الصفحة 105
كما يقول الصدوق ـ وقال أيضاً: حدّثنا شيخنا الحسن بن أحمد بن الوليد، قال: سمعت سعد بن عبدالله يقول: ما رأينا ولا سمعنا بمتشيّع رجع عن التشيّع إلى النصب إلاّ أحمد ابن هلال، وكانوا يقولون إنّ ما تفرّد بروايته أحمد بن هلال فلا يجوز استعماله(1).

وما ذكره الكاتب بأنّ الكاظم قد استوهب زرارة من الله، فهذا حديث ضعيف، ومن أراد فليرجع إلى كتب الحديث والرجال ليطّلع على ذلك.

ونحن قد بحثنا قضيّة زرارة بما فيه الكفاية، فراجع.

البناء على أغلاط النسّاخ


من الامور التي استفاد منها الكاتب، وجعلها ركناً لنظريّته هي الاغلاط التي وقع بها النسّاخ لبعض الكتب، أو بعض الروايات، وستتعرّف هنا على أحد الموارد التي طبّل لها الكاتب من دون أن يبحث عن الحقيقة، وهي أنّ الصادق (عليه السلام) أشار بصراحة إلى إسماعيل، وأنّ الهادي (عليه السلام) أشار بصراحة أيضاً إلى محمّد، ثمّ عدلوا عن ذلك، وصيّر الصادق (عليه السلام) الامر في موسى، وصيّر الهادي (عليه السلام) الامر في الحسن العسكري، وكلمة (أشار بصراحة) توقف الباحث، فلقد نقل الكاتب هذه الاشارة بصراحة من البحار، والرواية كما يلي:

عن أبي هاشم الجعفري، قال: كنت عند أبي الحسن العسكري (عليه السلام) وقت وفاة ابنه أبي جعفر، وقد كان أشار إليه ودلّ عليه، وإنّي لاُفكّر في نفسي وأقول هذه قصّة أبي إبراهيم وقصّة إسماعيل، فأقبل عليَّ أبو الحسن (عليه السلام)، وقال: "نعم يا أبا هاشم، بدا لله في أبي جعفر وصيّر مكانه أبا محمّد، كما بدا له في إسماعيل بعدما دلّ عليه أبو عبدالله (عليه السلام)، ونصّبه هو، كما حدّثتك نفسك وإن كره المبطلون، أبو محمّد ابني الخلف من بعدي عنده ما تحتاجون إليه ومعه آل الامامة والحمد لله"(2).

واستفاد الكاتب من عبارات ذكرت في الرواية، والعبارات هي:

____________

(1) كمال الدين: ص 81.

(2) بحار الانوار: ج 50، ص 241.


الصفحة 106
1 ـ وقد كان أشار إليه ودلّ عليه.

2 ـ وصيّر مكانه أبا محمّد.

3 ـ بعدما دلّ عليه أبو عبدالله ونصّبه.

ورواية البحار هذه أخذت من رواية الشيخ الطوسي (قدس سره) والتي أخطأ النسّاخ عند نقلها، وسنذكر رواية الشيخ الطوسي، ثمّ نبيّن كيفيّة خطأ النسّاخ في ذلك.

هذه الرواية نقلها الطوسي في الغيبة بنفس ما ذكر في البحار بلا زيادة أو نقصية، حرفاً بحرف(1)، إذن مصدر الرواية هو الغيبة للشيخ الطوسي، ولو تعمّقنا في التاريخ قليلاً إلى ما قبل الشيخ الطوسي المتوفى سنة 460، أي لو ذهبنا إلى المفيد، المتوفى سنة 413 ـ قبل الطوسي بـ 47 سنة ـ وإلى رواية الكليني المتوفى سنة 329 ـ قبل الطوسي بـ 131 سنة ـ نجد أنّ نفس هذه الرواية، ونفس الطريق وجد عند المفيد وعند الكليني، فيُقطع بأنّ الطوسي أخذ الرواية من المفيد والكليني، ولكن ما هي رواية المفيد والكليني، هل فيها نفس تلك الالفاظ حتّى يستفيد منها الكاتب أم لا؟

يقول المفيد: عن أبي هاشم الجعفري، قال: كنت عند أبي الحسن (عليه السلام) بعدما مضى ابنه أبو جعفر وإنّي لاُفكّر في نفسي اُريد أن أقول: كأنّهما أعني أبا جعفر وأبا محمّد في هذا الوقت كأبي الحسن موسى وإسماعيل ابني جعفر بن محمّد (عليهما السلام)، وإنّ قصتهما كقصّتهما، إذ كان أبو محمّد هو المرجى بعد أبي جعفر (عليه السلام)، فأقبل عليَّ أبو الحسن قبل أن أنطق فقال: "نعم يا أبا هشام، بدا لله في أبي محمّد بعد أبي جعفر (عليه السلام)، ما لم يكن يُعرف له، كما بدا له في موسى بعد مضي إسماعيل ما كشف به عن حاله، وهو كما حدّثتك نفسك وإن كره المبطلون، وأبو محمّد ابني الخلف من بعدي عنده العلم وما يحتاج إليه، ومعه آلة الامامة"(2).

وبنفس هذه الالفاظ حرفاً بحرف نقل الكليني الرواية، فخلت من تلك العبائر التي استفاد منها الكاتب، أضف إلى ذلك أنّك عرفت معنى البداء، وهو الكشف للناس

____________

(1) الغيبة للطوسي: ص 55 ـ 56.

(2) الارشاد: ج 2، ص 319; الكافي: ج 1، ص 388.


الصفحة 107
بقوله "لم يكن يُعرف له"، فعرفها الله لهم بموت محمّد، وكذلك كشف الحال بالنسبة لموسى بموت إسماعيل.

وللاسف الشديد، نسب الكاتب الرواية بتلك العبائر إلى الطوسي والمفيد والكليني وغيرهم(1). مع أنّ رواية المفيد والكليني التي هي المصدر خلت من هذه العبائر التي جعلها الكاتب ركناً أساسيّاً في عدم وجود إمامة إلهيّة.

ومّما قدّمنا يظهر كذب الكاتب في النسبة، وحتى في الغيبة للطوسي، فبالرغم من نقل تلك العبائر في الغيبة فإنّها من أغلاط النسّاخ، فالبناء على أغلاط النسّاخ لا ينتج نظريّة مطلقاً.

إنكار المسلّمات بدون بحث وتحقيق


أنكر الكاتب مسلّمات كثيرة، من دون بحث وتحقيق، فبعد إنكار الامامة الالهيّة وإنكار ولادة وامامة محمّد بن الحسن العسكري بكلمات إعلاميّة أكثر من كونها تحقيقيّة، جرّه ذلك إلى إنكار الامامة العموديّة هاملاً كلّ الاحاديث التي ازدهرت بها كتب الشيعة حول هذا الموضوع، فلم يشر إلى حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بحق الحسين (عليه السلام): "أنت سيّد ابن سيّد أخو سيّد، أنت امام ابن امام أخو امام، أنت حجّة ابن حجّة أخو حجّة، وأنت أبو حجج تسعة تاسعهم قائمهم"(2). ولم يناقش ذلك تضعيفاً أو تأويلاً.

ولم يشر إلى قول الصادق الامين (صلى الله عليه وآله وسلم) بحقّ ولده الحسين (عليه السلام): "أنت حجّة أبو حجج تسعة من صلبك، تاسعهم قائمهم"(3).

وأهمل قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):"يكون تسعة أئمّة بعد الحسين بن علي تاسعهم

____________

(1) أحمد الكاتب، تطوّر الفكر السياسي: ص 115.

(2) ينابيع المودّة: ج 3، ص 394، باب 94، ح 44.

(3) الخصال: ج 2، ص 486، باب التسعة، ح 12; كمال الدين: ص 250، باب 24، ح 9.


الصفحة 108
قائمهم"(1).

ولم يشر إلى عشرات الاحاديث التي تسالم على نقلها محدّثو الشيعة وثقاتهم، ونقلها بعض المنصفين من أهل السنّة، أمثال القندوزي الحنفي والجويني وغيرهم، والتي أكّدت تلك الحقيقة(2).

أضف إلى ذلك، أنّ كثيراً من الفرق التي سقطت في الطريق، وانحرفت عن جادّة الصواب لم تواصل الاعتراف بباقي أئمّة البيت العلوي، وكثيراً منهم لم يخرجوا عن فضاء التسلسل العمودي لائمّتهم كي يحافظوا على هذا الاصل الاسلامي.

ولم يجهد الكاتب نفسه عناء البحث في ذلك، وما أن علم بتراث الشيعة الضخم المليء بالاحاديث التي نقلها صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمثال جابر بن عبدالله، وسلمان الفارسي وغيرهم، والتي تؤكّد كون الامامة عموديّة، عدل عن ذلك وشكّك في ولادة الامام المهدي، التي نُقلت إلينا بأحاديث صحيحة، مثل قول أبي هاشم الجعفري للامام العسكري: ألك ولد؟ فقال: "نعم".

وهذا الحديث الذي أثبت فيه العسكري الخلف من بعده، نقله لنا ثقة الاسلام الكليني عن محمّد بن يحيى العطّار (الثقة)(3)، عن أحمد بن اسحاق (الثقة)(4)، عن أبي هاشم الجعفري (الثقة) عن الحسن العسكري.

وغير ذلك من الاحاديث التي امتلات بها كتب الشيعة، والتي بوّبها محدّثوهم وثقاتهم، ووضعوها في أبواب وأخضعوها لمختلف الدراسات الحديثيّة والدرائيّة التي أكدت صحّة عقيدتهم، فلم يستطع الكاتب ولا غيره أن يوجد ثغرة في التراث الشيعي على مرّ القرون والذي دوّنه وحفظه ثقات المسلمين كابراً عن كابر.

____________

(1) الكافي: ج 1، ص 599، باب 126، ح 15.

(2) أحمد الكاتب، تطوّر الفكر السياسي: ص 191.

(3) رجال النجاشي: ص 353، رقم 946.

(4) خلاصة الاقوال: ص 63، رقم 73.


الصفحة 109

تضعيف الحديث ثمّ الاحتجاج به


من الواضح الجليّ أنّ الباحث إذا اعتقد بضعف حديث لسبب معيّن، إمّا لوضعه أو لجهالة في السند أو ما شابه ذلك، فإنّه لا يحتجّ به على الخصوم، لانّ منتهى الحجّة به خصومة نفسه بعد أن ضعّفه، وقد اتّبع أحمد الكاتب هذا الطريق، فقد نقل حواراً بين زيد الشهيد وبين أخيه الامام الباقر (عليه السلام)، وقال: (فدخل زيد ذات مرّة على أخيه الباقر ومعه كتب من أهل الكوفة يدعونه فيها إلى أنفسهم ويخبرونه باجتماعهم ويأمرونه بالخروج، فقال له أبو جعفر: "هذه الكتب ابتداء منهم أو جواب ما كتبت بهم إليه ودعوتهم إليه"؟ فقال: بل ابتداء من القوم لمعرفتهم بحقّنا وبقرابتنا من رسول الله، ولما يجدون في كتاب الله عزّ وجلّ من وجوب مودّتنا وفرض طاعتنا، ولما نحن فيه من الضيق والضنك والبلاء، فقال له أبو جعفر: "إنّ الطاعة مفروضة من الله عزّ وجلّ، وسنّة أمضاها في الاوّلين، وكذلك يجريها في الاخرين، والطاعة لواحد منّا والمودّة للجميع..."، فغضب زيد عند ذلك.... ثمّ قال: ليس الامام منّا من جلس في بيته وأرخى ستره وثبّط عن الجهاد، ولكنّ الامام منّا من منع حوزته وجاهد في سبيل الله حقّ جهاده، ودفع عن رعيته وذبّ عن حريمه.... فقال أبو جعفر: "هل تعرف يا أخي من نفسك شيئاً مما نسبتها إليه فتجيء عليه بشاهد من كتاب الله أو حجّة من رسول الله أو تضرب به مثلاً..."؟(1).

وقال الكاتب بعد ذلك: (ومن المحتمل أن يكون موضوعاً في وقت متأخّر من قبل الاماميّة)(2).

والسرّ في ذلك أنّ هذا الحديث حمل لنا موقف الباقر (عليه السلام) المساند للامامة والمدافع عنها، ثمّ بعد لحظات احتجّ بهذا الحديث وقال: (يعبّر عن احتجاج الامام الباقر على أخيه زيد بالعلم قبل نشوء نظريّة النص أو الوصيّة في الامامة)(3)، واحتجّ به مرّة اُخرى، وجعل

____________

(1) أحمد الكاتب، تطوّر الفكر السياسي: ص 37.

(2) أحمد الكاتب، تطوّر الفكر السياسي: ص 38.

(3) أحمد الكاتب، تطوّر الفكر السياسي: ص 38.


الصفحة 110
زيداً يتبنّى الموقف بقوله: (أمّا زيد بن علي فقد كان يقول: ليس الامام منّا من جلس في بيته وأرخى ستره وثبط عن الجهاد...). إلى آخر ما في كلام زيد أعلاه.

أضف إلى ذلك، أنّ الكاتب تجاهل في هذا الحوار قول زيد إلى الباقر (عليه السلام): (إنّ الناس يجدون في كتاب الله فرض طاعتنا). وأجابه الامام الباقر (عليه السلام): "إنّ الطاعة لواحد منّا"(1).

ألا يدلّ وجدان الناس ـ باعتراف زيد ـ في كتاب الله فرض طاعة أهل هذا البيت الحسيني على النص والوصيّة، وهذا شاهد واضح لا يحتاج إلى استدلال وبحث وتفكير، ولكن أحمد الكاتب استفاد من ذيل الحديث وترك صدره الذي صرّح بأنّ الناس يعلمون من كتاب الله لا من شيء آخر، بأنّ أحد رجال البيت الحسيني إمام مفترض من الله تعالى.

أمّا بالنسبة لموقف زيد من إمامة الباقر (عليه السلام)، فأجاب عنه الصادق (عليه السلام): "لو ملك لعرف كيف يضعها"(2).

ونحن لا نريد أن نثبت صحّة هذا الحوار بقدر تبيين منهج الكاتب في الاستفادة من الروايات، وأخذ ما ينفعه وترك ما يضرّه في نفس الرواية، وإلاّ فإنّ ذلك الحوار ضعيف بالارسال، وبجهالة الحسين بن الجارود وموسى بن بكر، كما يقول السيّد الخوئي(3).

مخالفة جمهور المحدّثين والمفسّرين


لقد خالف الكاتب جمعاً كبيراً من المفسّرين والمحدّثين حول مصاديق أهل البيت، حيث اتفق المفسّرون على أنّ المراد من أهل البيت: محمّد وعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام)، وقال بهذه الحقيقة الفخر الرازي في تفسيره، والزمخشري في الكشّاف،

____________

(1) الكافي: ج 1، ص 417.

(2) معجم رجال الحديث: ج 17، ص 347.

(3) معجم رجال الحديث: ج 7، ص 353.


الصفحة 111
والقرطبي في الجامع لاحكام القرآن، والشوكاني في فتح القدير، والطبري في جامع البيان، والسيوطي في الدر المنثور(1).

وشارك أهل الحديث في هذا الاتفاق، فقال بهذه الحقيقة كلّ من: ابن حجر في الاصابة، والحاكم في المستدرك، والذهبي في التلخيص، وأحمد بن حنبل في مسنده، ومسلم في صحيحه، والترمذي في صحيحه، والطبري في معجمه الصغير(2).

فكل هؤلاء اتفقوا على أنّ المراد من أهل البيت هؤلاء الخمسة، فضلاً عن إجماع الشيعة على ذلك، ولكنّ الكاتب خالف ذلك وقال: (إنّ كلمة أهل البيت لم تكن محدّدة في أشخاص معينين)(3).

فكيف يمكن الاعتماد على كلام شخص مثل أحمد الكاتب خالف كلّ هؤلاء، وحتى أنّه لم يشر إليهم لا من قريب ولا من بعيد.

الكذب على التراث السنّي


لم يقصر الكاتب كذبه على الشيعة وتراثهم فحسب، بل طال تراث إخواننا أهل السنّة أيضاً، وهذا ممّا يؤكّد هويّة الكاتب الجديدة وانتماءه الاصيل إلى من كان يتولّى.

فلقد كذب على التراث السنّي قاطبة عندما نسب إليه أنّه لم يحصر الخلفاء باثني عشر خليفة، فقال: (وإنّ الاحاديث السنيّة بالذات لا تحصرهم في اثني عشر)(4).

وبكلامه هذا كذب على البخاري، لانّ البخاري نقل في صحيحه قول رسول

____________

(1) الجامع لاحكام القرآن: ج 14، ص 183; فتح القدير: ج 4، ص 279; جامع البيان: ج 12، ص 6; الدر المنثور: ج 6، ص 603.

(2) المستدرك على الصحيحين: ج3، ص158 ـ 160، رقم4705 ـ 4709; مسند أحمد: ج4، ح16540; صحيح مسلم: ح 2424; سنن الترمذي: ج 5، ح 3787; المعجم الصغير للطبري: 23/ 3.

(3) أحمد الكاتب، تطوّر الفكر السياسي: ص 99.

(4) أحمد الكاتب، تطوّر الفكر السياسي: ص 206.


الصفحة 112
الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "يكون اثنا عشر أميراً.... كلّهم من قريش"(1).

وكذب على مسلم، لانّ مسلم نقل في صحيحه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: "ولايزال الدين قائماً حتّى تقوم الساعة أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة من قريش"(2).

وكذب على أحمد، فإنّ أحمد بن حنبل نقل في مسنده قول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): "اثني عشر كعدّة نقباء بني إسرائيل"(3).

فهل يوجد عاقل يقول بأنّ هذه الاحاديث لا تحصر الخلفاء في اثني عشر؟ ولم يقف التراث السنّي عند البخاري ومسلم وأحمد بن حنبل، ولكثرة من خرّج هذا الحديث ننقل فقط المصادر محيلين القارئ إليها لمطالعتها:

سنن أبي داود: ج 4، ص 106، ح 4279 ـ 4281; المعجم الكبير للطبراني: ج 2، ص238، ح 1996; سنن الترمذي: ج 4، ص 501; مستدرك الحاكم: ج 3، ص 618; حلية الاولياء: ج 4، ص 333; فتح الباري: ج 13، ص 211; البداية والنهاية: ج 1، ص 153; صحيح مسلم بشرح النووي: ج 12، ص 201; تفسير ابن كثير: ج 2، ص 24 في تفسير الاية 12 من سورة المائدة; كتاب السلوك في دول الملوك للمقريزي: ج 1، ص 13 ـ 15 من القسم الاوّل; شرح الحافظ ابن قيم الجوزيّة على سنن أبي داود: ج 11، ص 363، شرح حديث 4259; شرح العقيدة الطحاويّة: ج 2، ص 736; الحاوي للفتاوي: ج 2، ص 85; عون المعبود شرح سنن أبي داود للعظيم آبادي: ج 11، ص 362، شرح حديث 4259; مشكاة المصابيح للتبريزي; ج 3، ص 327، ح 5983; السلسلة الصحيحة للالباني; حديث رقم 376; كنز العمّال: ج 12، ص 32، حديث رقم 33848 وص 33، حديث رقم 33858، وص 34، حديث رقم 33861; فرائد السمطين: ج 2، ص 145، ح 42; ينابيع المودّة: ج 3، ص 104، باب 77.

____________

(1) صحيح البخاري: ج 6، ص 1640، رقم 6796، كتاب الاحكام، باب الاستخلاف.

(2) صحيح مسلم: ج 3، ص 155، رقم 1822، كتاب الامارة، باب الناس تبع لقريش.

(3) مسند أحمد: ج 1، ص 657، رقم 3772.


الصفحة 113
كلّ هذا التراث رفضه الكاتب وقال: (إنّ الاحاديث السنيّة بالذات لا تحصرهم في اثني عشر)(1).

فياترى هل يوجد بعد ذلك من يصدّق كلمة واحدة ممّا كتبه المؤلّف، ولماذا هذا الحقد على الائمّة بحيث أعماه حتّى عن مشاهدة مسلمة من مسلّمات الفكر الاسلامي السنّي والشيعي؟ ولماذا أراد الكاتب أن يمسح من دواوين الاسلام الحديثيّة حتّى الاشارة إلى العدد بشكل إجمالي؟

انكار أحاديث صحيحة بدون علّة


عوّدنا الكاتب بإنكاراته المتكرّرة التي طالت حتّى المسلّمات، ولم يقف عند مسلمات الشيعة، بل أنكر حتّى مسلّمات الفكر السنّي، كما يتبيّن من إنكار حصر الخلفاء باثني عشر، وبعد أن أنكر ولادة المهدي (عج) التي أخبر بها والده العسكري وبأحاديث صحيحة ـ كما تقدّم ـ تحتّم عليه أن ينكر الغيبة وما شابه ذلك، ونحن هنا لا نريد أن نبحث التراث الشيعي حول الغيبة إلاّ بقدر إعلام الكاتب بأنّ هناك أحاديث صحيحة أكّدت هذا الموضوع، ومن رجال ثقات، فما هو توجيهه لتلك الاحاديث؟

نقل الشيخ الصدوق عن محمّد بن الحسن بن الوليد، عن محمّد بن الحسن الصفّار، عن يعقوب بن يزيد، عن أيّوب بن نوح، قال: قلت للرضا (عليه السلام): إنّا لنرجو أن تكون صاحب هذا الامر، وأن يردّه الله عزّ وجلّ إليك من غير سيف، فقد بويع لك وضربت الدراهم باسمك، فقال (عليه السلام): "ما منّا أحد اختلفت إليه الكتب وسُئل عن المسائل وأشارت إليه الاصابع وحُملت إليه الاموال إلاّ اغتيل أو مات على فراشه حتّى يبعث الله عزّ وجلّ لهذا الامر رجلاً خفي المولد والمنشأ، وغير خفي في نسبه"(2).

تؤكّد هذه الرواية وضوح نسب المهدي الذي أنكره الكاتب، فضلاً عن غيبته، ولم

____________

(1) أحمد الكاتب، تطوّر الفكر السياسي: ص 206.

(2) كمال الدين: ص 345، باب 35، ح 1.


الصفحة 114
يوجّه لنا الكاتب هذه الاحاديث، ولم يستطع أن يرميها بتهمة الضعف السندي أو الارسال أو ما شابه ذلك، لانّ السند هنا الشيخ الصدوق، فلا يحتاج إلى تعريف، فهو قطب الاماميّة وثقتهم وصاحب شمعة من شموع تراثهم (من لا يحضره الفقيه) والذي نقل عنه الشيخ الصدوق هو محمّد بن الحسن بن الوليد الذي يقول عنه النجاشي: (هو شيخ القميين وفقيههم ومتقدّمهم ووجههم... ثقة، ثقة، عين مسكون إليه)(1).

وترجم له الشيخ الطوسي بأنّه: (جليل القدر، بصير بالفقه، ثقة)(2).

وقال الحلّي بحقّه: (ثقة، ثقة، عين، مسكون إليه، جليل القدر، عظيم المنزلة، عارف بالرجال، موثوق به)(3). وقال المامقاني عنه: (ثقة)(4).

فهذا الرجل الثاني في السند، والرجل الثالث فيه هو محمّد بن الحسن الصفّار الذي جعله النجاشي وجهاً في القميين، وقال عنه: (ثقة، عظيم القدر، راجحاً)(5)، وعدّه الطوسي من أصحاب العسكري(6)، ووثّقه الحلّي والمامقاني(7).

وأمّا الرجل الرابع الذي أخبر بوضوح نسب المهدي وأنكره الكاتب هو يعقوب ابن يزيد الذي قال عنه النجاشي: (ثقة صدوقاً)(8). وقال عنه الطوسي: (هو وأبوه ثقتان)(9). وقال عنه الحلّي: (ثقة صدوقاً)(10). وقال عنه المقامقاني (ثقة)(11).

____________

(1) رجال النجاشي: ص 383، رقم 1042.

(2) رجال الطوسي: ص 439، رقم 6273، مَن لم يروِ عن واحد من الائمّة.

(3) خلاصة الاقوال: ص 247، رقم 842.

(4) تنقيح المقال: ج 1، ص 134، رقم 10534.

(5) رجال النجاشي: ص 354، رقم 948.

(6) رجال الطوسي: ص 402، رقم 5898، أصحاب العسكري (عليه السلام).

(7) خلاصة الاقوال: ص260 ـ 261، رقم910; تنقيح المقال: ج1، ص135، رقم10551.

(8) رجال النجاشي: ص 450، رقم 1215.

(9) رجال الطوسي: ص 369، رقم 5488، أصحاب علي بن موسى الرضا (عليه السلام).

(10) خلاصة الاقوال: ص 298، رقم 1107.

(11) تنقيح المقال: ج 1، ص 168، رقم 13291.


الصفحة 115
وآخر ما في السند الذي أنكر الكاتب، والذي روى عن الامام الرضا (عليه السلام) هو أيّوب بن نوح الذي تحدّث عنه النجاشي بقوله: (كان وكيلاً لابي الحسن وأبي محمّد (عليهما السلام)، عظيم المنزلة عندهما، مأموناً، وكان شديد الورع، كثير العبادة، ثقة في رواياته)(1). وقال عنه الطوسي إنّه ثقة(2). وقال الحلّي بحقّه: (ثقة، مأموناً، شديد الورع، صحيح الاعتقاد)(3). وقال المامقاني بحقه: (ثقة)(4).

هذا هو حال السند الذي أثبت غيبة المهدي المنتظر، وأثبت وضوح نسبه اللذين أنكرهما الكاتب من دون سبب يذكر.

وأنكر الكاتب الحديث الذي نقله الشيخ الصدوق عن أبيه علي بن الحسين بن بابويه القمّي، عن سعد بن عبدالله، عن الحسن بن موسى الخشّاب، عن العبّاس بن عامر القصّابي، قال: سمعت أبا الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) يقول: "صاحب هذا الامر من يقول الناس لم يولد بعد"(5).

فأثبت الامام الكاظم (عليه السلام) في هذا الحديث وقبل الغيبة بعشرات السنين بأنّ الناس سيختلفون في مولده، وإنكار الكاتب لهذا الحديث لا وجه له لا من ناحية المتن ولا من ناحية السند، وكيف ينكر السند الذي فيه والد الصدوق علي بن الحسين بن بابويه القمّي، الذي قال عنه النجاشي: (شيخ القميين في عصره ومتقدمهم وفقيههم وثقتهم)(6). وقال عنه الطوسي: (ثقة)(7). ووثّقه كل من الحلّي والمامقاني(8).

____________

(1) رجال النجاشي: ص 102، رقم 254.

(2) رجال الطوسي: ص 352، رقم 5214، أصحاب علي بن موسى ارضا (عليه السلام).

(3) خلاصة الاقوال: ص 59، رقم 58.

(4) تنقيح المقال: ج 1، ص 19، رقم 1195.

(5) كمال الدين: ص 336، باب 34، ح 2.

(6) رجال النجاشي: ص 261، رقم 684.

(7) رجال الطوسي: ص 432، رقم 6191، من لم يروِ عن واحد من الائمّة (عليهم السلام).

(8) خلاصة الاقوال: ص 178، رقم 531، تنقيح المقال: ج 1، ص 106، رقم 8246.


الصفحة 116
وأمّا سعد بن عبدالله فجعله النجاشي شيخ هذه الطائفة وفقيهها ووجيهها(1). وقال عنه الطوسي: (جليل القدر)(2). وقال الحلي: (واسع الاخبار، كثير التصانيف، ثقة، شيخ هذه الطائفة وفقيهها ووجهها)(3). ووثّقه المامقاني(4).

ونقل سعد بن عبدالله الحديث عن الحسن بن موسى الخشّاب، وهو من وجوه أصحابنا، مشهور كثير العلم والحديث كما يقول النجاشي(5). وعدّه الطوسي من أصحاب العسكري(6)، وتابع الحلّي النجاشي بقوله المتقدّم(7).

وأمّا الرجل الاخير في السند الذي نقل الحديث الذي أثبت مولد الامام المهدي واختلاف الناس فيه، هو العبّاس بن عامر القصابي، الذي ترجم له النجاشي بقوله: (الشيخ الصدوق الثقة، كثير الحديث)(8). وذكره الطوسي في رجاله(9). وعدّه الحلّي من الثقات(10)، وكذلك المامقاني(11).

فهذا حال السند الذي أنكر متنه الكاتب، وكذلك أنكر حديثاً رواه الشيخ الصدوق عن أبيه، عن عبدالله بن جعفر الحميري، عن أيّوب بن نوح، عن محمّد بن أبي عمير، عن جميل بن درّاج، عن زرارة، قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام): "يأتي على الناس زمان يغيب عنهم إمامهم"، فقلت له ـ والكلام لزرارة ـ ما يصنع الناس في ذلك

____________

(1) رجال النجاشي: ص 177 ـ 178، رقم 467.

(2) رجال الطوسي: ص 427، رقم 6141، من لم يروِ عن واحد من الائمّة (عليهم السلام).

(3) خلاصة الاقوال: ص 156، رقم 452.

(4) تنقيح المقال: ج 1، ص 62، رقم 4702.

(5) رجال النجاشي: ص 42، رقم 85.

(6) رجال الطوسي: ص 398، رقم 5840، أصحاب العسكري.

(7) خلاصة الاقوال: ص 104، رقم 240.

(8) رجال النجاشي: ص 281، رقم 744.

(9) رجال الطوسي: ص 434، رقم 6222، من لم يروِ عن واحد من الائمّة (عليهم السلام).

(10) خلاصة الاقوال: ص 210، رقم 682.

(11) تنقيح المقال: ج 1، ص 81، رقم 6214.


الصفحة 117
الزمان؟ قال: "يتمسكون بالامر الذي هم عليه حتّى يتبيّن لهم"(1).

هذا الحديث الذي أنكره الكاتب نقله الشيخ الصدوق الثقة، عن والده (الثقة) كما قال النجاشي والطوسي والحلّي والمامقاني(2)، نقله والد الصدوق عن عبدالله بن جعفر الحميري شيخ القميين ووجههم بتعبير النجاشي(3)، ووثّقه الطوسي والحلي والمامقاني(4)، ونقل عبدالله بن جعفر الحميري هذا الحديث ـ الذي أثبت غيبة الامام المنتظر (عج) وحدّد موقف الناس منه ـ عن أيوب بن نوح الثقة عند النجاشي والطوسي والحلّي والمامقاني(5)، ونقل أيوب بن نوح عن محمّد بن أبي عمير الذي ترجمه له النجاشي بقوله: (جليل القدر، عظيم المنزلة فينا وعند المخالفين)(6)، وجعله الطوسي من أوثق الناس عند الخاصّة والعامّة(7) والذي قال الكشّي بحقّه: (إنّه ممن أجمع أصحابنا على تصحيح ما يصحّ عنه وأقرّ له بالفقه والعلم)(8)، وأمّا المحقّق المامقاني فقد قال بحقّه: ثقة، مراسيله كالمسانيد الصحاح(9).

ونقل الرجل هذا الحديث الذي أنكره الكاتب عن جميل بن درّاج، الذي تحدّث

____________

(1) كمال الدين: ص 328، باب 33، ح 44.

(2) رجال النجاشي: ص 261، رقم 684; رجال الطوسي: ص 433، رقم 6191، من لم يرو عن واحد من الائمّة (عليهم السلام); خلاصة الاقوال: ص 178، رقم 531; تنقيح المقال: ج 1، ص 106، رقم 8246.

(3) رجال النجاشي: ص 219، رقم 573.

(4) رجال الطوسي: ص 400، رقم 5857، أصحاب العسكري (عليه السلام); خلاصة الاقوال: ص 193 ـ 194، رقم 605; تنقيح المقال: ج 1، ص 88، رقم 6785.

(5) رجال النجاشي: ص 102، رقم 254، رجال الطوسي: ص 352، رقم 5214، أصحاب الرضا (عليه السلام); خلاصة الاقوال: ص 59، رقم 58; تنقيح المقال: ج 1، ص 19، رقم 1195.

(6) رجال النجاشي: ص 326 ـ 327، رقم 887.

(7) الفهرست للطوسي: ص 218 ـ 219، رقم 617.

(8) خلاصة الاقوال: ص 239 ـ 240، رقم 816. نقلاً عن الكشي.

(9) تنقيح المقال: ج 1، ص 13، رقم 10272.


الصفحة 118
عنه النجاشي، فقال: (شيخنا ووجه الطائفة ثقة)(1)، ووثّقه الطوسي والحلّي والمامقاني(2)، وقال بحقّه الكشي إنّه: (ممّن اجتمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه فيما يقول، والاقرار له بالفقه)(3).

وأمّا الرجل الاخير في السند، والذي سمع الحديث من فم الامام الصادق (عليه السلام) والذي أثبت للناس على لسان الصادق (عليه السلام) أنّ للمهدي غيبة، فهو زرارة بن أعين الذي تحدّث عنه النجاشي بقوله: (شيخ أصحابنا في زمانه ومتقدّمهم، وكان قارئاً، فقيهاً، متكلّماً، شاعراً، أديباً، قد اجتمعت فيه خلال الفضل والدين، صادقاً فيما يرويه)(4)، وقال بحقّه الطوسي إنّه ثقة(5)، وقد تابع الحلّي النجاشي في توثيقه المتقدّم(6)، وأمّا المامقاني فقد قال: (ثقة، وأي ثقة)(7). فهذا موقع الرجل الذي نسب إليه الكاتب بأنّه يجهل إمام زمانه.

هذه الاحاديث الصحاح التي نقلناها من الشيخ الصدوق فقط هي غيض من فيض من الاحاديث الصحاح التي نقلها الاماميّة الاثنا عشريّة حول مولد الامام الثاني عشر وغيبته واختلاف الناس فيه، وتلقوها كابراً عن كابر، كلّ ذلك أنكره الكاتب بكلمات إعلاميّة وشعارات واهية لا تنطلي إلاّ على جهّال الناس.

____________

(1) رجال النجاشي: ص 126 ـ 127، رقم 328.

(2) الفهرست للطوسي: ص 94، رقم 154; خلاصة الاقوال: ص 92 ـ 93، رقم 209; تنقيح المقال: ج1، ص 28، رقم 1933.

(3) رجال الكشي: ترجمة محمّد بن أبي عمير.

(4) رجال النجاشي: ص 175، رقم 463.

(5) رجال الطوسي: ص 337، رقم 5010.

(6) خلاصة الاقوال: ص 152، رقم 441.

(7) تنقيح المقال: ج 1، ص 56، رقم 4213.