الصفحة 275
العلويين، ووضع لذلك عنواناً بارزاً ليصادر تلك الدماء بكلمات برّاقة.

المبحث الثاني عشر: الامام المهدي المنتظر (عج)


ما معنى المهدي؟:

هذا اللقب حمل بين طيّاته معنيين:

المعنى الاوّل: أنّه لقب لكلّ من يهدي إلى الله تعالى.

المعنى الثاني: ذلك الرجل الثائر الذي يملا الارض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.

ومصاديق المعنى الاوّل تشمل الثاني، بخلاف العكس لانّ الاوّل لقب لكلّ من يحمل مشعل الهداية إلى الله تعالى، ولقب المهدي بكلا قسميه تحدّث عنه الباقر (عليه السلام) عندما نسب لنفسه أنّه المهدي بالمعنى الاوّل، ونفى عنها أنّه المهدي الثائر الذي يملا الارض قسطاً وعدلاً صاحب السيف.

يقول الحكم بن أبي نعيم: سألت الباقر (عليه السلام)، أنت المهدي؟

فأجابه الباقر (عليه السلام): "كلّنا يهدي إلى الله".

ولم يكتفِ السائل بهذا الجواب العام، لانّ المركوز في ذهنه أنّ المهدي هو صاحب السيف الذي يملا الارض قسطاً وعدلاً، فأعاد السؤال على الباقر (عليه السلام):

أنت الذي تقتل أعداء الله؟

هنا حدّد السائل مراده من المهدي، ولكنّ الامام (عليه السلام) أجابه:

"يا حكم، كيف أكون أنا وقد بلغت خمساً وأربعين سنة؟ وإنّ صاحب هذا الامر أقرب عهداً باللبن منّي وأخف على ظهر الدابّة"(1).

إذن، ميّز الباقر (عليه السلام) بين المهدي الهادي إلى الله، والمهدي الذي يملا الارض قسطاً وعدلاً، فاشتبه الكاتب في التمييز هذا، ولم يستطع اكتشافه، وراح يشنّع على الائمّة

____________

(1) الكافي: ج 1، ص 601 ـ 602، باب 128، ح 1.


الصفحة 276
وبالخصوص الامام الباقر (عليه السلام) بأنّ هويّة المهدي غامضة لديهم(1).

وما أدري كيف تكون هويّة المهدي غامضة عند الباقر (عليه السلام) والشيخ الصدوق نقل باباً كاملاً احتوى على (17) حديثاً تحت عنوان "ما أخبر به أبو جعفر بن محمّد ابن علي الباقر (عليهما السلام) من وقوع الغيبة بالقائم (عليه السلام) وأنّه الثاني عشر من الائمّة"، كلّ ذلك ذكره في كمال الدين(2).

وكيف تكون غامضة لديه وهو يقول بحقّه: "انظروا من تخفى على الناس ولادته فهو صاحبكم"(3).

وكيف تكون غامضة لديه وهو يرفض أن يكون هو المهدي الذي يملا الارض قسطاً وعدلاً كما أجاب الحكم بن أبي نعيم بقوله:

كيف أكون أنا وقد بلغت خمساً وأربعين سنة(4)؟

ولمّا يئس الكاتب من إيجاد ثغرة عند الباقر (عليه السلام) انتقل إلى ولده الصادق (عليه السلام)، ونسب له غموض هويّة المهدي لديه(5)، ونقل حديثاً عن الامام الصادق (عليه السلام)، عندما سأله أحد أصحابه مرّة، أنت صاحب هذا الامر، فقال: "لا". قال: من هو؟ قال: "الذي يملاها عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً على فترة من الائمّة".

وأقصى ما يدلّ عليه هذا الحديث أنّ الامام الصادق (عليه السلام) رفض نسبة المهدي بالمعنى الثاني لديه، ووصفه بأنّه ذلك الرجل الذي يملا الارض قسطاً وعدلاً.

ولا يدلّ الحديث على غموض هويّة المهدي عند الصادق أبداً، فهو تحميل قسري لمعنى الحديث، لاثبات مدّعى سابق لا دليل عليه، سوى التأويلات القسريّة والتحميل المرفوض.

____________

(1) أحمد الكاتب، تطوّر الفكر السياسي: ص 177 ـ 178.

(2) كمال الدين: ص 304 ـ 311، باب 32.

(3) كمال الدين: ص 304 ـ 305، باب 32، ح 3.

(4) الكافي: ج 1، ص 601 ـ 602، باب 128، ح 1.

(5) أحمد الكاتب، تطوّر الفكر السياسي: ص 179.


الصفحة 277
وكذلك فعل الرضا (عليه السلام)، فلقد أكّد لايّوب بن نوح عندما قال له: انّي أرجو أن تكون صاحب هذا الامر... رفض الرضا هذا المعنى(1).

والسرّ الذي أدّى إلى تبادر المعنى الثاني عند أصحاب الائمّة من لقب المهدي هو الضغط السياسي الذي كانوا يتعرّضون له في كلّ فترة ابتداءً من وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وإلى يومنا هذا، ولهذا نسب بهذا المعنى إلى كثير من الائمّة (عليهم السلام) كعلي بن أبي طالب(2)مثلاً، وإلى غير الائمّة كأبنائهم مثل محمّد بن الحنفيّة(3)، وإلى عبدالله بن محمّد بن الحنفيّة(4)، وإلى الطيّار عبدالله بن معاوية(5) وغيرهم.

فهؤلاء وغيرهم اُلصقت بهم صفة المهدي بمعناه الثاني، لكن لم يشهد لنا التاريخ أي تصريح لهم بذلك، بل رفضوا ذلك المعنى وأكّدوا أنّهم هداة إلى الله تعالى فقط.

فلم يستطع الكاتب الاطلاع على التراث لكي يميّز بين هذين المعنيين جيّداً، فنسب غموض الهويّة للائمّة (عليهم السلام) ولشيعتهم.

مهدويّة محمّد بن الحنفيّة:

يقول الذهبي: (عن الاسود بن قيس، قال: لقيت رجلاً من عنزة، فقال: انتهيت إلى ابن الحنفيّة، فقلت: السلام عليك يا مهدي، قال: وعليك السلام، قلت: إنّ لي حاجة، فلمّا قام دخلت معه، فقلت: مازال بنا الشين في حبّكم حتّى ضربت عليه الاعناق، وشرّدنا في البلاد، واُوذينا، ولقد كانت تبلغنا عنك أحاديث من وراء، فأحببت أن اُشافهك، فقال: إيّاكم وهذه الاحاديث، وعليكم بكتاب الله، فإنّه به هُدي أوّلكم، وبه يهدى آخركم، ولئن اُوذيتم لقد اُوذي من كان

____________

(1) الكافي: ج 1، ص 402 ـ 403، باب 8، ح 325; كمال الدين: ص 345، باب 35، ح 1.

(2) المقالات والفرق: ص 19 ـ 20.

(3) فرق الشيعة: ص 44; المقالات والفرق: ص 26.

(4) فرق الشيعة: ص 48.

(5) فرق الشيعة: ص 52; المقالات والفرق: ص 44.


الصفحة 278
خيراً منكم، ولامر آل محمّد أبين من طلوع الشمس)(1).

لقد طالعتنا هذه الرواية بمبادئ متعدّدة:

أحدها: أنّ محمّد بن الحنفيّة يقال له المهدي.

ثانيها: نهي الشيعة عن الاحاديث الواردة بحقّ محمّد بن الحنفيّة.

ثالثها: أنّ آل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقيادتهم وإمامتهم أبين من طلوع الشمس، كما يقول ابن الحنفيّة.

ويجب علينا في هذا المجال أن نعرف المعنى الاساسي لكلمة المهدي التي تطلق على محمّد بن الحنفيّة; لانّ المهدي في الفكر الاسلامي: هو ذلك الرجل الذي يملا الارض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، حيث قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "لا تقوم الساعة حتّى تمتلئ الارض ظلماً وعدواناً، ثمّ يخرج رجل من عتري أو من أهل بيتي ـ الترديد من الراوي ـ يملؤها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وعدواناً"(2).

والحديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، كما قال ذلك الحاكم(3).

إذن، الفكر الاسلامي يحمل معنى لكلمة المهدي، فهل هذا المعنى هو نفس المعنى المراد من إطلاق كلمة المهدي على محمّد بن الحنفيّة أم لا؟

وأفضل طريق لمعرفة ذلك هو ما صرّح به محمّد بن الحنفيّة نفسه، فقال: (أجل، أنا مهدي أهدي إلى الرشد والخير، واسمي محمّد، قولوا سلام عليك يا محمّد، أو يا أبا القاسم)(4).

إذن، لم يكن المهدي بمعناه المرتكز لدى الفكر الاسلامي هو نفس المعنى الذي يطلق على محمّد بن الحنفيّة، ومن هذا نفهم معنى كلام محمّد بن الحنفيّة عندما قال:

____________

(1) سير أعلام النبلاء: ج 14، ص 122.

(2) مسند أحمد: ج 3، ح 10920; صحيح ابن حبان: ج 15، ص 236، ح 6223; المستدرك على الصحيحين: ج 4، ص 601، ح 8674.

(3) ابراز الوهم المكنون: ص 515.

(4) سير أعلام النبلاء: ج 4، ص 123.


الصفحة 279
(أمر آل محمّد مستأخر)(1).

فمهدويّة محمّد بن الحنفيّة بمعنى أنّه راشد إلى الخير، وراشد إلى طريق الحق، أمّا المهدي المنتظر في الفكر الاسلامي فهو الذي يهدي إلى أمر قد خفي(2).

ولهذا بشّر ابن الحنفيّة بالمهدي، وقال ناقلاً الرواية عن أبيه علي (عليه السلام)، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "المهدي منّا أهل البيت، يصلحه الله في ليلة"(3).

فما نسبه الكاتب إلى محمّد بن الحنفيّة ومهدويّته كلام خال من البحث والتحقيق.

هويّة المهدي عند رسول الله وأهل بيته (عليهم السلام):

لقب المهدي كان أملاً يحلّق فوق رأس كلّ من له طموح سياسي لقيادة الدولة، لما لهذا اللقب من مواصفات حصل عليها من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأهل بيته من بعده، فهو يحمل شرعيّة القيام والثورة، ويُقنع الناس لما هو مركوز في أذهانهم بالالتفاف حول حامله، وحتّى لا يستغلّ هذا اللقب في الاسلام من قبل الانتهازيين الذين يحرّفون المداليل اللفظيّة، حدّد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نسب هذا الشخص بتحديدات ضيّقت على المتصيّدين بالماء العكر فرصة استغلاله.

فلقد ذكر ابن ماجة والحاكم والسيوطي والطوسي وغيرهم أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حدّد نسب المهدي ومنبعه بأنّه من ولد عبدالمطلب حين قال (صلى الله عليه وآله وسلم): "نحن ولد عبدالمطلب سادة أهل الجنّة أنا وحمزة وعلي وجعفر والحسن والحسين والمهدي"(4).

وبما أنّ ولد عبدالمطلّب كثيرون، ومن أي ولد عبدالمطلب يكون المهدي، وما اسمه؟ كلّ ذلك أجاب عنه قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "لا تنقضي الايّام ولا يذهب الامر حتّى يملك

____________

(1) سير أعلام النبلاء: ج 4، ص 125.

(2) البرهان: ص 157، باب 8، رقم 10.

(3) حيلة الاولياء: ج 3، ص 177.

(4) سنن ابن ماجه: ج 2، ص 1368، رقم 4087، باب خروج المهدي; مستدرك الحاكم: ج 3، ص 233; الغيبة للطوسي: ص 113.


الصفحة 280
العرب رجل من أهل بيتي اسمه يواطئ اسمي"(1).

وقد عدّ البغوي هذا الحديث من الاحاديث الحسان.

ولكن هل اكتفى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بهذه التحديدات؟ يقول أبو داود، وابن ماجه، والطبراني، والحاكم، وابن حجر، والمتقي الهندي وغيرهم، أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يكتفِ بالتحديدات السابقة، فأضاف إلى المهدي تحديداً آخر أضيق دائرة من السابق، فنقلوا عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله: "المهدي حق وهو من ولد فاطمة"(2).

والغريب أنّ هذا الحديث تعرّض لمحاولة اغتيال وحذف من صحيح مسلم، فبينما نشاهد ابن حجر والمتقي الهندي والشيخ محمّد بن علي الصبّان والشيخ حسن العدوي المالكي، خرّجوا هذا الحديث من صحيح مسلم، ولكنه لا وجود له في الصحيح في طبعاته الجديدة، كما جاء في كتاب المهدي المنتظر في الفكر الاسلامي.

المهم أنّ المهدي من ولد عبدالمطلب ومن النبي من فاطمة (عليها السلام) واسمه محمّد، إلى هنا يستطيع من ينتسب إلى فاطمة (عليها السلام) أن يستغل هذا اللقب، فضيّق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الدائرة كما حدّثنا بذلك الدار قطني وابن الصبّاغ المالكي والسمعاني والقندوزي الحنفي والشيخ الصدوق وغيرهم، قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لفاطمة (عليها السلام): "يا فاطمة إنّا أهل بيت اُعطينا ست خصال لم يعطها أحد من الاوّلين ولا يدركها أحد من الاخرين غيرنا أهل البيت.... ومنّا مهدي الامّة الذي يصلّي عيسى خلفه، ثمّ ضرب على منكب الحسين (عليه السلام) فقال: من هذا مهدي الامّة"(3).

____________

(1) مسند أحمد: ج 1، 710، رقم 4087; سنن أبي داود: ج 4، ص 233، رقم 4282; المعجم الكبير للطبراني: ج 10، ص 1134، رقم 10218; سنن الترمذي: ج 4، ص 505، رقم 2230; مصابيح السنّة للبغوي: ج 3، ص 492، رقم 4210.

(2) سنن أبي داود: ج 4، ص 107، رقم 4284; سنن ابن ماجه: ج 2، ص 1368، رقم 4086; المعجم الكبير للطبراني: ج 23، ص 267، رقم 566; الصواعق المحرقة: ج 2، ص 472، باب 11; كنز العمّال: ج 14، ص 264، رقم 38662; اسعاف الراغبين: ص145; مشارق الانوار: ص 59.

(3) أخرجه الدارقطني كما في البيان في أخبار صاحب الزمان للكنجي: ص 116 ـ 117، باب9; الفصول المهمّة: ص 295 ـ 296، فصل 12; فضائل الصحابة للسمعاني على ما في ينابيع المودّة: ج 3، ص 839، رقم 26، باب 94.


الصفحة 281
وكذلك أخرج الصدوق عن سلمان قوله: دخلت على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وإذا الحسين (عليه السلام) على فخذيه وهو يقبل عينيه ويلثم فاه وهو يقول: "أنت سيّد ابن سيّد، أنت إمام ابن إمام أبو الائمّة، أنت حجّة ابن حجّة أبو حجج تسعة من صلبك، تاسعهم قائمهم"(1).

وبالاضافة إلى النسب الذي أوصله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الحسين (عليه السلام) أضاف إليه صفة اُخرى: بأنّ عيسى يصلّي خلفه، ولم يكتفِ بصفة واحدة، بل أضاف اُخرى كما صرّح بذلك الصدوق والجويني والقندوزي الحنفي، بأنّ للمهدي هذا غيبة حيث قال (صلى الله عليه وآله وسلم): "المهدي من ولدي... تكون له غيبة"(2).

إلى هنا قيّد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هذا اللقب بتحديدات يصعب على الانتهازيين استغلالها، وسار أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) على هذا المنهج، كلّ منهم يضيف إليه تحديداً يضيّق الدائرة لهذا اللقب، فقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): "هو ـ المهدي ـ رجل منّي"(3).

ولا يشتبه البعض، بأنّ المهدي إذا كان من ولد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فكيف يكون من ولد علي (عليه السلام)، فهو من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لانّه من ولد فاطمة، ومن علي لانّه زوج البتول وقرّة عين الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).

وكذلك الامام الحسن (عليه السلام) حيث قال: "ذلك التاسع من ولد أخي"(4).

وهكذا سار أئمّة أهل البيت ـ كما نقل ذلك النعماني وغيره ـ على إضافة التحديدات

____________

(1) الخصال: ج 2، ص 486، رقم 12 باب التسعة; كمال الدين: ص 250، باب 24، ح 9.

(2) كمال الدين: ص 272، باب 25، ح 5; فرائد السمطين: ج 2، ص 335، ح 587; ينابيع المودّة: ج 3، ص 395 ـ 396، باب 94.

(3) الفتن لابن حماد: ص 266، باب نسبة المهدي; التشريف بالمنن لابن طاووس: ص 176، باب 190، ح 238.

(4) كمال الدين: ص 297 ـ 298، ح 2، باب 29.


الصفحة 282
لهذا اللقب، وهذا موسى بن جعفر (عليهما السلام) يقول: إذا فقد الخامس من ولد السابع من الائمّة فالله الله في أديانكم(1). إلى أن وصل الامر إلى أبيه الحسن العسكري، فأخبر بولادة ابنه، وأنّه المهدي المنتظر، والخليفة من بعده، ليغلق الباب تماماً ويطوي عليهم كلّ الفرص، يقول الكليني: أخبرنا علي بن محمّد (الثقة)(2)، عن محمّد بن بلال (الثقة)(3) يقول بأنّ العسكري أخبره بالخلف من بعده(4).

وكذلك ورد الحديث الصحيح عن أبي هاشم الجعفري الذي يخبر فيه العسكري أبا هاشم هذا بولده وأنّه الخلف من بعده(5).

وغيرها من الاحاديث التي نقلها الكليني في الكافي، والمفيد في الارشاد، والطوسي والنعماني في غيبتيهما وغيرهم، والتي تؤكّد إخبار العسكري أصحابه بولده المنتظر.

وبعد كلّ هذا التضييق والتحديد لهذا اللقب بالاسم والنسب تارة، وبالوصف والاشارة اُخرى، أنكر الكاتب ابن الحسن العسكري عن طريق غموض هويّته عند أهل البيت(6)، ولكنّ الصحيح أنّ الغموض ليس عند أهل البيت، بل عند الكاتب لانّه لم يستطع ـ على أفضل التقادير ـ أن يميّز بين المهدي بأنّه هاد إلى الله، وبين المهدي الذي يملا الارض قسطاً وعدلاً، وهذا ما اتضح سابقاً(7).

الامام الثاني عشر وأنّه المهدي المنتظر:

بعد أن أفلس الكاتب من الحصول على

____________

(1) الغيبة للطوسي: ص 104.

(2) خلاصة الاقوال: ص 187، رقم 559; معجم رجال الحديث: ج 12، ص 127، رقم8484; تنقيح المقال: ج2، ص303، رقم8354.

(3) تنقيح المقال: ج1، ص14، رقم 10455.

(4) الكافي: ج 1، ص 389، باب 76، ح 1.

(5) الكافي: ج 1، ص 389، باب 76، ح 2.

(6) أحمد الكاتب، تطوّر الفكر السياسي: ص 177.

(7) في الصفحة 229.


الصفحة 283
الوثائق الكافية لنقد ونفي نظريّة الامامة الاثني عشريّة راح يبحث في الجزء الثاني عن الامام المهدي (عج) ليدعم نظريّته التي أفلست من الوثائق في جزئه الاوّل وبمختلف الوسائل التي رأيناه يتبّعها هناك من التزوير والتحريف وقطع الاحاديث وتوثيق الضعفاء وتضعيف الثقات، ولم يستطع بكلّ ذلك أن يفتح ثغرة في نظريّة الامام الالهيّة، فلجأ إلى طريق جديد لعلّه يجد فيه ضالّته، وأوّل ما افتراه على المهدي (عج) هو أنّ نظريّة المهدويّة مركّبة من الايمان بوجود الامام الثاني عشر، وأنّه المهدي المنتظر، وراح يفصل بين جزئي النظريّة التي لم يثبت فصلها في التاريخ، كما سنوضّح ذلك، فقال:

(كانت النظريّة المهدويّة الاثنا عشريّة نظريّة مركبة من الايمان بوجود الامام الثاني عشر وأنّه المهدي المنتظر.....، ولكنّ الدراسة التاريخيّة المعمقة لقصّة نشوء هذه النظريّة تكشف عن وجود فاصل زمني طويل بين جزئي النظريّة)(1).

وبعد فشله في إقناع القارئ بعدم وجود إمامة إلهيّة، راح يفكّك بين الايمان بالامام الثاني عشر وبين كونه المهدي المنتظر الغائب، والمستقرئ لتاريخ الاسلام وما حمله الرواة والمحدّثون يجد أنّ الايمان بمسألة الامام الثاني عشر وكونه المنتظر الغائب من زمن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

يقول الشيخ الصدوق: إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال بعدما نصّب علي وولده الحسن والحسين أئمّة من بعده قال: "وتسعة من ولد الحسين تاسعهم قائم اُمّتي، يملا الارض قسطاً وعدلاً، كما ملئت جوراً وظلماً"(2).

فلم يفصل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بين الامام الثاني عشر، وبين كونه الغائب المنتظر الذي يملا الارض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.

ويقول النعماني في الغيبة: إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال مخاطباً علي:

"يا علي الائمّة الراشدون المهتدون المعصومون من ولدك، أحد عشر إماماً أنت أوّلهم

____________

(1) أحمد الكاتب، تطوّر الفكر السياسي: ص 177.

(2) كمال الدين: ص 245، باب 24، ح 1.


الصفحة 284
وآخرهم اسمه اسمي يخرج فيملا الارض عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً يأتيه الرجل والمال كدس"(1).

وقد نقل المفيد والكليني والصدوق والنعماني والمسعودي روايات كثيرة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يكن فيها ذلك الفصل المزعوم، وشاركت المصادر السنيّة المصادر الشيعيّة بنقل عدم الفصل هذا، فذكر القندوزي الحنفي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال:

"أنا سيّد النبيّين، وعلي سيّد الوصيين، وإنّ أوصيائي بعدي اثنا عشر، أوّلهم علي، وآخرهم المهدي"(2).

وقال الجويني: عن عبدالله بن عبّاس، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "إنّ خلفائي وأوصيائي وحجج الله على الخلق بعدي الاثنا عشر، أوّلهم أخي وآخرهم ولدي"، قيل: يا رسول الله، ومن أخوك، قال: "علي بن أبي طالب"، قيل: فمن ولدك، قال: "المهدي الذي يملاها قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً"(3).

وغير ذلك من الاحاديث الشريفة التي لم تفصل ـ كما فصل الكاتب ـ بين الايمان بالامام الثاني عشر، وبين كونه المهدي المنتظر، ولو فرضنا أنّ هذه الاحاديث يشكّك فيها الكاتب، فلماذا لم يذكر بحقّها شيئاً، لا من ناحية السند ولا من ناحية المتن، فقد أهملها تماماً مشوّشاً ذهن المطالع بعدم وجودها، وأكثر الظن أنّه أهملها لعدم إمكانه إنكار متنها ولا سندها، فأفضل طريق لذلك الاهمال، ولم يقف عدم الفصل على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، بل سار أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) على عدم الفصل هذا، يقول الصدوق: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله: "التاسع من ولدك يا حسين هو القائم بالحقّ المظهر للدين الباسط للعدل"(4).

وكذلك بنت الرسول وقرّة عينه فاطمة البتول (عليها السلام)، حيث نقل جابر حديث اللوح

____________

(1) الغيبة للنعماني: ص 92 ـ 93، ح 23.

(2) ينابيع المودّة: ج 3، ص 295 ـ 296، باب 78، ح 3.

(3) فرائد السمطين: ج 2، ص 312، ح 562.

(4) كمال الدين: ص 287، باب 26، ح 16.


الصفحة 285
الذي بيدها، حيث يقول جابر: دخلت على فاطمة وبين يديها أسماء الاوصياء من ولدها فعددت اثني عشر اسماً آخرهم القائم(1). وأخرج الكليني هذا الحديث بسند صحيح(2).

وكذلك الحسن (عليه السلام) أخبر بعدم الفصل هذا الذي نسجه الكاتب، فقال متحدثاً عن الغائب وأنّه الثاني عشر: "ذلك التاسع من ولد أخي الحسين ابن سيّدة الاماء، يطيل الله عمره في غيبته"(3).

وقال الحسين (عليه السلام) في ذلك: "دخلت على جدّي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأجلسني على فخذية، وقال لي: إنّ الله اختار من صلبك يا حسين تسعة أئمّة، تاسعهم قائمهم، وكلّهم في الفضل والمنزلة عند الله سواء"(4).

ويقول أيضاً: "منّا اثنا عشر مهديّاً، أوّلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وآخرهم التاسع من ولدي، وهو الامام القائم بالحق.... له غيبة يرتد فيها أقوام"(5).

وسار علي بن الحسين السجّاد على عدم الفصل الذي ابتدعه الكاتب، فقال:

"إنّ الله تبارك وتعالى خلق محمّد وعلي والائمّة الاحد عشر من نور عظمته..." ثمّ في حديث آخر ذكر بقوله: "الغيبة بولي الله عزّ وجلّ الثاني عشر من أوصياء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والائمّة من بعده"(6).

وكذلك الامام الباقر (عليه السلام)، حيث قال: "يكون تسعة أئمّة بعد الحسين بن علي، تاسعهم قائمهم"(7).

____________

(1) الغيبة للطوسي: ص 92; كمال الدين: ص 294، باب28، ح4;الكافي: ج1، ص598، باب126، ح9.

(2) المهدي المنتظر في الفكر الاسلامي: ص 87.

(3) كمال الدين: ص 297، باب 29، ح 2.

(4) ينابيع المودّة: ج 3، ص 395، باب 94، ح 45.

(5) كمال الدين: ص 298، باب 30، ح 3.

(6) كمال الدين: ص 299 ـ 300، باب 31، ح 1.

(7) الكافي: ج 1، ص 599، باب 126، ح 15.


الصفحة 286
وقال أيضاً: "منّا اثنا عشر محدّثاً، السابع من بعدي ولدي القائم"(1).

أمّا الصادق (عليه السلام) فقد رُوي عنه عدم الفصل هذا، كما حدّث الطوسي بذلك(2).

وقال الامام الكاظم (عليه السلام): "إذا فقد الخامس من ولد السابع فالله الله في أديانكم لا يزيلنّكم عنها، فإنّه لابدّ لصاحب هذا الامر من غيبة"(3).

وبهذا قد أجمع أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) على عدم الفصل بين الامام الثاني عشر وبين كونه المهدي المنتظر، وقام الشيخ الصدوق بجمع الاحاديث التي لم تفصل بين الثاني عشر وبين كونه الغائب في فصل خاص بيّن فيه أنّ الائمّة اثنا عشر وأنّ الثاني عشر هو القائم، فقد روى عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) سبعة وثلاثين حديثاً مؤكّداً هذه الحقيقة ومن طرق مختلفة، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) تسعة عشر حديثاً، وعن الزهراء (عليها السلام) حديث اللوح، وعن الحسن (عليه السلام) حديثين، وعن الحسين (عليه السلام) خمسة أحاديث، وعن زين العابدين (عليه السلام) تسعة أحاديث، وعن الباقر (عليه السلام) سبعة عشر حديثاً، وعن الصادق (عليه السلام) سبعة وخمسين حديثاً، وعن الكاظم (عليه السلام) ستة أحاديث، وعن الرضا (عليه السلام) سبعة أحاديث، وعن الجواد (عليه السلام) ثلاثة أحاديث، وعن الهادي (عليه السلام) عشرة أحاديث، وعن العسكري (عليه السلام) خمسة أحاديث، فبلغ عدد الاحاديث عند الصدوق وحده (177 حديثاً) تؤكّد عدم الفصل، ابتداءً من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى العسكري، كلّ ذلك أهمله الكاتب ولم يشر إليه بكلمة واحدة، أضف إلى ذلك أنّه فصل بين الامام الثاني عشر وأنّه المهدي المنتظر بعبارات إعلاميّة لم يذكر لها مصدراً واحداً، ولا أدري بِمَ يوصف بحث مثل هذا الذي قام به الكاتب؟

اعترافات علماء السنّة بأنّ المهدي هو محمّد بن الحسن العسكري:

ولكي نكمل حقول الهويّة الشخصيّة للامام محمّد بن الحسن العسكري، وبعد اعترافات

____________

(1) غيبة النعماني: ص 96، ح 28.

(2) الغيبة للطوسي: ص 93.

(3) غيبة النعماني: ص 154، ح 11.


الصفحة 287
علماء الانساب بذلك، نأتي إلى علماء السنّة الذين صرّحوا بأنّ محمّداً هو ابن الحسن العسكري.

يقول محمّد بن طلحة الشافعي (المتوفى سنة 652 هـ):

(محمّد بن الحسن الخالص بن علي المتوكّل بن القانع بن علي الرضا ابن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمّد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين الزكي بن علي المرتضى أمير المؤمنين بن أبي طالب، المهدي الحجّة الخلف الصالح المنتظر عليهم السلام)(1).

ويقول محمّد بن يوسف الكنجي الشافعي (المتوفى سنة 658 هـ):

(وخلّف علي الهادي من الولد أبا محمّد الحسن ابنه)، ثمّ ذكر تاريخ ولادته ووفاته، وقال: (ابنه هو الحجّة الامام المنتظر، وكان قد أخفى مولده وستر أمره لصعوبة الوقت وخوف السلطان)(2).

ويقول علي بن محمّد الصبّاغ المالكي: (الحجّة الخلف الصالح ابن أبي محمّد الحسن الخالص...)، إلخ(3).

ويقول سبط ابن الجوزي (المتوفى سنة 654 هـ):

(هو محمّد بن الحسن بن علي بن محمّد بن علي بن موسى الرضا بن جعفر بن محمّد ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، وكنيته أبو عبدالله، وأبو القاسم، وهو الخلف الحجّة، صاحب الزمان، القائم، والمنتظر، والتالي، وهو آخر الائمّة)(4).

ويقول ابن خلكان (المتوفى سنة 681 هـ):

(أبو القاسم محمّد بن الحسن العسكري بن علي الهادي بن محمّد الجواد المذكور....

____________

(1) مطالب السؤول: ج 2، ص 79 الباب الثاني عشر.

(2) كفاية الطالب.

(3) الفصول المهمة: الفصل الثاني عشر، ص 291.

(4) تذكرة الخواص: ص 325.


الصفحة 288
كانت ولادته يوم الجمعة منتصف شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين)(1).

ويقول الذهبي (المتوفى سنة 748 هـ):

(وفيها أي في سنة 256 هـ ولد محمّد بن الحسن بن علي الهادي بن محمّد الجواد.... الذي تلقّبه الرافضة الخلف الحجّة، وتلقّبه بالمهدي والمنتظر، وتلقّبه بصاحب الزمان، وهو خاتمة الاثني عشر)(2).

ويقول يوسف بن قنبر علي بن عبدالله البغدادي الحنفي: (أولاد العسكر منهم:

(م ح م د) بن الحسن بن علي بن محمّد بن علي بن موسى بن الرضا بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وكنيته أبو عبدالله، وأبو القاسم، وهو الخلف الحجّة صاحب الزمان القائم المنتظر والتالي، وهو آخر الائمّة)(3).

أمّا محي الدين ابن العربي (المتوفى سنة 638 هـ)، فيقول الشعراني:

(وعبارة الشيخ محيي الدين في الباب السادس والستين وثلاثمائة من الفتوحات: واعلموا أنّه لابدّ من خروج المهدي (عليه السلام)، ولكن لا يخرج حتّى تمتلئ الارض جوراً وظلماً، فيملاها قسطاً وعدلاً، ولو لم يكن من الدنيا إلاّ يوم واحد طوّل الله تعالى ذلك اليوم حتّى يلي ذلك الخليفة، وهو من عترة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من ولد فاطمة (عليها السلام)، وجدّه الحسين بن علي بن أبي طالب، ووالده الحسن العسكري ابن الامام علي النقي)(4).

هذا ما نقله الشعراني من الفتوحات لابن العربي، ولكن يد التحريف طالت هذا الكلام، وحذفته من الفتوحات لابن العربي(5).

ويقول عبدالله بن علي الشافعي اليافعي (المتوفى سنة 768 هـ):

____________

(1) وفيات الاعيان: ج 4، ص 176، رقم 562.

(2) العبر في خبر من غبر: ج 1، ص 381; دول الاسلام: ص 145.

(3) الزام الناصب: ج 1، ص 323.

(4) اليواقيت والجواهر: ج 2، ص 562، المبحث الخامس والستون.

(5) دفاع عن الكافي: ج 1، ص 573.