الصفحة 70
إلى بدعته، وجمهورُهُم على عدم قبول رواية المبتدع الداعي إلى بدعته(1)، بل كيف يعتبر البخاري شخصاً يمدح ابن ملجم بقوله:


يا ضربة من تقي ما أراد بها إلاّ ليبلغ من ذي العرش رضوانا
إنّي لأذكره يومًا فأحسبه أوفى البرية عند الله ميزانا
أكرم بقوم بطون الطير قبرهم لم يخلطوا دينهم بغيًا وعدوانا(2)

أيّ مسلم ـ بربّك ـ يرضى رواية مَن يشمت بمصرع أمير المؤمنين (عليه السلام) ويمدح عبدالرحمن بن ملجم أشقى الآخرين؟! اللّهم لا يكون ذلك إلاّ ممن في قلبه بغض لآل محمّد.

روايتهم عن عمر بن سعد قاتل الحسين

وحين ننقل القلم للحديث عن عمر بن سعد نراه يقف خجلاً عن أن يذكر اسمه على صفحة بيضاء، في حين لا يخجل العجلي أن يقول: وهو تابعي ثقة، وهو الذي قتل الحسين(3)، ولما سأل ابنُ أبي خثيمة يحيى بن معين عن عمر بن سعد أهو ثقة؟ قال: كيف يكون من قتلَ الحسين ثقة(4).

وقال عبدالرحمن بن يوسف بن خراش: حدثنا أبو حفص ـ هو الفلاّس ـ قال: سمعت يحيى بن سعيد القطان، وحدثنا عن شعبه وسفيان، عن أبي إسحاق، عن العيزار بن حريث، عن عمر بن سعد، فقام إليه رجل فقال: أما تخاف الله تروي عن عمر بن سعد؟! فبكى، وقال: لا أعود أحدّث عنه أبداً(5).

وروي عن محمد بن سيرين، عن بعض أصحابه، قال: قال علي لعمر بن سعد: كيف

____________

1- انظر مقدمة فتح الباري:382.

2- انظر البداية والنهاية 9: 64، وتاريخ دمشق 43: 495، وسير أعلام النبلاء 4: 215.

3- تهذيب التهذيب 7:451.

4- تهذيب الكمال 21:357.

5- تهذيب الكمال 21:357 ـ 358.


الصفحة 71
أنت إذا قمتَ مقاماً تخيَّرُ فيه بين الجنة والنار فتختار النار(1).

وهو الذي قال في تردده بين الجنة والنار، واختيار النار، حيث باع الجنة بملك الري:


دعاني عبيدالله من دون قومه إلى خطّة فيها خرجْت لحَينِ
فوالله ما أدري وإنّي لحائر أفكّر في أمري على خطرينِ
أأترك ملكَ الرّيّ والريُّ منيتي أم ارجع مأثوماً بقتل حسينِ
وفي قتله النار التي ليس دونها حجاب ولي بالريّ قرّة عينِ

ثمّ قال:


يقولون إنّ الله خالق جنة ونار وتعذيب وغلّ يدينِ
فإن صدقوا فيما يقولون إنّني أتوب إلى الرحمن من سنتينِ
وإنّ إله العرش يغفر زلّتي ولو كنتُ فيها أظلم الثقلينِ
وإن كذبوا فزنا بدنيا عظيمة وملك عقيم دائم الحجلينِ
فإن كنتُ أَقْتُلْهُ فقد فاز موعدي وما عاقل باع الوجود بدَيْنِ(2)

ومع كل مساوئه المذكورة المسطورة، نرى ابن حجر العسقلاني أتعب نفسه فقال ملخِّصاً الموقف الرجالي منه:

عمر بن سعد بن أبي وقاص المدني، نزيل الكوفة: صدوق، ولكن مقته الناس لكونه كان أميراً على الجيش الذين قتلوا الحسين بن علي(3).

ولذلك روى له النسائي في سننه(4)!!!

____________

1- تهذيب الكمال 21:359. وضعفه منجبر بشواهد أخرى، وبروايات صحيحة عن أهل البيت (عليهم السلام) ، وبإطباق المؤرخين على أن عمر بن سعد تردّد وخيّر نفسه بين الجنة والنار، ثمّ اختار النار، وذلك حين دعاه عبيدالله بن زياد لقتال الحسين (عليه السلام) .

2- انظر نور العين في مشهد الحسين لابي إسحاق الاسفراييني: 34، والفتوح لابن اعثم 5: 146 ـ 147، ومعجم البلدان 3: 118، واللهوف: 193.

3- تقريب التهذيب 3:73، المطبوع مع تحرير التقريب.

4- تهذيب الكمال 21:36. وانظر السنن الكبرى 6:263 / ح 10906.


الصفحة 72

روايتهم عن سيف بن عمر

ومثل ذلك روايتهم عن سيف بن عمر التميمي، وقد مرت عليك أقوال الرجاليين، وعرفت أنّهم مطبقون على أنّه ضعيف وضاع متّهم بالزندقة، ومع ذلك روى له الترمذي، قال: حدثنا أبو بكر بن نافع العبدي، أخبرنا النضر بن حماد، أخبرنا سيف بن عمر، عن عبيدالله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : إذا رأيتم الذين يسبّون أصحابي فقولوا: لعنة الله على شرّكم. وقال: هذا حديث منكر لا نعرفه من حديث عبيدالله بن عمر إلاّ من هذا الوجه(1).

وحاول المزي أن يتدارك الموقف فقال: وقد وقع لنا عاليًا جدّا عنه [أي عن سيف]، ثمّ ساق سنده إلى سيف بن عمر، قال: حدثنا عبيدالله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : "إذا رايتم الذين يسبون أصحابي فالعنوهم"(2).

فهذا سيف، وهذه رواية القوم عنه، وهذا مضمون روايته، فهنيئاً للشربيني هذه الطرق التي يتحدّى بها طرقنا إلى أئمة آل محمّد; علي والحسن والحسين والسجاد والباقر والصادق والكاظم والرضا والجواد والهادي والعسكري والحجة ابن الحسن، جميعاً عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، عن جبرئيل عن الله سبحانه وتعالى!!!

رواية صحاحهم

عن حمران بن أبان النمري = طويد بن أَبّا اليهودي التمري

قبل البدء بإعطاء خلاصة هذا البحث، نرى لزاماً علينا أن نسجّل حقيقة أنّ كلّ ما

____________

1- الترمذي 5:359 / ح 3968.

2- تهذيب الكمال 12:327.


الصفحة 73
نكتبه تحت هذا العنوان فإنّما هو مأخوذ من إفادات سماحة العلاّمة المُنظِّر السيّد علي الشهرستاني حفظه الله، وهو بنظرنا من الاكتشافات الحديثية التاريخية التي لم يسبقه إليها أحد، وهو بحث مفصل يقع في مجلّد ضخم مدعم بالأدلة القاطعة والبراهين الساطعة، ومشفوع بخرائط توضيحية لخطورة سير هذا الرجل ـ أي حمران بن أبان (طويدا اليهودي) ـ في فقه المسلمين وتاريخهم، وقد تفضل علينا مشكورًا بمسّودات كتابه هذا ـ الذي يكون المجلد الرابع من كتابه "وضوء النبيّ" ـ وأجازنا في الإفادة منه، فلّله درّه وعليه أجره.

إن رواية حمران بن أبان عن عثمان بن عفان في الوضوء لا تكاد تخلو منها صحاح ومسانيد العامة، وقد تصدرت أبواب الوضوء من تلك الكتب، فما من كتاب فقهي أو حديثي إلاّ وقد أتى بخبر حمران عن عثمان في الوضوء.

وإليك مسرداً مختصراً في رواية أهمّ الكتب الحديثية عنه:

  • صحيح البخاري بسنده عن عطاء بن يزيد الليثي عن حمران عن عثمان (1:48،51 باب الوضوء ثلاثاً و 1:52 باب المضمضة في الوضوء و 1:234) .

  • صحيح مسلم بسنده عن عطاء بن يزيد عن حمران عن عثمان (1:41،204 ح 3 و 2:25 ح 4) .

  • المجتبى للنسائي بسنده عن عطاء بن يزيد عن حمران عن عثمان (1:64،65،80) .

  • وفي السنن الكبرى (1:82/91) وعن معاذ بن عبدالرحمن عنه في المجتبى 2:111، والسنن الكبرى 1:103/175،299/929.

  • سنن الدارمي بسنده عن عطاء بن يزيد عن حمران عن عثمان 1:176.

  • سنن أبي داود بسنده عن عطاء بن يزيد عن حمران عن عثمان 1:26 ح 107.

    وبسنده عن أبي سلمة بن عبدالرحمن بن عوف عن حمران عن عثمان 1:26 ح 107.

    وبسنده عن ابن أبي مليكه عن حمران عن عثمان 1:27 ح 108.

    وبسنده عن أبي علقمة المصري عن حمران 1:27 ح 109.

  • سنن الترمذي بسنده عن شقيق بن سلمة عن حمران عن عثمان 1:24/31.


    الصفحة 74

  • مسند أحمد بسنده عن معاذ بن عبدالرحمن التيمي عن حمران عن عثمان 1:68،71.

    هذا، ناهيك عن رواية الدارقطني في سننه عنه كثيراً (انظر 1:83 ح 14 و 17 وأبي داود الطيالسي في مسنده:13 ـ 14 والطبراني في الاوسط (5:510 / 4969 و 7:401 / 6779) والصغير (1:267) ومسند الشاميين 4:46/2692 و 186 / 3071.

    وعبدالرزاق في مصنفه (1:45 / 140) .

    وابن حبان في صحيحه (3:340 / 1058،343 / 1060) .

    وابن خزيمة في صحيحه (1:4 / 2،3 و 81 / 158 و 2:373) .

    وابن أبي شيبة في مصنفه (1:22 / 134 و 2:161 / 7644) .

    والطحاوي في شرح معاني الاثار (1:35) .

    والبيهقي في سننه (1:48، 49، 53، 56، 57، 58، 68،82) .

    وابن الجارود في المنتقى من السنن (28 / 67) .

    وابن ماجة في سننه (1:156 / 459) .

    وعلي بن الجعد في مسنده (84 / 472) .

    والحارث في بغية الباحث (1:211 / 73) .

    والبزار في مسنده (2:88) .

    وابن حميد في مسنده (50 ـ 60) .

    والبغوي في جزئه:68.

    والحاكم في مستدركه 1:149 / 527.

    وعبدالله بن المبارك في مسنده:21، وعشرات المؤلفات الأخرى، وانما اقتصرنا على سرد هذه الأسماء لأنّ فيها ما ادعى الشربيني أنها أصح الكتب، خصوصاً الصحيحين، الذين إذا اتّفقا على تخريج حديث عندهم صار حقيقة لا تقبل النقاش.


    الصفحة 75

    فمن هو حمران:

    قال ابن قتيبة ـ المتوفى سنة 276 ـ في المعارف:

    حمران مولى عثمان هو حمران بن أبان بن عبدعمرو. ويكنى أبا زيد، وكان سباه المسيب بن نجبة الفزاري زمن أبي بكر رضى الله تعالى عنه من عين التمر، وأمير الجيش خالد بن الوليد فوجده مختوناً. وكان يهوديا اسمه طويدا، فاشتُري لعثمان ثمّ أعتقه وصار يكتب بين يديه، ثمّ غضب عليه فأخرجه إلى البصرة، فكان عامله بها، وهو كتب إليه في عامر بن عبد القيس حين سيره.

    ولما قتل مصعب وثب حمران فأخذ البصرة، ولم يزل كذلك حتّى قدم خالد بن عبدالله [القسري] فعزله، فلما قدم الحجاج البصرة آذاه وأخذ منه مائة ألف درهم، فكتب [حمران ]إلى عبدالملك يشكوه، فكتب عبدالملك: إن حمران أخو من مضى وعمّ من بقي، فأَحْسِنْ مجاورته وردّ عليه ماله، وتزوج حمران امرأة من بني سعد وتزوج ولده في العرب(1).

    وقد اتّفقت المصادر أنّه كان من السبي الفارسي بعين التمر الذي أتي بة سنة 12 للهجرة النبوية، وأنّ خالد بن الوليد وجده في كنيسة لليهود في ضمن أربعين غلاماً مختّنين، ففرّقهم في الناس، فكان حمران حصة المسيب بن نجبة الفزاري، ثمّ باعه لعثمان(2).

    وكان اسمه "طويدا" كما تقدم عن ابن قتيبة، وكان اسم أبيه "أبّا" فقال بنو حمران: ابن

    ____________

    1- المعارف:248.

    وابن قتيبة وثقه الخطيب البغدادي، والسلفي، وابن حزم، وابن كثير، والذي ذكره ابن حجر في مرتبته أنّه صدوق. وكان ابن قتيبة منحرفاً عن العترة، وفيه انحراف عن أهل البيت. (انظر لسان الميزان 3:357 ـ 359، والبداية والنهاية 11:66، وتاريخ بغداد 10:168، وانساب السمعاني 4:452) .

    2- انظر طبقات ابن سعد 7:148، وتهذيب الكمال 7:303، وتاريخ الإسلام للذهبي:395، ومختصر تاريخ دمشق 7:253، ووفيات الاعيان 4:181، وتاريخ بغداد 5:332، وتاريخ الطبري 3:415، والأخبار الطوال:112، ومعجم البلدان 5:301.


    الصفحة 76
    أبان(1). وذُكر لقبه في جميع نسخ فتوح البلدان التي رأيناها ـ مطبوعة ومخطوطة ـ "التمري"(2). فاتضح أنّ هذا الأسير الفارسي اليهودي كان اسمه طويدا ابن أبّا التمري، لأنّه كان يقطن عين التمر، لكنّه لما دخل في العرب وتزوّج امرأة عربية، ادّعى ولده أنهم من ولد حمران بن أبان النمري، فبدلوا "طويدا" بـ"حمران" و "أبّا" بـ"أبان"، و"التمري" بـ"النمري"، وساعدهم على ذلك وجود قبائل من النمر بن قاسط في عين التمر كانت قد قاتلت خالد بن الوليد لكنه أسرهم فقتلهم وأبادهم، وذلك ماهيّأ الأمر لدخول حمران وولده في النمر بن قاسط العربية.

    ويؤكّد ذلك قول مصعب بن الزبير لحمران: يا بن اليهودية، إنّما أنت علج نبطي سبيت من عين التمر(3).

    ويزيده تأكيداً قول الحجاج ذات يوم وعنده عباد بن حصين الحبطي: ما يقول حمران؟! لئن انتمى إلى العرب ولم يقل أنّ أباه "أُبَي"(4) وأنّه مولى لعثمان لاضربنّ عنقه(5)وكان عامر بن عبدالقيس الزاهد العابد قَبْل هذين قد عير حمران بعدم عروبته، إذ أنّ حمران وَشَى بعامر عند عثمان، ودار بينهما كلامٌ، فقال حمران لعامر: لا كثّر الله فينا مثلك، فقال له عامر: بل كثّر الله فينا مثلك كسّاحين حجّامين(6).

    وهذا يوضح أنّ حمران كان يهوديّ الأب والأم، وأنّ عائلته كانت ملتزمة بيهوديتها حريصة على نشر تعاليمها، ولذلك أرسلت ولدها الصبي "طويدا" إلى كنيسة اليهود ليتعلم

    ____________

    1- انظر تهذيب الكمال 7:303، ومختصر تاريخ دمشق 7:253، وفتوح البلدان:345، وطبقات ابن سعد 7:148.

    2- فتوح البلدان:345.

    3- تاريخ الطبري 6:154 ـ 155.

    4- في تهذيب الكمال 7:301 "بن أبان، ويقال: ابن أبيّ، ويقال: ابنُ أَبَّا".

    5- فتوح البلدان:513، وانساب الأشراف 13:36.

    6- انظر المعارف:194، والعقد الفريد 3:378 ـ 379.


    الصفحة 77
    تعاليمهم(1)، وكان المسلمون في ذلك العصر يعرفون هذه الحقيقة، ويعرفون أنّ حمران دعيّ في العرب، وهذه المصادر ناطقة بإفشاء هذه الحقيقة التي حاول حمران وأولاده طمسها لكنّها لم تطمس.

    والنكتة الخطيرة الأخرى هي أنّ هذا الرجل اليهودي الأصل والمنحدر سُبي سنة 12 للهجرة، وبقي على دينه باقي حكومة أبي بكر، وطيلة حكومة عمر بن الخطاب، ولم يسلم إلاّ في السنة الثالثة من حكومة عثمان، ورغم هذا الإسلام المتأخّر لمدة مديدة تراه قد تسنّم مناصب خطيرة في دولة عثمان،حيث إنّه صيّره حاجبه وكاتبه(2)، وصار هذا اليهودي المتأخّر الإسلام يصلّي خلف عثمان فإذا أخطأ فتح عليه(3)، وترقى فصار خاتم عثمان بيده(4)، ولمّا ثارت ثورة الأقطار وخصوصاً المصريين قال مروان لحمران: إن هذا الشيخ [يعني عثمان] قد وهن وخرف، فقم فاكتب إلى ابن أبي سرح أن يضرب أعناق من ألّب على عثمان ففعلا(5)،ثمّ كان رجوع المصريين لقتل عثمان بسبب هذا الكتاب المشؤوم.

    وكان حمران هذا ممن يأخذ الرشوة، فإن المغيرة لما قدم على عثمان بمال من الكوفة، جعل لحمران(6) ـ حاجب عثمان ـ جعلاً ليخبره بمن يريد عثمان أن يستعمله بدلاً عنه، ففعل حمران ذلك(7).

    ولمّا رُفِع لعثمان أنّ الوليد شرب الخمر، أرسل حمران ليتحقّق من المسألة، فرشاه الوليد،

    ____________

    1- انظر تاريخ ابن خلدون 2:82، وتاريخ ابن كثير 6:354.

    2- انظر تهذيب الكمال 7:305، والعقد الفريد 4:70،149، 168، وتاريخ خليفة:106، وتاريخ الطبري 6:180، وتاريخ دمشق 15:178، وسير أعلام النبلاء 4:183.

    3- انظر تهذيب الكمال 7:304، وتاريخ دمشق 15:177، والاصابة 1:380.

    4- أنساب الاشراف 6:182. ونصّ عبارته "وكان خاتم عثمان بديّاً في يد حمران بن أبان، ثمّ أخذه مروان حين شخص حمران إلى البصرة، فكان معه".

    5- البدء والتاريخ 2:218.

    6- لا يفوتك انه في المصدر ذكر باسم "بحران حاجب عثمان" تصحيفا.

    7- تاريخ المدينة لابن شبة 3:103 ـ 1031.


    الصفحة 78
    فرجع إلى عثمان وأطرى الوليد وكذَّب شربه للخمر(1).

    ومع ذلك نرى هذا الاجنبي الفارسي اليهودي الأسير يحظى حظوة عظيمة عند عثمان وعند معاوية وعند مروان وعند الأمويين عموماً.

    فقد اعتلّ عثمان مرّة علة شديدة خاف منها الموت، فدعا حمران بن أبان وكتب عهداً لمن بعده ـ وهو عبدالرحمن بن عوف الزهري ـ وربطه عثمان وبعث به إلى أمّ حبيبة بنت أبي سفيان، لتوصله بعد الموت إلى عبدالرحمن، فأفشى حمران ذلك إلى عبدالرحمن، وانتشر الخبر فغضبت بنو أميّة، فضربه عثمان مائة سوط وسيّره إلى البصرة(2). فلاحظ كيف صار حمران صاحبَ أخطر سرّ من أسرار عثمان.

    وقال الأصمعي: حدثني رجل، قال: قدم شيخ أعرابي فرأى حمران، فقال: من هذا؟ قالوا: حمران بن أبان، فقال: لقد رأيت هذا ومال رداؤه عن عاتقه فابتدره مروان بن الحكم وسعيد بن العاص أيّهما يسوّيه(3)!!!

    وعن عبدالله بن عامر، عن أبيه، قال: إنّ حمران بن أبان مدّ رجله، فابتدره معاوية وعبدالله بن عامر أيّهما يغمزه(4)!!!

    ويعبّر عنه عبدالملك بن مروان بأنّه بمنزلة عمه وأخي أبيه، وأنّه ربعٌ من أرباع بني أميّة، فيكتب للحجاج حين أغرم حمران مائة ألف درهم: إن حمران أخو من مضى وعمّ من بقي وهو ربع من أرباع بني أمية، فاردد عليه ما أخذت منه(5).

    ____________

    1- انظر فتوح البلدان:491، ومختصر تاريخ دمشق 7:253، ومعجم البلدان 1:434 ـ 435.

    2- انظر تاريخ اليعقوبي 2:169، ومختصر تاريخ دمشق 7:254، وتهذيب الكمال 7:304، وتاريخ المدينة 3:1029 ـ 1030، ورواها ابن عبدالبرفي التمهيد بسند صحيح.

    3- انظر أنساب الاشراف 6:89، وتاريخ الطبري 6:165، والوافي بالوفيات 3:169، وتهذيب الكمال 7:305، ومختصر تاريخ دمشق 7:254.

    4- انظر مختصر تاريخ دمشق 7:254، وتهذيب الكمال 7:305، والوافي بالوفيات 13:169، وتاريخ الطبري 6:165، وأنساب الاشراف 6:89.

    5- انظر انساب الاشراف 6:89، وتهذيب الكمال 7:305، ومختصر تاريخ دمشق 7:254، والوافي بالوفيات 13:169.


    الصفحة 79
    فيالله وللطرق الروائية الصحيحة التي يتحدى بها طرق الشيعة الإماميّة، متى كان الخلفاء المسلمون يجعلون العلوج اليهود أمناء أسرارهم؟!

    ومتى كان سادات العرب يسوّون أردية الضحلين، ويغمزون أرجلهم؟!

    ومن المضحكات المبكيات أنّ البخاري أورده في الضعفاء، وقال ابن سعد: لم أرهم يحتجون بحديثه، ومع ذلك روى له الشيخان البخاري ومسلم، وروى له مَن علمت من الرواة وأخرج له من يعسر إحصاؤهم من الصحاح والمسانيد، وقال فيه ابن حجر في تقريبه: ثقة.

    وأنصف بشار عواد بعض الإنصاف حين قال: بل صدوق في أحسن أحواله، فما وجدتُ أحداً وثّقه سوى ابن حبان والذهبي، وقال ابن سعد: لم أرهم يحتجون بحديثه، وأورده البخاري في الضعفاء، ثمّ قال: قلت: ويظهر من جماع ترجمته أن الرجل لم يكن أمينًا تلك الأمانة التي تؤدّي إلى توثيقه توثيقًا مطلقاً، فلعلّ هذا هو الذي تبيّن للبخاري، على أنّ البخاري ومسلم قد احتجًا به في الصحيح(1)!!

    فأين إنصاف البخاري؟ وأين ما التزمه من شروطه في صحيحه؟! وأين يقع توثيق ابن حبان ـ الذي لا يُعبأ بتوثيقاته عند أهل الشأن لأنّه يوثّق حتّى من لايعرفهم هو نفسه ـ وتوثيق الذهبي المتأخّر، من تضعيف البخاري له وعدم احتجاجهم به بشهادة ابن سعد؟!

    وإذا أردت الوقوف أكثر فأكثر على الحقيقة فاقرأ الذهبي يقول: الفارسي الفقيه(2).

    ويقول ابن سعد: وكان كثير الحديث(3).

    ويقول ابن عبدالبرفي تمهيده: وكان حمران أحد العلماء الجلّة أهل الوداعة والرأي

    ____________

    1- انظر تحرير تقريب التهذيب 1:321 ـ 322.

    2- سير اعلام النبلاء 4:182.

    3- طبقات ابن سعد 5:283.


    الصفحة 80
    والشرف بولائه ونسبه(1).

    ولو حققت الموضوع لوجدت حمران لا يروي إلاّ عن عثمان بن عفان ومعاوية بن أبي سفيان فقط مع أنّه عاصر عبدالله بن عباس وأنس بن مالك وغيرهما من الصحابة، وكلّ رواياته عن الأوَّلَين لا تتجاوز عدد الأصابع، اللّهم إلاّ الوضوء عن عثمان فإنّه هو الذي مُلئت به الكتب وتكثرت الطرق عنه(2).

    على أنّ الذين رووا الوضوء العثماني بواسطه حمران وبثُّوه، كان قسم كبير منهم من الشعوبيين، ومن موالي أبي بكر وعمر وآل أبي لهب وآل طلحة، وموالي لثقيف ومراد وعبس وبني أمية ومعاوية ووو... فكانوا من الحاقدين على الإسلام، المصابين بعقدة السبي.

    وكانت من بؤر تمركزهم البصرة، التي كانت في السرّ ـ وأحيانًا في العلن إذ استولى عليها بعد صلح الإمام الحسن (عليه السلام) هو وعدد من الموالي لصالح عبدالملك بن مروان(3) ـ تحت قبضة حمران وطابوره الخطير، ولذلك كان عدد كبير من رواة وضوء عثمان بطريق حمران من الموالي محتدًا، ومن البصريين مسكنًا، ومن القدريين والسلطويين وأصحاب المخاريق، وممّن تكلّم فيهم وطُعِنوا بشتى الطعون، ولتفصيل ذلك مجال آخر.

    وهنا نرجو من القارئ المنصف أن يقارن هذه الحقائق الدامغة بمفترياتهم حول الإمامية، وأن عبدالله بن سبأ ـ الذي ليس له وجود أبداً(4) ـ كان هو رئيسهم، مع أنّ كتب الإماميّة خالية إلاّ عن رواية واحدة عنه، وإذا تسلّل اسمه إلى بعض الكتب ـ التي ليست من الكتب الأربعة ـ فإنّما يذكر دون حتّى دليل واحد ورقم واحد على تغلغله في عقائد وفقه الشيعة، بينما ترى حمران اليهودي الشعوبي المولى المُرْتَشى المتآمر على قتل المصريين،

    ____________

    1- التمهيد 22:211.

    2- انظر تفاصيل ذلك كله بالأرقام في المجلد الرابع من وضوء النبي للعلاّمة الشهرستاني.

    3- انظر أنساب الاشراف 6:79 ـ 93، وتاريخ دمشق 16:125، وتاريخ الطبري 6:153.

    4- انظر تحقيق ذلك مفصلاً في كتاب عبدالله بن سبأ وأساطير أخرى للعلاّمة السيّد مرتضى العسكري.


    الصفحة 81
    والمتسبب بشكل كبير في قتل عثمان، ترى أثره واضحاً جليّاً مرقوماً مسطوراً مبثوثاً في أمّهات مصادر العامة الحديثية والفقهية وعلى رأسها الصحيحان، وعلى رأسهما صحيح البخاري الذي يُدّعى أنّه أصح كتاب بعد كتاب الله؟!

    فَمَن هو الأحقّ بالطعن؟! و أيّ الطرق أولى بالطرح و الاتّهام؟! هذه الطرق التي يتخلّلها سيف بن عمر التميمي الوضاع الزنديق، و عمران بن حطان الخارجي الشامت بمصرع أميرالمؤمنين (عليه السلام) ، و حمران بن أبان ـ طويدا بن أبّا اليهودي الشعوبي المتسلل ـ و مع ذلك يأخذون برواياتهم على أنّها صحاح أو حسان ـ أو طرق الشيعة الإمامية الممحّصة من قِبَل أئمتهم (عليهم السلام) ، و التي دوّنت و ضبطت في زمانهم (عليهم السلام) ، و التي تنتهي كلّها بسلسلة الذهب أباً عن أب، و جدّاً عن جدّ، إلى رسول اللهّ (صلى الله عليه وآله) إلى جبرئيل، إلى الله جل و علا؟!

    بعد هذا ضع كلام الشر بيني في الميزان و احكم "و هذه الكتب الحديثية و غيرها الكثير تتحدى في طرق جمعها و تدوينها و صحّتها طرق أهل الكتاب في جمع و تدوين عهدهم القديم و الجديد، و تتحدى طرق الشيعة الرافضة".. الخ.

    و هذه بعض الارقام التي رأينا من الضروري بيانها، و إلاّ فإنّ للأصابع اليهودية و النصرانية مسرحاً و ملعباً في حكومة الأمويين، فقد اتّهمت أمُّ المؤمنين عائشةُ ابنَها عثمان باليهودية، قائلة: اقتلوا نعثلا فقد كفر(1)، و كان المسلمون المنتفضون عليه يسمونه بذلك "نعثلا" و هو رجل يهودي(2)، و صرّح الإمامُ علي (عليه السلام) في خلافته بأنّ كفّ مروان كفّ يهودية(3)، و كان عند عبدالله بن عمرو بن العاص زاملتان من اليهود(4)، و قال أبوذر

    ____________

    1- انظر تاريخ الطبري 3: 477، و شرح النهج 6: 215، و المحصول للرازي 2: 167.

    2- انظر اكمال الكمال 1: 338، و تبصير المنتبه 1: 97، و تهذيب الكمال 19: 455، و تاج العروس 8: 141.

    3- انظر انساب الاشراف 5: 263، و نهج البلاغة 1: 122 / الخطبة 73.

    4- انظر الاسرائيليات و أثرها في كتب التفسير لأبي شهبة: 237، 169 عن تفسير ابن كثير و البغوي 1: 316 ط المنار، و فتح الباري 6: 31.


    الصفحة 82
    لكعب الأحبار: يابن اليهودية، أتعلّمنا ديننا(1)، و كان للوليد ساحر يهودي(2) يعمل عنده المخاريق، فلما قتله جندب الصحابي، حبسه الوليد، فلما رأى السجّان صلاته و صومه خَلَّى سبيله، فأخذ الوليدُ السجّانَ فقتله، و قيل: بل أتى ابن أخي جندب إلى السجن و أخرج جندباً، فذلك قوله:


    أفي مضرب السَّحَّارِ يُحبسُ جُندبٌ و يُقتل أصحابُ النبيِّ الأوائلُ
    فإن يكُ ظنّي بابنِ سلمى ورهطِهِ هو الحقُّ يطلق جندبٌ ويقاتل(3)

    والأرقام والشواهد والأدلة كثيرة لا يسع المجال لذكرها كلّها، وفيما ذكرناه كفاية وغنى، فقد وضح الصبح لذي عينين(4).

    وثالثها:

    وهو المقصود في هذا المجال، هو دعواه أنّ الكتب الأربعة ممتلئة بالكذابين والملاحدة والشعوبيين وفاسدي العقيدة والمذمومين من أئمتهم، وكل ما يخطر ببالك من نقائص، ورغم هذا يصرّح علماؤهم بأنّ كل ما في هذه الأربعة صحيح واجب العمل به. وعزا ذلك في الهامش إلى الدكتور عبدالهادي الفضلي.(5)

    وهنا نقول: إننا بيّنّا أنّ دعوى وجود الكذّابين والملاحدة والشعوبيين و و و... منعكسة عليه، فهم موجودون في أصحّ كتاب عندهم بعد كتاب الله، وهو صحيح البخاري كما علمتَ، ناهيك عن باقي كتبهم ومسانيدهم ومجاميعهم الروائية، وعرفت أنّهم يأخذون بها

    ____________

    1- تاريخ الطبري 4: 214، الكامل في التاريخ 3: 115.

    2- انظر مروج الذهب 2: 348.

    3- انظر أسد الغابة 1: 305.

    4- وبذلك يتضّح لك مقدار تحامل الشربيني وحقده في قوله: "والحق أنّ التشيّع كان مأوى يلجأ اليه كلّ من أراد هدم الاسلام لعداوة أو حقد، ومن كان يريد ادخال تعاليم وآبائه من يهوديّة ونصرانيّة وزردشتيّة وهنديّة". أنظر كتابه 1:87.

    5- انظر كتابه: 373 ـ 374. و الهامش رقم (1) .