الإهداء

إلى صاحب الشريعة الغراء، سيد المرسلين والانبياء

وإلى باب مدينة علمه سيّد الائمة والاوصياء

وإلى كلّ من حدّثوا وكتبوا ودوّنوا الحقيقة من الصحابة والعلماء

وإلى الازهر الشريف ايّام حمله من العلم اللواء

وإلى من فنّدوا آراء أهل التقوّل والإفتراء

أهدي ثواب هذا الجواب

المؤلف


الصفحة 9

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطيبين الطاهرين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

وبعد، فقد أعارني بعض الأخوة كتاباً كان قد أتى به من بيت الله الحرام أيّام اعتماره في شهر شعبان المعظم، فأخذتُ الكتاب كي اقرأهُ ليالي رمضان وأقف على أساليب أعداء الإسلام في مواجهة السنة النبوية وأجوبة العلماء لها، لأنّ الكتاب كان يظهر من عنوانه أنّه عقدت أبوابه وفصوله لهذا الغرض.

لكنّ الأمر لم يكن كما تصورته، وانقلب انطباعي عن الكتاب من مطالع إلى ناقد، إذ أنه لم يفِ بالغرض المرجوّ منه، ولم يكن بالمستوى المطلوب، فسجّلت بعض الملاحظات على الكتاب لنفسي ثمّ للأخوة القراء كي لا يغتر أحد بعنوان كهذا.

فأصل الكتاب هو رسالة ماجستير تقدم بها المؤلّف إلى قسم الحديث النبوي بكلية أُصول الدين بالقاهرة / جامعة الأزهر الشريف باسم "السنة النبوية في كتابات أعداء الإسلام" في مجلدين.


الصفحة 10
وقد ناقش هذه الرسالة وأشرف عليها ثلاثة من الدكاترة(1) واجيزت بتاريخ 15/4/1999م بتقدير "ممتاز".

وعندما تصفحت الكتاب أصابني ـ والله ـ ذهول من جامعة الأزهر الشريف ومن الدرجة التي منحتها لهذه الرسالة; فإنّ ما عهدناه عن الأزهر الشريف ـ جامعاً وجامعة ـ أنّه من المراكز العلمية التي لها مستواها المرموق في العالم العربي والإسلامي، وقد قدمت ثماراً علمية طيبة إلى الأمة الإسلامية وعلى أكثر من صعيد من الاصعدة ولاكثر من مذهب.

كيف بالأزهر يمنح "ماجستير في العلوم الإسلامية" بدرجة "ممتاز" لرسالة مملوءةً بالأخطاء التي يفترض أن لا يقع في مثلها أدنى طلاب العلوم الدينية بضاعة، فكيف بأستاذ يكتب حول السنة النبوية المباركة ويوازن بين الآراء المثارة حولها، ويستنطق نصوص الكتاب العزيز ويستنبط ما تقوله السنة النبوية الأصيلة؟! وكيف فات ذلك على مشايخ ودكاترة ناقشوا وأشرفوا على مثل تلك الرسالة؟!

ولولا رقم الايداع بدار الكتب المصرية 14185/2001، لذهبنا إلى أنّ هذا الكتاب ملصَقٌ زوراً واحتيالاً بجامعة الأزهر الشريف، لأنّ مستواه العلمي لا يكاد يمت إلى أصالة جامعة الأزهر بصلة.

وعلى عجالة نعرض لك بعض النماذج من هفواته النحوية لتقف على صحة ما نقول:

1 ـ ففي الصفحة السابعة، وضمن التقديم الذي كتبه الاُستاذ المناقش الشيخ الدكتور عبدالمهدي عبدالقادر عبدالهادي، وجدنا هذه العبارة "وكان نصيبُ القرآن والسنّة

____________

1- وهم:

1 ـ الدكتور الشيخ إسماعيل عبدالخالق الدفتار ـ اُستاذ الحديث وعلومه بكلية أُصول الدين بالقاهرة (مشرفاً) .

2 ـ الدكتور الشيخ عبدالمهدي عبدالقادر ـ اُستاذ الحديث وعلومه بكلية أُصول الدين بالقاهرة (مناقشاً) .

3 ـ الدكتور محروس حسين عبدالجوار ـ اُستاذ الحديث وعلومه بكلية الدراسات الإسلامية (مناقشاً) .


الصفحة 11
كبير"(1)!!

2 ـ وفي ص 72، السطر 11 "نجد أنّ لها امتداد يسري"(2).

3 ـ وفي ص 73، السطر 5 "لتعرية دورهم الخطير في الطعن والتشكيك في الإسلام قرآن وسنة"(3).

4 ـ وفي ص 87، السطر 10 "بغضهم وتكفيرهم ولعنهم صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلاّ نفر يسير"(4).

5 ـ وفي ص 220، السطر 19 "واستدل بالحديث الأوّل قديما الشيعة الاثني عشرية"(5).

6 ـ وفي ص 259، السطر 1 وبالخطّ الأسود العريض "ونسوق هنا نموذج من ذلك"(6).

7 ـ وفي ص 286، السطر 18 "وفي نفس الوقت الكلُّ (النبيّ (صلى الله عليه وآله) والصحابة والتابعين) "(7).

8 ـ ص 291، السطر 1 "ليس في ذلك ابطال لإعجاز القرآن، بل حفاظاً"(8).

السطر 17 ـ 18 "كما أملى النبيّ كثير من سنته"(9).

____________

1- الصواب: "كبيراً".

2- الصواب: "امتدادا".

3- الصواب: "قراناً وسنّةً".

4- الصواب: "إلاّ نفراً يسيراً".

5- الصواب: "الاثنا عشرية".

6- الصواب: "نموذجاً".

7- الصواب: "والتابعون".

8- الصواب: "بل حفاظ".

9- الصواب: "كثيراً من سنته".


الصفحة 12
السطر 20 "وكان النهي دائر مع الخوف"(1).

9 ـ ص 292، السطر 20 "وفي ذلك يقول أبي سعيد الخدري"(2).

10 ـ ص 305، السطر 6 "تدويناً عامّاً في مكان واحد زمن أبو بكر الصديق، وتردُّدُ أبو بكر"(3).

، السطر 9 "إنّ تردّد أبو بكر وزيد"(4).

11 ـ ص 309، السطر 1 "فالصحابة أجمع وعلى رأسهم الخلفاء الراشدين"(5).

12 ـ ص 316، السطر 2 "ومنع من ذلك الجبائي وأبي هاشم"(6).

13 ـ ص 318، السطر 7 "زاعمين أنّ الإمام عليّ"(7).

السطر 11 "وإذا كان هذا موقف اجتهادي"(8)

14 ـ ص 341، السطر 18 "بأنَّ نهَي عمر عن الإكثار من الرواية كتمانا"(9).

15 ـ ص 347، السطر 9 ـ 10 "اما أهل السنة وفي مقدمتهم أبي بكر"(10).

16 ـ ص 354، السطر 6 "حفاظا لكتاب الله زمن أبو بكر"(11).

السطر 9 ـ 10 "غلاةِ الشيعة الزاعمين أن اهل السنة وفي مقدمتهم أبي بكر"(12).

____________

1- الصواب: "دائراً مع الخوف".

2- الصواب: "أبو سعيد الخدري".

3- الصواب: "أبي بكر" في الموضعين.

4- الصواب: "أبي بكر".

5- الصواب: "الراشدون".

6- الصواب: "أبو هاشم".

7- الصواب: "أنّ الإمام عليا".

8- الصواب: "موقفاً اجتهاديا".

9- الصواب: "كتمان" أو "كان كتماناً".

10- الصواب: "أبو بكر".

11- الصواب "أبي بكر".

12- الصواب: "ابو بكر".


الصفحة 13
17 ـ ص 357، السطر 2 "وهذا لا يعارضه ما روي أنّ أبي هريرة"(1).

18 ـ ص 366، السطر 10 ـ 11 "لان الحفظ وإن كان خوان وضعيف"(2).

19 ـ ص 368، الهامش 5 "بل وكان فعله تحقيقا لما همّ به أبيه عبدالعزيز"(3).

20 ـ ص 370 وبالمانشيت العريض "الجواب على ما يزعمه بعض الرافضة أنّ اهل السنة وفي مقدمتهم ابي بكر"(4).

ص 370، السطر 18 "لكان ذلك القول تكذيب"(5).

21 ـ ص 415، السطر 6 "وكثيرا ما كان التابعون وأتباعهم يتذاكرون الحديث، فياخذوا ما عرفوا ويتركوا ما انكروا"(6).

22 ـ ص 427، السطر 1 "بانهم بعيدين عن تعاليم الاسلام"(7).

23 ـ ص 435، السطر 18 "فقد مرّ موقف ابو سعيد الخدري"(8).

وهذا غيض من فيض ما وقع في رسالة الماجستير هذه من أغاليط نحوية لا يُكاد يصدّق صدورها عن رسالة مصدّقة وممضاة من أساتذة كلية أُصول الدين / جامعة الأزهر.

وإذا تجاوزنا هذا النزول في المستوى العلمي والادبي فنقول: إن الملاحظات(9) التي لنا

____________

1- الصواب: "أبا هريرة".

2- الصواب: "خواناً وضعيفا".

3- الصواب: "ابوه".

4- الصواب: "ابو بكر".

5- الصواب: "تكذيبا".

6- الصواب: "فياخذون... ويتركون".

7- الصواب: "بعيدون".

8- الصواب: "ابي سعيد الخدري".

9- لا يفوتك أنّ ما كتبناه ما هو إلاّ ملاحظات عابرة حول الكتاب، وليس ردّاً لكل أبوابهوفصوله ومسائله.


الصفحة 14
حول أفكار الكتاب ومواضيعه، منها ما يتمثل بالإشكالات العامة، ومنها ما يكون إشكالات خاصة. ولهذا فقد جعلت كتابي في بابين وخاتمه:


الصفحة 15

الباب الاول
الإشكالات العامة

اوّلاً: التهافتات الناتجة عن النقل العشوائي

إنّ الكتاب بمجلّديه لم يطرح ولا فكرة واحدة جديدة، ولم يظهر لكاتبه فيه أيّ ابتكار واجتهاد، والمناقشات لم تكن من بنيات أفكاره، بل كان يثقل كاهل الأوراق بما قاله لفيف ممن قبله، بحيث انه لم يجهد نفسه حتّى في صياغة عبارة من عنده، بل ينقل النصوص المتعلقة بالمسألة المثارة، متبنيا لها على علاّتها، فكتابه يكاد يكون أشبه بالتجميع منه بالتأليف، مع أنّ الذي عليه كل جامعات العالم أنّ رسالة الماجستير والدكتوراه لابد أن تأتي بفكرة جديدة غير مطروقة من قبل، أو تبحث فكرة أو أفكاراً مطروقة من قبل لكن الرسالة تبحثها من زوايا جديدة وبآراء مستقلة للكاتب، وكلا هذين الأمرين معدوم في هذه الرسالة، بل اعتمدت الرسالة بكل ثقلها على النقل لما قيل في المسألة المثارة.

وهذه النكتة هي التي أوقعته في تهافتات وتناقضات كثيرة تراها مبثوثة في نواحي كتابه.


الصفحة 16

مع الخوارج

أ ـ ففي المبحث الثاني من الفصل الأول حمل على الخوارج، وقال أنهم ليس فيهم أحد من الصحابة ولا من التابعين(1)، ونقل ذلك عن الدكتور أبي زهو، ونقل قول ابن حزم فيهم، وكانت خلاصة الأقوال أنّهم أعداء السنة منحرفون أعراب، ليس فيهم من يفهم القرآن فهماً صحيحاً، ولا فيهم من كان عالماً بالسنة(2).

لكنّه لما واجهته مشكلة أنّ البخاري في صحيحه ينقل عن الخوارج، ويحتج بعمران بن حطان، راح يتمحّل قائلاً:

ثمّ لا يغيب عن البال أنّ هذا الحكم لا يسري على جميع أفراد الخوارج، بل قد وُجد منهم فيما بعد أفراد وأئمة تفقهوا في الدين، ورووا الحديث، واعتمدهم ـ كما قال ابن الصلاح في مقدمته ـ بعض أئمّة الحديث كالبخاري، فقد احتج بعمران بن حطان وهو من الخوارج(3).

ثمّ نقل عن فتح الباري ثلاثة وجوه ـ وهي في الواقع أربعة ـ للحفاظ على ماء وجه البخاري في نقله عن ابن حطان، وهي كلّها لا تنطبق على مروية عمران بن حطّان في البخاري(4)، ثمّ كتب تحت عنوان "هل كان الخوارج يكذبون في الحديث" قائلا: "تحت هذا العنوان نفى الدكتور السباعي في كتابه ـ السنة ومكانتها في التشريع ـ أن يكون الخوارج

____________

1- مع أنّ ذا الثدية من الصحابة، وفيهم جماعة من التابعين، وحسبك أنّه قال قبلها مباشرة أنّ نشوءهم كان بعد التحكيم في صفين، وهذا يقتضي أنّ كثيرًا منهم من التابعين. وذكر هو بعد أسطر أنّ منهم ذا الخويصرة الذي قال للنبيّ: "يا محمّد اعدل، يا محمد اتق الله"، فكيف قال أنّهم ليس فيهم ولا صحابي؟!

2- انظر كتابه 1: 75 ـ 80.

3- انظر كتابه 1: 80 ـ 81 نقلا عن كتاب الحديث والمحدثون: 86.

4- انظر كتابه 1:81. نقلا عن فتح الباري / كتاب اللباس ـ باب لبس الحرير للرجال وقدر ما يجوز منه 10:296، رقم 5835.


الصفحة 17
كذبوا على رسول الله... ونفى أن يكون هناك دليلا محسوساً(1) يدل على أنّهم وضعوا الحديث"..

واسترسل في نقل كلام السباعي ذاكراً نصّين عنه، أحدهما: عن ابن لهيعة عن شيخ للخوارج أنه قال: "إنّ هذه الأحاديث دين فانظروا عمّن تأخذون دينكم فإنا كنّا إذا هوينا أمراً صيّرناه حديثا"، والثاني عن عبدالرحمن بن مهدي حيث قال: إن الخوارج والزنادقة قد وضعوا هذا الحديث "إذا أتاكم عنّي حديث فاعرضوه على كتاب الله"..

ثمّ نقل رفض السباعي لهذين النصين، إذ أنّ السباعي لم يعثر على حديث وضَعَهُ خارجي، ثمّ نقل عنه عن ابن تيمية أنّ الخوارج شرٌّ من الرافضة ولكنهم لايكذبون(2)، نقل كل ذلك ثم قال:

قلت: وأنا مع الدكتور السباعي فيما ذهب إليه ورجّحه... لأنّه لادليل على كذبهم، والأخبار الواردة في اتّهامهم بالوضع ضعيفة تحتمل التأويل كما سبق، والأخبار التي تدلّ على صدقهم ونفي الكذب عنهم صريحة وواضحة(3).

لكن الكاتب راح في المطلب الأوّل من المبحث الثاني ليردّ بزعمه شبهة عرض السنة النبوية على القرآن الكريم، وذكر الأحاديث التي استَدل بها خصومُهُ على ذلك، فكان أوّلها ما روي عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) أنه قال: "إن الحديث سيفشو عني، فما أتاكم يوافق القرآن فهو عني، وما أتاكم عني يخالف القرآن فليس عني"، وراح يرد هذا الحديث عبر قول الدكتور محمد أبي زهو، وتعليقة الأستاذ أحمد شاكر، وما قاله ابن حزم في كتاب الاحكام، وما قاله الإمام البيهقي في دلائل النبوة، ثمّ قال:

وقال الإمام ابن عبدالبر: وقد أمر الله بطاعته واتّباعه (صلى الله عليه وآله) أمراً مطلقا مجملاً لم يقيّد

____________

1- كذا، والصواب "دليل محسوس".

2- انظر كتابه 1: 83 ـ 85، نقلا عن كتاب السباعي السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي 1: 81 ـ 83.

3- انظر كتابه 1:85.


الصفحة 18
بشيء، كما أمرنا باتّباع كتاب الله، ولم يقل "وافق كتاب الله" كما قال بعض أهل الزيغ، قال عبدالرحمن بن مهدي: الزنادقة والخوارج وضعوا ذلك الحديث(1)...

ولا أدري كيف انقلب الحديث الذي حكم بضعفه تبعًا للسباعي في ص 85، إلى حديث يحتج به تبعًا لابن عبدالبر في ص 225؟! إن الذي أوقعه في ذلك هو النقل العشوائي، لأنّه ليس صاحب فكر مستقل، ولأنّه يجرّ النار إلى قرصه، فإذا أعوزه الدليل جاء بالضعيف ونقل أقوال من استدلوا به، وإذا استدل خصومه بهذا الحديث نقل أقوال من قالوا بضعفه!!! فحين أراد الدفاع عن البخاري رَفَضَ وضع الخوارج له، وحين أراد إبطال عرض السنة على الكتاب قال أنّ الخوارج هم واضعوه!!!

وحسبك أنّه في المبحث الأول من الفصل الأول، وتحت عنوان "أهمية دراسة الفرق في التاريخ للسنة المطهرة" أرسل وضع الخوارج لحديث عرض السنة على الكتاب إرسال المسلمات، قائلا:

رابعاً... فإن كثيرًا من طلاب العلم ـ فضلا عن عوام المسلمين ـ يجهلون أفكار فرق يموج بها العالم... ولا أدل على ذلك من تلك الأفكار وبعض العبارات التي يرددها كثير من المسلمين في كثير من المجتمعات الإسلاميّة دون أن يعرفوا أنّ مصدرها من الخوارج مثل قولهم "لا حجة في شيء من أحكام الشريعة إلاّ من القرآن، أمّا السنة فلا حجة فيها(2)...

هذه أول نكتة احببت أن الفت إليها نظر الاخوة المشرفين على الرسالة واطلب من القراء التحكيم.

مع حديث الغدير

ب ـ ومن نماذج تهافتاته إنكاره لحديث الغدير، تبعاً لابن تيمية ومن لفّ لفه، قال:

____________

1- انظر كتابه 1:225، نقلا عن كتاب جامع بيان العلم وفضله 2: 190 ـ 191.

2- انظر كتابه 1:74.


الصفحة 19
ومن تلك الأحاديث التي يصححونها ولا عدالة لرواتها ولا اتّصال لسندها حديث غدير خم... وهذا الحديث هو عند أهل السنة حديث مكذوب لا أساس له باللفظ الذي يروونه عن طواغيتهم(1).

ونقل في الهامش ما هذا نصّه:

قال الإمام ابن تيمية في فصل "الطرق التي يعرف بها كذب المنقول" ما ينفرد به، ويتضمن أمراً تتوافر الدواعي على نقله، ومن هذا الباب نقل النص على خلافة علي، فإنا نعلم أنه كذب من طرق كثيرة... ثمّ أحال للاستزادة على ما كتبه الدكتور علي السالوس، وعلى كتاب مختصر التحفة الاثني عشرية للالوسي، وعلى العواصم من القواصم لابن

____________

1- انظر كتابه 1: 96 ـ 97. نافق الكاتب فتارة يصلي ويسلم على آل البيت، واخرى يطلق عليهم لفظة "الطواغيت" فقد قال في 1: 93 "وفيه اكثر من الفي رواية عن طواغيتهم المعصومين" واضاف في صفحة 94 قائلاً: "فان الكتاب ينطوي كما سبق على الاف النصوص عن طواغيتهم".

وللمزيد انظر كلامه في هامش 1 صفحة 296 وهو يريد الاجابة على ما تذهب إليه بعض الشيعة في سبب منع تدوين الحديث، وهو خوف الخلفاء من اشتهار فضائل أهل البيت، فقال:... يكذبه الواقع فكتب السنة الصحيحة بين ايدينا تشهد بكذب هذا الزعم بمجرد النظر في كتب المناقب وفضائل الصحابة نجدها مملوءة بالاحاديث الصحيحة الواردة في فضائل آل البيت عليهم الصلاة والسلام ثم ان...

وقال في صفحة 345 وهو بصدد الدفاع عن المنع انه كان لوجوه من المصالح، قال:... لا زهداً في الحديث النبوي، ولا تعطيلاً له، ولا إخفاءً لاحاديث فضائل أهل البيت وما يدل على إمامتهم كما تزعم الرافضة، فاحاديث فضائل أهل البيت وما يدل على امامتهم وعظيم منزلتهم مدونه في سائر كتب السنة في كتب المناقب وفضائل الصحابة.

قلت: لو كان حقاً يدري بأن تلك الاحاديث تدل على امامتهم وعظيم منزلتهم وان الاحاديث الصحيحة الواردة في فضائل آل البيت مملوءة بها كتب المناقب فكيف يصح قوله (يروونه عن طواغيتهم) وفي آخر (عن طواغيتهم المعصومين) اترك الامر للقارئ كي يعرف الحق من الباطل ويحكم في مثل هذا الامر.


الصفحة 20
العربي، وعلى ما كتبه موسى الموسوي، والدكتور مصطفى حلمي(1).

ونحن لسنا بصدد مناقشة هذا الكلام، فقد أشبعه الأعلام بحثاً وردوه بما لا ينكره منصف، وقد روى هذا الحديث أكثر من مائة صحابي، بأسانيد جمّة فيها الصحاح والحسان وغيرهما.

قال ابن حجر: وأمّا حديث "من كنت مولاه فعلي مولاه" أخرجه الترمذي والنسائي وهو كثير الطرق جدًّا، وقد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد، وكثير من أسانيدها صحاح وحسان(2).

وقال الذهبي: رأيت مجلداً من طرق هذا الحديث لابن جرير الطبري، فاندهشت له ولكثرة تلك الطرق(3). وقال: وأما حديث من كنت مولاه فله طرق جيدة وقد أفردت ذلك أيضاً(4).

وقال ابن كثير: وقد اعتنى بأمر هذا الحديث أبو جعفر محمد بن جرير الطبري صاحب التفسير والتاريخ فجمع فيه مجلدين أورد فيهما طرقه وألفاظه(5).

وقال الحاكم الحسكاني: وطرق هذا الحديث مستقصاة في كتاب "دعاء الهداة إلى حق الموالاة" من تصنيفي في عشرة أجزاء(6).

وقال الحافظ شمس الدين الذهبي: أما حديث "من كنت مولاه" فله طرق جيّدة، وقد

____________

1- انظر هامش الصفحه 96 من المجلد الاول.

2- فتح الباري في شرح صحيح البخاري 7:61.

3- تذكرة الحفاظ 2:713، وفي سير أعلام النبلاء 14:277 / الرقم 175 قال: جمع[ الطبري ]طرق حديث غدير خم في أربعة أجزاء، رأيت شطره فبهرني سعة رواياته وجزمت بوقوع ذلك.

4- تذكرة الحفاظ 3:1043.

5- البداية والنهايه 11:146. وانظر في ردّ هذه الدعوى المجلدات 6 ـ 9 من نفحات الازهار، والغدير 1:217 ـ 218 و 270 ـ 282. وغيرهما.

6- شواهد التنزيل 1:252 / ذيل الحديث 246.


الصفحة 21
أفردت ذلك أيضًا(1).

ونقل الذهبي عن أبي بكر اللباد أنّه قال: بينا سعيد بن الحداد جالس إذ أتاه رسول عبيدالله ـ يعني المهدي ـ قال: فأتيته ـ وأبو جعفر البغدادي واقف ـ فتكلمت بما حضرني، فقال: اجلس، فجلستُ فإذا بكتاب لطيف، فقال لأبي جعفر: اعرض الكتاب على الشيخ، فإذا حديث غدير خم، قلت: وهو صحيح وقد رويناه(2)...

وقال عمر بن أحمد بن شاهين المتوفى سنة 385 هـ: وقد روى حديث غدير خم عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نحو مائة نفس وفيهم العشرة، وهذا حديث ثابت لا أعرف له علّة، تفرّد عليٌّ بهذه الفضيلة لم يشركة فيها أحد(3).

ونص على تواتره الذهبيّ(4)، والمناوي(5)، ونقل علي القاري نصّ بعض الحفاظ على تواتره(6)، وغيرهم الكثير ممن لا حاجة لاستقصائهم هنا، وقد صرّح بصحته الذهبيّ(7)، وابن حجر الهيتمي(8)، وعلي القاري(9)، والسمهودي(10) وغيرهم الكثير الكثير، كما صرّح بصحته الإمام الالباني، بل صرّح بتواتر قسمه الاول فقال: وجملة القول أن حديث الترجمة [وهو حديث الغدير] حديث صحيح بشطريه، بل الاول منه متواتر عنه (صلى الله عليه وآله) كما

____________

1- تذكرة الحفاظ 3:1043 / رقم 962 (ترجمة الحاكم) . وقد طبعت رسالته هذه بتحقيق العلاّمة المرحوم السيّد عبدالعزيز الطباطبائي.

2- سير اعلام النبلاء 14:206 / رقم 116 (ابن الحداد) .

3- الكتاب اللطيف لشرح مذاهب أهل السنة:138 / ذيل الحديث 88. وانظر هامشه حيث ذكر المحقق انه في الترمذي، ومصنف ابن أبي شيبه، والمستدرك للحاكم، ومسند أحمد.

4- سير اعلام 8:334 / الرقم 86 (المطلب بن زياد) .

5- فيض القدير 6:218 / ذيل الحديث 9000.

6- مرقاة المفاتيح 10:464 / ذيل الحديث 6091.

7- سير اعلام النبلاء 5:415 / الرقم 182 (أبو حصين) . قال: الحديث ثابت بلا ريب.

8- الصواعق المحرقة:42 / الباب الاول الفصل الخامس، قال: إنه حديث صحيح لامرية فيه.

9- مرقاة المفاتيح 10:464، قال: والحاصل أن هذا الحديث صحيح لامرية فيه.

10- جواهر العقدين:96.


الصفحة 22
يظهر لمن تتبع أسانيده وطرقه... إذا عرفت هذا، فقد كان الدافع لتحرير الكلام على الحديث وبيان صحته أنني رأيت شيخ الإسلام ابن تيمية قد ضعف الشطر الأول من الحديث، وأمّا الشطر الآخر فزعم أنه كذب، وهذا من مبالغاته الناتجة في تقديري من تسرّعه في تضعيف الأحاديث قبل أن يجمع طرقها ويدقق النظر فيه(1).

فالذي نقوله هنا: إنّ هذا الرجل أنكر حديث الغدير وتواتره تبعاً لابن تيمية، بدعوى أنّه لا يصح له ولا إسناد، مع أنّه هو نفسه كذّب نفسه حيث قال وهو بصدد الدفاع عن السنة التي تخيّلها منحصرة بما روي منها في كتب أصحابه، قال:

فهذه سنة النبي مستقرة في بطون الكتب المعتمدة من علماء الأمة الثقات مميَّزًا صحيحها من ضعيفها، فمنها ما هو معلوم الصحة كالصحيحين ـ للبخاري والمسلم [كذا] ـ والموطأ والمستخرجات، وصحيح ابن حبان، وصحيح ابن خزيمة، وصحيح أبي عوانة، والصحاح لابن السكن، والمنتقى لابن الجارود، والمختارة لضياء المقدسي، ومستدرك الحاكم على ما فيه من تعقبات(2)، ومنها ما جمع بين الصحيح والحسن والضعيف... الخ

وبصرف النظر عن مدى صحة هذا الكلام ـ وهو غير صحيح قطعاً ـ نقول: إن حديث الغدير روي في بعض هذه الكتب التي اعتبرها معلومة الصحة، فإمّا أن يقول بصحة حديث الغدير، أو أن يرجع عن صحة هذه الكتب المدرجة أسماؤها أعلاه.

فقد روى ابن حبان في صحيحه حديث مناشدة علي (عليه السلام) وأنّ أناساً شهدوا بسماعهم قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) : "من كنت مولاه فإن هذا مولاه، اللهم والِ من والاه وعاد من عاداه"(3).

وروى حديث الغدير الحاكم النيسابوري في مواضع متعددة من مستدركه منها ما

____________

1- سلسلة الأحاديث الصحيحة 4:343 ـ 344.

2- انظر كتابه 1:373 نقلا عن الرسالة المستطرفة:20.

3- صحيح ابن حبان 15:376.


الصفحة 23
تعقبها الذهبي(1)، ومنها ما سكت على تصحيح الحاكم لها(2)، ومنها ما صرّح هو بصحتها(3).

وقد رواه الضياء المقدسي في المختارة أيضاً ـ وهو الكتاب الذي رجحه بعض المشايخ(4) على مستدرك الحاكم ـ وقد نقل ذلك عنه السيوطي في الجامع الصغير(5)، والسمهودي في جواهر العقدين(6).

فحديث الغدير إذن متواترٌ وصحيحٌ، ولا سبيل لإنكاره، لكن عماد السيد الشربيني أنكره تبعاً لابن تيمية وذيوله، ولم يَدَعْهُ حقده أن يفرض له أصلاً، مع أنّه عندما أراد أن يتبنى صحة منع النبي (صلى الله عليه وآله) عن كتابة السنة جعل الحديث الموقوف في حكم المرفوع المسند، وذلك تحسيناً للظن بالصحابي(7)، ثمّ قال:

أما الآثار الموقوفة فصحّح منها الحافظ الهيثمي رواية أبي بردة بن أبي موسى الأشعري بإسناد الطبراني في المعجم الكبير، والبزار في مسنده، وبقية الروايات الموقوفة، وكذا المقطوعة يؤيد بعضها بعضاً، وتصلح للحجة في بابها(8).

____________

1- كما في الحديث الثاني ـ الذي ذكره شاهداً ـ من المستدرك 3:109، و 3:116، و 3:371.

2- كما في الحديث الاول من المستدرك 3:109، و 3:110.

3- كما في 3:134 و 533.

4- قال الشيخ احمد شاكر في الباحث الحثيث 1: 112 " كانه يعني شيخه ابن تيمية ".

5- الجامع الصغير 2:181.

6- جواهر العقدين: 57.

7- انظر كتابه 1:280 نقلاً عن المحصول للرازي 2:221، وفتح المغيث للسخاوي 1:144، وتدريب الراوي 1:190 ـ 191، وتوضيح الافكار 1:280.

8- انظر كتابه1:280 ـ 281، وأحال النظر لشروط الاحتجاج بالضعيف على علوم الحديث لابن الصلاح:35، وفتح المغيث 1:86، وتدريب الراوي 1:176 ـ 177، والباعث الحثيث:34. وقد فعل مثل ذلك في 1:316 ـ 317 / الهامش 6، حيث انه لما أراد الاستدلال على صحة اجتهاد الصحابي ذكر من جملة أدلته حديث معاذ بن جبل لما بعثه رسول اللهّ (صلى الله عليه وآله) ، وذكر تصريح الترمذي بأنّه ليس بمُتَّصل عنده، ثمّ راح يتمحّل لتصحيحه، فنقل تمحّل ابن قيم الجوزية في ذلك مع اعترافه بأنّ في الحديث من هم غير مسمين، ثمّ نقل قول الشوكاني: هو حديث مشهور له طرق متعددة ينهض مجموعها للحجية، ثمّ قال الشربيني في نهاية المطاف: فالحديث صحيح رغم أنف بعض غلاة الشيعة في زعمهم أنّ الحديث من وضع أهل السنة!! فلاحظ تضاربه حيث صححه مع انقطاعه لمجرد تعدد الطرق، فلماذا لم يقل مثل ذلك في الغدير!! ولاحظ منطقه العلمي في التصحيح رغم الأنف.