أقول: فعلى قول أبي الفرج لا أرى للجاحظ موضعا يذكر فيه، إذ قد خرج عن قاعدة، الموالين والممالين،(13) ولا لوم على أبي الفرج(14) في قوله، إذ الذي شرع الجاحظ فيه شئ ما يتخيل لعاقل أن بشرا يقدم عليه أو يشير إليه جازاه الله تعالى بسيئ عمله.
قال الجاحظ ما معناه: (إنا لا نلتزم وفاق الكل، وصورة(15) كلامه:
____________
(1) المصدر: مثل.
(2) المصدر: والاكثار يخرجنا عما شرطناه من الاختصار.
(3) المصدر: ننبه.
(4) المصدر: خمل.
(5) المصدر بزيادة: بعض.
(6) المصدر: فأمير المؤمنين.
(7) الممالي: مالأه على الأمر: ساعده وعاونه (المنجد).
(8) ن والمصدر: غمطه.
(9) ن والمصدر: ينساغ.
(10) ن بزيادة: و.
(11) المصدر: عن.
(12) مقاتل الطالبيين: 18.
(13) ق: تقديم وتأخير.
(14) ن بزيادة: الأصفهاني.
(15) لا توجد في: ق ون.
وقال ما معناه: (إن رسول الله - صلى الله عليه [ وآله ] - لمز(7)، تعلق بقوله تعالى * (ومنهم من يلمزك) *(8). قال: ولو كان هذا وشبهه ناقضا إمامة أبي بكر، كان لإمامة(9) علي أنقض وأفسد. وتعلق بخلاف من خالف عليه).(10) والذي أقول على هذا: إن المثبت للخلافة لا يخلو، إما أن يكون اتفاق جميع الأمة حسب(11) الخبر الذي يروونه " أمتي لا تجتمع على ضلالة ".
أو اتفاق جميع عقلائهم، أو إجماع المجربين منهم، أو إجماع(12) ديانيهم، أو اتفاق جميع علمائهم، أو ما يترتب من هذه الأقسام، هذا الذي يليق أن يذكر في القسمة، فإن كان الأول، فلا بد من اتفاق الجميع، وإلا فالإمامة غير ثابتة. وليس المراد من الجميع الذين كانوا في زمن النبي - عليه السلام - بل الأمة كافة إلى قيام القيامة، ولا يراد على هذا، إنه كانت تكون إلا حالة على
____________
(1) المصدر: سكون.
(2) المصدر بزيادة: من.
(3) ق: عصبي.
(4) المصدر: حليم.
(5) المصدر: سخيف.
(6) العثمانية: 193.
(7) ن: لمن.
(8) التوبة: 58.
والآية كاملة: * (ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون) *.
(9) ق و ج: إمامة.
(10) العثمانية: 195.
(11) ق: حيث.
(12) ن: اجتماع.
وكيف ما تقلبت الأقسام فهذا المعنى متعذر في التعلق بالرواية حسب ما يريد الخصم، وإن كان المراد أحد الأقسام المذكورة في زمن أبي بكر - رضوان الله عليه - وكذا فيما بعده من الأزمنة، فلا بد من برهان يدل عليه سلمناه، لكن أين الإحاطة بجميع ما احتوى عليه أحد الأقسام؟.
وإن قال: المعول على بعض من أعيان المسلمين، فما برهانه؟ بل ما أمارته؟ ولئن ثبت ذلك لتكثرن الأئمة، وإن قال، بل هوم إشارة إلى جماعة أعيان من الصحابة ولا يتعدى، أشكل(1) لعدم البرهان عليه، ومن كون باب الاستدلال بالإجماع يصير مسدودا على الخصم بعد الصحابة، وهو لا يوافق عليه.
وإن تعلق الجاحظ بقوله: " كونوا مع السواد الأعظم " فإنه لا بد لثبوت هذه الرواية من أصل قطعي(2)، لأنه منع رواية أنس، الثقة عندهم في شأن علي، بكونه واحدا.
ثم الذي يرد على الرواية كونها قاضية بخلاف القرآن المجيد، رادة عليه لأن الله - تعالى - قال: * (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم) *(3) وقال تعالى: * (وقليل من عبادي الشكور) *(4) في غير ذلك من الآي الناهض بأن
____________
(1) لا توجد في: ن.
(2) ج بزيادة: و.
(3) سورة ص: 24.
والآية: * (قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم، وظن داود إنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب) *.
(4) سبأ: 13.
=>
ومما أقوله في تضعيف الرواية بالسواد الأعظم: ينبغي أن يكون راوتها(1) من غير السواد الأعظم منزها من التهمات، عدلا في نفسه، وأين ذاك؟.
وأما قياس الجاحظ بحال النبي - عليه السلام -، فإنه قول سفيه، إذ نبوة النبي - عليه السلام - لم تثبت بالإجماع، ولم تتقرر(2) قواعدها بالبشر بل بخالق البشر، ومن كانت هذه مباحثه، ومن الجهالة بالسنة والقرآن ما نبهنا عليه، بمعزل عن منازلة أرباب الفضل ومصادمة أصحاب الاستنباط.
وأما أنه " لو كان هذا وأمثاله قادحا في خلافة أبي بكر كانت إمامة علي أنقض وأفسد " فإن الإمامية لا ترى البناء في إمامة علي، على الإجماع، لتعذر الوصول كما ذكرت إليه، ولو كان ممكنا فإنهم غير بانين على ذلك، بل على المنصوص في إمامته من جهة غير شيعته، ومن جهة شيعته، وبكون(3) خصائصه المعظمة قدمته ومناقبه المفخمة رفعته، ومزاياه الباهرة صدرته، وأخرت غير ممن لم يدانه وباعدته ثم إن الجاحظ - خذله الله تعالى - أو غل في شرح حال انتقاض الأمور على أمير المؤمنين - صلوات الله عليه - في ألفاظ سردها، تعاطى فيها البلاغة، وتوخى بها الفصاحة، وهي إلى اللكن أقرب منها إلى البلاغة، وإلى الحصر أدنى منها إلى الخطابة. كلام مخذولة معانيه، طويلة ألفاظه، طائشة مراميه، يحاول به كسف الشمس بالهباء، وخطف النجوم بغير يد من أعنان السماء. قال في سياق كلامه: (ثم بعث رسولا قد
____________
<=
والآية: * (يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات اعملوا آل
داود شكرا وقليل من عبادي الشكور) *.
(1) ج: روايها.
(2) ق: يقرر.
(3) ق ون: تكون.
وذكر موافقة أصحاب عدو(5) أمير المؤمنين لأميرهم، ومخالفة أصحاب أمير المؤمنين له، قال وهو يسر حسوا في ارتغاء: (فلم يكن ذلك عارا عندنا ولا عندكم على علي)(6). والذي يقال على هذا: إن أمير المؤمنين - صلوات الله عليه - لم يحكم من أشار إليه، ولقد كذب فيما ادعاه، بل كان رأيه تصويب مرامي الحتف إلى عدوه، وإرهاف شفار الصوارم إلى مخالفه، فشرع أعداؤه في رفع المصاحف عند صدام المزاحف، واعترض الأخطار الخواطف، فأثر ذلك في ضعفة أصحابه فبردوا أوار الحرب بجهالاتهم، وصدوه عن إيثاره بسفاهاتهم.
وقد كاد(7) عبد الله بن بديل(8) يقتنص عدوه فريسة عزمه، وطعمة
____________
(1) لا توجد في: ج.
(2) ق ون: وكان.
(3) المصدر: المخادع.
(4) العثمانية: 195.
(5) لا توجد في: ن.
(6) العثمانية: 195.
(7) ن: كان.
(8) عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي من أفاضل أصحاب علي عليه السلام وأعيانهم.
قال عنه ابن الأثير في أسد الغابة: أسلم مع أبيه قبل الفتح وكان سيد خزاعة وشهد الفتح وحنينا والطائف وتبوك وكان له نخل كثير وقتل هو وأخوه عبد الرحمن بصفين مع علي وكان (يعني عبد الله) على الرجالة وهو الذي صالح أهل إصبهان مع عبد الله بن عامر في خلافة عثمان سنة تسع وعشرين قال الشعبي كان على عباد الله بن بديل درعان وسيفان وهو يضرب أهل الشام ويقول:
لم يبق إلا الصبر والتوكل | ثم التمشي في الرعيل الأول |
=>
أخو الحرب إن عضت به الحرب عضها | وإن شمرت يوما له الحرب شمرا |
كليث هزبر كان يحمي ذماره | رمته المنايا قصدها فتفطرا |
ثم ألجأه سفهاء أتباعه إلى التحكيم، وقهروه على أن يحكم أبا موسى الأشعري فأجابهم جواب المضطر، ووافقهم موافقة المقهور.
ولا عار، كم نجد أسالت دماءه | بعرض وكم عضب فرته النوازل |
وأما تعرضه ببنيه(3) وانتزاع الرئاسة منهم، وصرف الملك عنهم، فليس مما يأخذه ناقد، ولا يطعن به نبيه، إذ كانت موآتاة(4) الأغراض ليس عنوان الفخر، ومداناة المحاب ليست تيجان الشرف...
فكم في الأرض من عبد هجين(5) | يقبل كفه حر هجان(6) |
____________
<=
مشي الجمال في حياض المنهل والله يقضي ما يشاء ويفعل
فلم يزل يقاتل حتى انتهى إلى معاوية فأحاط به أهل الشام فقتلوه فلما رآه معاوية قال: والله لو استطاعت نساء خزاعة لقاتلتنا فضلا عن رجالها وتمثل بقول همام:
أخو الحرب إن عضت به الحرب عضها.................... وكانت صفين سنة سبع وثلاثين. انظر: أسد الغابة: 3 / 124 والإصابة: 2 / 280 الجرح والتعديل: 5 / 14 شرح ابن أبي الحديد: 5 / 196.
(1) ق: له فيهم.
(2) ق: جبلة.
(3) ن: لبنيه.
(4) ن: مواطاة.
(5) هجين: لئيم.
(6) هجان: كريم، حسيب (المنجد).
وقد تعلو على الرأس الذنابى | كما يعلو على النار الدخان |
ولو أن خطابنا مع غير الجاحظ من ذوي الشرف، المتوجين بالمناقب، لقلنا(1) عند مجاراتنا في ميادين الفخر، وسيرنا(2) في جدد الفخار.
علونا فلو مدت إلينا بنانها | يمين المناوى(3) زايلتها المعاصم |
وغلت بمجد من سنانا محلق | إذا ما يمين قيدتها الأداهم(4) |
مفاخر ميراث ومجد مؤثل | رفيع الذرى يشقى بهن المخاصم |
ألا فلتقر عين النفاسة بعدما | طما بحرنا المثعنجر(5) المتلاطم(6) |
وتجف مغاني(7) الجد في نيل بغية | تقاصر عنها السعي والسعي راغم |
وأما موافقة أصحاب معاوية له، فلأنه داناهم في الأغراض، وناسبهم في المقاصد، ورضع هو وإياهم ثدي المحاب الفانية، متفقين فصاروا يدا واحدة على الموافقات، وعضدا في المكاثرات، وارتفع مولانا - صلوات الله عليه - بمجده، والتمح جلال الله تعالى في أفاق بصيرته، وسعادة الدار الباقية بعين فكره، ومهانة الدار الفانية بلطيف نقده، فحمى منها نفسه وأتباعه، والأغلب(8) على الغارم بما صدهم عنه، والأغزر(9) على الشعف بما صانهم منه، فأعرضوا عن مراسمه، واعترضوه فيما دبرته فنون حكمه، وقبيل(10)
____________
(1) ن: لغلبنا.
(2) ن: سبرنا.
(3) ن: المبادي.
(4) الأداهم: القيود.
(5) المثعنجر: أكثر موضع ماء في البحر، من عثجر المطر إذا لم يكن له إمساك.
(6) ج: الملاطم.
(7) ن: معاني. والمغاني: المنازل (المنجد).
(8) ن: فالأغلب.
(9) ن: ولا غرز - والغزر والغزارة: الكثرة (المنجد).
(10) ن: فقبيل.
وبعض يرى أن مناقبه خصم لمناصبه(2) فيغار منه غيرة المرأة الشوهاء المسنة من الخرائد(3)، والمخشلب(4) من الفرائد، والكمال إذ ذاك لصاحبه، والنقص على من لا يدانيه في مناقبه، وشرف مذاهبه.
لا يوحش الربع المحلق شأوه(5) | هجر البغاث(6) محله وحماه |
سقطت ونافاها فخارا شامخا(7) | وأبى ارتفاعا أن تحل ذراه |
ثم أجرى الجاحظ حديث قول عمر - رضوان الله عليه -: " كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله شرها "(8) وأطال الخطاب في ذلك بلفظ، حليته الهذر، وطبيعته الخداع، ومزاجه النقص، حاصله: أن البيعة سميت فلتة، إذ سلمت من انتقاض الأمور. قال: (وهذه مكرمة لا يجوز أن يحبو بها خالق العباد إلا نبيا أو خليفة نبي(9)).
فنن ذلك، ولو شئنا لفننا مقابلة تفنينه(10) ألفاظ ومعاني لا تدانيها ألفاظه، ولا تقرب منها معانيه، لكن ذلك تضييع للوقت، وشغل للنفوس
____________
(1) ن: الحذاق.
(2) ج: لمناجيه.
(3) الخرائد: مفردها خريدة، البكر التي لم تمس (المنجد).
(4) ق ون: المخثلب. والمخشلب: الخرز (لسان العرب).
(5) الشأو: الأمد والغاية. (المنجد).
(6) البغاث: طائر أصغر من الرخم، بطئ الطيران (المنجد).
(7) ق: شاهقا.
(8) العثمانية: 196.
(9) العثمانية: 199.
(10) ن: تفننه.
ويقول لسان الجارودية - وأنا أستغفر الله إذا حكيت قول خصمه، لكن كما ذكرنا كلامه، نذكر قواعد خصمه ليقوم العدل وتلوح وجوه المباحث - قوله: بعدما أجبت عنه، إن الذي جرى [ من ] حسم مواد الفساد يشكل، بما أن الجارودية تقول: إنه فتح باب اختلاف القلوب، وتباين الآراء وتهييج العداوة والمنافرات، واشتغال المسلمين بعض منهم ببعض عن أشد أعدائهم، وأغلظ شانئيهم، ولو أعطوا القوس راميها، والسيف ربه، وصدور المجالس أهاليها، أمير المؤمنين - صلوات الله عليه - كان الخطر الذي أشار إليه زائلا، وما بعد ذلك من فنون الفساد مفقودا، إذ لو ملك زمام الرئاسة أولا، ما اختلفت عليه الكلمة، ولا شغبت(1) عليه الخصوم، ولا نهضت إليه الكتائب، لا نهدت إليه العصب، ولا تعرض بما جرى من المخالفة لمراسمه عند ولايته أحد.
وكان ذلك فرع تبعيده عن المنصب، وتأخيره عن الرتبة، فطمع فيه من طمع، وقوي عليه من قوي، وكان أصل ذلك دفعه عن المقام، وصرفه عن الرئاسة منزلا بعد منزل، ومقاما بعد مقام.
وقد أسلفت شيئا يلحق بهذا، ولو لم يكن إلا منع رسول الله عن كتب الصحيفة، وأنها مانعة من الاختلاف بعده على ما رواه الخصوم لكفى، وإن فتح باب الاختلاف كان عن المنع من كتب الصحيفة التي فرع كتابتها زوال الاختلاف.
وأما قوله: " إن الذي وقع من الفلتة لا يجوز أن يحبو به الله تعالى إلا نبيا أو خليفة نبي " فإنه قول أبعد فيه، ورد على عمر - رضوان الله عليه - بيانه: قوله
____________
(1) ق ون: شغب.
لا وجه للكلام غير هذا عند من اعتبر فإن قال: إن غير هذا لا يشابهها في وجه المصلحة فلذلك قال (فاقتلوه) قلت: هذا ممنوع: لأنه قال (إلى مثلها) والمثلية تمنع المخالفة في الصفات.
وأما أنه لا يجوز أن يهب الله تعالى مثل الذي جرى إلا لنبي أو خليفة نبي فإنه افتراء محض، وحكم على الله تعالى بالباطل، وما البرهان على أن الله - تعالى - لا يحبو بنعمة مع فرض كون ما وقع من جليل النعم غير أنبيائه وخلفاء أنبيائه، وكم رحمات لله تعالى جليلة، تعم العصاة والطائعين، والجناة والصالحين، والمتعففين والمتمردين(1).
وذكر بعد هذا تقريرا يدفع به محذور قول عمر - رضوان الله عليه -:
(وقى الله شرها)، (بكونه لو ارتأى ما بعد وقوع شر)(2).
وقد أجبنا عن هذا بأنه لا يدل على صواب ما وقع. فإن قيل: إن عليا كان مشغولا [ و ](3) هذا يرد عليكم فيما أسلفتم من كون الصواب كان في التعويل على علي عليه السلام.
فالجواب(4): بما أنه لم يكن ضرورة إلى حضوره، بل نقول: أولى الناس برسول الله قرابته الأدنون، بشرفهم(5) وفضلهم وزهادتهم وروحهم علي ابن أبي طالب عليه السلام وفي ذلك قطع لطمع كل طامع، إذ هو مناسب
____________
(1) ق: المترددين.
(2) العثمانية: 196 - 200.
(3) لا توجد الواو في: ق.
(4) ج: والجواب.
(5) ق: شرفهم.
ثم إن عمر - رضوان الله عليه - أثبت الشر وكلام الجاحظ يفيد أنه كان في الذي جرى دفع الشر، وهذا غريب.
اعترض الجاحظ (قول من قال " إن أبا بكر احتج على الأنصار بالنسب وأنه له كان للنسب حكم لكان بنو هامش أولى " بأنه إنما فعل ذلك قطعا للشغب)(4) وبما أنه بدأ أولا بترجيح جانب المهاجرين قال: (وقد دل أبو بكر في أول خطبة خطبها بني آدم وذكر منها، بأن خيرهم من اتقى)(5).
والذي يقول لسان الجارودية على هذا: إن أحسم المواد للشغب لو ذكر بني هاشم فلو(6) لم يكن غرضه إلا حسم مادة الشغب، وقطع الأنصار عن الرتبة لذكر بني هاشم، ولكنه عدل عنهم لغرضه - رضوان الله عليه - في الخلافة(7).
____________
(1) ن: راد.
(2) ق: الذي.
(3) ن: تحسم.
(4) العثمانية: 200.
(5) العثمانية: 202.
(6) ق: ولو.
(7) ق: اخلافه.
ثم إنه بكلام هذا يوهم أن الرواية " بأن الأئمة من قريش " لم يكن لها أصل، وإلا فقد كان الجواب غير(2) ما أجاب به، وذلك طعن منه على أبي بكر - رضوان الله عليه - أو على رسول الله - صلى الله عليه وآله، إذ الحاصل من الرواية، الترجيح بالنسب القرشي.
وأما أنه رجح في أول خطبة خطبها " التقوى " فإنه شئ وقع بعد استقرار الأمور له، وهو ترجيح للخيرية بالتقوى لا ترجيح للخلافة بالتقوى.
قال: (والعذر له في كونه ترك ذكر نفسه، لأن تبريزه(3) كان بينا على المهاجرين وفضله كان ظاهرا على السابقين)(4).
قال: (والدليل على ذلك لما روى للأنصار ما روى [ ما قالوا ](5)، فليكن غير أبي بكر)(6).
والذي يقول لسان الجارودية على هذا: إنا قد أسلفنا ما يدل على خلافة، وإن البهت مهين، والمغالبة بالقحة(7) سفالة. وأما دليله على ما قال، فغريب إذ الأنصار لما ديس سعد بن عبادة مقدمهم، وحاق به الخطر، اشتغلوا به عن كل مناظرة وعوجلوا عن رفع أو وضع، كيف يكون الأتباع
____________
(1) ن: بالهجرة.
(2) ج: عين.
(3) ن: تبريره.
(4) العثمانية: 203.
(5) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ق.
(6) العثمانية: 203 منقول بالمعنى.
(7) القحة: الجافية.
قال: (وزعمت العثمانية، أن أحدا لا ينال الرئاسة في الدين بغير الدين، وتعلق في ذلك بكلام بسيط عريض(2) من يملأ كتابه ويكثر خطابه، بألفاظ منضدة، وحروف مسددة كانت أو غير مسددة)(3)، بيان ذلك:
إن الإمامية لا تذهب إلى أن استحقاق الرئاسة بالنسب، فسقط(4) جميع من أسهب فيه الساقط، ولكن الإمامية تقول: إن كان النسب وجه الاستحقاق فبنو هاشم أولى به، ثم علي أولاهم به، وإن يكن بالسبب فعلي أولى به [ إذ كان صهر رسول الله - صلى الله عليه وآله -، وإن يكن بالتربية فعلي أولى به، ](5) وإن يكن بالولادة من سيدة النساء فعلي أولى به، وإن يكن بالهجرة فعلي مسببها بمبيته على الفراش، فكل مهاجري بعد مبيتة في ضيافته عدا رسول الله، إذ الجميع في مقام عبيده وخوله، وإن يكن بالجهاد فعلي أولى به، وإن يكن بحفظ الكتاب فعلي أولى به، وإن يكن بتفسيره فعلي أولى به على ما أسلفت، وإن يكن بالعلم أولى به، وإن يكن بالخطابة فعلي أولى به، وأن يكن بالشعر فعلي أولى به.
قال الصولي فيما رواه: كان أبو بكر شاعرا وعمر شاعرا وعلي أشعرهم(6).
____________
(1) ن: متدبر.
(2) ن: غرض.
(3) العثمانية: 204.
(4) ق: فيسقط.
(5) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ن.
(6) ذكر ذلك أيضا ابن عساكر في ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق: 3 / 296،
=>
وإذا تقرر هذا بان معنى التعلق لمن يذكر النسب إذا ذكره، ولهذا تعجب أمير المؤمنين عليه السلام حيث يستولي على الخلافة بالصحابة، ولا يستولي عليها بالقرابة والصحابة.
ثم إني أقول: إن أبا عثمان أخطأ في قوله، " إن أحدا لا ينال الرئاسة في الدين بغير الدين " بيانه:
أنه لو تخلى صاحب الدين من السداد ما كان أهلا للرئاسة، وهو منع أن ينالها أحد إلا بالدين، والاستثناء من النفي إثبات حاضر في غير ذلك من صفات ذكرتها في كتابي المسمى " بالآداب الحكمية " متكثرة جدا ومنها ما هو
____________
<=
297 بسنده عن الشعبي: كان أبو بكر يقول الشعر، وكان عمر يقول الشعر، وكان علي أشعر
الثلاثة. وكذلك ذكره بهذا اللفظ البلاذري في أنساب الأشراف: 2 / 152.
(1) مرت الإشارة إلى هذا الحديث: ص (82).
(2) لا توجد في: ق.
ومن بغي عدو الإسلام أن يأتي متلفظا بما تلفظ به، وأمير المؤمنين عليه السلام الخصم، وتيجان شرفه المصادمة، ومجد سؤدده المدفوع، إذ هو صاحب الدين، وبه قام عموده، ورست قواعده، وبه نهض قاعدة، وأفرغت على جيد الإسلام قلائده.
وأقول بعد هذا: إن للنسب أثرا في الرئاسة قويا، بيانه:
أنه إذا تقدم على أرباب الشرف النسبي من لا يدانيهم، وقادهم من لا يقاربهم، ولا يضاهيهم، كانوا بالأخلق عنه نافرين آنفين، بل إذا تقدم على أهل الرئيس الفائت غير عصبته وقادهم غير القريب الأدنى من لحمته، كانوا بالأخلق عنه حائدين متباعدين، وله قالين، وذلك مظنة الفساد في الدين والدنيا، وقد ينخرم هذا اتفاقا، لكن المناط الظاهر هو ما إليه أشرت وعليه عولت.
وأقول: إن القرآن المجيد لما تضمن العناية بالأقربين(1) من ذرية رسول الله - صلى الله عليهم - ومواددتهم كان ذلك مادة تقديمهم مع الأهلية التي لا يرجح غيرهم عليهم فيها، فكيف إذا كان المتقدم(2) عليهم لا يناسبهم فيها ولا يدانيها؟.
قال الثعلبي بعد قوله تعالى: * (قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا مودة في القربى) *(3) بعد أن حكى شيئا ثم قال: فأخبرني(4) الحسين بن محمد، [ قال ]
____________
(1) ق: باقربين.
(2) ق: المقدم.
(3) الشورى: 23.
والآية كاملة: * (ذلك الذي يبشر الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات، قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا إن الله غفور شكور) *.