وأهمل الكاتب هذا الكم الهائل من الاعترافات من دون تأويل أو تضعيف وما شابه ذلك والذي تعوّدناه من الكاتب أمام كلّ دليل خلاف مدّعاه.
أحمد الكاتب يعتمد على رواية ثمّ يضعّفها
لقد تخبّط الكاتب تخبطاً عجيباً في الاعتماد على الروايات، فتارة يعتمد على رواية لانّ فيها مقطعاً نافعاً في استدلاله، فيجعل تلك الرواية ركناً لنظريّته، واُخرى يضعّف نفس تلك الرواية إذا كان المقطع الاخر يهدم استدلاله في المقطع الاوّل، فيتناول
____________
(1) الغيبة للطوسي: ص 217.
(2) تبصرة الولي: ص 279 ـ 280.
(3) الغيبة للطوسي: ص 163; الخرائج والجرائح: ج 1، ص 471، ح 15.
(4) منتخب الاثر: ص 488، رقم 7.
(5) فرج المهموم: ص 245.
(6) إعلام الورى: ج 2، ص 214.
(7) الغيبة للطوسي: ص 149.
(8) كمال الدين: ص 454، ح 21; حلية الابرار: ج 2، ص 557.
(9) الثاقب في المناقب: ص 596، رقم 538.
(10) أحمد الكاتب، تطوّر الفكر السياسي: ص 191.
(عامّة الشيعة لم يكونوا يعرفون أحداً غير جعفر من أبناء الامام الهادي، ولم يكونوا شاهدوا أي ولد للامام العسكري، وهذا ما تؤكّده رواية أبي الاديان البصري)(1).
ولكن عندما حملت هذه الرواية بعض الاشارات للتعرّف على الامام المهدي، قال الكاتب بحقّها:
وأمّا رواية أبي الاديان البصري التي ينفرد بنقلها الصدوق ويرسلها دون أي سند.... ولا يعرف أحد شخصاً بهذا الاسم ممّا يؤكّد اختلاقه من بعض الغلاة)(2).
فما حدا ممّا بدا، بالامس وفي (ص 191) كانت الرواية القاعدة الاساسيّة للاستدلال على ما أراد، واليوم وفي (ص 224) أصبحت ضعيفة مرسلة، راويها غير معروف. وما هذا التخبّط إلاّ للمنهج العشوائي الذي اعتمده الكاتب في الاعتماد على الروايات وتقطيعها، وتأييد ما ينفعه من قطعها، وتضعيف ما يهدم أركان استدلاله منها.
ولم يكتفِ الكاتب بذلك، بل حمّل الرواية أكاذيب لم تحملها، وجعل من أبي الاديان البصري ـ على الرغم من اتهامه بالجهالة ـ رجلاً معزيّاً ومهنئاً لجعفر، معزياً بوفاة العسكري، ومهنئاً بمقام جعفر الجديد، وهو الامامة، ونسب ذلك إلى الرواية(3)، بينما نجد أبا الاديان هذا في تلك الرواية يقول: (إن كان جعفر هو الامام فقد بطلت الامامة لانّي ـ والكلام لابي الاديان ـ كنت أعرفه يشرب النبيذ ويقامر في الجسوق ويلعب الطنبور)(4). فلم ينقل هذه المواصفات لجعفر والتي حدّث بها أبو الاديان،
____________
(1) أحمد الكاتب، تطوّر الفكر السياسي: ص 191.
(2) أحمد الكاتب، تطوّر الفكر السياسي: ص 224.
(3) أحمد الكاتب، تطوّر الفكر السياسي: ص 191.
(4) كمال الدين: ص 432.
ولم يقف الكاتب عند ذلك، ولكي يضلّل القارئ بأكاذيبه أضاف إلى المعزّين والمهنئين عثمان بن سعيد العمري، وجعل من الرواية تلك دليلاً على ذلك، وهذا كذب محض، وافتراء واضح، ومن أراد التأكّد فليرجع إلى الرواية(1)، ولن يجد فيها ذلك أبداً.
ولم يقف الكاتب عند ذلك الحد، بل نسب للرواية بأنّ وفداً من الشيعة هنّأ جعفر وعزّاه، بينما نجد أنّ ذلك الوفد أراد أن يبرز للناس عدم أهليّة جعفر لهذا المنصب، تقول الرواية: سألوه عن بعض مواصفات الامامة فلم يجب عنها، وأجاب عنها الخادم الذي خرج من الامام الحجّة، وهذا لم يذكره الكاتب الذي قطّع الرواية، وأخرج ما هو داخل فيها، وأضاف ما هو خارج عنها تشويشاً لذهن القارئ.
أحمد الكاتب يخصم نفسه
امتلا كتاب المؤلّف بالمتناقضات حتّى عجزنا عن إحصائها، فلقد نسب إلى أهل قم أنّهم لم يلتزموا بقانون الوراثة العموديّة في الامامة وقال:
(إنّ أهل قم.... لم يكونوا يلتزمون بقانون الوراثة العموديّة في الامامة)(2).
ولكن بعد أسطر نقل رواية تشير إلى أنّ أهل قم رفضوا إمامة جعفر الكذّاب لهذا البند الاساسي الراسخ في أذهانهم، فقال:
(العقبة الرئيسة التي حالت دون إيمان بعض الشيعة بإمامة جعفر هي المبدأ القديم المشكوك فيه الرافض لاجتماع الامامة في الاخوين بعد الحسن والحسين وقد طرحه وفد قم على جعفر بن علي أثناء الحوار)(3).
ولم يميّز الكاتب بين لفظة "الوراثة العموديّة" وبين لفظة "عدم اجتماع الامامة في
____________
(1) كمال الدين: ص 431 ـ 433، ح 25.
(2) أحمد الكاتب، تطوّر الفكر السياسي: ص 192.
(3) أحمد الكاتب، تطوّر الفكر السياسي: ص 192.
(المشكلة الرئيسيّة في جعفر لدى البعض منهم هي مسألة الجمع بين الاخوين في الامامة)(1).
وكثير مثل هذه العبارات العشوائيّة اتسم به كتاب هذا الرجل.
أحمد الكاتب يفسّر الحديث برأيه
تحدّث الكاتب عن كثير من الاحاديث التي نقلها الفريقين، برأيه من دون أي وثيقة تؤيّده، ففسر كلمة الحجّة في الاحاديث بأنّها الحكومة، ولم يعطِ للامام أي صلاحيّة اُخرى سوى الحكومة، فأوجد تناقضاً لم يكن موجوداً بين الغيبة وبين الاحاديث التي تنصّ على ضرورة وجود حجّة لله على الارض، فقال:
(ما فائدة هذه الاحاديث إذا كان الامام غائباً ولم ينظم المسلمين ويقودهم لتطبيق أحكام الاسلام ويؤسس الحكومة الاسلاميّة)(2).
وهذا التساؤل مبني على عدم فهم وظيفة الامام أو الحجّة بالامّة، وإشكال الكاتب هذا لا ربط له بالغائب المنتظر، لانّ كلّ أئمتنا ـ ما عدا علي والحسن (عليهما السلام) اللذين حكما لبعض الوقت ـ لم يحكموا ولم يستلموا القيادة السياسيّة في المجتمع، ولكن ظلّوا يدافعون عن الشريعة وحفظوها من التحريف والتلاعب، ابتداءً من زمن الخلفاء الراشدين وإلى يوم الغيبة التي أرسوا فيها قواعد الفقه الاسلامي وحدّدوا مسارات الشريعة، ووضعوا الخطوط الحمراء لكلّ من أراد البحث والتقصّي حول أحكامها.
إذن، كلام الكاتب كان مبنياً على عدم الفهم ـ الذي أوقعه في اشتباهات كثيرة ـ لالفاظ الاحاديث، ومن هذه الاحاديث:
____________
(1) أحمد الكاتب، تطوّر الفكر السياسي: ص 193.
(2) أحمد الكاتب، تطوّر الفكر السياسي: ص
وقول الامام علي (عليه السلام): "اللهمّ بلى، ولا تخلو الارض من حجّة قائم لله بحجّته، إمّا ظاهر معلوم، وإمّا خائف مغمور، لئلاّ تبطل حجج الله وبيناته"(2). وغير ذلك كثير.
فعندما عجز الكاتب عن إيجاد نقطة ضعف في هذه الاحاديث سنداً ومتناً، رماها بتهمة التناقض بين ضرورة وجود الحجّة وقيامه، وبين غيبة الامام المنتظر(3).
وفسّر وجود الحجّة بقيام الدولة أو الرئيس في المجتمع، وعندما فهم من الرئيس القائد السياسي الذي يقود دفّة الحكم وقع في الفخ الذي رسمه لنفسه، وإشكال الكاتب هذا لا علاقة له بالغيبة وإن كان هو لا يعلم بذلك، لانّ الائمّة (عليهم السلام) باستثناء علي والحسن (عليهما السلام)، لم يستلموا الحكم ولم يتهيّأ لهم الظرف السياسي لذلك، ولكن لم ينعزلوا عن المجتمع، بل ظلّوا يدافعون عن الوظيفة الاساسيّة لهم وهي حفظ الشريعة من التحريف والتبديل، فحتّى لو سُدّ الطريق السياسي والسيطرة على دفّة الحكم لتنفيذ هذه الوظيفة، فهناك طرق اُخرى سار عليها الائمّة (عليهم السلام) لتنفيذ وصيّة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
يقول الشيخ الصدوق:
(إنّ خصومنا قد جهلوا آثار حكمة الله تعالى، وأغفلوا مواقع الحقّ ومناهج السبيل في مقامات حجج الله تعالى مع أئمّة الضلال في دول الباطل في كلّ عصر وزمان، إذ قد ثبت أنّ ظهور حجج الله تعالى في مقاماتهم في دول الباطل على سبيل الامكان والتدبير لاهل الزمان، فإن كانت الحال ممكنة في استقامة تدبير الاولياء لوجود الحجّة في الخاص والعام، كان ظهور الحجّة كذلك، وإن كانت الحال غير ممكنة من استقامة تدبير الاولياء لوجود الحجّة بين الخاصّ والعام، وكان استتاره مما توجب الحكمة ويقتضيه التدبير، حجبه الله وستره إلى وقت بلوغ الكتاب أجله، كما قد وجدنا
____________
(1) الكافي: ج 1، ص 232، باب 4.
(2) الغيبة للنعماني: ص 136، باب 8، ح 1.
(3) أحمد الكاتب، تطوّر الفكر السياسي: ص 207.
ولكن من لا علم له بالاثار ولا دراية له بالكتاب يرتب دليل التناقض بينه وبين نفسه، حتّى لو لم يصدّقه أحد، فالمهم إدراجه ضمن كتاب يثير شبهات ضدّ الاسلام والمسلمين.
____________
(1) كمال الدين: ص 32.
الفصل الثاني
الكذب المتعمّد
على علماء الشيعة
أحمد الكاتب يكذب على الشيخين المفيد والنوبختي
نسب الكاتب لرجال الاماميّة وثقاتهم أحاديث ما قالوها وما تطرّقوا لها قط، بل قالوا عكسها تماماً، وكان ذلك نتيجة لمنهج الكاتب في صياغة حديث الامام أو كلام الامامي بأسلوبه الخاص، أخفى هذا المنهج وراءه الكثير من الحقائق، ونسب الاقوال إلى اُناس هم بريئون منها، فنسب للشيخ المفيد والنوبختي كلاماً لم يقولاه، ولا حتّى أشارا إليه، بل نقل لنا المفيد خلافه تماماً.
يقول الكاتب: (إنّ الشيخ المفيد والنوبختي قالا: إنّ كثيراً من الشيعة الاماميّة لبّوا نداء جعفر أخ الامام العسكري، وكادوا يجمعون على القول بإمامته)(1).
ولكن الشيخ المفيد الذي نُسب إليه هذا الكلام يقول خلاف ذلك تماماً، وجعل الجمهور من الشيعة يؤمنون بإمامة ابنه القائم، ولم يقولوا بإمامة جعفر هذا، ونسب الشيخ المفيد هذا الكلام إلى النوبختي، يقول الشيخ المفيد: (ولما توفّي أبو محمّد الحسن ابن علي بن محمّد، افترق أصحابه بعده على ما حكاه أبو محمّد الحسن بن موسى النوبختي، فقال الجمهور منهم بإمامة ابنه القائم المنتظر وأثبتوا ولادته)(2).
والعبارة واضحة لا تحتاج إلى تأمّل وشرح، ليقف القارئ على معناها، أو يؤولها بألفاظ، ويحمّلها معنى قسرياً، فلم يستطع الكاتب بهذه الطرق أن يوجد ثغرة فيها، فغيّر معناها ولفظها ونسب ذلك إلى المفيد بلفظه الخاص.
____________
(1) أحمد الكاتب، تطوّر الفكر السياسي: ص 191.
(2) الفصول المختارة: ص 318.
أحمد الكاتب يكذب على الشيخ الصدوق (قدس سره)
يقول أحمد الكاتب: (ويتطرّف الصدوق جدّاً، وبشكل غير معقول، فينقل عن الامام السجاد أنّه كان يوصي الشيعة بالخضوع للحاكم والطاعة له، وعدم التعرّض لسخطه، ويتهم الثائرين بالمسؤوليّة عن الظلم الذي يلحق بهم من قبل السلطان)(3).
ولكن بمراجعة بسيطة لما نقله الصدوق (قدس سره) يكتشف القارئ زيف ما ادّعاه أحمد الكاتب، ونحن هنا ننقل كلام الصدوق حتّى يعرف القارئ خبث الكاتب وادعاءه، يقول الشيخ الصدوق نقلاً عن زين العابدين (عليه السلام): "وحقّ السلطان أن تعلم أنّك جُعلت له فتنة، وأنّه مبتلىً فيك بما جعل الله عزّ وجلّ له عليك من السلطان، وأنّ عليك أن لا تتعرّض لسخطه فتُلقي بيدك إلى التهلكة وتكون شريكاً له فيما يأتي إليك من سوء"(4).
فهذه الكلمات تحذّر الانسان من أن يلقي بنفسه إلى التهلكة بيد حكّام الجور وسلاطين الزمان الذين لا يتورّعون عن هتك المحارم وسفك الدماء، ومن قصد لذلك عامداً كان كمن ساعد على نفسه، فهي وصيّة لا تأباها العقول، وتقبلها الانفس المفطورة على المحافظة، ولا أعلم كيف طوّعها الكاتب لمرامه، وهو أنّ السجّاد (عليه السلام) يوصي الشيعة بالخضوع للحاكم، والطاعة له؟! والغريب نسبة هذا الفهم إلى الشيخ
____________
(1) فرق الشيعة: ص 104.
(2) المقالات والفرق: ص 110.
(3) أحمد الكاتب، تطوّر الفكر السياسي: ص 29.
(4) الامالي للصدوق: المجلس 59، ص 452.
فالامام يطالب المسلم بالمحافظة على نفسه في حالة عدم قابليّته على المقاومة، وإلاّ لو توفّرت القابليّة والمقوّمات لذلك كان هناك منهج آخر تماماً، ونتيجة لوضوح كلام الامام زين العابدين (عليه السلام)، لم ينقل الكاتب كلام الامام بنصّه، بل عبّر عنه بتعبيره الخاص، كما هو أعلاه، معتقداً أنّ القارئ لا يراجع المصادر، وغافل عن هذا النوع من التحريف.
أحمد الكاتب يكذب على الصدوق والنوبختي والنعماني
عاد الكاتب إلى الكذب على أقطاب الفكر الشيعي، ونسب إليهم أقوالاً يصوغها بعباراته، لا يصدّق بها من له أدنى عقل، فمثلاً نسب إلى الشيخ الصدوق أنّه شاكّ في نظريّة الامامة الاثنا عشريّة(1)، بينما نجد الشيخ الصدوق يصرّح بقوله: (إنّ عدد الائمّة (عليهم السلام) اثنا عشر، والثاني عشر هو الذي يملا الارض قسطاً وعدلاً).
وردّ الشيخ الصدوق كلام الزيديّة بقوله: (أفيكذّب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في قوله الائمّة اثنا عشر)(2).
هذه كلمات الشيخ الصدوق في نظريّة الاثنى عشريّة التي نسب الكاتب الشكّ إليه فيها، أضف إلى ذلك فإنّ كتب الشيخ الصدوق قد امتلات بأحاديث تنص على الامامة في أولاد علي، وهم اثنا عشر، والثاني عشر هو الغائب المنتظر، ولو طالعت أي كتاب للشيخ الصدوق لعرفت صحّة هذا المعنى، ونحن لن نحيل القارئ إلى كتاب خاص، فأي كتاب شاء طالعه وجد خلاف ما يقوله أحمد الكاتب.
وأمّا النوبختي، فقد نسب الكاتب إليه هذا القول: (إنّ الامامة ستستمر في أعقاب الامام الثاني عشر إلى يوم القيامة)(3).
____________
(1) أحمد الكاتب، تطوّر الفكر السياسي: ص 203.
(2) كمال الدين: ص 83.
(3) أحمد الكاتب، تطوّر الفكر السياسي: ص 200.
وأمّا كذبه على النعماني، فلقد نسب إليه أنّه لم يستطع إثبات وجود الامام محمّد بن الحسن العسكري(2).
بينما نجد النعماني من بين علماء الشيعة كتب كتاباً باسم الغيبة، كرّسه لاثبات أنّ المهدي هو الحجّة بن الحسن العسكري، وهو صاحب الغيبة، وذكر نسبه وعلامات ظهور، ومدّة حكمه، وغير ذلك من الادلّة الكثيرة التي احتواها كتابه الذي صنّفه على أبواب بلغت (25 باباً) موزعة على (332 صفحة).
أحمد الكاتب لم يفهم منهج الشيخين الصدوق والكليني
فهم المنهج من المبادئ الاساسيّة للحديث عن صاحبه، والذي يجهل بمنهج أحد لا يحقّ له التحدّث عنه، لانّ ذلك سيوقعه في أخطاء فادحة.
وهنا وقع الكاتب في خطأ فادح بعدما جهل منهج الكليني والصدوق في قبول الرواية وردّها، وأخذ يناقشهم في مرويّاتهم.
فأمّا منهج الكليني في الكافي فهو أخذه الرواية التي يثق بصدورها من المعصوم بحيث يقطع بذلك الصدور، يقول ثقة الاسلام:
(وقلت: إنّك تحب أن يكون عندك كتاب كاف يجمع جميع فنون علم الدين ما يكتفي به المتعلّم ويرجع إليه المسترشد ويأخذ منه من يريد علم الدين والعمل به بالاثار الصحيحة عن الصادقين والسنن القائمة التي عليها العمل وبها يؤدّى فرض الله وسنّة نبيّه)(3).
____________
(1) فرق الشيعة: ص 105 ـ 119.
(2) أحمد الكاتب، تطوّر الفكر السياسي: ص 198.
(3) الكافي: ج 1، ص 55.
وهكذا الشيخ الصدوق قال في مقدّمة كتابه "من لا يحضره الفقيه":
(ولم أقصد فيه قصد المصنّفين في إيراد جميع ما رووه، بل قصدت إلى إيراد ما اُفتي به وأحكم بصحّته، وأعتقد فيه أنّه حجّة فيما بيني وبين ربّي تقدّس ذكره وتعالت قدرته، وجميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المعوّل وإليها المرجع)(1).
فالخبر الصحيح عند الكليني والصدوق والمتقدّمين هو ما أيّدته القرائن الداخليّة والخارجيّة، وليس الاعتماد على وثاقة الاشخاص فقط، فوثاقة الشخص طريق لصحّة صدور الخبر، وليس هو الطريق المنحصر في الوثاقة، بل هناك طرق اُخرى، وهي القرائن الخارجيّة ومن جملتها:
1 ـ وجود الحديث في كثير من الاصول الاربعمائة المؤلّفة في عصور الائمّة، أو وجوده في أصل معروف الانتساب لمن اجتمعت العصابة على تصديقهم كزرارة ومحمّد بن مسلم وأضرابهم.
2 ـ اندراج الحديث في أحد الكتب التي عرضت على الائمّة فأثنوا على مصنّفيها، وكتاب سليم من الكتب التي أثنى الصادق (عليه السلام) عليها.
3 ـ كون الحديث مأخوذاً من الكتب التي شاع عن السلف الوثوق بها والاعتماد عليها.
فهذه القرائن وغيرها كانت بيد الكليني والصدوق والطوسي والمتقدّمين، يعملون بها لقبول الرواية وردّها، ولا يحقّ لاحد بعد تصريحهم بذلك أن يشكل على أنّ هذا الحديث في طريقه شخص ضعيف مثلاً أو ما شابه ذلك، وهذا ما سقط فيه الكاتب عندما قال: (الكليني والصدوق اعتمدوا في قولهم بالنظريّة الاثني عشريّة على كتاب
____________
(1) من لا يحضره الفقيه: ج 1، ص 3.
فحتّى لو اعتمدوا على كتاب سليم، وسلّمنا ـ جدلاً ـ للكاتب بعبارته الاعلاميّة التي ضعّف بها كتاب سليم، فهذا لا يعني ـ وعلى ضوء ما تقدّم ـ بأنّ أحاديث (الائمّة اثنا عشر) ليست صادرة عن أئمّة الحق (عليهم السلام)، أضف إلى ذلك أنّ الكليني والصدوق لم يعتمدا على كتاب سليم في ذلك، ومن راجع الكافي علم بصحّة هذا الكلام جيّداً، وكذلك كتب الشيخ الصدوق.
فالمراجعة السريعة، والتقاط الروايات بشكل غير مدروس، وعدم فهم مناهج المحدّثين أوقع أحمد الكاتب في اشتباه فظيع لا يقع فيه مَنْ له أدنى معرفة بمناهج المحدّثين ومرويّاتهم.
أحمد الكاتب يتهم الشيخ الطوسي
ونتيجة لعدم الاطّلاع الكافي للكاتب على مناهج المحدّثين ـ وخصوصاً القدماء ـ في قبول الرواية وردّها، رمى الشيخ الطوسي بقوله: (نرى الشيخ الطوسي الذي ألّف الفهرست والرجال في علم الرجال ينقل... عن رجال يضعّفهم في كتبه)(2).
وسبب اتهام الشيخ الطوسي بذلك ما قدّمناه من عدم الفهم والاطلاع للكاتب على منهج الشيخ في قبول الرواية وعدمها، فحاسبه الكاتب على منهج لم يكن يعمل به، وإنّما حدث هذا المنهج زمن العلاّمة الحلي وشيخه ابن طاووس (ت 673 هـ)، هذا المنهج الذي قسّم الحديث فيه إلى أربعة أقسام: الصحيح، والحسن، والموثّق، والضعيف، وهذا التقسيم لم يكن موجوداً في زمن الطوسي والمتقدّمين حتّى يشكل عليهم الكاتب به، بل كان لهم منهج خاص ساعد عليه العصر الزمني الذي عاشوه آنذاك، والعجيب أنّ الكاتب قد اعترف بالحدوث المتأخّر لهذا التقسيم الرباعي ولكنّه نسى واتهم الشيخ الطوسي بعدم العمل به.
____________
(1) أحمد الكاتب، تطوّر الفكر السياسي: ص 205.
(2) أحمد الكاتب، تطوّر الفكر السياسي: ص 209.
وهذا الاصطلاح لم يكن معروفاً بين قدمائنا، بل المتعارف بينهم إطلاق الصحيح على ما اعتضد بما يقتضي اعتمادهم عليه، واقترن بما يوجب الوثوق به والركون إليه، وذلك باُمور:
1 ـ منها وجوده في كثير من الاصول الاربعمائة التي نقلوها عن مشايخهم بطرقهم المتصلة بأصحاب العصمة وكانت متداولة في تلك الاعصار مشتهرة بينهم اشتهار الشمس في رابعة النهار.
2 ـ ومنها تكرره في أصل أو أصلين فيها فصاعداً بطرق مختلفة وأسانيد عديدة معتبرة.
3 ـ وجوده في أصل معروف الانتساب إلى أحد الجماعة الذين أجمعوا على تصديقهم، كزرارة ومحمّد بن مسلم.... إلخ.
4 ـ اندراجه في أحد الكتب التي عُرضت على الائمّة فأثنوا على مصنّفيها، ككتاب عبيدالله بن علي الحلبي الذي عرضه على الصادق (عليه السلام).... إلخ.
5 ـ كونه مأخوذاً من الكتب التي شاع بين السلف الوثوق بها والاعتماد عليها(1).
إذن، هناك قرائن اُخرى غير القرائن الداخليّة للخبر، كوثاقة الراوي وما شابه ذلك، وهي القرائن الخارجيّة كما ذكرنا سابقاً، تبتني على اُسس موضوعيّة ومنهجيّة علميّة في قبول الحديث ورفضه، هذه القرائن بموجبها يتم الوثوق بصدور الخبر من المعصوم، وفرقٌ بين الوثوق بصدور الخبر من المعصوم وبين كون رواة الخبر كلّهم ثقات.
فالمنهج القديم هو الاعتماد على القرائن الداخليّة والخارجيّة للخبر، ولكن بعد تقادم الزمان فقدت الكثير من القرائن الخارجيّة وأصبح الاعتماد فقط على القرائن الداخليّة من قبل علماء الشيعة احتياطاً منهم من الاحاديث الضعيفة التي يصعب تمييزها، وبدأ العمل بهذا المنهج من زمن العلاّمة الحلّي وشيخه ابن طاووس (ت 673
____________
(1) وسائل الشيعة: ج 20، ص 65 ـ 66.
أحمد الكاتب يتهم علماء الشيعة بما لم يفعلوه
نتيجة لكثرة التزوير والقطع والتحريف الذي اتبعه الكاتب في منهاجه، ونتيجة لعدم الاطلاع الكافي على التراث الشيعي اتهمهم بإهمال قضيّة الامام المهدي التي تعتبر من مسلّمات الفكر الاسلامي (السنّي والشيعي)، فقال بعدم (وجود قضيّة مهملة أو معرض عنها في التراث الشيعي كقضيّة وجود الامام المهدي)(1).
وهذا الشعار الاعلامي الذي لم يستند الكاتب فيه إلى أي مصدر موثوق، لم يكن جديداً عليه، فلقد أنكر على الفكر الشيعي القول بالامامة الالهيّة، وأنكر على الفكر السنّي حصر الخلفاء في اثني عشر وهو ما صرّح به البخاري ومسلم، وغير ذلك من المسلّمات، وسنوقف الكاتب على بعض كتابات الشيعة وعلمائها حول قضيّة الامام المهدي وغيبته إلى يومنا هذا، حيث ألّف اُولئك المدافعون عن الاسلام كتباً مستقلّة في هذا الموضوع، وصل بعضها إلينا ونالت يد التخريب والتشويه للاسلام بعضها الاخر، فقد ألّف ابراهيم بن صالح الانماطي الذي روى عن أبي الحسن (عليه السلام) (2) كتاباً باسم الغيبة كما يقول الشيخ الطوسي(3)، وألّف الحسن بن محمّد بن سماعة الكوفي (ت 263 هـ) كتاباً باسم الغيبة(4)، وكتب إبراهيم بن اسحاق أبو إسحاق الاحمري النهاوندي الذي كان حيّاً سنة (269 هـ) كتاباً باسم الغيبة(5)، وكتب محمّد بن أحمد ابن الجنيد
____________
(1) أحمد الكاتب، تطوّر الفكر السياسي: ص 209.
(2) رجال النجاشي: ص 24، رقم 37.
(3) الفهرست للطوسي: ص 39، رقم 9.
(4) الفهرست للطوسي: ص 34، رقم 2.
(5) الفهرست للطوسي: ص 39، رقم 9.
أضف إلى الابواب الكثيرة والمتناثرة في كتب القدماء والمتأخّرين والمسماة (أبواب الغيبة)، كلّ هذه الكتب اُلّفت للاستدلال، ونقل الروايات وتمحيصها وردّ الشبهات المثارة ضد الامام المنتظر، سواء كانت حول ولادته أو غيبته، فهذا التراث العظيم من الكتب والمؤلّفات أنكره الكاتب بشعار واحد (إنّ قصّة الامام المهدي مهملة).
أضف إلى ذلك، كتب اُخرى حملت أسماء اُخرى كرّست لاثبات الغيبة، مثل كمال الدين للشيخ الصدوق وغيرها.
الكاتب يكذب على السيّد المرتضى
قال الكاتب: (وإذا كان حديث الغدير يعتبر أوضح وأقوى نصّ من النبي بحق أمير المؤمنين، فإنّ بعض علماء الشيعة الاماميّة الاقدمين كالشريف المرتضى يعتبره نصّاً خفيّاً غير واضح بالخلافة)(6).
والعجيب من هذا الكلام أنّه كذب صريح لا يحتمل التأويل والحمل، ونحن نعرف أنّ اُولئك الذين يكذبون عادة يكذبون بأمر يخفى على القارئ ولا يستطيع كشفه
____________
(1) الفهرست للطوسي: ص 209، رقم 601.
(2) الفهرست للطوسي: ص 223، رقم 626.
(3) الفهرست للطوسي: ص 237 ـ 238، رقم 710.
(4) الغيبة للشيخ الطوسي: كتاب مستقل.
(5) الغيبة للشيخ النعماني: كتاب مستقل.
(6) أحمد الكاتب، تطور الفكر السياسي: ص 22.