الصفحة 198
وبالرغم من كلّ هذه النصوص الواردة بحق الصادق (عليه السلام)، وما قام به الصادق من دور في تركيز لهذه النظريّة، قال أحمد الكاتب: (لا توجد في التراث الشيعي أحاديث كثيرة عن موضوع النص عليه ـ الامام الصادق ـ أو الوصيّة له من أبيه في الامامة، ماعدا رواية تتحدّث عن وصيّة عاديّة جداً)(1).

وحتّى هذه الرواية التي لم يفهم الكاتب مغزاها، كانت تحمل بين طيّاتها الوصيّة والنص على الامام الصادق (عليه السلام)، وإليك نصّ الرواية:

عن أبي عبدالله قال: "إنّ أبي (عليه السلام) استودعني ما هناك، فلمّا حضرته الوفاة قال: ادعُ لي شهوداً، فدعوت له أربعة من قريش فيهم نافع مولى عبدالله بن عمر، فقال: اكتب: هذا ما أوصى به يعقوب بنيه (يَا بَنِىَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفَى لَكُمُ الْدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، وأوصى محمّد بن علي إلى جعفر بن محمّد، وأمره أن يكفّنه في بُرده الذي كان يصلّي فيه الجمعة، وأن يعممه بعمامته وأن يربع قبره ويرفعه أربع أصابع... قال للشهود انصرفوا رحمكم الله، فقلت له: يا أبت ـ بعدما انصرفوا ـ ما كان في هذا بأن تشهد عليه؟ فقال: يابني، كرهت أن تُغلب وأن يقال: إنّه لم يُوصَ إليه، فأردت أن تكون لك الحجّة"(2).

فأراد الامام الباقر (عليه السلام) أن يثبت عنوان الوصيّة للصادق فقط أمام هؤلاء، ويكون وصي أبيه.

وهناك روايات كثيرة نقلنا بعضها دلّت على أنّ الباقر نصّب الصادق (عليه السلام) إماماً للمسلمين، فالنتيجة النهائيّة أنّه وصي أبيه أمام هؤلاء، وإماماً للمسلمين عند أصحابه وأنصاره، ولهذا قال الامام الباقر له في ذيل هذه الرواية: "فأردت أن تكون لك الحجّة".

فعنوان الوصيّة هو الحجّة، والغريب أنّ أحمد الكاتب قال بعد أسطر: (إنّ الامام الصادق نافس عمّه زيداً اعتماداً على موضوع الوصيّة من أبيه)(3).

____________

(1) أحمد الكاتب، تطوّر الفكر السياسي: ص 39.

(2) الكافي: ج 1، ص 368 باب الاشارة والنص على أبي عبدالله جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام).

(3) أحمد الكاتب، تطوّر الفكر السياسي: ص 39.


الصفحة 199
فإذا كانت الوصيّة عاديّة فكيف يعتمد عليها الامام الصادق (عليه السلام) في موضوع المنافسة المزعومة؟ فاضطرب الكاتب في الكلام، ووجد أنّ مسألة النص من المسائل المركوزة في جلسات الائمّة ونقاشاتهم، فراح يبحث عن وسيلة اُخرى، فقال: (وتشير بعض الروايات التي ينقلها الصفّار والكليني والمفيد عن الامام الصادق أنّه كان يخوض معركة الامامة مع منافسة عمّه زيد...)، إلخ.

والمتابع للرواية التاريخيّة يجد أنّ زيداً قد اعترف بإمامة جعفر ولم ينافسه، وقال بحقّ الامام الصادق (عليه السلام):(جعفر إمامنا في الحلال والحرام)(1).

وكان الامام الصادق (عليه السلام) في طليعة المدافعين عن زيد الشهيد بقوله: "فإنّ زيداً كان عالماً وكان صدوقاً، ولم يدعكم إلى نفسه، إنّما دعاكم إلى الرضا من آل محمّد (عليهم السلام)، ولو ظهر لوفى بما دعاكم إليه"(2).

فقول زيد بحقّ جعفر (عليه السلام)، وقول الصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام) بحقّ زيد، ينفي موضوع المنافسة التي خلقها أحمد الكاتب.

وعندما أفلس أحمد الكاتب من إيجاد صراع بين زيد وعمّه الصادق (عليه السلام) حول الامامة، راح يقلّب دفاتره حول موضوع جديد، ألا وهو امتلاك سلاح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال: (ويظهر من بعض الروايات التي يذكرها الصفّار والمفيد أنّ موضوع السلاح كان في تلك الفترة أهم موضوع حاسم في معركة الامامة بين محمّد بن عبدالله بن الحسن وبين الصادق)(3).

وهذا الاستظهار لا مجال لتصديقه، ونشأ لدى الكاتب نتيجة لعدم فهم مناهج المحدّثين، أمثال الصفّار والمفيد، فهم يقسّمون كتبهم إلى أبواب أو أجزاء أو فصول، وفي كلّ واحد من تلك الاجزاء أو الفصول يحمل جهة من الجهات التي اختصّ بها الائمّة (عليهم السلام)، فذهب أحمد الكاتب إلى الفصول والاجزاء التي تحدّثت عن امتلاك

____________

(1) رجال الكشي: ترجمة سليمان بن خالد، ص 361، رقم 668.

(2) روضة الكافي: ص 180، ح 381; معجم رجال الحديث: ج 7، ص 346.

(3) أحمد الكاتب، تطوّر الفكر السياسي: ص 40.


الصفحة 200
الائمّة (عليهم السلام) لسلاح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وترك في نفس تلك الكتب الابواب التي تتحدّث عن النصّ والوصيّة، ومن أراد الاطّلاع على ذلك فمبجرّد مطالعة الفهارس لكتب اُولئك الاعلام يتضّح له ما نقول.

وبعد أن يئِس الكاتب من كلّ ما تقدّم، عاد وكما عوّدنا إلى التزوير وتقطيع الروايات، عاد إلى الامام الصادق (عليه السلام) نفسه، وقال: (لم يكن الامام الصادق يطرح نفسه كإمام مفترض الطاعة من الله، وإنّما كزعيم من زعماء أهل البيت، ولذلك فقد استنكر قول بعض الشيعة في الكوفة: إنّه إمام مفترض الطاعة من الله. وهذا ما تقوله نفس الرواية السابقة الواردة على لسان سعيد السمّان وسليمان بن خالد: أنّ الامام الصادق كان جالساً في سقيفة له إذ استأذن عليه اُناس من أهل الكوفة، فأذِن لهم، فدخلوا عليه فقالوا: يا أبا عبدالله، إنّ اُناساً يأتوننا يزعمون أنّ فيكم أهل البيت إماماً مفترض الطاعة؟.... فقال: "لا، ما أعرف ذلك في أهل بيتي"، قالوا: يا أبا عبدالله، إنّهم أصحاب تشمير وأصحاب خلوة وأصحاب ورع، وهم يزعمون أنّك أنت هو؟... فقال: "هم أعلم، وما قالوا، ما أمرتهم بهذا"(1). واكتفى الكاتب بهذه الكلمات ولم يكمل الرواية التي تقول:

فخرجوا، فقال لي: "يا سليمان ـ الامام قال لاحد أصحابه ـ من هؤلاء"؟ قلت: الناس من العجليّة ـ وهم الضعفاء من الزيديّة، فسمّوا العجليّة لانّهم أصحاب هارون ابن سعيد العجلي ـ قال الامام: "عليهم لعنة الله..."(2).

فلنسأل أحمد الكاتب: لماذا قال: "عليهم لعنة الله"؟ فتفسير هذه الكلمة يوضّح معنى قول الامام (عليه السلام): "ما أعرف ذلك في أهل بيتي"، هذا أوّلاً.

وثانياً: إنّ الامام الصادق (عليه السلام) لا تأخذه في الله لومة لائم، فعندما يجد شخصاً أدخل في الدين ما ليس فيه يلعنه على رؤوس الاشهاد، وهذا ما حصل مع المغيرة بن سعيد، حيث قال الامام الصادق (عليه السلام) بحقّه: "لعن الله المغيرة بن سعيد"(3)، وكذلك قال

____________

(1) أحمد الكاتب، تطوّر الفكر السياسي: ص 41.

(2) بصائر الدرجات: ص 176.

(3) معجم رجال الحديث: ج 18، ص 275، رقم 12558.


الصفحة 201
بحقّ محمّد بن عبدالله بن الحسن الذي ادّعى أنّه المهدي، قال: "كذب عدو الله، بل هو ابني"(1).

بينما في هذه الرواية نجد الامام الصادق (عليه السلام) لم يكذّب القوم بدعواهم أنّه إمام مفترض الطاعة، بل قال: "هم أعلم وما قالوا"، ولم يكذّبهم ولم يلعنهم، فمفردات الرواية وأجوبة الامام (عليه السلام) تعطي للرواية فهماً واضحاً، ولكنّ الكاتب جرّد الرواية من جوّها الحقيقي، وقطع منها ما يعترض طريقه، فشوّش ذهن القارئ بما قال.

وبعد فشل أحمد الكاتب من كلّ ما تقدّم عاد ليتّهم الامام الصادق (عليه السلام) بعدم اتّصافه بميّزة إلهيّة، فقال: (ونتيجة لعدم تمتّع الامام الصادق بميّزة إلهيّة خاصّة، وعدم معرفة الشيعة في ذلك الزمان بأي نص إلهي حول الامامة، فقد نمت الحركة الزيديّة بقيادة زيد بن علي الذي فجّر الثورة في الكوفة عام 122 هـ)(2).

ولا ندري كيف لا يتمتع الامام الصادق (عليه السلام) بميزة إلهيّة وهو يقول: "إنّ سليمان ورث داود، وإنّ محمّداً ورث سليمان، وإنّا ورثنا محمّداً، وإنّ عندنا علم التوراة والانجيل والزبور وتبيان ما في الالواح"(3).

ولم نجد مَنْ وقف أمام الامام واستنكر قوله هذا، بل لم نجد في التاريخ مطلقاً من وقف بوجه أحد الائمّة وردّ عليهم ما يقولون، وكم قال الائمّة من أقوال ومن صفات نسبوها لانفسهم، ونتحدّى الكاتب أن يجد نصّاً واحداً يثبت مواجهة نفر من الاُمّة الاسلاميّة لما يقوله الائمّة، فكلّ ذلك ألا يعتبر ميزة إلهيّة لهؤلاء الاشخاص. ومن تصفّح كتب الاماميّة يجد مميّزات إلهيّة وليس ميّزة واحدة، ثمّ كيف لا تعرف الشيعة أي نص حول الامامة، وقد تمسّكوا بعد وفاة كلّ امام بالامام اللاحق، فإذا لم يوجد نص، فلماذا امتنع عن البيعة عمّار وأبو ذر والزبير وغيرهم؟ ولماذا قُتِل علي بن أبي طالب (عليه السلام)؟ ولماذا سمّ الحسن (عليه السلام)؟ ولماذا قُتِل الحسين (عليه السلام)؟ ولماذا كلّ هذه المؤامرات

____________

(1) مقاتل الطالبيين: ص 212.

(2) أحمد الكاتب، تطوّر الفكر السياسي: ص 42.

(3) الكافي: ج 1، ص 282.


الصفحة 202
والدسائس بحقّ الشيعة؟

وأمّا حركة زيد الشهيد فلم تكن حركة قبال الامامة، كى يقول الكاتب: إنّها نمت نتيجة لعدم وجود نص; لانّ زيداً نفسه يقول لابنه يحيى: (الائمّة اثنا عشر، أربعة من الماضين وثمانية من الباقين. فقلت: فسقهم يا أبه، فقال: أمّا الماضون فعلي بن أبي طالب والحسن والحسين وعلي بن الحسين...)، وراح يعد الائمّة، ثمّ لم يكتفِ يحيى بذلك، بل سأله; هل هو أحد هؤلاء أم لا؟ فقال له زيد: (لا، ولكنّي من العترة...)(1).

فحركة زيد حركة مباركة من قبل الائمّة (عليهم السلام)، وإلاّ لما دعا له الامام الصادق (عليه السلام) بقوله: "رحمه الله، أما أنّه كان مؤمناً، وكان عارفاً، وكان عالماً، وكان صدوقاً، أما أنّه لو ظفر لوفى، أما أنّه لو ملك لعرف كيف يضعها"(2).

هذا بالنسبة إلى حركة زيد، أمّا الزيديّة كفرقة نشأت بعد وفاة زيد بن علي، وسرّ نشوئها هو عدم الفهم الحقيقي لثورة زيد، وما كان يريد منها، فاجتهد البعض في تفسير أهداف تلك الثورة والنوايا التي يدعو زيد إليها، فقالوا بأنّ زيداً يدعو إلى نفسه، وقال الشيخ المفيد في هذا المضمار: (واعتقد كثير من الشيعة فيه الامامة، وكان سبب اعتقادهم ذلك فيه خروجه بالسيف يدعو إلى الرضا من آل محمّد، فظنّوا يريد بذلك نفسه، ولم يكن يريدها; لمعرفته باستحقاق أخيه (عليه السلام) للامامة من قبله ووصيّته عند وفاته إلى أبي عبدالله)(3).

ووافق كثير من علماء الشيعة الشيخ المفيد هذا الرأي(4).

ثمّ قال أحمد الكاتب لينقذ موقفه: (وقد بايع محمّد بن عبدالله بن الحسن ذي النفس الزكيّة عامّة الشيعة بمن فيهم العبّاسيّون والسفاح والمنصور)(5).

____________

(1) كفاية الاثر: ص 300.

(2) رجال الكشي: ترجمة السيد بن محمّد الحميري، ص 385، رقم 505.

(3) الارشاد: ج 2، ص 712.

(4) كفاية الاثر: ص 301 ـ 303; بحار الانوار: ج 46، ص 205.

(5) أحمد الكاتب، تطوّر الفكر السياسي: ص 42.


الصفحة 203
وذكر أحمد الكاتب لهذه الدعوى مصادر، أمثال فرق الشيعة للنوبختي، والارشاد للمفيد، ومقاتل الطالبيين للاصفهاني، وبمراجعة بسيطة لهذه المصادر نجد أنّ هذا المعنى غير موجود مطلقاً، بل هو من صياغات الكاتب نفسه لكي يستخرج نتيجة تقول بعدم وضوح الامامة لدى عامّة الشيعة، وكذّبه النوبختي بقوله: (وعندما توفّي أبو جعفر افترقت أصحابه فرقتين، فرقة قالت بإمامة محمّد بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، وأمّا الفرقة الاُخرى من أصحاب أبي جعفر محمّد بن علي (عليه السلام) فنزلت إلى القول بإمامة أبي عبدالله جعفر بن محمّد الصادق).

إذن، فعبارة (إنّ عامّة الشيعة بايعت محمّد بن عبدالله بن الحسن) غير موجودة في فرق الشيعة للنوبختي مطلقاً، بل هي من تزويرات الكاتب الكثيرة، وكيف تبايع الشيعة محمّد بن عبدالله والامام الصادق (عليه السلام) يكذّب دعواه بقوله: "كذب عدو الله"(1).

وقال بحقّه الصادق (عليه السلام): "إنّها والله ما هي إليك ولا إلى ابنيك، ولكنّها لهؤلاء، وإنّ ابنيك لمقتولون"، فتفرّق أهل المجلس ـ الذين اجتمعوا لمبايعة محمّد هذا ـ ولم يجتمعوا بعدها، كما يقول الاصفهاني(2).

فتفرّق القوم عنه لا ينسجم مع مبايعة عامّة الشيعة له كما يقول الكاتب.

إذن، كلّ الغبار الذي أثاره أحمد الكاتب حول إمامة الصادق (عليه السلام) لم يجدِ نفعاً، ونذكّر أحمد الكاتب أنّ أعداء الامام الصادق (عليه السلام) اعترفوا بإمامته، أمثال أبي مسلم الخراساني، حيث عرض الخلافة ابتداءً على الامام الصادق(3)، ورفضها الامام لعلمه بعاقبة الاُمور، وكذلك أبو سلمة طلب من الامام الصادق القدوم لمبايعته(4).

وقد نظم أبو هريرة الابّار صاحب الامام الصادق (عليه السلام) هذه الحادثة شعراً فقال:


ولمّا دعا الداعون مولاي لم يكنليثني إليه عزمه بصوابِ

____________

(1) مقاتل الطالبيين: ص 212.

(2) مقاتل الطالبيين: ص 225.

(3) الامام الصادق والمذاهب الاربعة: ج 1، ص 57.

(4) مروج الذهب: ج3، ص 280; تاريخ اليعقوبي: ج 3، ص 95.


الصفحة 204

ولمّا دعوه بالكتاب أجابهمبحرق الكتاب دون ردّ الجوابِ
وما كان مولاي كمشري ضلالةولا ملساً منها الردى بثوابِ
ولكنّه لله في الارض حجّةدليل إلى خير وحسن مآبِ(1)

فهؤلاء اعترفوا بالامام الصادق (عليه السلام) إماماً وكاتبوه على ذلك.

الامامة عند الصادق (عليه السلام):

ركّز الامام الصادق (عليه السلام) مفهوم الامامة في أذهان أصحابه وأنصاره آنذاك، فقال لاحدهم عندما سأله عن قوله تعالى: (وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِى عَقِبِهِ)، قال (عليه السلام): "يعني بذلك الامامة، جعلها الله في عقب الحسين إلى يوم القيامة".

وحفلت كتب الحديث بأقوال وتوصيات الامام الصادق (عليه السلام) لاصحابه حول مسألة الامامة، وراح يوجّه الاصحاب إلى زيارة قبر جدّه الحسين (عليه السلام)، وأعلمهم بأنّ هناك شرطاً لقبولها، وهو أنّك تعترف بأنّه إمام مفترض الطاعة، فقال الصادق (عليه السلام): "وزيارته ـ زيارة الحسين (عليه السلام) ـ مفترضة على من أقرّ للحسين بالامامة من الله عزّ وجلّ"(2).

وعندما تطرّق الكاتب إلى موقف الامام الصادق (عليه السلام) من الامامة لم يجد بدّاً إلاّ التحريف وقطع الاحاديث حتّى تنفعه في نظريّته، فقال: (إنّ هشام بن سالم الجواليقي كلّم رجلاً بالمدينة من بني مخزوم في الامامة، فقال له الرجل: فمن الامام اليوم؟ فقال له: جعفر ابن محمّد، فتعجّب الرجل، وقال: فوالله لاقولها له، فغمّ لذلك هشام غمّاً شديداً خوفاً من أن يلومه الامام الصادق أو يتبرّأ منه)(3).

فاكتفى الكاتب بذلك، ولم يكمل الرواية لكي يوقع في هشام بن سالم، ولكن الرواية تقول: فأتاه المخزومي فدخل عليه فجرى الحديث، قال: فقال له مقالة هشام، فقال أبو

____________

(1) مناقب ابن شهرآشوب: ج 4، ص 250.

(2) أمالي الصدوق: ص 206، ح 226.

(3) أحمد الكاتب، تطوّر الفكر السياسي: ص 85 ـ 86.


الصفحة 205
عبدالله الصادق: "أفلا نظرت في قوله؟ فنحن لذلك أهل"(1).

كلّ ذلك قطعه الكاتب ولم يبيّنه، فأيّد الامام مقالة هشام، وقال للمخزومي: "نحن لذلك أهل"، وأمّا خوف هشام من طرحه للامامة فيجيب عليه المنصور الذي دسّ الجواسيس في كلّ مكان حتّى وصل به الامر أن يعطيهم أموالاً يحملوها للامام حتّى يوقعه في الفخّ، وهذا ما حدّث به التاريخ(2).

ثمّ راح الكاتب يبحث عن الروايات المرسلة التي تشير إلى عتاب الامام الصادق لهشام بن سالم، وقيس الماصر، ولقد كفانا السيّد الخوئي بحث تلك الروايات، وقال عنها: مرسلة(3).

وعلى فرض صحّتها فالشيعة لا تدعي العصمة لهشام بن سالم، ولا إلى قيس الماصر، ولا إلى أي شخص آخر سوى اثني عشر بنص رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

أضف إلى ذلك أنّ الكاتب أراد أن يستدلّ بكلام الصادق (عليه السلام) لضرب موقف هشام بن سالم وقيس الماصر، لانّهم يقولون بالامامة، والرواية على فرض صحّتها والتي أطلق الامام كلامه على هشام بن سالم وقيس الماصر فيها، تحدّث بها هشام بن الحكم، وأثبت للشامي الامامة، وقال الشامي: فأنا الساعة أشهد أن لا إلـه إلاّ الله، وأنّ محمّداً رسول الله، وأنّك ـ الامام الصادق ـ وصي الاوصياء، ولمّا انتهى ذلك، قال الامام لهشام بن الحكم مؤيّداً مناظرته وشهادة الشامي، قال له: "مثلك فليكلّم الناس". هذا كلّه لم يعترف به الكاتب حتّى يستدلّ ببعض الفقرات لضرب أصحاب الامام.

أضف إلى ذلك أنّ هذا الشامي عندما جاء إلى المناظرة قال له الامام الصادق (عليه السلام): "إنّ الذي عندك وتريد أن تناظرنا به من كلام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أم من عندك"؟ فقال الشامي: من كلام رسول الله بعضه، ومن عندي بعضه، فقال له الامام: "فأنت إذن

____________

(1) رجال الكشي: ترجمة هشام بن سالم، ص 281، رقم 501.

(2) مناقب ابن شهرآشوب: ج 4، ص 239 ـ 240.

(3) معجم رجال الحديث: ج 14، ص 99، رقم 9672.


الصفحة 206
شريك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) "، فقال: لا. قال: "فسمعت الوحي عن الله"؟ قال: لا. قال: "فتجب طاعتك كما تجب طاعة رسول الله"؟ قال: لا. فالتفت الامام إلى أحد أصحابه وقال: "هذا قد خصم نفسه قبل أن يتكلّم"(1).

فالامام جعل وجوب الطاعة من صفات ذلك الشخص الذي يدعي أنّ عنده فرائض وفقهاً وكلاماً وكلّ شيء، وهذا مختص بالائمّة فقط، فهؤلاء فقط تجب طاعتهم، وهذا لا يعترف به الكاتب أيضاً.

كلّ هذا الكلام حذفه الكاتب، وذكر فقط قول الامام الصادق (عليه السلام) في هذه الجلسة، بعد أن تمّت لهشام بن سالم وقيس الماصر، الذي أراد الامام بكلامه أن يوجههم ويعلّمهم كيفيّة النقاش والمحاورة، على فرض صحّة الرواية، ونصحهم بأن يكونوا كهشام بن الحكم الذي لعب في الرواية دور المناظر والمدافع عن الامامة.

ثمّ راح الكاتب يفتّش جعبته عن رواية اُخرى بشرط أن تكون قابلة للتحريف، فذكر رواية يوجّه فيها الامام الصادق (عليه السلام) مؤمن الطاق وجعل منها مورداً من موارد ذم الامام الصادق لهذا الرجل، لانّه تكلّم بالامامة مع أنّ الرواية لم تذكر مورد الحديث، أضف إلى ذلك أنّ السيّد الخوئي قال: (فلا ينبغي الشكّ في عظمة الرجل وجلالته، والروايات المادحة له متظافرة وصحيحة السند)(2)، فكلام السيّد الخوئي هذا اُطلق بعد البحث والتحقيق في حال الرجل الذي يقول عنه الطوسي: (ثقة متكلّماً حاذقاً).

وأخذ الكاتب يتمسّك بتوجيهات الصادق لاصحابه، ومنها قوله إلى مؤمن الطاق: "لا تتكلّم"، فقال مؤمن الطاق للمفضّل بن عمر: أخاف أن لا أصبر(3). ولم تبيّن الرواية أي مورد آخر غير هذا الكلام، فهي توصية من الصادق (عليه السلام) لاصحابه، لانّ الفترة كانت حرجة، كما يقول محمّد أبو زهرة: (ليس هناك من ريب في أنّه كان للتقيّة

____________

(1) الارشاد: ج 2، ص 194 ـ 198.

(2) معجم رجال الحديث: ج 17، ص 39.

(3) أحمد الكاتب، تطوّر الفكر السياسي: ص 86.


الصفحة 207
في عصر الامام الصادق وما جاء بعده وهي كانت مصلحة للشيعة وفيها مصلحة للاسلام لانّها كانت مانعة من الفتن المستمرّة)(1).

وعلى فرض أنّها ذامّة لمؤمن الطاق فهي متعارضة مع كثير من الروايات المتضافرة والمادحة له، ومنها الصحيحة السند كما يقول السيّد الخوئي(2).

وأخيراً، فالرواية ضعيفة السند، لوجود المفضّل بن عمر، وهو مطعون، كما قال السيّد الخوئي(3).

وراح الكاتب يعتمد على تلك الروايات الذامّة للرجل، منها الرواية التي سأل الامام الصادق فضيل بن عثمان عن موقف مؤمن الطاق وقال: "بلغني أنّه جدل..."، إلخ، وهذه الرواية ضعيفة بعلي بن محمّد النعيمي، كما يقول السيّد الخوئي(4).

وعلى فرض صحّتها، فالامام يوجّه مؤمن الطاق في نقاشاته، ولم تقل الشيعة بعصمة مؤمن الطاق، وكلام الاحول في نفسه، يقول السيّد الخوئي: (لا يريد أن يتكلّم بالجدل إلاّ أنّ الحماية عن الدين والعصبيّة له دعته إلى ذلك)(5).

ثمّ راح الكاتب يدمج بين الروايات ليشوّش ذهن القارئ بذمّ رجل مثل أبي بصير، فقال: (ويقول الكشي: إنّ الامام الصادق رفض أن يستقبل أبا بصير، وقال له: "يهلك أصحاب الكلام وينجو المسلمون، إنّ المسلمين هم النجباء"، وقال: "إنّي لاحدّث الرجل الحديث وأنهاه عن الجدال والمراء في دين الله، وأنهاه عن القياس، فيخرج من عندي فيتأوّل حديثي على غير تأويله")(6).

وأراد من ذلك أن يشوّه صورة الرجل الامامي أبي بصير، ونحن هنا نفكّك بين

____________

(1) الامام الصادق: ص 243 ـ 244.

(2) معجم رجال الحديث: ج 17، ص 39.

(3) المصدر نفسه.

(4) المصدر نفسه.

(5) المصدر نفسه.

(6) أحمد الكاتب، تطوّر الفكر السياسي: ص 86 ـ 87.


الصفحة 208
الروايات التي دمجها الكاتب ليتبيّن إلى أي حد تمادى هذا الرجل في كذبه وتزويره.

أمّا الرواية التي تقول: إنّ الامام الصادق (عليه السلام) لم يأذن لابي بصير فهي:

محمّد بن مسعود، قال: حدّثني جبرائيل بن أحمد، قال: حدّثني محمّد بن عيسى، عن يونس، عن حمّاد الناب، قال: جلس أبو بصير على باب أبي عبدالله (عليه السلام) ليطلب الاذن، فلم يؤذن له.

وهذه الرواية ضعيفة لانّ جبرائيل بن أحمد لم يوثّق، فلا يمكن الاعتماد عليها(1).

وأمّا كلمة الامام "يهلك أصحاب الكلام وينجو المسلمون..."، إلخ، التي نسبها الكاتب إلى الكشي ـ كما ذكره سابقاً ـ هذه الكلمة لا توجد في ترجمة أبي بصير عند الكشي، وهناك ثلاث رجال يلقبون بأبي بصير لم يوجد هذا الكلام في واحد منهم كما يقول الكشي، وأسماء الرجال الثلاثة هي: ليث بن البختري، وعبدالله بن محمّد الاسدي، ويحيى بن أبي القاسم، وكلّ منهم يلقّب بأبي بصير.

أمّا كلمة الامام التي دمجها الكاتب وهي "إنّي لاحدّث الرجل الحديث وأنهاه عن الجدال...."، إلخ، والتي جعل منها الكاتب مورد ذم لابي بصير، جاءت عند الكشّي نفسه بهذا الشكل:

"إنّي لاحدّث الرجل الحديث وأنهاه عن الجدال والمراء في دين الله، وأنهاه عن القياس فيخرج من عندي فيتأوّل حديثي على غير تأويله.... إنّ أصحاب أبي كانوا زيناً أحياءً وأمواتاً، أعني زرارة ومحمّد بن مسلم ومنهم ليث بن البختري وبريد العجلي، وهؤلاء القوّامون بالقسط، وهؤلاء السابقون السابقون اُولئك المقرّبون"(2).

وأبو بصير هو ليث بن البختري، الذي جعله الكاتب بدمج الروايات وتحريفها مذموماً، بينما هو عند الصادق (عليه السلام) من القوّامين بالقسط السابقين السابقين ـ كما يقول الكشي ـ وغير مشمول بالحديث الذي نسبه الكاتب إلى الامام الصادق بحق أبي بصير.

____________

(1) معجم رجال الحديث: ج 20، ص 80.

(2) رجال الكشي: ترجمة ليث بن البختري، ص 170، رقم 287.


الصفحة 209
ألا يكفي كلّ هذا الدجل والشعوذة وخلق الفتن داخل الاُمّة الاسلاميّة بعد أن بدأ الحقّ يتضح وبدأت الغيوم تنجلي.

أحمد الكاتب ومسألة البداء


وقبل التعرّض لكلام الكاتب الذي ردّد مقالة السابقين فيه، نقول: إنّ البداء بمعناه المرفوض من الشعارات التي رفعت قديماً وحاضراً لضرب نظريّة الامامة الالهيّة، واستخدم هذا الشعار على مرحلتين:

المرحلة الاولى: رفع لاسقاط مكانة الائمّة (عليهم السلام) عند الناس، وأوّل مَن تصدّى لذلك سليمان بن جرير ـ الذي اعتقد بأنّ الامامة شورى ـ وقال: (إنّ أئمّة الرافضة وضعوا لشيعتهم مقالتين لا يظهرون معها من أئمّتهم على كذب أبداً، وهما القول بالبداء وإجازة التقيّة)(1).

ومقالة هذا الكذّاب واضحة الهدف، وهو تحجيم دور الائمّة (عليهم السلام) داخل المجتمع من خلال الاتهامات والظنون التي تصدّى لها أئمّة أهل البيت لكشف زيفها وبيان أهدافها، فقال الامام الصادق (عليه السلام): "مابدا لله في شيء إلاّ كان في علمه قبل أن يبدو له"(2).

وقال أيضاً: "إنّ الله لم يُبدَ له من جهل"(3).

وحاربوا اُولئك القائلين بالبداء الذي ينسب الجهل إلى الله تعالى، فلقد سأل منصور بن حازم الامام الصادق (عليه السلام): هل يكون اليوم شيء لم يكن في علم الله بالامس؟ قال (عليه السلام): "لا، من قال هذا فأخزاه الله"(4).

وبهذه المواجهة الصريحة لرد الشبهات فشلت كلّ مخططات اُولئك لتحجيم دور

____________

(1) فرق الشيعة: ص 76.

(2) الكافي: ج 1، ص 202، باب 24 باب البداء.

(3) المصدر نفسه.

(4) المصدر نفسه.


الصفحة 210
الامام في الامّة، والقضاء على الامامة الالهيّة.

المرحلة الثانية: وبعد فشل تلك النسبة إلى الائمّة توجّه اُولئك المنحرفون إلى الشيعة ليغيّروا الهجمة ويبدّلوا طرف المواجهة، فجعلوا طرفهم الجديد هم أصحاب الائمّة، وهكذا بدأت الهجمة على الشيعة بعدما فشلت على الائمّة أوّلاً، وانبرى علماء الشيعة لمواجهة ذلك بفتاوى وأقوال صريحة.

فقال الشيخ المفيد: (إنّ الله تعالى عالم بكلّ ما يكون قبل كونه، وأنّه لا حادث إلاّ وقد علمه قبل حدوثه، ولا معلوم وممكن أن يكون معلوماً إلاّ وهو عالم بحقيقته، وأنّه سبحانه لا يخفى عليه شيء في الارض ولا في السماء، وبهذا اقتضت دلائل العقول والكتاب المسطور والاخبار المتواترة من آل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو مذهب جميع الاماميّة)(1).

وقال الشيخ الطوسي: (إنّ الله تعالى عالم، بمعنى أنّ الاشياء واضحة له حاضرة عنده، غير غائبة عنه، بدليل أنّه فعل الافعال المحكمة المتقنة، وكلّ من كان كذلك فهو عالم بالضرورة)(2).

وهكذا قال السيّد المرتضى والعلاّمة والحلّي وغيرهم(3).

فسدّ علماء الشيعة باب حجّة المنحرفين بأنّ الشيعة تنسب الجهل إلى الله تعالى بذريعة البداء، وجاء الكاتب في القرن العشرين، وبلا بحث وتحقيق، ليجعل من البداء مشكلة تعيشها الشيعة(4).

ونبع هذا الكلام من جهل تام بمعنى البداء في الفكر الاسلامي، وليس الشيعي فحسب، والدليل على ذلك، أنّه جاء في صحيح البخاري عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "إنّ ثلاثة في بني إسرائيل أبرص وأقرع وأعمى، بدا لله أن يبتليهم، فبعث إليهم ملكاً، فأتى

____________

(1) أوائل المقالات: ص 54 ـ 55.

(2) الرسائل العشر: ص 94، المسألة السادسة.

(3) الذريعة: ج 1، ص 128; كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد: ص 310.

(4) أحمد الكاتب، تطوّر الفكر السياسي: ص 106.


الصفحة 211
الابرص فقال: أي شيء أحبّ إليك؟ قال: لون حسن وجلد حسن، قد قذَّرني الناس، قال: فمسحه فذهب عنه فاُعطي لوناً حسناً وجلداً حسناً، فقال: أي المال أحبّ إليك، قال: الابل، فاُعطي ناقة عشراء.... وهكذا فعل مع الاقرع والاعمى، وأغناهم الله، وبعد مدّة أتاهم ذلك الملك بصورة رجل مسكين، فطلب منهم، فلم يعطه الاقرع والابرص، وأعطاه الاعمى، فقال الملك للاعمى: أمسك مالك، فإنّما ابتُليتم، فقد رضي الله عنك وسخط على صاحبيك"(1).

وعلّق ابن الاثير على هذا الحديث فقال: (وفي حديث الاقرع والابرص والاعمى: بدا لله عزّ وجلّ أن يبتليهم، أي قضى بذلك، وهو معنى البداء هاهنا)(2).

فعبارة (بدا لله) نقلها البخاري وابن الاثير، وهؤلاء لم يكونوا شيعة، فالفكر الاسلامي يقول بالبداء بالمعنى الجائز إطلاقه على الله، لا بالمعنى الذي رفع لضرب الائمّة (عليهم السلام) أوّلاً، والشيعة ثانياً، وهو نسبة الجهل إلى الله.

فجهل الكاتب وأمثاله بالمعنى المسموح وشنّع على الشيعة قولهم بالبداء المرفوض الذي ردّه الشيخ الطوسي قبل مئات السنين بقوله: (فأمّا إذا اُضيفت هذه اللفظة ـ أي البداء ـ إلى الله تعالى، فمنه ما يجوز إطلاقه عليه ومنه ما لا يجوز، فأمّا الذي يجوز من ذلك فهو ما أفاد النسخ بعينه، ويكون اطلاق ذلك عليه على ضرب من التوسّع، وعلى هذا الوجه يحمل جميع ما ورد عن الصادقين (عليهم السلام) من الاخبار المتضمّنة لاضفاء البداء لله تعالى دون ما لا يجوز عليه من حصول العلم بعد أن لم يكن، ويكون إطلاق ذلك فيه تعالى والتشبيه هو أنّه إذا كان ما يدلّ على النسخ يظهر به للمكلّفين ما لم يكن ظاهراً لهم، ويحصل لهم العلم به بعد أن لم يكن حاصلاً لهم اُطلق على ذلك لفظ البداء)(3).

إذن، فالبداء عند الشيعة ليس كما تصوّره سليمان بن جرير وأتباعه، ومن يقول

____________

(1) صحيح البخاري: كتاب الانبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل، ح 3277.

(2) النهاية في غريب الحديث: ج 1، ص 109.

(3) عدّة الاصول: ج 2، ص 29، الطبعة الحجريّة.


الصفحة 212
بهذا المعنى فهو كافر عندهم وأفتوا بذلك.

قال الشيخ الصدوق: (وعندنا من زعم أنّ الله عزّ وجلّ يبدو له اليوم في شيء لم يعلمه أمس، فهو كافر والبراءة منه واجبة)(1).

وقال الشيخ الطوسي: (فأمّا من قال بأنّ الله تعالى لا يعلم بشيء إلاّ بعد كونه، فقد كفر وخرج عن التوحيد)(2).

وهكذا سار علماء الشيعة بالافتاء بكفر من قال بهذا المعنى، يقول السيّد محسن الامين: وقد أجمع علماء الشيعة في كلّ عصر وزمان على أنّه بهذا المعنى باطل ومحال على الله، لانّه يوجب نسبة الجهل إليه تعالى، وهو منزّه عن ذلك تنزيهه عن جميع القبائح(3).

فنبذ الكاتب كل تلك الاقوال الشيعيّة والفتاوى من علمائهم ومفكريهم، ونسب البداء إلى الشيعة بالمعاني المرفوضة لديهم، وجعله مشكلة عند الشيعة(4).

أمّا لماذا قال الكاتب بذلك، فإنّه سيتبيّن بعد هذا البحث.

ما بدا لله في شيء كما بدا له في إسماعيل ابني


لم يستطع الكاتب أن يوفّق بين أمرين عندما اطّلع على قول الصادق (عليه السلام) أعلاه:

الامر الاوّل: هو قول الامام الصادق (عليه السلام): "ما بدا لله في شيء كما بدا له في إسماعيل ابني".

الامر الثاني: إذا كانت الامامة من الله تعالى وأنّ الائمّة معروفون معلومون من زمان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلماذا قال الصادق (عليه السلام) هذا الكلام؟

وبعبارة اُخرى: إنّ الكاتب أغمض عينيه عن المعنى الحقيقي لقول الامام

____________

(1) كمال الدين: ص 69.

(2) الغيبة للطوسي: ص 264.

(3) نقض الوشيعة: ص 515.

(4) أحمد الكاتب، تطوّر الفكر السياسي: ص 106.