الصفحة 58

نصّ السؤال الذي وجّهه
عبـد الله بن بليـهد
قاضي قضاة الوهّابـيّـين في الحجاز
إلى علماء المدينة المنوّرة


بسـم الله الرحمن الرحيم

ما قول علماء المدينة ـ زادهم الله فهماً وعلماً ـ في البناء على القبور واتّخاذها مساجد، هل هو جائز، أم لا؟

وإذا كان غير جائز، بل ممنوعٌ منهيٌّ عنه نهياً شديداً، فهل يجب هدمها، ومنع الصلاة عندها، أم لا؟

وإذا كان البناء في مُسَـبَّلَة(1) ـ كالبقيع ـ وهو مانع من

____________

1- سَبَّلَ ضيعتَه: أي جعلَها في سبيل الله، وفي الحديث: " احبس أصلها وسبّل ثمرتها " أي: اجعلها وقفاً وأبح ثمرتها لمن وقفتها عليه.

انظر: الصحاح 5 / 1724، لسان العرب 6 / 162 مادّة " سبل ".


الصفحة 59
الانتفاع بالمقدار المبنيّ عليها، فهل هو غصب يجب رفعه، لِما فيه من ظلم المستحقّين ومنعهم استحقاقهم، أم لا؟

وما يفعله الجُهّال عند هذه الضرائح، من التمسّح بها، ودعائها مع الله، والتقرُّب بالذبح والنذر لها، وإيقاد السُرُج عليها، هل هو جائز، أم لا؟

وما يُفعل عند حجرة النبيّ (صلى الله عليه وسلم)، من التوجّه إليها عند الدعاء وغيره، والطواف بها، وتقبيلها، والتمسّح بها..

وكذلك ما يُفعل في المسجد [ الشريف ] من الترحيم والتذكير بين الأذان والإقامة، وقبل الفجر، ويوم الجمعة، هل هو مشروع، أم لا؟

أفتونا مأجورين، وبيّـنوا لنا الأدلّة المستند إليها، لا زلتم ملجأً للمسـتفيدين ".


*  *  *


الصفحة 60

وهذا نصّ الجواب المنسوب لعلماء المدينة

" أمّـا البناء على القبور، فهو ممنوع إجماعاً ; لصحّة الأحاديث الواردة في منعـه، وبهذا أفتـى كثير من العلمـاء بوجوب هدمـه، مسـتندين على ذلك بحديث عليّ (رضي الله عنه) أنّه قال لأبي الهيّاج(1):

(ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، أن لا تدع تمثالا إلاّ طَمَسْـتَه، ولا قبراً مُـشْرِفاً إلاّ سَوّيْـتَه).

____________

1- هو: حيّان بن حُصين الأسدي الكوفي، والد منصور بن حيّان، وجرير بن حيّان.

قال ابن حجر: قال العجلي: تابعي ثقة.

وقال ابن عبـد البرّ: كان كاتب عمّار (رضي الله عنه).

وقال المزّي: ذكره ابن حبّان في كتاب " الثقات ".

روى له مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.

روى عن عليّ (عليه السلام) ، وعمّار بن ياسر، وعمر بن الخطّاب، وعلي ابن ربيعة الوالبي.

وروى عنه: ابناه منصور وجرير، وشقيق بن سلمة أبو وائل الأسدي، وعامر الشعبي.

انظر: تهذيب التهذيب 2 / 484 رقم 1654، تهذيب الكمال 5 / 301 رقم 1557، كتاب الثقات 4 / 170، الجرح والتعديل 3 / 243 رقم 1081.


الصفحة 61
رواه مسـلم(1).

وأمّـا اتّخـاذ القبور مسـاجد، والصـلاة فيها، وإيقـاد السُـرُج عليها، فممنوعٌ [ مطلقاً ] ; لحديث ابن عبّـاس: (لعن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) زائراتِ القبـور، والمتّـخذين عليـها المساجدَ والسُـرُج).

رواه أهل السُـنّة(2).

وأمّـا ما يفعله الجُهّال عند الضرائح، من التمسّـح بها، والتقرُّب إليها بالذبائح والنذور، ودعاء أهلها مع الله، فهو حرامٌ، ممنوع شرعاً، لا يجوز فعله أصلا.

____________

1- صحيح مسلم 3 / 61 كتاب الجنائز، باب الأمر بتسوية القبر.

وأورده البغوي في مصابيح السُـنّة 1 / 555 ح 1203.

2- مسند أحمد 1 / 229 و 287 و 324 و 337، سنن أبي داود 3 / 216 ح 3236، سنن الترمذي 2 / 136 ح 320، سنن النسائي 4 / 94 ـ 95، مسند أبي داود الطيالسي: 357 ح 2733 وفيه: " زوّارات " بدل " زائـرات " و " المتّخذات " بدل " المتّخذين "، مصنّف ابن أبي شيبة 3 / 225 ح 1 وفيه: " المتّخذات " بدل " المتّخذين "، المعجم الكبير 12 / 115 ح 12725، المستدرك على الصحيحين 1 / 530 ح 1384، مصابيح السُـنّة 1 / 299 ح 525، الإحسـان بترتيب صحيح ابن حبّـان 5 / 72 ح 3169 و 3170 وفي الحديث الأوّل: " المتّـخذات " بدل " المتّـخذين "، الترغيب والترهيب 4 / 153 ح 6، جامع المسانيد والسنن 30 / 44 ـ 45 ح 54 ـ 57، جامع الأحاديث الكبير 5 / 40 ح 17064، الجامع الصغير: 447 ح 7276، كنز العمّال 16 / 388 ح 45038.


الصفحة 62
وأمّـا التوجّه إلى حجرة النبيّ (صلى الله عليه وسلم) عند الدعاء، فالأَوْلى منعه ; كما هو معروف من فقرات كتب المذهب، ولأنّ أفضلَ الجهاتِ جهةُ القِبلة.

وأمّـا الطواف [ بها ] والتمسّح بها وتقبيلها، فهو ممنوع مطلقـاً.

وأمّـا ما يُفعل من التذكير والترحيم والتسليم في الأوقات المذكورة، فهو مُحْـدَث.

هذا ما وصل إليه عِلمنا [ السقيم ] ".

[ ويلي ذلك توقيع 15 عالمـاً ].


*  *  *


الصفحة 63

الصفحة 64

[ تمهـيد الشيخ الأُوردبادي ]


بســم الله الرحمن الرحيـم
وله الحمد، وهو المسـتعان

قد طرقت الدِينَ والعِـلمَ والدنيا هذه الداهية الممضّة، والخطب المقيم المقعِد، وهذه الداهية التي استهدفت بأوّل سهامها مرقد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (1)، ولانتهاك حرمته رفعت معاولها، ولمحو آثاره المقدّسة ترمي بقصدها.

فيا لَلدين والعلم!

ويا لَلعدل والإسلام!

ويا لَلمسلمينَ لهذا الحادث الجلل في الإسلام، وهذا الأمرِ الفظيعِ المحدَثِ فيه!

____________

1- في سنة 1968 م قرأنا منشوراً كان يوزّع في المسجد النبوي بالمدينة المنوّرة، مؤدّاه: أنّ المسلمين اليوم يخالفون أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بحرمة إشادة المراقد، فأشادوا مرقده، وقد أساءوا إليه وهم يحسبون أنّهم يحسنون بذلك صنعاً!!


الصفحة 65
وقد قامت قيامة العلم والدين من أجل ما جيء به في هذا الاستفتاء وهذه الفتاوى من الدواهي.

ومن جملة ذلك محاضرة علمية ألقاها علينا الأُستاذ العلاّمة، ظهير الدين، منار الهدى، نصير الحقّ، حجّة الإسلام البـلاغي، متّع الله العلم والدين بطول بقائه.

وإليك نصّ المحاضرة..


محمّـد علي الغروي الأُوردبادي


الصفحة 66

مقدمة المؤلف:

بســم الله الرحمن الرحيـم
وله الحمد، وهو المسـتعان

والصلاة والسلام على خاتم رسله محمّـد صلّى الله عليه وآله الطاهرين، وصحبه المنتجبين.

أمّـا بعـد:

فإنّ المعهود من علماء المدينة أنّهم ملتزمون بانسداد باب الاجتهاد، وأنّه لا تسوغ الفتوى إلاّ بالنقل عن أحد المجتهدين الأربعة(1)، فماذا الذي أقحمهم في هذه الفتوى الهائلة؟!

____________

1- هم: أبو حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي (80 ـ 150)، ومالك بن أنس الأصبحي (93 ـ 179)، ومحمّـد بن إدريس الشافعي القرشي (150 ـ 204)، وأحمد بن حنبل بن هلال الشيباني (164 ـ 241).


الصفحة 67
نعم، لأمر مّا تقحّموا في ذلك!!

ولعلّهم أشاروا إلى ذلك الأمر بما أوردوه في الاحتجـاج من الغرائب!

[ البنـاء على القبـور ]

  قـالـوا:

" أمّا البناء على القبور، فممنوعٌ إجماعاً ".

ويا للعجب! كيف يُـدّعى هذا الإجماع؟! مع أنّ السيرة العمليّة(1) من المسلمين ـ في جميع الأمصار والبلاد والأجيال والقرون ـ مسـتمرّة على ما ادُّعي منعه.

سيرة يجري عليها العلماء والصلحاء والمتـشـرِّعون والتابعون لهم، بنحو يرون جوازه أو رجحانه من دون مدافعةِ شكّ أو نكير.

سيرة متسلسلة في أجيال المسلمين، توصلنا إلى العلم

____________

1- السيرة العملية: هي السلوك العامّ للمتديّن، وأقصى ما تقتضيه أن تدلّ على مشروعية الفعل وعدم حرمته في صورة السيرة على الفعل، أو تدلّ على مشروعية الترك وعدم وجوب الفعل في صورة السيرة على الترك.

انظر: أُصول الفقه 2 / 176.


الصفحة 68
والدراية بجواز ذلك من مصدر الشريعة المطهّرة، عليه أفضل الصلاة والسلام(1).

بل توصلنا إلى العلم والدراية برجحانه في بعض الموارد.

درايةً لا تقف أمامها روايةٌ مهما كان سندها، ومهما وضحت دلالتها.

سيرة في كلّ زمان، وفي كلّ جيل، تتجلّى بأوضح إجمـاع.

فمهما شذّ من أقوال بعض الآحاد شاذٌّ بالخلاف، كان مسبوقاً بالإجماع والسيرة، وملحوقاً بهما.

وأيّة رواية عرضت أمام ذلك، كان الفضل للعلم عليها إذا تأوّلها واحترمها من الطرح.

فيا لَلعجب! كيف وأين يكون الإجماع الذي ادّعاه هؤلاء المُـفْـتُون؟!

ومن أيّ اتّفاق عمليّ أخذوه؟!

وعن أيّ اتّفاق في الفتوى نقلوه؟!

وكيف تغاضوا عن سيرة المسلمين التي هي نصب عين العلم والعمل؟!

____________

1- لا شكّ أنّ مصدر الشريعة المطهّرة هو الله سبحانه وتعالى، والرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) يعدّ مصدراً ثانوياً، إذ منه (صلى الله عليه وآله وسلم) تصدر الشريعة إلى البشر بعد ورودها إليه من الحقّ تعالى.


الصفحة 69
السيرة التي يتجلّى منها في كلّ زمان إجماع وعلم ودراية.

وكيف اقتحموا في مخالفة السيرة والإجماع هذه المخالفة الفادحة وهذا الاقتحام المزعج؟!

ومن العجيب في العلم والاجتهاد قول هؤلاء المفتين: " ممنوعٌ إجماعاً ; لصحّة الأحاديث الواردة في منعه "!!

أليس الإجماع هو اتّفاق المسلمين في العمل، أو اتّفاق العلماء في الفتوى؟!(1).

إذاً، فما هو الوجه في تعليله بصحّة الحديث؟!

فهل كلّ حديث صحَّ في نظر البعض يلزم أن يتّفق المسلمون على العمل والفتوى بمضمونه، من دون نظر إلى معارضاته وقرائن مداليله؟!

فكيف يغيب عن هؤلاء المفتين أنّ صحّة الحديث المدّعاة لا تعارض الإجماع، ولا تكون علّـةً له، بل الحكم للإجماع على الحديث؟!


*  *  *

____________

1- مع كون هذا الإجماع كاشفاً عن رأي المعصوم (عليه السلام) لا مخالفاً له، فالإجماع المخالف لرأي المعصوم (عليه السلام) لا قيمة له، بل يحرم العمل وفـقه ; على أنّه لا إجماع في المقام كما هو المدّعى، حتّى على رأيهم.


الصفحة 70

ما هي صحّة الحديث في اصطلاح البعض؟

أليست هي أن يرويه آحادٌ يوثّقهم بعضُ الناس، أو يمدحهم، أو يَقبل روايتهم، أو تُروى الرواية في جوامع الحديث، كجامعَي مسلم والبخاري(1)؟! وإنْ كان في رواتها مثل عمران بن حطّـان(2)، الـذي يثـني على ابن ملجم في قـتلـه أميـرَ المؤمنين (عليه السلام) !(3).

____________

1- وهما في نظر هـؤلاء أصحّ الكتب بعد كـتاب الله العزيز، حتّى إنّهما لا يرقى الشكّ إليهما، ولا يسوغ ردّ روايتهما!

2- هو: عمران بن حطّان بن ظبيان بن لوذان السدوسي، أبو سماك، ويقال: أبو شهاب، البصري، ويقال غير ذلك، من رؤوس الخوارج، توفّي سنة 84 هـ.

قال ابن حجر: قال الدارقطني: متروك لسوء اعتقاده وخبث مذهبه.

وقال أيضاً: كان من المعروفين في مذهب الخوارج.

وقال المبرّد في " الكامل ": قد كان رأس القَعَد من الصُفْرية، وخطيبهم وشاعرهم.

انظر: تهذيب التهذيب 6 / 235 ـ 237 رقم 5338، الكامل في اللغة 2 / 124، سير أعلام النبلاء 4 / 214 رقم 86.

3- فهو القائل في مدح قاتل أمير المؤمنين الإمام عليّ (عليه السلام) :


يا ضربةً مِن تقيّ ما أرادَ بهاإلاّ لِيَبلُغَ مِنْ ذي العرشِ رِضوانا
إنّي لأَذكرهُ يوماً فأحسبُهُأَوفى البَرِيّةِ عندَ اللهِ مِيزانا

وقد ردّ عليه الفقيه الطبري، فقال:


يا ضربةً من شقيّ ما أرادَ بهاإلاّ لِيَهدِمَ من ذي العَرشِ بُنيانا
إنّـي لأذكُـرهُ يـومـاً فـألـعَـنُـهُإيهاً وألعَنُ عِمرانَ بنَ حِطّانا

وقال محمّـد بن أحمد الخطيب يَردُّ عليه أيضاً:


يا ضربةً من غَدُور صارَ ضارِبُهاأشقى البرِيّة عند اللهِ إنسانا
إذا تَفكَّرتُ فيه ظَلْتُ ألعَنُهُوألعَنُ الكلبَ عِمرانَ بنَ حِطّانا

انظر: الكامل في اللغة 2 / 126، الأغاني 18 / 117، تاريخ دمشق 43 / 495، مختصر تاريخ دمشق 18 / 237، سير أعلام النبلاء 4 / 215، البداية والنهاية 7 / 262 حوادث سنة 40 و ج 9 / 48 حوادث سنة 84 هـ.


الصفحة 71
وكأمثال عمران، من الخوارج الّذين تكاثرت الروايات المفيدة للعلم بأنّ رسول الله قال: إنّهم يمرقون من الدِين(1)!

____________

1- وقد جاء في الحديث النبويّ الشريف أيضاً ـ كما في صحيح البخاري 9 / 31 ح 16 ـ أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قال ـ وقد أهوى بيده قِـبَل العراق ـ: " يخرج منه قوم يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرميّة ".

وتواترت الروايات ـ في العديد من أُمّهات المصادر، وبألفاظ مختلفة ـ بظهور الخوارج ; نذكر منها على سبيل المثـال:

صحيح البخاري 5 / 48 ـ 50 ح 114 و 115 و ج 6 / 339 و 340 ح 79 و 80 و ج 9 / 29 و 30 ح 12 ـ 15، التاريخ الكبير / كتاب الكنى 8 / 30 رقم 262، صحيح مسلم 3 / 112 ـ 117، مسـند أبي داود الطيالسـي: 296 ح 2234 و ص 350 ح 2687، مسـند أحمد 3 / 33 و 45 و 48 و 60 و 79 و 97 و ج 4 / 421 ـ 422، سـنن ابن ماجـة 1 / 59 ـ 62 ح 168 ـ 172 و 175 و 176، سنن أبي داود 4 / 216 ح 4667 و ص 243 ـ 245 ح 4763 ـ 4768، سنن الترمذي 4 / 417 ـ 418 ح 2188، الكامل في اللغة والأدب 2 / 142، سنن النسائي 5 / 87 ـ 88 و ج 7 / 117 ـ 120، خصائص الإمام عليّ (عليه السلام) : 117 ـ 127 ح 160 ـ 181، الموطّـأ: 201 ح 10، مصنّف عبـد الرزّاق 10 / 146 ـ 160 ح 18649 ـ 18678، مسند الحميدي 2 / 330 ح 749 و ص 534 ـ 535 ح 1271، سنن سعيد بن منصور 2 / 322 ـ 324 ح 2902 ـ 2905، مصنّف ابن أبي شـيبة 7 / 192 و 193 ح 1 ـ 5 و ج 8 / 729 ح 2 و 3 و ص 730 ح 10، السُـنّة ـ لابن أبي عاصم ـ: 425 ـ 447 أحاديث كثيرة متفرّقة و ص 585 ح 1329، مسـند البزّار 2 / 125 ح 481، مسند أبي يعلى 2 / 298 ح 1022 و ص 390 ـ 391 ح 1163 و ص 408 ـ 409 ح 1193 و ج 5 / 426 ح 3117 و ج 7 / 14 ح 3908، المسـتدرك على الصحيحيـن 2 / 159 ح 2645 و ص 160 ح 2647 و ص 161 ح 2649 و 2650 و ص 167 ح 2659، المعجم الكبير 6 / 34 ح 5433 و ص 91 ح 5607 و 5608 و ج 12 / 278 ح 13349، السنن الكبرى 8 / 170، مناقب الإمام عليّ (عليه السلام) ـ لابن المغـازلي ـ: 98 ح 77 و ص 100 ح 81، مـصـابـيـح السُـنّـة 2 / 528 و 529 ح 2660 و 2661، مناقب الإمام عليّ (عليه السلام) ـ للخوارزمي ـ: 258 ـ 259 ح 241 و 242، فردوس الأخبار 1 / 300 ح 2178، شرح نهج البلاغة 2 / 265 ـ 269، كفاية الطالب: 167 ـ 170، الرياض النضرة 3 / 224 ـ 226، جامع الأُصول 10 / 76 ح 7549 و ص 89 ـ 93 ح 7554 ـ 7560، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان 8 / 259 ح 6700 و ص 260 ـ 262 ح 6702 ـ 6706، البدايـة والنهايـة 7 / 222 و ص 231 ـ 234 و ص 236 ـ 241 حوادث سنة 37 هـ، جامع المسانيد والسنن 19 / 80 و ج 20 / 310 ح 1029 و ص 314 ح 1037، مجمع الزوائد 6 / 239، فتح الباري 12 / 359 ـ 374 ح 6933 و 6934، جامع الأحاديث الكبير 1 / 375 ح 2562 و2564 و ج 3 / 213 ح 8234 و ج 4 / 127 ح 10606، كنز العمّال 11 / 140 ح 30948 و ص 198 ـ 208 ح 31215 ـ 31258 و ص 286 ـ 323 ح 31540 ـ 31630، إتحاف السادة المتّقين 7 / 135، نور الأبصار: 114.


الصفحة 72

الصفحة 73
وكرجال عُرِفوا بنصب العداوة لأهل البيت!(1).

وكرجال ذكر العلماء أنّهم وضّاعون للحديث!(2).

.. إلى غير ذلك ممّا لا حاجة إلى ذِكره مفصّلا.

وقد وقع ذلك في جوامع الحديث، وخصوص جامعَي مسلم والبخاري!

____________

1- مثل: أزهر بن عبـد الله الحرازي ; انظر ترجمته في ميزان الاعتدال 1 / 322 رقم 698، وتهذيب التهذيب 1 / 223 رقم 338.

وعبـد الله بن سالم الأشعري الحمصي ; انظر ترجمته في ميزان الاعتدال 4 / 104 رقم 4343، وتهذيب التهذيب 4 / 310 رقم 3423.

ونُعيم بن أبي هند الأشجعي الكوفي ; انظر ترجمته في ميزان الاعتدال 7 / 45 رقم 9119، وتهذيب التهذيب 8 / 536 رقم 7458.

وغيرهم ممّن وردت رواياتهم في الصحاح السـتّة!

2- مثل: إسماعيل بن عبـد الله الأصبحي الكوفي ; انظر ترجمته في ميزان الاعتدال 1 / 379 رقم 855، وتهذيب التهذيب 1 / 321 رقم 496.

وبشير بن نُمير ; انظر ترجمته في ميزان الاعتدال 2 / 38 رقم 1230، وتهذيب التهذيب 1 / 479 رقم 751.

والحسن بن عمارة بن المضرِّب الكوفي ; انظر ترجمته في ميزان الاعتدال 2 / 265 رقم 1921، وتهذيب التهذيب 2 / 281 رقم 1321.

وغيرهم كثير ممّن وردت رواياتهم في الصحاح السـتّة!


الصفحة 74
ماذا يفيد توثيقُ بعضِ الناس وقبولُ بعضِ الناس مع وقوع الدواهي أمام الركون إلى ذلك؟!

وماذا يجدي رأي بعض الناس في العلم والحقيقة؟!

فإذا كانت الصحّة المقصودة للمفتين هي بنت الآراء الآحادية، المحفوفة بالنقد والمعارضات، فكيف تكون علّـةً للإجماع الذي هو طريقٌ علميّ للواقع والحقيقة؟!

أين روايات الآحادِ من الإجماع؟! وأين الإجماع من روايات الآحاد؟!

وما هي الأحاديث الصحيحة الواردة في المنع، لكي يُعرف مدلولها والعمل بها؟!

أهي رواية جابر: " نهى رسول الله أن تُجصَّص القبور، وأن يُـكتب عليها، وأن يُبنى عليها، وأن توطأ " على ما في جامع الترمذي(1)؟!

أو: " نهى أن يُقْعَـدَ على القبر، وأن يُقصّص(2) ويُبنى

____________

1- سنن الترمذي 3 / 368 ح 1052 وفيه: " النبيّ " بدل " رسول الله ".

2- القَصّة والقِصّة والقَصّ: الجَِصُّ، لغةٌ حجازيةٌ، وقيل: الحجارة من الجصّ، وقد قَصَّصَ دارَه ; أي جَصّصها، والتَقْصِيصُ: هو التَجْصِيص.

انظر: الصحاح 3 / 1052، لسان العرب 11 / 192 مادّة " قصص ".


الصفحة 75
عليه " كما في سنن أبي داود(1)؟!

من أين جاء المنع الشديد في قوله: " نهى "؟! مع احتمال كون النهي للتنزيه لا للتحريم والمنع!

ومن أين يكون المراد من ذلك بناء القباب والسقوف لمنفعة الزائرين؟!

ولماذا لا يكون عمل المسلمين المسـتمرّ في بناء القبر والسقف عليه، دليلا على اسـتنادهم إلى ناسخ(2) لحكم الحديث، كما نـسـخ النهي عن زيارة القبور؟!

فإنّ دليل الناسخ لا ينحصر بروايات الآحاد، بل إنّ سيرة المسلمين وعملهم أقوى دليل على الحكم الشرعي، فإنّها إجماع، وفوق الإجماع!

أم هي الأحاديث الواردة في اتّخاذ المساجد على القبـور؟!

فسيأتي إن شاء الله أنّه لا مصداق بين المسلمين لهذا المنهيّ عنه، لا في قبر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ولا في قبور غيره.

____________

1- سنن أبي داود 3 / 213 ح 3225.

2- النسخ ـ اصطلاحاً ـ: رفع الشارع حكماً منه متقدِّماً بحكم منه متأخّر ; وإجماع المسلمين على العمل في بناء القبور ليس ناسخاً، بل هو دليل على حكم ناسخ.

انظر: تيسير مصطلح الحديث: 59.


الصفحة 76

  وقال هؤلاء المُفتون في احتجاجهم:

" وبهذا أفتى كثير من العلماء بوجوب هدمه، مسـتندين إلى ذلك بحديث عليّ (رضي الله عنه)، أنّه قال لأبي الهيّاج... " إلى آخره.

لأيّ شيء أشاروا بقولهم: " وبهذا "؟! هل يريدون الإشارة إلى الإجماع الذي ادّعوه؟!

دع عنك ما ذكرناه من السـيرة والإجماع العمليّ المسـتمرَّين ; ولكن إذا كان المسـتنَد للهدم هو الإجماع، فكيف تُنسب الفتوى به إلى (الكثير)؟! بل لا بُـدّ من أن تُنسب إلى جميع العلماء والمسلمين.

ومن ذا الذي يقدر على هذه النسبة الهائلة؟!

ومن هم هؤلاء الكثيرون الّذين أفتوا بالهدم؟!

وأين فتاواهم الكثيرة في كتب المسلمين المعتبرة؟!

وما هو محلّهم من أئمّـة الفتوى؟!

وأيّ مُـفْت منهم لم يُـسْـبَق بما ذكرناه ـ من السيرة والإجماع العمليّ المسـتمرَّين ـ ولم يُـلْـحَق بهما؟!

هـب أنّ الكثير أفتى بذلك، فماذا تجدي فتواهم حتّى لو أغضينا عمّا ذكرنا من السيرة المسـتمرّة؟!


الصفحة 77
وكيف يصحّ في العلم والنظر السديد والدين القويم أن نغضي عن ذلك؟!

وكيف ترى حال الاجتهاد الذي لا ينظر إلى السيرة والإجماع؟!

وماذا تجدي الفتاوى الكثيرة في الدلالة والعمل إذا لم يحصل منها إجماعٌ معصومٌ عن الخطأ والضلال؟!(1).

دعنا من ذلك ; ولكنّهم يسـتدلّون في فتواهم إلى الحديث المرويّ عن عليّ أمير المؤمنين (عليه السلام) ، فدونك الحديث وانظر في سنده ولفظه ودلالته ومعارضاته..


*  *  *

____________

1- لا يكون الإجماع معصوماً عن الخطأ والضلال إلاّ إذا طابق قول المعصوم (عليه السلام) أو فعله أو تقريره، وحديث: " لا تجتمع أُمّتي على خطأ " أو " على ضلالة " ناظر إلى اجتماعها كلّها على أمر واحد، لا إلى بعض أفرادها، والمعصوم (عليه السلام) داخل في هذا الإجماع ; هذا إذا كان الحديث صحيحاً، وفي صحّته نظر!