الفصل الثالث
أئمته.. ومقاماتهم؟!


بداية:

إن من خصوصيات مذهب التشيع قوله: إن الإمام علياً هو الإمام والخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، وأن ذلك ثابت بالنص القاطع، والبرهان الساطع.. وإنكار صحة خلافة المتقدمين عليه، والغاصبين لحقه..

ولأجل ذلك: فإن الشيعة لا يعظِّمون من تعدى على الإمام علي عليه السلام في هذا الأمر، ويرونه مخالفاً للنص، ناقضاً للعقدة التي عقدها الله ورسوله، ويعتبرون أن من يعظم هؤلاء الناس، ومن ناصرهم وأعانهم، ويناصرهم ويدافع عنهم ليس شيعياً. وهذا أمر عقلي عقلائي، يدركه الناس، ويعرفونه، ويتوقعونه..

والأمر بالنسبة لابن عربي لا يشذ عن هذه الضابطة، وبالرجوع إلى كلماته، في مختلف مؤلفاته، نجد: أنه لم يزل يعظم المناوئين للإمام علي عليه السلام، مثل أبي بكر، وعمر، والمتوكل، وعائشة، وطلحة، والزبير، ومالك، والشافعي، وحتى الحجاج بن يوسف، وأمثال هؤلاء، في عشرات، بل في مئات الموارد.. وهو يذكر ذلك بمناسبة، وبدون مناسبة.

وأما أهل البيت عليهم السلام فنادراً ما يأتي على ذكرهم، وإن ذَكَرَهم، فبصورة عابرة، أو تكاد، حتى إننا إذا أردنا مقايسة كلامه فيهم بكلامه في الإمام علي عليه السلام، فلا يعدو كونه بمثابة قطرة من بحر، أو غرفة من نهر.

وليس هذا هو دأب الشيعة مع مناوئي أهل البيت، فإن لهم موقفاً معروفاً من هؤلاء، فهم لا يطرونهم ـ كما قلنا ـ بسبب ما ارتكبوه في حق السيدة فاطمة الزهراء، وعلي عليهما السلام. وبسبب أخذهم الخلافة غصباً، وبسبب جرأتهم على رسول الله صلى الله عليه وآله، وقولهم في الدين بآرائهم، وبسبب سياساتهم، ولغير ذلك من أمور..

فإذا أردنا معرفة حقيقة مذهب ابن عربي، فما علينا إلا أن نقرأ اليسير مما أوردناه في هذا الفصل من أقواله في خصوص الخلفاء أولاً، وسنجد أنه يعطيهم أعظم المقامات وأعلاها، وأجلها وأسناها..

غير اننا قبل أن ندخل في ذلك، نحب لفت نظر القارئ الكريم إلى أن ما ننقله عن ابن عربي من أول هذه الدراسة إلى آخرها قد اشتمل احياناً على عبارات يتعمد إبهامها، وتعميتها، لتكون مثار رهبة، وإعجاب لدى أمثاله من أهل التصوف.

وقد أضربنا عن التعرض لبيان مقاصده منها، لئلا يطول بذلك الكتاب، مع عدم وجود ضرورة لذلك، ما دام أنه لا يعكر صفو صراحة النصوص في عقائده التي يتبناها ويجهد في الدفاع عنها وترسيخها، وهذا فقط هو ما يهمنا، بيانه وترتكز عليه مقاصد هذه الدراسة..

وفي جميع الأحوال، فإننا نذكر هنا طائفة من النصوص التي تتحدث عن مقامات مناوئي الإمام علي عليه السلام، وتظهر حقيقة اعتقاده بهم، ونظرته إليهم..

فنقول:

الخلافة الظاهرة والباطنة لمن؟:

1ـ قال: «.. ولكن الأقطاب المصطلح على أن يكون لهم هذا الإسم مطلقاً، من غير إضافة، لا يكون منهم في الزمان إلا واحد. وهو الغوث أيضاً. وهو من «المقربين». وهو سيد الجماعة في زمانه.

ومنهم من يكون ظاهر الحكم، ويحوز الخلافة الظاهرة، كما حاز الخلافة الباطنة من جهة المقام:

كأبي بكر..

وعمر..

وعثمان..

وعلي..

والحسن..

ومعاوية بن يزيد..

وعمر بن عبد العزيز..

والمتوكل.

ومنهم من له الخلافة الباطنة خاصة، ولا حكم له في الظاهر:

كأحمد بن هرون الرشيد السبتي..

وكأبي يزيد البسطامي.

وأكثر الأقطاب لا حكم لهم في الظاهر..»(245).

فهؤلاء هم أئمة ابن عربي، ويرى أن لهم الخلافة الظاهرة والباطنة، وهو لا يتورع عن أن يعد في جملتهم حتى المتوكل، الذي حرث قبر الإمام الحسين بن علي عليهما السلام.. وفعل بشيعة أهل البيت الأفاعيل..

المنورون في عهد النبي صلى الله عليه وآله:

2ـ إنه قد ذكر في رسالة له اسمها الأسفار: أن المنورين في زمن رسول الله كانوا قليلين جداً، مثل أبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب..(246).

مقامات للخلفاء:

3ـ ويقول عن مشاهداته في عالم المثال، في حضرة الجلال: «ولمَّا شهدته صلى الله عليه [وآله] وسلم في ذلك العالم سيداً معصوم المقاصد، محفوظ المشاهد، منصوراً مؤيداً، وجميع الرسل بين يديه مصطفون، وأمته التي هي خير أمة عليه ملتفون، وملائكة التسخير من حول عرش مقامه حافون، والملائكة المولدة من الأعمال بين يديه صافون..

والصديق على يمينه الأنفس، والفاروق على يساره الأقدس، والختم بين يديه قد جثا، يخبره بحديث الأنثى، وعلي صلى الله عليه وسلم يترجم عن الختم بلسانه، وذو النورين مشتمل برداء حيائه، مقبل على شأنه..

فالتفت السيد الأعلى، والمورد العذب الأحلى، والنور الأكشف الأجلى، فرآني وراء الختم، لاشتراك بيني وبينه في الحكم، فقال له السيد: هذا عديلك وابنك وخليلك» الخ..»(247).

الخلفاء هم أصول الإسلام:

4ـ ويقول: «فكان أصل الأيدي خمسة أشياء، كل منها خمس، فالأصل الأول ما بني عليه، قال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم: بني الإسلام على خمس»..

إلى أن قال:

«والأصل الرابع: محمد رسول الله، والذي معه أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي. فهم خمسة برسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم»(248).

أنوار الخلفاء في أصابع آدم عليه السلام:

5ـ ويقول: «واجعل أصابعك الخمس في عينيك. بمنزلة محمد صلى الله عليه [وآله] وسلم، والذين معه، وهم أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي.

وأن آدم عليه السلام، لما خلق نور سيدنا محمد صلى الله عليه [وآله] وسلم في جبينه كانت الملائكة تستقبله، وتسلم على نور محمد. وآدم عليه السلام لم يره.

فقال: يا رب، أحب أن أنظر إلى نور ولدي محمد صلى الله عليه [وآله] وسلم، فحوله إلى عضو من أعضائي لأراه.

فحوله إلى سبابته في يده اليمنى، فنظر إليه يتلألأ في مسبحته فرفعها فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله.. فلذلك سميت المسبحة.

فقال: يا رب هل بقي في صلبي من هذا النور شيئ؟

قال: نعم. نور أصحابه، وهم أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، فجعل نور علي في إبهامه، ونور أبي بكر في الوسطى، ونور عمر في البنصر، ونور عثمان في الخنصر.

وقيل: إنما جعلت في يدك لتقبض برؤوسهن على حب هؤلاء الخمسة، ولا تفرق بينهم وبين محمد. فإن الله جمع بينهم بقوله تعالى: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ}(249).

ختم الأولياء، والصديق، والفاروق:

6ـ وبعد أن ذكر: أنه عند فراقه للشمس المغربية تلقاه الختم (أي النبي) برحيقه، «وأوضح لي التسنيم مزاج طريقه، فرأيت ختم أولياء الله حق، في مقعد الإمامة الإحاطية والصدق، فكشف لي عن سر محتده، وأمرت بتقبيل يده، ورأيته متدلياً على الصديق والفاروق، متدانياً من الصادق المصدوق، محاذياً له من جهة الأذن، قد ألقى السمع لتلقي الإذن الخ..»(250).

مشاهد للخلفاء:

7ـ ويقول: «فإن كنت في موقف أبي بكر الصديق، قلت: ما رأيت شيئاً إلا رأيت الله قبله، فتكون ممن رآه قبل الزوال، فالحكم للماضي، وأنت بالحال في أول الشهر، وذلك اليوم هو أوله.

وإن كنت عثماني المشهد، أو صاحب دليل فكرٍ، فتقول: ما رأيت شيئاً إلا رأيت الله بعده.. الخ..»(251).

النبي صلى الله عليه وآله يبايع نفسه عن عثمان:

8 ـ ثم هو يذكر: أن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم قد بايع عن عثمان لنفسه، وكان عثمان غائباً، فجعل يده على يد نفسه(252).

عثمان أيضاً.. وشفاعة ابن عربي:

9ـ ويقول: «أرسل رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم عثمان رضي الله عنه آمراً بالكلام في المنام، بعدما وقعت شفاعتي على جماعتي، ونجا الكل من أسر الهلاك، وقرِّب المنبر الأسنى، وصعدت عليه الخ..»(253).


الفصل الرابع
مقامات أبي بكر..


بداية:

قد ذكرنا في الفصل السابق طائفة من النصوص التي تبين بعض مقامات أبي بكر مما تشارك فيه مع غيره من الخلفاء، وغيرهم.. ونذكر في هذا الفصل طائفة أخرى تظهر لنا: أن أبا بكر يحتل المقام الأول عند ابن عربي، وأنه يقدسه أعظم تقديس، ويعظمه أجلَّ تعظيم.

وسنرى أنه لا يتقيد بشيء محدد فيما يثبته له ولغيره، فقد يستشهد لذلك بحديث منسوب إلى النبي صلى الله عليه وآله، وقد يعتمد على منام، أو على قول صوفي مثله، أو على استحسان غير ظاهر الوجه، أوعلى ابتداع واقتراح فيه، وما إلى ذلك..

وقد تقدم في الفصل السابق وغيره بعض من ذلك، ونذكر هنا، من النصوص التي توضح مدى عظمة وحقيقة موقع أبي بكر عنده، ما يلي:

أبو بكر من أهل الباطن:

1ـ قال: «وهذه الطائفة في الرجال قليلون، فإنه مقام ضيق جداً، يحتاج صاحبه إلى حضور دائم، وأكبر من كان فيه أبو بكر الصديق رضي الله عنه، ولهذا قال عمر رضي الله عنه في حرب اليمامة: فما هو إلا أن رأيت أن الله عز وجل قد شرح صدر أبي بكر للقتال، فعرفت أنه الحق. لمعرفة عمر باشتغال أبي بكر بباطنه..»(254).

الرب يصلي بصوت أبي بكر:

2ـ وقال: «رضي الله عن الصديق الأكبر، صاحب السر، العلم الأزهر، في قيامه على منبر الطرفاء، يوم الداهية الدهياء، بموت سيد الأنبياء، أمين الأمناء، وعلم الاهتداء، وقد ذهل من كان عندنا أقوى الأقوياء، فما ظنك بالضعفاء.

وصار الرفيق الأسيف، على مذهب السيدة الحميراء(255)، لما كان يظهر عليه من شد التلهف والبكاء، فكان أضعفهم عيناً، وأقواهم في صميم السويداء، فقال:

«من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فالله حي لا يموت».

ثم تلا استشهاداً على مقالته الزهراء: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ}(256).. إلى آخر الآية الغراء، ثم تلاها بقوله جل ثناؤه: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ}(257)..

ثم خاطب جميع الخصماء..

فهذه القوة الإلهية من زهده في القوت، وسوقه جميع ما ملكته يده لله ورسوله، فملكه مفاتيح التابوت.

فمن غيرته عليه وأمانته، إخفاؤه إياه إلى يوم فقد صاحب رسالته، ففتح تابوت صدره، وأبدى مكنون سره، ونبه بعلمه على مكانته من الله وقدره..

وأقر له الفاروق بالشرح، لما بدت لعينه أعلام الفتح، ولم يزل الصديق مفتوحاً له قبل ذلك من حين ملك المفتاح، ورسم ديوان الممالك، وإنما كان ينتظر رحلة السيد صلى الله عليه [وآله] وسلم إلى حضرة المحبوب، الرفيق الأعلى، المالك..

فحلاه بزينته، لما شاركه في نوره وطينته، ثم سلك في الهين واللين على مدرجته، لما دعى له أن يكون معه وفي درجته، ثم أبان له برهان الموافقة بما ذكره عن نفسه صلى الله عليه [وآله] وسلم وعنه إلى المقام من المسابقة..

فسبق النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم الصديق، ولذلك قيل له هناك..

قف إن ربك يصلي بصوت عتيق. فاستأنس وحن، من جهة إحساس البدن.

وقد اتضحت أسرار، ولمعت في علية هذا الوجه بوارق الأنوار»(258).

ونقول:

إننا نلاحظ: أنه لم يكتف بتمدّح وبتزيين ما صدر من أبي بكر بحق رسول الله صلى الله عليه وآله، فور استشهاده، من كلام قد جاء في منتهى القسوة والجفاء.. كما سنشير إليه في فصل قبائح أم مدائح، بل هو أضاف إليه:

1ـ إن الله خلق النبي صلى الله عليه وآله وأبا بكر من طينة واحدة وقد صرح بهذا الأمر في غير هذا المورد أيضاً.

مع أن النبي صلى الله عليه وآله إنما قال ذلك لعلي عليه السلام.

2ـ والأعجب من ذلك، أنه زعم: أن الله يصلي، وأنه يصلي بصوت عتيق!!

ولعل كلام ابن عربي هذا، يهدف إلى الإتيان بالنظير أو البديل للحديث الذي يقول: إن الله سبحانه قد كلم النبي صلى الله عليه وآله حين المعراج بصوت علي عليه السلام، تأنيساً له صلى الله عليه وآله.

3ـ إنه اعتبر أن إخبار أبي بكر بموت الرسول صلى الله عليه وآله، قد كان من الخوارق، وأنه من الأمور الغامضة التي كانت عنده.. مع أن هذا الأمر قد عرفه جميع الصحابة، ولم ينكره إلا عمر بن الخطاب لحاجة في نفسه، كسباً للوقت، وانتظاراً لوصول من يريد أن يستعين بهم على تحقيق غاياته، ونيل أمنياته..

مقام صوفي آخر لأبي بكر:

3ـ وقال أيضاً: «.. وقال: أبو بكر الصديق رضي الله عنه في هذا المقام، وكان من رجاله: «العجز عن درك الإدراك إدراك..»(259).

إنه رغم أننا نقول: مما لم نعثر على هذا الكلام منسوباً إلى أبي بكر، إلا عند ابن عربي، فإنه كلام غير دقيق، وغير صالح، فلاحظ المفردات وكيفية تركيبها..

فضل أبي بكر على لسان علي عليه السلام:

4ـ ثم إنه يروي عن الإمام علي عليه السلام: أنه قال: ما فضلكم أبو بكر بكثرة صلاة، ولا صيام، ولكن بشيء وقع (وقر) في صدره، ولم يبين ما ذاك الشيء، فكتمه عليه..(260).

أعلم الصحابة برسول الله صلى الله عليه وآله:

5ـ ويقول: إنه لما تلا النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم سورة النصر «بكى أبو بكر الصديق رضي الله عنه وحده، دون من كان في ذلك المجلس، وعلم أن الله تعالى قد نعى إلى رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم نفسه، وهو كان أعلم الناس به، وأخذ الحاضرون يتعجبون من بكائه الخ..»(261).

فضل عيسى عليه السلام على أبي بكر:

6ـ وقال وهو يتحدث عن ختم الأولياء بعيسى عليه السلام، وأن عيسى «هو أفضل هذه الأمة المحمدية، وقد نبه عليه الترمذي الحكيم في كتاب ختم الأولياء له، وشهد له بالفضيلة على أبي بكر الصديق، وغيره..»(262).

وواضح: أن نبينا وأئمتنا وولي العصر عجل الله تعالى فرجع الشريف، هم أفضل من النبي عيسى عليه السلام.. فلا يصح قوله: ان عيسى عليه السلام هو افضل هذه الأمة المحمدية..

أبو بكر يدخل الجنة من جميع أبوابها:

7ـ ويقول: «ولذلك لما ذكر رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم الثمانية الأبواب من الجنة أن يدخل من أيها شاء، قال أبو بكر: يا رسول الله، وما على الإنسان أن يدخل من الأبواب كلها؟!

قال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم: أرجو أن تكون منهم يا أبا بكر»(263).

ونقول:

إن الدخول من جميع الأبواب إنما يصح لو كانت الأبواب في طول بعضها البعض.. وفيما عدا ذلك فإنه لا يمكن ذلك إلا بالدخول ثم الخروج والعود من الباب الثاني.. وهذا لعب لا يليق بأهل الجنة..

فلا بد من حمله: إما على دخول معنوي صوفي.. أو على أن جوابه صلى الله عليه وآله، قد جاء على سبيل السخرية، أو الدعابة..

فلا بد من دليل: يثبت حقيقة الوجه الذي جرى عليه الكلام!!..

تأويلات أبي بكر تصير حقائق:

8 ـ ثم هو يستشهد بالحديث الذي رووه، من رؤيا النبي صلى الله عليه وآله للظلة، وما يزعمونه، من أن أبا بكر قد أولها بالإسلام، قال:

«وذلك كله يحقق أن حقائق الظل هي آيات الله وشرائعه الخ..»(264).

أبو بكر أفضل من عمر:

9ـ قال: «وبين حال أبي بكر الصديق (رضي الله تعالى عنه) حين جاء إلى النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم بجميع ماله، فقال له النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم: ما أبقيت لأهلك يا أبا بكر؟

قال: الله ورسوله.

وجاء عمر بن الخطاب بنصف ماله، فقال: ما أبقيت لأهلك؟

قال: النصف، وتصدقت بالنصف.

قال: ما بينكما كما بين كلمتكما..»(265).

التركيز على أبي بكر وصديقيته:

10ـ وبعدما تقدم: فإنك تجده يستشهد بكلام أبي بكر، ويصفه بالصديق في العديد من المواضع من كلامه..(266).

11ـ وقال: «والصديقية لا ينالها إلا أهل الولاية، ومن كان له عند الله أزلاً سابق عناية».

إلى أن قال:

«كما أن الختم فوق الصديق، إذا كان الممهد للطريق، الذي مشى عليه عتيق..

فالختم نبوي المحتد، علوي(267) المشهد، فلهذا جعلناه فوق الصديق، كما جعله الحق، فالآخذ نوره من مشكاة النبوية أكبر مما أخذه من مشكاة الصديقية الخ..»(268).

12ـ وقال: «فخطب حميرة من عتيقه، وانتزعها من يدي صديقه»(269).

13ـ وقال: «وهذا الحق قد انبلج صبحه فالزم، واقتد بالنبي، والصديق، إذ قال صلى الله عليه [وآله] وسلم:

«لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك»..

وهذا غاية الفخر، أو معرفة من وقف عند حجاب العز..»(270).

14ـ وقال الصديق الأكبر: العجز عن درك الإدراك إدراك.. الخ..(271).

فهو يراه الصديق الأكبر، مع أن الإمام علياً عليه السلام قد كذب هذه المقولة بشدة.. حيث قال:

«أنا الصديق الأكبر، وأنا فاروق هذه الأمة، لا يقولها بعدي إلا.. الخ..»(272).

الحضرات التي دخلها أبو بكر:

15ـ «واعلم يا بني، أن القلب إذا تحقق بالأسرار المكتتمة التي حصلت في منزل الأنبياء، أدخله الله سبحانه وتعالى من الحضرات الإلهية ستمائة حضرة، وستة وعشرين حضرة، إلا أبا بكر الصديق (رضي الله عنه)، فإنه أدخله الله سبحانه وتعالى في هذا المقام ستمائة حضرة وخمساً وعشرين حضرة.

وأما السادسة والعشرون، فهي له حضرة العزة خاصة.

ونحن لنا حضرة العزة، وهي لنا السادسة والعشرون، غير أن هذه الحضرة العزية التي لنا متفاضلة بيننا، وما بها على الكمال إلا الصديق الأكبر (رضي الله عنه)، ووجودها كمال في حقنا، أن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم له في هذه الحضرة ستمائة حضرة وأربع وعشرون حضرة، ينقص عن الصديق بدرجة وهو الكمال في حقه. والخامسة والعشرون له حضرة القرب الكلي. وغيره من الأنبياء، ليس مثله في هذا المقام، أعطاه الله تعالى في كل حضرة سراً، لا يجده في حضرة أخرى، بعضها أرفع من بعض، على التفاضل الذي بين الحضرات..»(273).

ليس بين النبي صلى الله عليه وآله وأبي بكر رجل:

16ـ وقال: «اعلموا: أن كثيراً من أهل طريقتنا، كأبي حامد الغزالي، وغيره، تخيل أنه ليس بين الصديقية والرسالة مقام، وأن من تخطى مقام الصديقين وقع في النبوة، وبابها مسدود عندنا دوننا، فلا سبيل إلى تخطيهم، لكن لنا المزاحمة معهم في صفهم، هذا غايتنا..

ولسنا نعني بالصديق، أبا بكر ولا عمر، ولا أحداً رضي الله عنهم، فإن أبا بكر من جملة أحواله كونه صديقاً، وقد شاركه في هذا المقام غيره من الصديقين، ولذلك قال تعالى: {أُوْلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ}(274)..

وقد فضل الصديق بسر وقر في صدره، أعطاه الله إياه، وشهد له به رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم..

فعندنا بين الصديقية والرسالة، مقام، وهذا هو المقام الذي ذكرناه، والذي أقول به.

إنه ليس بين أبي بكر رضي الله عنه، وبين النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم رجل، ولا نذكر الصديقية.

فأرفع الأولياء، أبو بكر رضي الله عنه، فاجتهدوا رضي الله عنكم في تحصيله.

وأنا أنبهكم على العلامات التي تستدلون بها عليه، وذلك أنكم إذا أقمتم بشرائط الخلوة الخ..»(275).

17ـ وفي نص آخر: «فليس بين أبي بكر ورسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم رجل، لأنه صاحب صديقية، وصاحب سر. فهو من كونه صاحب سر بين الصديقية ونبوة التشريع، ويشارك فيه، فلا يفضل عليه من يشاركه فيه، بل هو مساو له في حقيقيته»(276).

أبو بكر على العرش:

18ـ ادعى في فتوحاته: «أنه كان يرى في كل سماء واحداً من الأنبياء، إلى أن بلغ إلى العرش، فرأى أبا بكر على العرش»(277)..

الله يخاطب النبي صلى الله عليه وآله بصوت أبي بكر:

19ـ قال في الفتوحات المكية: «نودي عليه السلام في ليلة إسرائه في استيحاشه بلغة أبي بكر، فأنس بصوت أبي بكر..»(278).

ولا ندري إن كان هذا هو نفس الحديث الذي رووه، من أن ملكاً كان في المعراج يكلم النبي صلى الله عليه وآله بصوت أبي بكر(279).

مع أن الصحيح هو أنه قد كلمه بصوت علي عليه السلام، كما هو مروي حتى من طرق أهل السنة أيضاً(280).

أبو بكر والنبي صلى الله عليه وآله من طينة واحدة:

20ـ ويقول: «خلق رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم وأبو بكر من طينة واحدة، فسبق محمد، وصلى أبو بكر: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا}(281).. فكان كلامهما كلامه سبحانه..»(282).

خلَّة أبي بكر:

21ـ وقال: «ومنهم الأخلاء، ولا عدد يحصرهم، بل يكثرون ويقلون، قال الله تعالى: {وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً}(283).. وقال النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم: لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن صاحبكم خليل الله» والمخاللة لا تصح إلا بين الله وبين عبده، وهو مقام الإتحاد الخ..».

إلى أن قال:

«فالمقام عظيم، وشأنه خطير»..(284).

22ـ وقال وهو يتحدث عن كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله:

«فقال النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم عند ذلك، لما حصلت له الإجابة من الله فيما دعوناه فيه لنبيه صلى الله عليه [وآله] وسلم: لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن صاحبكم ـ يعني نفسه ـ خليل الله» الخ..(285).

أبو بكر وعائشة:

23ـ وحين ذم أهل زمانه، ذكر أن أنه ارتكز في ذلك إلى أصلين، هما رواية عن أبي بكر، ورواية عن عائشة، قال: «وروينا عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، أنه قال يوم فتح مكة، في القرن الفاضل، لما فُقِد عقد من عنق بعض أهله، تأوَّه، وقال: ارتفعت الأمانة من بين الناس..».

ثم يذكر رواية عائشة وهي تصب في هذا الإتجاه أيضاً، ويقول: إنها هي الأصل الثاني(286).

فأبو بكر يتهم الصحابة بالسرقة، وبعدم الأمانة، وهذا يسقط مقولة أهل السنة في عدالتهم..

ولم يلتفت ابن عربي إلى هذا، فاعتبر قوله وقول عائشة حجة وأصلاً يفترض فيه أن يلتزم به.