 6 / 186 وميزان الاعتدال:

3 / 127 وتهذيب التهذيب: 7 / 322.

(1) ق: علي بن زياد.

(2) عبد الرحمن بن أبي بكرة الثقفي، يكنى أبا بحر وقيل أبا حاتم سمع عليا عليه السلام وأباه وعبد الله بن عمرو كما حدث عنه ابن سيرين وأبو بشر وخالد وآخرون ولد زمن عمر وقيل إنه سنة أربع عشرة. وقيل إنه كان يقول: أنا أنعم الناس، أنا أبو أربعين، وعم أربعين، وخال أربعين، وعمي زياد الأمير وكنت أول مولود بالبصرة. قيل إنه توفي سنة 96 وقيل غير ذلك.

انظر: سير أعلام النبلاء: 4 / 319 و 411 وتهذيب التهذيب: 6 / 148، تهذيب الكمال:

779.

(3) ن: ابن عمه.

(4) أبو بكرة الثقفي الطائفي واسمه نفيع بن مسروح، تدلى في حصار الطائف ببكرة فكني يومئذ بأبي بكرة. اسم على يد النبي صلى الله عليه وآله وأعلمه أنه عبد فأعتقه.

سكن البصرة ووفد على معاوية. وأمه سمية فهو أخو زياد بن أبيه لأمه وجلده عمر هو ونافع وشبل ابن معبد لشهادتهم على المغيرة بالزنا. انظر: الكامل لابن الأثير: 3 / 433 والجرح والتعديل: 8 / 489، أسد الغابة: 5 / 138 و 151 وسير أعلام النبلاء: 3 / 5.

(5) ن بزيادة: قال.

(6) ن: شيئا.

(7) في المصدر: وقالوا: إن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: أيها الناس.

(8) ن: فقلت.

(9) ن: كذبتم.


الصفحة 341
تاركي وصاحبي؟)(1).

والذي يقول لسان الجارودية على هذا، مثل الذي قال على غيره.

ثم إن قوله: إن جميع الناس كذبوه إذا أبا بكر، فأنه مشكل، لثبوت تقدم إسلام غيره عليه وبلا خلاف خديجة.

ثم(2) ما أغث سياقه عند من اعتبر، أكد هذا بمثله. وتعلق أيضا بقولهم: (إن النبي عليه السلام قال: إن أبا بكر لم يسؤني قط)(3). وهذا يرد عليه شئ مما أورده الجارودية على مثله. وهو(4) ظاهر التناقض، مؤكد بكونه لم يسؤه في الماضي، بيانه: لفظة(5) " قط "(6) وعلى هذا فقد كان النبي لا يسؤه كفر أبي بكر - رضوان الله عليه - والقول بذلك كفر.

وقال عبد هذا ما معناه: (فإن كان ما رويتموه في شأن علي حقا، وما رووه في شأن أبي بكر حقا لزم التناقض، وجهل الحال فيما يبنى عليه من ذلك)(7).

وأقول: إن الجارودية تقول: أما ما روي من طرقكم لنا، ووثقتم راويه فلا مرية في أنه حجة عليكم، وفي نفس الأمر إذا أنصفتم(8). لأن ذلك بعيد عن التهمة، وما رويتموه لكم ووثقتموه(9) فإنه مرجوح للتهمة، وما رويتموه

____________

(1) العثمانية: 137.

(2) بزيادة: أن.

(3) العثمانية: 137.

(4) ق: وهذا.

(5) ن: لفظ.

(6) " قط " ظرف زمان لاستغراق الماضي وتختص بالنفي فنقول: " ما فعلت هذا قط " أي: في ما مضى من عمري.

(7) العثمانية: 137.

(8) ن: اتفقتم.

(9) ن: زيفتموه.


الصفحة 342
علينا ووثقتموه فإنه مرجوح لا محالة عندنا وعندكم.

وإذا تقرر هذا فلا وجه للتوقف، إذ الروايات في جانب أمير المؤمنين عليه السلام وفضله رواها الخصم ووثق رواتها وصححها، كما سلف، والمصحح عندهم في نصرتهم لا يقف بإزاء ذلك على ما سلف، فكيف إذا كان ضعيفا عند الخصم؟

وإذا تقرر هذا وضح ما تقوله الإمامية وخفي ما عداه، ولا يورد على هذا منصف والتكلف والمدافعة لا وجه له عند من كان ذا حياء وأنفة، والله الموفق.

وكرر حديث صلاة أبي بكر بالناس(1) ولا يعرف [ ذلك ](2) - إن ثبت - (أنه)(3) صار بإذن رسول الله صلى الله عليه وآله ولو ثبت فلا يدل على إمامة ورئاسة عامة.

[ و ](4) قرر (كون الصلاة لا تكون إلا بإذن من رسول الله (صلى الله عليه وآله) حيث لم يقع إنكار)(5).

والجارودية تقول على هذا: إنه لا مانع أن يكون المسلمون رأوا رجلا يصلي بالناس فتوهموا أن ذلك عن رضى، ولا يدرون باطن الحال فلم ينكروا.

وعارض كون ذلك لا يكون عن إذن، بأنه كيف يتقدر أن يجيء رجل من

____________

(1) العثمانية: 170.

(2) لا توجد في: ج.

(3) لا يوجد في: ج و ق.

(4) لا يوجد: ن.

(5) العثمانية: 171.


الصفحة 343
تلقاء نفسه يصلي(1)؟

والجارودية لها أن تقول: لا مانع أن يكون بعض من كان عند النبي - عليه السلام - أشار بذلك، والنبي - عليه السلام - لا يعلم، والمرض شاغل، خاصة مرض الموت.

وعارض من نازعه في الإجماع على أبي بكر بالخلافة، بأنه لا يعتد بالخلاف(2)، وفيه إشكال على مدعي إمامته(3)، إذ كان النص غير معروف، والإجماع ممتنع، فتضعضعت أركان الرئاسة.

وعارض بتخلف من تخلف عن أمير المؤمنين - عليه السلام -(4).

والجواب عنه - لو ثبت -: بأن الإمامية لا تبني على الإجماع، بل على النص المروي من طرق العامة والخاصة، وبالأفضلية، وتقرير ذلك في كتبهم واضح، ليس هذا موضع ذكره.

والمباحث لا تكرر في كل كتاب، ولا ينطق بها لسان الأقلام مع كل باحث، بل مع أرباب الأهلية، وذوي الأذهان المعتبرة الناقدة، وإلي الآن ما عرفت ذلك جرى، ولا رأيته روى رواية يصلح لناقد التعلق بها، بل روايات مرسلات جدا وهو ضعف بين.

ومنها ما رددناه من غير هذا الوجه، بل أبنا(5) ضعفه من طرفهم، بل الذي رأيته فيما بحثناه(6) ودافع عن طريقتنا إليه من طرقهم أقوى من طرقهم فيما

____________

(1) ن: فيصلي.

(2) ن: الخلافة.

(3) ج: الإمامية.

(4) العثمانية: 172.

(5) ق: أنبأ. ن: إنما.

(6) ن: يخشاه.


الصفحة 344
يختصون به، إلى ما يرومونه.

ولنا في منع إجماعهم مواد كثيرة قد تضمنتها طيات الاجتهاد، وحوتها أكف الإرشاد(1).

وادعى (لمنصوره فضلا راجحا كاملا على فضل غيره)(2) والجارودية تنازع في ذلك، بما يروى من طريق الخصم، رادا على هذا القول من الطرق المعتبرة، الواضحة، والمزايا المعلومة لأمير المؤمنين [ غير مستفادة ](3) من نقل خاص، وخبر معين ولو لم يكن إلا ما رواه أرباب الحديث من قول ربع السنة أحمد بن حنبل: ما جاء لأحد من الصحابة من الفضائل ما جاء لعلي بن أبي طالب، لكفى(4)، فكيف والأمر أجلى من هذا وأبين.

وذكر حديث طلحة وخروجه عليه وعائشة وحرب أهل الشام، وادعى:

(أن سعيد بن زيد بن عمرو(5)، بن نفيل طعن عليه وعلى طلحة)(6) وذكر شيئا من ذلك عن أسامة(7).

والذي يقال على هذا: إنا قد أوردنا من طريق الخصم، أن الحق مع

____________

(1) ن: الارتياد.

(2) العثمانية: 172.

(3) ن: بدله (فضلا عن المستفادة).

(4) تقدم ص (80).

(5) ق: عمر.

(6) قال الجاحظ: وطعن عليه سعد بن زيد بن عمرو بن نفيل وعلى طلحة وقال: فتنة عمياء يخبط أهلها. قال طلحة: ابن عمك كان أعلم بي وبك حين جعلني في الشورى وأخرجك منها.

قال: إن ابن عمي خافك وأمنني. انظر العثمانية: 175.

(7) قال: ودعا إلى بيعته وعونه أسامة بن زيد فقال: إني إذن لمفتون وأسامة هو الذي كان طلحة استشهده على قوله: قد بايعت واللج على قفي، فسأل عن ذلك فكلمه طلحة بكلام غليظ. العثمانية: 175.