ثم قال الحاكم: (هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بطوله)(1).
وقال ابن كثير: (وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله (ص) قال في خطبته بغدير خم: إني تارك فيكم الثقلين، كتاب الله وعترتي وأنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض)(2) , وقد ارتضى ابن كثير تصحيح الذهبي: (وقد روى النسائي في سننه عن محمد بن المثنى، عن يحيى بن حماد، عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم قال: لما رجع رسول الله (ص) من حجة الوداع ونزل بغدير خم أمر بدوحات فقممن ثم قال: كأني دعيت فأجبت، إني تارك فيكم الثقلين، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما؟ فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، ثم قال: الله مولاي، وأنا مولى كل مؤمن، ثم أخذ بيد علي فقال: من كنت مولاه فهذا وليه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، فقلت لزيد سمعته من رسول الله (ص)؟ فقال: ما كان في الدوحات أحد إلاّ رآه بعينه، وسمعه بأذنيه).
____________
(1) المشتدرك على الصحيحين 3/118 برقم: 4576.
(2) تفسير ابن كثير 4/122.
وقال الألباني في صحيح الجامع الصغير: (إني تارك فيكم خليفتين، كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض وعترتي أهل بيتي، وأنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض).
(صحيح) (حم، طب، عن زيد بن ثابت)(2).
وقال جمال الدين القاسمي: (وقد ثبت في الصحيح أن رسول (ص) قال في خطبته: إني تارك فيكم الثقلين، كتاب الله وعترتي، وأنهما لم يفترقا حتى يردا عليّ الحوض)(3).
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: (وعن زيد بن ثابت عن رسول الله (ص) قال: إني تركت فيكم خليفتين، كتاب الله وأهل بيتي، وأنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض).
____________
(1) البداية والنهاية لابن كثير 5/ 228، السيرة النبوية لابن كثير 4/416.
(2) صحيح الجامع الصغير 1/842 برقم: 2457.
(3) محاسن التأويل 4/307.
وقال أيضاً: (عن زيد بن ثابت قال رسول الله (ص): إني تارك فيكم خليفتين كتاب الله عز وجل حبل ممدود ما بين السماء والأرض أو ما بين السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض). ثم قال: (رواه أحمد وإسناده جيد)(2).
وقال السمهودي: (وأخرجه الطبراني في الكبير برجال ثقات، ولفظه: إني تارك فيكم خليفتين، كتاب الله عزّ وجل وأهل بيتي، وأنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض)(3).
وقال الأزهري: (روى شريك عن الركين، عن القاسم بن حسان، عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله (ص): إني تارك فيكم الثقلين خلفي، كتاب الله وعترتي فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض) ثم قال الأزهري: (قال محمد بن إسحاق: وهذا حديث حسن صحيح)(4).
____________
(1) مجمع الزوائد 1/170.
(2) مجمع الزوائد 9/256، وانظر مسند أحمد 8/138 برقم: 21634.
(3) جواهر العقدين: 236.
(4) تهذيب اللغة 2/264.
وبذلك يظهر عدم صحة قول عثمان الخميس: (الحديث فيه كلام من حيث صحته وثبوته عن النبي (ص))!
وعندما نعرف أن عثمان الخميس مطلع على الحديث ومتخصص به، ولا بد أنه قرأ هذه المصادر كلها أو جلها، وعلى الأقل ما صححه شيخه الألباني نطمئن بأن تضعيفه للحديث ناتج عن مرضه وغرضه فقط!.
كما نعرف أن تصويره للحديث وكأن روايته محصورة بلفظ مسلم التي يزعم أنه ليس فيها أمر التمسك بأهل البيت عليهم السلام هو تدليس في حديث رسول الله صلى الله عليه وآله!.
فهل هذه محبة أهل البيت عليهم السلام التي يدّعيها الشيخ عثمان الخميس ويتشدّق بها؟! وإعطائهم حقوقهم كاملة وبدون نقيصة كما يزعم؟!(1).
____________
(1) لقد زعم عثمان الخميس أنهم هم أتباع عترة النبي صلى الله عليه وآله حيث أعطوهم حقوقهم ولم ينقصوا منها شيئاً! قال: (بل نحن أتباع عترة النبي (ص) الذين أعطيناهم حقهم ولم نزد ولم ننقص) (حقبة من التاريخ: 240).
وهل يصدر هذا الفعل إلا ممن ناصبهم العداء!.
ثانياً: النبي صلى الله عليه وآله أوصى في حديث الثقلين
بالتمسك بالكتاب والعترة
قال عثمان الخميس:
(وقد ثبت من حديث جابر في مسلم أن النبي (ص) لما خطب في حجة الوداع قال: قد تركت فيكم ما لن تضلوا إن اعتصمتم به كتاب الله، ولم يذكر أهل البيت...).
وجوابه:
أولاً: ان هذا الكلام تدليس في تدليس، لم يقله أحد قبل ابن تيمية وعثمان الخميس، فكل من قرأ حديث الثقلين الشريف من علماء المسلمين واطلع على صيغه المتعددة يعرف أن النبي صلى الله عليه وآله قد كرره مراراً عند فتح الطائف، ثم في المدينة، ثم في حجة الوداع، ثم في مرض وفاته صلى الله عليه وآله.. ويعلم أنه أوصى بالتمسك بهما معاً، وليس بخصوص الكتاب!!.
قال ابن حجر الآخر في الصواعق المحرقة وهو يتحدث عن حديث الثقلين: (ثم اعلم أن لحديث التمسك بذلك طرقاً كثيرة وردت عن نيف وعشرين صحابياً... وفي بعض تلك الطرق أنه قال ذلك بحجة الوداع
وقال الرافعي في كتاب التدوين: (وروى أحمد بن ميمون عن محمد بن مدان، وحدث سبطه أبو الحسن أحمد بن محمد بن أحمد بن ميمون عنه وعن محمد بن الحجاج قالا: حدثنا محمد بن مهران، حدثنا حاتم بن إسماعيل عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر: أن النبي (ص) قال يوم عرفة في حجته على ناقته القصواء: أيها الناس قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي)(2).
وكذلك رواية الترمذي المروية من طريق زيد بن الحسن الأنماطي(3) والتي حسنها الترمذي، وغيرها.
____________
(1) الصواعق المحرقة 2/440.
(2) التدوين 2/266.
(3) ذكره ابن حبان في الثقات، وروى عنه العديد من علماء أهل السنة أمثال إسحاق بن راهويه وسعيد بن سليمان وعلي بن المديني وجرحه أبو حاتم بقوله: (منكر الحديث) وجرحه هذا غير معتبر لأن النكارة في حديثه كما أنها تأتي من الراوي نفسه فقد تأتي من بعض الرواة الذين روى عنهم وممن رووا عنه، ولأن مقياس هؤلاء في الحكم على الحديث بالنكارة غير صحيح، فقد يحكمون على الحديث بالنكارة أو على راويه بأنه منكر الحديث لأن ما ورد فيه لا يتماشى مع مذهبهم في الأصول والفروع، فهم يحكمون على الكثير من الأحاديث التي تروى عن النبي صلى الله عليه وآله في حق أهل بيته بأنها أحاديث منكرة خصوصاً تلك الأحاديث التي تقدمهم على غيرهم كالثلاثة، أو تثبت لهم خصوصية قيادة الأمة من بعده صلى الله عليه وآله ولذلك يجرحون الراوي
=>
وبهذا يتبين كذب عثمان الخميس بادعائه أن النبي صلى الله عليه وآله قد أمر بالتمسك بالقرآن فقط دون أهل البيت عليهم السلام.
ثانياً: لماذا لا تكون رواية مسلم ناقصة أو مبتورة؟!
روى مسلم بن الحجاج هذا الحديث من طريق حاتم بن إسماعيل عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام عن أبيه الإمام الباقر عليه السلام عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضوان الله تعالى عليه، وبغض النظر عمّا قيل في (حاتم بن إسماعيل) من جرح يجعلنا نعرض عن روايته هذه، فقد قالوا: إنه (كان يهم)(2)، وأن (به غفلة)(3)، وأنه روى أحاديث مراسيل عن الإمام جعفر الصادق عن أبيه أسندها كما قال عنه ذلك علي بن المديني(4) وأنه: (ليس بالقوي) كما قال عنه النسائي(5) فقد مر عليك في صفحة (119)
____________
<=
لها بقولهم: (منكر الحديث)، نعم لقد قال الذهبي وابن حجر عنه بأنه ضعيف وهما متأخران فجرحهما له وحكمهما عليه بالضعف ليس إلا اجتهاداً منهما وهو أيضاً غير معتبر لعدم ذكرهما ما استندا إليه في هذا الجرح، فيبقى الرجل بدون جرح ورواية أولئك العلماء عنه دليل على اعتبارهم حديثه وقد حكم الترمذي على هذا الحديث بأنه حديث حسن.
(1) المستدرك على الصحيحين 3/144.
(2) تقريب التهذيب 1/144.
(3) الجرح والتعديل 3/258، ميزان الاعتدال 1/428.
(4) تهذيب التهذيب 2/110.
(5) ميزان الاعتدال 1/428، تهذيب التهذيب 2/110.
ومنه يظهر أن هناك بتراً في رواية مسلم هذه، فقد بتر أحد رواتها وصيته وأمره صلى الله عليه وآله بالتمسك بالعترة من أهل بيته عليهم السلام.
بل حتى لو فرضنا صحة رواية مسلم وعدم نقصانها فإن أمره صلى الله عليه وآله في موقف ما بالتمسك بالقرآن الكريم لا ينافي أمره في موقف آخر بالتمسك بالكتاب والعترة معاً، ولا يعد ذلك دليلاً على بطلانه بعد ثبوته بالدليل الصحيح.
لكن عثمان الخميس استغل لفظ مسلم ومهد بمزعومة زعمها أن حديث الثقلين باللفظ الذي ذكره الترمذي أو بالألفاظ القريبة منه في صحته كلام! ليخدع القرىء لكتابه والمستمع له ويوهمه أن النبي صلى الله عليه وآله لم يأمر فيه بالتمسك بالعترة الطاهرة عليهم السلام مع الكتاب، وإنما كان الأمر خاصاً بالتمسك بالقرآن فقط! وهو بفعله هذا يقلد النواصب أخزاهم الله الذين يسعون بكل جهدهم لتحريف أحاديث النبي صلى الله عليه وآله الصحيحة في حق أهل بيته عليهم السلام ويغمضون عيونهم عن تصحيح أئمة علماء السنة لها! والحمد لله أننا أسقطنا ما في يده.
ثالثاً: لقد فهم العلماء حتى من رواية مسلم
وجوب التمسك بالثقلين
فحديث الثقلين حتى بلفظ مسلم صريح وواضح في أن النبي صلى الله عليه وآله إنما أمر فيه المسلمين بالتمسك بالكتاب والعترة معاً وليس بخصوص الكتاب كما يزعم عثمان ومن قبله ابن تيمية، وهذا ما فهمه العلماء من هذا الحديث، فهم لا يفرقون بين ألفاظ هذا الحديث وغيره في دلالتها على لزوم التمسك بالكتاب والعترة الطاهرة، وهذه نماذج من أقوالهم:
ففي شرح المقاصد للتفتازاني قال:
(وقال عليه الصلاة والسلام: إني تركت فيكم ما أخذتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وقال عليه السلام: إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به، وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي.
ومثل هذا يشعر بفضلهم على العالم غيره لاتصافهم بالعلم والتقوى وشرف النسب، الا ترى أنه عليه الصلاة والسلام قرنهم بكتاب الله تعالى في كون التمسك بهما منقذاً عن الضلالة، ولا معنى للتمسك بالكتاب إلا الأخذ بما فيه من العلم والهداية، فكذا العترة، ولهذا قال النبي (ص): من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه)(1).
____________
(1) شرح المقاصد 2/221.
(ولكن ههنا مانع من حمل الآل على جميع الأمة وهو حديث إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي، الحديث، وهو في صحيح مسلم وغيره فإنه لو كان الآل جميع الأمة لكان المأمور بالتمسك والأ مر المتمسك به شيئاً واحداً وهو باطل)(1).
وقد عقد محب الدين الطبري باباً في كتابه " ذخائر العقبى " بعنوان (باب فضل أهل البيت والحث على التمسك بهم وبكتاب الله عز وجل والخلف فيهما بخير) ونقل تحت هذا الباب حديث الثقلين عن سنن الترمذي وصحيح مسلم(2)؟
وقال الحافظ السخاوي الشافعي: (وتجبت من إيراد ابن الجوزي له في (العلل المتناهية) بل أعجب من ذلك قوله: إنه حديث لا يصح! مع ما سيأتي من طرقه التي بعضها في صحيح مسلم...)(3).
وقال الشيخ محمد أمين بن محمد معين في كتابه " دراسة اللبيب في
____________
(1) نيل الأوطار 2/328.
(2) ذخائر العقبى: 16.
(3) استجلاب ارتقاء الغرف: 83.
وقال أيضاً: (فنظرنا فإذا هو – حديث الثقلين – مصرح بالتمسك بهم وبأن اتباعهم كاتباع القرآن على الحق الواضح، وبأن ذلك أمر محتم من الله تعالى لهم، ولا يطرأ عليهم في ذلك ما يخالفه حتى الورود على الحوض، وإذا فيه حث بالتمسك فيهما بعد الحث على وجه أبلغ) وقال أيضاً وهو يشرح حديث الثقلين بلفظ مسلم:
(فحملنا قوله: أذكركم الله على مبالغة التثليث فيه على التذكير بالتمسك بهم، والردع عن عدم الاعتداد بأقوالهم وأعمالهم وأحوالهم وفتياهم، وعدم الأخذ بمذهبهم)(1).
والنتيجة: أنك بعد أن عرفت أن ألفاظ الحديث في غير مسلم قد صرحت بوجوب التمسك بالكتاب والعترة عليهم السلام وأن علماء السنة قد فهموا حتى من حديث مسلم وجوب التمسك بالثقلين الكتاب والعترة لا بالكتاب وحده.
فلم يبق عذر لعثمان الخميس وأمثاله أن يردوا على رسول الله صلى الله عليه وآله بأنك لم تأمرنا بالتمسك بالعترة!.
____________
(1) دراسة اللبيب 231- 232.
الفصل الثاني
دلالات حديث الثقلين
يدل حديث الثقلين على أمور في غاية الأهمسة لكل مسلم نذكر منها:
الدلالة الأولى
وجوب التمسك بالقرآن الكريم والعترة الطاهرة
وذلك لأن النبي صلى الله عليه وآله جعل التمسك بهما عاصماً من الضلالة، ومن كان التمسك به عاصماً من الضلالة فالتمسك به واجب، والمراد بالتمسك بأهل البيت عليهم السلام وجوب تلقي الإسلام والقرآن منهم، وإطاعتهم والعمل بأوامرهم ونواهيهم، والاقتداء إلى الله تعالى بهم، وهذا ما فهمه علماء السنة قبل الشيعة إلاّ أصحاب الزيغ الذين لا يعبأ بهم!.
قال المناوي: (وفي هذا مع قوله إني تارك فيكم تلويح بل تصريح بأنهما كتوأمين خلفهما ووصى أمته بحسن معاملتهما وإيثار حقهما على أنفسهم والاستمساك بهما في الدين)(1).
____________
(1) فيض القدير 2/174.
وقال الملا علي القارىء: (والمراد بالأخذ بهم التمسك بمحبتهم ومحافظة حرمتهم والعمل بروايتهم والاعتماد على مقالتهم)(2).
وقال الشيخ محمد أمين: (فحملنا قوله: أذكركم الله، على مبالغة التثليث فيه على التذكير بالتمسك بهم والردع عن عدم الاعتداد بأقوالهم وأعمالهم وأحوالهم وفتياهم وعدم الأخذ بمذهبهم).
وقال: (فنظرنا فإذا هو – حديث الثقلين – مصرح بالتمسك بهم وبأن اتباعهم كاتباع القرآن على الحق الواضح، وبأن ذلك أمر محتم من الله تعالى لهم، ولا يطرأ عليهم في ذلك ما يخالفه حتى الورود على الحوض، وإذا فيه حث بالتمسك فيهما بعد الحث على وجه أبلغ)(3).
____________
(1) شرح المقاصد 2/221.
(2) تحفة الأحوذي 10/196.
(3) دراسة اللبيب: 232.
وقال الحافظ السقاف: (والمراد بالأخذ بآل البيت والتمسك بهم هو محبتهم والمحافظة على حرمتهم والتأدب معهم والاقتداء بهديهم وسيرتهم، والعمل بروايتهم والاعتماد على رأيهم ومقالتهم واجتهادهم وتقديمهم في ذلك على غيرهم)(2).
الدلالة الثانية
انحصار النجاة بالتمسك بالعترة وبالكتاب
وهو صريح حديث الثقلين، فلا نجاة لأحد من الأمة إلاّ بالتمسك بالعترة الطاهرة وبالكتاب العزيز دون غيرهما، والفرقة الناجية هي الفرقة المطيعة لربها تعالى ونبيها صلى الله عليه وآله والمتمسكة بهما معاً.
فلو كان ترك التمسك بهما أو التمسك بغيرهما عاصماً من الضلالة للزم أن يذكره النبي صلى الله عليه وآله، لكنه حصر النجاة من الضلال فيهما فقط! فدل ذلك على أن كل طريق غير هذا الطريق فهو ضلال!.
____________
(1) المرقاة في شرح المشكاة 5/600.
(2) صحيح شرح العقيدة الطحاوية ص 654.
الدلالة الثالثة
عصمة العترة النبوية من المعاصي والأخطاء والاشتباه
ويدل حديث الثقلين على ذلك لأن النبي صلى الله عليه وآله أوجب التمسك بهم، ومن يحتمل معصيته وخطؤه واشتباهه يستحيل أن يأمر الله تعالى بالتمسك به، فلو لم يكونوا معصومين لجاز أن يكون المتمسك بهم ضالاً، وربما أن الأمر النبوي بالتمسك بهم مطلقاً بدون قيد دل على هداية من تمسك بهم مطلقاً، ومن كان التمسك به هداية دائماً فهو معصوم.
هذا، مضافاً إلى أن النبي صلى الله عليه وآله قد صرّح في حديث الثقلين بعدم افتراقهم عن القرآن الكريم في قوله: (ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض) وتجويز المعاصي والأخطاء والاشتباه عليهم يعني تجويز افتراقهم عن القرآن.
قال توفيق أبو علم بعد نقله حديث الثقلين:
(وحديث الثقلين من أوثق الأحاديث النبوية وأكثرها ذيوعاً، وقد اهتم العلماء به اهتماماً بالغاً لأنه يحمل جانباً مهماً من جوانب العقيدة الإسلامية، كما أنه من أظهر الأدلة التي تستند إليها الشيعة في حصر الإمامة في أهل البيت وفي عصمتهم من الأخطاء والأهواء , إن النبي (ص) قرنهم بكتاب الله العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فلا يفترق أحدهما عن الآخر، ومن الطبيعي أن صدور أيّة مخالفة لأحكام الدين تعتبر افتراقاً عن الكتاب العزيز، وقد صرّح النبي (ص)
الدلالة الرابعة
أنهم أعلم الناس بعد النبي صلى الله عليه وآله
ويدل حديث الثقلين على أنهم أعلم الناس بعد النبي صلى الله عليه وآله، حيث جعلهم صلى الله عليه وآله عِدْلَ القرآن، وأنهم لا يفترقون عنه ولا يضلون لا هم ولا المتمسك بهم، وذلك يفيد أن عندهم من العصمة والتسديد الرباني والعلوم ما ليس عند غيرهم، فهم أعلم بالكتاب والسنة من غيرهم، وهم السابقون بالخيرات وهم ورثة الكتاب الذين قال الله تعالى عنهم: { ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ }(2).
قال السمهودي: (والحاصل أنه لما كان كل من القرآن العظيم والعترة الطاهرة معدناً للعلوم الدينية والأسرار والحكم النفسية الشرعية وكنوز دقائقها
____________
(1) أهل البيت: 78.
(2) سورة فاطر الآية: 32.
وقال أيضاً: (وأحق من يتمسك به منهم إمامهم وعالمهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه في فضله وعلمه ودقائق مستنبطاته وفهمه وحسن شيمه ورسوخ قدمه)(2).
وقال ابن حجر الهيثمي: (ثقلين، لأن الثقل كل نفيس خطير مصون، وهذان كذلك إذ كل منهما معدن للعلوم اللدنية والأسرار والحكم العلية والأحكام الشرعية)(3).
وقال أيضاً: (ثم أحق من يتمسك به منهم إمامهم وعالمهم علي بن أبي طالب كرم الله وجهه لما قدمناه من مزيد علمه ودقائق مستنيطاته)(4).
الدلالة الخامسة
أنهم بحكم الله تعالى أئمة هذه الأمة
ويدل أيضاً على إمامتهم عليهم السلام لأن من وجب التمسك به لضمان الهداية والعصمة من الضلالة كان معصوماً، ولا بد أن يكون عالماً بالشريعة تمام
____________
(1) جواهر العقدين: 243.
(2) جواهر العقدين: 245.
(3) الصواعق المحرقة 2/442.
(4) المصدر السابق.
الدلالة السادسة
أن إمامتهم مستمرة إلى يوم القيامة
وأن الزمان لا يخلو من واحد من العترة الطاهرة ممن يجب التمسك بهم، وهذا ما فهمه العديد من علماء السنة من هذا الحديث الشريف.
قال السمهودي: (إن ذلك يفهم وجود من يكون أهلاً للتمسك من أهل البيت والعترة الطاهرة في كل زمان وجدوا فيه إلى قيام الساعة حتى يتوجه الحث المذكور على التمسك به، كما أن الكتاب العزيز كذلك، ولهذا كانوا كما سيأتي أماناً لأهل الأرض فإذا ذهبوا ذهب أهل الأرض)(1).
وقال ابن حجر: (وفي أحاديث الحث على التمسك بأهل البيت إشارة إلى عدم انقطاع متأهل منهم للتمسك به إلى يوم القيامة، كما أن الكتاب العزيز كذلك، ولهذا كانوا أماناً لأهل الأرض كما يأتي)(2).
____________
(1) جواهر العقدين: 244.
(2) الصواعق المحرقة 2/422.
الدلالة السابعة
أنهم أفضل الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وآله
ودلالته على أفضليتهم عليهم السلام على غيرهم من بقية الأمة ظاهرة جلية واضحة من خلال هذا الحديث الشريف لمن تدبره وفهم معناه، وكذلك الكثير من الأحاديث النبوية الصادرة في حقهم عليهم السلام.
____________
(1) رشفة الصادي 72-73.