الفصل الثالث
محاولة عثمان الخميس الفاشلة لتوسيع دائرة العترة!
قال عثمان الخميس:
(من عترة النبي؟ عترة الرجل هم أهل بيته، وعترة النبي (ص) هم كل من حرمت عليه الزكاة وهم بنو هاشم، هؤلاء هم عترة النبي (ص)...)(1).
أقول في جواب ذلك:
(أولاً)
إن الكثيرين من أهل اللغة وأئمتها صرحوا ونصوا على أن العترة في اللغة هم (الأولاد والأقارب والأدنون) لا مطلقهم.
قال الفيروز آبادي: (والعترة بالكسر قلادة تعجن بالمسك، ونسل الرجل ورهطه وعشيرته الأدنون)(2).
____________
(1) حقبة من التاريخ: 203.
(2) القاموس المحيط 2/120.
وقال ابن الأثير: (عترة الرجل أخص أقاربه...)(2).
وقال أيضاً: (وقال ابن الأعرابي: العترة ولد الرجل وذريته وعقبه من صلبه، قال: " فعترة النبي (ص) ولد فاطمة البتول... ")(3).
(ثانياً)
إن العديد من علماء أهل السنة فهموا من حديث الثقلين أن النبي صلى الله عليه وآله لم يقصد بعترته عامة أقربائه من بني هاشم، وإنما أراد جماعة خاصة منهم.
وهذه نماذج من أقوالهم:
قال الشيخ عبد الحق الدهلوي: (قوله: والعترة رهط الرجل وأقرباؤه وعشيرته الأدنون، وفسره رسول الله (ص) بقوله وأهل بيتي للإشارة إلى أن مراده من العترة أخص عشيرته وأقاربه وهم أولاد الجد القريب، أي أولاده وذريته (ص)...)(4).
____________
(1) لسان العرب 4/538.
(2) المصدر السابق.
(3) المصدر السابق.
(4) أشعة اللمعات 4/681.
وقال الملا علي القارىء: (وأقول: الأظهر هو أن أهل البيت غالباً يكونون أعرف بصاحب البيت وأحواله، فالمراد بهم أهل العلم منهم والمطلعون على سيرته الواقفون على طريقته، العارفون بحكمه وحكمته، وبهذا يصلح أن يكونوا مقابلاً لكتاب الله...)(2).
وقال الحكيم الترمذي: (فقول رسول الله (ص): قوله: ما إن تمسكتم به لن تضلوا واقع على الأئمة منهم السادة لا على غيرهم...)(3).
وقال أبو بكر العلوي الشافعي: (قال العلماء: والذين وقع الحث على التمسك بهم من أهل البيت النبوي والعترة الطاهرة هم العلماء بكتاب الله عز وجل منهم، إذ لا يحث (ص) على التمسك إلاّ بهم وهم الذين لا يقع بينهم وبين الكتاب افتراق حتى يردا الحوض)(4).
____________
(1) فيض القدير 3/19.
(2) مرقاة المفاتيح 10/531.
(3) نوادر الأصول 1/259.
(4) رشفة الصادي: 72.
وكلام هؤلاء العلماء صريح في أن المراد بالعترة وأهل البيت عليهم السلام في حديث الثقلين ليس كل أقرباء النبي صلى الله عليه وآله كما يزعم عثمان الخميس، بل هم فئة خاصة من اقربائه اختارهم الله تعالى وحددهم بعلي وفاطمة والحسن والحسين وتسعة من ذرية الحسين عليهم السلام لأنه توفرت فيهم صفات ومؤهلات معينة من التقوى والورع والمعرفة التامة بكتاب الله عز وجل وسنة الرسول صلى الله عليه وآله وسيرته، فهؤلاء هم الذين يصح أن يكونوا عدل القرآن الكريم.
(ثالثا)
سبق وأن أثبتنا أن حديث الثقلين يدل على عصمة العترة وأعلميتهم من غيرهم بالكتاب وسنة النبي صلى الله عليه وآله، هذه الصفات بلا شك لم تتوفر في جميع
____________
(1) صحيح شرح العقيدة الطحاوية: 654.
(رابعاً)
إن في أقرباء النبي صلى الله عليه وآله الجاهل والعاصي المرتكب للذنوب والأخطاء، فهل كان أمر رسول الله صلى الله عليه وآله في حديث الثقلين بالتمسك حتى بهؤلاء؟!
وهل هؤلاء يعصمون غيرهم من الضلالة وهم لم يعصموا أنفسهم منها؟!
إن القول بأن المراد بالعترة في حديث الثقلين كل اقرباء النبي صلى الله عليه وآله من بني هاشم ممن حرمت عليه الصدقة لا يقول به إلاّ جاهل لم يفقه هذا الحديث، أو مابر معاند متعصب يسعى للتعتيم على الحق وتلبيسه بالباطل، ويضرب على وتر النواصب أخزاهم الله.
____________
(1) ففي الخبر الصحيح الذي رواه الشيخ الصدوق عليه الرحمة في كتابه " معاني الأخبار " صفحة 91: (حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن محمد بن أبي عمير، عن غياث بن إبراهيم عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين عليه السلام قال: سئل أمير المؤمنين عليه السلام عن معنى قول رسول الله صلى الله عليه وآله: " إني مخلف فيكم كتاب الله وعترتي " من العترة؟ فقال: أنا والحسن والحسين والأئمة التسعة من ولد الحسين، تاسعهم مهديهم وقائمهم لا يفارقون كتاب الله ولا يفارقهم حتى يردوا على رسول الله صلى الله عليه وآله حوضه).
الفصل الرابع
عثمان الخميس يتمسك بروايات موضوعة
في مقابل حديث الثقلين!
1- الحديث المزعوم: (تركت فيكم كتاب الله وسنتي)
قال الشيخ الخميس:
(هذا الحديث مثل قول النبي (ص): تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا أبداً: كتاب الله وسنتي).
وأشار في الهامش إلى مصدر هذه الرواية وهو: مستدرك الحاكم 1/93(1).
والجواب: أن هذه الرواية موضوعة على رسول الله صلى الله عليه وآله حيث لم ترد بسند صحيح، بل هي من مختلقات السياسة المعادية لأهل البيت عليهم السلام وقد أغنانا العلامة السني الشيخ حسن بن علي السقاف عن البحث في أسانيدها وبيان ضعفها ووضعها حيث قال في كتابه " صحيح صفة صلاة النبي ":
(سئلت عن حديث: تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما كتاب الله و...
____________
(1) حقبة من التاريخ: 204.
الجواب: الحديث الثابت الصحيح هو بلفظ (وأهل بيتي) والرواية التي فيها لفظ (سنتي) باطلة من ناحية السند والمتن، ونوضح هنا إن شاء الله تعالى قضية السند لأن السؤال وقع بها فنقول:
روى الحديث مسلم في صحيحه: 4/1873 برقم: 2408 طبعة عبد الباقي عن سيدنا زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: (قام رسول الله (ص) يوماً فينا خطيباً بماء يدعى خمّاً بين مكة والمدينة فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال: أما بعد: ألا أيها الناس، فإني أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به، فحث على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال: وأهل بيتي) هذا لفظ مسلم، ورواه أيضاً بهذا اللفظ الدارمي في سننه: 2/431 – 432 بإسناد صحيح كالشمس وغيرهما.
وفي رواية الترمذي وقع بلفظ (وعترتي أهل بيتي) ففي سنن الترمذي: 5/663 برقم: 3788 قال رسول الله (ص): إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما. وهو صحيح.
روى الحاكم في المستدرك 1/93 الحديث بإسناده من طريق ابن أبي أويس عن أبيه عن ثور بن يزيد الديلي عن عكرمة عن ابن عباس وفيه: (أيها الناس إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبداً كتاب الله وسنة نبيه (ص)...).
وأقول: في سنده ابن أبي أويس وابوه، قال الحافظ المزي في تهذيب الكمال 3/127 في ترجمة الابن – ابن أبي أويس – وأنقل قول من جرحه، قال معاوية بن صالح عن يحيى – بن معين – أبو أويس وابنه ضعيفان، وعن يحيى بن معين أيضاً: ابن أبي أويس وأبوه يسرقان الحديث، وعن يحيى أيضاً: مخلط يكذب ليس بشيء، وقال أبو حاتم: محله الصدق وكان مغفلاً، وقال النسائي: ضعيف، وقال النسائي في موضع آخر: ليس بثقة، وقال أبو القاسم اللالكائي: بالغ النسائي في الكلام عليه إلى أن يؤدي إلى تركه... وقال أبو أحمد بن عدي: (وابن أبي أويس هذا روى عن خاله مالك أحاديث غرائب لا يتابعه أحد عليه...).
قلت: قال الحافظ ابن حجر في مقدمة فتح الباري ص 391 دار المعرفة، عن ابن أبي أويس هذا: (وعلى هذا لا يحتج بشيء من حديثه غير ما في الصحيح من أجل ما قدح فيه النسائي وغيره...).
وقال الحافظ السيد أحمد بن الصديق في فتح الملك العلي ص 15: (وقال سلمة بن شبيب: سمعت إسماعيل بن أبي أويس يقول: ربما كنت
فالرجل متهم بالوضع وقد رماه ابن معين بالكذب، وحديثه الذي فيه لفظ (وسنتي) ليس في واحد من الصحيحين.
أما أبوه فقال أبو حاتم الرازي كما في كتاب الجرح والتعديل (92):
(يكتب حديثه ولا يحتج به وليس بالقوي)، ونقل في المصدر نفسه ابن أبي حاتم عن ابن معين أنه قال فيه: (ليس بثقة).
قلت: وسندٌ فيه مثل هذين اللذين قدمنا الكلام عليهما لا يصح حتى يلج الجمل في سمّ الخياط، لا سيما وما جاءا به مخالف للثابت في الصحيح فتأمل جيداً هداك الله تعالى.
وقد اعترف الحاكم بضعف الحديث فلذلك لم يصححه في المستدرك وإنما جلب له شاهداً لكنه واهٍ ساقط الإسناد فازداد الحديث ضعفاً إلى ضعفه، وتحققنا أن ابن أبي أويس أو أباه قد سرق واحد منهما حديث ذلك الواهي الذي سنذكره ورواه من عند نفسه، وقد نص ابن معين وهو من هو على أنهما كانا يسرقان الحديث.
فروى الحاكم: 1/93 ذلك حيث قال: (وقد وجدت له شاهداً من حديث أبي هريرة). ثم روى بسنده من طريق الضبي، ثنا صالح بن موسى الطلحي، عن عبد العزيز بن رفيع، عن أبي صالح، عن أبي هريرة مرفوعاً: (إني تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما كتاب الله وسنتي، ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض).
وفي تهذيب التهذيب: 4/355 للحافظ ابن حجر: (قال ابن حبان: كان يروي عن الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات حتى يشهد المستمع لها أنها معمولة أو مقلوبة لا يجوز الاحتجاج به، وقال أبو نعيم: متروك الحديث يروي المناكير.
قلت: وقد حكم عليه الحافظ في التقريب بأنه متروك (ترجمة 2891) والذهبي في الكاشف: 2412 بأنه (واهٍ)، وأورد الذهبي في الميزان: 2/302 حديثه هذا في ترجمته على أنه من منكراته.
وقد ذكر مالك هذا الحديث في المطأ 899 برقم: 3 بلاغاً بلا سند، ولا قيمة لذلك بعد أن بينا وهاء إسناده.
وقد ذكر الحافظ ابن عبد البر في التمهيد: (25/331) سنداً ثالثاً لهذا الحديث الواهي الموضوع فقال: (وحدثنا عبد الرحمن بن يحيى قال: حدثنا أحمد بن سعيد، قال: حدثنا محمد بن إبراهيم الديبلي قال: حدثنا علي بن زيد الفرائضي، قال: حدثنا الحنيني، عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده به).
قلت: وقد أخطأ الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في التقريب عندما اقتصر على قوله فيه ضعيف ثم قال: (وقد أفرط من رماه بالكذب).
قلت: كلا لم يفرط بل هو واقع حاله كما ترى من كلام الأئمة فيه، لا سيما وقد قال عنه الذهبي في الكاشف (واهٍ) وهو كذلك، وحديثه موضوع فلا يصلح للمتابعة ولا للشواهد بل يضرب عليه والله الموفق.
وقول المتناقض (الألباني) في ضعيفته 4/361: (بأن حديث الصحيح الثابت بلفظ (عترتي أهل بيتي) يشهد لحديث (سنتي) مما تضحك منه الثكلى!! والله الهادي)(3).
كما قال السقاف في صحيح شرح العقيدة الطحاوية، هامش الصفحة 654: (وأما حديث: تركت فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا
____________
(1) قول الإمام الشافعي وأبي داود في (تهذيب التهذيب) (377 دار الفكر) و (تهذيب الكمال) (24/138) (السقاف).
(2) انظر المجروحين (2/221) للحافظ ابن حبان (السقاف).
(3) صحيح صفة صلاة النبي 289-293.
أين المنهج العلمي في الحديث عند عثمان الخميس؟!
إنّ عثمان الخميس واضرابه ليس لهم منهج علمي يتبعونه في قبول الحديث ورده، بل الرواية إذا وافقت أهواءهم حضيت لديهم بالقبول، فأخذوا يستشهدون بها ويحتجون بها على خصومهم حتى وإن كانت رواية ضعيفة بل إن بعضهم يستميت في إثبات صحة الرواية الضعيفة، وإن كان في ذلك رمي لجميع الأسس والقواعد التي وضعها علماء أهل السنة لقبول الرواية أو رفضها، أما إذا كانت الرواية تخالف أهواءهم فإنهم يحاولون الخدش فيها سنداً وتمييعها دلالة، وإن كانت رواية صحيحة ثابتة، وواضحة الدلالة.
فانظر أيها القارىء المنصف كيف حاول عثمان الخميس أن يخدش في حديث الثقلين بلفظ (وعترتي أهل بيتي) الذي هو حديث صحيح ثابت عن النبي صلى الله عليه وآله في حين استشهد واحتج بحديث موضوع
بلى، وهذا نهج شيخهم ابن تيمية الحراني في كتابه منهاج السنة وغيره حديث يرد العديد من الأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وآله بينما يحتج بأحاديث ضعيفة أو موضوعة(1).
____________
(1) فمثلاً لقد أنكر ابن تيمية حديث النبي صلى الله عليه وآله القائل: (وسدوا الأبواب إلاّ باب علي) حيث قال في كتابه (منهاج السنة 3/13) وهو يرد على ابن المطهر الحلي عليه الرحمة: ((... وكذلك قوله: (وسدّوا الأبواب إلاّ باب علي) فإن هذا مما وضعته الشيعة على طريق المقابلة)) مع أن هذا الحديث مروي في مصادر أهل السنة وبطرق بعضها صحيح وقوي وآخر حسن ففي (المستدرك على الصحيحين 3/135 برقم: 4631) روى الحاكم بسنده عن زيد بن أرقم قال: (كانت لنفر من اصحاب رسول الله (ص) أبواب شارعة في المسجد فقال يوماً سدوا هذه الأبواب إلاّ باب علي، قال فتكلم في ذلك ناس فقام رسول الله (ص) فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فإني أمرت بسد هذه الأبواب غير باب علي، قال فيه قائلكم، والله ما سددت شيئاً ولا فتحته ولكن أمرت بشيء فاتبعته) قال الحاكم النيسابوري بعد أن روى هذا الحديث ((هذا حديث صحيح الإسناد ولم سخرجاه)). وقال الذهبي في التلخيص: ((صحيح)).
وفي (المستدرك على الصحيحين 3/143 برقم: 4652) أيضاً روى الحاكم بسنده عن عمرو بن ميمون قال: (إني جالس عند ابن عباس إذ أتاه تسعة رهط فقالوا يا ابن عباس إما أن تقوم معنا وإما أن تخلو بنا من بين هؤلاء، قال: فقال ابن عباس: بل أنا أقوم معكم وهو يومئذ صحيح قبل أن يعمى، قال: فابتدؤوا فتحدثوا فلا ندري ما قالوا، قال فجاء ينفض ثوبه ويقول: أف وتف، وقعوا في رجل له بضع عشر فضائل ليست لأحد غيره، وقعوا في رجل قال له النبي (ص) لأبعثن رجلاً لا يخزيه الله أبداً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله فاستشرف لها من استشرف فقال: أين علي؟ فقالوا: إنه في الرحى يطحن، قال: وما كان أحدهم ليطحن، قال: فجاء وهو أرمد لا يكاد يبصر، قال: فنفث في عينيه ثم هز الراية ثلاثاً فأعطاها إياه فجاء علي بصفية بنت حيي قال ابن عباس:
=>
____________
<=
ثم بعث رسول الله (ص) فلاناً بسورة التوبة فبعث علياً خلفه فأخذها منه وقال: لا يذهب بها إلا رجل هو مني وأنا منه، فقال ابن عباس: وقال النبي (ص) لبني عمه: أيكم يواليني في الدنيا والآخرة؟ قال: وعلي جالس معهم فقال رسول الله (ص) وأقبل على رجل منهم فقال: أيكم يواليني في الدنيا والآخرة فأبوا فقال لعلي: أنت وليي في الدنيا والآخرة، قال ابن عباس: وكان علي أول من آمن من الناس بعد خديجة رضي الله عنها، قال: وأخذ رسول الله (ص) ثوبه فوضعه على علي وفاطمة وحسن وحسين وقال: { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً }، قال ابن عباس: وشرى علي نفسه فلبس ثوب النبي (ص) ثم نام في مكانه، قال ابن عباس وكان المشركون يرمون رسول الله (ص) فجاء أبو بكر (رض) وعلي نائم، قال: وأبو بكر يحسب أنه رسول الله (ص) قال: فقال: يا نبي الله فقال له علي: إن نبي الله (ص) قد انطلق نحو بئر ميمون فأدركه، قال: فانطلق أبو بكر فدخل معه الغار، قال: وجعل علي (رض) يرمى بالحجارة كما رمي نبي الله (ص) وهو يتضور وقد لف رأسه في الثوب لا يخرجه حتى أصبح ثم كشف عن رأسه فقالوا إنك للئيم وكان صاحبك لا يتضور ونحن نرميه وأنت تتضور وقد استنكرنا ذلك، فقال ابن عباس وخرج رسول الله (ص) في غزوة تبوك وخرج بالناس معه قال: فقال له علي: أحرج معك، قال: فقال له النبي (ص) لا فبكى علي، فقال له: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه ليس بعدي نبي، إنه لا ينبغي أن أذهب إلاّ وأنت خليفتي، قال ابن عباس: وقال له (ص): أنت ولي كل مؤمن بعدي ومؤمنة، قال ابن عباس: وسد رسول الله (ص) أبواب المسجد غير باب علي فكان يدخل المسجد جنباً وهو طريقه ليس له طريق غيره، قال ابن عباس: وقال رسول الله (ص): من كنت مولاه فإن مولاه علي... الخبر) وقال الحاكم بعد أن روى هذا الحديث: ((هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه بهذه السياقة))، وقال الذهبي في التلخيص: ((صحيح))، وبهذا النص رواه النسائي في كتاب (خصائص الإمام علي 44) وقال عنه محقق الخصائص أبو اسحاق الحويني الأثري: (إسناده حسن).
وفي (مجمع الزوائد للهيثمي 9/119) قال: (وعن عبد الله بن الرقيم الكناني قال: خرجنا إلى المدينة زمن الجمل فلقينا سعد بن مالك بها فقال أمر رسول الله (ص) بسد الأبواب الشارعة في المسجد وترك باب علي، رواه أحمد وابو يعلى والبزار والطبراني في الأوسط وزاد قالوا
=>
____________
<=
يا رسول الله سددت أبوابنا كلها إلاّ باب علي، قال: ما أنا سددت أبوابكم ولكن الله سدها) ثم قال الهيثمي عن هذا الحديث: ((وإسناد أحمد حسن)).
وفي (فتح الباري 7/14) قال ابن حجر العسقلاني: (... منها حديث سعد بن أبي وقاص قال: أمرنا رسول الله (ص) بسد الأبواب الشارعة في المسجد وترك باب علي، أخرجه أحمد والنسائي وإسناده قوي، وفي رواية الطبراني في الأوسط رجالها ثقات، من الزيادة فقالوا يا رسول الله سددت أبوابنا فقال: ما أنا سددتها ولكن الله سدّها، وعن زيد بن أرقم قال: كان لنفر من الصحابة أبواب شارعة في المسجد فقال رسول الله (ص): سدوا هذه الأبواب إلاّ باب علي، فتكلم ناس في ذلك، فقال رسول الله (ص): إني والله ما سددت شيئاً ولا فتحته ولكن أمرت بشيء فاتبعته، أخرجه أحمد والنسائي والحاكم ورجاله ثقات، وعن ابن عباس قال: أمر رسول الله (ص) بأبواب المسجد فسدت إلا باب علي، وفي رواية وأمر بسد الأبواب غير باب علي فكان يدخل المسجد وهو جنب ليس له طريق غيره، أخرجهما أحمد والنسائي ورجالهما ثقات، وعن جابر بن سمرة قال: أمرنا رسول الله (ص) بسد الأبواب كلها غير باب علي فربما مر فيه وهو جنب، أخرجه الطبراني، وعن ابن عمر قال: كنا نقول في زمن رسول الله (ص) رسول الله (ص) خير الناس ثم ابو بكر ثم عمر ولقد أعطي علي بن أبي طالب ثلاث خصال لأن يكون لي واحدة منهن أحب إليّ من حمر النعم زوجه رسول الله (ص) ابنته وولدت له وسد الأبواب إلاّ بابه في المسجد وأعطاه الراية يوم خيبر، أخرجه أحمد وإسناده حسن، وأخرج النسائي من طريق العلاء بن عرار بمهملات قال: فقلت لابن عمر أخبرني عن علي وعثمان فذكر الحديث وفيه وأما علي فلا تسأل عنه أحداً وانظر إلى منزلته من رسول الله (ص) قد سد ابوابنا في المسجد وأقرّ بابه ورجاله رجال الصحيح إلاّ العلاء وقد وثقه يحيى بن معين وغيره، وهذه الأحاديث يقوي بعضها بعضاً وكل طريق منها صالح للاحتجاج فضلاً عن مجموعها).
وفي كتاب (تحفة الأحوذي 10/122) قال: (أخرج أحمد والنسائي بإسناد قوي عن سعد بن أبي وقاص قال: أمرنا رسول الله (ص) بسدّ الأبواب الشارعة في المسجد وترك باب علي، وقد ورد في الأمر بسد الأبواب إلا باب علي أحاديث أخرى ذكرها الحافظ في الفتح وقال بعد ذكرها: وهذه الأحاديث يقوي بعضها بعضاً وكل طريق منها صالح للاحتجاج فضلاً عن مجموعها)
=>
من تناقضات عثمان الخميس!
إن عثمان الخميس سبق له أن ادّعى أن النبي صلى الله عليه وآله لم يأمر بالتمسك إلاّ بالكتاب العزيز فقط، وجاء هنا ليستشهد برواية (كتاب الله وسنتي) التي ظاهرها الأمر بالتمسك بالكتاب والسنة، وعليه فإما أن يلتزم بدعواه السابقة أو يلتزم باستشهاده بهذه الرواية، فإن التزم بتلك الدعوى وأن الأمر بالتمسك مخصوص بالقرآن الكريم فقد أبطل استشهاده بهذه الرواية، وإن التزم بهذه الرواية بطلت دعواه السابقة.
____________
<=
قال ابن حجر في أجوبته على أحاديث مصابيح السنة للبغوي الملحق بكتاب مشكاة المصابيح للخطيب التبريزي (2/554): (وقد ورد من طرق كثيرة صحيحة أن النبي (ص) لما أمر بسد الأبواب الشارعة في المسجد إلاّ باب علي فشق ذلك على بعض الصحابة فأجابهم بعذره في ذلك).
وعليه فكيف ساغ لابن تيمية أن يحكم أولاً: على هذا الحديث الذي روي بأسانيد مختلفة منها قوي وصحيح ومنها حسن بالوضع؟ وثانياً: كيف ساغ له الافتراء على الشيعة واتهامهم بوضع هذا الحديث؟!!!.
ومع أنه يكذب الأحاديث النبوية الصحيحة ويفتري على الآخرين ويرميهم باختلاقها نجده يرسل بعض الأخبار إرسال المسلمات حتى ولو كان اسنادها ضعيفاً، فنجده مثلاً يستشهد بكلام منسوب إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أورده في منهاج السنة (6/138) أن علياً قال: (... لا أوتي بأحد يفضلني على أبي بكر وعمر إلاّ جلدته حد المفتري) وهذه الرواية لم ترد بسند صحيح قط بل هي من المكذوبات على علي عليه السلام.
لو صح الحديث المزعوم فلا دليل فيه لعثمان الخميس!
وذلك لأن النبي صلى الله عليه وآله عندما يأمر المسلمين بالتمسك بعترته مع الكتاب العزيز فهو إنما يريد أن تؤخذ سنته صلى الله عليه وآله من طريق آمن وهو طريق أهل البيت عليهم السلام، لأنه الطريق الوحيد الذي يطمئن به على وصول السنة إلى الآخرين بدون تغيير أو تحريف لمكان عصمة العترة الطاهرة عليهم السلام.
فلو صحّ عنه صلى الله عليه وآله أنه قال: (عليكم بكتاب الله وسنتي) فمن أين تؤخذ سنته إلا من العترة الذين جعلهم أمانته ووصيته في الأمة إلى جنب القرآن؟!
2- الحديث المزعوم: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي)
قال عثمان الخميس:
(وقال النبي (ص): عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ) فأمر بالعض عليها بالنواجذ.
وقال: اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر.
وقال: اهتدوا بهدي عمار وتمسكوا بعهد ابن مسعود.
ولم يدل هذا على الإمامة أبداً، وإنما دل على أن أولئك على هدى رسول الله (ص)، ونحن نقول إن عترة النبي (ص) لا تجتمع على ضلالة أبداً، ولكن من أصحاب عترة النبي (ص)؟! قد فصلنا ذلك فيما سبق) انتهى.
أولاً: إن هذا الحديث ضعيف من حيث سنده وإن حاول البعض تصحيحه إما وهماً أو مخالفة للأسس والقواعد التي وضعها علماء أهل السنة لتصحيح الرواية وقبولها!.
فجميع أسانيده تنتهي إلى العرباض بن سارية (فهو الراوي الوحيد له وهذا مما يورث الشك في صدوره لأنّ الحديث كان في المسجد وكان بعد الصلاة، وكان موعظة بليغة من رسول الله صلى الله عليه وآله ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب، ثم طلب منه أن يعهد إلى الأمة فقال:... فكيف لم يروه إلا العرباض؟! ولم لم يرووه إلاّ عن العرباض؟!).
(إن هذا الحديث إنما حدث به في الشام وإنما تناقله وروّجه أهل الشام وأكثر رواته من أهل حمص بالخصوص، وهم أنصار معاوية وأشد أعداء علي أمير المؤمنين، فالبنظر إلى هذه الناحية لا سيما مع ضم النظر في متن الحديث إليه لا يبقى وثوق بصدور هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله، إذ كيف يوثق بحديث يرويه حمصي عن حمصي عن حمصي! ولا يوجد عند غيرهم من حملة الحديث والأثر علم به؟! وأهل الشام قاطبة غير متحرجين من الافتعال لما ينتهي إلى تشييد سلطان معاوية أو الحط ممن خالفه!)(1).
قال العلامة حسان بن عبد المنان في كتابه حوار مع الشيخ الألباني في مناقشة حديث العرباض بن سارية: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين
____________
(1) الرسائل العشر (السيد الميلاني) الرسالة (3) صفحة 16- 17، وانظر ما قاله في صفحة 18 – 20 من جرح في العرباض بن سارية.
وعبد الرحمن بن عمرو هذا مجهول الحال، لم يرد فيه توثيق إلاّ من ابن حبّان، ومعلوم عندهم أن ابن حبّان في كتابه الثقات كثيراً ما وثّق أشخاصاً مجهولين، وقد صرّح ابن القبطان الفاسي المتوفى سنة 628 هـ بضعف هذه الرواية وجهالة عبد الرحمن السلمي ففي كتابه الوهم والإيهام 2/35، قال متعقباً عبد الحق الأشبيلي في باب سماه: ذكر أحاديث سكت عنها مصححاً لها وليست بصحيحة:
(وذكر من دريق أبي داود عن العرباض بن سارية صلى بنا رسول الله (ص) ذات يوم... فذكره وسكت عنه، وليس بصحيح، فإن أبا داود ساقه هكذا: حدثنا أحمد لن حنبل، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا ثور بن يزيد، حدثنا خالد بن معدان قال: حدثني عبد الرحمن بن عمرو السلمي وحجر بن حجر قالا: أتينا العرباض بن سارية، فذكره.
حجر هذا لا يعرف ولا أعلم أحد ذكره، فأما عبد الرحمن بن عمرو السلمي فترجم البخاري وابن أبي حاتم باسمه، فأما ابن أبي حاتم فلم يقل فيه شيئاً، وأما البخاري فإنه ذكر روايته عن العرباض ورواية خالد بن معدان وضمرة بن حبيب وعبد الأعلى بن هلال عنه ولم يزد، فالرجل مجهول الحال، والحديث من أجله لا يصح.
____________
(1) حوا مع الشيخ الألباني: 81.
ثم قال الشيخ حسان عبد المنان: (والذي تبين لي في حديث العرباض ابن سارية أنه لا يصح لذاته، ولبعض فقراته ما يشهد لها، وقد استقصيت ذلك فيما علمت، وما لا نعلمه أكثر، والله العالم) انتهى , ونكتفي بمناقشة سند هذه الرواية الموضوعة ضد حديث الثقلين في حق أهل البيت عليهم السلام، ولو سلمنا بصحتها فإنها لا تنطبق إلا على الأئمة الطاهرين من عترة النبي صلى الله عليه وآله وذلك لما هو ثابت عنه من أمره بوجوب التمسك بهم وكونهم لا يفارقون كتاب الله ولا يفارقهم، ومن هم كذلك فسنتهم حجة كسنته صلى الله عليه وآله يجب التمسك والعمل بها.
ثانياً: إن صاحبنا ينقل هذه الأقوال المنسوبة إلى النبي صلى الله عليه وآله ليقول إن الأمر الصادر منه صلى الله عليه وآله بالأخذ والتمسك بعترته في حديث الثقلين لا يدل على إمامة العترة الطاهرة من أهل بيته عليهم السلام، وإنما يدل على أنهم على هدى النبي صلى الله عليه وآله، وأنه يوجد غيرهم على هديه أيضاً، كالذين سماهم النبي صلى الله عليه وآله الخلفاء الراشدين من بعده، وكأمره بالاقتداء بسنة أبي بكر وعمر، والاهتداء
____________
(1) حوار مع الشيخ الألباني 115- 116.
ثالثاً: على فرض صحة هذه الرواية وصدور هذا القول منه صلى الله عليه وآله فمراده بالخلفاء الراشدين بلا شك الأئمة الإثنى عشر الذين خلفهم النبي صلى الله عليه وآله في أمته، فهذا الحديث مؤيد لحديث الثقلين وغير معارض له بحال من الأحوال.
فقد ثبت وصح عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: (إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم إثنا عشر خليفة كلهم من قريش)(1)، وفي رواية: (يكون بعدي إثنا عشر خليفة كلهم من قريش)(2)، وفي أخرى: (لا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة أو يكون عليكم إثنا عشر خليفة كلهم من قريش)(3).
وحديث الإثني عشر هذا من الأحاديث التي حار فيها أهل السنة، فقد شرّقوا وغرّبوا في بيان مصاديقه من الخلفاء، وأخذوا يبحثون عنهم بين أولئك الذين تولوا سدّة الحكم من بعد رسول الله صلى الله عليه وآله
____________
(1) صحيح مسلم 3/1452 برقم: 1821.
(2) صحيح ابن حبان 15/43 برقم: 6661.
(3) مسند أحمد بن حنبل 5/89 برقم: 20862.
والحق أن هذا الحديث لا ينطبق إلا على الأئمة الإثني عشر الطاهرين من أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله دون غيرهم(1).
رابعاً: (إن هذا الحديث يكذبه واقع الحال بين الصحابة أنفسهم، فقد وجدناهم كثيراً ما يخالفون سنة أبي بكر وعمر، والمفروض أنهما من الخلفاء الراشدين (عند أهل السنة) بل لقد خالف الثاني منهما الأول في أكثر من مورد!! فلو كان هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله حقّاً لما وقعت تلك الخلافات والمخالفات... هذا ما ذكره جماعة، وعلى أساسه أوّلوا الحديث، وقد نص شارح مسلّم الثبوت (فواتح الرحموت في شرح مسلّم الثبوت 2/231) على ضرورة تأويله)(2).
____________
(1) ومن اراد المزيد من الاطلاع حول هذا الحديث فعلية بمراجعة كتاب (مسائل خلافية حار فيها أهل السنة للشيخ علي آل محسن صفحة 5) وكتاب (مطارحات في الفكر والعقيدة صفحة 61) إصدار مركز الرسالة التابع لآية الله العظمى السيد على الحسيني السيستاني.
(2) الرسائل العشر (للميلاني) الرسالة (3) صفحة 16.