وقرر أيضا تأويله (بتواضع أبي بكر لعمر - رضوان الله عليهما - وهو خير منه)(1).
والذي يقول لسان الجارودية: إن كل إنسان أعلم بباطنه، وما يدرينا أن أبا بكر - رضوان الله عليه - ما كان يعرف فضل عمر في الباطن عليه، أو أنه كان يتألفه لأنه عضده ويده، في غير ذلك من وجوه التأويلات الدافعة لتأويله.
وادعى آثارا في فضيلة عمر وأبي عبيدة، رواها من جهته غير مرفوعة ولا مسندة إلى رجل أصلا، والغرض من مدح أبي عبيدة كونه موافقا على بيعة أبي بكر - رضوان الله عليه - قال: (ولو كان ذلك عن موطأة منه أبي بكر ما استعمل عليه خالد بن الوليد أميرا أيام حياته)(2).
والجارودية تقول: لعله وجد من خالد الكفاءة التي(3) لا يجدها من أبي عبيدة، فتعداه وأمر خالدا عليه.
وقال: (أي(4) بيعة أثبت من بيعة عقدها عبد الله بن مسعود، والنبي - عليه السلام - يقول: رضيت لأمتي ما رضيه(5) لها ابن أم عبد، وكرهت لها ما كره لها(6) ابن أم عبد)(7).
____________
(1) انظر العثمانية: 230.
(2) العثمانية: 233.
(3) لا توجد في: ن.
(4) المصدر: آية.
(5) المصدر: رضى.
(6) لا توجد في المصدر.
(7) العثمانية: 234.
وذكر: (أن عبد الله بن مسعود أثنى على عثمان)(2).
والجارودية تقول: [ لا تقوم ](3) رواية الخصم بإزاء المعلوم من واقعة عثمان وابن مسعود.
وتعلق في ثبوت بيعة أبي بكر - رضوان الله عليه - (أن أبا بكر لما استقال قال علي: والله لا نقيلك)(4).
والجارودية في هذا المقام تستغرب هذا القول جدا ويقول لسان حالها:
إن " الشقشقية "(5) سمرنا واعتبار معانيها دأبنا فكيف تقابل(6) بهذا مع هذا.
وجاء بحديث(7) " سيدا كهول(8) أهل الجنة "(9) وقد سلف الجواب عنه.
وذكر: (أن عليا قال: ما أحد أحب إلي(10) أن ألقى الله بمثل صحيفته، من هذا(11) المسجى)(12).
____________
(1) ن: تشكل.
(2) العثمانية: 234.
(3) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ن.
(4) العثمانية: 235.
(4) الخطبة الثالثة من نهج البلاغة.
(6) ن: نقابل.
(7) ق: الحديث.
(8) ق: سيد كهول.
(9) العثمانية: 235.
(10) في المصدر بإضافة: من.
(11) ن: صحيفة هذا.
(12) العثمانية: 235.
وادعى نحو هذا من جنسه(1). والجارودية على مباحثها لا تنزع عنها.
وذكر تزويج عمر رضوان الله عليه وتعلق (بتسمية علي أولاده فلانا وفلانا بأسماء أئمته وقادته)(2)، والجارودية لا تنزع عن مراتبها في مناظراتها عند هذه، ولا أقدم على ذكر ما تقتضيه مذاهبم(3) في ذلك، إذ الكف عن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وآله - الأخيار متعين واجب - رضي الله تعالى عنهم وقدسهم -.
وتعجب من (إلزام الروافض تسليمهم(4) خبر المنزلة وغيره، وكونهم لا يلتزمون بصواب ما يرويه)(5).
أقول: إنه قد سبق الجواب عن هذا في جملة سلفت(6).
وتقرر الجارودية هاهنا شيئا من ذلك فنقول: فرق بين من أقر بما عليه وبين من(7) ادعى على خصمه ما ينكره ولا شاهد له منه، ولئن قبل قول كل
____________
(1) قال الجاحظ: وبلغه أن رجلا تناول أبا بكر وعمر فقال للرجل لو سمعت منك الذي بلغني لألقيت أكثرك شعرا. وأيضا ذكر أن عليا عليه السلام قال: لو أتيت برجل يشتمهما لجلدته حد المفتري. انظر العثمانية: 236.
(2) العثمانية: 237.
(3) ق: يقتضيه مذهبهم.
(4) ق: بتسليمهم.
(5) قال: والعجب أنهم يوجبون على الناس تصديقهم... (إلى أن قال): وإن النبي قال أنت مني بمنزلة هارون من موسى... العثمانية: 237 - 238.
(6) ص (160).
(7) ج: ما.
وأعاد حديث إسلام علي في صغره(1). وقد أجبنا عنه(2). وكرر(3) حديث الغار والصديق(4) والصلاة بالناس، وقد سبق الجواب عنه(5).
وتعلق (بأن أبا بكر عرفهم أن النبي عليه السلام مات، وعلي ما تكلم بذلك)(6) واعترض ذلك (بأن عليا كان مشغولا بحزنه)(7) وفضل أبا بكر بكونه (عرف الأنصار فضل المهاجرين خوف الفتنة وعلي بمعزل حتى كأنه كان غائبا واعترض ذلك)(8).
وتعترض الجارودية هذا بما أن الجاحظ غلط في قوله " حتى كأنه كان غائبا " إذ الذي كان ينبغي " حيث كان علي غائبا " إذ السيرة شهدت بأن البيعة وقعت وعلي مشغول بجهاز رسول الله - صلى الله عليه وآله -.
وتتعجب الجارودية من ادعاء الفضيلة بتفضيل من فضل قريشا على الأنصار، وهو مريد للتآمر عليهم وعلى غيرهم بذلك.
____________
(1) العثمانية: 238.
(2) ص: (30).
(3) العثمانية: 239.
(4) ن: التصديق.
(5) ص (65).
(6) العثمانية: 239.
(7) المصدر: السابق.
(8) المصدر: السابق.
قال(5): (فإن قيل فلم رضي بعبد الرحمن مختارا، وعبد الرحمن عنده من عدوه وأدنى منازله أن يكون مخوفا عنده، وأدنى من ذلك أن لا يكون الغلط مأمونا عليه(6) هذا آخر ما رأيت من الكلام وهو غلط، إذ يليق أن يكون تمامه:
قالوا للتقية: وإذا(7) كان الأمر كذا فقد حصل الجواب.
قال: (قلنا وهلا أظهر من الخلاف شيئا يسير(8) إلينا، وهلا نطق بحرف واحد بقدر ما يتخذه الناس بعده(9) حجة، ولم يكن بلغ أقصى خلافهم يرى(10) وعيدا أو إيقاعا)(11).
والجواب: بما أن هذا حديث متلاعب [ فيه ] جدا بما ظهر من إنكار مولانا أمير المؤمنين - صلوات الله عليه - ما جرى، ومن التفصيل ما رويناه بالسند عن أخطب خطباء خوارزم في كتابه المناقب، فإنه قال: وأخبرني الشيخ الإمام شهاب الدين أفضل الحفاظ، أبو النجيب، سعد بن عبد الله بن الحسن
____________
(1) العثمانية: 240 منقول بالمعنى.
(2) ن: وإن.
(3) ن: بالتقية.
(4) الخطبة الشقشقية الخطبة الثالثة في نهج البلاغة وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك.
(5) العثمانية: 240.
(6) المصدر: أن يكون الغلط غير مأمون عليه.
(7) ن: فإذا.
(8) ن: يسيرا.
(9) المصدر: بعد.
(10) ن والمصدر: فيرى.
(11) العثمانية: 240.
قال الشيخ الإمام شهاب الدين أبو النجيب سعد بن عبد الله الهمداني وأخبرني(7) بهذا الحديث عاليا(8) الحافظ سليمان بن إبراهيم الأصبهاني في كتابه إلي من إصبهان سنة ثمان وثمانين وأربعمائة عن أبي بكر أحمد بن موسى ابن مردويه حدثني سليمان بن أحمد(9) حدثني علي بن سعيد(10) الرازي حدثني محمد بن حميد حدثني زافر بن أحمد، حدثني الحارث بن محمد(11) عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، قال: كنت على الباب يوم " الشورى " فارتفعت الأصوات بينهم، فسمعت عليا يقول: بايع الناس أبا بكر وأنا والله أولى بالأمر منه وأحق به، فسمعت وأطعت مخافة أن يرجع الناس كفارا يضرب بعضهم رقاب بعض السيف، ثم بايع أبو بكر لعمر، وأنا والله أولى(12) بالأمر منه،
____________
(1) المصدر: أخبرني.
(2) لا توجد في المصدر.
(3) المصدر: عمر.
(4) ن: الظهراني.
(5) المصدر: أخبرني.
(6) لا توجد في المصدر.
(7) المصدر: أخبرنا.
(8) المصدر بزيادة: الإمام.
(9) المصدر: سليمان بن محمد بن أحمد.
(10) المصدر: يعلى بن سعد.
(11) المصدر: زاهر بن سليمان بن الحرث بن محمد.
(12) المصدر: أحق.
أنشدكم بالله(7) أيها الخمسة، أمنكم أخو رسول الله غيري؟ قالوا:
لا. قال: أمنكم أحد له عم مثل عمي حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله غيري؟ قالوا: لا. قال أفيكم من له(8) ابن عم مثل ابن عمي رسول الله؟ قالوا: لا. قال: أفيكم أحد له أخ مثل أخي المزين بالجناحين يطير مع الملائكة في الجنة؟ قالوا: لا. قال: أمنكم أحد له زوج مثل زوجتي فاطمة بنت رسول الله، سيدة نساء هذه الأمة؟ قالوا: لا. قال أمنكم أحد له سبطان مثل(9) الحسن والحسين سبطي(10) هذه الأمة، ابني رسول الله غيري؟
قالوا: لا. [ قال: أمنكم أحد قتل مشركي قريش غيري؟ قالوا: لا ](11) قال:
أمنكم أحد وحد الله قبلي؟ قالوا: لا. قال: أمنكم أحد صلى إلى القبلتين غيري؟ قالوا: لا. قال: أمنكم أحد أمر الله بمودته غيري؟ قالوا: لا. قال:
____________
(1) المصدر: في خمس نفر.
(2) المصدر بزيادة: لأيم الله.
(3) ن والمصدر: كما.
(4) ثم.
(5) لا توجد في: ن.
(6) المصدر: أن يرد.
(7) ن والمصدر: الله.
(8) المصدر: أمنكم أحد له.
(9) المصدر بزيادة: ولدي.
(10) كل النسخ: سبطا.
(11) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ن.
أفيكم(9) أحد يطهره(10) كتاب الله غيري(11) حين(12) سد رسول الله أبواب المهاجرين جميعا وفتح بأبي(13) حين(14) قام إليه عماه حمزة والعباس فقالا: يا
____________
(1) المصدر: غيري.
(2) ن والمصدر بزيادة: غيري.
(3) المصدر بتكرار: والي يا رب.
(4) المصدر بزيادة: قال: أمنكم أحد أقتل للمشركين عند كل شديدة. تنزل برسول الله غيري؟ قالوا: لا.
(5) المصدر: وغير زوجتي فاطمة.
(6) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ق.
(7) المصدر: أمنكم.
(8) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ق.
(9) المصدر: أمنكم.
(10) المصدر: يظهره.
(11) ن بزيادة: قالوا: لا. قال: أفيكم أحد ترك بابه غيري؟
(12) المصدر: حتى.
(13) المصدر بزيادة: إليه.
(14) المصدر: حتى.
قال: أفيكم(1) أحد تمم الله نوره من السماء حتى(2) قال * (وآت ذا القربى حقة) *(3)(4) قالوا: اللهم لا. قال: أفيكم(5) أحد ناجى رسول الله - صلى الله عليه - ست عشرة مرة غيري(6)؟(7) حين قال: * (يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة) *(8)؟ قالوا: اللهم لا. قال:
أفيكم(9) أحد غمض رسول الله(10)؟ قالوا: لا. قال: أفيكم(11) أحد آخر عهد برسول الله - صلى الله عليه - حين وضع في(12) حفرته غيري؟ قالوا: لا(13).
وليس الغرض استقصاء ما نقل في هذا الباب، إذ لذلك وغيره مظان في المطولات.
وذكر كلاما حكاه عن أسماء لا نعرف(14) أصله، ولا يليق فرعه من غث
____________
(1) المصدر: أمنكم.
(2) المصدر: حين.
(3) الإسراء: 26 والآية كاملة * (وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا) *.
(4) المصدر بزيادة: غيري؟
(5) المصدر: أمنكم.
(6) ن بزيادة: وتصدق.
(7) ج و ن بزيادة: قالوا: لا.
(8) المجادلة: 12.
وتتمتها: * (ذلك خير لكم وأطهر فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم) *.
(9) المصدر: أمنكم.
(10) المصدر: ولي غمض رسول الله غيري.
(11) المصدر: أمنكم.
(12) المصدر: آخر عهده برسوله صلى الله عليه وآله حين وضعه.
(13) مناقب الخوارزمي: 224، 225.
(14) ن: يعرف.
وتعلقوا بالصحيح من الحديث من طرق القوم، أن عليا وبني هاشم لم يبايعوا إلى أن ماتت فاطمة عليها السلام وكان لها وجهة من الناس، فضرع علي إلى مصالحة أبي بكر. [ وتعلق بأنه زكاهم(5) فالجارودية تدفع ذلك بل تنقل تعتبه ](6). وتعلق: (بأن أمير المؤمنين تعدى في مديحهم حتى قال لابن طلحة: إني لأرجو أن أكون أنا وأبوك ممن قال الله تعالى * (إخوانا على سرر متقابلين) *(7).
أقول: وهذا شئ(8) لو ثبت ما ضر الجارودية، وما الذي يضر عاقلا من صفح الله تعالى عن مجرم، ولكن الدعاوي من غير برهان، والحديث الهذر على(9) غير قاعدة، مقلو عند أرباب الحمية، مهجور في نادي الحياء
____________
(1) ق: أحلام.
(2) ن: ممازحا.
(3) قال الجاحظ: فإن قلت: إن عليا قال لأسماء بنت عميس - وهي يومئذ امرأته - حين تفاخر ولدها من أبي بكر وجعفر وعلي عندها: اقضي بين ولدك. فقالت: ما رأيت شابا كان أطهر من جعفر. ولا رأيت شيخا كان أفضل من أبي بكر، وأن ثلاثة أنت أخسهم لفضلاء. فلم ينكر ولم يحتج ولم يفرق ولم يتعجب. والكلام يؤثر والقضية تظهر. قالوا: إن فضله أظهر في الناس من أن يحتاج إلى الاحتجاج، وإنما قالت ذلك ممازحة كما تمزح المرأة مع زوجها وتحرش به.
انظر العثمانية: 240.
(4) العثمانية: 240.
(5) العثمانية: 241.
(6) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ن.
(7) العثمانية: 241.
(8) لا توجد في: ق.
(9) ق: من.
وذكر شيئا يتعلق (بتسمية أمير المؤمنين [ عليه السلام ] أولاده بأسماء من تقدم)(1).
وذكر تزويج من تزوج عند أمير المؤمنين(2) وقد سلف هذا، وأعاد حديث أصحاب الردة متعلقا في ذلك بشجاعة الوالي(3) وقد سبق الجواب عنه.
وتعلق في شجاعة من ذكر (بكون عثمان عندكم أجبن من الأول، وقد امتنع من نزع الخلافة حتى قتل)(4).
والجارودية يقول لسانها في ذلك: لعله ما درى بما يؤول الحال إليه، والغرام بالملك يوقع في الخطر ويبعث على المتالف.
وأعاد حديث علي عليه السلام في كونه (كان يعلم أنه يقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين وقد أسر إليه علم ما كان يحدث وهذا لا يشبه اتخاذ(5) أبي موسى حكما عليه) وقد سبق الجواب عن هذا بما(6) أن المقهور معذور، ومن جملة ما أسر النبي إليه ذلك.
وذكر شيئا يتعلق (بكون الله تعالى أثنى على من بايع تحت الشجرة)(7) بعد كلام لم أر الخوض فيه، إذ السباب البليغ(8) مذاهب العامة ولسنا ممن يرضاه.
____________
(1) العثمانية: 241.
(2) العثمانية: 242.
(3) العثمانية: 242.
(4) العثمانية: 243.
(5) ن: أنجاد.
(6) العثمانية: 243.
(7) ق: ثم.
(8) العثمانية: 247.
وذكر: (أن عمر كان يعاتب أبا بكر في خالد، وأن أبا بكر كان يقول: لا.
أشيم سيفا سله رسول الله - صلى الله عليه - [ وآله ](5).
ولا أعرف ما وجه الفضيلة في هذا لمن ينصره، بل فيه دخل ينطق به لسان الجارودية، إذ كان خالد اعتمد في مالك بن نويرة ما اعتمد، فأنكر ذلك عمر عليه وعلى من لم يؤاخذه.
قال: (والعجب من هذه الأمة كيف اختلفت في رجلين: أحدهما خير خلق الله والآخر شر خلق الله)(6).
والذي يقال على هذا: إنه كلام محال، إذ لا أعرف مسلما يقول: إن أمير المؤمنين خير خلق الله، بيانه: بالاتفاق رسول الله - صلى الله عليه وآله - فإن عليا مفضوله.
وأما أبو بكر - رضوان الله عليه - فالأمر في كونه لا يدعى له ذلك، ظاهر وأما أن أحدهما شر خلق الله، فإلى أي الرجلين أشار فهو قول بعيد من الصواب.
____________
(1) ق: الشنيع وكذا في: ن بزيادة: من.
(2) ج و ق بزيادة: و.
(3) ن: تعاصي.
(4) ج و ن: لا توجد (و).
(5) العثمانية) 248.
(6) العثمانية: 248.
هذا شئ من معنى كلامه، وكأنه يسفه شيعة أمير المؤمنين - صلوات الله عليه - إذ(4) يفضلونه على أبي بكر مع مخالفة الخصم لهم في ذلك.
والذي يقال على هذا: إن الجاحظ استغرب غير مستغرب، واستبعد غير مستبعد.
إذ لا يمنع(5) من القول الحق خلاف من خالف فيه، ولو لزم الباطل الخلاف أدى ذلك إلى ألا يصح شئ، ولو قال: العجب(6) كيف يفضل على علي غيره مع جمل من مناقبه التي لا تحتمل التأويل مع الذي يدعي لغيره مما يحتمل فنون(7) التأويل، كان لكلامه وجه.
ومن الوارد عليه في تعجبه قوله: " وإنما الرجحان بالخصال التمام(8) " تصغيرا لشرف أمير المؤمنين - صلوات الله عليه - وفضله التمام(9) مما لا يشتبه على ذي حس، ولا يلتبس على ذي عقل.
وتعجب أيضا: (كيف يقع التباس الحال بين أمير المؤمنين عليه السلام
____________
(1) ن: للفضل.
(2) ن: بالخصام التام.
(3) العثمانية: 249.
(4) ن: لأنهم.
(5) ج: منع.
(6) ن: المتعجب.
(7) لا توجد في: ق.
(8) ن: بالخصام التام.
(9) ن: التام.
ولقد استطرف غير مستطرف، إذ كل متلبس بمذهب لا بد ناصره، كيف اختلفت الحال فيه(2) ساريا في بيداء هواء، سائر في فلوات غرضه.
وفي السيرة: أن رسول الله - صلى الله عليه وآله - قال لمالك بن الصيف وكان حبرا سمينا: إن التوراة تضمنت أن الله لا يحب الحبر السمين فجحد التوراة وهي مذهبه وقال: ما أنزل الله على بشر من شئ، وخاصة إذا كان الفريقان لا يخلو أن من ذي ذهن ولا يعدمان ذا بلاغة.
أقول: وقد رأينا عيانا أبا عثمان صاحب هذا التعجب صنف كتابا ينصر فيه الأضداد(3) يمدح الشئ ويضع منه، ويطري الفن وينزع قلائد الثناء عنه.
ومن أعطي بلاغة وجرى مع رياح هواه لا يكاد يقف بإزائه شئ. إن كان الرجل بطلا شجاعا، مقداما، ندبا، قيل: أهوج. وإن كان مترددا متضجعا(4) متريبا(5)، قيل: جبان. وإن كان سخيا، قيل: مبذر. وإن كان متوقفا، قيل: شحيح. وإن كان بليغا، قيل: متكلف، وإن كان مقصرا، قيل: بليد. وإن كان مشغولا بالعلوم، قيل: هو للنوافل مهمل وإن اشتغل بالنوافل قيل: هو للعلوم(6) مهمل، وإن كان حليما قيل: ذليل. وإن كان مؤاخذا قيل حقود.
وقد رأينا في العيان ممدوحا جدا(7) مذموما جدا والخلاف دائر بين
____________
(1) العثمانية: 249.
(2) لا توجد في: ن.
(3) زيادة (و) في: ق.
(4) ضجع وتضجع في الأمر: قصر فيه وتعقد ولم يقم به (المنجد).
(5) ج و ق: رثيبا (كذا).
(6) ن بزيادة: أصل التنفلات.
(7) ق و ج: جاحدا.
ومما يؤكد ذلك، أن في العقلاء من يقول أعلم بالضرورة أني فاعل غير مقهور، وأخر ينكر ذلك ويهزأ ممن يدعيه، وربما سماه مشركا جاهلا بعيدا عن النقد، نازحا عن الاعتبار. وكذا كان في الوجود من أنكر البديهيات والمحسات(2) وصرائح البراهين المحررات، وسلطان الأمزحة غالبا أقوى من سلطان الألباب. ولهذا قل سالكو الطريق اللاحب، وكثر سالكو الطريق الخائب. وكذا في الوقت من يقول وهو على ما أرى مذهب أبي عثمان: من كون الباري ما ابتدع ذوات الجواهر وأنها بغير مؤثر، ومع ذلك يدعي المعرفة بالصانع، ولازم ذلك إنكار الصانع، وكيف يستغرب شئ، والأشاعرة ترى أن الله ليس في حيز ولا جهة وهو يرى هازئين ممن يخالف في ذلك.
والمعتزلة تهزأ ممن يعتمده، وترى هذا لا يصلح أن يكون قولا لعاقل.
والأشاعرة ومن ضارعهم يقولون: إن الباري تعالى لا ينتج(3) منه شئ، ويجوز أن يصدق الكاذب، وأنه لا يفعل لغرض، ويندرج تحت(4) ذلك أنه لا يفعل المعجزات لغرض التصديق، ومع ذلك يثبتون نبوة الأنبياء، وفعلها لأجل التصديق وهو جمع بين النقيضين وهو محال.
____________
(1) ن: التفضيل.
(2) ن: المحسنات.
(3) ن: يقبح.
(4) ن: يتدرج بحث.
ومن التنبيه على هذا، ادعاء فرعون الإلهية والجمهور موافقون له على ذلك. ومن القصة في هذا أنه كان معه ألف ألف مسور، وخمسمائة ألف مسور، مع كل مسور ألف، وغيرهم ممن لا يذكر من ضعفة الناس والنساء، وجماعة موسى [ ب ] تقدير ستمائة ألف. وقبل ذلك نمرود يدعي الربوبية مخاصما لإبراهيم، ومعه الجمهور الأكثر مع أن المشار إليها كانا بمرأى(1) من الناس معدومين، ثم موجودين مصنوعين، وعيسى - صلوات الله عليه - قوم يدعون فيه الربوبية، وبإزائهم(2) من يقدح فيه أشد القدح.
وعلي بن أبي طالب - عليه السلام - أيضا(3) الفرقة الخارجة تسبه، والنصيرية تتألهه، وقد كان في زمنه من يتألهه، وآخرون يفضلون عليه من لا يقارنه(4).
وآخرون يرجحون عبادة الأصنام على نهي الأنبياء عن ذلك، وكل فريق يهزأ من فريق مع تباعد المذهبين جدا.
[ و ](5) قال: (ثم تزعم الروافض(6) من الدليل على أن عليا كان
____________
(1) ق: مراي.
(2) ن: بإزاءه.
(3) لا توجد في: ن.
(4) ن: يقاربه.
(5) لا يوجد في: ن.