الصفحة 82

الفصل الرابع
محاولة عثمان تعميم الآية لزوجات
النبي صلى الله عليه وآله وكل بني هاشم

ثالثاً: وأما زعمه أن الله تعالى أذهب الرجس عن زوجات النبي صلى الله عليه وآله وعن كل بني هاشم، فجوابنا عليه هو:

1- إن القول بأن الله سبحانه وتعالى قد أذهب الرجس عن زوجات النبي صلى الله عليه وآله وعن جميع بني هاشم يعني إثبات العصمة لكل هؤلاء فالرجس في لغة العرب هو (القذر) فيشمل كل أنواع القذرات المعنوية منها والمادية، قال الألوسي في روح المعاني: (والرجس في الأصل القذر... وقيل يقع على الإثم وعلى العذاب وعلى النجاسة وعلى النقائص، والمراد فهنا – أي في آية التطهير – ما يعم ذلك)(1).

وقال الفيروز آبادي في القاموس المحيط: (الرجس بكسر، القذر، ويحرك ويفتح بالراء وتكسر الجيم، والماثم وكل ما استقذر من العمل، والعمل المؤدي إلى العذاب، والشك والعقاب والغضب...)(2).

____________

(1) تفسير روح المعاني 22/12.

(2) القاموس المحيط 2/318.


الصفحة 83
فالرجس يشمل الذنب، وهو أحد مصاديقة، وعلى قوله هذا تكون زوجات النبي صلى الله عليه وآله وجميع بني هاشم معصومين من الذنوب، ولا قائل بذلك من أمة محمد صلى الله عليه وآله.

2- إن صاحبنا لم يأت بدليل واحد يثبت به زعمه هذا أو يؤيده به! وآية التطهير لا تصلح دليلاً عنده لذلك لأنه يدعي أن الإرادة فيها إرادة تشريعية (إرادة محبة) وليست إرادة تكوينية، فما هو الدليل يا ترى الذي استند إليه أو اعتمد عليه ليقول زاعماً أن الله سبحانه وتعالى أذهب الرجس عن زوجات النبي صلى الله عليه وآله وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس؟!.


الصفحة 84

الصفحة 85

الصفحة 86

الفصل الخامس
محاولة عثمان الخميس جعل الآية لكل المسلمين

قال عثمان الخميس:

(خامساً: إن الله تبارك وتعالى يريد إذهاب الرجس عن كل واحد وعن كل مؤمن، ولذلك أمر النبي الإنسان إذا أراد أن يصلي أن يجتنب أماكن الوسخ، وقال الله { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ }(1) وأمر بالوضوء وأمر بالاغتسال عند الجنابة).

وقال عثمان الخميس:

(سادساً: التطهير ليس خاصاً بعلي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم بل واقع لغيرهم أيضاً كما قال تعالى: { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا } وقال تعالى: { وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ } وقال تعالى: { وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ })(2).

____________

(1) سورة المدثر الآية: 4.

(2) حقبة من التاريخ: 191 – 192.


الصفحة 87
اقول:

مما لا شك فيه أن الله سبحانه وتعالى أراد لكل مسلم أن يطهر نفسه من جميع الأرجاس المادية والمعنوية، وذلك بامتثاله التكاليف الشرعية المتوجهة إليه، وذلك مراد له سبحانه وتعالى بإرادته التشريعية.

أما الإرادة في آية التطهير فقد أسلفنا أنها إرادة تكوينية، لأنه سبحانه حصر فيها إذهاب الرجس عن خصوص المخاطبين فيها وهم أهل البيت عليهم السلام، وحددهم النبي صلى الله عليه وآله بالأسماء والكساء!.

وفي قوله الآخر يعطينا الشيخ الخميس دليلاً آخر على تخبطه وأسلوبه في المغالطة إذ يحرّف معنى العديد من آيات الكتاب العزيز فيها مشتقات كلمة (الطهارة) ويفسرها بغير معناها الصحيح، ويحملها من الدلالة ما لا تتحمله، ليدعي أن التطهير ليس خاصاً باصحاب الكساء وإنما هو واقع لغيرهم أيضاً.

وكأن الشيعة ومن قال باختصاص الآية بأهل البيت عليهم السلام استدلوا بقوله: { وَيُطَهِّرَكُمْ } وهو خطأ فاحش جداً، فالشيعة يستدلون على ذلك بمجموع الآية الكريمة وليس بخصوص { وَيُطَهِّرَكُمْ }.

وردنا عليه في هذا الوجه هو: أن التطهير المعنى المراد لأهل البيت عليهم السلام في آية التطهير غير حاصل لأحد غيرهم من هذه الأمة أبداً.

أما قوله تعالى: { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا } فليس فيه دلالة على أن المأخوذ منه الزكاة قد حصل له التطهير المطلق من كل رجس، وإن حصل فهو تطهير نسبي غير مطلق، وليس دفع الصدقة هو

الصفحة 88
التكليف الوحيد لتطهير المرء نفسه، فهل من يدفع الزكاة ولكنه يمارس مخالفات شرعية من قبيل الكذب والغيبة والسرقة والتزوير والتحريف ونحوها يكون طاهراً من الرجس؟! إن آية التطهير كما ذكرنا فيها إخبار عن تحقق التطهير من كل رجس للمخاطبين بها، بينما حصول التطهير في قوله تعالى: { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا } ليس إلا تطهيراً نسبياً مشروطاً، فالفرق كبير جداً بين ما تفيده آية التطهير وما تدل عليه هذه الآية.

أما قوله تعالى: { وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ } جزء من قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }(1)، فالله سبحانه وتعالى في هذه الآية بصدد تشريع الطهارة المائية والترابية من الوضوء والغسل والتيمم عند وجوب الصلاة، ثم يخبر فيها أنه إنما أراد لهم بهذا التشريع أن يطهرهم ويتم نعمته عليهم فيكون معنى وقوله: { يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ } أن الهدف من جعل هذه الأحكام وتشريعها من غسل ووضوء وتيمم وطهارة هو طهارة الناس من

____________

(1) سورة المائدة الآية: 6.


الصفحة 89
الحدث والخبث، فليس فيه إخبار عن تحقق هذه الطهارة، وإنما هي مرادة لله سبحانه وتعالى من خلال إرادته التشريعية ولا تتحقق إلا بامتثال هذه التشريعات، فليست هي طهارة مطلقة من كل رجس، ولا يوجد أحد يقول بأن من امتثل التكليف بالوضوء يكون طاهراً من كل الأرجاس، فإن الطغاة القتلة الذين يلعنهم عثمان الخميس يتوضؤون أيضاً.

وأما قوله تعالى: { إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ }(1).

فليس فيه أيضاً إخبار عن طهارة أحد بشكل مطلق من كل رجس، فالآية تخاطب الذين عصوا الله تعالى وهربوا من أحد وتركوا النبي صلى الله عليه وآله وحده أمام سيوف المشركين، وأنه أنزل على المؤمنين منهم مطراً ليطهرهم به ويذهب به عنهم رجز الشيطان الذي أمرهم بالفرار! وأنه ألقى النعاس على المؤمنين منهم دون المنافقين! فالتطهير فيها خاص من رجز الفرار الذي هو على حد الكفر بالله، قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ * وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلا مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ }(2) فغاية ما تدل عليه الآية تطهير المؤمنين منهم من رجز الفرار من الزحف، دون المنافقين الذين لم ينزل عليهم النعاس، والذين يعرفهم الخميس جيداً.

____________

(1) سورة الأنفال الآية: 11.

(2) سورة الأنفال الآية: 15- 16.


الصفحة 90
فأين هذه من تطهير أهل البيت من كل رجس؟!

فما زعمه الشيخ الخميس من وقوع التطهير لغير أصحاب الكساء زعم باطل وما استشهد به من كلام الله لإثبات ذلك ليس فيه دلالة على شيء مما أراد إثباته.


الصفحة 91

الصفحة 92

الصفحة 93

الصفحة 94

الفصل السادس
افتراء الخميس بأن الله أذهب الرجس عن الصحابة

ومن طريف تخبطات عثمان الخميس أنه ناقض نفسه وتنازل عن مقولته بتعميم التطهير من الرجس لكل الناس، فزعم أن إذهاب الرجس يشمل أهل البيت عليهم السلام ونساء النبي صلى الله عليه وآله وكل الصحابة! فهو لا يثبت على قول في الآية، بل هو يقفز من قول إلى قول!

قال عثمان الخميس:

(إذهاب الرجس لا يدل على أنهم الخلفاء بعد رسول الله (ص)، بل نحن نؤمن يقيناً أنّ الله أذهب عن علي الرجس، ولذلك صار مولى المؤمنين وكذلك الحسن والحسين وفاطمة وكذلك زوجات النبي (ص) ولذلك سماهن أمهات المؤمنين { وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ } وكذلك أصحاب النبي فإن الله أذهب عنهم الرجس جميعاً بدليل الآيات التي ذكرناها قريباً)(1).

وبهذا أضاف الخميس مزعومة أخرى إلى مزاعمه السابقة وهي دعواه بأن الله قد أذهب الرجس أيضاً عن أصحاب النبي صلى الله عليه وآله

____________

(1) حقبة من التاريخ: 192.


الصفحة 95
وأثبت لهم العصمة وهذا لا قائل به من المسلمين ولا من الكافرين! خاصة أن سيرة هؤلاء الصحابة وما ارتكبه الكثير منهم من مخالفات شرعية دليل على بطلان هذه المزعومة، كما أن هناك كثيراً من الأحاديث الصحيحة في مصادر أهل السنة تنص على أن جماعة ليست بالقليلة من هؤلاء الصحابة سيغيرون ويبدلون بعد النبي صلى الله عليه وآله وسيدخلون النار يوم القيامة، وهذه نماذج منها:

فقد أخرج البخاري في صحيحه(1)، والشاشي في سمنده(2) بسنديهما كلاهما عن أبي وائل قال – واللفظ للبخاري -: (قال عبد الله قال النبي (ص): أنا فرطكم على الحوض ليرفعن إليّ رجال منكم حتى إذا أهويت لأناولهم اختلجوا دوني فأقول: أي رب أصحابي! يقول: لا تدري ما أحدثوا بعدك).

وأخرج البخاري في صحيحه عن أبي هريرة الدوسي أنه كان يحدث عن رسول الله (ص) أنه قال: (يرد عليّ يوم القيامة رهط من أصحابي فيحلئون على الحوض، فأقول: يا رب أصحابي! فيقول: إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك، إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى)(3).

____________

(1) صحيح البخاري 6/2587.

(2) مسند الشاشي 2/42.

(3) صحيح البخاري 5/2407.


الصفحة 96
وأخرج أحمد بن حنبل في مسنده(1)، وابو يعلى في مسنده(2) عن عبد الله بن مسعود – واللفظ لأحمد – عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال لأصحابه: (أنا فرطكم على الحوض، ولأنازعن أقواماً ثم لأغلبن عليهم فأقول: يا رب أصحابي، فيقول: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك).

وأخرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (ص): (مثلي كمثل رجل استوقد ناراً فلما أضاءت ما حولها جعل الفراش وهذه الدواب التي في النار يقعن فيها، وجعل يحجزهن ويغلبنه فيقتحمن فيها، قال فذلك مثلي ومثلكم أنا آخذ بحجزتكم عن النار هلم عن النار فتغلبوني تقحمون فيها)(3).

فكيف يكون هؤلاء مطهرين من الرجس، وهل المطهر يدخل النار؟!!

دلالة آية التطهير على الإمامة

أما قوله أن إذهاب الرجس لا يدل على أنهم الخلفاء بعد الرسول صلى الله عليه وآله فجوابه: أنا نستدل بهذه الآية على إمامة علي بن أبي طالب عليه السلام وخلافته للرسول على الأمة، وكذلك إمامة الحسن والحسين عليهما السلام بالدلالة الإلتزامية لأن هؤلاء ادّعوا الإمامة وخلافة النبي صلى الله عليه وآله فقد ادّعاها علي عليه السلام لنفسه وادعاها له الإمامان الحسن والحسين والسيدة الزهراء

____________

(1) مسند أحمد 1/384 و 406 و 425.

(2) مسند أبي يعلى 1/126.

(3) صحيح مسلم 4/1789.


الصفحة 97
عليهم السلام، وبما أنهم معصومون فلازمه صدق هذه الدعوى.

ثم إن المطهر من ربه أحق من غير المطهر، والمعصوم هو الأحق والأصلح والأنسب لتولي منصب خلافة النبي صلى الله عليه وآله، لأن غير المعصوم لا يناله عهد الله تعالى بنص القرآن، وقال تعالى: { وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ }(1).

فالآية الكريمة تقرر أن من اتصف في آن من آنات حياته بالظلم لا يصلح أن يكون إماماً، فهي تثبت لزوم أن يكون الإمام معصوماً غير ظالم طول عمره.

____________

(1) سورة البقرة الآية: 124.


الصفحة 98

الصفحة 99

الصفحة 100


رد أباطيل عثمان الخميس

على حديث الثقلين





الصفحة 101

الصفحة 102

الصفحة 103

الصفحة 104

الفصل الأول
محاولة عثمان الخميس تضعيف حديث الثقلين

قال عثمان الخميس: (حديث الثقلين: تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وعترتي...).

ثم قال في هامش الصفحة: (سنن الترمذي، كتاب المناقب، باب مناقب أهل البيت رقم 3786، وفيه زيد الأنماطي والحديث له أكثر من طريق لا يخلو من طرق منها من كلام مع اختلاف في المتون).

ثم قال في أصل الصفحة: (هذا الحديث يستدلون به على أنه يجب أن يتمسك المؤمن بعترة النبي (ص)، ثم قالوا بعد ذلك إذا وجب التمسك بهم صاروا أولياء الأمر بعد رسول الله (ص) وهم الخلفاء بعده، وهذا يرد عليه من وجوه...).

وقال: (الحديث فيه كلام من حيث صحته وثبوته عن النبي (ص) والثابت عند مسلم أن الأمر كان بالتمسك بكتاب الله والوصية بأهل البيت كما مر من حديث زيد بن أرقم في مسلم فأوصى بكتاب الله وحثّ على التمسك به، ثم قال: وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي، فالذي أمر بالتمسك به كتاب الله، وأما أهل بيت النبي (ص) فأمر برعايتهم وإعطائهم

الصفحة 105
حقوقهم التي أعطاهم الله تبارك وتعالى إياها، وقد ثبت من حديث جابر في مسلم أن النبي لما خطب في حجة الوداع قال: (قد تركت فيكم ما لن تضلوا إن اعتصمتم به، كتاب الله) ولم يذكر أهل البيت، وهو الذي إذا تمسك به الإنسان لا يضل أبداً)(1).

أقول:

خلاصة ما يريد أن يقوله الشيخ عثمان الخميس أن حديث الثقلين بالنص الذي ذكره عن الترمذي والألفاظ المشابهة له فيه كلام من حيث صحته وثبوته عن النبي صلى الله عليه وآله، فلا يصح للشيعة الاحتجاج به، وأن الثابت عنه صلى الله عليه وآله هو الحديث المروي بالألفاظ التي ذكرها مسلم بن الحجاج في صحيحه، وفي رواية مسلم لم يأمر النبي صلى الله عليه وآله بالتمسك إلاّ بالقرآن الكريم، فلم يأمر بالتمسك بأهل بيته عليهم السلام، بل وصى أمته بهم بحفظهم ومراعاة حقوقهم!

وردّنا عليه في وجوه:

أولاً: حديث الثقلين صحيح بلفظ الترمذي وغيره

إن حديث الثقلين الذي ذكره عن الترمذي وبألفاظ مشابهة ورد بطرق كثيرة صححها العديد من علماء أهل السنة، ونذكر في أولهم إمامهم الألباني في أكثر من كتاب له، منها صحيح سنن الترمذي، حيث قال فيه ناقلاً الحديث عن سنن الترمذي:

(حدثنا نصر بن عبد الرحمن الكوفي حدثنا زيد بن الحسن – الأنماطي –

____________

(1) حقبة من التاريخ: 202.


الصفحة 106
عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله قال: رأيت رسول الله (ص) في حجته يوم عرفة وهو على ناقته القصواء يخطب، فسمعته يقول: يا أيها الناس إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي).

قال الألباني: (صحيح: " المشكاة " 6143 – التحقيق الثاني)(1).

وفيه أيضاً: (حدثنا علي بن المنذر الكوفي، حدثنا محمد بن فضيل حدثنا الأعمش عن عطية عن أبي سعيد، والأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن زيد بن أرقم رضي الله عنهم قالا: قال رسول الله (ص): إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما).

ثم قال الألباني معلقاً على الحديث: (صحيح: المشكاة: 6144، الروض النضير: 977-878، الصحيحة: 4/356 – 357)(2).

وقد صحح الحديث ابن حجر العسقلاني في كتاب المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية في باب فضائل الإمام علي عليه السلام عن علي قال:

(إن النبي (ص) حضر الشجرة بخم، ثم خرج آخذاً بيد علي فقال: ألستم تشهدون أن الله ربكم؟ قالوا: بلى، قال: فمن كان الله ورسوله

____________

(1) صحيح سنن الترمذي 3/542 برقم: 3786.

(2) صحيح سنن الترمذي 3/543 برقم: 3788.


الصفحة 107
مولاه فإن هذا مولاه، وقد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا كتاب الله سببه بيده وسببه بأيديكم وأهل بيتي) قال: وهذا إسناد صحيح(1).

وقد صححه أيضاً ابن حجر الهيثمي في كتابه الصواعق المحرقة فقال: (ومن ثم صح أنه (ص) قال: إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي)(2).

وقال في نفس المصدر: (وفي رواية صحيحة: إني تارك فيكم أمرين لن تضلوا إن اتبعتموهما، وهما كتاب الله وأهل بيتي عترتي.

زاد الطبراني: إني سألت لهما فلا تقدموهما فتهلكوا، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم...)(3).

كما صححه البوصيري في " اتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة " قال: (وعن علي بن أبي طالب أن النبي (ص) حضر الشجرة بخم، ثم خرج آخذاً بيد علي فقال: ألستم تشهدون أن الله ربكم؟ قالوا: بلى، قال: ألستم تشهدون أن الله ورسوله أولى بكم من أنفسكم وأن الله ورسوله مولاكم؟ قالوا: بلى، قال: فمن كان الله ورسوله مولاه فإن هذا

____________

(1) المطالب العالية 4/65 برقم: 3972.

(2) الصواعق المحرقة 2/428.

(3) الصواعق المحرقة 2/439.


الصفحة 108
مولاه، وقد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا كتاب الله سببه بيده وسببه بأيديكم وأهل بيتي) قال البوصيري: (رواه إسحاق بسند صحيح)(1).

ورواه بسند صحيح أيضاً يعقوب بن سفيان الفسوي في كتابه المعرفة والتاريخ، قال: (حدثنا يحيى قال: حدثنا جرير عن الحسن بن عبيد الله عن أبي الضحى عن زيد بن أرقم قال: قال النبي (ص): إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا: كتاب الله عزّ وجل وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض)(2).

ورجال سنده كلهم من الثقات، أما (يحيى) فهو الإمام الحافظ يحيى بن يحيى بن بكير التميمي المنقري النيسابوري أبو زكريا، ثقة، أخرج له من الستة البخاري ومسلم والنسائي والترمذي(3).

و (جرير) هو جرير بن عبد الحميد بن قرط الضبي الرازي، وهو ثقة أخرج له الستة جميعهم(4).

و (الحسن بن عبيد الله) هو الحسن بن عبيد الله بن عروة النخعي أبو عروة

____________

(1) اتحاف الخيرة المهرة 9/279.

(2) المعرفة والتاريخ 1/536.

(3) تهذيب الكمال 8/102 رقم الترجمة: 7538.

(4) تهذيب الكمال 1/447 رقم الترجمة: 901.


الصفحة 109
وهو ثقة من رجال مسلم والبقية عدا البخاري(1).

و (أبو الضحى) هو مسلم بن صبيح وهو ثقة من رجال الجميع(2).

وصححه الشيخ سليمان القندوزي الحنفي في ينابيع المودة قال:

(ومن ثمة صح أنه (ص) قال: إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا، كتاب الله وعترتي)(3).

وقال القندوزي: (وأخرج الطبراني في الكبير برجال ثقات، ولفظه: إني تارك فيكم خليفتين كتاب الله وأهل بيتي وأنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض)(4).

كما رواه بهذا النص أحمد بن حنبل في مسنده، وقد قال عن مسنده: (إن هذا الكتاب قد جمعته وانتقيته من أكثر من سبعمائة وخمسين ألفاً فما اختلف فيه المسلمون من حديث رسول الله (ص) فارجعوا إليه فإن كان فيه وإلاّ فليس بحجة)(5).

____________

(1) تهذيب الكمال 2/138 رقم الترجمة: 1226.

(2) تهذيب الكمال 7/100 رقم الترجمة: 6523.

(3) ينابيع المودة: 295.

(4) ينابيع المودة 1/120 برقم:45.

(5) من له رواية في مسند أحمد 9، سير أعلام النبلاء ترجمة أحمد بن حنبل.


الصفحة 110
وبما أن الحديث باللفظ المذكور موجود في المسند، فيكون حجة ففيه: (حدثنا عبد الله، حدثني أبي، حدثنا ابن نمير، حدثنا عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (ص): إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعدي الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي، ألا وأنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض)(1).

وقال محمود شكري الألوسي في كتابه " مختصر التحفة ": (وههنا فوائد جليلة لها مناسية مع هذا المقام، وهي أن رسول الله (ص) قال: إني تارك فيكم الثقلين فإن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وهذا الحديث ثابت عند الفريقين أهل السنة والشيعة)(3).

وقال بصحته ابن جرير الطبري، نقل تصحيحه له المتقي الهندي في كنز العمال، قال: (عن محمد بن عمر بن علي، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب: أن النبي (ص) قال: إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا

____________

(1) مسند أحمد 3/59 برقم: 11578.

(2) مختصر التحفة: 52.


الصفحة 111
كتاب الله، سبب بيد الله، وسبب بأيديكم، وأهل بيتي).

(ابن جرير وصححه)(1).

وصححه المحاملي في أماليه، ذكر ذلك جلال الدين السيوطي في مسند الإمام علي قال: (عن علي رضي الله عنه أن النبي (ص) قام بحفرة الشجرة بخم ثم خرج آخذاً بيد علي فقال: أيها الناس ألستم تشهدون أن الله ربكم؟ قالوا: بلى، قال: ألستم تشهدون أن الله ورسوله أولى بكم من أنفسكم وأن الله ورسوله مولاكم؟ قالوا: بلى، قال: فمن كان الله ورسوله مولاه فإن هذا مولاه، وقد تركت فيكم ما إن أخذتم به فلن تضلوا بعده، كتاب الله سببه بيده وسببه بأيديكم وأهل بيتي) (ابن راهويه وابن جرير وابن أبي عاصم والمحاملي وصحح)(2).

وصححه أيضاً الحافظ السقاف في كتابه " صحيح صفة صلاة النبي " قال: (ففي سنن الترمذي 5/663 برقم: 3788 قال رسول الله (ص): إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي، ولن

____________

(1) كنز العمال 1/379 برقم: 1650.

(2) مسند علي 192 برقم: 605.


الصفحة 112
يفترقا حتى يردا عليّ الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما).

ثم قال السقاف: (وهو صحيح)(1).

كما صححوا حديث الثقلين بألفاظ أخرى تؤدي معنى وجوب التمسك بهما ففي مستدرك الحاكم قال: (حدثنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن تيميم الحنظلي ببغداد، حدثنا أبو قلابة عبد الملك بن محمد الرقاشي، حدثنا يحيى بن حماد، وحدثني أبو بكر محمد بن بالويه وابو بكر أحمد بن جعفر البزار قالا: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، حدثنا يحيى بن حماد، وحدثنا أبو نضر أحمد بن سهل الفقيه ببخارى، حدثنا صالح بن محمد الحافظ البغدادي، حدثنا خلف بن سالم المخرمي، حدثنا يحيى بن حماد، حدثنا أبو عوانة، عن سليمان الأعمش قال: حدثنا حبيب بن أبي ثابت، عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: لما رجع رسول الله (ص) من حجة الوداع ونزل بغدير خم أمر بدوحات فقممن فقال: كأني قد دعيت فأجبت أني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله تعالى وعترتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، ثم قال: إن الله عز وجل مولاي وأنا مولى كل مؤمن، ثم أخذ بيد علي رضي الله عنه فقال: من كنت مولاه فهذا وليه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه).

____________

(1) صحيح صفة صلاة النبي: 29.